[320]

وهنا موائد :

المائدة الاولى : في حقيقة الرزق

وهو في اللغة استعمل في معان: (1) كل ما ينتفع به.

(2) مايخرج للجندي رأس كل شهر.

(3) العطاء، وقيل العطاء الجاري.

(4) ما يفرض للمقاتلة.

(5) مايعين للفقراء.

(6) المطر، وفي القرآن الكريم: " وما انزل الله من السماء من رزق فأحيا به الارض، الخ ".

(7) الشكر.

قيل: وهي لغة أزدية، وفي القرآن المقدس: " وتجعلون رزقكم انكم تكذبون ".

(8) النصيب.

(9) ما يصل الى الجوف ويتغذى به (98).

وقال الراغب في المفردات: الرزق يقال للعطاء الجاري تارة، دنيويا كان ام أخرويا، وللنصب تارة (99) ولما يصل الى الجوف ويتغذى به تارة، يقال: أعطى السلطان رزق الجند، ورزقت علما، قال (تعالى): " وانفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت " اي من المال والجاه والعلم.

وكذلك قوله: " ومما رزقناهم ينفقون " وقوله: " كلوا من طيبات ما رزقناكم " وقوله: " وتجعلون رزقكم انكم تكذبون " اي وتجعلون

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(98) وغير خفي على البصير ان هذه المعاني لا تقابل بينهما، اي ليس كل واحد منها قسيما للاخر، بل اغلبها يرجع الى معنى عام مشترك، وبما ان اللغويين ليس لهم سبيل الى الوضع، بل غاية بضاعتهم الاطلاع على موارد الاستعمال، ورأوا ان أهل اللسان استعملوا اللفظ في هذه المعاني ظنوا ان كل واحد منها موضوع له في قبال الاخر.

(99) وقال بعض المحققين: الرزق في اللغة: العطاء، ويطلق على النصيب المعطي نحو ذبح ورعي - بالكسر - للمذبوح والمرعي.

وقيل: هو بالفتح مصدر، وبالكسر اسم، الخ.

 

[321]

نصيبكم من النعمة تحري الكذب.

وقوله: " وفي السماء رزقكم " قيل: عنى به المطر الذي به حياة الحيوان.

وقيل: هو كقوله: " وانزلنا من السماء ماء " وقيل: تنبيه (على) ان الحظوظ بالمقادير.

وقوله تعالى: " فليأتكم برزق منه " اي بطعام يتغذى به.

وقوله تعالى: " والنخل باسقات لها طلع فضيد، رزقا للعباد " قيل: عنى به الاغذية.

ويمكن ان يحمل على العموم فيما يؤكل ويلبس ويستعمل، وكل ذلك مما يخرج من الارضين وقد قيضه الله بما ينزله من السماء من الماء.

وقال في العطاء الاخروي: " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا، بل احياء عند ربهم يرزقون " اي يفيض الله عليهم النعم الاخروية.

وكذلك قوله: " ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا " وقوله: " إن الله هو الرزاق ذو القوة " فهذا محمول على العموم.

والرازق يقال لخالق الرزق ومعطيه والمسبب له وهو الله تعالى، ويقال ذلك للانسان الذي يصير سببا في وصول الرزق، (100) والرزاق لا يقال الا لله تعالى.

وقوله: " وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين " اي بسبب في

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(100) قال الله تعالى في الاية 5، من سورة النساء: " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما، وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا " وقال في الاية التاسعة منها: " وإذا حضر القسمة اولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا " وقال تعالى في الاية 117، من سورة المائدة: " وانت خير الرازقين " وفى الاية 58، من سورة الحج: " وان الله لهو خير الرازقين " وفى الاية 71، من سورة المؤمنون: " وهو خير الرازقين " وفى آخر سورة الجمعة: " والله خير الرازقين ".

وقال عويف:

سميت بالفاروق فافرق فرقه * وارزق عيال المسلمين رزقه

ويقال: رزق الطائر فرخه، اي يطعمه طعاما، قال الاعشى:

وكأنما تبع الصوار بشخصها * عجزاء ترزق بالسلي عيالها

 

[322]

رزقه، ولا مدخل لكم فيه، " ويعبدون من دون الله مالا يملك لهم رزقا من السماوات والارض ولا يستطيعون شيئا " أي ليسوا بسبب في رزق بوجه من الوجوه، وسبب من الاسباب.

ويقال: ارتزق الجند، أي اخذوا أرزاقهم، والرزقة: ما يعطونه دفعة واحد.

وأما الرزق بمعناه العرفي والشرعي فقد اختلف فيه.

قال بعض المحققين ما حاصله: الرزق عند الا شاعرة ما انتفع بى حي سواء كان بالتغذي أو غيره، مباحا كان أو حراما.

وربما قال بعضهم: هو ما تتربى به الحيوانات من الاغذية والاشربة لاغير.

قال الامدي: والتعويل على الاول.

وأما المعتزلة، فلما أحالوا تمكين الله تعالى من الحرام، لانه منع من الانتفاع به، وأمر بالزجر عنه قالوا: الرزق ماصح الانتفاع به وليس لاحد منعه منه، فلا يكرم الحرام رزقا.

واستدلوا بقوله تعالى: " ومما رزقناهم ينفقون " حيث اسند الرزق الى نفسه، إيذانا بأنهم ينفقون من الحلال الطيب الطلق، فان انفاق الحرام بمعزل عن ايجاب المدح.

وبقوله تعالى: " قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا ".

حيث ذم المشركين على تحريم ما رزقهم الله.

وتمسكت الا شاعرة لشمول الرزق للحلال والحرام معا بما رووه عن صفوان بن أمية قال: كنا عند رسول الله (ص) إذ جاء عمر بن قرة فقال: يارسول الله ان الله كتب علي الشقوة، فلا أراني ارزق الا من دفي بكفي فأذن لي في الغناء.

فقال (ص): لا آذن لك، ولاكرامة، ولا نعمة، كذبت اي عدو الله، والله رزقك حلالا طيبا، فاخترت ما حرم الله من رزقه، مكان ما أحل الله لك من حلاله.

وبأنه لو لم يكن الحرام رزقا لم يكن المتغذي به طول عمره مرزوقا، وقد قال الله تعالى: " وما من دابة في الارض

 

[323]

الا على الله رزقها ".

وأجابت المعتزلة عن الحديث بالطعن في سنده تارة، وبالتأويل على تقدير صحته اخرى، وتأويله ان اطلاق الرزق على الحرام لمشاكلة قوله: فلا أراني ارزق، كقوله: تعالى: ومكروا ومكرا الله، وباب المشاكلة وان كان نوعا من المجاز، لكنه وسع كثير الورود في القرآن والحديث، فاش في نظم البلغاء ونثرهم.

وعن قولهم: لو لم يكن الحرام رزقا لم يكن المتغذي به طول عمره مرزوقا، بأن مادة النقض لابد وأن تكون متحققة، وليس الامر كذلك إذ لا يتصور حيوان كذلك، اما غير الانسان فلانه لا يتصور بالنسبة إليه حل ولا حرمة، وأما الانسان فلو لم يكن يأكل من الحلال الا مدة عدم التكليف لكفى في دفع النقض (101).

وأيضا فالرزق أعم من الغذاء باجماع المعتزلة وجمهور الاشاعرة، ولا يشترط الانتفاع به بالفعل، فالنقض بالمتغذي طول عمره بالحرام انما يرد لو لم ينتفع مدة عمره بشئ انتفاعا محللا، ولا يشرب الماء ولا يتنفس في الهواء، بل ولاتمكن من الانتفاع بذلك أصلا، وظاهر ان هذا مما لا يوجد.

وللمعتزلة أن يقولوا أيضا: لو مات حيوان قبل ان يتناول شيئا -

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(101) وبعبارة واضحة: اعمال الانسبان - ومنها تغذيه - قبل البلوغ بحسب الحكم الشرعي كاعمال الحيوان لا تتصف بالاباحة ولا الحرمة ولاغيرهما من الاحكام الخمسة، فلا يتصور بالنسبة الى الصبيان وغير البالغين التغذي بالحرام، واما بعد البلوغ فلانه بعد ماكان الرزق أعم من الغذاء باتفاق المعتزلة والاشاعرة يشمل التنفس في الهواء، ومعلوم انه مباح في حقه قطعا فلم يوجد حيوان لارزق له الا الحرام طول عمره، ويوضحه انه لو مات انسان قبل ان يأكل شيئا، لزم ان يكون غير مرزوق، فما هو جواب الاشاعرة فهو جواب المعتزلة.

 

[324]

لامن الحلال ولا الحرام - يلزم ان يكون غير مرزوق، فما هو جوابكم فهو جوابنا، انتهى.

وقال بعض الاكابر: لاشك ان ما نشاهده من الموجودات اعم من الجماد والنبات والحيوان والانسان لا يكفيها اصل الوجود للبقاء، بل تستمد في بقائها بأمور اخر خارجة عن وجودها، اما بضمها الى انفسها بالاقتيات والاغتذاء، أو بوجه آخر بالايواء واللبس والتناسل ونحوها، وهذا المعنى في الانسان وسائر اقسام الحيوان اوضح، وهو الززق الذي عليه يتوقف بقاء أقسام الحيوان، من غير فرق في ذلك بينها أصلا، وقد قال تعالى: " وما من دابة في الارض الا على الله رزقها " فالرزق مما لا يستغني عنه موجود في بقائه، واذ خلق الله هذه الاشياء لبقائها، فقد خلق لها رزقا، فاستناد البقاء إليه تعالى يوجب استناد الرزق إليه من غير شك، قال تعالى: " فو رب السماء والارض انه لحق مثل ما انكم تنطقون " وكون الرزق بهذا المعنى أمرا تكوينيا غير مربوط بعالم التكليف كالشمس في رائعة النهار، فان الحدوث والبقاء ولوازم كل منهما امور تكوينية بلا ريب، ثم ان الانسان لما تعلق التكليف ببعض أفعاله المتعلقة بالارزاق كالاكل والشرب والنكاح واللباس ونحوها، والززق مما يضطر إليه تكوينا، كان لازم ذلك ان لا تتعلق الحرمة والمنع الا بماله مندوحة عنه، والا كان تكليفا بما لا يطاق قال تعالى: " وما جعل عليكم في الدين من حرج " وقال: " ان الله لا يأمر بالفحشاء " وكان لازم ذلك ان في موارد المحرمات ارزاقا الهية محللة هي المندوحة للعبد، وهي الارزاق المنسوبة إليه تعالى بحسب النظر التشريعي دون المحرمات.

فتحصل ان الرزق رزقان: رزق تكويني وهو كل ما يستمد به موجود في بقائه كيف كان.

ورزق تشريعي وهو الحلال الذي يستمد به الانسان

 

[325]

في الحياة، دون الحرام فانه ليس برزق منه تعالى، هذا هو الذي يتحصل من الكتاب والسنة بعد التدبر فيهما.

وقال الحكيم القدوسي، المحقق الطوسي أعلى الله مقامه: الرزق ماصح الانتفاع به ولم يكن لاحد منعه، والسعي في تحصيله قد يجب وقد يستحب وقد يباح وقد يحرم.

اقول: الرزق قد يطلق ويراد منه ذوات الاشياء التي خلقها الله تبارك وتعالى لانتفاع الحيوان بها وتغذيه منها، وهذا القسم مادام لم يحرزه احد، ولم يتسلط عليه بأحد العناوين المملكة أو المخصصة، أو المبيحة بحكم الشرع أو العقل، لا يصح ان ينسب الى شخص معين وحيوان مخصوص، فيقال مثلا: الفاكهة الموجودة في جزيرة البحر غير المملوكة أو المحجوزة رزق لزيد.

إذ نسبتها الى زيد وغيره على حد سواء، فما دام لم تحصل جهة تخصصها بفرد معين لا تصح اضافته إليه، وذلك مثل جميع الاغذية الموجودة في البراري وقلل الجبال المحفوظة عن استيلاء البشر عليها، وكذلك اللؤلؤ والمرجان، والكنوز الثابته في قعر البحار وشواهق الجبال فانها كما يصح اطلاق المال أو الغذاء أو الحلي أو الطعام عليها، كذلك يصح اطلاق الرزق عليها بمعنى انها مما يصح ان تجعل غذاء، وانها مما اوجدها الله تعالى لتقوت الحيوان وتغذيه منها، وكما لا يصح ان ينسب الى شخص معين بانها ماله أو غذاؤه أو حليه أو طعامه، لا يصح أيضا ان يقال انها رزقه، فترى ماهذا سبيله في حين انها رزق على الحقيقة، ليس برزق لمعين أيضا على الحقيقة، وقد يطلق الرزق ويراد منه ماله الى شخص معين علاقة واضافة خاصة سواء كان حدوث هذه العلاقة ناشئا من عمل الحيوان واختياره كما إذا حاز الاغذية المباحة أو تملكها ببيع أو موهبة أو صلح أو غيرها، أو كانت العلاقة الحادثة غير اختيارية له، كما إذا مات مورثه، أو حملت

 

[326]

الريح الفلك المملوء من الجواهر التي أبيد اهلها إليه، أو انشقت الارض أو الجبال بالزلزال فألقيت الكنوز في حجره، أو غيرها من انحاء الاستيلاء المبيح للانتفاع شرعا وعقلا، فإذا حدثت هذه العلاقة بين شخص وما أعده الله للانتفاع به، فلا يكون رزقا لغير صاحب العلاقة، ولايجوز في حال الاختيار الانتفاع به من دون رضا صاحبه، فمن حال بينه وبين ذي العلاقة فهو ظالم، وجميع انتفاعاته حرام، وفاعله مستحق للعقوبة، وحينئذ نسأل الاشاعرة القائلين: بان الرزق ما أكل ولو كان حراما.

أو ما ساقه الله الى الحيوان فانتفع به (102)، ونقول لهم: هل مجرد الاكل والانتفاع من طعام أحد أو ماله يوجب سلب علاقته منه، وايجاد علاقة مماثلة لتلك العلاقة للاكل والمنتفع ؟ ! فحينئذ جميع الغاصبين والظالمين يأكلون أرزاقهم، فما معنى قوله تعالى: " ان الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما انما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا " ؟ ؟ ! وما معنى قوله تعالى: " والسارق والسارقة فاقطعوا ايديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله " ؟ ؟ ! فلو كان الغاصب والسارق قد أخذا ما رزقهما الله تعالى وساقه اليهما لكان المطالب له برد ما أخذا ظالما لهما، ولم يجز في شريعة العدل ان يعاقبا عليه، لافي الدنيا ولافي الاخرة، بل كانا ممدوحين على انفاقهما منه، كما مدح الله تعالى من انفقه من حل، فقال: " انما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون، الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون، اولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عندهم ربهم ومغفرة ورزق كريم " فجعل انفاق الرزق من صفات المؤمنين، فلما لم يكن للغاصبين انفاق ما اغتصبوه وكانوا مذمومين عليه معاقبين على

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(102) وهذا أيضا يشمل الاول، الا انه اعم منه، فيشمل الملبوس والمنكوح، فمن اشتبه الامر عليه فعقد على امه أو اخته أو بنته وعمل ما يعمله الرجال مع النساء فهذا رزقه، وكذا لو تخيل انها زوجته فبان الخلاف.

 

[327]

تصرفهم فيه، دل ذلك على ان الله تعالى لم يرزقهم اياه في الحقيقة، وإذا لم يكن رزقا للغاصب فهو رزق للمغصوب منه، وان حال الغاصب بينه وبينه.

ونقول أيضا: الشئ الذي يصح الانتفاع به إذا استولى عليه غير صاحبه هل يجوز عليه ان يصلي فيه لو كان ملبوسا أو مسكونا، وهل يجب الحج على المسيطر عليه، لاجل انه انتفع به وصار ذا مكنة، وهل تجب الزكاة عليه إذا قلبه فنما وربح حتى بلغ حد النصاب، الى غير ذلك من الفروع ؟ ! وليعلم ان النزاع مع الاشاعرة في امثال المقام لا طائل تحته، بعد اعتقادهم بالجبر، وان جميع ما يصدر من المكلفين فهو على سبيل الاضطرار كاشراق الشمس وحرارة النار، ورطوبة الماء، وان لاصنع ولا اثر الا لله تعالى، وان الظالم مقهور على الظلم ولا يمكنه الكف، فقابيل لم يكن قادرا على ترك قتل هابيل، بل القتل ما صدر من قابيل بل الله هو القاتل، إذ لو كان القتل من قابيل لزم ان يكون في دار الوجود مؤثر غير الله ! ! وكذا الذي قطع رأس يحيى ووضع المنشار على رأس زكريا هو الله المتفرد بالمؤثرية، والا لزم وجود مؤثر غير الله ! ! بل جميع الانبياء والاولياء والصلحاء الذين ابتلوا واوذوا أشد الايذاء وقتلوا تقتيلا، كان ايذاؤهم وقتلهم من الله ! ! بل ان معصية الشيطان واباءه ايضا من الله، والا يلزم وجود مؤثر غير الله ! ! وفساد هذا المذهب اظهر من فساد عقيدة النصارى في الاقانيم الثلاثة والقول بالتثليث، واستحالته اوضح من استحالة الدور والخلف والتناقض، فان كنت في شك مما قلنا فارجع الى كتاب احقاق الحق للشهيد القاضي نور الله نور الله مرقده، فأنه لاجل اشتماله على كتاب فاضل اهل السنة ابن روزبهان، وغرة بياض علماء الامامية العلامة الحلي (ره) يجسم ويمثل لك خارجيا دعاوى الطرفين وبراهين الخصمين.

وان تراجع كتاب دلائل الصدق أيضا فنعم البديل، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

 

[328]

المائدة الثانية: في أن الرزق هل يقبل الزيادة والتوفير بالسعي والاكتساب أم لا ؟

ظاهر كثير من الادلة عدم قبوله للازدياد والتكثير، ولو يطلب بتمام الجد، ويسعى له في جميع الافاق.

وصريح بعض الادلة، وظاهر كثير منها أن بعض أقسامه يقبل التكثير بالاكتساب، وبالحذاقة في التدبير، واقتناء المال.

اما القسم الاول فنشير إليه على طريق الاجمال ومن باب بيان نموذج منه فنقول: مما يدل على عدم قبول الارزاق للتكثير ما رواه غير واحد (بل كثير) من الخاصة والعامة ورواه في مستدرك البحار: 17، 414، عن اصل عاصم بن حميد، (103) ورواه الكليني (ره) في الحديث الثاني، عن الباب 36، من كتاب الايمان والكفر من الكافي: 2، 74، معنعنا انه خطب رسول الله صلى الله عليه وآله في حجة الوداع فقال: يا أيها الناس والله مامن شئ يقربكم من الجنة ويباعدكم من النار الا وقد أمرتكم به، وما من شئ يقربكم من النار ويباعدكم من الجنة الا وقد نهيتكم عنه، ألا وان الروح الامين نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحمل احدكم استبطاء شئ من الرزق أن يطلبه بغير حله، فانه لا يدرك ما عند الله الا بطاعته.

وقريب منه في البحار: 23، 10، عن امالي الصدوق، وص 11، عن تفسير القمي، وص 12، عن التمحيص.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(103) ورواه في الحديث 1، من الباب 10، من مستدرك الوسائل: 2، 418 عن أصل عاصم.

وفى الحديث 10، عن ابن عمر.

وفى الحديث 4، عن التمحيص.

وفى الحديث 13، عن كتاب الاخلاق.

وفى الحديث 15، عن كتاب علاء بن رزين.

وفى الباب اخبار كثيرة شاهدة للمدعى.

 

[329]

وروى في فلاح السائل عنه (ص) انه قال: ان من ضعف اليقين ان ترضي الناس بسخط الله تعالى، وأن تحمدهم على رزق الله تعالى، وان تذمهم على ما لم يؤتك الله، ان رزق الله لا يجره حرص حريص، ولا يرده كراهة كاره.

وقال (ص): أيها الناس ان الرزق مقسوم، لن يعدو امرء ما قسم له، فأجملوا في الطلب، وان العمر محدود لن يتجاوز أحد ما قدر له، الخ.

البحار: 23، 10.

وروى ابن أبي الحديد في شرح المختار 31، من كتب النهج عنه (ص) أنه قال: وان يقدر لاحدكم رزق في قبة جبل أو حضيض بقاع يأته.

وقال (ص) عند منصرفه من أحد: أيها الناس اقبلوا على ما كلفتموه من اصلاح آخرتكم وأعرضوا عما ضمن لكم من دنياكم، ولا تستعملوا جوارح غذيت بنعمته في التعرض لسخطه بمعصيته، واجعلوا شغلكم في التماس مغفرته، واصرفوا همكم بالتقرب الى طاعته، من بدأ بنصيبه من الدنيا فاته نصيبه من الاخرة، ولم يدرك منها ما يريد، ومن بدأ بنصيبه من الاخرة وصل إليه نصيبه من الدنيا، وأدرك من الاخرة ما يريد، ان الله يعطي الدنيا بعمل الاخرة، ولا يعطي الاخرة بعمل الدنيا.

البحار: 23، 10.

واما كلام امير المؤمنين (ع) في هذا المعنى فكثير أيضا، منه قوله (ع) في المختار الاول، من الوصايا: ان المال مقسوم مضمون لكم، قد قسمه عادل بينكم، وسيفي لكم، الخ.

ومنه قوله (ع) في المختار 90، من خطب نهج البلاغة: عياله الخلق، ضمن أرزاقهم، وقدر أقواتهم، الخ.

وقال (ع): قد تكفل لكم بالرزق، وأمرتم بالعمل، فلا يكونن المضمون لكم طلبه اولى (104) بكم من المفروض عليكم عمله، الخ.

المختار 110، من

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(104) قيل: طلبه مبتدأ وخبره اولى، والجملة خبر يكون.

 

[330]

خطب النهج.

وقال (ع): وقدر الارزاق فكثرها وقللها وقسمها على الضيق والسعة، فعدل فيها ليبتلي من أراد بميسورها ومعسورها، وليختبر بذلك الشكر والصبر من غنيها وفقيرها.

المختار 87، أو 89 من خطب النهج 177.

وفي مستدرك الوسائل 2، ص 419، عن الامدي (ره) في الغرر عنه (ع) قال: الرزق يسعى الى من لا يطلبه.

وقال (ع): لن يفوتك ما قسم لك، فأجمل في الطلب، ولن تدرك مازوي عنك فأجمل في المكتسب.

وقال (ع): الارزاق لا تنال بالحرص والمغالبة.

وقال (ع): أجملوا في الطلب، فكم من حريص خائب، ومجمل لم يخب.

وقال (ع): ذلل نفسك بالطاعة، وحلها بالقناعة، وخفض في الطلب، وأجمل في المكتسب.

وقال (ع): رزقك يطلبك فأرح نفسك من طلبه.

وقال (ع): سوف يأتيك أجلك، فأجمل في الطلب، سوف يأتيك ما قدر لك، فخفض في المكتسب.

وقال (ع): عجبت لمن علم ان الله قد ضمن الارزاق وقدرها وان سعيه لا يزيده فيما قدر له منها وهو حريص دائب في طلب الرزق.

وروى السيد المرتضى (ره) في الحديث الرابع، من الفصل الاخير، من الفصول المختارة: ان الامام المجتبى عليه السلام قال لرجل: يا هذا ! لا تجاهد الطلب جهاد المغالب، ولا تنكل على التقدير اتكال المستسلم، فان ابتغأ الفضل من السنة، والاجمال في الطلب من العفة، (105) وليست العفة بدافعة رزقا،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(105) هذا هو الصواب، وفى النسخة: فان ابتغاء الفضل من السنة في

 

[331]

ولا الحرص بجالب فضلا، فان الرزق مقسوم، والاجل موقوت، واستعمال الحرص يورث المأثم.

ورواه أيضا في البحار: 17، 145، عن تحف العقول.

ورواه أيضا في المجلد 23، منه ص 12، عن قصص الانبياء على نحو ما استصوبناه.

ورواه في الحديث 8، من الباب 11، من كتاب التجارة، من مستدرك الوسائل: 2، 420، عن كتاب التمحيص.

ويدل عليه أيضا ما يجئ من قول السبط الشهيد عليه السلام: فان تكن الارزاق قسما مقدرا فقلة حرص المرء في السعي أجمل، الخ بل جميع ما نذكر من الكلام المنظوم المنسوب الى امير المؤمنين (ع) ظاهر في ذلك.

وما قاله الامام السجاد زين العابدين (ع)، في المختار الاول، من الصحيفة السجادية من قوله (ع): جعل لكل روح منهم قوتا معلوما مقسوما من رزقه، لا ينقص من زاده ناقص، ولا يزيد من نقص منهم زائد، الخ.

(106)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الاجمال والطلب، الخ.

ورواه في البحار: 23، 10، عن الحسين (ع)، وفى آخره: فان اتباع الرزق من السنة، والاجمال في الطلب من العفة، الخ.

(106) قال بعض المحققين من الشراح: وفى نسخة قديمة: " وجعل لكل ذي روح منهم قوتا، الخ ".

والقوت - بالضم - ما يؤكل ليمسك الرمق، ومنه الحديث: " أللهم اجعل رزق آل محمد قوتا " اي بقدر ما يمسك الرمق من المطعم، وفى الدعاء من طريق العامة: " وجعل لكل منهم قيتة مقسومة من رزقه " وهي فعلة من القوت، اي كمية من القوت، ومن في قوله (ع): منهم - ابتدائية أو بيانية.

وقوله (ع): معلوما، اي معلوم الوصف والقدر والوقت، على حسب ما تقتضيه الحكمة، وتستدعيه الارادة التابعة لها، لا بما تقتضيه القدرة، فان ذلك غير متناه، إذ تخصيص كل شئ بصفة معينة وقدر معين ووقت محدود دون ما عدا ذلك مع استواء الكل في الامكان واستحقاق تعلق القدرة به، لابد له من حكمة تقتضي اختصاص كل ذلك بما اختص به، وهذا البيان سر عدم تكوين

 

[332]

وما رواه العياشي، عن الحسين بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام، قال قلت له: جعلت فداك، انهم يقولون: ان النوم بعد الفجر مكروه، لان الارزاق تقسم في ذلك الوقت.

فقال: الارزاق موظوفة مقسومة، ولله فضل يقسمه من طلوع الفجر الى طلوع الشمس، وذلك قوله: " واسألوا الله من فضله " (107) ثم قال: وذكر الله بعد طلوع الفجر أبلغ في طلب الرزق من الضرب في الارض.

الحديث 7، من كتاب العدل، من البحار 2، ط الكمباني، و 5، 147، ط الحديث.

وما رواه الصدوق (ره) معنعنا في الحديث 12، من باب النوادر، من كتاب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الاشياء لا على وجه الكثرة حسب ما هو في خزائن القدرة، كما قال تعالى: " وان شئ الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم ".

وقوله (ع): مقسوما، أي معينا مفروزا عن غيره قسمة تقتضيها مشينه المبنية على الحكمة والمصلحة، ولم يفوض أمره إليهم علما منه بعجزهم عن تدبير انفسهم، كما قال تعالى: " نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحيوة الدنيا، الخ ".

قوله (ع): من رزقه، اما متعلق بجعل، أو بقوله: مقسوما.

ومن يحتمل ان تكون ابتدائية وبيانية وتبعيضية.

والضمير اما راجع الى الله فيكون من باب اضافة الشئ الى فاعله، تأكيدا لجعله أو قسمته، ليثق الانسان بوصول ما قدره الله إليه، فيكف عن الحرص والهلع في طلبه، أو الى الروح فيكون من باب اضافة الشئ الى صاحبه بيانا لعنايته سبحانه، وتمليكه ما يحتاج إليه.

وقوله (ع): من زاده، مفعول مقدم، وناقص فاعله، وهو اسم فاعل منه.

وكذا قوله: من نقص منهم مفعول، ومفعول نقص محذوف، أي نقصه منهم، والمعنى ان من زاد الله قوته أو رزقه منهم لا ينقصه ناقص، ومن نقصه سبحانه لا يزيده زائد، وقدم المفعول في الفقرتين لمزيد الاعتناء ببيان فعله تعالى، من الزيادة والنقصان.

(107) النساء: 31.

 

[333]

الفقيه: 4، 281، ط النجف: انه جاء رجل الى (الامام الصادق) جعفر ابن محمد عليهما السلام، فقال له: بأبي أنت وامي يابن رسول الله علمني موعظة.

فقال له عليه السلام: ان كان الله تبارك وتعالى قد تكفل بالرزق فاهتمامك لماذا، وان كان الرزق مقسوما فالحرص لماذا، وان كان الحساب حقا فالجمع لماذا، وان كان الخلف من الله عزوجل حقا فالبخل لماذا، وان كانت العقوبة من الله عزوجل النار فالمعصية لماذا، وان كان الموت حقا فالفرح لماذا، وان كان العرض على الله عزوجل حقا فالمكر لماذا، وان كان الشيطان عدوا فالغفلة لماذا، وان كان الممر على الصراط حقا فالعجب لماذا، وان كان كل شئ بقضاء من الله وقدره فالحزن لماذا، وان كانت الدنيا فانية فالطمأنينة إليها لماذا ؟ ! وقريب منه في الباب الثاني، من البحار: 23، 10، عن امالي الصدوق.

وروى ثقة الاسلام الكليني (ره)، في الحديث الثاني، من الباب الثالث، من الكتاب الخامس، من الكافي 57.

والشيخ الطوسي (ره)، في الحديث الاخير، من المجلس الثاني، من الامالي 38 معنعنا، عن الامام الصادق عليه السلام انه قال: من صحة يقين المرء المسلم ان لا يرضي الناس بسخط الله، ولا يلومهم على ما لم يؤته الله، فان الرزق لا يسوقه حرص حريص، ولا يرده كراهية كاره، ولو ان أحدكم فر من رزقه كما يفر من الموت لادركه رزقه، كما يدركه الموت، الخ.

ورواه في البحار: 23، 12، عن قصص الانبياء.

وفي الحديث الثامن، من الباب 23، من كتاب الايمان والكفر، من الكافي: 2، 455 معنعنا، عن الامام الصادق عليه السلام قال: كم من طالب للدنيا لم يدركها، ومدرك لها قد فارقها، فلا يشغلنك طلبها عن عملك، والتمسها من معطيها ومالكها، فكم من حريص على الدنيا قد صرعته،

 

[334]

واشتغل بما ادرك منها عن طلب آخرته حتى فنى عمره وادركه أجله.

وفي الحديث التاسع، من الباب، ص 458، معنعنا عنه (ع) قال: انكم في آجال مقبوضة، وايام معدودة، والموت يأتي بغتة، من يزرع خيرا يحصد غبطة، ومن يزرع شرا يحصد ندامة، ولكن زارع ما زرع، ولا يسبق البطئ منكم حظه، ولا يدرك حريص ما لم يقدر له، من اعطي خيرا فالله اعطاه، ومن وقي شرا فالله وقاه.

وقال الامام العسكري عليه السلام: انكم في آجال منقوصة وايام معدودة، والموت يأتي بغتة، من يزرع خيرا يحصد غبطة، ومن يزرع شرا يحصد ندامة، لكل زارع ما زرع، لا يسبق بطئ بحظه، ولا يدرك حريص ما لم يقدر له، من أعطي خيرا الله أعطا، ومن وقي شرا فالله وقاه وقال (ع): لا يشغلك رزق مضمون، عن عمل مفروض.

تحف العقول: 368، ط النجف.

وقال (ع): المقادير الغالبة، لا تدفع بالمغالبة، والارزاق المكتوبة لا تنال بالشره، ولا تدفع بالامساك عنها.

البحار: 17، 218، ط الكمباني.

هذا قليل من كثير مما هو ظاهر أو صريح في أن الرزق لا يقبل الازدياد، بل ان ما قدر لك يصل اليك، وان لم تقم من مقامك، وان ما لم يقدر فلا يصل اليك، وان ابتغيت في السماوات سلما، أو في الارضين نفقا، وهو معتقد كثير من الناس.

وحكي ان كسرى لما قتل بزرجمهر وجد في منطقته مكتوبا: إذا كان الغدر في الناس طباعا فالثقة بالناس عجز، وإذا كان القدر حقا فالحرص باطل، وإذا كان الموت راصدا فالطمأنينة حمق.

وفي قبال هذه الاخبار آثار كثيرة آخر تدل على ان الرزق مما يقبل الوفور بالسعي وحسن التدبير، وحذاقة التحفظ والتربية، مثل قوله تعالى في سورة الجمعة: " فإذا قضيت الصلوة فانتشروا في الارض وابتغوا من

 

[335]

فضل الله الخ ".

ومثل ماروي في بعض الكتب: ان الله يقول: يابن آدم حرك يدك أبسط لك في الرزق، وأطعني فيما آمرك، فما اعلمني بما يصلحك.

ومثل ماروى الشيخ (ره) معنعنا عن علي بن عبد العزيز قال قال أبو عبد الله عليه السلام: ما فعل عمر بن مسلم ؟ قلت: جعلت فداك، اقبل على العبادة وترك التجارة.

فقال: ويحه، أما علم ان تارك الطلب لا يستجاب له دعوة، ان قوما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله لما نزلت: " ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب " اغلقوا الابواب، واقبلوا على العبادة، وقالوا قد كفينا، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأرسل إليهم، فقال: ما حملكم على ما صنعتم ؟ فقالوا: يارسول الله تكفل الله لنا بأرزاقنا، فأقبلنا على العبادة.

فقال (ص): انه من فعل ذلك لم يستجب له، عليكم بالطلب.

ومثل ماروي في كنز الفوائد وغيره، عن امير المؤمنين عليه السلام: الدنيا دول، فاطلب حظك منها بأجمل الطلب.

ومثل مان عن الكليني (ره)، عن عمر بن يزيد، عن ابي عبد الله عليه السلام قال: أرايت لو ان رجلا دخل بيته واغلق بابه، أكان يسقط عليه شئ من السماء ؟ ! وعن ابن فهد (ره)، في عدة الداعي، عن عمر بن يزيد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: اني لاركب في الحاجة التي كفانيها الله، ما اركب فيها الا لالتماس ان يراني الله أضحى في طلب الحلال، اما تسمع قول الله عزوجل: " فإذا قضيت الصلوة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله ".

أرايت لو ان رجلا دخل بيتا وطين عليه بابه، وقال رزقي ينزل علي، كائن يكون هذا ؟ اما انه أحد الثلاثة الذين لا يستجاب لهم دعوة.

قلت: من

 

[336]

هؤلاء ؟ قال رجل عنده المرأة فيدعو عليها فلا يستجاب له، لان عصمتها في يده ولو شاء ان يخلي سبيلها، والرجل يكون له الحق على الرجل فلا يشهد عليه، فيجحد حقه فيدعو عليه فلا يستجاب له، لانه ترك ما أمر به، والرجل يكون عنده الشئ فيجلس في بيته فلا ينتشر ولا يطلب ولا يلتمس الرزق حتى يأكله فيدعو فلا يستجاب له.

الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة الواردة في مختلف المقامات.

والذي يحل الاشكال، ويشرح المقصود من الاخبار السابقة هو الاخبار المفصلة بان الرزق نوعان، مثل هذا الكلام الذي نحن في مقام شرحه، فانه صريح في أن بعض اقسام الرزق يطلب الانسان، وبعض آخر يطلبه الانسان.

ومثل ما رواه في الوسائل، عن الشيخ المفيد (ره)، في المقنعة، عن الامام الصادق عليه السلام قال: الرزق مقسوم على ضربين: احدهما واصل الى صاحبه وان لم يطلبه، والاخر معلق بطلبه، فالذي قسم للعبد على كل حال آتيه وان لم يسع له، والذي قسم له بالسعي فينبغي لله أن يلتمسه من وجوهه، وهو ما أحله الله دون غيره، فان طلبه من جهة الحرام فوجده حسب عليه يرزقه وحوسب به.

 

[337]

المائدة الثالثة: في ذكر شئ مما قيل في المقام من الاشعار

ونسب الى امير المؤمنين عليه السلام، كما في المختار 21، من حرف الراء، من الديوان المنسوب إليه (ع)، ص 78:

للناس حرص على الدنيا بتدبير * وصفوها لك ممزوج بتكدير

كم من ملح عليها لا تساعده * وعاجز نال دنياه بتقصير

لم يرزقوها بعقل حينما رزقوا * لكنما رزقوها بالمقادير

لو كان عن قوة أو عن مغالبة * طار البزاة بأرزاق العصافير

وفي المختار العاشر، من حرف اللام، من الديوان المنسوب إليه (ع):

فلو ان العقول تجر رزقا * لكان الرزق عند ذوي العقول

... الخ وفي المختار 23، من الباب:

صن النفس واحملها على ما يزينها * تعش سالما والقول فيك جميل

وان ضاق رزق اليوم فاصبر الى غد * عسى نكبات الدهر عنك تزول

يعز غني النفس وان قل ماله * ويغنى غني المال وهو ذليل (108)

وروى في الباب الثاني، من البحار: 23، 12 عن جامع الاخبار عنه (ع):

دع الحرص على الدنيا * وفي العيش فلا تطمع

ولاتجمع من المال * فلا تدري لمن تجمع

ولا تدري أفي ارضك * ام في غيرها تصرع

فان الرزق مقسوم * وكد المرء لا ينفع

فقير كل من يطمع * عني كل من يقنع

ورواها عنه أيضا في المستدرك: 2، 420.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(108) يغنى، اي يمكث ويلبث، كقوله تعالى: " كأن لم تغن بالامس ".

 

[338]

وقال السبط الشهيد الامام الحسين عليه السلام:

قال تكن الدنيا تعد نفيسة * فان ثواب الله اعلى وأنبل

وان تكن الابدان للموت أنشأت * فقتل امرء بالسيف في الله أفضل

وان تكن الارزاق قسما مقدرا * فقلة حرص المرء في السعي أجمل

وان تكن الاموال للترك جمعها * فما بال متروك به المرء يبخل

وقال (ع):

إذا ما عضك الدهر * فلا تجنح الى خلق

ولا تسأل سوى الله * تعالى قاسم الرزق

فلو عشت وطوفت * من الغرب الى الشرق

لما صادقت من يقد * ر ان يسعد أو يشقي

وقال الشاعر:

لا تحرصن الحطام فانما * يأتيك رزقك حين يؤذن فيه

سبق القضاء بقدره وزمانه * وبأنه يأتيك أو تأتيه

وقال آخر:

أراك تزيدك الايام حرصا * على الدنيا كأنك لا تموت

فهل لك غاية ان صرت يوما * إليها قلت حسبي قد رضيت

وذكروا ان ابراهيم بن هرمة انقطع الى جعفر بن سليمان الهاشمي فكان يجري له رزقا، فقطعه، فكتب إليه ابن هرمة:

ان الذي شق فمي ضامن * للرزق حتى يتوفاني

حرمتني خيرا قليلا فما * ان زادني مالك حرماني

فرد إليه رزقه وأحسن إليه.

وأنشد لبعضهم:

التمس الارزاق عند الذي * ما دونه ان سيل من حاجب

من يبغض التارك تسأله * جودا ومن يرضى عن الطالب

 

[339]

ومن إذا قال جرى قوله * بغير توقيع الى كاتب

لابن وكيع النفيسي:

لاتحيلن على سعد * ك في الرزق ونحسك

وإذا أغفلك الدهر * فذكره بنفسك

لا تعجل بلزوم * البيت فيما قبل رمسك

انما يحمد حسن الرزق * من حمدة حسك

وانشد لابن أصبغ:

لو كان في صخرة في الارض راسية * صماء ملموسة ملس نواحيها

رزق لنفس براها الله لانفلقت * عنه فأدت الى كل ما فيها

أو كان بين طباق السبع مطلبها * لسهل الله في المرقى مراقيها

حتى يلاقي الذي في اللوح خط له * ان هي أتته والا سوف يأتيها

وقال حيص بيص أبو الفوارس:

يا طالب الرزق في الافاق مجتهدا * أقصر عناك فان الرزق مقسوم

الرزق يسعى الى من ليس يطلبه * وطالب الرزق يسعى وهو محروم

وقال أيضا:

أنفق ولا تخش اقلا لافقد قسمت * على العباد من الرحمان أرزاق

لا ينفع البخل مع دنيا مولية * ولا يضر مع الاقبال انفاق

وقال الاصم:

وكيف أخاف الفقر والله رازقي * ورازق هذا الخلق في العسر واليسر

تكفل بالارزاق للخلق كلهم * وللضب في البيدا وللحوت في البحر

وقال آخر:

مالك العالمين ضامن رزقي * فلماذا أملك الخلق رقي

قد قضى لي بما علي ومالي * خالقي جل ذكره قبل خلقي

فكما لايرد عجزي رزقي * فكذا لايجر رزقي حذقي