[303]
ومن وصية له عليه السلام
قال القاضي نعمان: وأوصى عليه السلام بأوقاف أوقفها من أمواله، ذكرها في كتاب وصيته، وكان فيما ذكره منها: هذا ما أوصى به وقفا، فقضى في ماله، علي بن أبطي الب إبتغاء وجه الله، ليولجني الله به الجنة ويصرفني عن النار، ويصرف النار عني يوم تبيض وجوه، وتسود وجوه.
ما كان لي بينبع (1) من مال ويعرف لي منها وما حولها صدقة ورقيقها، غير أن رباحا وأبا بيزد (2) وحبترا عتقاء ليس لأحد عليهم سبيل، وهم موالي يعملون في المال خمس حجج، وفيه نفقتهم ورزق أهاليهم، ومع ذلك ما كان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قال في المجمع: ينبوع - على زنة يفعول - من نبع الماء نبوعا، من باب قعد، ونبع نبعا - من باب نفع لغة.
وينبع بالفتح فالسكون وضم الموحدة قرية كبيرة بها حصن، على سبع مراحل من المدينة، نقل انه لما قسم رسول الله (ص) الفئ اصاب علي (ع) أرضا، فاحتفر عينا فخرج منها ماء ينبع في السماء (ظ) كهيئة عنق البعير، فسماها عين ينبع.
(2) كذا في النسخة، والمضبوط في كتب ثقة الاسلام الكليني (ره) وغيره: أبا نيزر.
[304]
لي بوادي القرى ثلثه مال بني فاطمة.
ورقيقها صدقة وما كان لي ببرقة (3) وأهلها صدقة غير أن زريقا له مثل ما كتبت لأصحابه وما كان لي بأذينة وأهلها صدقة والذي كتبت من أموالي هذه صدقة واجبة بتلة (4) حي أنا أو ميت تنفق في كل نفقة يبتغي بها وجه الله، وفي سبيل الله ووجهه وذوي الرحم من بني هاشم وبني عبد المطلب، والقريب والبعيد.
وإنه يقوم على ذلك الحسن بن علي، يأكل منه بالمعروف، وينفقه حيث يريه الله في حل محلل، لا حرج عليه فيه، وإن أراد أن يبدل مالا من الصدقة مكان مال، فإنه يفعل ذلك لا حرج عليه فيه، وإن أراد أن يبيع نصيبا من المال، فيقضي به الدين فعل إن شاء، ولا حرج عليه فيه.
وإن ولد علي ومالهم إلى الحسن بن علي وإن كان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) قال في مجمع البحرين: البرقة - بضم الباء وسكون الراء - أحد الحيطان السبعة، الموقوفة على فاطمة بنت رسول الله (ص) في المدينة.
(4) يقال: عطاء بتل، أي منقطع لا يشبهه عطاء، أو منقطع لا يعطى بعده عطاء، ويقال: بتل بتلا - من باب ضرب ونصر - وبتل الشئ: أبانه وقطعه عن غيره.
[305]
دار الحسن بن علي دارا غير دار الصدقة، فبداله أن يبيعها، فليبع إن شاء، ولا حرج عليه فيه فإن باع فثمنها ثلاثة أثلاث، يجعل ثلثا في سبيل الله، وثلثا في بني هاشم وثلثا في آل أبي طالب، يضعه فيه حيث يريه الله، وإن حدث بالحسن حدث والحسين حى فإنه إلى الحسين بن علي، وإن حسين ابن علي يفعل فيه مثل الذى أمرت حسنا، وله مثل الذي كتبت للحسن، وعليه مثل الذي على حسن، وإن الذي لبني فاطمة من صدقة علي (ع) مثل الذي لبني علي وإني إنما جعلت الذي جعلت إلى بني فاطمة.
إبتغاء وجه الله، ثم لكريم حرمة محمد (صلى الله عليه وآله) وتعظيما وتشريفا ورضى بهما.
فإن حدث بالحسن والحسين حدث، فإن ولد الآخر منهما ينظر في ذلك، وإن رآى أن يوليه غيره، نظر في بني علي فإن وجد فيهم من يرتضي دينه وأسلامه وأمانته جعله إليه إن شاء، وإن لم ير فيهم الذي يريده، فإنه يجعله إن شاء الى رجل من آل أبي طالب يرتضيه، فإن وجد آل أبي طالب يومئذ قد ذهب أكابرهم وذووا آرائهم وأسنانهم
[306]
فإنه يجعله إن شاء الى رجل يرضى حاله من بني هاشم، ويشترط على الذي يجعل ذلك إليه، أن يترك المال على أصله، وينفق ثمرته حيث أمرته في سبيل الله (عز وجل) ووجوهه وذوي الرحم من بني هاشم.
وبني عبد المطلب والقريب والبعيد لا يباع منه شئ ولا يوهب ولا يورث، وان مال محمد (صلى الله عليه وآله) على ناحيته إلى بنى فاطمة، وكذلك مال فاطمة الى بنيها (5).
الحديث 1284، من ج 2، من الدعائم 339،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(5) قال صاحب دعائم الاسلام: ثم ذكر (ع) باقي الوصية.
[307]
ومن وصية له عليه السلام
قال القاضي نعمان: وعن الامام السجاد والامام الباقر عليهما السلام أنهما ذكرا وصية أمير المؤمنين عليه السلام، فقالا: أوصى الى ابنه الحسن واشهد على وصيته الحسين ومحمد وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته، ثم دفع الكتب والسلاح إليه، ثم قال له.
أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (1) أن أوصى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وليعلم ان كل ما هو بين معقفتين من قوله: (صلى الله عليه وآله وسلم) كان في المصدر هكذا: (صلع) وكل ما كان من قول: (عز وجل) بينهما فكان في المصدر هكذا: (ع ج).
ولا يخفى انه لا يجوز التصرف في النصوص الواردة عن ائمة الدين (ع) الا إذا نصبت القرينة على مورد التصرف وشخص المزيد أو المنقوص، ولم تترتب مفسدة على ذلك.
وهنا لم يعلم هل كان في كلام أمير المؤمنين (ع) كلمة: (صلى الله عليه وآله وسلم) فاختصرها الراوي أو المصنف أو الكاتب، أم لم تكن هذه اللفظة المباركة في كلامه (ع) وانما زادها الراوي أو المصنف أو الكاتب لما ورد من استحباب الصلاة على النبي وآله إذا ذكر اسمه السامي صلى الله عليه واله وسلم، ولاجل الاختصار رمز إليها ب (صلع) فان كان الاول فلا يجوز مع عدم نصب القرينة على كمية الكلمات المرموز إليها، لما يترتب عليه من تفويت استنباط الاحكام من كلام امير المؤمنين (ع) إذ الفرض انه لم يشر الى كيفية كلام أمير المؤمنين (ع) وكميته، وان كان الثاني كما هو الظاهر من رسم الخط في الكتاب فلا بأس به، وانما غيرنا الصورة المرسومة في الكتاب لكونها غير مألوفة لدى القراء، وانما جعلناها بين معقفتين لتتميز عن ما قبلها وما بعدها.
وكذا الكلام في لفظة: (عز وجل) فانها كانت في الاصل هكذا (ع ج).
[308]
إليك، وأن أدفع اليك كتبي وسلاحي كما أوصى الي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ودفع الي كتبه وسلاحه وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفع ذلك الى أخيك الحسين - ثم أقبل الي (على) الحسين فقال: - وأمرك رسول الله أن تدفعه الى ابنك هذا - ثم أخذ بيد ابنه علي بن الحسين (ع) فضمه إليه، فقال له: - يا بنى وأمرك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن تدفعه الى ابنك محمد فاقراه من رسول الله ومنى السلام - ثم أقبل على ابنه الحسن فقال -: يا بني أنت ولي الأمر وولي الدم، فإن عفوت فلك، وان قتلت فضربة مكان ضربة، ولا تأتم (2).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) كذا في النسخة. - يقال: أتم - أتما (من باب نصر): إذا جمع بين شيئين واتم بالمكان: اقام. واتم: أبطا. ولا يخفى مناسبة الكل للمقام. ويشهد لها ما سنذكره عن كتاب العدد القوية، من قوله (ع): يا بني إذا انامت فالحقوا بي ابن ملجم، الخ.
وفى غير واحد من النسخ، وكذلك في غير واحد من مصادر أخر): (ولا تأثم) وكأنه (ع) أراد أن لا يتجاوزوا من القتل الى المثلة والتعذيب حيا، كما هو داب اهل الدنيا وعظماء دار الغرور.
ومما يشهد أيضا للمعاني الاول: ما رواه السيد الامين رضوان الله عليه من مستدرك الحاكم، من أنه (ع) لما ضربه اللعين أوصى (ع) فقال: أحسنوا إليه، فان اعش فهضم أو قصاص، وان أمت فعاجلوه فاني مخاصمه عند ربي عز وجل.
وفى رواية للحاكم: لما جاؤا بابن ملجم الى علي (ع) قال: اصنعوا به ما صنع رسول الله (ص) برجل جعل له لقتله، فامر ان يقتل ويحرق بالنار.
وروى أيضا بسنده عن أبي اسحاق الهمداني قال: رأيت قاتل علي بن ابي طالب يحرق بالنار في اصحاب الرماح.
، وقال اليعقوبي رحمه الله في التأريخ: وأتي بابن ملجم الى علي فقال: ابن ملجم ؟ قال: نعم.
فقال: يا حسن شأنك بخصمك فاشبع بطنه، واشدد وثاقه، فان مت فالحقه بي أخاصمه عند ربي وان عشت فعفوا أو قصاص.
[309]
وكان (ع) قبل ذلك قد خص الحسن والحسين (ع) بوصية أسرها اليهما، كتب لهما فيها أسماء الملوك (3) في هذه الدنيا، ومدة الدنيا وأسماء الدعاة الى يوم القيامة، ودفع اليهما كتاب القرآن وكتاب العلم، ثم لما جمع الناس قال لهما ما قال، ثم كتب (ع) كتاب وصية وهو هذا:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) سنذكر فصلا مشبعا في اخباره عليه السلام بالمغيبات، في الباب الخامس من كتابنا هذا، ونشير هنا الى بعض ما يستأنس به، فأقول: ومن كلام له عليه السلام: (والله لو شئت أن أخبر كل رجل منكم بمخرجه ومولجه وجميع شأنه لفعلت، ولكن أخاف أن تكفروا في برسول الله صلى الله عليه وآله، الا واني مفضيه الى الخاصة ممن يؤمن ذلك منه، والذي بعثه بالحق، واصطفاه على الخلق، ما انطق الا صادقا، ولقد عهد الي بذلك كله، وبمهلك من يهلك، ومنجى من ينجو، ومآل هذا الامر، وما القى شيئا يمر على رأسي الا أفرغه في أذني وأفضى به الي، الى آخر ما هو مذكور في النسخة التي شرحها ابن ابي الحديد.
وفى بصائر الدرجات، عن محمد بن الحسين، عن عبد الرحمان ابن أبي هاشم، وجعفر بن بشير، عن عينة، عن المعلى بن الخنيس، قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام، إذ أقبل محمد بن عبد الله، فسلم ثم ذهب، فرق له (فرد له ظ) أبو عبد الله عليه السلام، ودمعت عيناه، فقلت له: لقد رأيتك صنعت به ما لم تكن تصنع، قال: رققت له لانه ينسب في أمر ليس له لم اجده في كتاب علي عليه السلام من خلفاء هذه الامة ولا ملوكها.
تنقيح المقال ج 2 ص 142، ط الاول بالنجف الاشرف.
وعن اعلام الورى، عن كتاب الواحدة، قال حدث أصحابنا أن محمد بن عبد الله بن الحسن، قال لابي عبد الله (ع): والله اني لاعلم منك، وأسخى منك، وأشجع منك.
فقال عليه السلام: أما ما قلت انك أعلم مني فقد أعتق جدي وجدك (يعني عليا أمير المؤمنين عليه السلام) الف نسمة من كد يده فسمهم لي، وان احببت ان اسميهم لك الى آدم.
وأما ما قلت: انك أسخى مني فو الله مابت ليلة قط، ولله علي حق يطالبني به.
وأما ما قلت: انك أشجع مني فكأني برأسك وقد جئ به ووضع على حجر الزنابير، يسيل منه الدم الى موضع كذا وكذا.
وفى الحديث 7، من الباب 40، من كتاب الحجة من أصول الكافي 242، عن علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينه، عن فضيل بن يسار، وبريد بن معاوية وزرارة، أن عبد الملك بن أعين، قال لابي عبد الله عليه السلام، ان الزيديدة والمعتزلة قد أطافوا بمحمد بن عبد الله، فهل له سلطان ؟ فقال: والله ان عندي لكتابين فيهما تسمية كل نبي، وكل ملك يملك الارض، لا والله ما محمد بن عبد الله في واحد منهما.
وفى الحديث 8، من الباب، روى الكليني عن محمد بن يحيى، عن أحمد ابن محمد عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن عبد الصمد بن بشير، عن فضيل بن سكرة، قال: دخلت علي أبي عبد الله عليه السلام، فقال: يا فضيل اتدري في أي شئ كنت انظر قبيل ؟ قال قلت: لا.
قال: كنت أنظر في كتاب فاطمة عليها السلام، ليس من ملك يملك الارض، الا وهو مكتوب فيه باسمه واسم أبيه، وما وجدت لولد الحسن فيه شيئا.
وقد ذكر ابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة من هذا النمط شيئا كثيرا.
وقال ابن شهر أشوب (ره) في فصل أنه (ع) قسيم الجنة والنار من مناقب آل ابي طالب: 2، ص 11، ط النجف: قال عمرو بن شمر: اجتمع الكلبي والاعمش، فقال الكلبي: أي شئ أشد من ما سمعت من مناقب علي عليه السلام.
فحدث بحديث عباية: (انه قسيم النار) فقال الكليني: وعندي أعظم مما عندك، أعطى رسول الله عليا كتابا فيه أسماء أهل الجنة وأسماء أهل النار.
[310]
بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا ما أوصى به عبد الله علي بن أبي طالب لآخر أيامه من الدنيا وهو صائر إلى برزخ الموتى والرحيل عن الاهل والأخلاء وهو يشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله وأمينه صلوات الله عليه وعلى آله وعلى اخوانه المرسلين وذريته الطيبين
[311]
وجزى الله عنا محمدا أفضل ما جزى (به خ) نبيا عن أمته.
وأوصيك يا حسن وجميع من حضرني من أهل بيتى وولدي وشيعتي بتقوى الله ولا تموتن الا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا فانى سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصوم.
وأوصيكم بالعمل قبل أن يؤخذ منكم بالكظم، وباغتنام
[312]
الصحة قبل السقم، وقبل أن تقول نفس يا حسرتي علي ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين أو يقول: لو أن الله هداني لكنت من المتقين (4).
وأني ومن أين وقد كنت للهوى متبعا، فيكشف عن بصره، وتهتك له حجبه، لقول الله عز وجل.
فكشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم حديد (5) أني له البصر، الا أبصر قبل هذا الوقت الضرر، قبل أن تحجب التوبة بنزول الكربة فتمنى النفس أن لو ردت لتعمل بتقواها فلا ينفعها المنى.
وأوصيكم بمجانبة الهوى فإن الهوى يدعو الى العمى وهو الضلال في الآخرة والدنيا وأوصيكم بالنصيحة لله عز وجل وكيف لا تنصح لمن أخرجك من أصلاب أهل الشرك وأنقذك من جحود أهل الشك فأعبده رغبة ورهبة، وما ذاك عنده بضائع.
وأوصيكم بالنصيحة للرسول الهادي محمد (صلى الله عليه وآله) ومن النصيحة له أن تؤدوا إليه أجره، قال الله عز
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) الآية (55) من سورة الزمر.
(5) الآية (22) من سورة قاف: 50.
[313]
وجل: قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربي (6) ومن وفي محمدا أجره بمودة وقرابته، فقد أدى الامانة، ومن لم يؤدها كان خصمه، ومن كان خصمه خصمه ومن خصمه فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير، يا أيها الناس إنه لا يحب محمد إلا لله، ولا يحب آل محمد إلا لمحمد ومن شاء فليقلل (7) ومن شاء فليكثر، وأوصيكم بمحبتنا والإحسان إلى شيعتنا فمن لم يفعل فليس منا، وأوصيكم بأصحاب محمد الذين لم يحدثوا حدثنا ولم يؤووا محدثا، ولم يمنعوا حقا، فان رسول الله (صلى الله عليه واله) قد أوصانا بم ولعن المحدث منهم ومن غيرهم.
وأوصيكم بالطهارة التي لا تتم الصلاة.
إلا بها وبالصلاة التي هي عمود الدين، وقوام الاسلام، فلا تغفلوا عنها وبالزكاة التي بها تتم الصلاة، وبصوم شهر رمضان، وحج البيت الحرام، من استطاع إليه سبيلا وبالجهاد في سبيل الله فإنه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(6) الاية 23، من السورة 42: الشورى.
(7) وفى بعض النسخ:: فليقل.
[314]
ذروة الأعمال، وعز الدين والإسلام، والصوم فإنه جنة من النار، وعليكم بالمحافظة على أوقات الصلاة فليس مني من ضيع الصلاة، وأوصيكم بصلاة الزوال، فإنها صلاة الأوابين، وأوصيكم بأربع ركعات بعد صلاة المغرب فلا تتركوهن وإن ختم عدوا، وأوصيكم بقيام الليل من أوله إلى آخره (8) فإن غلب عليكم النوم (9) ففي آخره ومن منع بمرض فان الله يعذر بالعذر، وليس مني ولا من شيعتي من ضيع الوتر، أو مطل بركعتي الفجر (10) ولا يرد على رسول الله (صلى الله عليه واله) من أكل مالا حراما، لا والله، لا والله، لا والله، ولا يشرب من حوضه ولا تناله شفاعتة، لا والله ولا من أدمن شيئا (11) من هذه الاشربة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(8) في هامش بعض النسخ هكذا: وأوصيكم بقيام الليل من زوال الليل الى آخره.
وفى نسخة: واوصيكم بقيام الليل، وأوصيكم بقيام الليل.
(9) وفى نسخة: فان غلبكم النوم.
(10) مطله - (من باب نصر) مطلا حقه وبحقه: سوفه بوعد الوفاء مرة بعد الاخرى، كماطله مطالا ومماطله، وهذا محمول على شدة الندب، (11) وفى بعض النسخ: ولا من أدمن على شرب شئ من هذه الاشربة المسكرة.
[315]
المسكرة، ولا من زنى بمحصنة (12) لا والله، ولا من لا يعرف حقى ولاحق أهل بيتى، وهى اوجبهن، لا والله، ولا يرد عليه من اتبع هواه، ولامن شبع وجاره المؤمن جائع ولا يرد عليه من لم يكن قواما لله بالقسط.
إن رسول الله (صلى الله عليه واله) عهد إلي، فقال: يا علي مر بالمعروف وانه عن المنكر بيدك، فان لم تستطع فبلسانك، فان لم تستطع فبقلبك، وإلا فلا تلومن إلا نفسك، وإياكم والغيبة، فإنها تحبط الأعمال (العمل خ) صلوا الأرحام، وأفشوا السلام، (وأطعموا الصعام خ) وصلوا والناس نيام.
وأوصيكم يا بني عبد المطلب خاصة، ان يتبين فضلكم على من أحسن إليكم، وتصديق رجاء من أملكم، فإن ذلكم (ذلك خ) أشبه بأنسابكم، وإياكم والبغضة لذوي أرحامكم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(12) هي تستعمل لازمة ومتعدية، يقال: أحصنت المرأة: عفت فهي محصنة - بكسر الصاد -.
وأحصنها زوجها فهي محصنة - بفتح الصاد - وكذلك يقال: رجل محصن أي عفيف.
ومحصن - بالفتح - إذا احصنته امرأة.
[316]
المؤمنين، فإنها الحالقة للدين، وعليكم بمداراة الناس فإنها صدقة، وأكثروا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وعلموها أطفالكم (أولادكم خ) وأسرعوا بختان أولادكم، فإنه أطهر لهم ولا تخرجن من أفواهكم كذبة ما بقيتم، ولا تتكلموا با لفحش، فانه لا يليق بنا ولا بشيعتنا، وإن الفاحش لا يكون صديقا، وإن المتكبر ملعون، والمتواضع عند الله مرفوع، وإياكم والكبر.
فإنه رداء الله عز وجل، فمن نازعه رداءه قصمه الله.
والله الله في الأيتام، فلا يجوعن بحضرتكم، والله الله في ابن السبيل، فلا يستوحشن من عشيرته بمكانكم والله الله في الضيف لا ينصرفن إلا شاكرا لكم، والله الله في الجهاد للأنفس، فهي أعدى العدو لكم، فإنه قال الله تبارك وتعالى: (إن النفس لامارة بالسوء إلا ما رحم ربى) (13) وإن أول المعاصي تصديق النفس، والركون إلى الهوى، والله الله لا ترغبوا في الدنيا فان الدنيا هي رأس الخطايا، وهي من بعد إلى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(13) من الاية 52 من السورة 12: يوسف.
[317]
زوال، وإياكم والحسد، فإنه أول ذنب كان من الجن قبل الانس وإياكم وتصديق النساء، فإنهن أخرجن أباكم من الجنة، وصيرنه إلى نصب الدنيا، وإياكم وسوء الظن، فإنه يحبط العمل، واتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم (14) وعليكم بطاعة من لا تعذرون في ترك طاعته، وطاعتنا أهل البيت، فقد قرن الله طاعتنا بطاعته، وطاعة رسوله، ونظم ذلك في آية من كتابه، منا من الله علينا وعليكم، وأوجب (15) طاعته وطاعة رسوله وطاعة ولاة الأمر من آل رسوله (من أهل البيت خ) (16)، وأمركم أن تسألوا أهل الذكر، ونحن والله أهل الذكر (17)، لا يدعي ذلك غيرنا إلا كاذبا، يصدق ذلك قول الله عز وجل: (قد أنزل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(14) الاية 70، من السورة 33،: الاحزاب.
(15) وفى بعض النسخ: فوجبت طاعته (الى اخره).
والاية المشار إليها هي الآية (58) من السورة 4: النساء، واليك نصها: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله واطيعوا الرسول وأولي الامر منكم فان تنازعتم في شئ فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر ذلك خير وأحسن تأويلا).
(16) وفى بعض النسخ: من أهل بيت رسوله.
(17) كما في الآية (43)، من السورة 16: النحل وسيذكر (ع) الآية بلفظها.
[318]
الله إليكم ذكرا رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الضلمات إلى النور) (18) ثم قال: (فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون (19) فنحن أهل الذكر، فأقبلوا أمرنا، وانتهوا عما نهينا (إلى نهينا خ) ونحن الأبواب التي أمرتم أن تأتوا البيوت منها، فنحن والله أبواب تلك البيوت (20) ليس ذلك لغيرنا، ولا يقوله أحد سوانا.
أيها الناس هل فيكم أحد يدعي قبلي جورا في حكم أو ظلما في نفس أو مال فليقم (به خ) أنصفه من ذلك فقام رجل من القوم فأثنى عليه ثناء حسنا وأطرأه وذكر مناقبه في كلام طويل فقال (ع):
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(18) الآية 9 و 10، من سورة الطلاق: 65.
(19) الآية 43، من سورة النحل: 16.
ومراده (ع) أن الله جل شأنه أنزل اولا الآية الاولى، وبين مراده من قوله: (ذكرا) بأنه هو رسوله صلى الله عليه وآله، ثم اوجب على المكلفين تكليفا، وهو السؤال عن أهل الذكر والاخذ منهم، فانزل على رسوله، وعرف الله بتعريف العهد الذكري فقال: (فاسألوا اهل الذكر) أي أهل رسول الله (ص) الذي عظمنا شأنه وأنزلنا فيه قولنا: (قد انزل الله اليكم ذكرا رسولا يتلو عليكم) الخ.
(20) كما في الاية (189) من سورة البقرة: 2.
[319]
أيها العبد المتكلم ليس هذا حين إطراء، وما أحب أن يحضرني أحد في هذا المحضر بغير النصيحة والله الشاهد على من رأى شيئا يكرهه (كرهه خ) فلم يعلمنيه، فإني أحب أن أستعتب من نفسي قبل أن تفوت نفسي، اللهم إنك شهيد وكفى بك شهيدا.
إني بايعت رسولك وحجتك في أرضك محمد (صلى الله عليه واله) أنا وثلاثة من أهل بيتي على أن لا ندع لله أمرا إلا عملناه، ولا ندع له نهيا إلا رفضناه، ولا وليا إلا احببناه، ولا عدوا إلا عاديناه، ولا نولي ظهورنا عدوا، ولا نمل عن فريضة، ولا نزداد لله ولرسوله إلا نصيحة، فقتل أصحابي - رحمة الله ورضوانه عليهم - وكلهم أهل بيتي: عبيدة بن الحارث (رح) قتل ببدر شهيدا، وعمي حمزة قتل يوم أحد شهيدا رحمة الله عليه ورضوانه وأخي جعفر قتل يوم مؤتة شهيدا رحمة الله عليه فأنزل الله في وفي أصحابي (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) (20) أنا والله المنتظر، ما بدلت تبديلا، ثم وعدنا بفضله الجزاء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(20) الآية 23 من سورة الاحزاب.
[320]
فقال: (قل بفضل الله وبرحمتك فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون) (21) وقد آن لي فيما نزل بي أن أفرح بنعمة ربي.
فأثنوا عليه خيرا وبكوا فقال: أيها الناس أنا أحب أن أشهد عليكم أن لا يقوم أحد فيقول أردت أن أقول فخفت فقد أعذرت فيما بيني وبينكم أللهم إلا أن يكون أحد يريد ظلمي والدعوى علي (قبلي خ) بما لم أجن، أما إنى لم أستحل من أحد مالا، ولم أستحل من أحد دما بغير حله (22) وجاهدت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأمر الله وأمر رسوله، فلما قبض الله رسوله، جاهدت من أمرني بجهاده من أهل البغي، وسماهم لي رجلا رجلا، وحضني على جهادهم، وقال: يا علي تقاتل الناكثين وسماهم لي، والقاسطين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(21) الاية 58، من سورة يونس: 10.
(22) قال ابن دأب في الفضائل السبعين لامير المؤمنين (ع): ثم دخل الناس عليه قبل ان يستشهد بيوم فشهدوا انه قد وفر فيئهم وظلف عن دنياهم، ولم يرتشي في (اجراء) احكامهم، ولم يتناول من بيت مال المسلمين ما يساوي عقالا، ولم يأكل من مال نفسه الا قدر البلغة، وشهدوا جميعا، أن أبعد الناس منه.
بمنزلة اقربهم منه.
[321]
وسماهم لي، والمارقين (23) فلا تكثر منكم الأقوال، فإن أصدق ما يكون المرء عند هذا الحال.
فقالوا خيرا، وأثنوا بخير وبكوا فقال (ع): للحسن: يا حسن أنت ولي دمي وهو عندك (عبدك خ) وقد صيرته إليك، (يعني ابن ملجم لعنة الله عليه) ليس لأخذ فيه حكم، فإن أردت أن تقتل فاقتل وإن أردت أن تعفو فاعف وأنت الإمام بعدي، ووارث علمي، وأفضل من أترك بعدي.
وخير من أخلف (خلفي خ) من أهل بيتي وأخوك إبن أمك، بشر كما رسول الله بالبشرى، فابشرا بما بشركما.
واعملا لله بالطاعة، فاشكراه على النعمة.
ثم لم يزل يقول (ع): اللهم أكفنا عدوك الرجيم أللهم إني أشهدك أنك لا إلاه إلا أنت وأنك الواحد الصمد لم تلد ولم تولد، ولم يكن لك كفوا أحد فلك الحمد عدد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(23) وبهذا وامثاله مما تواتر عنه (ع) بين الفريقين، يعلم بهت بعض النواصب وانغماره في بحار الضلالة، حيث يدعي أن حروب أمير المؤمنين (ع) لم يكن بأمر رسول الله (ص) ولا بعهد منه، وانما كان أمرا سياسيا من شئون السلطنة والاستيلاء على الناس.
[322]
نعمائك لدي.
وإحسانك عندي.
فاغفر لي وارحمني وأنت خير الراحمين.
ولم يزل يقول (ع): لا إله إلا الله وحدك لا شريك لك، وأن محمدا عبدك ورسولك، عدة لهذا الموقف، وما بعده من المواقف، أللهم أجز محمدا عنا خيرا، واجز محمدا عنا خير الجزاء، وبلغه منا أفضل السلام، اللهم ألحقنى به، ولا تحل بيني وبينه، إنك سميع الدعاء، رؤوف (غفور خ) رحيم.
ثم نظر (ع) إلى أهل بيته فقال حفظكم الله من أهل بيت، وحفظ فيكم نبيكم، وأستودعكم الله، وأقرأ عليكم السلام (24).
ثم لم يزل يقول (ع): لا إله الا الله محمد رسول الله حتى قبض صلوات الله عليه ورحمته ورضوانه (وبركاته خ) ليلة احدى وعشرين، من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة.
الحديث الاخير من الفصل الاول من كتاب الوصايا من الدعائم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(24) وفى العوالم عن كتاب: العدد القوية قال: قال الواقدي: اخر كلمة قالها أمير المؤمنين عليه السلام: يا بني إذا أنا مت فالحقوا بي ابن ملجم أخاسمه عند رب العالمين، ثم قرأ (ع): فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره، انتهى البحار: 9، 662، والوقائع 590 ج 2.