( بيانه )

ذكر قبل هذا الفصل انشاء اللّه خلقا ذا شبح و حياة و غريزة له أحناء و أعضاء ثم ذكر هاهنا انشاء اللّه السماوات و أول خلقها و فتق بعضها من بعض و تمييزها

-----------
( 1 ) في الف ، ب ، نا ، يد : الى رسله .

-----------
( 2 ) في الف : بالمواطن .

[ 57 ]

و تزيينها ، فقال : « ثم أنشأ اللّه سبحانه فتق الاجواء » . كأنه قال : ثم أنشأ اللّه و أنا أسبحه تسبيحا و سبحوه تسبيحا أيها السامعون في هذه الحال و في كل حال التفت الى تعظيم اللّه و تسبيحه و تنزيهه عن شبه الخلق و كل ما لا يليق به ، لما قال : « ثم أنشأ اللّه » قبل أن ذكر مفعوله الذي هو « فتق الاجواء » حتى يعلم العلماء منه و حذوا على مثاله في كلامهم .

و جو السماء هو الهواء تحتها ، و الجمع أجواء .

و الرجاء مقصور [ 1 ] الناحية ، و الجمع أرجاء .

و السكاك : الهواء بين السماء و الارض ، و الجمع سكائك [ 2 ] ، و انما أضافها الى الهواء و معناهما واحد ، لان الاول أخص من الثاني ، كما يقال « كرى [ 3 ] النوم » فكأن السكاك هو الهواء الذي فيه جواهر لطيفة .

و الهواء : ما لا شي‏ء فيه من الجواهر . و روى « فأجار [ 4 ] فيها ماء » أي أنفذه .

و التطمت أمواج البحر : ضرب بعضها بعضا ، و هذا مستعار من اللطم الذي هو ضرب الوجه بالراحة .

[ 1 ] في المصباح : الرجا مقصور : الناحية من البئر و غيرها ، و الجمع أرجاء مثل سبب و أسباب ، و في اللسان : الرجا مقصور : ناحية كل شي‏ء و خص بعضهم به ناحية البئر من أعلاها الى أسفلها و حافتيها .

[ 2 ] قال ابن أبي الحديد في شرحه 1 90 : و هذا غير جائز ، لان فعالا لا يجمع على « فعائل » و انما هو جمع سكاكة بضم السين ذكر ذلك الجوهري .

[ 3 ] الكرا مثل عصا : النعاس .

[ 4 ] هذه اللفظة تختلف في النسخ ، ففي بعضها « فأجاز » ، و في بعض آخر « فأحار » ، و في البعض « فأجار » . و الظاهر أن الصحيح : « فأجاز » بالجيم و الزاي المعجمتين ، بقرينة معناه ، فان « أجازه » في اللغة بمعنى « أنفذه » .

[ 58 ]

و التيار : موج البحر الذي ينضح الماء . و عرق تيار سريع الجرية .

و سحاب مرتكم و متراكم بعضه فوق بعض ، و كل شي‏ء علا شيئا فقد ارتكمه و ارتكبه ، فكأن الميم بدل من الباء لقرب مخرجيهما .

و بحر زخار : مواج يطول موجه ، من « زخر النبت » طال .

و ريح عاصف : شديد سريع يعصف النبت أي يكسره . و الريح الزعزع :

الشديدة التي تزعزع كل شي‏ء و تحركه . و الريح القاصف [ 1 ] : المهلكة في البحر و الحاصب [ 2 ] : المهلكة في البر . و روي و الرعود القاصفة .

و قوله « فأمرها » مجاز ، لان الحكيم لا يأمر الجماد بشي‏ء ، و كذلك ان قلنا :

ان المراد من الملائكة الموكلين بالريح برد الماء [ و هو مجاز على وجه آخر ] 3 .

و سلطته على كذا فتسلط ، و هو قهر مع حجة . فالتسليط هنا استعارة على الوجهين .

و الشد : العدو [ 4 ] .

[ 1 ] قيل الرياح ثمان : أربع عذاب و أربع رحمة ، فأما الرحمة : فالناشرات و الذاريات ، و المرسلات ، و المبشرات . و أما العذاب : فالعاصف ، و القاصف و هما في البحر ، و الصرصر ، و العقيم و هما في البر .

[ 2 ] الحاصب : ريح تحمل التراب ، أو هو ما تناثر من دقاق الثلج و البرد و السحاب الذي يرمي بهما .

-----------
( 3 ) الزيادة من م .

[ 4 ] قال ابن أبي الحديد في الشرح 1 90 : و لا يجوز حمل الشد هاهنا على العدو ، لانه لا معنى له ، و الصحيح ما ذكرناه . انتهى .

أقول : و قد قال في ص 88 : « و سلّطها على شده » أي على وثاقه ، كأنه سبحانه لما سلّط الريح على منعه من الهبوط فكأنه قد شده بها و أوثقه و منعه من الحركة .

[ 59 ]

و قرنها الى حده : أي جمع الريح و ضمّها الى حد الماء ، و الهواء من تحت الريح مفتوق ، و الماء من فوق الريح مصبوب بسرعة ، و دفيق بمعنى مدفوع أكثر .

و اما المعنى : فأنه يقول : كانت السماوات مرتفعة مطبقة ففتقها اللّه سبع سماوات ، و كانت الارضون كذلك ففتقها اللّه سبع أرضين ، كما هو مضمون الاية أ و لم ير الذين كفروا أن السماوات و الارض كانتا رتقا ففتقناهما 1 . و المعنى كانتا ملتزقتين ففصلنا بينهما بالهواء .

و لا خلاف أن فتق الاجواء ليس هو بخلق لها ، و انما هو فصل سماء من سماء و اظهار هواء بينهما .

ثم ذكر بعد هذا تمام التدبير الالهي الذي فيه المصالح و الالطاف اذا علموا بفصل ذلك أو جملته ، و جاء في الاخبار : ان اللّه لما أراد خلق السماء و الارض خلق جوهرا اخضر ، ثم ذوبه و جعله ذائبا ، فصار ماء مضطربا ، ثم أخرج من ذلك الماء بخارا و دخانا مرتفعين ، فخلق من ذلك الدخان السماء كما قال ثم استوى الى السماء و هي دخان 2 ، ثم فتق تلك السماء فجعلها سبع سماوات ،

ثم جعل من ذلك الماء زبدا و خلق منه أرض مكة ، ثم بسط الارض كلها من تحت الكعبة ، و لذلك تسمى مكة أم القرى لانها أصل جميع الارض ، ثم شق من تلك الارض سبع أرضين و جعل بين كل سماء و سماء مسيرة خمسمائة عام ، و كذلك بين كل أرض و أرض ، و كذلك بين هذه السماء و هذه الارض ، ثم بعث ملكا من تحت العرش حتى حمل الارض على منكبه و عنقه و مد اليدين فبلغت أحداهما المشرق و الاخرى الى المغرب ، ثم بعث لقرار قدم ذلك الملك بقرة من الجنة

-----------
( 1 ) سورة الانبياء : 30 .

-----------
( 2 ) سورة فصلت : 11 .

[ 60 ]

لها أربعون ألف قرن و أربعون الف رجل و يد ، و بعث ياقوتا من الفردوس الاعلى حتى وضع بين سنام تلك البقرة و أذنها ، فاستقر قدما ذلك الملك على السنام و الياقوت ، و ان قرون تلك البقرة لمرتفعة من أقطار الارض الى تحت العرش ، و ان مآخر أنوفها بأزاء بحار الارض ، فاذا تنفست البقرة مد البحر و اذا قبضت أنفاسها فجزر البحر من ذلك ، ثم خلق لقوائم تلك البقرة صخرة ، و هي التي حكي اللّه عن لقمان في قوله يا بني انها ان تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات 1 ، و يزيد مقدار سعة تلك الصخرة سبع مرات على مقدار سبع السماوات و سبع الارضين ، ثم خلق حوتا و هو الذي أقسم اللّه به فقال ن و القلم 2 و النون الحوت ، و أمر اللّه تعالى بوضع تلك الصخرة على ظهر ذلك الحوت ،

و جعل ذلك الحوت في الماء و أمسك الماء على الريح ، و يحفظ اللّه الريح بقدرته .

فان قيل : أليس اللّه تبارك و تعالى قادرا على خلق الاشياء لا من شي‏ء و على حفظ كل شي‏ء بلا شي‏ء آخر .

قلنا : ان اللّه قادر على ذلك ، و انما خلق هذه الاشياء على هذا التدبير و الترتيب و التقدير لما علم أن فيها لطفا لعباده من الثقلين الجن و الانس من المكلفين و الملائكة المقربين ، كما أنه يخلق الادمي نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم يكسوها لحما ثم ينشئه خلقا سويا ، و اللّه قادر على خلق الخلائق لا من التراب و لا من الماء و لا من النور و لا من النار ، ثم خلق منها لكون ذلك مصلحة . و هذه السماء معلقة فوقنا بغير عماد و لا علاقة مع عظمها و ثقلها ، فهو تعالى خالق ما يشاء كما يشاء .

و قوله « ثم انشأ سبحانه ريحا اعتقم مهبها » و هذا تمام ما تقدم ، و معنى الفصلين

-----------
( 1 ) سورة لقمان : 16 .

-----------
( 2 ) سورة القلم : 1 .

[ 61 ]

متعلق بعضهما ببعض متصل أولهما بآخرهما ، فانه عليه السلام ذكر أن اللّه أنشأ فتق الاجواء ، فكأنه اشارة الى الجهات التى كان عليها أو فوقها الجوهر الاخضر الذي ذكرنا في الخبر بأن اللّه خلقه في الاصل .

و شق الارجاء : اشارة الى النواحي من عن 1 يمينها و شمالها ، و ذلك حين ذوب ذلك الجوهر الاخضر و جعله ماء سائلا ، فأجرى بعض ذلك الماء المتلاطم فيها ، ثم حمله على متن الريح ، ثم أنشأ اللّه تعالى ريحا أخرى شديدة فصفقت ذلك الماء حتى ازبد ، ثم رفع ذلك الزبد في هواء آخر أعلى من الهواء المذكور ، فخلق منه السماوات [ السبع على ما فصله الخبر المتقدم . و هذه السماء ] السفلى قائمة بغير عماد يكون قرارا لها من تحتها ، و لا هي معلقة من فوقها الى حبل و علاقة بل اللّه يحفظها بقدرته .

و أما ألفاظه : فان « اعتقم مهبها » أي شد و عقد ، و قيل 2 أي ذلل ، و هو من الاضداد . فعلى الاول عبارة ان 3 اللّه تعالى أهب الريح و لم يطلقها بمرة فتفسد ما تأتي عليه كله بل عقد مهبها حتى تهب بقدر ، و أدام مع [ ذلك على ] 4 ترتيبها للماء و ترتيبها له و تسويتها . و مر بها [ 5 ] مجتمعها ، و الصحيح أنه مصدر رب صنعته :

أي أصلحها ، و أرب على الشي‏ء : أي لزمه .

« و اعصف مجراها » أي أسرع قوتها في الجري .

-----------
( 1 ) كذا في ص ، د .

-----------
( 2 ) كذا في د ، م . و في غيرهما من النسخ الموجودة : و قيل أي ذلك .

-----------
( 3 ) في د : عن اللّه تعالى .

-----------
( 4 ) ليس « ذلك على » في د .

[ 5 ] في اللسان : المرب بفتح الميم و الراء و تشديد الباء المحل و مكان الاقامة و الاجتماع و التربب : الاجتماع . و مكان مرب بالفتح : مجمع يجمع الناس .

[ 62 ]

و أبعد منشأها : أي ارتفاعها ، و قيل المنشأ [ أي ] الحدوث .

و قوله « فأمرها بتصفيق الماء » أي أمر الملائكة الموكلين بالريح لتضرب الماء الكثير الموج بعضه ببعض ، من قولهم « صفق بيديه » أي ضرب احداهما بالاخرى ، و منه « الصفقة » في البيع و البيعة ، و هو ضرب اليد على اليد .

و مخضت الريح ذلك الماء : أي حركته تحريكا شديدا متتابعا ، كمخض اللبن ، و هو تحريكه في سقاء و هو القربة أو في ممخض ليزبد .

و عصفت به : أي [ 1 ] اشتدت الريح بالماء مثل عصفها بالفضاء ، و هو المكان المتسع و هبوب الريح فيه أشد . ترد أوله على 2 آخره هذا حال من الاول . و الرد الصرف ، أي لما اعتقم مهب الريح مع ترتيبها الماء كان ذلك الماء مردودا ساكنة الى متردده . « و سجا » [ 3 ] أي سكن .

و ماد : سال ، حتى عب عبابه أي اجتمع موجه و كثر ، و عب النبت طال ،

و عباب الماء معظمه و للبحر زبد اذا هاجت أمواجه فيرى على وجه الماء بياض .

و الركام : ذلك الماء المنضم الذي رمى بالزبد فرفع مجتمع ذلك الركام ذلك الزبد في هواء واسع منفتق .

و الجو المنفهق : هو الهواء الممتلي‏ء بالزبد حين رفع اليه ، أو الهواء العالي .

[ 1 ] قال ابن أبي الحديد في الشرح 1 88 : فيه معنى لطيف ، يقول : ان الريح اذا عصفت بالفضاء الذي لا اجسام فيه كان عصفها شديدا لعدم المانع ، و هذه الريح عصفت بذلك الماء العظيم عصفا شديدا كأنها تعصف في فضاء لا ممانع لها فيه من الاجسام .

-----------
( 2 ) في يد : الى آخره .

[ 3 ] الساجي : الساكن ، و المائر المتحرك الذي يجى‏ء و يذهب ، و في المصباح : مار البحر : اضطرب ، و مار الدم : سال .

[ 63 ]

فسوى منه سبع سماوات أي خلقها منه ، و قيل معنى تسوية السماوات السبع هو تعديل خلقهن و تقويمه و اخلاؤه من العوج و الفطور أو اتمام خلقهن ، فمن ثم خلقهن خلقا سويا مستويا من غير تفاوت مع خلق ما في الارض على حسب حاجات أهلها و منافعهم و مصالحهم .

و سفلاهن : هي السماء التي تلينا .

و موجا مكفوفا : يحتمل أن يكون شبهها بالموج لصفائها و ارتفاعها ، و يمكن أن يكون اول ما كانت موجا ثم عقدها ، أو ما كان ارتفع من موج الماء من الزبد المشبه بالدخان ، فشبه ذلك المرتفع بالموج .

و المكفوف : الممنوع من السقوط ، و النزول كف ، مثل كفة الثوب و هو حاشيته .

و سقفا محفوظا : أي السماء حفظها من غير عماد و هي كالسقف للارض ،

و يقال للسماء سمك أيضا أي عال مرتفع ، و هو وصف بالمصدر ، اي مسموك وضع للمفعول .

و العماد : الاصطوانة .

و دعمت الشي‏ء أدعمته : قويته بدعامة .

و الدسار خيط من ليف تشد به ألواح السفينة ، و الجمع دسر . و قيل الدسر المسامير ، و قال الباقر عليه السلام 1 : و لما أراد اللّه أن يخلق السماء أمر الرياح فضربن البحر حتى أزبد فخرج من ذلك الموج و الزبد دخان ساطع من وسطه من غير نار فخلق منه السماء .

-----------
( 1 ) راجع البحار 57 86 .

[ 64 ]

و قال الفراء [ 1 ] في قوله خلق السماوات بغير عمد ترونها 2 فيه قولان أحدهما أنه خلقها مرفوعة بلا عمد و لا يحتاجون مع الروية الى حيز ، و الثاني أنه خلقها بعمد لا ترون تلك العمد . و قال ليث : ان عمدها جبل قاف المحيط بالدنيا و السماء مثل القبة أطرافها على قاف من زبرجدة خضراء ، و يقال خضرة السماء من ذلك الجبل فيصير يوم القيامة نارا .

و الذي تقتضيه العربية في قوله « ماء متلاطما تياره » و في قوله « بتصفيق الماء الذخار » أنهما ماء واحد ، كقوله كما أرسلنا الى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول 3 نكر الرسول أولا ثم عرف ، لانه أراد أرسلنا الى فرعون بعض الرسل و هو موسى ، فلما أعاده و هو معهود بالذكر أدخل لام التعريف اشارة الى المذكور بعينه .

و كذا قوله « فتق الاجواء » و قوله « الهواء من تحتها فتيق » فهما جهة واحدة لكونهما معرفين .

فأما قوله « حمله على متن الريح العاصفة » و قوله « ثم أنشأ ريحا اعتقم مهبها » فالريحان غيران ، لان الاولى معرفة و الثانية منكرة . و للنحويين على هذا أربع مسائل : قالوا لو قال « صم يوما صم اليوم » كان يوما واحدا ، و كذا لو قال « صم اليوم صم اليوم » فأما « صم يوما صم يوما » فانه يقتضي يومين ، و كذا

[ 1 ] الفراء هو يحيى بن زياد اقطع بن عبد اللّه بن مروان اسلمي الديلمي الكوفي النحوي اللغوي المكنى بأبي زكريا ، كان اماما في النحو و اللغة و عالما بأشعار العرب ، توفي بطريق مكة سنة 207 .

انظر : فهرست ابن النديم 73 ، ريحانة الادب 4 314 .

-----------
( 2 ) سورة الرعد : 2 .

-----------
( 3 ) سورة المزمل : 15 ، 16 .

[ 65 ]

« صم اليوم صم يوما » . و أنكر المرتضى في « الذريعة » بعض ذلك .

فان قيل : الهواء مخلوق أم لا ؟ قلنا : قد تقدم أن اللّه خلق السماء و الارض أولا متلاصقتين ثم فتق ما بينهما فجعل هواء من هذه و هذه ، فالهواء اذا لم يكن فيه جواهر و لا هباء فيه فهو جهة و تقدير مكان و هو خلو .

و روي أن زرارة [ 1 ] و هشاما [ 2 ] اختلفا في الهواء أهو مخلوق أم لا ، فرفع ذلك الى الصادق عليه السلام بعض مواليه و قال : اني متحير قد أرى أصحابنا يختلفون

[ 1 ] هو زرارة بن اعين بن سنسن الشيباني و اسمه عبد ربه و زرارة لقبه ، شيخ أصحابنا في زمانه و متقدمهم ، و كان قارئا فقيها متكلما شاعرا أديبا ، قد اجتمعت فيه خلال الفضل و الدين صادقا فيما يرويه .

أنظر : رجال النجاشى 125 ، رجال الطوسى 123 ، 201 ، رجال الكشي 133 ، فهرست ابن النديم 276 .

[ 2 ] هشام بن الحكم ابو محمد مولى بنى شيبان الكوفي البغدادي ، من أصحاب الامام الصادق عليه السلام ، و من متكلمي الشيعة . كان ثقة في الروايات حسن التحقيق بهذا الامر .

قيل : توفي حدود سنة 190 . و في رجال الكشى : انه مات سنة تسع و سبعين و مائة . و قال ابن النديم في الفهرست : و توفى بعد نكبة البرامكة بمدة يسيرة و قيل في خلافة المأمون .

و قال : كان هشام يقول : ما رأيت مثل مخالفينا « عمدوا الى من ولاه اللّه من سمائه فعزلوه و الى من عزله من سمائه فولوه » اشارة الى تبليغ سورة البراءة الى مشركي قريش .

أنظر : رجال النجاشى 304 ، رجال الطوسى 329 ، رجال الكشي 255 فهرست ابن النديم 223 ، الاعلام للزركلى 9 82 .

[ 66 ]

فيه . فقال : ليس هذا بخلاف يؤدي الى الكفر و الضلال 1 .

فان قيل : انه عطف قوله « سكائك الهواء » على قوله « فتق الاجواء » و هذا يدل على أن لا هوية مخلوقة على قوله .

قلنا : تقدير الكلام أنه تعالى أنشأ فتق الاجواء فتق سكائك الاهواء ، فحذف المضاف و أقام المضاف اليه مقامه ، أو تكون السكائك تلك الاهوية التى هي مدائن لطيفة فيها الملائكة بين السماء و الارض ، على ما ورد في الاخبار . و اللّه أعلم بصحة ذلك .

و يجوز أن تجر سكائك عطفا على الارجاء . و قال المفسرون فى قوله « و كان عرشه على الماء » فيه دلالة على أن العرش و الماء كانا موجودين قبل خلق السماوات و الارض ، و كان الماء قبل ذلك قائما بقدرة اللّه على غير وضع 2 قرار و في ذلك أعظم الاعتبار .

ثم خص بالوصف السماء الدنيا التى هي أقرب السماوات الينا و ان أطلق اطلاقا ، فان اللّه قيد ذلك و خصصه بقوله و لقد زينا السماء الدنيا بمصابيح 3 ،

انا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب 4 فاللّه تعالى خصها بالذكر لاختصاصها بالمشاهدة . و التزيين : تحسين الشى‏ء على وجه تميل اليه النفس ، و زين اللّه هذه السماء ليتمتع الراؤون لها بحسنها و ضوئها و يعتبرون بالفكر فيها و يستدلون بها على صانعها .

و المعنى : ان اللّه تعالى لما خلق السماء الدنيا و زينها بالنجوم الصغار و الكبار و الكواكب السيارة و غير السيارة جعل منها سبعة سيارة و هي : زحل

-----------
( 1 ) راجع البحار 57 182 .

-----------
( 2 ) في د ، م : غير موضع .

-----------
( 3 ) سورة الملك : 5 .

-----------
( 4 ) سورة الصافات : 6 .

[ 67 ]

و المشتري و المريخ و الشمس و الزهرة و عطارد و القمر . و جعل لها اثنى عشر برجا ، و هي : الحمل و الثور و الجوزاء و السرطان و الاسد و السنبلة و الميزان و العقرب و القوس و الجدي و الدلو و الحوت .

و أجرى فيها سراجا يعني الشمس المستنير ضوؤها على الشياع و العموم ،

و جعل بالليل قمرا مضيئا اذا لم تكن شمس ليعلم بها عدد السنين و الحساب .

و الحكمة ظاهرة فى خلق هذه الثواقب ، فانها دلالات لا مؤثرات .

و الزينة اسم لما يزان به شي‏ء 1 و يكون مصدرا .

و يحتملهما 2 هذا الموضع ، فان كان المراد المصدر فعلى وجهين : اما أن يكون مضافا الى الفاعل ، أي بأن زانتها الكواكب ، أو يكون مضافا الى المفعول أي بأن زان اللّه الكواكب .

و ان أريد الاسم فللاضافة أيضا وجهان : أن تقع الكواكب بيانا للزينة ،

أو يراد اشكالها المختلفة كشكل الثريا و الجوزاء و بنات نعش و غير ذلك .

و الرقيم : اللوح الذي 3 فيه كتابة ، شبه السماء به ، و قيل الرقيم الماير كناية عن الفلك الدائر المتردد و فيه الكواكب ، كأنه لوح عريض مرقوم كتبت عليه حروف معجمة .

و قوله « ثم فتق ما بين السماوات العلى فملأهن أطوارا من ملائكته » صنف عليه السلام الملائكة الذين أسكنهم اللّه ما بين السماوات العلى ثلاثة أصناف :

فصنف منهم مشتغلون بالعبادة ، و جعلهم على أربعة أحوال : من ركع ، و سجود و صافين ، و مسبحين . و صنف هم أمناء اللّه ، و جعلهم على أربعة أحوال : من

-----------
( 1 ) كذا في د ، و في ص : و شى‏ء يكون مصدرا .

-----------
( 2 ) كذا في د ، ص .

-----------
( 3 ) في د : الذي ليس فيه كتابة . و الصحيح ما اثبتناه .

[ 68 ]

رسل الى الأنبياء ، و مختلفين بتدبير اللّه في الارض ، و الحفظة لبني آدم ، و السدنة للجنة أي الخدم . و صنف هم حملة العرش ، و قد وصف جميعهم وصفا حسنا و أثنى عليهم ثناء جميلا و مدحهم بالعلم و العمل ، و أنهم يصفون اللّه تعالى بالتعظيم و الاجلال و ينزهونه عن صفات النقص ، و أنهم يعرفون ربهم علم اليقين بعد النظر و الاستدلال لا بالتقليد و التبخيت 1 و لا بالتوهم و التمثيل و الظن و التصوير ،

و لا يثبتون له تعالى من مثل و لا نظير .

و تلخيص جميع ذلك : أنه لما ذكر خلق اللّه السماوات السبع و أنه فتق بينهما و ملأ كل واحدة منها ملائكة ، وصفهم بأنهم معصومون .

و أما ألفاظه : فالعلى جمع العليا ، و الاطوار : الضروب و الاجناس .

و السجود : جمع ساجد ، و يجوز أن يكون وصفا بالمصدر .

و الراكع : المنحني . و كذا القول في قولهم « هم ركوع » .

و انتصب : استقام و ارتفع .

و تزايل : زال من مكانه . و قوله عليه السلام « لا يتزايلون » دخل النفي في النفي فصار اثباتا .

و المسبح : القائل باللسان « سبحان اللّه » المعقد بالقلب تنزيهه تعالى . و لا يسأمون : لا يملون .

و قوله « لا يغشاهم نوم العيون » أي يكون لهم نوم و لهم عيون و لكن لا يغفلهم النوم عن ذكر اللّه ، اثبت لهم نوما قليلا و ان نفى عنهم النوم الكثير ، و اللّه تعالى لا تأخذه سنة و لا نوم مع أنه حي ، و هذا هو المدحة العظمى .

و كنى بالالسنة عن الرسل . و المختلفون : المترددون ، و الاختلاف المجى‏ء و الذهاب .

-----------
( 1 ) كذا في النسخ و لم أجد له معنى مناسب .

[ 69 ]

و القضاء : الحكم و النية .

و العباد لا يقال الا لمن ينسب الى اللّه تعالى ، و يجوز عبيد زيد .

و السادن : الحاجب و الخادم . و المروق : الخروج من شى‏ء ، و يكنى عن الايدي بالاركان . و مناسبة : مماثلة ، استعارة من النسب .

و ناكسة أبصارهم : أي مطرقون الرؤوس حياء و تعظيما للّه تحت العرش .

و دون بمعنى وراء و قبل . و البصر : العين الا أنه مذكر .

« متلفعون بأجنحتهم » أي مشتملون بها ، و يقال ضربت حجابا بينى و بين الناس أي اتخذت ، و الحجاب ما يمنع بينك و بين غيرك .

و العزة : الغلبة . و القدرة : العظمة . وصفهم بأنهم اكرم من غيرهم من الملائكة الذين دونهم . الاصل :

منها فى [ صفة ] 1 خلق آدم عليه السلام ثم جمع سبحانه من حزن الارض و سهلها و عذبها و سبخها تربة ، سنها بالماء حتى خلصت ، و لاطها بالبلة حتى لزبت ، فجبل منها صورة ذات أحناء و فضول 2 و أعضاء و فصول ، أجمدها حتى استمسكت ، و أصلدها حتى صلصلت ،

لوقت معدود و أجل معلوم ، ثم نفخ فيها من روحه فمثلت انسانا ذا أذهان يجيلها

-----------
( 1 ) ليس « صفة » في ص ، و ليس « خلق » في يد .

-----------
( 2 ) في ب ، نا ، الف ، يد « و وصول » . و أثبت المصنف عند ذكر معاني الالفاظ « و وصول » .

[ 70 ]

و فكر يتصرف بها ، و جوارح يختدمها ، و أدوات يقلبها ، و معرفة يفرق بها بين الحق و الباطل ، و الاذواق و المشام و الالوان و الاجناس . معجونا بطينة الالوان المختلفة ، و الاشباه المؤتلفة ، و الاضداد المتعادية ، و الاخلاط المتباينة ، من الحر و البرد و البلة و الجمود و المساءة و السرور .

و استأدى اللّه سبحانه الملائكة وديعته لديهم و عهد وصيته اليهم في الاذعان بالسجود له و الخنوع لتكرمته ، فقال سبحانه اسجدوا لآدم فسجدوا الا ابليس 1 و قبيله اعترتهم الحمية ، و غلبت عليهم الشقوة ، و تعززوا بخلقة النار ، و استوهنوا خلق الصلصال . فأعطاه اللّه النظرة استحقاقا اللسخطة و استتماما للبلية ، و انجازا للعدة ، فقال انك من المنظرين . الى يوم الوقت المعلوم 2 .

ثم أسكن سبحانه دارا أرغد فيها عيشته و آمن فيها محلته و حذره ابليس و عداوته ، فاغتره عدوه نفاسة عليه بدار المقام و مرافقة الابرار ، فباع اليقين بشكه و العزيمة بوهنه ، و استبدل بالجذل وجلا و بالاغترار ندما .

ثم بسط [ اللّه سبحانه ] له في توبته ، و لقاه كلمة رحمته ، و وعده المرد الى جنته ، فأهبطه الى دار البلية ، و تناسل الذرية .

و اصطفى سبحانه من ولد آدم أنبياء أخذ على الوحي ميثاقهم و على تبليغ الرسالة أمانتهم ، لما بدل اكثر خلقه عهد اللّه اليهم ، فجهلوا حقه ، و انخذوا الانداد معه ، و احتالتهم 3 بالشياطين عن معرفته ، و اقتطعتهم عن عبادته ، فبعث فيهم رسله و واتر اليهم أنبياءه ، ليستأدوهم ميثاق فطرته ، و يذكروهم منسي نعمته ،

-----------
( 1 ) سورة البقرة : 34 .

-----------
( 2 ) سورة ص : 80 ، 81 .

-----------
( 3 ) في نا ، يد ، الف : و اجتالتهم الشياطين .

[ 71 ]

و يحتجوا عليهم بالتبليغ ، و يثيروا لهم دفائن العقول ، و يروهم آيات المقدرة ،

من سقف فوقهم مرفوع ، و مهاد تحتهم موضوع ، و معائش تحييهم ، و آجال تفنيهم ، و أوصاب تهرمهم ، و احداث تتتابع عليهم 1 .

و لم يخل اللّه سبحانه خلقه من نبى مرسل ، أو كتاب منزل ، أو حجة لازمة أو محجة قائمة . رسل لا تقصر بهم قلة عددهم ، و لا كثرة المكذبين لهم ، من سابق سمى له من بعده أو غابر عرفه من قبله .