الحمد للّه الدال على وجوده بخلقه ، و بمحدث خلقه على أزليته ، و باشتباههم على أن لا شبه له ، لا تستلمه المشاعر و لا تحجبه السواتر ، لافتراق الصانع و المصنوع ،
و الحاد و المحدود ، و الرب و المربوب . الاحد لا بتأويل عدد ، و الخالق لا بمعنى حركة و نصب . و السميع لا بأداة ، و البصير لا بتفريق آلة ، و الشاهد لا بمماسة ،
و البائن لا بتراخى مسافة ، و الظاهر لا برؤية ، و الباطن لا بلطافة ، بان من الاشياء بالقهر لها ، و القدرة عليها ، و بانت الاشياء منه بالخضوع له و الرجوع اليه .
من وصفه فقد حده ، و من حده فقد عده ، و من عده فقد أبطل أزله ، و من قال كيف فقد استوصفه ، و من قال أين فقد حيزه . عالم اذ لا معلوم ، و رب اذ لا مربوب ، و قادر اذ لا مقدور .
( منها ) : قد طلع طالع ، و لمع لامع ، و لاح لائح ، و اعتدل مائل ، و استبدل اللّه بقوم قوما و بيوم يوما ، و انتظرنا الغير انتظار المجدب المطر ، و انما الائمة قوام اللّه على خلقه و عرفاؤه على عباده . لا يدخل الجنة الا من عرفهم و عرفوه ،
و لا يدخل النار الا من أنكرهم و أنكروه .
ان اللّه تعالى قد خصكم بالاسلام و استخلصكم له ، و ذلك لانه اسم سلامة و جماع كرامة ، اصطفى اللّه منهجه ، و بين حججه ، من ظاهر علم و باطن حكم ،
لا تفنى غرائبه و لا تنقضي عجائبه ، فيه مرابيع النعم و مصابيح الظلم ، لا تفتح
[ 88 ]
الخيرات الا بمفاتحه 1 ، و لا تكشف الظلمات الا بمصابحه 2 . قد أحمى حماه و أرعى مرعاه ، فيه شفاء المشتفي كفاية المكتفي . ( و من خطبة له عليه السلام )
و هو في مهلة من اللّه ، يهوى مع الغافلين ، و يغدو مع المذنبين ، بلا سبيل قاصد و لا امام قائد .
( منها ) : حتى اذا كشف لهم عن جزاء معصيتهم ، و استخرجهم من جلاليب غفلتهم ، استقبلوا مدبرا و استدبروا مقبلا ، فلم ينتفعوا بما أدركوا من طلبتهم ، و لا بما قضوا من وطرهم . فاني أحذركم و نفسي هذه المنزلة ، فلينتفع امرؤ بنفسه ،
فانما البصير من سمع فتفكر و نظر فأبصر و انتفع بالعبر ، ثم سلك جددا واضحا يتجنب فيه الصرعة في المهاوي و الضلال في المغاوي ، و لا يعين على نفسه الغواة بتعسف في حق ، أو تحريف في نطق ، أو تخوف من صدق .
فأفق أيها السامع من سكرتك ، و استيقظ من غفلتك ، و اختصر من عجلتك ،
و أنعم الفكر فيما جاءك على لسان النبى الامي عليه مما لا بد منه و لا محيص عنه ، و خالف من خالف ذلك الى غيره ، و دعه و ما رضي لنفسه ، وضع فخرك ،
و احطط كبرك ، و اذكر قبرك . فان عليه ممرك ، و كما تدين تدان ، و كما تزرع تحصد . و ما قدمت اليوم تقدم عليه غدا ، فامهد لقدمك ، و قدم ليومك . فالحذر الحذر أيها المستمع ، و الجد الجد أيها الغافل « و لا ينبئك مثل خبير » .
ان من عزائم اللّه في الذكر الحكيم التى عليها يثيب و يعاقب و لها يرضى
-----------
( 1 ) في نا ، ب ، يد : بمفاتيحه .
-----------
( 2 ) في نا ، ب ، يد : بمصابيحه .
[ 89 ]
و يسخط ، انه لا ينفع عبدا و ان أجهد نفسه و أخلص فعله ، ان يخرج من الدنيا لاقيا ربه بخصلة من هذه الخصال لم يتب منها : أن يشرك باللّه فيما افترض عليه من عبادته ، أو يشفى غيظه بهلاك نفسه ، او يقر 1 بأمر فعل غيره ، أو يستنجح حاجة الى الناس باظهار بدعة في دينه ، أو يلقى الناس بوجهين ، أو يمشي فيهم بلسانين .
اعقل ذلك ، فان المثل دليل على شبهه ، ان البهائم همها بطونها ، و ان السباع همها العدوان على غيره ، و ان النساء همهن زينة الحياة الدنيا و الفساد فيها . ان المؤمنين مستكينون ، ان المؤمنين مشفقون ، ان المؤمنين خائفون . ( و من خطبة له عليه السلام )
و ناظر قلب اللبيب يبصر به أمده ، و يعرف غوره و نجده . داع دعى و راع رعى ، فاستجيبوا الداعي و اتبعوا الراعي . قد خاضوا بحار الفتن ، و أخذوا بالبدع دون السنن ، و ارز المؤمنون و نطق الضالون و المكذبون .
نحن الشعار و الاصحاب و الخزنة و الابواب ، و لا تؤتى البيوت الا من أبوابها ، فمن أتاها من غير أبوابها سمي سارقا .
( منها ) : فيهم كرائم الايمان 2 ، و هم كنوز الرحمن ، ان نطقوا صدقوا ،
و ان صمتوا لم يسبقوا ، فليصدق رائد أهله ، و ليحضر عقله . و ليكن من أبناء الاخرة فانه منها قدم و اليها ينقلب . فالناظر بالقلب العامل بالبصر يكون مبتدأ عمله 3
-----------
( 1 ) في يد : أو يعر .
-----------
( 2 ) في ب ، الف ، يد ، هامش نا : القرآن .
-----------
( 3 ) في م : مبدأ علمه .
[ 90 ]
أن يعلم أ عمله عليه أم له ؟ فان كان له مضى فيه ، و ان كان عليه وقف عنه . فان العامل بغير علم كالسائر على غير طريق ، فلا يزيده بعده عن الطريق [ الواضح ] 1 الا بعدا من حاجته ، و العامل بالعلم كالسائر على الطريق الواضح ، فلينظر ناظر أسائر هو أم راجع ؟
و اعلم أن لكل ظاهر باطنا على مثاله ، فما طاب ظاهره طاب باطنه ، و ما خبث ظاهره خبث باطنه ، و قد قال الرسول الصادق عليه السلام : ان اللّه يحب العبد و يبغض عمله ، و يحب العمل و يبغض بدنه .
و اعلم ان لكل عمل نباتا 2 ، و كل نبات لا غنى به عن الماء ، و المياه مختلفة ،
فما طاب سقيه طاب غرسه و حلت ثمرته ، و ما خبث سقيه خبث غرسه و أمرت ثمرته .