« الصغر » يكون في السن و القدر و المنزلة . « و الكبير » : المسن و العظيم أيضا ، يقول « ليتأس » أي ليقتد من يرى منزلته في العلم و العمل بمن له مثابة عالية فيهما دنيا .
و الرأفة : الرحمة ، أي ليرحم كل من له جاه و منزلة في الدنيا بالمال و القوة كل من دونه ليسعد كل واحد منكم بصاحبه .
ثم قال « و لا تكونوا » من قلة البر مثل قوم « جفاة » من عادتهم الحادون البر بالناس ، و يكون الجهل غالبا عليهم لا يبنون امورهم على العلم .
و قوله « لا في الدين يتفقهون » يجوز أن يكون صفة لجفاة الجاهلية ، و تكون الرواية بالياء ، و يجوز أن يكون كلاما مستأنفا يخاطب به بعض أصحابه أو غيرهم .
و الفقه : الفهم ، و تفقه أي تعاطى ذلك ، أي أنتم لا تتفقهون في الدين و لا تعقلون عن اللّه . و الرواية على هذا بالتاء .
و « العاقل » من حبس الاشياء على مواضعها و وضعها فيها .
و القيض : ما تفلق من قشر « البيض » الاعلى .
و « ادحى » النعامة : الموضع الذي تفرخ فيه ، و هو أفعول ، من دحوت أي بسطت ، لانها تدحوه برجلها ثم تبيض فيه ، و ليس للنعام عش ، و الجمع « أداح » ، و التقدير : هم كقيض بيض ، و المعنى : اني أتحرج عن قبلكم و ان أبقيتكم حتى بقاؤكم على الناس شرا .
[ 147 ]
و كان عليه السلام يحدث عن ابن ملجم عليه لعائن اللّه و ملائكته أن يقتل عليا عليه السلام فقيل له : اقتله . فقال عليه السلام : كيف أقتل قاتلي ، أي لا يعاقب من لم يذنب بعد و ان علم أنه يرتكب الذنوب .
و حضن الطائر بيضه يحضنه : أي ضمه لنفسه تحت جناحيه .
و الوزر : الاثم و الثقل .
و قوله « و لا عن اللّه يعقلون » أي تحبسون شيئا في موضعه أخذا عن اللّه ،
و لا تفهمون شيئا من الشريعة المنزلة عن اللّه .
ثم قال في وصف قريش و من أسلم بعد الكفر « ثم تشتتوا » أي تفرقوا عن محافظة أصلهم ، و روي « افترقوا بعد الفهم » اشارة الى قوله تعالى « لايلاف قريش » 1 .
ثم ذكر أنه يبقي منهم من يتعلق بغصن من أغصان الدين ثابتا على الايمان .
ثم قال : انهم اذا فسد دنياهم اجتمعوا على هلاك بنى أمية من هنا و هنا .
و قزع الخريف : قطع سحاب تجتمع و لها مطر .
و الركام : السحاب المتراكم المتراكب المجتمع ، يقال : ركمت الشىء أركمه : اذا جمعته و ألقيت بعضه على بعض .
و القارة : الاكمة . و السنن : الطريقة . ورص طود : اتصال جبل ، يقال :
رصصت الشىء أرصه أي الصقت بعضه ببعض ، و منه « بنيان مرصوص » 2 .
و يذعذعهم : يفرقهم . و ثار الغبار : سطح و ارتفع ، ثور عليهم فلان الشر اذا هيجه و اظهره .
و « استثارها » أي أزعجها و انهضها . و المستثار : الموضع و المصدر .
-----------
( 1 ) سورة قريش : 1 .
-----------
( 2 ) سورة الصف : 4 .
[ 148 ]
و الينبوع : عين الماء ، و الجمع ينابيع . و تهتم : تحيرتم . و « التاه » و « التيه » : التحير ، و قال الخليل [ 1 ] : التضعيف أن يزاد على أصل الشىء فيجعل المثلين أو اكثر ، و كذلك الاضعاف و المضاعفة ، يقال ، ضعفت الشىء و أضعفته و ضاعفته بمعنى ، و روي « ليضعفن » .
و الاعتساف : المشي على غير الطريق و الظلم أيضا ، و امر فادح مثقل ،
يقال : فدحه أمر اذا بهظه [ 2 ] ، و فدحه الدين : أثقله .
و قيل : ان قوله « على أن اللّه سيجمعهم لشريوم لبنى أمية » و الضمير في « سيجمعهم » للذين اجتمعوا مع أبي مسلم [ 3 ] في هلاك ملك بنى أمية و كانوا
[ 1 ] هو أبو عبد الرحمن خليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي العتكي الازدي اليحمدي النحوي اللغوي الاديب ، كان من أئمتهم ، و وضع علم العروض أخذه من الموسيقى و كان عارفا بها ، و هو أستاذ سيبويه النحوي .
عن ابن أبي خيثمة : أحمد أبو الخليل أول من سمي في الاسلام بأحمد .
و كان شيعيا ورعا زاهدا من الدنيا منقطعا الى العلم ، و كان شاعرا . ولد سنة 100 و توفي بالبصرة سنة سبعين و مائة .
قال ابن النديم : كان عمره حين الموت أربع و سبعون سنة . أقول : فعلى هذا يكون مولده سنة 96 ه . و قيل كان سبب موته بصدمة في دعامة مسجد ارتج منه دماغه .
أنظر : فهرست ابن النديم 48 ، أعيان الشيعة 6 337 ، الاعلام 2 363 ،
تاريخ الادب العربي 371 ، جواهر الادب 2 198 .
[ 2 ] يقال : بهضني الامر أي أثقلني .
[ 3 ] هو أبو مسلم عبد الرحمن بن محمد صاحب الدولة العباسية ، يلقب بجريان بالجيم و قيل بالحاء . و اليه ينسب المذهب المعروف بحريانية أو جريانية . قتله المنصور الخليفة العباسي في شعبان من سنة ست و ثلاثين و مائة .
و في نسبه اختلاف ، فمن الناس من رأى أنه كان من العرب ، و منهم من رأى أنه كان عبدا فأعتق فآل أمره و نمت به الاقدار الى ان اتصل بمحمد بن علي ثم بابراهيم الامام ابن محمد ، فأنفذه ابرهيم الى خراسان و أمر أهل الدعوة باطاعته و الانقياد الى أمره فقوي أمره و ظهر سلطانه .
راجع مروج الذهب 3 254 ، 304 .
[ 149 ]
يسيلون على بنى أمية .
« من مستثارهم » أي من أوطانهم و منازلهم التى أزعجهم بنو أمية اليها و ألزموهم فيها ، مثل « سيل الجنتين » و هو سيل العرم الذي ذكر اللّه في كتابه فقال تعالى « لقد كان لسبأ » 1 و هو أبو عرب اليمن كلها « في مسكنهم » أي في بلدهم « آية » أي حجة على وحدانية اللّه و كمال نعمته و قدرته .
ثم فسر آية فقال « جنتان عن يمين و شمال » أي يستانان عن يمين ديارهم و عن شمالها ، و كانت ثلاثة عشرة قرية في كل قرية نبى يدعوهم الى اللّه يقولون كلوا من زرق اللّه في هذه البساتين و السيول هذه بلدة طيبة ، فأعرضوا عن الحق و لم يشكروا اللّه « فأرسلنا عليهم سيل العرم » .
و ذلك أن الماء يأتي ارض سبأ من أودية اليمن ، و كان هناك جبلان يجتمع ماء المطر و السيول بينهما ، فاذا احتاجوا الى الماء نقبوا السد بقدر الحاجة ،
فكانوا يسقون زروعهم و بساتينهم ، فلما كذبوا رسلهم بعث اللّه جردا نقبت ذلك الردم و فاض الماء عليهم فأغرقهم .
و قيل « العرم » السيل الذي لا يطاق ، أخبر تعالى عن قصة سبأ بما دل على
-----------
( 1 ) سورة سبأ : 15 .
[ 150 ]
حسن عاقبة الشكور و سوء عاقبة الكفور ، فأشار أمير المؤمنين عليه السلام الى ذلك وعدا و وعيدا .
و أصدفوا : أي أعرضوا عن سمت الشر ، أي عن طريقة تقصدوا ، أي تعدلوا . و القصد : العدل ، و القصد بين الاسراف و التقتير ، و القاصد : القريب .
« الفرايض الفرايض » أي الزموا الفرائض أقضوا ما فات منها و احفظوا على ما يستقبل منها .
و روي « فان البأس امامكم » و البأس : العذاب و الشدة . و الرواية الاخرى اظهر و اكثر ، أي ان الناس ماتوا قبلكم و هم كالمنتظرين لكم .
و شوكة الانسان : شدته ، و شوكة العقرب : ابرتها .
و « العبدان » جمع العبد . و « الاعراب » : أهل البدو في ناحية الحجاز .
و الجفاة : الذين لا علم لهم .
و « خلالكم » : أي وسطكم . « يسومونكم » يكلفونكم . و « المادة » الزيادة المتصلة .
« و تؤخذ الحقوق مسمحة » بكسر الميم ، من اسمحت قرونته ، أي ذلت نفسه و تابعت ، و بفتحها من اسمحت و سامحت أي ساهلت .
و قوله « ان حرك هذا الامر » يعني ان عوتب قتلة عثمان يصير الناس على ثلاث فرق ، فمنهم من يقول : يجب أن يعاقبوا الان بل يتركوا ، و منهم من يقول : لا يعاقبون بل يكرمون . و من تأمل كلامه عليه السلام علم أنه دفع بالراح السائل .
« فاهدئوا » : أي اسكنوا . و « تضعضع » أي يضعف ، يقال : ضعضعه اللّه أي هدمه .
و « المنة » : القوة . و روي « آخر الدواء الكي » و هذا أصح ، و يؤل معناهما الى شىء .
[ 151 ]
و « البدعة » : الحدث في الدين بعد أن اكمله اللّه ، و الاشياء المبتدعة و « الاسلام » مثل ذلك .
و روي « غير ملومة و لا مستنكرة بها » .
و يأرز : أن ينقبض . و تمالؤا : تعاونوا .
و الفيالة : ضعف الرأي . و « أفائها اللّه عليه » أي جعل تعالى تلك الارض فيالة و غنيمة خاصة له .
و الكلاء : المرعى . و المجادب : مواضع القحط .