و اللّه لان أبيت على حسك السعدان مسهدا ، أو أجر في الاغلال مصفدا ،
أحب الي من ان ألقى اللّه و رسوله يوم القيامة ظالما لبعض العباد ، و غاصبا لشىء من الحطام . فكيف أظلم أحدا لنفس يسرع الى البلا قفولها ، و يطول في الثرى حلولها .
[ 1 ] ما بين المعقوفين ليس في ح . و قال ابن أبي الحديد في شرحه 11 244 ما لفظه : و قال الراوندي « خرق بصر » مرفوع لانه اسم ما لم يسم فاعله ، و لا أعرف لهذا الكلام معنى .
و قال قبيل هذا : ان قوله « فلم يجر » قد اختلف الرواة في هذه اللفظة ،
فرواها قوم « فلم يجر » و هو مضارع « جرى يجري » و رواها قوم « فلم يجز » مضارع « جاز يجوز » أي لم يسغ و لم يرخص ، و رواها قوم « فلم يجر » من « جار » أي عدل عن الطريق .
-----------
( 2 ) في ص : أي طلب .
[ 3 ] الشيم : النظر الى البرق .
[ 391 ]
و اللّه لقد رأيت عقيلا و قد أملق حتى استماحني من بركم صاعا ، و رأيت صبيانه شعث الالوان من فقرهم ، كأنا سودت وجوههم بالعظلم ، و عاودني مؤكدا ،
و كرر علي القول مرددا ، فأصغيت اليه سمعي ، فظن أنى ابيعه دينى و أتبع قياده مفارقا طريقتي 1 ، فأحميت له حديدة ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها ، فضج ضجيج [ جمل ] 2 ذي دنف من ألمها ، و كاد أن يحترق 3 من ميسمها ، فقلت : ثكلتك الثواكل يا عقيل أنئن من حديدة أحماها انسانها للعبه و تجرني الى نار سجرها جبارها لغضبه ، اتئن من الاذى و لا أئن من لظى .
و أعجب من ذلك طارق طرقنا بملفوفة 4 في وعائها و معجونة شنئتها كأنما عجنت بريق حية أوقيئها ، فقلت : أصلة ام زكاة أم صدقة فذلك محرم علينا أهل البيت ؟ فقال : لا ذا و لا ذلك ، و لكنها هدية . فقلت : هبلتك الهبول أعن دين اللّه اتيتنى لتخدعني امختبط أم ذو جنة ام تهجر ، و اللّه لو أعطيت الاقاليم السبعة بما تحت افلاكها على أن أعصي اللّه في نملة اسلبها جلب شعيرة ما فعلته ، و ان دنياكم عندي لاهون من ورقة في فم جرادة تقضمها . ما لعلي و لنعيم يفنى و لذة لا تبقى . نعوذ باللّه من سبات العقل و قبح الزلل ، و به نستعين . ( و من دعائه عليه السلام )
اللهم صن وجهي باليسار ، و لا تبذل جاهي بالاقتار ، فأسترزق طالبى رزقك ،
-----------
( 1 ) في ب ، الف و هامش م : طريقي .
-----------
( 2 ) الزيادة من ب .
-----------
( 3 ) في ب : « يخرق » و في هامش م : « يخرف » .
-----------
( 4 ) في ب : مكفوفة .
[ 392 ]
و استعطف شرار خلقك ، و ابتلى بحمد من اعطاني ، و افتتن بذم من منعني ،
و أنت من وراء ذلك كله ولي الاعطاء و المنع ، انك على كل شىء قدير . ( و من خطبة له عليه السلام )
دار بالبلاء محفوفة ، و بالغدر معروفة ، لا تدوم احوالها ، و لا تسلم نزالها .
أحوال مختلفة ، و تارات متصرفة . العيش فيها مذموم ، و الامان منها معدوم ،
و انما اهلها فيها أغراض مستهدفة ، ترميهم بسهامها ، و تفنيهم بحمامها .
و اعلموا عباد اللّه انكم و ما أنتم فيه من هذه الدنيا على سبيل من قد مضى قبلكم ، ممن كان أطول منكم أعمارا ، و أعمر ديارا ، و أبعد آثارا . اصبحت اصواتهم هامدة ، و رياحهم راكدة ، و اجسادهم بالية ، و ديارهم خالية ، و آثارهم عافية .
فاستبدلوا بالقصور المشيدة ، و النمارق الممهدة ، الصخور و الاحجار المسندة ،
و القبور اللاطئة الملحدة ، التى قد بنى على الخراب فناؤها ، و شيد بالتراب بناؤها ، فمحلها مقترب ، و ساكنها مغترب ، بين أهل محلة موحشين ، و اهل فراغ متشاغلين ، لا يستأنسون بالاوطان ، و لا يتواصلون تواصل الجيران ، على ما بينهم من قرب الجوار و دنو الدار .
و كيف يكون بينهم تزاور و قد طحنهم بكلكله البلى ، و أكلتهم الجنادل و الثرى و كأن قد صرتم الى ما صاروا اليه ، و ارتهنكم ذلك المضجع ، و ضمكم ذلك المستودع . فكيف بكم لو تناهت بكم الامور ، و بعثرت القبور « هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت و ردوا الى اللّه موليهم الحق و ضل عنهم ما كانوا يفترون » 1 .
-----------
( 1 ) سورة يونس : 30 .
[ 393 ]
( و من دعائه عليه السلام )
اللهم انك آنس الانسين بأوليائك 1 ، و أحضرهم بالكفاية للمتوكلين عليك ،
تشاهدهم في سرائرهم 2 ، و تطلع عليهم في ضمائرهم ، و تعلم مبلغ بصائرهم .
فأسرارهم لك مكشوفة ، و قلوبهم اليك ملهوفة ، ان أوحشتهم الغربة آنسهم ذكرك ، و ان صبت عليهم المصائب لجؤ الى الاستجارة 3 بك ، علما بأن أزمة الامور بيدك ، و مصادرها عن قضائك .
اللهم [ و ] ان فههت 4 عن مسألتي ، او عمهت 5 عن طلبتي ، فدلني على مصالحي ، و خذ بقلبى الى مرا شدي ، فليس ذلك بنكر 6 من هداياتك ، و لا ببدع من كفاياتك .
اللهم احملني على عفوك ، و لا تحملني على عدلك . ( و من كلام له عليه السلام )
للّه بلاء 7 فلان ، فلقد قوم الاود ، و داوى العمد ، أقام السنة ، و خلف الفتنة ،
-----------
( 1 ) في يد ، ب ، الف و هامش نا : لاوليائك .
-----------
( 2 ) في ب : شاهدهم .
-----------
( 3 ) في ب : الى الاستخارة .
-----------
( 4 ) في ب : « فان فهمت » . و في الف : « و ان فهت » .
-----------
( 5 ) في الف ، ب ، يد ، نا : « أو عميت » و في هامش نا كما أثبتناه .
-----------
( 6 ) ليس « بنكر » في ب .
-----------
( 7 ) في الف ، نا ، يد و هامش ب : بلاد .
[ 394 ]
و ذهب نقي الثوب قليل العيب ، أصاب خيرها ، و سبق شرها . أدى الى اللّه طاعته ، و اتقاه بحقه ، رحل و تركهم في طرق متشعبة ، لا يهتدي فيها الضال ،
و لا يستيقن المهتدي . ( و من خطبة له عليه السلام ) ( في وصف بيعته عليه السلام بالخلافة ) ( و قد تقدم مثله بألفاظ مختلفة )
و بسطتم يدي فكففتها ، و مددتموها فقبضتها ، ثم تداككتم 1 علي تداك الابل الهيم على حياضها توم وردها 2 ، حتى انقطعت النعل ، و سقط الرداء ، و وطىء الضعيف ، و بلغ من سرور الناس ببيعتهم اياي ، أن ابتهج بها الصغير ، و هدج اليها الكبير ، و تحامل نحوها العليل ، و حسرت اليها الكعاب . ( و من خطبة له عليه السلام )
فان تقوى اللّه مفتاح سداد ، و ذخيرة معاد ، و عتق من كل ملكة ، و نجاة من كل هلكة . بها ينجح الطالب ، و ينجو الهارب ، و تنال الرغائب .
فاعملوا و العمل يرفع ، و التوبة تنفع ، و الدعاء يسمع ، و الحال هادية ،
و الاقلام جارية . و بادروا بالاعمال عمرا ناكسا 3 ، أو مرضا حابسا ، أو موتا خالسا .
فان الموت هادم لذاتكم ، و مكدر شهواتكم ، و مباعد طياتكم . زائر غير محبوب ،
-----------
( 1 ) في ب : تداكلتم .
-----------
( 2 ) في ب ، الف ، نا : ورودها .
-----------
( 3 ) في ب : ناسكا .
[ 395 ]
و قرن غير مغلوب ، و واتر غير مطلوب . قد أعلقتكم حبائله ، و تكنفتكم غوائله ،
و أقصدتكم معابله 1 و عظمت فيكم سطوته ، و تتابعت عليكم عدوته ، و قلت عنكم نبوته . فيوشك أن تغشاكم دواجي ظلله ، و احتدام علله ، و حنادس غمراته ،
و غواشي سكراته ، و أليم ازهاقه ، و دجو اطباقه ، و جشوبة مذاقه . فكان قد أتاكم بغتة فأسكت نجيكم ، و فرق نديكم ، و عفى آثاركم ، و عطل دياركم ، و بعث وراثكم ، يقتسمون تراثكم بين حميم خاص لم ينفع ، و قريب محزون لم يمنع ،
و آخر شامت لم يجزع .
فعليكم بالجد و الاجتهاد ، و التأهب و الاستعداد ، و التزود في منزل الزاد .
و لا تغرنكم الحياة 2 الدنيا كما غرت من كان قبلكم من الامم الماضية و القرون الخالية ، الذين احتلبوا درتها ، و أصابوا غرتها ، و أفنوا عدتها ، و خلفوا جدتها .
أصبحت مساكنهم أجداثا ، و أموالهم ميراثا ، لا يعرفون من أتاهم ، و لا يحفلون 3 من بكاهم ، و لا يجيبون من دعاهم . فاحذروا الدنيا فانها غرارة خدوع ، معطية منوع ، ملبسة نزوع ، لا يدوم رخاؤها ، و لا ينقضي عناؤها ، و لا يركد بلاؤها .
( منها ) في صفة الزهاد :
كانوا قوما من أهل الدنيا و ليسوا من أهلها ، فكانوا فيها كمن ليس منها ،
عملوا فيها بما يبصرون ، و بادروا فيها ما يحذرون ، تقلب أبدانهم بين ظهراني أهل الاخرة ، يرون أهل الدنيا يعظمون موت أجسادهم ، و هم اشد اعظاما لموت قلوب أحيائهم .
-----------
( 1 ) في ب : معايله .
-----------
( 2 ) ليس « الحياة » في الف ، ب ، نا .
-----------
( 3 ) في ب ، الف : يحلفون .
[ 396 ]