[ 124 ]
الكلمة الخامسة والعشرون قوله عليه السلام: البخل جامع لمساوى العيوب (1).
اقول: قد عرفت ماهية البخل، ومساوى العيوب مقابحها وقبل بيان المقصود نذكر درجات البخل وهى اربع، فالاولى منع ما ينبغى منه لمستحق هو غيره وهو اهون درجاته.
الثانية منع ما ينبغى منه لمستحق هو نفسه وهذه اشد من الاولى، لان منع نفسه التى هي اكرم عليه من الغير اشد من منع الغير إذ كان لم يسع في تحصيل ذلك الممنوع الا لنفسه.
الثالثة منع ما ينبغى من غيره لمستحق غيره وهى اشد من الثانية، لان حبه لما يتوهم انه يملكه اهون من منعه لما لا يملكه لامكان تصور انتفاعه بما يملكه دون مالا يملكه، الرابعة منع ما ينبغى من غيره لمستحق هو نفسه وهذه اشد الدرجات وصاحبها ابعد الجماعة عن الرشح للخير، لان هذه الدرجة مستلزمة للثلاث الاول مع زيادة وهى انه منع احق مستحق عنده لابعد الاشياء عن ملكه، هذه (2) هي الدرجات، فاما اسبابها فاعلم ان السبب اما في الدرجتين اللتين يمنع فيهما ماله عن (3) غيره وعن نفسه فأكثر ما يكون في الابتداء خوف الفقر والحذر من الحاجة الى من يمنع الرزق الصادر ذلك عن سوء الظن بالمعبود كما عرفت قبل الى ان (4) يصير ذلك بحسب التكرر والتعود ملكة وخلقا وحينئذ لا يبقى له مع المنع مراعاة تلك الاسباب وخطورها بباله بل يصير ذلك المنع طبيعة،.
واما في الباقيتين اللتين يمنع فيهما مال غيره عن نفسه وعن غيره فلانه لما كان تكيف بالملكة الردية المذكورة وتخلق (5) بها صار عند مشاهدة البذل من غيره يقدر بحكم وهمه انه واقع في ذلك البذل وانه هو الفاعل له فيلحقه حينئذ من ذلك نفرة طبيعية (6) يحكم معها بقبح ذلك البذل من فاعله ويحب منه ان لا يبذل ليكون موافقا لطبعه (7) ولا يزال يسمعه التوبيخ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - لهذه الكلمة شرح للشارح (ره) في نهج البلاغة ونورده في آخر الكتاب ان شاء الله.
(2) - ج د: " فهذه ".
(3) - ا: " اعلى ". د: " من ".
(4) - قبل ان ".
(5) - ا: " تحلى ".
(6) - ج د " طبعية ".
(7) - ا: " لطبعه بطبعه ".
[ 125 ]
وينسبه الى تجاوز قدره الذى يجب ان يقف عنده وما يشبه ذلك مما ينفر طبعه منه لكيلا - يعود الى ذلك البذل ولا يكثر منه وإذا عرفت ذلك فنقول: المراد من هذه الكلمة بيان ان رذيلة البخل مستلزمة لمقابح (1) الرذائل وقد عرفت ان اجناس الرذائل اربعة، الجهل والشره والجبن (2) والجور ونحن نبين ان هذه الاربعة لازمة لرذيلة البخل موجودة في محلها اما الجهل ونعنى به ههنا المركب فلانك عرفت ان البخيل لا يخلو تصوره لمعبوده من تكييفه (3) بكيفيات غير لائقة بجوده وغير لاحقه لكمال وجوده من تشبيهه (4) بخلقه المنتفعين بوجود الاموال والمتضررين بفقدها وذلك اعتقاد غير مطابق لما عليه الامر في نفسه وهو حقيقة الجهل المركب، واما الشره فقد عرفت انه غلبة الحرص على اقتناء الملذات (5) البدنية والانهماك فيها والخروج في ذلك الى مالا ينبغي.
ولا يخفى ان البخل مستلزم لغلبة الحرص في جمع (6) الملذات (7) المالية والانهماك فيها والخروج الى الحد المنهى عنه، واما الجبن فقد عرفت ان حقيقته الخوف مما لا ينبغى ان يخاف منه ولا يخفى ان البخيل ابدا خائف من الفقر وجل من حدوث الحوادث في ماله بحيث لا ينسب مثل ذلك الخوف الى غيره وذلك خوف مما لا ينبغى ان يخاف منه لان ما يحافظ عليه منه لاشك انه من الامور الكائنة الفاسدة ومن خاف فيما (8) لابد من كونه ورجا ان لا يفسد فقد خاف مما لا يجوز ان يخاف منه وهو عين الجبن، واما الجور فقد عرفت ان حقيقته التوصل الى كثرة المقتنيات من حيث لا ينبغى وكما لا ينبغى ويلزمه طلب - الزيادة من النافع للنفس (9) وطلب النفصان منه للغير ولا يخفى ان البخل مستلزم لذلك فان البخيل لغلبة حرصه وجهله ويجتهد في طلب الزيادة من اي الوجوه (10) كانت ويتوصل الى جمع الاموال من حيث لا ينبغى بحكم وهمه الكاذب ان ذلك مما ينبغى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ا ج د: " لقبائح ".
(2) - د: " والجبن والشره ".
(3) - ب د: " تكيفه !.
(4) - ب ج: " من تشبهه ".
(5) ج د: " اللذات ".
(6) - ب: " جميع ".
(7) - ج د: " اللذات ".
(8) - ج د: " مما ".
(9) - ب: " النفس " (بدون لام الجر).
(10) - الوجود "
[ 126 ]
وإذا ثبت (1) ان اصول الرذائل الاربعة لازمة للبخل موجودة في محله كان ما يلزمها من الرذائل ايضا كذلك فتجد الكذب الذى هو رأس النفاق عارضا عن الشره إذا كان الشره خارجا مما (2) يطلبه الى مالا ينبغي على وجه لا ينبغى كالاكاذيب (3) والحيل الباطلة وغيرها وكالجرأة (4) والتعود لسلب الاموال وسفك الدماء وهلاك الانفس (5) الناشئ من طبيعة الجور، وكالاعراض عما يجب فعلة من المحافظة على الحريم والذب عنهم (6) والقصور فيما ينبغى القيام به من السياسات وتنفيذ الاحكام التى (7) يجب تنفيذها المستلزم لعظم الهمة اللازم ذلك للجبن المذكور وكالنقصان البائر (8) اللازم للجهل الى غير ذلك من العيوب الفاحشة وبالجملة فإذا تأملت اصناف قبائح الرذائل ومساوى العيوب وجدتها منبعثة (9) عن هذه الاربع.
وينبغى ان بتنبه من هذه الكلمة على وجوب الهرب من هذه الرذيلة وغسل لوح - النفس عن درنها ليسلم مما يلزم عنها من مقابح (10) الرذائل وما يصحبها من مساوى العيوب فيترشح لاقتناء الباقيات الصالحات فعسى ان يكون من المفلحين (11) والله يدعو الى دار السلام ويهدى من يشاء الى صراط مستقيم (12).
الكلمة السادسة والعشرون قوله عليه السلام: كثرة الوفاق نفاق وكثرة الخلاف شقاق.
اقول: الوفاق الموافقة فيها يقال من الاراء ويختار من الافعال الصادرة عن الاغراض والارادات (13) التى قد تختلف، واما النفاق فقد سبق بيانه والخلاف المخالفة فيما يقال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - ج د: " بينت ".
(2) - ا ج د: " فيما " (3) - ج: " كالاكاذب ".
(4) - ب: " وكالجراءة ".
(5) - ب: " النفس ".
(6) - كذا في النسخ والظاهر انه: " عنه ".
(7) - ب: " الذى ".
(8) - ا: " الثائر " ب " الباتر " ج د: " التاثر " فالتصحيح قياسي.
(9) - ا ب: " مستتبعة ".
(10) - ا: " قبائح ".
(11) - ذيل آية 67 سورة القصص.
(12) - آية 25 سورة يونس.
(13) - ج د: " والارادة ".
[ 127 ]
من تلك الاراء والشقاق الافتراق من شق العصا، إذا قسمتها بنصفين، وههنا حكمان، الاول ان كثرة الوفاق وليس المراد ان كثرة الموافقة هو نفس النفاق بل المراد انه لازم له فأطلق اسم الملزوم على لازمية (1) كثرة الوفاق للنفاق مجازا إذ التقدير كثرة الوفاق لازم من لوازم النفاق، واظهر من ذلك انه حذف المضاف للعلم به واقام المضاف إليه مقامه، واما عله هذا الحكم فلان الاراء مختلفة اختلافا شديدا تكاد لا تتناهى (2) بحسب اختلاف التصورات وجودة الحدس وضعفه واستقامة التخيل (3) واعوجاجه الصادر عن التفاوت في الامزجة حتى انك تجد لكثير (4) من الناس آراء يستبدون (5) بها لاتكاد تتصور (6) موافقة احد لهم فيها ثم ان كان لابد من الوفاق الصحيح الا ان ذلك لا يكون الافى الاحكام الضرورية أو البرهانية وهى مع انها اقلية الوجود بالنسبة الى الاحكام التى تخفى اسبابها فتكاد تسلم من اختلاف الاراء فيها، أو (7) - لا يقع لها انكار أو تصور على وجه آخر، وإذا عرفت ذلك فاعلم ان الذى يكثر وفاقه في كل ما يقال أو يستشار فيه يستحيل أو يكون في غاية البعد ان يقال: ان تلك الموافقات منه مطابقة اعتقاده الصادر عن النظر في الامارات الصادقة وعن تخالف الامور وان ذلك هو الذى ادى إليه اجتهاده بل الذى ينبغى ان يعتقد ان ذلك انما هو نفاق لخروجه (8) به عن الصدق في عدم مطابقة ظاهره لباطنه وقد علمت ان النفاق ذلة (9) واستخذاء (10) نفس واستجابتها وانفعالها عن مقابلة - المستشير والقائل وخاصة ان يكون معظما في ملكه أو علمه أو حال يوجب له الاحتشام وهذا الحكم مستلزم للتنبيه على وجوب الحذر عن كثرة الوفاق فانها من آثار رذيلة المهانة والانظلام التى هي طرف التفريط من الشجاعة إذ تبين لك من هذا البحث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - ب: " الزمية ".
(2) - ا ب: " يكاد لا يتناهى ".
(3) - ج د: " البخيل ".
(4) - ب ج د: للكثير ".
(5) - ا: " مستبدون ".
(6) - ا: " لا يكاد يتصور ".
(7) - ج د: " و ".
(8) - ا ج د: " بخروجه ".
(9) - ت ج د: " لذلة ".
(10) - ا: " واستجداب ".
[ 128 ]
ترتيب البرهان على ذلك وصار الترتيب " كثرة الوفاق نفاق، والنفاق ذلة " فانتج ان كثرة الوفاق ذلة، اما المقدمة الاولى فبينة من بحثنا، واما الثانية فقد تقدم تقريرها وتبين من بيانهما ان كثرة الوفاق من لوازم النفاق الذى هو من لوازم المهانة ولازم - اللازم لازم ولن يتخلص عن ذلك الا بمعاجلة المعالجة (1) لغسل الباطن من رذيلة المهانة لان معالجة هذه الامراض تستدعى حسم اسبابها اولا بتعويد النفس وتطويعها باضداد تلك الاسباب، واما الحكم الثاني فهو ان كثرة الخلاف سبب للشقاق وملزوم له واطلاق الشقاق على لازمية كثرة الخلاف مجاز، واما برهان هذا الحكم فلان الخلاف بطبيعته مثير للقوة الغضبية المحركة الى طلب الانتقام من المخالفين الموجب للعداوة والبغضاء وتنافر الطباع وإذا كان اصل طبيعته فما ظنك بكثرته والخروج فيه الى مالا ينبغي وايراده فيما لا ينبغى وقد كنت عرفت ان طلب الانتقام مثير للعداوات (2) ومن لوازم العداوة التباين ولافتراق فتعلم حينئذ ان كثرة الخلاف موجبة للشقاق لما ان علة العلة علة، واعلم ان هذين الحكمين مستلزمان للتنبيه على وجوب لزوم الوسط بين طرفي الافراط والتفريط الذى هو الشجاعة اما طرف الافراط فعلته (3) كثرة الخلاف فان ذلك بالحقيقة صادر عن تهور واقدام على مالا ينبغى الاقدام عليه، واما طرف التفريط فهو علة كثرة الوفاق التى هي المهانة فان الانسان بارتكاب الطرف الاول يحصل على الشقاق والتباين الموجب للتباغض المنافى للمحبة والاتحاد في الله تعالى التى هي سبب لاستنزال (4) رحمته وبركاته، وبارتكاب الطرف الثاني يحصل على الرذيلة المذكور وملزومها، وكلاهما منهى عنهما، فينبغي للعاقل ان يثبت على الوسط ويثبت (5) بعرى عقله دون ان يجذبه هواه الى سلوك احد الطرفين فيكون من الهالكين، والله ولى العصمة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - ا: " بالمعالجة العاجلة " ج د: " بمعالجة المعالجة ".
(2) - ج د: " للعداوة ".
(3) - ا ج د: " فعله ".
(4) - ا: " لاشتراك ".
(5) - في بعض النسخ بلا نقطة فيمكن ان يقرأ " يتشبث " (بالشين المعجمة)
[ 129 ]
الكلمة السابعة والعشرون قوله عليه السلام: البغى سائق الى الحين.
اقول: البغى الظلم، والحين ههنا بفتح الحاء الهلاك، والمراد ان الظلم من الاسباب المعدة لبطلان حياة الظالم ومقرب لهلاكه، وأطلق عليه السلام الفظ السائق على الظلم مجازا من باب الاستعارة، ووجه المشابهة ان السائق (1) كما يكون لسرعة الوصول بسيره الى المكان المقصود كذلك الظالم يكون ظلمه سببا لسرعة وصوله الى أجله، واما علة هذا الحكم فهو ان الظالم انما ينتزع بظلمه من الخلق ما يكون هممهم معلقة بحفظه واقتنائه ونفوسهم حريصة على بقائه في أيديهم وهو سبب لذتهم ومتعتهم (2) وما يتوهمون انه ملك فيكون بذلك معرضا نفسه لاجتماع هممهم (3) في اذاه واجتهادهم في دفعه واهلاكه اما باستعداء ظالم آخر أو عادل عليه واما بأيديهم واما بفزع نفوسهم الى الله تعالى وتفريغ خواطرهم واعدادها بالادعية والابتهالات لان تفاض عليها اجابة الدعوات بانزال العقوبة العاجلة له كما عرفت كيفية ذلك الاستنزال وامكانه، وحينئذ تكون حركة الظالم في ظلمه سببا باعثا لحركة المظلوم في طلب الانتصار وأخذ الثار على احد الوجوه المذكورة فكان (4) ظلمه سببا قائدا له الى حينه، ولما كان قرب الحين منفورا منه (5) طبعا للخلق وكان الظلم سببا سائقا إليه وجب عليك ايها الاخ ان تنظر بعين بصيرتك ما استلزمته هذه اللفظة من التنبيه على وجوب ترك الظلم سيما وقد علمت انه من أعظم الرذائل وأقبحها، والله يثبت أقدامنا في مزال الاقدام، ويطهر نفوسنا من ادناس الاثام، وانه ولى الانعام وصاحب الايادي الجسام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - كأن الشارح (ره) قرأ الكلمة " السابق " بالباء من مادة " س ب ق " والحال انه معتل العين من ساق " س وق " كما هو ظاهر.
(2) - ب ج د: " ومنفعتهم ".
(3) - ب: " همهم ".
(4) - ا: " وكان ".
(5) - ب " عنه ".
[ 130 ]
الكلمة الثامنة والعشرون قوله عليه السلام: أوحش الوحشة العجب.
اقول: الوحشة نفرة طبيعية تعرض للحيوان عن تصور الموذى، وتقابل الانس تقابل الضدين، واما العجب فهو ظن كاذب بالنفس في استحقاق مرتبة هي غير مستحقة لها، ولما كانت الوحشة مقولة بالتشكيك على ما تحتها، إذ (1) كان من الوحشة ما هو أشد ومنها ما هو أضعف ظهر حينئذان تقدير القضية: " اشد درجات الوحشة وأبعدها عن الانس العجب " واعلم ان العجب نفسه (2) ليس بوحشة فيعود التقدير الى " ان اوحش الوحشة مسبب عن العجب ولازم له " فأطلق لفظ العجب عليه مجازا كما سبق بيان مثله، إذا عرفت فنقول: اما برهان سببية العجب للوحشة فلان المعجب بنفسه إذا اعتقد ماله على غيره من الفضيلة فهو وان أكذب نفسه فيها في بعض الاحوال الا انه كثيرا ما يبعثه (3) الالتذاذ بتصور تلك المرتبة ولوازمها وتخيل زينة نفسه بها وتميزها عن اغيارها (4) بسببها على اكذابها (5) فيعبر (6) الى حد التيه فيتيه ويتجبر على غيره ويستنقص ابناء نوعه لتصور التفرد بالمرتبة التى لنفسه فكان ذلك سببا لتنفر (7) طباع الخلق عنه ووحشته منه من وجهين: احدهما - انا بينا ان التواضع ولين الجانب واظهار النقص من الكمال لنفسه تقريرا للتواضع وبسطا من طباع الاخوان مميل لطباعهم إليه وموجب للالفة الموجبة للانس والمحبة فكان التيه والعجب وما يصحبهما من اضداد ما ذكرنا موجبين للنفرة الطبيعية المستلزمة للتباين المستلزم للوحشة والانقطاع وعدم المحبة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - ب: " إذا ".
(2) - ا: " ان الانس وحده ".
(3) - في النسخ: " تشغله " فالتصحيح نظرى.
(4) ج د: " على اعتبارها ".
(5) - د: " على اكذبها ".
(6) - ج د: " فتصير ".
(7) - ا ب: " لتنفير ".
[ 131 ]
الثاني - ان الكمال من حيث هو كمال محبوب للنفس ومطلوب لها ثم ان الانسان يكاد يخلو عن الحكم الوهمي في حق نفسه باستحقاق كمال مالا يكون لغيره اوان كان لكنه يكون لاحاد الناس كانسان اطلع بصفاء سريرته وارشاد الله تعالى اياه على عيوب نفسه فكسر غلو العجب عنها، وإذا كان كذلك فالمعجب إذا أعجب بنفسه وتاه على غيره لاعتقاد المزية عليه لم يخل ذلك الغير من ان يكون له مثل ذلك الاعتقاد أو يكون مطلعا على قبحه لعلمه بانه عيب من العيوب الفاحشة وعلى التقديرين فان ذلك العجب موجب للنفار (1) اما في حق الاول فلعدم تسليمه لما يعتقده هذا المكبر (2) لنفسه عليه من التفرد بالمزية والكمال لان الكمال المعتقد هناك قد يكون عند المتكبر عليه اشد وارسخ في اعتقاده، وعند عدم التسليم والانكار للدعوى ممن اصر (3) عليه لابد وان يحصل الوحشة بينهما، واما في حق الثاني فلاستنقاصه عقل المتكبر والمعجب واطراحه عن درجة الاعتبار وعدم تأهله في نظره واعداده للمعاشرة والالفة والصداقة فهذه اسباب النفرة الطبيعية للخلق من المعجب بقى علينا ان نبين ان الوحشة الصادرة عن العجب اشد درجات الوحشة وأبعدها عن الانس وبيان ذلك ان اقوى ما يتصور من اسباب الوحشة قد يكون علاج ما يوجبه منها سهلا ومعاناة حسمها هينا، فان من أعظمها وأقواها قتل الاحباء والاولاد وقطع بعض الاعضاء أو الضرب المؤلم الممرض فقلما يكون مثل هذه الاسباب في القوة وايجابها للوحشة والقطيعة ومع ذلك فان علاج مثل هذه الوحشة يكون سهلا اما ببذل الاموال الكثيرة أو بالرفق واللين أو ببذل القصاص ويكون ذلك في أقصر مدة وأيسرها، واما العجب فان علاجه وحسمه قد لا يمكن ان امكن فانه يكون غايه من (4) العسر وبيانه ان علاج ذلك متوقف في الانسان على معرفة نفسه اولا (5) وهى درجة عظيمة قل الواقفون عليها وإذا اعرفها فينبغي ان يعرفها بكثرة العيوب والنقصانات المعتورة لها وهذه درجة في غاية الصعوبة ايضا فان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - ج د: " للعناد ".
(2) - ج: " التكبر " د " المتكبر ".
(3) - ج د: " نظر ".
(4) - ا: " في ".
(5) - ب ج: " اولى ".
[ 132 ]
احصاء العيوب النفسانية بالاطلاع عليها وكسر توهم النفس لكمالها عسر بالكلية ثم إذا عرفها بكثرة العيوب (فينبغي) ان يعرف (1) ان الفضل مقسوم بين البشر وليس يكمل منهم احد الا بفضائل تجتمع له وكل من كانت فضيلته عند غيره فينبغي ان لا يعجب بنفسه ولا يفتخر على غيره وكل هذه المراتب وان كانت ممكنة في نفس الامر الا انها في حق كثير من الخلق غير ممكنة وفى حق الاكثر منهم عسرة التحقيق صعبة التناول، وإذا كان كذلك الوحشة العارضة عن اسبابها دائمة قوية عسرة العلاج لعسر علاج أسبابها فكانت أقوى وحشة وأشدها فان قوة المعلول مستفادة من قوة علته وحينئذ يتبين (2) لك سر قوله " أوحش الوحشة العجب ".
وينبغى لك ايها الاخ ان تتنبه مما يسنح لك من سر هذه الكلمة على وجوب ترك العجب والاجتهاد في حسمه إذ (3) كان سببا عظيما من اسباب الهلاك فرتب في ذهنك دليلا هكذا: العجب سبب (4) من الاسباب المانعة من استعدادا النفس لكمالاتها المسعدة (5) وكل ما كان كذلك كان واجب الترك ينتج (6) من الشكل الاول ان العجب واجب الترك، اما المقدمة الاولى فجلية مما قررناه، واما الثانية فلان الكمال المسعد (7) واجب الطلب والاسباب المانعة من الاستعدادات للطلب منافية له فكان تركها وسيله الى تحصيل الواجب وما لايتم الواجب الا به وكان مقدورا للمكلف كان واجبا، وانت بعد ان علمت كيفية علاج حسمه عليم بما تصنع، والله ولى توفيقنا وبه هداية طريقنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - كذا.
(2) - ا ج " تبين ".
(3) - ب ج د: " إذا ".
(4) - ج د: " سببا ".
(5) - ب: " المستعدة " ج د: " المعدة ".
(6) - ب ج: " لينتج " (بلام في اوله).
(7) - ب: " المستعد " ج د: " المعد ".
[ 133 ]
الكلمة التاسعة والعشرون قوله عليه السلام: إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكرا للقدرة عليه.
اقول: المقصود من هذه الكلمة الحث على الفضيلة التى تمسى عفوا وتسمى في عرف العلماء مسامحة وهى بالحقيقة ترك بعض ما يجب بالارادة والاختيار ولاشك ان هذه الفضيلة مستلزمة لكثير من الاخلاق الفاضلة كالسخاء والنبل والسماحة وكذلك هي مستلزمة لفضائل اخرى من باب الشجاعة كالملكة المسماة بالحلم فان نفس صاحب العفو تكون مطمئنة خالية عن الشغوبة بحيث لا يحركها الغضب بسهولة وكاحتمال الكد فان استعمال النفس للعفو مرة ومرة يدل على ان لها قوة تستعمل بها الات البدن في الامور الحسنة (1) بالتمرين وحسن العادة الى غير ذلك من الفضائل، وانما علقه عليه السلام بالقدرة لان ظهور فضيلة العفو للنفس انما يتحقق بعد تحقق القدرة بحسب اعتقاد العافى انه متى شاء العقوبة كان متمكنا منها سواء كان ذلك التمكن حاصلا في نفس الامر أو ليس، واما قبل ذلك الاعتقاد فلا يتحقق العفو إذ لم يكن في هذه تاركا لبعض ما هو واجب له لعدم تحقق وجوب الانتقام، واما الامر له بجعل العفو عنه شكرا للقدرة عليه فلان القدرة التى وهبها الله تعالى له نعمة عظيمة والشكر على النعمة واجب وان كانت هذه القضية ليست باولية بل من المشهورات المحمودة والتأديبات الصلاحية التى توافقت عليها الشرائع وتطابقت عليها اراء الخلق في اصلاح معاشهم ومعادهم ومع ذلك فان للشكر وخاصة للمنعم المطلق اثر عظيما إذ هو من الاسباب القوية في اعداد القوة العقلية بالمداومة عليه لقبول اثار الرحمة وتأهلها لاستنزال (2) المطلوبات بالابتهالات وصالح الادعية وإذا كان كذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - ج د: " الحسية ".
(2) - ج د: " لا شتراك ".
[ 134 ]
فينبغي من العاقل إذا قدر على عدوه ان يعلم ان الشكر كما يكون معد للنفس لقبول الخيرات المذكورة كذلك العفو فانه مستلزم للفضائل التى ذكرناها وبها تحصل على الخيرات الدائمة فلذلك أطلق عليه السلام لفظ الشكر عليه لمكان المناسبة فكما ان تلك الخيرات يجب ان يجتهد في تحصيلها بالشكر الذى بينا كيفية حصولها عنه كذلك يجب ان يجتهد في تحصيل الفضائل التى يستلزمها العفو بالمداومة عليه مرة ومرة حتى تظهر تلك الفضائل التى تلزمها عن النفس، فان اقام العافى عفوه مقام شكر الله تعالى على اقداره على عدوه فنعم العوض، وان جمع بينهما كان أجمع لطريق الخيرات وذلك هو المراد من قوله " فاجعل العفو عنه شكرا للقدرة عليه " اي عوضا من الشكر فان حقيقة العفو ليست نفس الشكر، والله ولى التوفيق.
الكلمة الثلاثون قوله عليه السلام: البخيل مستعجل الفقر يعيش في الدنيا عيش الفقراء ويحاسب في الاخرة حساب الاغنياء.
اقول: قد عرفت حقيقة البخل واقسام البخلاء وقد ذكر عليه السلام ههنا للبخيل ثلاثة احكام: الاول - انه مستعجل للفقر وبرهانه ان الاستعجال هو طلب الشئ الذى لابد من وقوعه وذلك الطلب اما ان يكون طلبا اراديا ذاتيا، أو طلبا عوضيا عارضا بسبب الاخلاق الردية، ولما كان الفقر لابد من وقوعه للبخيل بسبب انتقال ملكه الى احد شريكيه كما قال عليه السلام: لكل امرئ في ماله شريكان، الوارث والحوادث (1) كانت غاية ذلك عدم الانتفاع بالمال وعدم تصريفه فيما ينبغى من وجوهه، وكانت هذه الغاية حاصلة في حق البخيل في مدة وجوده بحسب اقتضاء اخلاقه الردية لها لا جرم كان مستعجلا للفقر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - ا: " والحادث ".
[ 135 ]
الحكم الثاني - انه يعيش في الدنيا عيش الفقراء، وهذا الحكم ايضا ظاهر، فان مقتضى رذيلة البخل التقتير وجمع المال وضبطه وذلك مستلزم لقلة (1) الانفاق المستلزمة (2) لسوء المطاعم ورداءة العيش وقلته التى هي بالحقيقة صفات (3) عيش الفقراء فظاهر (4) ان البخيل يعيش في الدنيا عيش الفقراء.
الحكم الثالث - انه في الاخرة يحاسب حساب الاغنياء، والحساب على (5) ما ورد به ظاهر الشريعة ظاهر، والخلاف بين المتكلمين في كيفية ايقاعه مشهور، وفى نظر قوم اخرين هو إحصاء الرذائل والفضائل اللاحقة للنفس من تعلقها بالابدان وضبطها في اللوح المحفوظ بقلم العلم الالهى، ولما كانت الاغنياء هم الجامعين (6) للاموال والمدخرين (7) لما لا ينبغى ان يدخر من الامور الجسمانية وكان حسابهم أشد وأخطر لكثرة الملكات الردية اللاحقة لهم بسبب ميلهم وعشقهم لمتاع الحياة الدنيا ورغبتها وكان البخيل أشدهم للجمع محبة ولمتاع - الدنيا عشقا لاجرم كان محاسبا حساب الاغنياء.
وإذا عرفت ذلك لاح لك ان من مقاصد هذه الكلمة التنبيه على الحذر من ارتكاب رذيلة البخل ووجه ذلك التنبيه ان مطلوب العاقل وغاية سعيه في الدنيا انما هو تحصيل السعادتين والبخل مستلزم لعدم حصول احداهما (9) اما في الاولى فلان البخيل يعيش فيها عيش الفقراء فهو فاقد لذتها وسعادتها، واما في الاخرى فلانه يحاسب فيها حساب الاغنياء، ولما كان من لوازم حساب الاغنياء عدم خلوهم عن العذاب بسبب ما تمكن (10) من جواهر نفوسهم من محبة متاع الدنيا وزينتها وبسبب تفريطهم وافراطهم في وضع الاموال مواظعها لا جرم كان البخيل اكدهم استحقاقا لذلك واشدهم استعدادا لحصوله وبالله التوفيق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - ج د: " لعله ".
(2) - ج: " المستلزم ".
(3) - د: " صغار ".
(4) - ب: " وظاهر ".
(5) - " على " ليست في ا ب.
(6) - في النسخ: " الجامعون ".
(7) - في النسخ: " المدخرون ".
(8) - ب: " من الاموال ".
(9) - ا ب د: " احدهما ".
(10) - ا ب: " يمكن ".
[ 136 ]
الكلمة الحادية والثلاثون قوله عليه السلام: لسانك يقتضيك ما عودته (1).
اقول الاقتضاء ههنا طلب الشئ والميل إليه واللسان اللحمة المخصوصة وقيل بيان المقصود نذكر الفائدة من وجوده فنقول: انك قد علمت في ما سبق ان الانسان الواحد لا يمكنه ان يستقل باصطناع جميع ما يحتاج إليه بل لا بد من جمع عظيم ليعين بعضهم بعضا حتى يتم لكل واحد منهم ما يحتاج إليه، ومن ضرورة هذا الاجتماع الحاجة الى ان يعرف كل واحد منهم صاحبه ما في ضميره من الحاجات المطلوبة له، وذلك التعريف لابد فيه من طريق فاقتضت العناية الالهية وضع الالة المخصوصة ووضع الالفاظ المركبة من الاصوات والحروف المتولدة من حركات هذه اللحمة المخصوصة على اوضاع مخصوصة فعرفت حينئذ وجه الحاجة الضرورية الى وجودها وهو الاعراب عما في النفس من الاغراض.
وإذا عرفت ذلك فنقول: لما كانت الالفاظ انما وضعت بازاء ما يتصور من المعاني الذهنية التصورية والتصديقية لتكون دالة على ما وجد منها هناك وكان الغالب ان تلك التصورات والتصديقات التى تقصد النفس التعبير عنها صادرة عن ملكات اما فاضلة كالهيئات والاخلاق الفاضلة والاعتقادات الحقة بحيث يقصد بالتعبير عنها اصلاح امر معاشى أو معادى اوردية كالراسخ من أضداد ما ذكرنا بحيث يقصد بالتعبير عنها مجرد الاذى للغير وخبيث (2) الكلام وسخيفه والسب واللعن والغيبة وغير ذلك فإذا كانت صادرة عن ملكات فلا شك انها تكون دائمة الحضور (3) في الذهن فيكون التعبير عنها اكثريا في الالفاظ وبسبب كثرة التعبير عنها وتكررها في الوجود اللسانى وتمرين اللسان بالعبارة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - هذه الكلمة وشرحها لم تذكرا ههنا في نسختي ج د.
2 - ا: " وخبث ".
3 - ب: " الخطور "
[ 137 ]
الدالة عليها يصير للسان انفعال وتطويع لاوضاع تلك الالفاظ فيصير اسهل واخف فيه من سائر الالفاظ ويصير له ميل طبيعي (1) بحسب ذلك التعويد والتطويع الى تلك العبارة وذلك هو الاقتضاء لما تعوده ان خيرا فخير واشرا فشر (2) وان كان الاقتضاء الحقيقي انما هو اقتضاء النفس لتلك التصورات التصديقات الصادرة عن الملكة الحاصلة لها لكن لما كان في هذه الكلمة قصد الى التنبيه على قبح الكلام القبيح والنهى عن التخلق والميل الى مالا ينبغي ان يتكلم به وحسن الكلام الحسن النافع والامر بملازمة ما يحسن التكلم به وينبغى، وكان هذا الحسن والقبح والامر والنهى مما رسخ في الاعتقادات وانطوت عليه الضمائر الا انه ربما غفل عنه لسبب ما فيحتاج الى تنبيه للسامع على ما عساه غلبه عليه هواه فيتقهقر عن التكلم القبيح لاجرم ذكر اقتضاء اللسان لما تعود من الكلام دون غيره، والله الموفق.
الكلمة الثانية والثلاثون قوله عليه السلام: لا صحة مع النهم .
اقول: النهم افراط الشهوة في الطعام وهو جزئي من جزيئات الشره إذ كان الشره عبارة عن طرف الافراط من فضيلة القوة البهيمية وهى القوة الشهوية وقد عرفته، والصحة العافية والمقصود الاصلى ههناهو التنبيه على وجوب ترك رذيلة النهم وذلك ببيان ان الصحة لا تجامعه والصحة من أعظم المطالب وأهمها ويجب ترك ما لا يجتمع معه فاما بيان ان الصحة لا تجامع النهم فاعلم ان الاطباء قد اتفقوا على ان الامتلاء من الطعام الى حد يخرج عن الواجب في اصلاح البدن مولد لامراض كثيرة مخوفة لا يخلو البدن عند الامتلاء الكثير من احدها ولنذكر منها عدة مما ذكروها احدها الحميات المركبة لتعفن (3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - ب: " الميل الطبيعي ".
(2) - حديث نبوى معروف ضمنه كلامه.
(3) - ا: " لتعفين ".
[ 138 ]
اكثر من خلط واحد.
وثانيها بطلان الهضم عن كثره التخم.
ثالثها الهيضة لفساد الطعام لكثرته ورداءة كيفيته.
ورابعها الغثيان والقئ من جملة اسبابه ايضا كثرة الغذاء.
وخامسها الفواق الامتلائى لكثرة الطعام وتوليده الفضلات الغليظة.
وسادسها سد المنافذ للسبب المذكور.
وسابعها برد المعدة ورطوبتها للاستكثار من الطعام والشراب.
وثامنها الربو وسببه خلط غليظ متولد من الامتلاء لاحج في العروق الضوارب التى في الرية.
وتاسعها عرق النساء خلط (2) غليظ يحدث عن الامتلاء دموى أو بلغمى.
وعاشرها صلابة المفاصل وتعقدها للخلط الغليظ المنصب إليها (3) وعسر تحلله، وما ذكرناه بعض من كل الامراض المتولدة عن الامتلاء وادخال الطعام على الطعام فهذه وامثالها وان خلا النهم عن احدها لم يخل عن الاخر، وان خلا منه في وقت يسير لم يخل من سببه القريب ويتبعه ذلك عن قريب، وحصوله أو حصول سببه في البدن مرض، وكل ذلك مناف للصحة.
تنبيه - اعلم انه يمكن ان يكون المقصود ايضا بالصحة صحة النفس من الامراض النفسانية التي تعرض بسبب النهم وذلك ان الحس والاستقراء دل على ان البطنة تذهب الفطنة (4) لتلبد (5) الحواس عن كثرة الابخرة المتصاعدة عن التخم وكذلك دل على انه يزيل الرقة ويورث القسوة وكل ذلك مما يسد على النفس باب الخير ويلطخها (6) بسواد الهيئات البدنية فيحجبها عن الاستعداد لقبول الرحمة وذلك مرض عظيم يستحقر بالنسبة إليه اعظم مرض بدنى وهو مناف لصحة النفس فإذا النهم مناف لمطلق الصحة مضاد لانواع العافية.
فانظر ايها الاخ بعين الانصاف فانك تجد من عداه بالنسبة الى بحره جداول
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - ا: " الغشيان ".
(2) - ا: " بخلط " ب: " لخلط ".
(3) - ا: " لها ".
(4) - حديث منسوب الى امير المؤمنين عليه السلام.
(5) - ب: " لتبدل ".
(6) - ج: " يلطحها " (بتشديد الطاء) وفى كتب اللغه: " لطخه بالمداد وغيره = لوثه ولطخه بمعناه شدد للمبالغة ".
[ 139 ]
وانهارا بل خفافيش برزت (1) نهارا، وهل يقايس بين البحر والوشل، وإذا تأملت اسرار هذه الكلمة مع سائر كلامه هي هذه المعنى قد تحققت انه قد اطلع من علم الطب على ما لم يطلع عليه غيره من حذاق الاطباء ولمح بصره اطوارا وراء عقول الحكماء اطلاعا لدنيا من غير بحث واكتساب، أو اكباب (2) على مطالعة كتاب:
لو ان جالينوس في طبه * ادركه كان تلميذا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - تزرق.
(2) - ج د: " واكتساب اولو الالباب ".