شرح مئة كلمة

ابن ميثم البحراني

 

[ 1 ]

شرح العالم الربانى كمال الدين ميثم بن على بن ميثم البحراني قدس سره

على المائة كلمة لامير المؤمنين على بن أبى طالب عليه السلام

عنى بطبعه ونشره وتصحيحه والتعليق عليه مير جلال الدين الحسيني الارموي المحدث

منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة

 

[ 2 ]

 

مقدمة الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى

اما بعد فهذه مقدمة مختصره تبحث عن ترجمة الشارع وكتابه الحاضر قال العالم الخبير الخائض في تراجم العلماء والسادات السيد محمد باقر الخوانساري (ره) في روضات الجنات (ص 581 - 582 من النسخة المطبوعة): الشيخ كمال الدين ميثم بن على بن ميثم البحراني كان من العلماء الفضلاء المدققين متكلما ماهرا له كتب منها شروح نهج البلاغة، كبير ومتوسط وصغير، وشرح المائة كلمة، ورسالة في الامامة، ورسالة في الكلام، ورسالة في العلم وغير ذلك، يروي عنه السيد عبد الكريم بن أحمد بن طاووس وغيره، كذا في أمل الامل.

وقال صاحب اللؤلؤة بعد عدة من جملة مشايخ العلامة أعلى الله مقامه ومقامه: اما الشيخ ميثم المذكور فانه العلامة الفيلسوف المشهور.

وقال شيخنا العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني - عطر الله مرقده - في رسالته المسماة بالسلافة البهية في الترجمة الميثمية: هو الفيلسوف المحقق والحكيم المدقق قدوة المتكلمين وزبدة الفقهاء والمحدثين كمال الدين ميثم بن على بن ميثم البحراني غواص بحر المعارف ومقتنص شوارد الحقائق واللطائف، ضم الى الاحاطة بالعلوم الشرعية واحراز قصبات السبق في العلوم الحكمية

 

[ 3 ]

والفنون العقلية ذوقا جيدا في العلوم الحقيقية والاسرار العرفانية كان ذا كرامات باهرة ومآثر زاهرة ويكفيك دليلا على جلالة شانه وسطوع برهانه اتفاق كلمة ائمة الاعصار وأساطين الفضلاء في جميع الامصار على تسميته بالعالم الربانى وشهادتهم له بأنه لم يوجد مثله في تحقيق الحقائق وتنقيح المباني، والحكيم الفيلسوف سلطان المحققين واستاذ الحكماء والمتكلمين نصير الملة والدين محمد الطوسي شهد له بالتبحر في الحكمة والكلام ونظم غرر مدائحه في أبلغ نظام، واستاذ البشر والعقل الحادي عشر سيد المحقيق الشريف الجرجاني على جلال قدره في اوائل فن البيان من شرح المفتاح قد نقل بعض تحقيقاته الانيقة وتعليقاته الرشيقة وعبر عنه ببعض مشايخنا ناظما نفسه في سلك تلامذته ومفتخرا بالانخراط في سلك المستفيدين من حضرته المقتبسين من مشكوة فطرته، والسيد السند الفيلسوف الاوحد مير صدر الدين محمد الشيرازي أكثر النقل عنه في حاشية شرح التجريد سيما في مباحث الجواهر والاعراض والتقط فرائد التحقيقات التى ابدعها - عطر الله مرقده - في كتاب المعراج السماوي وغيره من مؤلفاته لم تسمح بمثله الاعصار ما دار الفلك الدوار وفى الحقيقة من اطلع على شرح نهج البلاغة الذى صنفه للصاحب خواجة عطا ملك الجوينى وهو عدة مجلدات شهد له بالتبريز في جميع الفنون الاسلامية والادبية والحكمية والاسرار العرفانية.

ومن مآثر طبعه اللطيف وخلقه الشريف على ما حكاه في مجالس المؤمنين انه - عطر الله مرقده - في أوائل الحال كان معتكفا في زاويه العزلة والخمول مشتغلا بتحقيق حقائق الفروع والاصول فكتب إليه فضلاء الحلة والعراق صحيفة تحتوى على عذله وملامته على هذه الاخلاق وقالوا: العجب منك انك مع شدة مهارتك في جميع العلوم والمعارف وحذاقتك في تحقيق الحقائق وابداع اللطائف قاطن في طلول الاعتزال، ومخيم في زاوية الخمول الموجب لخمود نار الكمال، فكتب في جوابهم هذه الابيات:

طلبت فنون العلم أبغى بها العلى * فقصرني عما سموت به القل

 

[ 4 ]

تبين لى أن المحاسن كلها * فروع وأن المال فيها هو الاصل

فلما وصلت هذه الابيات إليهم كتبوا إليه انك اخطات في ذلك خطاء ظاهرا وحكمك بأصالة المال عجب بل اقلب تصب، فكتب في جوابهم هذه الابيات وهى لبعض الشعراء المتقدمين:

قد قال قوم بغير علم * ما المرؤ الا بأكبريه

فقلت قول امرئ حكيم * ما المرؤ الا بدرهميه

من لم يكن درهم لديه * لم تلتفت عرسه إليه

ثم انه عطر الله مرقده لما علم ان مجرد المراسلات والمكاتبات لا تنفع الغليل ولاتشفى العليل توجه الى العراق لزيارة الائمة المعصومين عليهم السلام واقامة الحجة على الطاعنين ثم انه بعد الوصول الى تلك المشاهد العلية لبس ثيابا خشنة عتيقه وتزيى بهيئة رثة بالاطراح والاحتقار خليقة ودخل بعض مدار س العراق المشحون بالعلماء والحذاق فسلم عليهم فرد بعضهم عليه السلام بالاستثقال والانتقاع التام فجلس - عطر الله مرقده - في صف النعال ولم يلتفت إليه أحد منهم ولم يقضوا واجب حقه وفى اثناء المباحثة وقعت بينهم مسألة مشكلة دقيقة كلت منها أفهامهم وزلت فيها أقدامهم فأجاب - روح الله روحه وتابع فتوحه - بتسعة أجوبة في غاية الجودة والدقة فقال له بعضهم بطريق السخرية والتهكم: إخالك طالب علم ؟ ! ثم بعد ذلك أحضر الطعام فلم يؤاكلوه - قدس سره - بل أفردوه بشئ قليل على حدة واجتمعوا هم على المائدة فلما انقضى ذلك المجلس قام - قدس سره - ثم انه عاد في اليوم الثاني إليهم وقد لبس ملابس فاخرة بهية بأكمام واسعة وعمامة كبيرة وهيئة رائعة فلما قرب وسلم عليهم قاموا له تعظيما واستقبلوه تكريما وبالغوا في ملاطفته ومطايبته واجتهدوا في تكريمه وتوقيره وأجلسوه في صدر ذلك المجلس المشحون بالافاضل والمحققين والاكابر المدققين ولما شرعوا في المباحثة والمذاكرة

 

[ 5 ]

تكلم معهم بكلمات عليلة لاوجه لها عقلا ولا شرعا فقابلوا كلماته العليلة بالتحسين والتسليم والاذعان على وجه التعظيم فلما حضرت مائدة الطعام بادروا معه بأنواع الادب فألقى الشيخ - قدس سره - كمه في ذلك الطعام مستعتبا على اولئك الاعلام وقال: كل ياكمى، فلما شاهدوا تلك الحالة العجيبة أخذوا في التعجب والاستغراب واستفسروه - قدس سره - عن معنى ذلك الخطاب فأجاب - عطر الله مرقده - بأنكم انما أتيتم بهذه الاطعمة النفيسة لاجل أكمامي الواسعة لا لنفسي القدسية اللامعة والا فانا صاحبكم بالامس وما رايت تكريما مع انى جئتكم بالامس بهيئه الفقراء وسجية العلماء واليوم جئتكم بلباس الجبارين وتكلمت بكلام الجاهلين فقد رجحتم الجهالة على العلم والغنى على الفقر وأنا صاحب الابيات التى في أصالة المال وفروعية الكمال التى أرسلتها اليكم وعرضتها عليكم وقابلتموها بالتخطئة وزعمتم انعكاس القضية فاعترف الجماعة بالخطا في تخطئتهم واعتذروا عما صدر منهم من التقصير في شانه قدس سره.

مصنفاته وله من المصنفات البديعة والرسائل الجليلة ما لم يسمح بمثلها الزمان ولم يظفر بنظيرها احد من الاعيان، منها كتاب شرح نهج البلاغة وهو حقيق بان يكتب بالنور على الاحداق لا بالحبر على الاوراق وهو عدة مجلدات، ومنها شرحه الصغير على نهج البلاغة جيد مفيد جدا، رايته في حدود الحادية والثمانين بعد الالف، وكتاب الاستغاثة في بدع الثلاثة، لم يعمل مثله، وكتاب شرح الاشارات اشارات استاذه العالم قدوة الحكماء وامام الفضلاء الشيخ السعيد الشيخ على بن سليمان البحراني وهو في غاية المتانة والدقة على قواعد الحكماء المتألهين وله كتاب القواعد في علم الكلام يعنى به كتابه المسمى بقواعد المرام وعندنا منه نسخة قديمة وقد فرغ من تصنيفه في شهر ربيع الاول من سنة ست وسبعين وستمائه، قال: وكتاب المعراج السماوي، وكتاب البحر الخضم ورسالة في الوحى والالهام وسمعت من بعض الثقات ان له شرحا ثالثا على كتاب نهج البلاغة متوسطا.

 

[ 6 ]

وفاته مات قدس سره سنة تسع وسبعين وستمائة ذكر ذلك الشيخ البهائي (ره) في المجلد الثالث من الكشكول.

انتهى المقصود من نقل كلام الشيخ المتقدم ذكره.

أقول: ومن مصنفاته قدس سره كتاب شرح المائة كلمة، كان عندي فذهب منى في بعض الوقائع التى جرت على، وله كما ذكره الشيخ الفاضل الشيخ على بن محمد بن حسن الشهيد الثاني في كتاب الدر المنثور كتاب النجاة في القيامة في تحقيق أمر الامامة قال قدس سره وقال الشيخ ميثم البحراني في كتاب نجاة القيامة في تحقيق أمر الامامة أن اهل اللغة لا يطلقون لفظ الاولى الا فيمن يملك تدبير الامر الى آخر ما نقله.

وله أيضا كما ذكره بعض مشايخنا المحققين من متأخرى المتأخرين كتاب استقصاء النظر في امامة الائمة الاثنى عشر.

ثم ان ما ذكره شيخنا المذكور من نسبته كتاب الاستغاثة في بدع الثلاثة للشيخ المشار إليه غلط قد تبع فيه بعض من تقدمه ولكن رجع عنه فيما وقفت عليه من كلامه وبذلك صرح تلميذه العالم الشيخ عبد الله بن صالح البحراني (ره) وانما الكتاب المذكور كما صرحا به لبعض قدماء الشيعة من أهل الكوفة وهو على بن أحمد أبو القاسم الكوفى والكتاب يسمى كتاب البدع المحدثة ذكره النجاشي في جملة كتبه ولكن اشتهر في ألسنة الناس تسميته بالاسم الاول ونسبته للشيخ ميثم، ومن عرف سليقة الشيخ ميثم في التصنيف ولهجته واسلوبه في التأليف لا يخفى عليه ان الكتاب المذكور ليس جاريا على تلك اللهجة ولا خارجا من تلك اللجة واما ما ذكرناه من شرحه الصغير فانه قد كان عندي وذهب فيما وقع على كتبي في بعض الوقائع وبقى عندي الشرح الكبير.

وذكر بعض العلماء في حواشيه على الخلاصة أن ميثم حيثما وجد فهو بكسر الميم الا

 

[ 7 ]

ميثم البحراني فانه بفتح الميم.

وقبر الشيخ المذكور الان في بلادنا البحرين في قرية هلتامن احدى القرى الثلاثة من الماحوز المتقدم ذكرها وقبر جده ميثم في قرية الدونج وقد قبر شيخنا الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني صاحب الرسالة المذكورة في قربه لانه من قرية الدونج كما تقدم ذكر ذلك في صدر الاجازة عند ذكر ترجمته ونقل بعض أن قبره في نواحى العراق، والاول أشهر.

تلامذته ويروى عنه جملة من الاصحاب منهم السيد الاجل السيد عبد الكريم بن السيد أحمد بن طاووس الى أن قال ومنهم الشيخ سعيد الدين محمد بن جهم الاسدي الحلى انتهى كلام صاحب لؤلؤه البحرين في حق هذا الرجل.

وقد ذكره أيظا صاحب كتاب مجمع البحرين في مادة مثم فقال: وميثم بن على بن ميثم البحراني شيخ صدوق ثقه له تصانيف منها شرح نهج البلاغة لم يعمل مثله، وله كتاب القواعد في اصول الدين، وله كتاب استقصاء النظر في امامة الائمة الاثنى عشر لم يعمل مثله، وله كتاب الاستغاثة في بدع الثلاثة حسن جدا، وله رسالة في آداب البحث وهو شيخ نصير الدين في الفقه وله مجلس عند المحقق الشيخ نجم الدين (ره) ومباحثه وأقرا له بالفضل وشيخنا أبو السعادات رضوان الله عليهم أجمعين انتهى.

وقد عرفت بطلان نسبة كتاب الاستغاثة إليه (ره) من كلام صاحب اللؤلؤة وهو عندنا من القطعيات الاولة لما بينا في ذيل ترجمة مصنف هذا الكتاب على الحقيقة على بن أحمد بن موسى الرضوي الموسوي فاليراجع.

واما مجلس مباحثة الرجل مع مولانا المحقق الحلى - فكأنه من جملة مجالسه المنيفة التى قد عرفتها من تقرير صاحب المجالس ثم ان في توضيح الاشتباه نسبة الغلط الى صاحب المجمع في اخذ هذه التسمية من مادة " " مثم " " معللة باتفاق سائر اهل اللغة على ذكرها في مادة " وثم " دون " مثم " و " يثم " فياء ميثم منقلبة عن الواو لكسر ما قبلها ولو كان مفتوحا لقالوا: موثم، لاميثم وفيه ايضا في ذيل ترجمة

 

[ 8 ]

ميثم التمار الذى هو من جملة حملة الاسرار: وهو بكسر الميم وسكون الياء وقال بعضهم بفتح الميم ولعله سهو فظهر من كل ذلك ايضا ان تفصيل من نقل عن حاشيته على الخلاصة كلام بلا دليل لا يصح على محضه التعويل نعم لم يزد صاحب القاموس في مادة " " وثم " " على قوله: وميثم اسم، فسكت فيه عن ضبط هذه الصيغة اما تعويلا على معروفية كونها مكسورة الميم أو من جهة احتمالها الحركتين وفيه ايضا من الاشارة الى كونها غير ذات معنى اصلى في لغة العرب ما لا يخفى وان كان الظاهر عندنا انها اسم آلة من الوثم الذى هو بمعنى الدق كما ان الميسم الذى هو بالسين المهملة مفعل من الوسم الذى هو بمعنى الكى ونحوه واصله من الواو ايضا بقرينة جمعه على مواسم كما افيد ".

أقول: حيث كانت هذه الترجمة اجمع ترجمة للشارح (ره) اكتفى المحدث القمى الحاج الشيخ عباس (ره) عند ذكره لهذا العالم في كتابه " " الكنى والالقاب " " بتلخيصها وقال (ص 419): " " كمال الدين ميثم بن على بن ميثم البحراني العالم الربانى والفيلسوف المتبحر المحقق والحكيم المتأله المدقق جامع المعقول والمنقول استاذ الفضلاء الفحول صاحب الشروح على نهج البلاغة، يروى عن المحقق نصير الدين الطوسى والشيخ كمال الدين على بن سليمان البحراني، ويروى عنه آية الله العلامة والسيد عبد الكريم بن طاوس.

قيل: ان الخواجة نصير الدين الطوسى تلمذ على كمال الدين ميثم في الفقه وتلمذ كمال الدين على الخواجة في الحكمة، توفى سنه 679 (خعط) وقبره في هلتا من قرى ماحوز وحكى عن بعض العلماءان ميثم حيثما وجد فهو بكسر الميم الاميثم البحراني فانه بفتح الميم والله تعالى العالم وكتب الشيخ سليمان البحراني رسالة في أحواله سماها السلافة البهية ".

أما كتاب القواعد فقد طبع بهامش المنتخب للطريحي المطبوع في بمبئى سنة 1331.

كلمة حول هذا الشرح يؤخذ مما مر من كلمات العلماء عند الاشارة الى اسم هذا الشرح والتعبير عنه ان

 

[ 9 ]

اسمه " شرح المائه كلمة " ولم اقف له على اسم غير ذلك لافى التراجم ولا في الشرح الحاضر لكن السيد الجليل السيد اعجاز حسين النيسابوري الكنتورى - اعلى الله درجته - قال في كشف الحجب والاستار عن اسامى الكتب والاسفار في حرف الشين مانصه (ص 349 من النسخة المطبوعة): " شرح كلام امير المومنين عليه السلام الموسوم بالمائة كلمة للشيخ كمال الدين ميثم بن على بن ميثم البحراني شارح نهج البلاغة اسمه منهاج العارفين ".

وقال في حرف الميم (ص 566): " " منهاج العارفين في شرح كلام امير المؤمنين عليه السلام الموسوم بالمائة كلمة للشيخ كمال الدين ميثم بن على بن ميثم البحراني شارح نهج البلاغة " ".

فكأنه اسم تعينى لاتعيينى بمعنى ان الشارح (ره) رحمه الله لم يسم شرحه هذا بهذا الاسم لكن الشرح لما كان مشتملا على مطالب عالية ومباحث مهمة وفوائد كثيرة جمة من المطالب العرفانية سمته الفضلاء المستفيدون منه بمنهاج العارفين.

أما المؤلف له أعنى الوزير شهاب الدين مسعود بن كرشاسف الذى كتب الشارح (ره) هذا الشرح لاجله وأتحفه اياه فلم أعرفه إذ لم اعثر على شئ فيما عندي من الكتب يدلني على معرفة بحاله.

النسخ التي كانت عندي حين طبع الكتاب ورموزها.

كانت عندي اربع نسخ من هذا الشرح حين طبعه، ثلاث منها كانت لى وموجودة في مكتبتي وواحدة منها كانت من كتب مكتبة جامعة طهران من الكتب التى أهداها الاستاذ السيد محمد مشكوة الى هذه المكتبة والنسخة مورخة هكذا " " فقد فرغت من نسخته السادس من شهر جمادى الاخر (ى) من الهجرة النبوية في سنة ثلاث وثلاثمائة بعد الف " ".

وهى مثبتة ومضبوطة في المكتبة ومفهرسة (انظر فهرس المكتبة، المجلد الثاني تأليف علينقى المنزوى ص 285 - 286 تحت عنوان " منهاج العارفين " رقم 174.

وكانت ت عندي باجازة الاستاذ المشار إليه فنشكره شكرا جزيلا وجعلنا حرف الدال " د " رمزا لهذه النسخة.

 

[ 10 ]

اما النسخة التى جعلنا عليها مدار الطبع هي النسخة التى وضعنا صورة الصفحة الاولى والاخيرة منها مع صورة ما على ظهرها بين يدى القارئين وكانت منتسخة بيد حسن بن محمد بن على مشرف العيثانى ومورخة بشهر ربيع الاول من سنة سبعين وثمانمئين (أي ثمانمائه) فراجع صورة الصفحتين ان شئت وانما جعلناها اساس الامر وبنينا عليها طبع الكتاب لكونها اقدم النسخ المذكورة واصحها واتقنها كما يعرفه من هو أهل الفن من صور الصفحات، وحرف الالف " ا " رمز لهذه النسخة وحرفا الباء " ب " والجيم " ج " رمز النسختين الباقيتين ولا حاجة الى ذكر خصائصها الا انه كما كانت نسخة الالف أعلى النسخ ونسخة الدال أدناها كانت النسختان الباقيتان اعني نسختا " ب " و " ج " متوسطتين بينهما في الجودة والرداءة.

حسن اتفاق كتب الى صديقى الفاضل الاجل ميرزا جعفر سلطان القرائى - دام بقاؤه -: مما يجرى مجرى الاتفاقات الحسنة ويصير من مصاديق قولهم: الاسماء تنزل من السماء، هذه العبارة الفارسية " شرح ابن ميثم چاب سيد جلال الدين " فان مجموع اعداد حروفها تاريخ طبع الكتاب.

والسلام على من اتبع الهدى.

وكان تحرير ذلك في الليلة السابعة والعشرين من المحرم الحرام سنة 1390 = 15 فروردين 1349 مير جلال الدين الحسينى الارموى المحدث يبصوره ما على ظهر النسخة المشار إليها بحرف الالف " ا " التى بنى عليها طبع الكتاب

 

[ 11 ]

اول صفحة من النسخة المشار إليها بحرف الالف " ا " التى اسس عليها طبع الكتاب 12) اخر صفحة من النسخة المشار إليها بحرف الالف " ا " التى عليها اساس طبع الكتاب

 

[ 1 ]

بسم الله الرحمن الرحيم اللهم يا ذا الجلال والاكرام يا حي يا قدوس يا سلام، يا مبدأ الجود ومنبعه وغاية كل موجود ومرجعه، يا نور الانوار وعالم خفيات الاسرار، احمدك على عواطف كرمك وسوابغ نعمك، لا مجازاة (1) لفضلك (2) واحسانك بل خضوعا لعزتك وسلطانك، ولا استنكافا من تطولك وامتنانك بل استكانة لعظمتك وعلو شأنك، واخلي ذاتي عن كل معبود بلا اله واحليها بالاانت وبما انت اهله، وأتمم زينتها بشهادة أن محمدا عبدك ورسولك، الجالى لصدء القلوب، الفاتح لخزائن الغيوب، المورى لقبس الهدى بعد ان غشى ظلام الجهل أبصار العقول، الرافع لموضحات الاعلام بعد ان ضل الدليل وتاه المدلول، اللهم وأسلك ان تتحفه شرائف، (3) صلواتك وتمنحه نوامى بركاتك، وان تجعل لآله وخلفائه الراشدين من ذلك اجزل حظ واوفاه واوفر قسط وانماه، وأسلك ان تنور قلبى بلوامع هدايتك وتلحظ وجودي بعين عنايتك، انك انت الوهاب.

اما بعد فلما كان اكمل السعادات واتمها واشرف الدرجات واهمها هو الوصول الى الواحد الحق والحصول في المقعد (4) الصدق حيث تنمحق ابصار البصائر في تلك المشارق (5) وتحترق القلوب في تلك المحارق، وكان مولانا وامامنا سيد الوصيين امير المؤمنين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) ب " " مجاراة " ".

(2) ب " " لتفضلك " ".

(3) ج د " بشرائف ف (4) د " " مصعد " ".

(5) - سقط ورقتان من نسخة ج، والساقط من الكلمات يبتدأ من هنا.

(6) - ا د " المخارق "

 

[ 2 ]

ذو الايات الجلية والكرامات العلية على بن ابى طالب سلام الله عليه ممن تسنم من تلك الدرجات اعلاها وفاز من تلك المقامات باجلاها (1) واسماها حتى ظهرت ينابيع الحكمة على لسانه وسطع صبح الحق من افق برهانه، فلاحت من وادى كماله اعلامه الزاهرة ولوحت الى شرف قوته القدسية آياته الباهرة حتى لقد كفرت فيه طائفة لما (2) رات من تلك الايات (3) وزعمت انه اله الارض والسماوات، وفسقت الاخرى بمنابذته بغيا عليه وحسدا، ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك احدا (4)، وكان من جملة حكمه البالغة وشموسه البازغة (5) مائه من الكلم جمعت لطائف الحكم، انتخبها من كلماته الامام أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ عفى الله عنه وكان ممن استجمع فضيلتي العلم والادب وحكم بان كل كلمة منها تفى بالف من محاسن كلام العرب ولم يخصها من سائر حكمه (6) لمزيد جلاله بل لضمها (7) الوجازة الى الجزالة ثم اتفق اتصالي بمجلس الصاحب المعظم ملك وزراء العالم العالم العادل ذى النفس القدسية والرياسة الانسية شهاب الدنيا والدين مسعود بن كرشاسف ضاعف الله جلاله وادام اقباله فألفيته منخرطا في سلك الروحانيات معرضا عن الاجسام والجسمانيات موليا بوجهه شطر القبلة الحقيقية متلقيا بقوته العقلية اسرار المباحث اليقينية (8)، احظى جلسائه لديه من نطق بحكم واكرمهم عليه من حاوره في علم، احببت أن اتحف حضرته العلية بكشف استار بعض (9) تلك الكلمات ورموزها وابراز (10) ما ظهر لي من دفائنها وكنوزها، وشرعت في ذلك معتصما بالله وملتمسا للعذر ممن عثر لى على هفوة (11) واطلع منى على زلة فانى مع قصور استعدادي عن درك هذا المقام احوالى الحاضرة جارية على غير نظام، وعلى الله قصد السبيل وهو حسبى ونعم الوكيل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) - " باجلها " (2) - " يمكن قراءتها " لما " (بلام الجر وما الموصلة).

(3) - د: " الكرامات ".

(4) - ذيل آية 49 سورة الكهف.

(5) - في النسخ " الطالعة ".

(6) - د: " كلمة ".

(7) - د " الالتضمنها ".

(8) - د " النفسية ".

(9) - ب: " بعض استار ".

(10) - د " واظهار ".

(11) - د " هبوة ".

 

[ 3 ]

وقد رتبت هذه الرسالة على ثلاثة اقسام:

 

القسم الاول

في المبادى والمقدمات التى يجب تقديمها في اثبات هذا المطلوب

 

وفيه فصول:

 

الفصل الاول

في النفس الحيوانية ولواحقها

 

وفيه ابحاث:

 

البحث الاول

في تحقيقها وبرهان وجودها

بقول وجيز: ان العناصر الاربعة قد يبلغ استعداد مزاجها في التمام الى درجة اعلى من مزاج المعدن والنبات كما علمت ذلك في موضع اليق به فيقبل حينئذ كمالا اشرف من كماله وهو النفس الحيوانية، وحدها أنها كمال اول لجسم طبيعي آلى معد لقبول الحس والحركة، والاحتراز بالطبيعي عن الصناعي، وبالاول (1) عن الكمال الثاني كالعلم وغيره وبالالى عن صور العناصر.

واما برهان وجودها فقالوا: ان العضو المفلوج فيه قوة نفسانية لان العناصر المتجاذبة الى الانفكاك لا تجتمع الا لقاسر قبل الامتزاج وهو مغاير للمزاج وتوابعه لتأخرها عنه وهو اما ان يكون قوة الحس والحركة وهو باطل لعدمها في (2) العضو المفلوج، أو قوة التغذية وهو أيضا باطل لانها قد تبطل مع بقاء الحيوانية ولان الغاذية موجودة (3) للنبات فلو اعدت لقبول الحس والحركة لكان النبات مستعدا لهما، أو مغايرا (4) لهذين القسمين وهو المطلوب، ولما كانت هذه النفس بعد ما يعمها من القوى (5) النباتية تختص بقوتين، احداهما مدركة والاخرى محركة وكانت بعد المدركات تنقسم الى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) - د: " وبالكمال الاول ".

(2) - ب د: " من ".

(3) - د: " موجودية ".

(4) - د: " أو مغاير ".

(5) - في النسخ: " قوى ".

 

[ 4 ]

ظاهرة وباطنة وجب أن نبحث (1) عن ماهية الادراك واقسام المدركات.

 

البحث الثاني

في ماهية الادراك

ادراك الشيء هو ان تكون حقيقته متمثلة عند المدرك يشاهدها ما به يدرك (2) والمراد بتمثل الحقيقة عند المدرك حضور مثال الحقيقة في ذات المدرك ان لم يكن ادراكة بتوسط آله، أوفى آلته إن كان الادراك بتوسط الآله: وبيان ذلك ان الحقائق المدركة اما كليات أو جزئيات، اما الكليات فالمدرك العقل بذاته فقط من دون توسط آله، واما الجزئيات وان ادركها العقل لكن لا بذاته بل بتوسط ادراكات جزئية لقوى اخرى هي آله له (3) وهى المسماة بالحواس ولكل واحد منها أيضا آلة فحيث حصل مثال الشئ المدرك في آلة الحس ولاقاه وشاهده فتلك المشاهدة هي الاحساس والادراك والمثال الحاصل في آلة الحس هو المحسوس في الحقيقة واما تسمية الشئ الخارجي الذى حصل مثاله في آلة الحس محسوسا فمجاز لكونه سببا لحصول هذا المثال وانما يكون سببا عند حصول نسبة وضعية بينه وبين آلة الحس بحيث لو لم يكن لم يحصل الاحساس، واعتبر عدم (4) تلك النسبة الى حس ابصارنا كالاجسام الغائبة فانا لعدم تلك النسبه لا ندركها بحس البصر، وفى تحقيق ماهيه الادراك وانه حضور مثال الحقيقة في ذات المدرك أو في آلته أو امر اعم مكن ذلك غموض يحتاج الى بحث لا يحتمله موضعنا.

 

البحث الثالث

في الحواس الظاهرة

وهي خمس فالاول حس اللمس ورسمه انه قوة منبثة في جميع البشرة واللحم بها يدرك ما يماسه ويتصل به،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) - د: " وجب البحث ".

(2) - هذا التعريف ماخوذ من الاشارات بعين عبارته.

(3) - ب " آله للعقل له ".

(4) - د " عندهم ".

 

[ 5 ]

والغرض منه انه لما كان الحيوان الارضى مركبا من العناصر الاربعة وصلاحه بصلاحها وفساده بتغالبها وجب أن يكون له تلك القوة ليدرك بواسطتها المنافي فيحترز (1) عنه والملائم فيطلبه ويقرب منه، والمحسوسات به الكيفيات الاربع (2) وهى الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، وكذلك الصلابة واللين والخشونة والملامسة والثقل والخفة ومن شرط هذا الادراك أن تكون كيفية الملموس مخالفه لكيفيتة فيكون اما ابرد منه مثلا اواحر فانها لو كانت مشابهة لكيفيته لم ينفعل الجلد منه البتة كصاحب الدق فانه لا يدرك حرارة حماه لسخونة مزاج اعضائه.

الثاني - حسن الذوق، وهو قوة رتبت في العصبة المفروشة على سطح اللسان التى هي من جملة الزوج الثالث من الاعصاب التى تنبت من الدماغ وتدرك الطعوم من الاجرام المماسة بواسطة مخالطة تلك المطعومات للرطوبة العذبة (3) اللعابية التى تحصل من الملعبة ووجب كون هذه الرطوبة خالية عن الطعم في ذاتها لتكون صالحة لهذه التأدية والتوسط، ولو كان لها طعم في ذاتها أو مركبا من طعمها وطعم غيرها لاستحال ادراك طعم الشئ وحده ولهذا لما عرض لها طعم المرارة في فم المرضى لم تكن مطعوماتهم صادقة الطعوم بالنسبة إليهم ولهذا خلقت خالية عن الطعم وكانت لزجة لئلا يسرع إليها الجفاف بسبب حرارة الحيوان.

الثالث - حس الشم وهو قوة رتبت في الزائدتين في (4) مقدم الدماغ الشبيهتين (5) بحلمتي الثدى هما آلة الشم (6) مدركة للروائح بتوسط الهواء المنفعل (7) عن ذى الرائحة اما بأن ينفصل من ذى الرائحة بخار مكيف بتلك الرائحة ويختلط بالهواء اما بان يستعد الهواء بمجاورة ذلك الشئ لقبول رائحة مثل رائحته فتفاض تلك الرائحة من واهبها.

فاما ما يقال بان الرائحة تنفصل من ذى الرائحة فتدرك، غلط، إذ العرض

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ا: " ليحترز ".

(2) - د: " ويعرف منه المحسوسات به المتلقيات الاربع ".

(3) - د: " العذية ".

(4) - د " من ".

(5) - ا: " المشبهتين ".

(6) - ا: " آلة للشم ".

(7) - د: " المنفصل ".

 

[ 6 ]

لا ينتقل من جسم الى جسم فإذا وصل ذلك الهواء الى طرف الانف تأدى (1) الى تينك (2) الزائدتين وانفعلتا عن تلك الرائحة وكيفياتها فادركتها القوة المذكورة (3) فكان ذلك شما وادراكا للرائحة.

الرابع - حسن السمع وهى قوة نافذة من (4) الدماغ الى الاذن في عصبة نابتة من الدماغ الى الصماخ مبسوطة عليه ممدودة كمد الجلد على الطبل وهذه العصبة آلة تلك القوة وهى مدركة للصوت بتوسط الهواء وهو هيئة تحصل في الهواء بسبب تموج يقع له بحركة عنيفة اما من قرع بعنف (5) يحصل عن اصطكاك جسمين صلبين فينضغط الهواء بينهما وينفلت (6) بشدة واما من قلع بقوة فيدخل الهواء بشدة بين الجسمين المنفصلين ويحصل من هذين السببين (7) تموج الهواء على هيئة مستديرة كما ترى في (8) الدوائر الحاصلة في الماء الراكد عند رمى حجر في وسطه فانها اولا تكون صغيرة ثم تتسع فتضعف قليلا قليلا الى ان تنمحي فإذا انتهى هذا التموج الى الهواء الذي في الاذن حركه حركة مخصوصة على هيئة مخصوصة فتنفعل العصبة المفروشة على الصماخ من تلك الحركة فيحصل هناك طنين فتلاقيه القوة المذكورة فيها وتدركه فيسمى هذا الادراك سماعا، وقد يتفق (9) ان يتصل هذا التموج بجسم صلب فيصكه ويرتد عنه فينعطف ثانيا ويتصل بهواء الاذن فتنفعل العصبة عنه فتدركه قوة السمع ويقع ذلك في الحمامات والجبال والبيوت المجصصة ويسمى صدى.

الخامس - حسن البصر وهو قوة مرتبة في العصبتين المجوفتين النابتتين من الدماغ الى كل واحدة من العينين مدركة للصور المنطبعة في الرطوبة الجليدية بتوسط جسم لطيف نوراني ينبعث من الدماغ ساريا في تينك العصبتين المجوفتين الى العين يسمى ذلك الجسم الروح الباصر (10) وهو آله تلك القوة وحاملها كما ستعرف ان شاء الله تعالى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) - ا: " فأدى ".

(2) في الاصل: " تلك ".

(3) - د: " المدركة ".

(4) - ا: " في ".

(5) - د: " عنيف ".

(6) - ب: " ينقلب " د: " ينقلب ".

(7) - د: " الشيئين ".

(8) - ب د: " من ".

(9) - د: " اتفق.

(10) - د: " الناظر ".

 

[ 7 ]

وهذا الرأى اعني ان الابصار بسبب انطباع صورة المرئى في الرطوبة الجليدية هو رأى الحكيم ارسطو وعليه آراء متأخري الحكماء، وفى كيفية الابصار مذهب اخر وهو انه انما يكون بخروج شعاع من العين على شكل مخروط تتصل (1) قاعدته بسطح المرئي وزاويته متصله بنقطة الناظر، وهو مذهب باطل، وعلى بطلانه براهين كثيرة ويكفيك منها ههنا ان تعلم انه لو كان كذلك لاختلف الرؤية عند هبوب الرياح وركودها لممانعة الهواء ولكان ما تحت الممانعات (2) من ذوات الالوان احق بأن يرى مما في الزجاجات الصافية لسهولة نفوذ الشعاع هناك، والتاليان باطلان فالمقدم كذلك، وباقى البراهين مذكورة في المطولات.

ثم ان لهذا الانطباع الذى تأخذ عنه القوة شروطا سبعة احدها سلامة الحاسة من الافات، الثاني عدم الحجاب بين الرائى والمرئي، الثالث حصول النسبة الوضعية بينهما وهى المقابلة، الرابع كون المقابل ذالون، الخامس ان لا يكون بينهما بعد مفرط، السادس ان لا يكون بينهما قرب مفرط، السابع ان لا يكون جسم المرئى في غاية الصغر، فإذا فرضنا تمام هذه الشروط فان آلة الحس حينئذ تصير مستعدة لحصول ذلك المرئى فيها أي صورة مطابقة فيها صورة الشئ ومثاله الا ان بينهما فرقا وهو حصول القوة المدركة هناك دون المرآة فادراك القوة لتلك الصورة المنطبعة يسمى ابصارا، والاهم للحيوان من هذه الخمس هو الذوق واللمس واما ما عداهما فقد يتعرى عنها بعض الحيوانات.

واعلم ان لهذه القوى حكمين عامين: احداهما - انها لا تزيد على الخمس وبرهانه ان الطبيعة لا تنتقل من درجة الى ما فوقها الابعد استكمال جميع تلك الدرجة فيها فلو كان في الامكان حس آخر لكان حاصلا للانسان وحيث لم يحصل علمنا انه ليس بممكن.

الثاني - النوم واليقظة وحقيقتهما أن الجرم اللطيف الحاصل للقوى النفسانية المسمى روحا نفسانيا (3) كما ستعرفه إذا انصب في الحواس حصلت الادراكات

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) - د: " تستطيل " (2) - ب: " تحجب المانعات ".

3) - ا: " انسانيا ".

 

[ 8 ]

الظاهرة وهو اليقظة وان لم ينصب إليها أو رجع عنها بعد انصبابه إليها تعطلت الحواس الظاهرة فذلك التعطل هو النوم.

واعلم ان الرجوع بعد الانصباب (وعدم الانصباب) (1) قد يكون كل واحد منهما طبيعيا وقد لا يكون، فالاول الرجوع الطبيعي وهو اما بالتبعية لغيره كما إذا رجع الروح الحيوانى الذي ستعرفه ايضا الى الباطن لانضاج الغذاء فتبعها (2) الروح النفساني اولا بالتبعية وهو كما إذا تحلل جوهر الروح في اليقظة فرجع الى الباطن طلبا لبدل ما يتحلل.

الثاني الرجوع الغير الطبيعي وهو كما إذا اقبلت الطبيعة على تنضيج العلة فيتبعها الروح النفساني.

الثالث - عدم الانصباب الطبيعي وذلك ان يكون الروح في نفسه قليلا لا يفي بأن يبقى منه في الدماغ شئ ويخرج شئ منه الى آلات القوى.

الرابع - عدم الانصباب الغير الطبيعي وذلك قد يكون لآفة تعرض للدماغ تنسد (3) معها مجاري الروح فلا يمكن نفوذه، وقد يكون لترطيب جوهر الروح فلا يقوى على البروز (4) كما كان في نوم السكرى وقد يكون لاسباب أخرى.

 

البحث الرابع

في الحواس الباطنة

وهى ايضا خمسة: الاول - الحس المشترك ويسميه اليونانيون بنطاسيا وهو قوة مرتبة في الجزء الاول من التجويف المقدم من الدماغ مما يلى الوجة فاما فعلها فادراك جميع المحسوسات التى تدركها الحواس الظاهرة وذلك ان لهذه القوة خمس شعب فيها يسرى كل اثر يظهر للحواس وينتهى الى تلك القوة فتدركة واما برهان وجودها فمن وجهين، احدهما - لو لم يكن لنا هذه القوة لما امكننا (5) ان نحكم بان هذا الاصفر هو هذا الحلو فان القاضى على الشيئين لابد ان يحضره المقضى عليهما وليس هذا حكم العقل فان المحسوسات لا تدرك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) - ما بين القلابين سقط من نسخة ا.

(2) - ب: " فيتبعها ".

(3) - ا: " تفسد " د: " ينسد ".

(4) - ب " البروزى ".

(5) - ب: " لما امكنا " (بتشديد النون).

 

[ 9 ]

الا بآلة جسمانية ولان البهائم الخالية عن (1) العقل لها هذا الحكم فان صورة العشب وطعمه مدركان لها فإذا للمحسوسات الظاهرة اجتماع في قوة وراء العقل واذ (2) ليس ولا واحد من الحواس الظاهرة كذلك لاختصاص كل منها بمدرك خاص فلابد من قوة اخرى باطنة وهو المطلوب.

الثاني - نرى القطر النازل خطا مستقيما مع انه ليس في الخارج الا قطرات متفاصلة فهو إذا في الشعور فيكون في قوة مدركة له وليست القوة الباصرة فان البصر لا ينطبع فيه الشئ الا كما هو في الخارج، ولا النفس لانها لا تدرك الجزئيات فلابد من قوة اخرى وهو المطلوب.

الثاني - الخيال وهو قوة مرتبة في الجزء الاخير من التجويف المقدم من الدماغ واما فعلها فحفط الصور المحسوسة بعد غيبتها عن الحس وبقائها فيها، واما برهان مغايرتها فلان الحس مدرك وهذه القوة حافظة والحفظ غير الادراك والقبول فان الماء له قوة قبول الاشكال لرطوبته وليس له قوة الحفظ لعدم اليبوسه، وليسا بقوة واحدة لاستحالة ان يصدر عن القوة الواحدة اثران (3) فإذا الحفظ لقوة اخرى تجرى مجرى الخزانة لقوة الحس المشترك يجتمع (4) فيها ما تقتنصه من صور المحسوسات بالحواس الظاهرة.

الثالث - الوهم وهو قوة مرتبة في اخر التجويف الاوسط من الدماغ، وفعلها ادراك المعاني الجزئية الغير المحسوسة الموجودة في المحسوسات كادراك الشاة معنى في الذئب يوجب الهرب ومعنى في التيس (5) يوجب الطلب وهى في سائر الحيوان بمنزلة العقل للانسان وقد تكون هذه القوة في بعض الحيوانات اشد واقوى من بعض، والفرق بينهما وبين مدرك الصور الجزئية ظاهر.

الرابع - الحافظة وتسمى الذاكرة باعتبار آخر وهى قوة مرتبة في التجويف

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) - ب: " من ".

(2) - ب: " إذا " (3) - ا: " امران ".

(4) - ا: " لقوة الحس يجتمع ".

(5) في النسخ: " الطيس ".

 

[ 10 ]

الثالث من الدماغ فعلها حفظ هذه المعاني الجزئية التى يدركه الوهم، ونسبتها الى الوهم نسبة الخيال الى الحس المشترك وكما ان هناك مبدء هو الحس المشترك وخازنا هو الخيال فكذا هنا مبدء هو الوهم وخازن وهو الحافظة ومغايرته للوهم تعلمها من الفرق بين الحس والخيال الخامس - المتخيلة وهو قوة مودعة في مقدم التجويف الاوسط من الدماغ عند الجسم المسمى بالدودة لشبهه بها، وفعلها الخاص بها تفتيش الخزانتين والتصرف فيهما بتركيب بعض مودعاتهما مع بعض وتفصيل بعضها عن بعض فقد تركب بين صورتين تدركهما من خزانة الصور كتركيب انسان برأس ثور ونحوه، وقد تركب الصور بالمعاني والمعاني بمثلها، وقد يستعين العقل بها في ادراك المعقولات لانها آلة الوهم الذى هو آلة العقل وبها يكون اقتناص الحد (1) الاوسط وهى المحاكية للمدركات العقلية بالهيئات المزاجية وتنتقل الى الضد والشبه (2) فإذا تصرفت في الخزائن باشارة العقل بواسطة الوهم سميت بهذا الاعتبار مفكرة ومن دون استعمال العقل لها تسمى متخيلة، ولما كان فعل هذه القوة تفتيش الخزانتين كان اليق المواضع بها وسط الدماغ لتكون (3) متوسطة لهما قضاء من المدبر الحكيم عز سلطانه، وانما عرفت مواضع هذه القوى باعتبارات ظنية من فساد قوة مخصوصة منها عن آفة تعرض في موضع مخصوص من الدماغ والله ولى الهداية.

 

البحث الخامس

في القوى المحركة بالارادة

وهي مترتبة بعضها تنسب إليها الحركة لانها باعثة عليها (وبعضها) " 4 " لانها فاعلة لها اما القوى الباعثة فأبعدها عن الحركة هي القوى المدركة المذكورة وهى المتخيلة والوهم في الحيوان والعقل العملي بتوسطهما في الانسان وتليها القوة النزوعية المسماة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) - ب: " وبها يكون اقتناص العقل وبها يكون الحد الاوسط ".

(2) - ا: " والتشبيه ".

(3) - اج: " فتكون ".

(4) - هذه الكلمة في نسخه ب فقط.

 

[ 11 ]

شوقا فانها تبعث عن القوى المدركة اما الى طلب بحسب ادراك الملائمة في الشئ اللذيذ أو النافع سواء كان ادراكا مطابقا أو غير مطابق وتسمى شهوة واما الى دفع ومقاومة لادراك منافاة في الشئ المكروه أو الضاد وتسمى غضبا وتليها القوة المحركة الفاعلة وهى قوة تنبعث في الاعصاب والعضلات من شأنها تشنيج العضلات لجذب الاوتار والرباطات وارخائها وتمديدها وهى المسماة بالقدرة وهى بالحقيقة المحركة وما عداها فيجرى مجرى الامر الباعث باشارته والله الموفق.

 

البحث السادس

في الارواح الحاملة لهذه القوى

واعلم ان لكل واحدة من القوى المدركة والمحركة روحا يختص به هو الحامل له تسمى روحا نفسانيا وتولده من (1) بطون الدماغ وينفذ في شظايا العصب الى سائر البدن ويقوم القوى النفسانية وينصب الى آلاتها ويحفظها على حالها وتولده يكون من جسم آخر يسمى روحا حيوانيا يتولد في القلب من بخار الدم الصافى اللطيف النقى ومن الهواء الداخل للاستنشاق وكيفية تولد النفساني عنه ان الروح الحيوانى يصعد من القلب الى الدماغ في العرقين الضاربين المعروفين بعرقي السبات (2) الصائرين الى الدماغ وينفذان الى القحف الى الموضع المعروف بقاعدة الدماغ وينقسمان هناك بضروب من القسم (3) ويكثر ما يتفرع منهما (4) من العروق فيصير بعضها فوق بعض ويخالط بعضها بعضا ويلتوى (5) بعضها على بعض ويشتبك حتى ينتسج من ذلك (6) نسيجة تشبه الشبكة ثم بعد انتساجها يصير منها عرقان ضاربان شبيهان بالاولين ويصعدان الى فوق هذا الموضع فيتفرقان (7) فيه فإذا صعد الروح الحيوانى من القلب وصار في هذه النسيجة وجال في عروقها ومكث طويلا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) - ب: " في ".

(2) - " كذا ".

(3) - ب: " القسمة ".

(4) - د: " منها ".

(5) - ا ج: " يستولى ".

(6) - الساقط من النسخة الثالثة كما اشرنا إليه في الصفحة الاولى كان الى هنا.

(7) - ج د: " فيفرقان " ولعل الصحيح: " فيفترقان ".

 

[ 12 ]

نضج غاية النضج وصفا فتولد منه الروح النفساني ولذلك اعدت هذه الشبكة لانضاج هذا الروح وتصييره روحا نفسانيا حتى استعدت به القوى المذكورة للادراك والتحرك فسبحان ناظم الوجود أحكم الحاكمين.

 

الفصل الثاني

في النفس الانسانية والفلكية

 

وفيه ابحاث:

 

البحث الاول

في ماهيتهما (1) وبراهين وجودهما (2)

اما الماهية على ما يعم النفسين فقيل: انها جوهر غير المادة وغير موجود فيها من شأنه ان يحرك الاجسام ويدرك الاشياء، فإذا اردنا تخصيصها بالفلك قلنا: بالفعل، وإذا اردنا تخصيصه بالانسان قلنا: ويتهيأ لادراك الاشياء، فاحترزنا بالجوهر عن واجب الوجود والاعراض التسعة وبقولنا، غير المادة وغير موجود فيها، عنها وعن سائر الامور المادية، وبقولنا: يتهيا لادراك الاشياء، في الانسانية، عن الفلكية والعقول المجردة، لان كمالاتها حاصلة لها بالفعل من حيث هي: وبقولنا: في الفلكية، عن الانسانية، إذ كمالاتها في الاصل قوية وانما يحصل لها بالفعل بعد تمام استعداداتها لها.

واما برهان وجود النفس الانسانية فمن وجهين: الاول - لو كانت القوة العاقلة جسما أو جسمانيا لضعفت بضعف البدن لان القوى الجسمانية في ذاتها وجميع كمالاتها الى اعتدال مزاج الجسم فوجب ان يضعف بضعفه لكن التالى باطل لان الفكر الكثير سبب لضعف الدماغ ولكمال النفس ولان القوة العاقلة تقوى بعد الاربعين مع اخذ البدن في النقصان فوجب ان يكون المقدم باطلا.

الثاني - من طريق السمع قوله تعالى: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) - د: " ماهيتها ".

(2) - ج د: " وجودها ".

 

[ 13 ]

بل احياء عند ربهم يرزقون (1) وقوله عليه السلام في بعض خطبه: حتى إذا حمل الميت على نعشه رفرفت روحه فوق النعش وتقول: يا اهلى ويا ولدي لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بى، وجه الاستدلال ان نقول: لا شئ من الانسان المقتول والمتكلم بميت بمقتضى الاية والخبر وكل بدن وقوة فيه فميتة بالضرورة ينتج من الشكل الثاني لا شئ من الانسان ببدن ولا قوة فيه بالضرورة وهو (2) المعنى بالجوهر المجرد وعلى هذا المطلوب ادلة كثيرة عقلية ونقلية آثرنا تركها مراعاة للاختصار وهى مذكورة في المطولات.

واما برهان وجودها للفلك فقالوا: لاشك ان الفلك متحرك بالاستدارة فحركته اما ان تكون طبيعية أو قسرية أو ارادية فالقسمان الاولان باطلان فتعين (3) الثالث، وانما قلنا: انها ليست طبيعية، لان كل وضع ونقطة متوجه إليها الحركة بالطبع فهى مفارقة لها بالطبع فالمطلوب بالطبع مهروب عنه بالطبع هذا خلف، وانما قلنا: انها ليست قسرية، لان القسر هو ما يكون على خلاف الطبع وحيث لاطبع فلا قسر (4) فبقى ان تكون ارادية فلها إذا ميل مستدير ارادي، وكل فاعل بالارادة فلابد وان يكون له شعور بفعله فللا فلاك قوة على الادراك والفعل وهى النفس، والمشاؤن (5) على ان تلك النفس جسمانية والشيخ على ان ما وراء ما اثبتوه للفلك من النفس نفس مجردة حجته ان الحركة الفلكية انما هي للتشبه بالعقول المجردة والتشبه بالشئ يستدعى ادراكه والمدرك للمجرد مجرد فللفلك نفس مجردة منتقشة بالعلوم الكلية والجزئية على الوجه الكلى نقشا فعليا وكذلك العقول المشبهة لها (6) وتحقيق هذه المقدمات وحل الشكوك التى تتوجة عليها (7) غير لائق بموضعنا فليطلب من مظانه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) - آية 169 سورة آل عمران.

(2) - ب د " وهى ".

(3) - ج د: " فبقى.

(4) - اب: " وحيث لا قسر فلا طبع ".

(5) في هامش نسخة ا: " المشاؤون اصحاب المعلم الاول ".

(6) - ب: " المتشبهة بها ".

(7) - كذا في النسخ والصحيح: إليها.

 

[ 14 ]

 

البحث الثاني

في قوى النفس الانسانية

واعلم ان النفس الانسانية لها قوتان، نظرية وعملية، وكل منهما تسمى عقلا وان كان العقل يطلق على درجات القوة النظرية وعلى معان اخرى بحسب اشتراك الاسم كما تعلمه اما العملية فهى قوة محركة لبدن الانسان الى الافاعيل الجزئية على مقتضى آراء بعضها جزئية محسوسة وبعضها كلية اولية أو جزئية (1) أو ذائعة أو ظنية تحكم بها القوة النظرية من غير ان يختص حكمها بجزئي دون آخر والقوة العملية تستعين بالقوة النظرية في ذلك الى ان تنتهى الى الرأى الجزئي الحاصل فتعمل بحسبه وتحصل مقاصدها في طرفي المعاش والمعاد ولهذه القوة نسبة الى القوة النزوعية وعنهما يتولد كثير من الافاعيل كالضحك والبكاء، ونسبة الى الحواس الباطنة وهي استعمالها في استخراج الامور المصلحية والصناعات ونحوها ونسبة الى القوة النظرية ومنهما (2) تحصل المقدمات المشهورة والعملية هي التى يجب بمقتضى جبلتها ان يتسلط على القوى البدنية فتصرفها كما ينبغى فان اتفق لها أن انفعلت عن تلك القوى كان ذلك موجبا للبعد عن حضرة رب العالمين كما سنبين ان شاء الله تعالى.

واما النظرية فهى التى لاجلها يصح من النفس ادراك الاشياء على الوجه (3) الصواب ولها في الاستكمال من الاستعداد مراتب ثلاثة ومثلت (4) في مبدئها بما (5) يكون للطفل من قوة الكتابة، وفى وسطها بما (6) يكون للناشئ المستعد لتعلمها، وفى منتهاها بما يكون للقادر عليها الذى لا يكتب وله أن يكتب متى شاء.

فالمرتبة الاولى للنفس من الاستعداد المناسبة للمثال المذكور تسمى عقلا هيولانيا تشبيها لها بالهيولى الخالية في ذاتها عن جميع الصور المستعدة لقبولها وهذه المرتبة حاصلة لجميع اشخاص الناس في مبادئ الفطرة وقد اشير إليها في التنزيل الالهى وعبر عنها بالمشكاة في قوله تعالى:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) - ا: " أو الجزئية ".

(2) - ج د " منها ".

(3) - د: " وجه ".

(4) - ج د: " وتنقلب ".

(5) - " كما " ج د " مما ".

(6) - ج د " مما ".

 

[ 15 ]

الله نور السماوات والارض مثل نوره كمشكوة فيها مصباح، الاية (1)، ووجه المناسبة بين المشكوة والعقل الهيولانى ان المشكوة مظلمة في ذاتها قابلة للنور لاعلى تساو لاختلاف السطوح والثقب فيها فالعقل الهيولانى اشبهها (2) فأطلق اسمها عليه.

المرتبة الثانية وهى المناسبة للمثال المتوسط تسمى عقلا بالملكة وهو الاستعداد الحاصل بعد حصول المعقولات الاولى التى هي العلوم الاولية فتتهيأ لادراك المعقولات الثانية وهى العلوم المكتسبة والمثال المطابق لها من الاية الزجاجة، ووجه المناسبة كون الزجاجة في نفسها شفافة قابلة للنور اتم قبول كما ان النفس في تلك المرتبة كذلك ومراتب الناس

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) - صدر آية 35 سورة النور وذيلها: (المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب درى يوقد من شجرة مباركة زيتونة لاشرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيئ ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدى الله لنوره من يشاء ويضرب الله الامثال للناس والله بكل شئ عليم).

فليعلم ان الشارح (ره) قد اخذ هذا المطلب من الاشارات ونص عبارة ابن سينا فيه هكذا: " " اشارة - ومن قواها مالها بحسب حاجتها الى تكميل جوهرها عقلا بالفعل عباره فاوليها قوة استعدادية لها نحو المعقولات وقد يسميها قوم عقلا هيولانيا وهى المشكوة وتتلوها قوة اخرى تحصل لها عند حصول المعقولات الاولى فيتهيا بها لاكتساب الثواني اما بالفكرة وهى الشجرة الزيتونة ان كانت ضعفى أو بالحدس فهى زيت ايضا ان كانت اقوى من ذلك فيسمى عقلا بالملكة وهى الزجاجة والشريفة البالغة منها قوة قدسية يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار ثم يحصل لها بعد ذلك قوة وكمال اما الكمال فان يحصل لها المعقولات بالفعل مشاهدة متمثلة في الذهن وهو نور على نور واما القوة فان يكون لها ان يحصل المعقول المكتسب المفروغ منه كالمشاهد متى شاءت من غير افتقار الى اكتساب وهو المصباح وهذا الكمال يسمى عقلا مستفادا وهذه القوة تسمى عقلا بالفعل والذى يخرج من الملكة الى الفعل التام ومن الهيولانى ايضا الى الملكة فهو العقل الفعال وهو النار " " ومن اراد التفصيل فيه فليطلبه من شروح الاشارات.

فليعلم ان الشارح (ره) قد اخذ مطالب كثيرة من كتاب الشفاء الا انه قد غير عباراتها في موارد وقد اكتفى بنقل عين العبارات ولم نشر إليها الا قليلا فمن اراد التطبيق فعليه ان يطابقهما.

(2) - ج د: " يشبهها ".

 

[ 16 ]

في هذه القوة وفى تحصيل المكتسبة مختلفة فمنهم من حصلها بشوق ينبعث عن النفس فتبعث على (1) الحركة الفكرية الشاقة (2) في طلب تلك العلوم وهولاء هم اصحاب الفكر، ومثال الفكر من الاية الشجرة الزيتونة، ووجه المناسبة كونها مستعدة لان تصير قابلة للنور بذاتها لكن بعد حركة شاقة ولان المفكرة ذات شعب وفنون كما ان الزيتونة ذات شعب وغصون ومنهم من يظفر بها من غير حركة اما مع شوق اولا معه وهومن (3) اصحاب الحدس، ومثاله، من الاية الزيت لكونه اقرب الى الاشتعال من الزيتونة ومراتب صنفي (4) الحدس كثيرة والشريفة (5) من تلك المراتب قوة قدسية وهى من الاية (6) " " يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار " " لانها تكاد تعقل بالفعل ولو لم يكن لها مخرج من القوة الى الفعل.

المرتبة الثالثة وهى المناسبة للمثال الاخير تسمى عقلا بالفعل وهو ما يكون عند القدرة على استحضار المعقولات الثانية بالفعل متى شاءت النفس بعد الاكتساب بالفكر أو الحدس والمثال لهذا الاستعداد من الاية المصباح لانة ينير بذاتة من غير حاجة له الى اكتساب نور، وحضور تلك المعقولات بالفعل للنفس تسمى عقلا مستفادا وهو من الاية " نور على نور " إذ النفس نور والمعقولات الحاصلة لها نور آخر، واما النار التى منها اشتعال ذلك المصباح فالعقل الفعال لان النفوس الانسانية وكمالاتها مستفادة منه فهذه مراتب القوة النظرية.

تنبيه - واذ (7) ذكرنا الفكر والحدس فلابد من الفرق بينهما وذلك ببيان ماهيتهما، فالفكر حركة للنفس بالالة المسماة بالمفكرة (8) تبتدئ (9) من المطالب طالبة بها (10) مبادئ تلك المطالب كالحدود الوسطى وما يشبهها الى ان يجدها ثم يرجع منها الى المطالب، واما الحدس فهو الظفر حال الالتفات الى المطالب بالحدود الوسطى دفعة تتمثل منها (11) المطالب والحدود الوسطى معا في العقل من غير الحركتين المذكورتين سواء كان مع شوق أو لا معه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) - ب د: " فتنبعث على ".

(2) - د: " التامة ".

(3) - ا: " في ".

(4) - د: " صفوف ".

(5) - ب: " الشريفة البالغة " ج: " الرائعة البالغة " د: " السريعة البالغة ".

(6) - في النسخ: " من الاية التى ".

(7) - ج د: " تذكرة - وإذا ".

(8) - ب ج: " الفكرة ".

(9) - ا: " تبدئ ".

(10) - ا: " لها ".

(11) - ب ج: " فيها ".