[ 237 ]

 

الفصل الثاني

في بيان اطلاعه عليه السلام على المغيبات وتمكنه من خوارق العادات

 

وفيه بحثان:

 

البحث الاول

في اطلاعه على الامور الغيبية

ولنورد منها في هذا البحث عشرة احكام: الحكم الاول - ما حكم بوقوعه في حق عبيد الله بن زياد من قوله عليه السلام: اما انه سيظهر عليكم بعدى رجل (1) رحب البلعوم، مندحق البطن، يأكل ما يجد، ويطلب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وانما يجعل في صورة النكرة بنزع اللام وان كان المنفى في الحقيقة هو المضاف المذكور الذى لا يتعرف بالاضافة الى اي معرف كان لرعاية اللفظ واصلاحه ومن ثم قال الاخفش: على هذا التأويل يمتنع وصفه لانه في صورة النكرة فيمتنع وصفه وهو معرفة في الحقيقة فلا يوصف بنكرة.

واما ان يجعل العلم لاشتهارة بتلك الخلة كأنه اسم جنس موضوع لافادة ذلك المعنى لان معنى قضية: ولا ابا حسن لها، لا فيصل لها إذ هو عليه السلام كان فيصلا للحكومات على ما قال النبي (ص) أقضاكم على، فصار اسمه كالجنس المفيد لمعنى الفصل والقطع كلفظ الفيصل، وعلى هذا يمكن وصفه بالمنكر وهذا كما قالوا: لكل فرعون موسى، اي لكل جبار قهار، فيصرف فرعون وموسى لتنكيرهما بالمعنى المذكور وجوز الفراء اجراء المعرفة مجرى النكرة بأحد التأولين في الضمير واسم الاشارة ايضا نحو: لا اياه ههنا أو: لا هذا وهو بعيد غير مسموع ".

وانما نقلناه هنا بطوله لكثرة فائدته ولمناسبه للمقام.

(1) - قال شارح الكلمات ابن ميثم (ره) في شرحه على نهج البلاغة في شرح هذا الكلام (183 من الطبعة الاولى): " واختلف في مراده بالرجل فقال اكثر الشارحين: المراد معاوية لانه كان بطينا =

 

[ 238 ]

مالا يجد، فاقتلوه ولن تقتلوه، الا وانه سيأمركم بسبي والبراءة منى، فاما السب فسبوني (فانه لى زكوة ولكم نجاة) واما البراءة فلا تبرؤا منى، فانى ولدت على الفظرة وسبقت الى الاسلام والهجرة.

وكان ذلك الحكم صادقا كما هو المشهور من قصته.

الحكم الثاني - لما قتل عليه السلام الخوارج وقيل له هلك القوم بأجمعهم، فقال (1) كلا والله انهم نطف في أصلاب الرجال وقرارات النساء، كأنما نجم منهم قرن قطع حتى يكون آخرهم لصوصا سلابين.

وكان من الخوارج ماكان كما قال.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

= كثير الاكل: روى انه كان ياكل فيمل فيقول: ارفعوا: فو الله ما شبعت ولكن مللت وتعبث، وكان ذلك داء أصابه بدعاء الرسول (صلعم) روى انه بعث إليه مرة فوجده يأكل، فبعث إليه ثانية فوجده كذلك فقال: اللهم لا تشبع بطنه ولبعضهم في وصف آخر:

وصاحب لي بطنه كالهاوية * كأن في احشائة معاوية

وقيل هو زياد بن ابى سفيان وهو زياد ابن ابيه، وقيل هو الحجاج، وقيل: المغيرة بن شعبة (فخاض في الشرح فمن اراده فليراجع هناك)".

وقال ابن أبى الحديد في شرحه (ج 1 من طبعة مصر ص 355): " وكثير من الناس يذهب الى انه عليه السلام عنى زيادا، وكثير منهم يقول: انه عنى الحجاج، وقال قوم: انه عنى المغيرة بن شعبة والاشبه عندي انه معاوية لانه كان موصوفا بالنهم وكثرة الاكل وكان بطينا يقعد بطنه إذا جلس على فخذيه (الى آخر ما قال).

اقول: فيما ذكره الشارحان المشار اليهما في شرح الكلام مطالب نفيسة ولولا ان الخوض في نقلهما يفضى الى اطناب لا يناسبه المقام لنقلت ما ذكراه (فان شئت، فراجع).

(1) - نقله الشريف الرضى (ره) في باب الخطب من نهج البلاغة (راجع شرح ابن ميثم ص 147 من الطبعة الاولى، وشرح ابن ابى الحديد طبعة مصر ج 1 ص 427).

 

[ 239 ]

الحكم الثالث - قوله عليه السلام (1): فتن كقطع الليل المظلم لا تقوم لها قائمة، ولا ترد لها راية، تأتيكم مزمومة مرحولة، يحفزها قائدها، ويجهدها راكبها، أهلها قوم أذلة عند المتكبرين، في الارض مجهولون، وفى السماء معروفون، فويل لك يا بصرة عند ذلك من جيش من نقم الله لارهج له ولا حسن وسيبتلى اهلك بالموت الاحمر والجوع الاغبر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) - هو ايضا مروى في باب الخطب من نهج البلاغة قال ابن ميثم (ره) في شرحه (ص 254 من الطبعة الاولى): اقول: يحفزها يدفعها من خلف، والكلب الشر، والاذلة جمع ذيل، والرهج الغبار، والحس الصوت الخفى وقد نبه عليه السلام في هذا الفصل على ما سيقع بعده من الفتن ويخص منها فتنة صاحب الزنج بالبصرة وشبه تلك الفتن بقطع الليل المظلم ووجه الشبه ظاهر ولا تقوم لها قائمة اي لا يمكن مقابلتها بما يقومها ويدفعها وانما انث لكون القائمة في مقابلة الفتنة وقيل: لا تثبت لها قائمة فرس، واستعار لفظ الزمام والرحل والحفز والقائد والراكب وجهده لها ملاحظة لشبهها بالناقة وكنى بالزمام والرحل عن تمام اعداد الفتنة وتعنيتها كما ان كمال الناقة للركوب ان تكون مزمومة مرحولة، وبقائدها عن اعوانها، وبراكبها عن منشئها المتبوع فيها، وبحفزها وجهدها عن سرعتهم فيها، واهلها اشارة الى الزنج وظاهر شدة كلبهم وقلة سلبهم إذ لم يكونوا أصحاب حرب وعدة وخيل كما يعرف ذلك من قصتهم المشهورة وكما سنذكر طرفا منها فيما يستقبل من كلامه في فصل آخر وقد وصف مقاتليهم في الله بكونهم اذله عند المتكبرين وكونهم مجهولين في الارض اي ليسوا من ابناء الدنيا المشهورين بنعيمها، وكونهم معروفين في السماء هو اشارة الى كونهم من اهل العلم والايمان يعرفهم ربهم بطاعتهم وتعرفهم ملائكتهم بعبادة ربهم.

ثم اردف ذلك بأخبار البصرة مخاطبا لها والخطاب لاهلها بما سيقع بها من فتنة الزنج وظاهر انه لم يكن لهم غبار ولا اصوات إذ لم يكونوا اهل خيل ولا قعقعة لجم فإذا لارهج لهم ولاحس وظاهر كونهم من نقم الله للعصاة وان عمت الفتنة إذ قلما تخص العقوبة النازلة بقوم بعضهم كما قال تعالى: واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة وقوله (ع): سيبتلى

 

[ 240 ]

وكان من أحوال البصرة وموت أهلها بالطاعون وغير ذلك ما كان كما هو مشهور من قصصها وذلك يدل على اطلاعه عليه السلام على ما لم يكن قبل كونه.

الحكم الرابع - قوله عليه السلام: ولو تعلمون ما أعلم مما طوى عنكم غيبه إذا لخرجتم الى الصعدات تبكون على اعمالكم (1) وتلتدمون على انفسكم، ولتركتم أموالكم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اهلك بالموت الاحمر والجوع الاغبر، قيل فالموت الاحمر اشارة الى قتلهم بالسيف من قبل الزنج أو من قبل غيرهم ووصفه بالحمرة كناية عن شدته وذلك ان اشد الموت ماكان بسفك الدم اقول: وقد فسره (ع) بهلاكهم من قبل الغرق كما نحكيه عنه وهو ايضا في غاية الشدة لاستلزامه زهوق الروح (وكذلك وصف الاغبر لان اشد الجوع ما اغبر معه الوجه وغير السحنة الصافية لقلة مادة الغذاء أو رداءته فلذلك سمى اغبر وقيل: لانه يلصق بالغبراء وهى الارض.

وقد اشار عليه السلام الى هذه الفتنة في فصل من خطبة خطب بها عند فراغه من حرب البصرة وفتحها وهى خطبة طويلة حكينا منها فصولا تتعلق بالملاحم من ذلك فصل يتضمن حال غرق البصرة فعند فراغه من ذلك الفصل قام إليه (الى آخر ما ذكره، وهو طويل لا يسعه المقام فمن اراده فيطلبه من هناك) ".

(1) - قال الشريف الرضى (ره) بعد نقله في باب الخطب من نهج البلاغة (انظر شرح نهج البلاغة لابن ميثم ص 280 من الطبعة الاولى): " اقول: الوذحة الخنفساء وهذا القول يومى به الى الحجاج وله مع الوذحة حديث ليس هذا موضع ذكره " قال ابن ميثم في شرحه: " الصعدات جمع صعيد وهو وجه الارض، واللدم والالتدام ضرب الوجه ونحوه،.

ورأى ميمون مبارك وقدما بضم القاف والدال اي تقدموا ولم ينثنوا، والوجيف ضرب من السير فيه قوة والوذحة كما قيل: انها كنيه للخنفساء، ولم ينقل ذلك في المشهور من كتب اللغة وانما المشهور انها القطعة من بعر الشاة تنعقد على اصواف اذنابها وتتعلق بها وهذا الفصل من خطبة له بالكوفة يستنهض فيها اصحابه الى حرب الشام ويتبرم من تقاعدهم عن صوته.

 

[ 241 ]

لا حارس لها ولاخالف عليها، ولهمت كل امرئ منكم نفسه لا يلفت الى غيرها ولكنكم نسيتم ما ذكرتم، وامنتم ما حذرتم، فتاه عنكم رأيكم، وتشتت عليكم امركم، ولوددت ان الله فرق بينى وبينكم وألحقني بمن هو أحق بى منكم، قوم والله ميامين الرأى، مراجيح - الحلم، مقاويل بالحق، متاريك للبغي، مضوا قدما على الطريقة، وأوجفوا على المحجة، فظفروا بالعقبى الدائمة، والكرامة الباردة، اما والله ليسلطن عليكم غلام ثقيف الذيال

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(الى ان قال) ثم بين لهم بعض ما سيلحقهم من الفتن العظيمة مما طوى عنهم غيبه، وهى فتنة الحجاج بن يوسف بن الحكم بن ابى عقيل بن عامر بن معتب بن مليك بن كعب بن الاخلاف قوم من ثقيف (الى ان قال) ثم قال: ايه ابا وذحة وكلمة ايه اسم من اسماء فعل الامر يستدعى به الحديث المعهود من الغير ان سكنت، وان نونت كانت لاستدعاء قول أو فعل ما، وقيل: التسكين للوقف والتنوين للدرج.

وأما تلقيبه (ع) له بأبى وذحة فروى في سبب ذلك انه كان يوما يصلى على سجادة له فدبت إليه خنفساء فقال: نحوها عنى فأنها وذحة من وذح الشيطان.

وروى انه قال: قاتل الله قوما يزعمون ان هذه من خلق الله فقيل له: مما هي ؟ - فقال: من وذح ابليس وكأنه شبهها بالوذحة المتعلقة بذنب الشاة في حجمها أو شكلها فاستعار لها لفظها، ونسبته لها الى ابليس لاستقذاره اياها واستكراهه لصورتها، أو لانها تشوشه في الصلوة وروى أبو على بن مسكويه: انه نحاها بقصبة وقال: لعنك الله وذحة من وذح الشيطان ونقل بعض الشارحين ودجة (بالدال والجيم) وكنى ذلك عن كونه سفاكا للدماء قطاعا للاوداج وفيه بعد ".

قال ابن ابى الحديد فيما قال في شرحه (ج 2، ص 257 من طبعة مصر): " قال الرضى - رحمه الله - والوذحة الخنفساء ولم أسمع هذا من شيخ من اهل الادب ولا وجدته في كتاب من كتب اللغة ولا ادرى من اين نقل الرضى رحمه الله ذلك ؟ ! ثم ان المفسرين بعد الرضى - رحمه الله - قالوا في قصة هذه الخنفساء وجوها منها - ان الحجاج رأى خنفساء تدب الى مصلاه فطردها، فعادت ثم طردها، فعادت

 

[ 242 ]

الميال يأكل خضرتكم، ويذهب شحمتكم، ايه ابا وذحة.

والمراد ههنا فتنة الحجاج، والوذحة الخنفساء، وسبب نسبته إليها انه كان جالسا يوما على سجادة له فإذا خنفساء قد أقبلت تدب إليه فقال: نحوا هذه فانها وذحة من وذح الشيطان.

قال أهل اللغة: الوذحة ما تعلق بأصواف الضان من بعرها وبولها، وهذا الحكم غيبي.

الحكم الخامس - قوله عليه السلام للاحنف وهو مما كان يخبر به عن الملاحم بالبصرة: يا احنف كأنى به وقد سار بالجيش الذى لا يكون له غبار ولا قعقعة لجم، ولا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فأخذها بيده وحذف بها فقرصته قرصا ورمت يده ورما كان فيه حتفه، قالوا: وذلك لان الله تعالى قتله بأهون مخلوقاته كما قتل نمرود بن كنعان بالبقة التى دخلت في أنفه فكان فيها هلاكه.

ومنها - ان الحجاج كان إذا رأى خنفساء تدب قريبة منه يأمر غلمانه بابعادها ويقول: هذه وذحة من وذح الشيطان تشبيها لها بالبعرة، قالوا: وكان مغرى بهذا القول والوذح ما يتعلق بأذناب الشاة من ابعارها فيجف.

ومنها - ان الحجاج قال وقد رأى خنفساوات مجتمعات: واعجبا لمن يقول: ان الله خلق هذه، قيل فمن خلقها ايها الامير ؟ - قال: الشيطان، ان ربكم لاعظم شأنا ان يخلق هذه الوذح قالوا: فجمعها على فعل كبدنة وبدن، فنقل قوله هذه الى الفقهاء في عصره فأكفروه.

ومنها - ان الحجاج كان مثفارا وكان يمسك الخنفساء حيه ليشفى بحركتها في الموضع حكاكة، قالوا: ولا يكون صاحب هذه الداء الا شانئا مبغضا لاهل البيت، قالوا: ولسنا نقول: كل مبغض فيه هذا الداء وانما قلنا: كل من فيه هذا الداء فهو مبغض، قالوا: وقد روى أبو عمر الزاهد ولم يكن من رجال الشيعة في اماليه واحاديثه عن السيارى عن ابى خزيمة الكاتب قال: ما فتشنا أحدا فيه هذا الداء الا وجدناه ناصبيا، قال أبو عمر: واخبرني العطافى من رجاله قالوا: سئل جعفر بن محمد عليه السلام عن هذا الصنف من الناس فقال: رحم منكوسة تؤتى ولا تأتى، وما كانت هذه الخصلة في ولى الله تعالى قط ولا تكون ابدا وانما تكون في الكفار والفساق والناصب للطاهرين وكان أبو جهل عمر بن هشام المخزومى من القوم وكان اشد الناس عداوة لرسول الله صلى الله عليه وآله

 

[ 243 ]

حمحمة خيل، يثيرون الارض بأقدامهم كأنها أقدام النعام، ويل لسككهم العامرة والدور المزخرفة التى لها أجنحة كأجنحة النسور وخراطيم كخراطيم الفيلة، من اولئك الذين لا يندب قتيلهم، ولا يفقد غائبهم (1).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قالوا: ولذلك قال له عتبة بن ربيعة يوم بدر: يا مصفرا استه.

فهذا مجموع ما ذكره المفسرون وما سمعته من افواه الناس في هذا الموضع.

ويغلب على ظنى انه (ع) اراد معنى اخر، وذلك ان عادة العرب ان تكنى الانسان إذا ارادت تعظيمة بما هو مظنة التعظيم كقولهم: أبو الهول: أبو المقداد، وأبو المغوار، فإذا ارادت تحقيره والغض منه كنته بما يستحقر ويستهان به كقولهم في كنية يزيد بن معاوية أبو زنة، يعنون القرد، وكقولهم في كنية سعيد بن حفص البخاري المحدث، أبو الفار، وكقولهم للطفيلي: أبو لقمة، وكقولهم لعبد الملك: أو الذبان، لبخره، وكقول ابن بسام لبعض الرؤوساء:

فانت لعمري أبو جعفر * ولكننا نحذف الفاء منه

وقال ايضا:

لئيم درن الثوب * نظيف القعب والقدر

أبو النتن أبو الدفر * أبو البعر أبو الجعر

فلما كان امير المؤمنين عليه السلام يعلم من حال الحجاج نجاسته بالمعاصى والذنوب التى لو شوهدت بالبصر لكانت بمنزلة الملتصق بشعر الشاء كناه أبو وذحة ويمكن ايضا ان يكنيه بذلك لدمامته في نفسه وحقارة منظره وتشويه خلقته فانه كان قصيرا دميما نحيفا اخفش العينين معوج الساقين قصير الساعدين مجدور الوجه اصلع الراس فكناه باحقر - الاشياء وهو البعرة.

وقد روى قوم هذه اللفظة بصيغة اخرى فقالوا ايه ابا ودجة، قالوا: هي واحدة لاوداج، كناه بذلك لانه كان قتالا يقطع الاوداج بالسيف، ورواه قوم ابا وحرة وهى دويبة تشبه الحرباء قصيرة الظهر شبهه بها.

وهذا وما قبله ضعيف، وما ذكرناه نحن اقرب الى الصواب ".

(1) - قال ابن ميثم (ره) في شرحه على نهج البلاغة في شرح هذا الكلام

 

[ 244 ]

والاشارة في هذا الكلام الى صاحب الزنج وهو على بن محمد العلوى ويكنى بالبرقعي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ضمن ما قال (ص 290 من الطبعة الاولى): " والضمير في قوله (ع): كانى به لصاحب الزنج واسمع على بن محمد علوى النسب، والجيش المشار إليه هم الزنج، وواقعتهم بالبصرة مشهورة، واخبارهم وبيان أحوالهم وتفصيل واقعتهم يشتمل عليها كتاب منفرد في نحو من عشرين كراسة فليطلب علمها من هناك.

واما وصف ذلك الجيش بالاوصاف المذكورة فلان الزنج لم يكونوا أهل - خيل ولا جند من قبل حتى يكون بالاوصاف المشار إليها، واثارتهم التراب بأقدامهم كناية عن كونهم حفاة في الاغلب مشققى الاقدام فهى من اعتياد الحفاء ومباشرة الارض كالخشب ونحوه فكانت مظنة اثارة التراب عوضا عن حوافر الخيل، ووجه شبهها بأقدام النعام ان أقدامهم في الاغلب قصار عراض منتشرة الصدور ومفرقات الاصابع فهى من عرضها لا يتبين لها طول فأشبهت اقدام النعام في بعض تلك الاوصاف.

ثم اخبر بالويل لمحال البصرة ودورها المزوقة من اولئك واستعار لدورها لفظ الاجنحة واراد بها القطانيات التى تعمل من الاخشاب والبواري بارزة عن السقوف كالوقاية للمشارف والحيطان عن آثار الامطار وهى أشبه الاشياء في هيئتها وصورة وضعها بأجنحة كبار الطير كالنسور، وكذلك استعار لفظ خراطيم الفيلة للميازيب التى تعمل من الخوص على شكل خرطوم الفيل وتطلى بالقار يكون نحوا من خمسة اذرع وازيد تدلى من السطوح حفظا للحيطان اذى السيل ايضا وهى اشبه الاشياء في صورتها بخراطيم الفيلة.

واما وصفه (ع) لهم بانه لا يندب قتيلهم ولا يفقد غائبهم، قال بعض الشارحين: ذلك وصف لهم بشدة البأس والحرص على الحرب والقتال وانهم لا يبالون بالموت ولا يأسفون على من فقد منهم، واقول: والاشبه ان ذلك لكونهم لا اصول لهم ولا اهل لاكثرهم من أم أو أخت أو غير ذلك ممن عادته ان ينوح ويندب قتيله ويفتقد غائبه لكون اكثرهم غرباء في البصرة ممن قتل منهم لا يكون له منهم من يندبه، ومن غاب لا يكون له من يفقده ".

اقول: لهذا الكلام الشريف ذيل قد نقله السيد (ره) في نهج البلاغة وهو: " انا كاب الدنيا لوجهها، وقادرها بقدرها، وناظرها بعينها ".

 

[ 245 ]

لانه كان يمشى متبرقعا وكان مولده بالرى من قرية يقال هلا ورزنين (1) وكان قد خرج فاضلا بارعا، ذهب الى البصرة ودعا الزنج الى نفسه وقرر مع كل واحد منهم ان يقتل سيده ويزوجه بمولاته، فاطاعوه بأجمعهم على ذلك وفعلوا ماففعلوا، وقصتهم مشهورة، وذلك مستلزم لاطلاعه على ما لم يكن.

الحكم السادس - قوله عليه السلام (2): كأنى به وقد نعق بالشام وفحص براياته في ضواحي كوفان فعطف إليها عطف

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن اراد شرحه فليطلبه من الشروح.

ثم اعلم ان ابن ابى الحديد شرح الكلام بما لا مزيد عليه واظن ان ابن ميثم (ره) اشار بكلامه " وبيان اخبارهم يشتمل عليها كتاب منفرد في نحو من عشرين كراسة " الى ما ذكر ابن ابى الحديد في شرحه فمن اراد التفصيل فليراجع ذلك الشرح (ج 2 ص 310 - 361 من طبعة مصر).

(1) - قال ياقوت في معجمم البلدان: " وزرنين من أعيان قرى الرى كالمدينة ".

(2) - لهذا الكلام ذيل نقله السيد (ره) بهذه العبارة (انظر شرح ابن ميثم (ره) ص 299 من الطبعة الاول): " واعلموا ان الشيطان انما يسنى لكم طرقه لتنبعوا عقبه " وقال ابن ميثم (ره) في شرح الكلام هناك: " وقد اخبر في هذا الفصل انه سيظهر رجل بهذه الصفات قال بعض الشارحين: هو عبد الملك بن مروان وذلك لانه ظهر بالشام حين جعله ابوه الخليفة من بعده وسار لقتال مصعب بن الزبير الى الكوفة بعد ان قتل مصعب المختار بن ابى عبيدة الثقفى فالتقوا بارض مسكن بكسر الكاف من نواحى الكوفة ثم قتل مصعبا ودخل الكوفة فبايعه أهلها، وبعث الحجاج بن يوسف الى عبد الله بن الزبير بمكة فقتله وهدم الكعبة وذلك سنه ثلاث وسبعين من الهجرة وقتل خلقا عظيما من العرب في وقائع عبد الرحمن بن الاشعث ورمى الناس بالحجاج بن يوسف.

" أقول: يريد بذلك ابن ابى الحديد فراجع شرحه لنهج البلاغة ان شئت (ج 2، ص 408 من طبعة مصر) وفى شرح ابن ميثم ايضا لطائف في شرح الكلام فان اردتها فراجع هنا.

 

[ 246 ]

الضروس وفرش الارض بالرؤوس، قد فغرت فاغرته وثقلت في الارض وطأته، بعيد الجولة عظيم الصولة، والله ليشردنكم في اطراف الارض حتى لا يبقى منكم الاقليل كالكحل في العين، فلا تزالون كذلك حتى توؤب الى العرب عوازب أحلامها فالزموا السنن القائمة والاثار البينة والعهد القريب الذى عليه باقى النبوة.

وهذا الحكم اشارة الى بعض من يخرج في آخر الزمان كالسفياني وغيره الحكم السابع - من خطبة له عليه السلام (1): فعند ذلك الا يبقى بيت مدر ولا وبر الا وأدخله الظلمة ترحة، وأولجوا فيه نقمة، فيومئذ لا يبقى لهم في السماء عاذر، ولا في الارض ناصر، أصفيتم بالامر غير أهله، وأوردتموه غير مورده، وسينتقم الله ممن ظلم مأكلا بمأكل ومشربا بمشرب من مطاعم العلقم، ومشارب الصبر والمقر، ولباس شعار الخوف، ودثار السيف، وانما مطايا الخطيئات وزوامل الاثام، فأقسم ثم اقسم لتنخمنها امية من بعدى كما تلفظ النخامة، ثم لا تذوقها ولا تطعم بطعمها أبدا ماكر الجديدان.

وهذا الحكم اشارة الى ماكان من بنى أمية بعده.

الحكم الثامن - واشار فيه الى وصف الاتراك وما يكون في دولتهم (2): كأنى أراهم قوما كأن وجوههم المجان المطرقة، يلبسون السرق والديباج، ويعتقبون الخيل العتاق، ويكون هناك استحرار قتل حتى يمشى المجروح على المقتول، ويكون المفلت اقل من المأسور، فقال له بعض أصحابه: لقد أعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب، فضحك عليه السلام وقال للرجل وكان كلبيا: يا أخا كلب ليس هو بعلم غيب وانما هو تعلم من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) - ان شئت شرحه فانظر ص 328 من الطبعة الاولى من شرح نهج البلاغة لابن ميثم، او شرح ابن ابى الحديد، ج 2 ص 466 من طبعة مصر.

(2) - انظر ص 291 من الطبعة الاولى من شرح نهج البلاغة لابن ميثم، ص 361 من ج 2 من شرح ابن ابى الحديد من طبعة مصر.

 

[ 247 ]

ذى علم، وأنما علم الغيب علم الساعة، وما عدده الله سبحانه بقوله: ان الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم مافى الارحام (الاية) فيعلم مافى الارحام من ذكر أو انثى، وقبيح أو جميل، وسخى أو بخيل، وشقي أو سعيد، ومن يكون للنار حطبا اوفى الجنان للنبيين مرافقا، فهذا علم الغيب الذى لا يعلمه أحد الا الله، وما سوى ذلك فعلم علمه الله نبيه - صلى الله عليه وآله - فعلمنيه ودعا لي بان يعيه صدري وتضطم عليه جوانحي.

واعلم انه عليه السلام قصد بذلك اقناع المتكلم بهذا الكلام مع صدقه ومطابقته لما أردناه، فان معنى تعليم النبي (ص) له عليه السلام لهذه العلوم هو اعداده لنفسه على طول الصحبة وتعليمه له كيفية السلوك وأسباب تطويع النفس الامارة للنفس المطمئنة من انواع الرياضات حتى استعدت نفسه للانتقاش بالامور الغيبية والاخبار بها، وأكد ذلك الاعداد بدعائه عليه السلام الصادر عن نفسه القدسية المتصرفة في عالم الكون والفساد وذلك مقرر لما أردناه.

الحكم التاسع - ماروى عنه عليه السلام (1): من انه لما قاتل أبو بكر مسيلمة واسرت

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) - قال المجلسي (ره) في المجلد التاسع من البحار في باب احوال اولاد امير المؤمنين على (ع) وازواجه (ص 618 - 619 من طبعة امين الضرب مانصه): " يج (اي الخرائج والجرائح للقطب الراوندي) عن دعبل الخزاعى قال: حدثنى الرضا عن أبيه عن جده عليهم السلام قال: كنت عند أبي الباقر إذ دخل عليه جماعة من الشيعة وفيهم جابر بن يزيد فقالوا: هل رضى ابوك على بامامة الاول والثانى ؟ - قال: اللهم، لا قالوا: فلم نكح من سبيهم خولة الحنفية إذا لم يرض بامامتهم ؟ - فقال الباقر: امض يا جابر بن يزيد الى منزل - جابر بن عبد الله الانصاري فقل له: ان محمد بن على يدعوك، قال جابر بن زيد فأتيت منزله وطرقت عليه الباب فناداني جابر بن عبد الله الانصاري من داخل الدار: اصبر يا جابر بن يزيد، قلت في نفسي من اين علم جابر الانصاري انى جابر بن يزيد ولا يعرف الدلائل الا الائمة من آل - محمد عليهم السلام والله لاسألنه إذا خرج الى، فلما خرج قلت له: من اين علمت انى جابر

 

[ 248 ]

الحنفية وجيئ بها الى المدينة فلما وقفت بين يدى أبى بكر دنا إليها طلحة والزبير فوضعا عليها ثوبين، فنفرت من ذلك وقالت: ولست بعريانة فقيل لها: انهما يتزايدان فيك ويأخذك أحدهما من حقه، فقالت: لا يكون ذلك ولن يملكني الا من يخبرني بما قلته حين ولادتي، فنظر بعض القوم الى بعض متعجبين من قولها، فقال بعضهم: انما ذلك من دهشها وفزعها، فقالت: والله ما داخلني فزع ولا جزع وما قلت الا حقا ثم جلست ناحية، فلما حضر أمير المؤمنين على عليه السلام وقف ثم ناداها: يا خولة، فقالت، لبيك ووثبت فقال:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وانا على الباب وانت داخل الدار ؟ - قال: خبرني مولاى الباقر (ع) البارحة انك تسأله عن الحنفية في هذا اليوم وانا ابعثه اليك يا جابر بكرة غد وادعوك فقلت: صدقت، قال: سربنا فسرنا جميعا حتى اتينا المسجد فلما بصر مولاى الباقر (ع) بنا ونظر الينا قال للجماعة: قوموا الى الشيخ فاسألوه حتى ينبئكم بما سمع ورأى: فقالوا يا جابر هل راض امامك على بن ابى - طالب (ع) بامامة من تقدم ؟ - قال: اللهم، لا قالوا: فلم نكح من سبيهم إذا لم يرض بامامتهم ؟ - قال جابر: آه آه لقد ظننت أنى أموت ولا اسأل عن هذا إذ سألتموني فاسمعوا وعوا.

حضرت السبى وقد ادخلت الحنفية فيمن ادخل فلما نظرت الى جمع الناس عدلت الى تربة رسول الله (ص) فرنت رنة وزفرت زفرة وأعلنت بالبكاء والنحيب ثم نادت: السلام عليك يارسول الله وعلى اهل بيتك من بعدك، هؤلاء امتك سبتنا سبى النوب والديلم، والله ما كان لنا إليهم من ذنب الا الميل الى اهل بيتك فجعلت الحسنة سيئة والسيئة حسنة فسبينا، ثم انعطفت الى الناس وقالت: لم سبيتمونا وقد أقررنا بشهادة ان لا اله الا الله وان محمدا (ص) رسول الله ؟ - قالوا: منعتمونا الزكوة، قال: هب ان الرجال منعوكم فما بال - النسوان ؟ - فسكت المتكلم كأنما القم حجرا.

ثم ذهب إليها طلحة وخالد يرميان في التزويج إليها ثوبين فقالت: لست بعريانة فتكسواني، قيل انهما يريدان ان يتزايدا عليك فايهما زاد على صاحبه اخذك من السبى، قالت: هيهات والله لا يكون ذلك ابدا ولا يملكني ولا يكون لى ببعل الامن يخبرني بالكلام الذى قلته ساعة خرجت من بطن امى، فسكت الناس ينظر بعضهم الى بعض وورد عليهم من

 

[ 249 ]

لما كانت أمك حاملا بك وضربها الطلق واشتد عليها الامر دعت الله وقالت: اللهم سلمني من هذا المولود سالما كان اوهالكا فسبقت الدعوة بالنجاة فناديت من تحتها: لا اله الا الله يا اماه لم تدعين على ؟ - وعما قليل سيملكنى سيد يكون لى منه ولد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ذلك الكلام ما أبهر عقولهم وأخرس ألسنتهم وبقى القوم في دهشة من امرها، فقال أبو بكر: مالكم ينظر بعضكم الى بعض ؟ - قال الزبير: لقولها الذى سمعت، قال أبو بكر: ما هذا الامر الذى أحصر أفهامكم، انها جارية من سادات قومها ولم يكن لها عادة بما لقيت ورأت، فلاشك انها داخلها الفزع وتقول مالا تحصيل له، فقالت رميت بكلامك غير مرمى، والله ما داخلني فزع ولاجزع ووالله ما قلت، الا حقا ولا نطقت الا فصلا ولابد ان يكون كذلك، وحق صاحب هذه البينة ما كذبت، ثم سكتت وأخذ طلحة وخالد ثوبيهما وهى قد جلست ناحية من القوم.

فدخل على ابن ابى طالب عليه السلام فذكروا له حالها فقال: هي صادقة فيما قالت وكان حالتها وقصتها كيت وكيت في حال ولادتها وقال: ان كل ما تكلمت به في حال خروجها من بطن امها هو كذا وكذا ذلك مكتوب على لوح معها، فرمت باللوح إليهم لما سمعت كلامه (ع) فقرؤوها على ما حكى على ابن ابى طالب (ع) لا يزيد حرفا ولا ينقص قال: فقال أبو بكر: خذها يا ابا الحسن بارك الله لك فيها.

فوثب سلمان فقال: والله ما لاحد ههنا منة على امير المؤمنين بل لله المنة ولرسوله ولامير المؤمنين، والله ما اخذها الا بمعجزه الباهر وعلمه القاهر وفضله الذى يعجز عنه كل ذى فضل ثم قال المقداد: ما بال أقوام قد أوضح الله لهم الطريق للهداية فتركوه واخذوا طريق - العمى وما من قوم الا وتبين لهم فيه دلائل امير المؤمنين، وقال أبو ذر: واعجبا لمن يعاند الحق وما من وقت الا وينظر الى بيانه ايها الناس قد تبين لكم فضل أهل الفضل ثم قال: يا فلان اتمن على أهل الحق بحقهم وهم بما في يديك أحق وأولى.. ؟ - وقال عمار: اناشدكم بالله اما سلمنا على امير المؤمنين على ابن ابى طالب في حياة رسول الله (ص) بامرة المؤمنين، فزجره عمر عن الكلام فقام أبو بكر فبعث على (ع) خولة الى بيت اسماء بنت - عميس وقال لها: خذى هذه المرأة وأكرمي مثواها، فلم تزل خولة عند اسماء بنت عميس الى ان قدم أخوها فتزوجها على ابن ابى طالب عليه السلام.

 

[ 250 ]

فكتبت امك ذلك في لوح نحاس فدفنته في الموضع الذى فيه سقطت، فما حضرت امك الوفاة أوصت اليك بذلك فلما كان وقت سبيك أخذت ذلك اللوح وشددته على عضدك الايمن، هاتى اللوح فأنا صاحبه وأبو ذلك الغلام الميون، واسمه محمد، فأخرجته فأخذه أبو بكر ودفعه الى عثمان، فقرأه على الناس فبكت طائفة واهتز آخرون

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فكان الدليل على علم امير المؤمنين وفساد ما يورده القوم من سبيهم وانه (ع) تزوجها نكاحا فقالت الجماعة: يا جابر أنقذك الله من حر النار كما انقدتنا من حرارة الشك ".

وقال ايضا العلامة المجلسي (ره) في تاسع البحار في باب معجزات كلامه من اخباره بالغائبات (ص 582 من طبعة امين الضرب): يج - روى انه لما قعد أبو بكر بالامر بعث خالد بن الوليد الى بنى حنيفة ليأخذ زكوات اموالهم فقالوا لخالد: ان رسول الله (ص) كان يبعث كل سنة رجلا يأخذ صدقاتنا من الاغنياء من جملتنا ويفرقها في فقرائنا فافعل انت كذلك، فانصرف خالد الى المدينة فقال لابي بكر: انهم منعونا من الزكوة فبعث معه عسكرا فرجع خالد وأتى بنى حنيفة وقتل رئيسهم وأخذ زوجته ووطئها في الحال وسبى نسوانهم ورجع بهن الى المدينة وكان ذلك الرئيس صديقا لعمر في الجاهلية فقال عمر لابي بكر: اقتل خالد به بعد ان تجلده الحد لما فعل بامرأته فقال له أبو بكر: ان خالدا ناصرنا تغافل وأدخل السبايا في المسجد وفيهن خولة فجاءت الى قبر رسول الله (ص) والتجأت به وبكت وقالت: يارسول الله (ص) اشكو اليك افعال هؤلاء القوم، سبونا من غير ذنب ونحن مسلمون ثم قالت: ايها الناس لم سببتمونا ونحن نشهد ان لا اله الا الله وان محمد (ص) رسول الله ؟ - فقال أبو بكر: منعتم الزكوة فقالت: الامر ليس على ما زعمت انما كان كذا وكذا، وهب الرجال منعوكم فما بال النسوان المسلمات يسبين.. ! ؟ واختار كل رجل منهم واحدة من السبايا وجاء طلحة وخالد بن عنان ورميا بثوبين الى خولة فأراد كل واحد منهما ان يأخذها من السبى قالت: لا يكون هذا ابدا.

 

[ 251 ]

فلم يخالف مما قال حرفا، وقالوا عن رأس: صدق رسول الله إذ قال: أنا مدينة العلم وعلى بابها، وعندها قال أبو بكر رضى الله عنه: خذها يا ابا الحسن بارك الله لك فيها.

وهذا من عجيب اطلاع نفسه القدسية على المغيبات.

الحكم العاشر - روى ان رجلا جاء إليه عليه السلام وهو على المنبر وقال: يا امير المؤمنين انى مررت بوادي القرى فرأيت خالد بن عرفطة قد مات به فاستغفر له فقال

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ولا يملكني الا من خبرني بالكلام الذى قلته ساعة ولدت، قال أبو بكر: قد فزعت من القوم وكانت لم تر مثل ذلك قبله فتكلم بما لا تحصيل له فقالت: والله انى صادقة إذ جاء على ابن ابى طالب فوقف ونظر إليهم واليها وقال (ع): اصبروا حتى أسالها عن حالها ثم ناداها يا خولة اسمعي الكلام ثم قال: لما كانت امك حاملا بك وضربها الطلق واشتد بها الامر نادت: اللهم سلمني من هذا المولود فسبقت تلك الدعوة بالنجاة فلما وضعتك ناديت من تحتها: لا اله الا الله، محمد رسول الله (ص)، عما قليل سيملكنى سيد سيكون له منى ولد، فكتبت امك ذلك الكلام في لوح نحاس فدفنتة في الموضع الذى سقطت فيه، فلما كانت الليله التى قبضت امك فيها وصت اليك بذلك فلما كان وقت سبيكم لم يكن لك همة الا أخذ اللوح فأخذتيه وشددتيه على عضدك الايمن هاتى اللوح فأنا صاحب ذلك اللوح وأنا امير المؤمنين وأنا أبو ذلك الغلام الميمون واسمة محمد، قال: فرأيناها وقد استقبلت القبلة وقالت: اللهم انت المتفضل المنان اوزعنى ان اشكر نعمتك التى انعمت على ولم تعطها لاحد الا واتممتها عليه، اللهم بصاحب هذه التربة والناطق المنبئ بما هو كائن الا اتممت فضلك على، ثم اخرجت اللوح ورمت بة إليه، وأخذه أبو بكر وقرأه عثمان فانه كان أجود القوم قراءة، وما ازداد ما في اللوح على ما قال على (ع) وما نقص، فقال أبو بكر: خذها يا أبا الحسن، فبعث بها على (ع) الى بيت اسماء بنب عميس فلما دخل أخوها تزوج بها وعلق بمحمد وولدته ".

اقول: نقل السيد هاشم البحراني - قدس سره - هذه القضية في مدينة المعاجز من كتاب سير الصحابة بطريقين آخرين واختلاف في بعض خصوصياتها مع ما نقل هنا، فمن اراد ان يلاحظها بذلكما الطريقين فليراجع كتاب مدينة المعاجز ص 129 - 128 (من النسخة المطبوعة).

 

[ 252 ]

عليه السلام له: انه لم يمت وانه لن يموت حتى يقود جيش ضلالة صاحب لوائه حبيب بن حماد (1) فقام إليه رجل من تحت المنبر وقال: يا أمير المؤمنين والله انى لك شيعه وانى محب لك، فقال له: من انت ؟ - فقال: انا حبيب بن حماد فقال: اياك ان تحملها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) - قال العلامة المجلسي (ره) في تاسع البحار في باب معجزات كلامه من اخباره بالغائبات وعمله باللغات (ص 585 من طبعة امين الضرب): " ومستفيض في اهل العلم عن الاعمش وابن محبوب عن الثمالى والسبيعى كلهم عن سويد بن غفلة وقد ذكره أبو الفرج الاصفهانى في أخبار الحسن انه قيل لامير المؤمنين (ع) ان خالد بن عرفطة قد مات فقال (ع): انه لم يمت ولا يموت حتى يقود جيش ضلالة صاحب لوائة حبيب بن جماز (الحديث كما في المتن) ".

وقال ابن أبى الحديد في شرحه على نهج البلاغة في شرح كلام لامير المؤمنين عليه السلام يجرى مجرى الخطبة (ج 1 من طبعة مصر ص 208): " هذا كلام قاله عليه السلام لما تفرس في قوم من عسكره انهم يتهمونه فيما يخبرهم به عن النبي صلى الله عليه وآله من اخبار الملاحم والغائبات وقد شك منهم جماعة في اقواله ومنهم من واجهه بالشك والتهمة وروى ابن هلال الثقفى في كتاب الغارات عن زكريا بن يحيى العطار عن فضيل عن محمد بن على قال لما قال عليه السلام: سلونى قبل ان تفقدوني فوالله لا تسألون عن فئة تضل مائه وتهدى مائه الا أنباتكم بناعقها وساعقها، قام إليه رجل فقال: أخبرني بما في راسى ولحيتي من طاقة شعر، فقال له عليه السلام: والله لقد حدثنى خليلي ان على كل طاقة شعر من رأسك ملكا يلعنك، وان على كل طاقة شعر من لحيتك شيطانا يغويك، وان في بيتك سخلا يقتل ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وكان ابنه قاتل الحسين عليه السلام يومئذ طفلا يحبو وهو سنان بن انس النخعي.

وروى الحسن بن محبوب عن ثابت الثمالى عن سويد بن غفلة ان عليا عليه السلام خطب ذات يوم فقام رجل من تحت منبره فقال: يا امير المؤمنين انى مررت بوادي القرى فوجدت خالد بن عرفطة قد مات فاستغفر له فقال عليه السلام انه لم يمت (فذكر الحديث الى آخره وذكر نظائر له فان شئت فراجع هناك) ".

 

[ 253 ]

ولتحملنها وتدخل بها من هذا الباب، وأوما بيده الى باب الفيل، فلما كان وقت ظهور الحسين بن على وبعث ابن زياد عمر بن سعد إليه جعل خالد بن عرفطة على مقدمته وحبيب بن حماد صاحب رايته فسار بها حتى دخل المسجد من باب الفيل.

والاخبار المروية في هذا الباب كثيرة (1) وفيما ذكرناه كفاية في التنبيه على المطلوب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) - قال ابن ابى الحديد في شرح نهج البلاغة في شرح خطبة من فقراتها " فاسألوني قبل ان تفقدوني فوالذي نفسي بيده الا تسألونني عن شئ فيما بينكم وبين الساعة ولا عن فئه تهدى مائة وتضل مائة الا أنبأكم بناعقها وقائدها وسائقها ومناخ ركابها ومحط رحالها ومن يقتل من اهلها قتلا ومن يموت منهم موتا " (ج 2 من طبعة مصر ص 175 - 176): " واعلم انه (ع) قد اقسم في هذا الفصل بالله الذى نفسه بيده انهم لا يسألونه عن امر يحدث بينهم وبين القيامة الا أخبرهم به وانه ماصح من طائفة من الناس يهتدى بها مائة وتضل بها مائة الا وهو مخبر لهم ان سألوه برعاتها وقائدها وسائقها ومواضع نزول ركابها وخيولها ومن يقتل منها قتلا ومن يموت منها موتا وهذه الدعوى ليست منه عليه السلام ادعاء الربوبية ولا ادعاء النبوة ولكنه كان يقول: ان رسول الله (ص) أخبره بذلك ولقد امتحنا أخباره فوجدناها موافقا فاستدللنا بذلك على صدق الدعوى المذكورة كأخباره عن الضربة التى يضرب في رأسه فتخضب لحيته، واخباره عن قتل الحسين ابنه عليهما السلام، وما قاله في كربلا حيث مربها، واخباره بملك معاوية الامر من بعده، واخباره عن الحجاج، وعن يوسف بن عمر، وما اخبر به من امر الخوارج بالنهروان وما قدمه الى اصحابه من اخباره بقتل من يقتل منهم وصلب من يصلب، وأخباره بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين واخباره بعدة الجيش الوارد إليه من الكوفة لما شخص عليه السلام الى البصرة لحرب أهلها، واخباره عن عبد الله بن الزبير وقوله فيه: خب ضب يروم امرا ولا يدركه، ينصب حبال الدين لاصطياد الدنيا وهو بعد مصلوب قريش، وكاخباره عن هلاك البصرة بالغرق وهلاكها تارة اخرى بالزنج وهو الذى صحفه قوم فقالوا: بالريح، وكاخباره عن ظهور الرايات السود من خراسان، وتنصيصه على قوم من اهلها يعرفون ببنى رزيق بتقديم المهملة وهم آل مصعب

 

[ 254 ]

 

البحث الثاني

في بيان تمكنه عليه السلام من الافعال الخارقة للعادة

ولنذكر منها عشر آيات الاية الاولى - روى عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام انه قال: خرج أمير المؤمنين عليه السلام بالناس يريد صفين وعبر الفرات وكان غربي الجبل بصفين إذ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الذين منهم طاهر بن الحسين وولده واسحق بن ابراهيم وكانوا هم وسلفهم دعاة الدولة العباسية، وكاخباره عن الائمة الذين ظهروا من ولده بطبرستان كالناصر والداعى وغيرهما في قوله عليه السلام: وان لال محمد بالطالقان لكنزا سيظهره الله إذا شاء، دعاؤه حق يقوم باذن الله فيدعو الى دين الله، وكاخباره عن مقتل النفس الزكية بالمدينة، وقوله، انه يقتل عند احجار - الزيت، وكقوله عن أخيه ابراهيم المقتول ببا خمرى يقتل بعد ان يظهر ويقهر بعد ان يقهر وقوله فيه ايضا: يأتيه سهم غرب يكون فيه منيته فيا بؤسا للرامي شلت يده ووهن عضده، وكاخباره عن قتلى وج وقوله فيهم: هم خير اهل الارض، وكاخباره عن المملكة العلوية بالغرب وتصريحه بذكر كتامة، وهم الذين نصروا أبا عبد الله الداعي المعلم، وكقوله وهو يشير الى ابى عبد الله المهدى وهو اولهم ثم يظهر صاحب القيروان الغض النض ذو النسب المحض المنتخب من سلالة ذى البداء المسجى بالرداء وكان عبيد الله المهدى ابيض مترفا مشربا بحمرة رخص البدن تار الاطراف، وذو البداء اسمعيل بن جعفر بن محمد عليهما السلام وهو المسجى بالرداء لان اباه أبا عبد الله جعفرا سجاه بردائه لما مات وأدخل إليه وجوه الشيعة يشاهدونه ليعلموا موته وتزول عنهم الشبهة في أمره، وكاخباره عن بنى بويه: وقوله فيهم: ويخرج من ديلمان بنو الصياد اشارة إليهم وكان ابوهم صياد السمك يصيد منه بيده ما يتقوت هو وعياله بثمنه فأخرج الله تعالى من ولده لصلبه ملوكا ثلاثة ونشر ذريتهم حتى ضربت الامثال بملكهم، وكقوله عليه السلام فيهم: يستشرى أمرهم حتى يملكوا الزوراء ويخلعوا الخلفاء فقال له قائل: فكم مدتهم يا امير المؤمنين ؟ - فقال: مائه أو تزيد قليلا، وكقوله فيهم:

 

[ 255 ]

حضرت صلوة المغرب فأمر فنزلوا ثم توضأ وأذن فلما فرغ من الاذان انفلق الجبل عن هامة بيضاء ووجه أبيض فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته مرحبا بوصى خاتم النبيين العالم المؤمن الفاضل الفائق ميزان الصديقين وسيد الوصيين فقال: عليك السلام يا أخي شمعون وصى روح الله، قال: فتحدثا مليا ثم ودعه شمعون والتأم الجبل، فلما خرج عليه السلام الى القتال سأله عمار وابن عباس والاشتر وهاشم بن عتبه المرقال وأبو ايوب الانصاري وقيس بن سعد وعمرو بن الحمق وعبادة بن الصامت عن الرجل فأخبرهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

والمترف بن الاجذم يقتله ابن عمه على دجلة وهو اشارة الى عز الدولة بختيار بن معز الدولة أبى الحسين وكان معز الدولة أقطع اليد قطعت يده النكوص في الحرب وكان ابنه عز الدولة بختيار مترفا صاحب لهو وطرب وقتله عضد الدولة فناخسروا ابن عمه بقصر الجص على دجلة في الحرب وسلبه ملكه، فأما خلعهم للخلفاء فان معز الدولة خلع المستكفى ورتب عوضه المطيع، وبهاء الدولة ابا نصر بن عضد الدولة خلع الطائع ورتب عوضه القادر، وكانت مدة ملكهم كما أخبر به عليه السلام، وكاخباره عليه السلام لعبد الله بن العباس رحمه الله تعالى عن انتقال الامر الى اولاده فان على بن عبد الله لما ولد اخرجه ابوه عبد الله الى على عليه السلام فأخذه وتفل في فيه وحنكه بتمرة قد لاكها ودفعه إليه وقال: خذ اليك ابا الاملاك، هكذا الرواية الصحيحة وهى التى ذكرها أبو العباس المبرد في كتابه الكامل وليست الرواية التى يذكر فيها العدد بصحيحة ولا منقولة من كتاب معتمد عليه.

وكم له من الاخبار عن الغيوب الجارية هذا المجرى مما لو أردنا استقصاء لكسرنا له كراريس كثيرة وكتب السير تشتمل عليها مشروحة.

فان قلت: لماذا غلا الناس في أمير المؤمنين عليه السلام فادعوا فيه الالهية لاخباره عن الغيوب التى شاهدوا صدقها عيانا ولم يغلوا في رسول الله صلى الله عليه وآله فيدعوا له الالهية واخباره عن الغيوب الصادقة قد سمعوها وعلموها يقينا وهو كان اولى بذلك لانه الاصل المتبوع، ومعجزاته اعظم واخباره عن العيوب اكثر ؟

 

[ 256 ]

انه شمعون وكانوا سمعوا كلامه فازدادوا متانة في الدين واستبصارا (1).

وذلك يدل على ان لنفسه القدسية ملكة التصرف في هذا العالم العنصري.

الاية الثانية - قال الحارث (2): كنا وقوفا عند أمير المؤمنين عليه السلام إذ أقبل أسد يهوى إليه فتضعضعنا من خوفه فقال على: مه، واقبل الاسد حتى قام بين يديه فوضع يده على جبهته وقال: ارجع باذن الله ولا تدخل دار الهجرة بعد اليوم، وبلغ ذلك السباع عنى، فرجع وغاب عن أعيننا.

الاية الثالثة - قال جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: ان مالك بن الحارث الاشتر - رحمه الله - قال: حدثتني نفسي انى اشد ام امير المؤمنين عليه السلام ؟ فحرك دابتة الى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قلت: ان الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وآله وشاهدوا معجزاته وسمعوا اخباره عن الغيوب الصادقة عيانا كانوا أشد آراء وأعظم أحلاما وأوفر عقولا من تلك الطائفة الضعيفة العقول السخيفة الاحلام الذين رأوا امير المؤمنين عليه السلام في آخر ايامه كعبد الله بن سبأ واصحابه فانهم كانوا من ركاكة البصائر وضعفها على حال مشهورة فلا عجب عن مثلهم ان تستخفهم المعجزات فيعتقدوا في صاحبها ان الجوهر الالهى قد حله لاعتقادهم انه لا يصح من البشر هذا الا بالحلول ".

اقول: لكلامه ذيل فمن اراده فليطلبه من هناك، ونقله العلامة المجلسي (ره) مع زيادة على ما نقلناه في تاسع البحار في باب معجزات كلامه من اخباره بالغائبات (ص 593 - 594 من طبعة امين الضرب) فإذا كان الامر كذلك فالخوض في نقل هذه المعجزات من قبيل تحصيل الحاصل وتوضيح الواضح فالاولى الاكتفاء بالاشارة ولا سيما في امثال هذه الكتب المختصرة كما اكتفى بها الشارح قدس الله سره.

(1) - هو مذكور في كتب كثيرة منها كتاب مدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني - قدس سره - (انظر المعجز السادس والخمسين من معاجز امير المؤمنين ص 37 - 36).

(2) - هذه المعجزة ايضا مذكورة بطرق كثيرة في كتب عديدة منها ما في مدينة المعاجز (انظر المعجز ايضا مذكورة السابع والسبعين الذى في تسليم الاسد عليه ص 44).

 

[ 257 ]

ذي الكلاع الحميرى واستلبه ورمى به الى فوق وتلقاه بسيفه فقده بنصفين ثم قال لى: يا اشتر انا ام انت ؟ - فقلت: بل انت يا امير المؤمنين.

وهذا الخبر كما يدل على هذا المطلوب باستلاب الحميرى وما فعل به كذلك يدل على المطلوب الذى قبله من جهة انه بكت مالكا بما تصوره دون ان ينطق به.

الاية الرابعة - روى عبد الله بن أحمد بن حنبل عن مشايخه عن جابر ان النبي صلى الله عليه وآله دفع الراية الى على بن ابى طالب في يوم خيبر بعد ان دعا له ببرء عينيه من الرمد فبرئ لوقته ثم سار وجعل يسرع السير واصحابه يقولون له: يا امير المؤمنين الرفق الرفق، حتى انتهى الى باب الحصن وكان من صخرة واحدة فاقتلعه وألقاه على الارض.

وفى خبر: انه دحا به أذرعا ثم اجتمع عليه سبعون رجلا وكان جهدهم ان اعادوه الى مكانه وروى عنه انه قال: عالجت باب خيبر (1) وجعلته مجنا لى وقاتلت القوم فلما اخزاهم الله وضعت الباب على حصنهم طريقا ثم رميت به في خندقهم فقال له رجل: لقد حملت منه ثقلا فقال: ما كان الا مثل جنتي التى في يدى في غير ذلك المقام.

فانظر ايها المعتبر هل تجد ذلك الفعل صادرا عن قوة بدنية ؟ ! فانه لو كان كذلك لقدر عليه من هو أقوى صورة منه ولذلك قال عليه السلام: والله ما قلعت باب خيبر بقوة جسمانية ولكن قلعته بقوة ربانية، وللشعراء في هذه الاية أشعار كثيرة (2) لم نذكرها كراهة التطويل.

الاية الخامسة - نقل عمار الحضرمي (3) عن زادان بن ابى عمر ان رجلا حدث

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) - راجع لملاحظة هذه المعجزة وقائع غزوة خيبر في البحار أو مناقب ابن شهر آشوب اوما يضاهيهما.

(2) - منها قول ابن ابى الحديد في عينيته المعروفة: "

يا قالع الباب الذى عن هزه * عجزت اكف اربعون واربع "

(3) - قال السيد هاشم (ره) في مدينة المعاجز في الباب الاول عند تعداد معاجز امير المؤمنين

 

[ 258 ]

عليا بحديث فقال له: ما أراك الا كذبتني فقال: لم افعل، فقال: ادعو الله عليك ان كنت كذبتني ؟ - فقال: ادع، فدعا، فما برح مكانه حتى عمى.

وذلك يدل على ان نفسه متمكنة من استنزال العقوبات العاجلة.

الاية السادسة - قال عباد بن عبد الله الاسدي: سمعت عليا عليه السلام يقول وهو في الرحبة.

انا عبد الله واخو رسول الله ولا يقولها بعد الا كاذب قال: فقام رجل من غطفان فقال: انا اقول كما قال هذا الكاذب: انا عبد الله واخو رسول الله، فإذا هو في صورة كلب (1).

وهذا يدل على تصرف نفسه في هيولى العناصر بالاعداد لخلع صورة ولبس اخرى.

الاية السابعة - قال الحسين بن عبد الرحمن التمار (2): انصرفت عن مجلس بعض

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

على (ع) مانصه - ص 139): " الثاني والتسعون وثلاثمائة الذى اعمى بدعائة لما اكذبه، ثاقب المناقب عن عمار الحضرمي عن زادان ابى عمير ان رجلا حدث عليا صلوات الله عليه فقال: ما أراك الا كذبتني فقال: لم افعل فقال: ادعو الله عليك ان كنت كذبتني قال: ادع، فدعا عليه فما برح حتى أعمى الله عينيه ".

(1) - انظر لملاحظة نظائره مدينة المعاجز، ص 50 و 141 - 139.

(2) - قال السيد هاشم البحراني - رحمه الله - في مدينة المعاجز في الباب الاول الذى في ذكر معاجز امير المؤمنين (ع) مانصه (ص 110): " الثالث والتسعون ومائتان تسكين الزلزلة على عهد عمر بن الخطاب - شرف الدين النجفي في تأويل الايات الباهرة عن ابى الحسن محمد بن جمهور العمى قال: حدثنى الحسن بن عبد الرحيم التمار قال: انصرفت من مجلس بعض الفقهاء فمررت على سليمان الشاذكونى (فذكر الحديث باختلاف يسير لا يضر اصل الواقعة ثم قال) وروى هذا الحديث صاحب ثاقب المناقب ".

اقول: وذكر في مدينة المعاجز نظائر لها فمن ارادها فليراجع ص 110 و 111 وص 134.

ونقل المجلسي (ره) في تاسع البحار في اواخر باب ما ظهر من معجزاته هذه المعجزة عن كنز الفوائد للكراجى (ره) فان شئت فراجع.

 

[ 259 ]

الفقهاء فمررت بسليم الشاذكونى فقال لى: من اين اقبلت ؟ - فقلت: من مجلس فلان العالم قال: فما قوله ؟ - قلت: شئ من كرامات على، قال: والله لا حدثنك بعظيمة سمعتها من قرشي عن قرشي عن قرشي قال: رجفت قبور البقيع على عهد عمر بن الخطاب فضج اهل المدينة من ذلك فخرج عمر ومعه اهل المدينة الى المصلى يدعون الله تعالى لتسكن تلك الرجفة فما زالت تزيد في كل يوم الى ان تعدى ذلك الى حيطان المدينة فقال عمر: انطلقوا بنا الى ابى الحسن على ابن ابى طالب، فمضوا إليه ودخلوا عليه فأخبروه الخبر، فقال على بمائة من اصحاب رسول الله فاختار عليه السلام من المائة عشرة فجعلهم خلفه وجعل التسعين خلفهم ودعا سلمان وابا ذر والمقداد وعمارا فجعلهم امامه وخرج بهم ولم يبق بالمدينة بنت عاتق الا خرجت الى البقيع حتى إذا توسطه ضرب الارض برجله وقال: مالك ؟ ! مالك ؟ ! مالك ؟ ! ثلاثا، فسكنت الرجفة فقال عليه السلام: صدق حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله ولقد أنبأني بهذا الخبر وبهذا اليوم وباجتماع الناس له.

الاية الثامنه - على التمار (1) قال: كان على عليه السلام يوما في مسجد الكوفة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) - قال السيد هاشم البحراني - رضى الله عنه - في باب معجزات امير المؤمنين (ع) من كتاب مدينة المعاجز مانصه (ص 71): " الثامن والسبعون ومائة تحويل حصى المسجد جواهر واعادتها حصى - الراوندي في الخرائج قال روى عن عمر بن يزيد عن الثمالى ان عليا (ع) كان قاعدا في مسجد الكوفة وحوله اصحابه فقال له احد اصحابه: انى لا عجب من هذه الدنيا التى في أيدى هؤلاء القوم وليست عندكم ؟ ! فقال: اترى انا نريد الدنيا فلا نعطاها ثم قبض قبضة من حصى المسجد وفتح كفه علينا فإذا هي الجواهر تلمع وتزهر فقال: ما هذه ؟ - فنظرنا فقلنا: اجود الجواهر فقال: لو اردنا الدنيا لكانت لنا ولكن لا نريدها ثم رمى بالجواهر من كفه فعادت كما كانت حصى: ورواه الصفار في بصائر الدرجات عن عمر بن على بن عمر بن يزيد عن على بن النعمان عن بعض من حدثه عن امير المؤمنين صلوات الله عليه انه كان مع اصحابه في مسجد الكوفة وذكر الحديث بعينه.

ورواه المفيد في الاختصاص عن

 

[ 260 ]

فقال له رجل: بابى انت وامى يا امير المؤمنين انى لا تعجب من هذه الدنيا التى في ايدى من يبغضه الله وليست عندكم ؟ ! فقال له: اترى انا نريد الدنيا ولا نعطاها ؟ ! ثم قبض قبضة من الحصى فإذا هي جوهر، فقال ما هذا ؟ - فقال الرجل: انه من اثمن الجواهر وانفسها، فقال: لو اردنا لكان ثم رمى بالحصى فعاد كما كان.

الاية التاسعة - الحسن العلوى قال (1): اتانا امير المؤمنين عليه السلام وكنت يومئذ غلاما يافعا فدخل منزله (في حدث طويل) ثم خرج وتبعه الناس فلما صارالى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عمر بن على بن عمر بن يزيد عن على بن التمار عمن حدثة عن امير المؤمنين صلوات الله عليه انه كان مع بعض اصحابه في مسجد الكوفة فقال له رجل، وذكر الحديث بعينه ".

اقول: قد ذكر حديث البصائر بعد ذلك وجعله المعجز الرابع عشر ومائتين وقال بعده: قلت قد مر هذا الحديث وما شاكله فيما تقدم ".

(1) - نقله السيد هاشم البحراني (ره) في مدينة المعاجز هكذا (ص 85): " الثالث عشر ومائتان اخراجه الدنانير من الارض - محمد بن الحسن الصفار قال: حدثنى على بن ابراهيم الجعفري قال: حدثنى أبو على العباسي عن محمد بن سليمان الحذاء البصري قال: لما افتتح امير المؤمنين (ع) البصرة فقال: من يدلنا على دار ربيع بن حكيم قال له الحسن البصري: انا يا امير المؤمنين قال: وكنت يومئذ غلاما قد ايفعت ثم خرج واتبعه الناس فلما ان صار الجبانة نزل واكتنفه الناس فخط بسوطه خطة فأخرج دينارا حتى اخرج ثلاثة دنانير فقلبها في يده حتى أبصرها الناس ثم ردها وغرسها بابهامه فقال ليليك بعدى امسئ أو محسن ثم ركب بغلة رسول الله صلى الله على وآله وانصرف الى منزله.

واخذنا الغلام واردنا الموضع فحفرنا حتى بلغنا الرسخ فلم نصب شيئا فقيل للحسن: يا با سعيد ما نرى ذلك من امير المؤمنين ؟ - فقال: اما انا فلا ارى ان كنوز الارض تسير الا لمثله.

ورواه المفيد في الاختصاص عن محمد بن سليمان الحذاء البصري عن رجل عن الحسن بن ابى الحسن البصري وذكر الحديث بتغيير في بعض الالفاظ الا انه لا يغير المعنى المذكور هنا ".

 

[ 261 ]

الجبانة نزل واكتنفة الناس فخط بسوطه خطا فأخرج منه دينارا ثم خط خطا آخر فأخرج منه دينارا ثم فعل ذلك ثالثة حتى اخرج ثلاثة دنانير فأخذها وقلبها في يده حتى ابصرها الناس ثم ردها وغرزها بابهامه ثم قال: ليليك بعدى محسن أو مسئ ثم ركب بغلة رسول الله صلى الله عليه واله وانصرف الى منزله.

فأخذنا الفلاح وصرنا الى الموضع فاحتفر حتى بلغ الرسغ (1) فلم يصب شيئا فقيل للحسن: ما ترى ؟ - فقال: اما انا فلا ارى ان كنوز الارض تظهر الا لمثله.

الاية العاشرة - أبو مهاجر زيد بن رواحة العبدى قال: دخلت مسجد الكوفة فإذا رجل قد أكب عليه الناس وهو يحدثهم وهم يسمعون ويكتبون عنه، فسألت عنه فقيل: هو رجل شهد مع أمير المؤمنين البصرة وصفين والنهروان وهو ذو شرف وعقل فدنوت منه فإذا هو يحدث عن على ويقول: سمعت ورايت فصبرت حتى انفض عنه أكثر الناس وقلت له: أنا رجل من اهل البصرة خرجت لطلب العلم وأحببت ان اسمع منك شيئا احدث به عنك فأخذ ذم اهل (البصرة) وتوبيخهم على ما كان منهم فقلت: أيها الشيخ لقد عممت أهل البصرة وقد كان فيهم البر والفاجر والسعيد والشقى، قال: صدقت فمن انت ؟ - فقلت: أنا رجل من عبد القيس فقال: مرحبا بك ثم نهض بى الى منزله فأحسن ضيافتي وقال: سمعت امير المؤمنين عليه السلام يقول: قيدوا العلم بالكتابة وقام فأخرج صحيفة ففتحها وقرأ على:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) - اب: " الوسع " د: " الرسع ".

(2) - اعلم يا اخي انى راجعت بعض مظان نقل الحديث ولم اجده وليس لى الان وقت وحال للمراجعة لرمد قد عرض لبصري ووجع حدث في عينى وقد آلمنى فعليهذا لم اتمكن من استقصاء جميع مظان ذكر الحديث حتى اظفر به واشير الى موضعه هناك فمن اراد موضعه فليخض مظانه وهى جميع كتب المناقب والسير والمعجزات واظن انه مأخوذ من شرح ابن ابى الحديد فعليك بالفحص والبحث عنه حتى تظفر به ان شاء الله تعالى.

 

[ 262 ]

حدثنى ربيعة بن سالم الهمذانى قال: لما كان اليوم الذى قتل فيه عمار بن ياسر رحمه الله وكان ابتداؤنا من صفين حربا وطعنا فوقفت وأشرفت على الناس وقد تزحزحوا عن مقاماتهم يتكفؤن تكفؤ السفينة بأهلها فمن بين متقدم لقتال ومتأخر عن (1) كلال، والامر في غاية العسر والناس في نهاية الحال من العطش وقد أخذ العدو الماء ووطئ (2) الموارد وقد مدت الخيل أعناقها ولجمها وعضت (3) على الشكائم وقهقرت (4) على اكفالها وتداعى الناس بآبائهم، واعتزوا الى انسابهم، والنساء على المطايا خلال الصفوف يحرضن (5) الرجال على القتال والناس قد عاينوا الثواب واستيقنوا المآب فعند ذلك اتكأت على رمحي وقلبت وجهى وأرجعت (6) طرفي الى السماء وقلت في نفسي: يا رب هذا أخو نبيك ووصيه، وأحب الخلق إليه وأنصرهم له، واعلمهم بالدين وأهداهم للحق المبين، وقد ترى ما ترى: ولك (7) الخلق والامر تصيب برحمتك من تشاء (8) وقد ضعفت عن حمل ذلك فأبح (9) اللهم لى ما تثبت به قلبى وتذهب به نزع الشيطان (10) الرجيم قال ربيعة: فلم أستتم الدعاء وإذا انا بمقرعة بين كتفي، فالتفت فإذا أنا با امير المؤمنين عليه السلام وهو

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) - ب د: " من ".

(2) - ا ج د: " حط " فكأن كلمة المتن من " وطئ كعلم) ارض العدو اي دخلها ".

(3) - ج: " غطت " (بالغين المعجة وتشديد الطاء المهملة) د: " عطت " (بالعين المهملة وتشديد الطاء المهملة).

(4) - اب: " قهقر " ج د: " تقهقرت " وقهقر وتقهقهر بمعنى، يقال: " قهقر الرجل وتقهقر = رجع الى خلف، الرجل يقهقر في مشيته وذلك إذا تراجع على قفاه ".

(5) - ا: " عرض " ب: " يحرض " ج د: " يخوض ".

(6) - ج د: رجعت " وهما بمعنى، من قولهم: " رجع (كضرب) إليه رجعا ومرجعا (بفتح الجيم وكسرها) صرفه ورده، لازم متعد) ومن معاني أرجعه ايضا رده وصرفه.

(7) - ا: " فلله " ب: " ولله ".

(8) - اب: يصيب برحمته من يشاء ".

(9) - كأنه من قولهم: " أباحه سرا فباح به بوحا أي ابثه اياه فلم يكتمه ".

(10) - نزغ الشيطان وساوسه ونخسه في القلب بما يسول للانسان من المعاصي من قولهم: " نزغه الشيطان الى المعاصي اي حثه وأغراه ".

 

[ 263 ]

على بغله رسول الله وبيده عنزة رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لى: يا ربيعة لشد (1) ما جزعت، انما الناس رائح ومقيم، فالرائح من تحت هذا اللواء الى جنة المأوى والى سدرة المنتهى عرضها كعرض السماء والارض اعدت للمتقين، والمقيم (2) بين اثنتين، اما نعمة مقبلة أو فتنة مضلة، يا ربيعة حى على معرفة ما سألت ربك ومن يفرى الارض فريا، فاتبعته حتى خرج عن المعسكر وجازه (3) بمقدار ميل أو نحوه وثنى برجله عن البغلة فنزل وخر على الارض في الدعاء يقلب (4) كفيه ظهرا وبطنا، فما رد يده حتى نشأت سحابة كأنها هقل (5) نعام حتى أظلتنا، فما عدا ظلها (6) مر كبينا (7) ثم هطلت بشئ كأفواه القرب حتى شرب فرسى من تحت حافره وملات مزادتى فارتويت وروى فرسى، ثم عاد فركب بغلته وأدنى أي العسكر فتركني وانغمس في الناس.

وهذه الاية ايضا كما تدل على قدرته على استنزال البركات بدعائه الذى لاحجاب دونه كذلك تدل على اطلاعه على المغيبات إذ أخبر ربيعة بما في نفسه ووبخه عليه.

واعلم ان ما ذكرناه من هذه الاثار قطرة من بحار ما يورد في هذا الباب، وفيه كفاية للناظرين بعين الانصاف.

ولنا في اثبات هذا المطلوب بهذه الاخبار طريقان: احدهما (8) - ان جماعة ادعوا ان هذه الاخبار كل واحد واحد منها معلوم بالتواتر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) - ا: " اشد ".

(2) - اخذ واقتباس من آيتين، احدها آية 21 سورة الحديد وثانيتهما آية 133 سورة آل عمران.

(3) - ا: " حازه " وكلمة المتن من قولهم: " جاز الموضع يجوزه اي خلفه (بتشديد اللام) وتركه خلفه وقطعه ".

(4) - ا: " فقلب ".

(5) - ا: " مقل " (بالميم بدل الهاء اول الكلمة) والهقل بالكسر الفتى من النعام وقيل: الهقل الظليم مطلقا ولا اختصاص له بالفتى.

(6) - ا: " فما عدا ظلنا ".

(7) - ب: " مركبتنا " د: مركبنا ".

(8) - ا: " احداهما ".

 

[ 264 ]

ثم قالوا: ليس للخصم ان يقول: لو كان ذلك متواترا لوجب ان يكون ضروريا عند كافة الخلق لما ان هذه الوقائع من الوقائع الكبار التى تتوفر الدواعى على نقالها ولما اختصصتم بالعلم به دون غيركم لان لنا ان نجيب عن ذلك بان شرط التواتر ان لا يكون قد سبق الى اعتقاد السامع له شبهة تقليد نفى موجب الخبر المنقول فانه لو سبق الى اعتقاده ذلك لم يعتقد صحته لعدم امكان اعتقاد صحة الخبر مع اعتقاد صحة ما ينافيه فلعل الخصم لرسوخ نقائض هذه الاخبار في ذهنه لا يعتقد صحتها.

الطريق الثاني وهو (1) الاقرب الى الانصاف ان هذه الاخبار غير متواترة لفظا لكنا نقول: انها متواترة تواترا معنويا بمعنى انا نعلم بالضرورة عند سماع هذه الاخبار الكثيرة المختلفة الطرق مع اتفاقها على اثبات هذين النوعين من الكرامات له علما جمليا انها بأجمعها لا تكون كاذبة بل لابد من صدق شئ منها وايها صدق ففيه تمام الغرض من اثبات هذه المطالب.

ثم اعلم انه لا يمكنك ايها الملاحظ لجلال الله المتحرى سلوك الصراط المستقيم ان تستنكر بصريح عقلك شيئا من ذلك بعد ان أعلمناك امكانه من مذاهب الطبيعة وأشرنا لك الى (2) اسبابه الكلية في القسم الاول ولعل في قوتك امكان هذه الامور أو شئ منها لوقد اخذ التوفيق بزمام عقلك فأيقظك من رقدة (3) الطبيعة فاطلعت على خيانة اعدائك الذين هم في صورة اصدقائك وغاشيك الذين هم في زي نصحائك فقهرتهم (4) حتى انقادوا خلفك الى بساط الكرامة وحلول (5) دار المقامة فانى احسبك حينئذ تعلم جلية ما اشتبه الان (6) خبره وحقيقة ما انطمس عن عينبك اثره.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) - اب: " وهى ".

(2) - ا: " ان ".

(3) - ب ج: " مرقد ".

(4) - ا: " فنهرتهم ".

(5) - ا: " حلوا ".

(6) - د: " الال ".

 

[ 265 ]

والله تعالى يوفقنا واياك لما يحبه ويرضاه بمنة وجوده وما توفيقي الا بالله عليه وأشرنا لك الى (2) اسبابه الكلية في القسم الاول ولعل في قوتك امكان هذه الامور أو شئ منها لوقد اخذ التوفيق بزمام عقلك فأيقظك من رقدة (3) الطبيعة فاطلعت على خيانة اعدائك الذين هم في صورة اصدقائك وغاشيك الذين هم في زي نصحائك فقهرتهم (4) حتى انقادوا خلفك الى بساط الكرامة وحلول (5) دار المقامة فانى احسبك حينئذ تعلم جلية ما اشتبه الان (6) خبره وحقيقة ما انطمس عن عينبك اثره.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) - اب: " وهى ".

(2) - ا: " ان ".

(3) - ب ج: " مرقد ".

(4) - ا: " فنهرتهم ".

(5) - ا: " حلوا ".

(6) - د: " الال ".

 

[ 265 ]

والله تعالى يوفقنا واياك لما يحبه ويرضاه بمنة وجوده وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه انيب وهو حسبى ونعم الوكيل، والحمد لله حق حمده وصلى الله على اشرف - خلقه وآله وجنده واصحابه اجمعين.

(صورة مافى آخر النسخة التى أسس عليها أساس الطبع) وتم الكتاب بعوم الملك الوهاب القوى الغلاب ليلة السبت عشية الخامسة من شهر ربيع ا (لا) ول سنة سبعين وثمانمئين من هجرة سيد المرسلين على يد العبد الفقير المحتاج الى ربه القدير في التجاوز عن سيئاته وغفران هفواته والعون على قضاء حاجاته حسن بن محمد بن على بن مشرف العيناثى - أصلح الله داريه ووفقه للخير وأعانه عليه - انه جواد كريم، خدمة للشيخ التقى والشهاب المضي الذى تسنم من الفضائل أعلى باب وتلبس من التقى والعفة أحسن جلباب الشيخ شمس الملة والدين محمد بن... لا زالت ايامه لامعه بالاقبال ولياليه مقمرة لا يغادرها....

بمحمد وآله خير آل.

نجز طبع الكتاب بعون الله الملك الوهاب

لثلاث ليال بقين من المحرم الحرام من سنة 1390 الهجرة النبوية

موافقا لتاريخ 15 / 1 / 1349 ه‍ ش.