أمّا بعد فإنّ عيني بالمغرب كتب إليّ يعلمني أنّه وجّه إلى الموسم [ 1 ] أناس من أهل الشّام ، العمي القلوب ، الصّمّ الأسماع ،
الكمه الأبصار [ 2 ] ، الّذين يلبسون الحقّ بالباطل ، و يطيعون المخلوق في معصية
[ 1 ] فان عيني بالمغرب . . . : العين : الجاسوس . و المغرب :
الشام . وجّه على الموسم : مجتمع الحجاج .
[ 2 ] العمي القلوب . . . : عن دعوة الحق فَإِنَّهَا لاَ تَعمَى الأبصَارُ وَ لَكن تَعمىَ القلُوبُ الَّتيِ فيِ الصُّدور 22 :
46 . و الصمم : ذهاب السمع . و الكمه : ذهاب البصر .
شبههم بذلك لعدم إنتفاعهم بمواهب اللَّه تعالى ، فهم لا يبصرون طريق الحق ، و لا يسمعون نداءه .
[ 86 ]
الخالق ، و يحتلبون الدّنيا درّها بالدّين و يشترون عاجلها بآجل الأبرار و المتّقين [ 1 ] ، و لن يفوز بالخير إلاّ عامله ، و لا يجزى جزاء الشّرّ إلاّ فاعله [ 2 ] ، فأقم على ما في يديك قيام الحازم
[ 1 ] الذين يلبسون الحق بالباطل . . . : لبس عليه الأمر : خلطه حتى لا يعرف حقيقته وَ لاَ تَلبِسوا الحقَّ بالباطِل و تَكتُموُ الحَقَّ وَ أَنتُم تَعلَمون 2 : 42 . و يطيعون المخلوق في معصية الخالق : و هذا أعظم ما نعانيه اليوم ، و يفعله الكثير من المسلمين . و يحتلبون الدنيا درّها بالدين : الدرّة :
اللبن ، أو الكثير منه . و المراد : يطلبونها باسم الدين .
و يشترون عاجلها بآجل الأبرار المتقين : يتعجلون الإنتفاع بها مستعيضين به على ما أعدّه اللَّه تعالى للصالحين من نعيم .
[ 2 ] و لن يفوز بالخير إلاّ عامله ، و لا يجزى جزاء الشر إلا فاعله :
ترغيب في عمل الخير ، و تحذير من عمل الشر وَ أن ليسَ للإِنسانِ إلاّ مَا سَعَى . وَ أنَّ سَعيَه سَوفَ يُرَى 53 : 40 .
[ 87 ]
الصّليب ، و النّاصح اللّبيب [ 1 ] ، و التّابع لسلطانه المطيع لإمامه ، و إِيّاك و ما يعتذر منه [ 2 ] ،
و لا تكن عند النّعماء بطرا و لا عند البأساء فشلا [ 3 ] ، و السّلام .
[ 1 ] فاقم على ما في يديك قيام الحازم . . . : الضابط لأموره .
الصليب : الشديد القوي . و الناصح اللبيب : العاقل .
[ 2 ] و إياك و ما تعتذر منه : تحذير عن الإساءة و مخالفة اللَّه تعالى ،
لأنّ الإعتذار لا يكون إلاّ عن أمر مذموم .
[ 3 ] و لا تكن عند النعماء . . . : الخفض و الدعة . بطرا : مستخفّا بالنعمة . و لا عند البأساء : المشقّة و الحرب . فشلا : جبانا ضعيفا .
[ 88 ]