تعاهدوا أمر الصّلاة ، و حافظوا عليها ،
و استكثروا منها ، و تقرّبوا بها ، فإنّها كانت على المؤمنين كتابا موقوتا [ 1 ] ، ألا تسمعون إلى جواب
[ 1 ] تعاهدوا أمر الصلاة و حافظوا عليها . . . : تعهدت الشيء :
ترددت اليه و أصلحته . و حافظوا عليها : أدوها بأوقاتها . فانها كانت على المؤمنين كتابا موقوتا : واجبة مفروضة .
[ 31 ]
أهل النّار حين سئلوا : مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ؟ [ 1 ] قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ . و إنّها لتحتّ الذّنوب حتّ الورق و تطلقها إطلاق الرّبق [ 2 ] ، و شبّهها رسول اللَّه ، صلى اللَّه عليه و آله و سلم بالحمّة [ 3 ] تكون على باب الرّجل فهو يغتسل منها في اليوم و اللّيلة خمس مرّات ، فما عسى أن يبقى عليه من الدّرن ؟ و قد عرف حقّها رجال من المؤمنين الّذين لا تشغلهم عنها زينة متاع ، و لا
[ 1 ] سقر : من أسماء جهنّم .
[ 2 ] حتّ الرجل الورق من الشجر : أسقطه . و المراد : أنها تذهب بالذنوب و تطلقها : تفكها . و الربق جمع ربقة : الحلقة في الحبل يشد بها الحيوان . و المراد : انها تفك المسلم من وثاق الذنوب و تبعاتها .
[ 3 ] الحمّة . . . : كل عين فيها ماء حار ينبع ، يستشفى بها من المرض . و الدرن : الوسخ .
[ 32 ]
قرّة عين من ولد و لا مال . يقول اللَّه سبحانه :
رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَ لاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَ إقَامِ الصَّلاَةِ وَ إيتَاءِ الزَّكَاةِ . و كان رسول اللَّه ،
صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم نصبا [ 1 ] بالصّلاة بعد التّبشير له بالجنّة ، لقول اللَّه سبحانه : وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بالصَّلاَةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْهَا فكان يأمر أهله ،
و يصبر عليها نفسه .
ثمّ إنّ الزّكاة جعلت مع الصّلاة قربانا [ 2 ] لأهل الاسلام ، فمن أعطاها ، طيّب النّفس
[ 1 ] نصبا : تعبا . و المراد : كثرة صلاته حتى نزل عليه قوله تعالى :
طه . ما أَنزَلنَا عَلَيْكَ القُرآن لِتَشْقَى 20 : 2 . قال قتادة :
كان يصلي الليل كله و يعلق صدره بحبل حتى لا يغلبه النوم ،
فأمره اللَّه سبحانه بأن يخفف على نفسه ، و ذكر انه ما أنزل عليه الوحي ليتعب كل هذا التعب .
[ 2 ] القربان : كل ما يتقرب به الى اللَّه سبحانه .
[ 33 ]
بها ، فإنّها تجعل له كفّارة ، و من النّار حجازا و وقاية [ 1 ] . فلا يتبعنّها أحد نفسه ، و لا يكثرنّ عليها لهفه [ 2 ] ، فإنّ من أعطاها غير طيّب النّفس بها ، يرجو بها ما هو أفضل منها فهو جاهل بالسّنّة ،
مغبون الأجر [ 3 ] ، ضالّ العمل ، طويل النّدم .
ثمّ أداء الأمانة ، فقد خاب [ 4 ] من ليس من أهلها ، إنّها عرضت على السّماوات [ 5 ] المبنيّة ،
[ 1 ] طيّب النفس بها . . . : سمحت بها نفسه و ارتاحت .
و الكفّارة : هي التي تكفّر الذنب عن الانسان و تمحوه و تستره .
حجازا و وقاية : من النار .
[ 2 ] فلا يتبعها أحد نفسه . . . : لا تكن نفسه متعلقة بها ، غير طيبة باخراجها . و لا يكثرن عليها لهفه : لا يتحسّر على دفعها .
[ 3 ] مغبون الاجر : غبنه في البيع غبنا : غلبه و نقصه . و المراد :
منقوص الأجر .
[ 4 ] خاب : خسر .
[ 5 ] انها عرضت على السماوات . يشير الى قوله تعالى : إنَّا عَرَضنَا الأَمَانَةَ عَلى السَّمواتِ و الأرْضِ و الجِبَالِ . . 33 :
72 . و المراد من عرض الأمانة على السماوات و الأرض و الجبال هم أهلها ، أي عرضناها على سكان السماوات من الملائكة ،
و على سكان الأرض و الجبال من الجنّ و الانس .
[ 34 ]
و الأرضين المدحوّة [ 1 ] ، و الجبال ذات الطّول المنصوبة ، فلا أطول و لا أعرض و لا أعلى و لا أعظم منها ، و لو امتنع شيء بطول أو عرض أو قوّة أو عزّ لمتنعن ، و لكن أشفقن [ 2 ] من العقوبة ،
و عقلن ما جهل من هو أضعف منهنّ و هو الإنسان إنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً .
إنّ اللَّه سبحانه و تعالى لا يخفى عليه ما العباد مقترفون [ 3 ] في ليلهم و نهارهم ، لطف به
[ 1 ] المدحوّة : المبسوطة وَ الأرضَ بَعدَ ذلِكَ دَحَاهَا 79 : 30 .
[ 2 ] اشفقن : خفن و حذرن . و المراد : خاف أهلها و حذروا من حملها .
[ 3 ] مقترفون : مكتسبون .
[ 35 ]
خبرا [ 1 ] ، و أحاط به علما ، أعضاؤكم شهوده ،
و جوارحكم جنوده ، و ضمائركم عيونه ، و خلواتكم عيانه [ 2 ] .
[ 1 ] لطف به خبرا : هو اللطيف الخبير بعباده . و معنى اللطيف :
من كان فعله في اللطف بحيث لا يهتدي إليه غيره . و قال الشارح الخوئي : أراد به علمه بخفيات أفعال العباد ،
و خبرويته بها . . . و تسميته باللطيف من جهة علمه بالشيء اللطيف مثل البعوضة و أخفى منها ، و موضع النشوء منها ،
و العقل ، و الشهوة للفساد ، و الحدب على نسلها ، و نقلها الطعام و الشراب الى أولادها في المفاوز و الأودية و القفار .
و الخبير ، أي علم بكنه الشيء ، و مطلع على حقيقته . و المراد :
أنه عالم بشؤون عباده ، مطلع على جزئياتها .
[ 2 ] اعضاءكم شهوده يَومَ تَشهدُ عَلَيهم أَلسنَتُهُم و أَيديهِمْ و أَرجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعملُونَ 24 : 24 . و جوارحكم جنوده : تعينه عليكم بشهادتها . و ضمائركم عيونه : جواسيسه . و خلواتكم عيانه : هو شاهد مطلع على ما استرتم به من عمل مَا يكُونُ من نَجوى ثَلاثةٍ إلاّ هُوَ رَابِعُهُم و لاَ خَمسةٍ إلاّ هُوَ سَادِسُهُمْ و لاَ أدنى مِنْ ذلِكَ وَ لاَ أَكْثَرَ إلاّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ 58 : 7 .
[ 36 ]