من عبد اللَّه عليّ أمير المؤمنين إلى أصحاب الخراج [ 2 ] :
[ 1 ] فخذوا هذا من أمرائكم . . . : من خلفائكم . و اعطوهم من أنفسكم : من الطاعة و نصرة الحق . ما يصلح اللَّه به أمركم :
ما تنتظم به أموركم ، و يستقيم به نظام الدولة . و لو أضفت هذا الكتاب لما سبق في مثله ، لوجدت نظاما عسكريا تاما حتى في القرن العشرين .
[ 2 ] الخراج : ما يحصل من غلّة الأرض ( واردات الدولة الإسلامية ) .
[ 40 ]
أمّا بعد فإنّ من لم يحذر ما هو صائر إليه لم يقدّم لنفسه ما يحرزها [ 1 ] . و اعلموا أنّ ما كلّفتم يسير ، و أنّ ثوابه كثير . و لو لم يكن فيما نهى اللَّه عنه من البغي و العدوان عقاب يخاف لكان في ثواب اجتنابه ما لا عذر في ترك طلبه [ 2 ] .
فأنصفوا النّاس من أنفسكم ، و اصبروا لحوائجهم فإنّكم خزّان الرّعيّة و وكلاء الأمّة [ 3 ] ، و سفراء
[ 1 ] فإن من لم يحذر ما هو صائر إليه . . . : من الموت و ما بعده من مشاق . لم يقدّم لنفسه : من عمل الخير . ما يحرزها :
يحفظها .
[ 2 ] و لو لم يكن فيما نهى اللَّه عنه من البغي و العدوان . . . :
التسلط و الظلم . عقاب يخاف : في الدنيا و الآخرة . لكان في ثواب إجتنابه : تركه . ما لا عذر في ترك طلبه : لو فرضنا عدم العقاب على الظلم لكان الأولى بنا إجتنابه طلبا لنيل الثواب ، و الحصول على الدرجات الرفيعة .
[ 3 ] فانصفوا الناس من أنفسكم . . . : عاملوهم بالعدل .
و اصبروا لحوائجهم : لا تجزعوا من قضاء حوائجهم ،
و الإستجابة لمطالبهم . فإنكم خزّان الرعية : خزن الشيء خزنا : جعله في خزائنه . و المراد : أن جهودكم في جمع المال ، و حسن القيام عليه بمثابة المال المخزون المعد للرعية . و وكلاء الأمّة : في تحصيل أموالها . و سفراء الأئمة : تمثلونهم عند الشعب . و المراد ليحسن سلوككم إذا .
[ 41 ]
الأئمّة . و لا تحشموا أحدا عن حاجته [ 1 ] و لا تحبسوه عن طلبته ، و لا تبيعنّ للنّاس في الخراج كسوة شتاء و لا صيف و لا دابّة يعتملون عليها و لا عبدا [ 2 ] ، و لا تضربنّ أحدا سوطا لمكان درهم ، و لا تمسّنّ مال أحد من النّاس مصلّ و لا
[ 1 ] و لا تحشموا أحدا عن حاجته : لا تغضبوه و لا تخجلوه .
[ 2 ] و لا تبيعن للناس في الخراج كسوة شتاء و لا صيف . . . : لا تلجئوهم لتسديد ما عليهم ببيع ملابسهم . و لا دابة يعتملون عليها : يعملون عليها . و لا عبدا : لأنه من مرافق الحياة يومئذ .
و المراد : لا يبيعوا ما يلزمهم و يحتاجونه .
[ 42 ]
معاهد إلاّ أن تجدوا فرسا أو سلاحا يعدى به على أهل الإسلام ، فإنّه لا ينبغي للمسلم أن يدع ذلك في أيدي أعداء الإسلام فيكون شوكة عليهم [ 1 ] ، و لا تدّخروا أنفسكم نصيحة ، و لا الجند
[ 1 ] و لا تضربن أحدا سوطا لمكان درهم . . . : نهى عن إستعمال الشدّة مع المجتمع حتى إذا كان السبب إستيفاء حقوق المسلمين ، و ليت الإمام عليه السلام ينظر ما يكابده المسلمون ، و خصوصا الشيعة من شدّة الحاكمين و عنفهم .
و لا تمسّن مال أحد من الناس : لا تمتد أيديكم الى أخذ أموال الناس و مصادرتها . مصلّ : أي مسلم . و هنا إشارة الى أن الصلاة عنوان الإسلام ، و العلامة التي يعرف بها المسلم . أو معاهد : من أهل الأديان الأخرى ، و له عهد مع المسلمين . إلاّ أن تجدوا فرسا أو سلاحا يعدى به على أهل الإسلام : معد للتعدّي على المسلمين ، و العدوان به عليهم . فإنه لا ينبغي للمسلم أن يدع ذلك في أيدي أعداء الإسلام : بل يجب مصادرته . فيكون شوكة عليهم : قوة و عونا على قتال المسلمين .
[ 43 ]
حسن سيرة و لا الرّعيّة معونة ، و لا دين اللَّه قوّة [ 1 ] ، و أبلوا في سبيل اللَّه ما استوجب عليكم فإنّ اللَّه ، سبحانه ، قد اصطنع عندنا و عندكم أن نشكره بجهدنا ، و أن ننصره بما بلغت قوّتنا [ 2 ] ،
[ 1 ] و لا تدخروا أنفسكم نصيحة . . . : أدّخر الشيء : جمعه و حفظه . و النصيحة : قول فيه دعوة الى الإصلاح ، و نهي عن الفساد . و المراد : إجتهدوا في إصلاح أنفسكم و تهذيبها . و لا الجند حسن سيرة : إسلكوا معهم الطريقة الحسنة ، و السلوك الجميل . و لا الرعيّة معونة :
إبذلوا لهم العون . و لا دين اللَّه قوّة : ابذلوا طاقاتكم في نصرته .
[ 2 ] و ابلوا . . . : أدّوا . في سبيل اللَّه : في مرضاة اللَّه و طاعته .
ما استوجب عليكم : مما لزمكم من حقّه . فإن اللَّه قد إصطنع عندنا و عندكم : أحسن إلينا . إن نشكره بجهدنا :
فتستوجب منه الزيادة في الخير لَئن شَكَرتُم لَأزِيدَنَّكُم 14 : 7 . و إن ننصره : في الدعوة الى تعاليمه ، و الدفاع عن دينه . ما بلغت قوتنا : بقدر طاقتنا .
[ 44 ]
و لا قوّة إلاّ باللَّه [ 1 ] العليّ العظيم .