فأمّا طلبك إليّ الشّام [ 2 ] ، فإنّي لم أكن لأعطيك اليوم ما منعتك أمس ، و أمّا قولك « إنّ
[ 1 ] فو الذي فلق الحبّة . . . : شقّها . و المراد : أحلف بالخلاّق الذي أخرج من حبّة يابسة غذاء الانسان و الحيوان و برأ : خلق . و النسمة : كل كائن حي . ما اسلموا و لكن استسلموا : انقادوا للإسلام خوفا على أنفسهم . و اسرّوا الكفر : ابطنوه . فلما وجدوا أعوانا عليه اظهروه : بشكل آخر . قال عمار بن ياسر رضوان اللَّه عليه و قد نظر الى راية عمرو بن العاص : لقد قاتلت هذه الراية ثلاث مرّات مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و ما هذه المرّة بأبرّهن و لا اتقاهن .
[ 2 ] فأمّا طلبك اليّ الشام : تركها في يده .
[ 43 ]
الحرب قد أكلت العرب إلاّ حشاشات أنفس بقيت » [ 1 ] ألا و من أكله الحقّ فإلى الجنّة ، و من أكله الباطل فإلى النّار . و أمّا استواؤنا في الحرب و الرّجال [ 2 ] فلست بأمضى على الشّكّ منّي على اليقين ، و ليس أهل الشّام بأحرص على الدّنيا من أهل العراق على الآخرة [ 3 ] . و أمّا قولك « إنّا بنو
[ 1 ] ان الحرب قد أكلت العرب . . . : أفنتهم . إلاّ حشاشات انفس بقيت : الحشاشة : بقية الروح في بدن المريض .
[ 2 ] استواؤنا في الحرب و الرجال : تساوي الجيشين في المعنوية و العدّة و العدد .
[ 3 ] فلست بأمضى على الشك مني على اليقين . . . : الشك :
حالة نفسية يتردد معها الذهن بين الاثبات و النفي ، و يتوقف عن الحكم . و اليقين : العلم الذي لا شك فيه . و المراد :
انا على يقين من أمري ، و أنت مرتاب . و ليس أهل الشام بأحرص على الدنيا من أهل العراق على الآخرة : فبقدر جشعكم على الدنيا ، و طلبكم لها ، رغبتنا فيما عند اللَّه تعالى و نيل ثوابه .
[ 44 ]
عبد مناف » فكذلك نحن ، و لكن ليس أميّة كهاشم ، و لا حرب كعبد المطّلب ، و لا أبو سفيان كأبي طالب [ 1 ] ، و لا المهاجر كالطّليق ، و لا
[ 1 ] ليس أميّة كهاشم . . . : في المجد و الشرف ، فهو الذي سنّ لقريش رحلة الشتاء و الصيف ، و مطعم الحجيج
عمرو العلا هشم الثريد لقومه
و رجال مكة مسنتون عجاف
و لا حرب كعبد المطلب : قال معاوية لدغفل النسّابة :
أ رأيت عبد المطلب ؟ قال نعم ، قال : كيف رأيته ؟ قال :
رأيته رجلا نبيلا جميلا وضيئا ، كأن على وجهه نور النّبوة .
قال : ا فرأيت أميّة بن عبد شمس ؟ قال : نعم ، قال : كيف رأيته ؟ قال : رأيته رجلا ضئيلا منحنيا أعمى ، يقوده عبده ذكوان ، فقال معاوية : ذلك ابنه ابو عمرو ، قال : أنتم تقولون ذلك ، فأما قريش فلم تكن تعرف إلاّ انه عبده . و عبد المطلب صاحب زمزم ، و مطعم الحاج ، و هو الذي استجاب اللَّه دعاءه على أصحاب الفيل ، و هو الذي تسميه قريش ابراهيم الثاني . و يصفه الجاحظ فيقول : لم يكن لعبد المطلب في قريش نظير ، كما انه ليس في العرب لقريش نظير ، و كما انه ليس في الناس للعرب نظير . و لا ابو سفيان كأبي طالب : فلو لم تكن لأبي طالب إلاّ محاماته و دفاعه عن الرسول الأعظم صلى اللَّه عليه و آله لكفاه ذلك فخرا و مجدا ،
و لو لم يكن لأبي سفيان إلا عداوته و حربه لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله لكفاه ذلك خزيا . .
[ 45 ]
الصّريح كاللّصيق ، و لا المحقّ كالمبطل ، و لا المؤمن كالمدغل [ 1 ] ، و لبئس الخلف خلفا
[ 1 ] و لا المهاجر كالطليق . . . : المهاجر : الذي ترك وطنه و لحق برسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله . و الطليق : الأسير اذا أطلق سبيله . و الإمام عليه السلام يشير الى فتح مكة ، فقد كان المنتظر ان يقتص الرسول صلى اللَّه عليه و آله منهم ، و لكنه عفى عنهم تكرّما ، و قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء ، و ابو سفيان و معاوية منهم . و لا الصريح كاللصيق : الصريح الصحيح النسب .
و اللصيق : الدعي الملصق بغير أبيه ، و هندام معاوية متهمة بالزنا ، و روى الطبري قصيدة لحسان بن ثابت يهجوها :
زعم الولائد انها ولدت
ولدا صغيرا كان من عهر
و ذكر له ابن أبي الحديد قوله في هجائها :
لمن سواقط ولدان مطرحة
باتت تفحص في بطحاء اجياد
باتت تمخض لم تشهد قوابلها
إلاّ الوحوش و الا جنّة الوادي
يظل يرجمه الصبيان منعفرا
و خاله و أبوه سيدا النادي
و لا المحق كالمبطل : و لا الذي على نهج الحق ، المتبع لشريعة السماء ، كالمتخّبط في الضلال . و لا المؤمن كالمدغل : الداغل : الذي يبغي أصحابه الشر ، يضمره لهم و يحسبونه يريد لهم الخير .
[ 46 ]
يتبع سلفا هوى في نار جهنّم [ 1 ] .
و في أيدينا بعد فضل النّبوّة الّتي أذللنا بها العزيز ، و نعشنا بها الذّليل [ 2 ] . و لمّا أدخل اللَّه
[ 1 ] و لبئس الخلف خلف يتبع سلفا هوى في نار جهنم : بئس :
فعل جامد للذم . و المراد : أهون بابن يتبع أباه و قد تبيّن له ضلاله و كفره ، فسقطا جميعا في جهنم .
[ 2 ] و في ايدينا بعد فضل النبوة . . . : و مضافا لما ذكرته من فضائلنا فلنا فضيلة النبوة التي لا يساويها فضل ، و لا يوازيها شرف . التي أذللنا بها العزيز : من جبابرة قريش و غيرها .
و نعشنا بها الذليل : انعش فلانا : نشطه و انهضه .
و المراد : ما وصل اليه المستضعفون من العلو و الشرف و الرفعة ببركة الإسلام .
[ 47 ]
العرب في دينه أفواجا ، و أسلمت له هذه الأمّة طوعا و كرها كنتم ممّن دخل في الدّين إمّا رغبة و إمّا رهبة [ 1 ] على حين فاز أهل السّبق بسبقهم ،
و ذهب المهاجرون الأوّلون بفضلهم [ 2 ] فلا تجعلنّ للشّيطان فيك نصيبا ، و لا على نفسك سبيلا [ 3 ] .
[ 1 ] كنتم ممن دخل في الإسلام أما رغبة . . . : طمعا في الغنائم . و إمّا رهبة : خوفا و فزعا من السيف .
[ 2 ] على حين فاز أهل السبق . . . : الذين سبقوا الى الإيمان و الإسلام وَ السَّابِقُون الأوَّلُونَ مِنَ المُهاجِرِينَ وَ الَأنصَارِ 9 : 100 . و ذهب المهاجرون الأولون بفضلهم : بفضيلة السبق و الهجرة و الجهاد .
[ 3 ] فلا تجعلن للشيطان فيك نصيبا . . . : النصيب : الحظ من كل شيء . و المراد : لا تمكّن الشيطان منك فيأخذ نصيبه منك فيسلبك عقلك . و لا على نفسك سبيلا : فيلزمك العتاب و الذم .
[ 48 ]