بعثه حين لا علم قائم ، و لا منار ساطع ، و لا منهج واضح [ 1 ] : أوصيكم عباد اللَّه ، بتقوى اللَّه ، و أحذّركم الدّنيا ، فإنّها دار شخوص و محلّة تنغيص [ 2 ] ، ساكنها ظاعن ، و قاطنها بائن [ 3 ] ،
[ 1 ] لا علم قائم . . . : يستهدى به الى طريق الخير و الرشاد .
و المنار : العلم الذي يهتدى به في البر و البحر . و الساطع :
المرتفع . و لا منهج واضح : تسير عليه الأمّة ، بل هي الجاهلية .
[ 2 ] تقوى اللَّه . . . : العمل بأوامره ، و اجتناب ما نهى عنه .
و احذركم : أدعوكم و الإحتذار : التأهب . و شخص عن البلد : رحل عنه . و تنغصّ عيشه : تكدّر عليه . و المراد :
انها زائلة ، مليئة بالإكدار و المكاره .
[ 3 ] ساكنها ظاعن . . . : مسافر . و قاطنها بائن : القاطن :
المقيم . و بائن : مفارق . و المراد : أن اهلها منتقلون عنها ،
مفارقون لها .
[ 6 ]
تميد بأهلها ميدان السّفينة تقصفها العواصف في لجج البحار ، فمنهم الغرق الوبق ، و منهم النّاجي على بطون الأمواج ، تحفزه الرّياح بأذيالها ، و تحمله على أهوالها [ 1 ] ، فما غرق منها فليس بمستدرك ، و ما نجا منها فإلى مهلك [ 2 ]
[ 1 ] تميد بأهلها . . . : ماد الشيء : تحرّك و اضطرب . و لجج جمع لجّة : معظم البحر . و الغرق الوبق : الهالك .
و تحفزه : تدفعه . و أهوال جمع هول : الأمر الشديد .
[ 2 ] فما غرق منها فليس بمستدرك . . . : لا يمكن استعادته . و ما نجا منها فإلى مهلك : الى الموت أيضا . و المراد : تشبيه الدنيا بسفينة في لجج البحار ، في يوم عاصف ، و أهل الدنيا براكبي السفينة ، و شبّه تقلباتها في مهب الرياح هو ما يعتري أهل الدنيا من عناء و بلاء ، و كذلك ما يحصل لراكبي السفينة من خوف و رعب هو نفسه حاصل لأهل الدنيا ، و بعد أن غرقت ذهب قسم من راكبيها و نجا آخرون بعد معاناة و شدائد ، علما أن الموت مترصد لمن نجا منهم . و كذلك أهل الدنيا ، فمنهم من تخترمه المنية في عنفوان شبابه ،
و منهم الباقي لمعاناة الآلام و الأسقام .
[ 7 ]
عباد اللَّه ، الآن فاعملوا ، و الألسن مطلقة ،
و الأبدان صحيحة ، و الأعضاء لدنة ، و المنقلب فسيح ، و المجال عريض [ 1 ] ، قبل إرهاق الفوت [ 2 ] ، و حلول الموت ، فحقّقوا عليكم نزوله ، و لا تنتظروا قدومه [ 3 ]
[ 1 ] فأعملوا و الألسن مطلقة . . . : متمكنة من النطق بما يؤول اليها نفعه من الأذكار و غيرها ، قبل اعتقالها بمقدمات الموت . و الأبدان صحيحة : متمكنة من أداء الفرائض .
و الأعضاء لدنة : لينة ، قبل الشيخوخة و يبس الأعضاء بالأسقام . و المتقلب فسيح : لتصرفهم ، و تقويم سلوكهم ،
و استغلال فرصة العمر . و المجال عريض : للأستغفار و التوبة ، و الأقبال على اللَّه تعالى بالأعمال الصالحة .
[ 2 ] قبل أرهاق الفوت أرهقه : أعجله . و المراد بالفوت : تضييع فرصة العمر .
[ 3 ] فحققوا عليكم نزوله . . . : تيقنوا وروده عليكم ، و استعدوا لملاقاته بالأعمال الصالحة . و لا تنظروا قدومه : و لا تبعدوه عنكم بالتسويف .
[ 8 ]