أرسله على حين فترة من الرّسل ، و طول هجعة من الأمم [ 1 ] ، و اعتزام من الفتن ،
و انتشار من الأمور ، و تلظّ من الحروب [ 2 ] ،
و الدّنيا كاسفة النّور ظاهرة الغرور ، على حين اصفرار من ورقها ، و إياس من ثمرها ، و اغورار من مائها [ 3 ] ، قد درست منار الهدى [ 4 ] ، و ظهرت
[ 1 ] الفترة . . . : المدة تقع بين زمنين ، و المراد بها ما بين عيسى و محمد عليهما الصلاة و السلام . و الهجعة :
النوم بالليل ، و المراد بها الغفلة ، و نسيان الامم لتعاليم السماء .
[ 2 ] و اعتزام من الفتن . . . : غلبة من الفتن . و انتشار من الأمور : جريان افعالهم على غير نظام و قانون . و تلظ من الحروب : اشتعال نيرانها .
[ 3 ] و الدنيا كاسفة النور . . . : ذاهب نورها ، و المراد :
ذهاب نور العلم منهم . ظاهرة الغرور : خدّاعة بزينتها . و المراد : ان أهل ذلك الزمان قد غرّتهم الدنيا ، و خدعتهم بفتنتها ، و ابعدتهم عن نهج السماء ،
و تعاليم الانبياء . و اصفرار من ورقها : شبّه الدنيا بشجرة مثمرة ثم آل امرها الى الفساد ، فاصفّر ورقها ، و انقطع ثمرها . و اغورار من مائها : ذهب في الأرض و غاب فيها .
[ 4 ] قد درست منار الهدى . . . : درست : ذهبت . و منار الهدى : اعلام النجاة و الهداية و المراد : انها خلت من الانبياء و المصلحين ، و حكمها الفراعنة و أهل الضلال .
[ 30 ]
أعلام الرّدى ، فهي متجهّمة لأهلها عابسة [ 1 ] في وجه طالبها ، ثمرها الفتنة ، و طعامها الجيفة ، و شعارها الخوف ، و دثارها السّيف . [ 2 ]
[ 1 ] فهي متجهمة لاهلها . . . : التجهم : الاستقبال بوجه كريه . و العبوس : الانقباض . و المراد : ان اهلها في شدة و شقاء .
[ 2 ] ثمرها الفتنة : الضلال . و طعامها الجيفة : كانوا يأكلون الميتة و الدم و جلود الحيوانات . و الشعار : للثوب الذي يلي الجسد . و الدثار : الثوب الذي فوقه . و المراد :
انهم يعيشون في خوف و حروب .
[ 31 ]
فاعتبروا ، عباد اللّه ، و اذكروا تيك الّتي آباؤكم و إخوانكم بها مرتهنون [ 1 ] و عليها محاسبون .
و لعمري ما تقادمت بكم و لا بهم العهود ، و لا خلت فيما بينكم و بينهم الأحقاب و القرون [ 2 ] و ما أنتم اليوم من يوم كنتم في اصلابهم ببعيد .
و اللّه ما أسمعهم الرّسول شيئا إلاّ وها أنا ذا اليوم مسمعكموه [ 3 ] ، و ما أسماعكم اليوم بدون أسماعهم بالأمس و لا شقّت لهم الأبصار [ 4 ] ،
[ 1 ] فاعتبروا . . . : فاتعظوا . تيك : اشارة الى اعمالهم القبيحة ، مرتهنون : محبوسون معاقبون عليها .
[ 2 ] و لعمري . . . : قسم . و الاحقاب : جمع حقب و هو ثمانون سنة ، و القرون : جمع قرن و هو مائة سنة .
و الصلب : في الظهر ، و كل شيء في الظهر فيه فقار فذلك الصلب . و المعنى : ان الذي اتحدث عنه قريب منكم ، لم تمض عليه فترة طويلة ، فقد ادركه آباؤكم .
[ 3 ] ما اسمعهم الرسول شيئا . . . : ان التعاليم التي تلقاها آباؤكم عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فقد أسمعتكم اياها ، و بلغتها لكم ، و لم انقصكم شيئا سمعوه .
[ 4 ] و لا شقت لهم الابصار . . . : كما جعلت لابائكم الابصار و القلوب جعلت لكم مثلها . و المراد : ان الحجة قد لزمتكم .
[ 32 ]
و لا جعلت لهم الأفئدة في ذلك الأوان إلاّ و قد أعطيتم مثلها في هذا الزّمان . و اللّه ما بصرتم بعدهم شيئا جهلوه ، و لا أصفيتم به و حرموه [ 1 ] و لقد نزلت بكم البليّة جائلا خطامها ، رخوا بطانها [ 2 ] ، فلا يغرّنّكم ما أصبح فيه أهل الغرور [ 3 ] ، فانّما هو ظلّ ممدود ، إلى أجل
[ 1 ] و لا اصفيتم به و حرموه : و لا خصصتم بشيء من المواعظ و النصائح باكثر منهم ، بل انكم ساويتموهم في كل ذلك .
[ 2 ] البلية : الشدّة ، و البلاء العظيم ، و المراد به الدولة الأموية و ما عاناه الناس منها . جائلا خطامها . . . :
الخطام : ما يجعل في انف البعير للانقياد . و جولان الخطام : عدم استقراره . و البطان : حزام يوضع على بطن البعير ، و باسترخائه يعرّض راكبه للسقوط ، و المراد بالتشبيه شدة ما يبتلون به .
[ 3 ] اهل الغرور : أهل الجهل و الغفلة .
[ 33 ]
معدود . [ 1 ]