الحمد للّه الّذي بطن خفيّات الأمور [ 1 ] ،
و دلّت عليه أعلام الظّهور [ 2 ] ، و امتنع على عين البصير [ 3 ] ، فلا عين من لم يره تنكره ، و لا قلب
[ 1 ] بطن خفيات الأمور : علم بخفاياها يعلم السرّ و أخفى 20 : 7 .
[ 2 ] دلّت عليه اعلام الظهور : هي الآيات الدالة على وجوده سبحانه و تعالى .
[ 3 ] و امتنع على عين البصير . و مع امتناع رؤيته جلّ جلاله لا تنكر آياته ، و لا تجحد آثاره :
و في كل شيء له آية
تدل على أنه واحد
أتى رجل من الخوارج الامام محمد الباقر عليه السلام فقال له : يا أبا جعفر أيّ شيء تعبد .
قال : اللّه .
قال : هل رأيته ؟ .
فقال عليه السلام : لم تره العيون بمشاهدة العيان ،
و لكن رأته القلوب بحقائق الإيمان ، لا يعرف بالقياس ،
و لا يدرك بالحواس ، و لا يشبّه بالناس ، موصوف بالآيات ، معروف بالعلامات ، لا يجور في حكمه ،
ذلك اللّه الذي لا إله إلاّ هو .
فقال : اللّه أعلم حيث يجعل رسالته .
[ 42 ]
من أثبته يبصره [ 1 ] : سبق في العلوّ [ 2 ] فلا شيء أعلى منه . و قرب في الدّنوّ فلا شيء أقرب منه فلا استعلاؤه باعده عن شيء من خلقه ، و لا قربه ساواهم في المكان به ، لم يطلع العقول على تحديد صفته [ 3 ] ، و لم يحجبها عن واجب
[ 1 ] و لا قلب من أثبته يبصره : و في القرآن الكريم لا تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار و هو اللطيف الخبير 6 : 103 .
[ 2 ] سبق في العلو . . . : المراد بالعلو : القدرة و القهر و الغلبة . و المراد بالقرب : الاحاطة و العلم بالخلائق أ لم تر أنّ اللّه يعلم ما في السموات و ما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلاّ هو رابعهم و لا خمسة إلاّ هو سادسهم و لا أدنى من ذلك و لا أكثر إلاّ هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إنّ اللّه بكل شيء عليم 58 : 7 .
[ 3 ] لم يطلع العقول على تحديد صفته : العقول لا تهتدي إلى صفته جلّ جلاله ، و نحن لم نؤمر بالتفكير في ذاته و صفاته ، و إنما أمرنا بالتفكر في مخلوقاته ، فتظهر لنا قدرته و عظمته ، و أنت إذا علمت أن الشمس التي نراها كرغيف صغير أكبر من الكرة الأرضية بمليون و مائتين و خمسين ألف مرة ، و هناك كواكب أكبر من الشمس بملايين المرات ، فسبحان الخلاّق العليم .
[ 43 ]
معرفته [ 1 ] ، فهو الّذي تشهد له أعلام الوجود ،
على إقرار قلب ذي الجحود [ 2 ] تعالى [ 3 ] اللّه عمّا يقول المشبّهون به ، و الجاحدون له علوّا كبيرا .
[ 1 ] و لم يحجبها عن واجب معرفته : وهب لها من العقول ما تستدل به على تمام معرفته .
[ 2 ] على إقرار قلب ذي الجحود : إن الجاحد المنكر لوجود اللّه تعالى و إن بالغ في انكاره لأمر ما و لو لمخالفة الناس لكنّه مقرّ به في قرارة نفسه ، و لما ركّب في غريزته و لما يجده من الآيات الدالة على وجوده و جحدوا بها و استيقنتها أنفسهم ظلما و علوا 27 : 14 .
[ 3 ] تعالى : جلّ و عظم .
[ 44 ]