فلو رميت ببصر قلبك نحو ما يوصف لك منها لعزفت نفسك [ 4 ] من بدائع ما أخرج إلى الدّنيا من
[ 1 ] ادمج . . . : أودعها فيها . و الذرة : النملة الصغيرة .
و الهمجة : ذبابة صغيرة كالبعوضة . و الأفيلة : جمع فيل .
و المراد : الانتباه الى ما أودع مخلوقاته من الدقة ، و لطافة الصنع ، فقد أعطى البعوضة جميع ما أعطى الفيل ، بل زادها بالأجنحة .
[ 2 ] وأى : هو الوعد الذي يوثقه المرء على نفسه .
[ 3 ] الشبح . . . : الشخص . و أولج : ادخل . و الحمام :
الموت . و المراد : جميع الكائنات مصيرها الى الموت .
[ 4 ] عزفت نفسك . . . : عافته و زهدت فيه . و المراد : لو تأملت نعيم الجنة ، و ما أودع فيها جلّ جلاله من نعيم لزهدت في الدنيا و ما فيها .
[ 51 ]
شهواتها و لذّاتها و زخارف مناظرها ، و لذهلت بالفكر في اصطفاق أشجار غيّبت عروقها في كثبان المسك على سواحل أنهارها ، و في تعليق كبائس اللّؤلؤ الرّطب في عساليجها و أفنانها [ 1 ] و طلوع تلك الثّمار مختلفة في غلف أكمامها [ 2 ] تجنى من غير تكلّف فتأتي على منية [ 3 ] مجتنيها ،
و يطاف على نزّالها في أفنية قصورها بالأعسال
[ 1 ] الزخرف . . . : الذهب و كل مزيّن حسن . و ذهل في الأمر : نسيه و غفل عنه . و اصطفاق الأشجار : تضارب أوراقها بالنسيم . و كثبان جمع كثيب : الرمل المستطيل المحدودب . و المسك : طيب معروف . و افنان جمع فنن :
الغصن المستقيم من الشجرة .
[ 2 ] غلف جمع غلاف : و الاكمام جمع كم : وعاء الطلع .
[ 3 ] تجنّى من غير تكلف . . . : تؤخذ من دون جهد وَ جَنَا الجَنَّتَينِ دَانٍ 55 : 54 . قال المفسّر : ثمار الجنتين دانية الى أفواه أربابها ، فيتناولونها ان شاءوا متكئين أو مضطجعين .
و المنية : ما يتمناه الانسان . و مجتنيها : قاطفها .
[ 52 ]
المصفّقة و الخمور المروّقة [ 1 ] ، قوم لم تزل الكرامة تتمادى بهم حتّى حلّوا دار القرار [ 2 ] و أمنوا نقلة الأسفار . فلو شغلت قلبك أيّها المستمع بالوصول إلى ما يهجم عليك من تلك المناظر المونقة [ 3 ] لزهقت نفسك [ 4 ] شوقا إليها ،
و لتحمّلت من مجلسي هذا إلى مجاورة أهل القبور استعجالا بها ، جعلنا اللّه و إيّاكم ممّن سعى بقلبه إلى منازل الأبرار برحمته .
[ 1 ] فناء البيت : المتسع الذي أمامه . و المصفقة : المصفاة .
و روّق الشراب : صفاه وَ أَنهَار مِن خَمرٍ لذَّةٍ للشاربينَ 47 : 15 .
[ 2 ] تتمادى بهم . . . : ممتدة لهم . حتى حلّوا دار القرار : لم يزالوا يتقلبون في النعم حتى وصلوا مقرّهم الأخير في جنان الخلد .
[ 3 ] يهجم . . . : يدخل عليه بغتة . و المناظر جمع منظر : ما ينظر إليه ، و المونقة : التي راع حسنها و أعجب .
[ 4 ] زهقت نفسك : خرجت .
[ 53 ]
قال الشريف : تفسير بعض ما جاء فيها من الغريب .
« يؤر بملاحقة » الأرّ : كناية عن النكاح ،
يقال : أرّ المرأة يؤرّها ، أي : نكحها ، و قوله « كأنّه قلع داري عنجه نوتيه » القلع : شراع السفينة ، « و داري » منسوب الى دارين ، و هي بلدة على البحر يجلب منها الطيب . و « عنجه » أي : عطفه ، يقال : عنجت الناقة كنصرت أعنجها عنجا ، إذا عطفتها و النوتى : الملاح ،
و قوله « ضفتي جفونه » أراد جانبي جفونه ،
و الضفتان : الجانبان ، و قوله « و فلذ الزبرجد » الفلذ : جمع فلذة ، و هي القطعة . و قوله « كبائس اللؤلؤ الرطب » الكباسة . العذق . و العساليج :
الغصون واحدها عسلوج .
[ 54 ]