و هو جواب كتاب كتبه إليه عقيل فسرّحت إليه جيشا كثيفا [ 1 ] من المسلمين ،
فلمّا بلغه ذلك شمّر هاربا ، و نكص [ 2 ] نادما ،
فلحقوه ببعض الطّريق ، و قد طفّلت الشّمس للإياب [ 3 ] فاقتتلوا شيئا كلا و لا [ 4 ] فما كان إلاّ
[ 1 ] سرّحت : أرسلت . و كثف الشيء : كثر مع الإلتفاف و التراكب .
[ 2 ] شمّر هاربا . . . : شمّر في الأمر خفّ و نهض . و المراد :
سرعة انهزامه . و نكص : رجع الى خلف .
[ 3 ] طفلت الشمس . . . : مالت للغروب . و الأياب : الرجوع .
[ 4 ] فاقتتلوا شيئا كلا و لا : قتالا قليلا .
[ 93 ]
كموقف ساعة حتّى نجا جريضا بعد ما أخذ منه بالمخنّق ، و لم يبق منه غير الرّمق [ 1 ] ، فلأيا بلأي ما نجا [ 2 ] فدع عنك قريشا و تركاضهم في الضّلال و تجوالهم في الشّقاق و جماحهم في التّيه [ 3 ] فإنّهم قد أجمعوا على حربي كإجماعهم على حرب رسول اللَّه ، صلّى اللَّه
[ 1 ] نجا جريضا . . . : جرض بريقه جرضا : إبتلعه بالجهد على همّ و حزن . بعد ما أخذ منه بالمخنق : هو من العنق موضع الخنق . و المراد : بعد ما كاد يهلك . و لم يبق منه غير الرمق : بقية النفس . و المراد : أشرف على الهلاك .
[ 2 ] فلأيا بلأي ما نجا : لم ينج إلاّ بعد بطء و شدّة .
[ 3 ] تركاضهم في الضلال . . . : ركض : عدا مسرعا .
و الضلال : الإنحراف عن الدين . و المراد : وصف إندفاعهم للباطل . و تجوالهم : تطوافهم . في الشقاق : الخلاف .
و جماحهم في التيه : جمح الفرس جمحا : عصا أمر صاحبه حتى غلبه . و التيه : المفازة لا علم فيها يهتدى به .
[ 94 ]
عليه و آله و سلّم قبلي فجزت قريشا عنّي الجوازي فقد قطعوا رحمي ، و سلبوني سلطان ابن أمّي [ 1 ] .
و أمّا ما سألت عنه من رأيي في القتال ، فإنّ رأيي قتال المحلّين [ 2 ] حتّى ألقى اللَّه ، لا يزيدني كثرة النّاس حولي عزّة ، و لا تفرّقهم عنّي
[ 1 ] فجزت قريش عني الجوازي . . . : ان يجازوا على فعالهم .
فقد قطعوا رحمي : لم يراعوا حق القرابة التي بيني و بينهم .
و سلبوني : إنتزعوها مني قهرا . و السلطان : الخلافة . و أبن أمي : هو النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلم ، و ذلك لقوله صلى اللَّه عليه و آله في فاطمة بنت أسد أم الإمام عليه السّلام كانت أمّي بعد أمّي التي ولدتني يريد بذلك حسن رعايتها له صلى اللَّه عليه و آله في المدّة التي كان فيها في بيت عمه أبي طالب رضوان اللَّه عليه .
[ 2 ] المحلين : هم البغاة ، و المخالفون للإمام ، و من خرج عن الإسلام أو حارب في الحرم .
[ 95 ]
وحشة [ 1 ] ، و لا تحسبنّ ابن أبيك و لو أسلمه النّاس متضرّعا متخشّعا ، و لا مقرّا للضّيم واهنا ، و لا سلس الزّمام للقائد ، و لا وطىء الظّهر للرّاكب المتقعّد [ 2 ] ، و لكنّه كما قال أخو بني سليم :
فإن تسأليني : كيف أنت ؟ فإنّني
صبور على ريب الزّمان صليب
[ 1 ] لا تزيدني كثرة الناس حولي عزّة . . . : عزّ : فلان عزا :
قوي و سلم من الذل . و لا تفرقهم عني وحشة : الوحشة من الناس : الإنقطاع و بعد القلوب عن المودّة . و المراد : ما دمت على بصيرة من أمري ، و متبع لمنهج ربي ، فلا أكترث بإجتماع الناس عليّ أو تفرّقهم عني .
[ 2 ] أسلمه الناس . . . : خذلوه . و متضرعا : متذللا خاضعا .
و متخشعا : ذليلا . و واهنا : ضعيفا . و لا سلس الزمام للقائد : سهل الإنقياد . و لا وطىء الظهر للراكب المتقعد :
الوطيء : اللين السهل . و المتقعد : راكب البعير .
[ 96 ]
يعزّ عليّ أن ترى بي كآبة
فيشمت عاد أو يساء حبيب
[ 1 ]