و هو في مهلة من اللّه يهوي مع الغافلين [ 1 ] و يغدو مع المذنبين ، بلا سبيل قاصد ، و لا إمام قائد [ 2 ] :
منها : حتّى إذا كشف لهم عن جزاء معصيتهم ، و استخرجهم من جلابيب [ 3 ] غفلتهم ،
[ 1 ] في مهلة من اللّه . . . : هي فسحة العمر المقدرة للانسان .
و يهوي : يسقط . و الغافلين : المتباعدين عن اللّه تعالى .
[ 2 ] بلا سبيل قاصد . . . : لم يسلك طريقا موصلا للنجاة . و لا امام قائد : و لا يتبع أماما يقوده للصلاح .
[ 3 ] الجلباب : الملحفة التي تتحجب بها المرأة . و المراد : تشبيه حال العصاة حين ينكشف لهم ما أعدّ لهم من العذاب انكشاف المرأة اذا ألقت جلبابها .
[ 65 ]
استقبلوا مدبرا ، و استدبروا مقبلا [ 1 ] ، فلم ينتفعوا بما أدركوا من طلبتهم ، و لا بما قضوا من وطرهم [ 2 ] و إنّي أحذّركم و نفسي هذه المنزلة ،
فلينتفع امرؤ بنفسه ، فإنّما البصير من سمع فتفكّر ، و نظر فأبصر ، و انتفع بالعبر [ 3 ] ، ثمّ سلك جددا واضحا يتجنّب فيه الصّرعة في المهاوي ،
و الضّلال في المغاوي [ 4 ] و لا يعين على نفسه
[ 1 ] استقبلوا مدبرا . . . : أهوال يوم القيامة . و استدبروا مقبلا : ما كانوا فيه من نعيم الدنيا .
[ 2 ] فلم ينتفعوا بما أدركوا من طلبهم ، و لا بما قضوا من وطرهم : لم ينفعهم هناك ما حصلوا عليه من دنيا ، و ما تنعّموا به من ملاذ .
[ 3 ] انتفع بالعبر : اتّعظ و انزجر عن المعاصي .
[ 4 ] جددا . . . : طريقا . و الصرعة : الغلبة . و المهاوي : جمع مهواة : ما بين الجبلين . و الضلال : الانحراف عما أمر اللّه تعالى به . و غوى : أمعن في الضلالة . و المراد : يتجنب السقوط في الرذيلة ، و البعد عن طريق الحق و النجاة .
[ 66 ]
الغواة بتعسّف في حقّ ، أو تحريف في نطق [ 1 ] ، أو تخوّف من صدق . فأفق أيّها السّامع من سكرتك ، و استيقظ من غفلتك و اختصر من عجلتك ، و أنعم الفكر فيما جاءك على لسان النّبيّ الأمّيّ ، ( صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ) ، ممّا لا بدّ منه ، و لا محيص عنه [ 2 ] ، و خالف من خالف ذلك إلى غيره ، و دعه و ما رضي لنفسه ،
[ 1 ] و لا يعين على نفسه . . . : بما يعود ضرره عليه . و الغواة :
الذين يحملون الناس على الغواية و الجهل . و التعسف :
الظلم ، و الأخذ على غير الطريق . و تحريف في نطق : تغيير الكلام و صرفه عن معانيه . و المراد : مصانعتهم بلسانه .
و الجملة في التحذير من مقاربة الظالمين ، و التعاون معهم .
[ 2 ] لا محيص عنه : لا مفرّ منه .
[ 67 ]
و ضع فخرك ، و احطط كبرك [ 1 ] ، و اذكر قدرك ،
فإنّ عليه ممرّك ، و كما تدين تدان [ 2 ] ، و كما تزرع تحصد ، و كما قدّمت اليوم تقدم عليه غدا ،
فامهد لقدمك [ 3 ] و قدّم ليومك . فالحذر الحذر أيّها المستمع ، و الجدّ الجدّ أيّها الغافل وَ لاَ يُنَبئَّكَ مِثْلُ خَبِيرٍ .
إنّ من عزائم اللّه [ 4 ] في الذّكر الحكيم الّتي
[ 1 ] ضع فخرك ، و احطط كبرك : أترك التفاخر و الكبرياء ، و اجعل الموت نصب عينيك .
[ 2 ] و كما تدين تدان : بما تعمل تجازى .
[ 3 ] فامهد لقدمك : أعدّ و هيّىء ما تقدم عليه . و يقول الامام الصادق ( عليه السلام ) : « ان العمل الصالح ليذهب الى الجنة فيمهّد لصاحبه ، كما يبعث الرجل غلامه فيفرش له ، ثم قرأ : و الذين آمنوا و عملوا الصالحات فلأنفسهم يمهّدون .
[ 4 ] عزائم اللّه : الأحكام التي لا يجوز مخالفتها مهما كانت الضرورة .
[ 68 ]
عليها يثيب و يعاقب ، و لها يرضى و يسخط ، أنّه لا ينفع عبدا و إن أجهد نفسه و أخلص فعله أن يخرج من الدّنيا لاقيا ربّه بخصلة من هذه الخصال لم يتب منها : أن يشرك باللّه فيما افترض عليه من عبادته ، أو يشفي غيظه بهلاك نفس ، أو يعرّ بأمر فعله غيره ، أو يستنجح حاجة إلى النّاس بإظهار بدعة في دينه [ 1 ] ، أو يلقى النّاس
[ 1 ] يشفي غيظه بهلاك نفس . . . : ان حقده و ثورته لا تهدأ إلا بقتل نفس . أو يقرّ بأمر فعله غيره : ينقل كلاما أو فعلا قبيحا ارتكبه غيره ، يريد بذلك توهينه . أو يستنجح الى الناس :
يتوسّل و يطلب نجاح حاجته . و البدعة : ما استحدث من أمر الدين ما لم يكن على عهد رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه و آله ) .
و المراد : انّه يتوسّل بالسبل المحرّمة في سبيل الحصول على زعامة ، شأن أهل المذاهب الفاسدة .
[ 69 ]
بوجهين ، أو يمشي فيهم بلسانين [ 1 ] ، اعقل [ 2 ] ذلك فإنّ المثل دليل على شبهه .
إنّ البهائم همّها بطونها ، و إنّ السّباع همّها العدوان على غيرها ، و إنّ النّساء همّهنّ زينة الحياة الدّنيا و الفساد فيها ، إنّ المؤمنين مستكينون إنّ المؤمنين مشفقون [ 3 ] ، إنّ المؤمنين خائفون .
[ 1 ] يلقى الناس بوجهين : يظهر لهم غير ما يبطن . يمدحهم اذا حضروا ، و يذمّهم اذا غابوا . يقول الامام الصادق ( عليه السلام ) : « من لقي المسلمين بوجهين و لسانين جاء يوم القيامة و له لسانان من النار » .
[ 2 ] أعقل : أفهم .
[ 3 ] مستكينون . . . : خاضعون . مشفقون : خائفون .
[ 70 ]