و لقد علم المستحفظون [ 1 ] من أصحاب محمّد ، صلى اللَّه عليه و آله و سلم ، أنّى لم أردّ [ 2 ] على اللَّه و لا على رسوله ساعة قطّ ، و لقد واسيته بنفسي في المواطن الّتي تنكص [ 3 ] فيها
[ 1 ] المستحفظون : هم أجلاء الصحابة و علمائهم الذين حفظوا أحكام الشريعة ، و بلّغوها لمن جاء بعدهم من التابعين .
[ 2 ] اني لم أردّ على اللَّه . . . الخ : لم يصدر مني اعتراض و لا مخالفة . و يرى شرّاح النهج انه تعريض ببعض من تقدمه من الخلفاء ، فقد كثر ردّه و اعتراضه على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله حتى في آخر ساعة من حياته الكريمة .
[ 3 ] واسيته بنفسي . . . : المواساة بالشيء : الاشراك فيه ، فقد اشرك النبي صلّى اللَّه عليه و آله في نفسه . و المراد : بذلت نفسي في الدفاع عنه في الليلة التي هاجر فيها الى المدينة حيث بت على فراشه مستهدفا لقريش ، و في حروبه خصوصا يوم أحد حيث روى الخاص و العام نداء جبرئيل عليه السلام : ( لا فتى إلاّ علي ، و لا سيف إلا ذو الفقار ) تنكص : تحجم .
[ 9 ]
الأبطال ، و تتأخّر فيها الأقدام ، نجدة [ 1 ] أكرمني اللَّه بها .
و لقد قبض رسول اللَّه ، صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم ، و إنّ رأسه لعلى صدري ، و لقد سالت نفسه في كفّي ، فأمررتها على وجهي [ 2 ] ، و لقد ولّيت غسله ، صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم ،
[ 1 ] نجدة : شجاعة .
[ 2 ] سالت نفسه في كفي ، فأمررتها على وجهي : المراد بذلك آخر نفس له صلى اللَّه عليه و آله ، و قالوا : لا بد لكل ميّت من نفخة تكون آخر حركاته . و قال الشارح الخوئي :
و الاقوى عندي أن يراد بالنفس نفسه الناطقة القدسية ، التي هي مبدأ الفكر و الذكر و العلم و الحلم و النباهة ، و لها خاصية الحكمة و النزاهة . . . لما فارقت جسده الطاهر فاضت بيدي فمسحت بها على على وجهي .
[ 10 ]
و الملائكة أعواني ، فضجّت الدّار و الأفنية ، ملأ يهبط و ملأ يعرج [ 1 ] ، و ما فارقت سمعي هينمة منهم [ 2 ] يصلّون عليه حتّى و اريناه في ضريحه ،
فمن ذا أحقّ به منّي حيّا و ميّتا [ 3 ] ؟ فانفذوا على بصائركم [ 4 ] و لتصدق نيّاتكم [ 5 ] في جهاد عدوّكم .
فو الّذي لا إله إلاّ هو إنّي لعلى جادّة الحقّ ، و إنّهم لعلى مزلّة الباطل [ 6 ] ، أقول ما تسمعون ،
[ 1 ] الأفنية . . . : جمع فناء : المتسع أمام الدار . و الملأ :
الجماعة . و يهبط : ينزل . و يعرج : يصعد . و المراد : إزدحام الملائكة بالنزول و الصعود .
[ 2 ] الهيمنة : الصوت الخفي .
[ 3 ] فمن ذا أحق به مني حيّا و ميّتا : و هذا من الموارد الكثيرة التي ذكر فيها أحقيته بالخلافة .
[ 4 ] فأنفذوا . . . : امضوا . و بصائركم جمع بصيرة : الحجّة .
[ 5 ] و لتصدق نياتكم : ليكن قتالكم خالصا لوجه اللَّه تعالى ، و من أجل أعزاز دينه ، و نصرة أوليائه ، و دحر أعدائه .
[ 6 ] مزلة الباطل : الموضع الذي يزل فيه الإنسان .
[ 11 ]
و أستغفر اللَّه لي و لكم .