أيّها النّاس ، كلّ امرىء لاق ما يفرّ منه في
[ 1 ] و لكل ضلّة . . . : لكل ضلال . و نكث البيعة : اذا لم يف بها . و المراد : ان لكل ضال شبهة يتشبّث بها في دعوته ،
و يخدع بها الآخرين لنصرته .
[ 2 ] اللدم . . . : الضرب على الوجه و الرأس في النياحة .
و الناعي : الراثي للميّت . و يحضر الباكي : يشاهده . ثم لا يعتبر : لا يستعد . و المراد : لا يجوز لي السكوت عنهم و تركهم و أنا أسمع الناعي ينعى طائفة من المسلمين قتلوهم ،
و أشاهد الباكين على قتلاهم .
[ 41 ]
فراره ، و الأجل مساق النّفس [ 1 ] و الهرب منه موافاته . كم أطردت الأيّام أبحثها عن مكنون هذا الأمر فأبى اللّه إلاّ إخفاءه . هيهات علم مخزون [ 2 ] ، أمّا وصيّتي فاللّه لا تشركوا به شيئا ،
و محمّد ( صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ) فلا تضيّعوا سنّته [ 3 ] . أقيموا هذين العمودين ، و أوقدوا هذين المصباحين ، و خلاكم ذمّ ما لم تشردوا [ 4 ] . حمل
[ 1 ] الأجل . . . : الموت . و مساق النفس : منساقة ( سائرة ) إليه .
[ 2 ] أطردت الأيام . . . : جعلتها طريدة و الطريدة : ما طردته من صيد و غيره . و المكنون : المستور . و علم مخزون : مستور .
و لعل المراد بذلك الأجل وَ مَا تَدرِي نَفسُ مَا ذَا تَكْسِبُ غَداً وَ مَا تَدِري نَفْسُ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ 31 : 34 .
[ 3 ] فلا تضيّعوا سنته : بترك العمل بها .
[ 4 ] و خلاكم ذم . . . : لا ذمّ عليكم . و تشرّدوا : تميلوا عن الحق . و المراد : ليس عليكم ذم و أنتم على نهج اللّه و رسوله .
[ 42 ]
كلّ امرىء منكم مجهوده ، و خفّف عن الجهلة [ 1 ] ربّ رحيم ، و دين قويم ، و إمام عليم [ 2 ] . أنا بالأمس صاحبكم ، و أنا اليوم عبرة لكم [ 3 ] ، و غدا مفارقكم ، غفر اللّه لي و لكم .
إن ثبتت الوطأة في هذه المزلّة فذاك ، و إن تدحض [ 4 ] القدم فإنّا كنّا في أفياء أغصان و مهبّ
[ 1 ] حمل كل امرىء منكم مجهوده . . . : كل مكلّف حسب طاقته . و خفف عن الجهلة : مسؤوليتهم أمام اللّه تعالى أخف من مسؤولية العالم ، و حسابهم أيسر من حسابه .
[ 2 ] دين قويم . . . : مستقيم الطريقة ، يؤدّي بسالكه الى الجنّة .
و إمام عليم : يوصلكم بعلمه و نهجه الى شاطىء السلامة .
[ 3 ] عبرة لكم : تعتبرون بي ، و تتعظون بما صرت إليه من الانتقال الى الدار الآخرة .
[ 4 ] الوطأة . . . : موضع القدم . و المزلّة : محل الزلل . و المراد :
المعافاة من هذه الجراحة . و تدحض : تزل ( تزلق ) و المراد بذلك الموت .
[ 43 ]
رياح و تحت ظلّ غمام اضمحلّ في الجوّ متلفّقها و عفا في الأرض مخطّها [ 1 ] ، و إنّما كنت جارا جاوركم بدني أيّاما و ستعقبون منّي جثّة خلاء [ 2 ] ساكنة بعد حراك ، و صامتة بعد نطوق . ليعظكم هدوّى و خفوت أطرافي و سكون أطرافي [ 3 ] ، فإنّه أوعظ للمعتبرين من المنطق البليغ ، و القول المسموع . و داعيكم وداع امرىء مرصد
[ 1 ] أفياء أغصان . . . : ظلالها . و متلقفها : المنضم بعضه الى بعض . و عفا في الأرض خطّها : انمحى من الأرض أثرها .
و المراد : تشبيه العمر و سرعة فنائه . و بطل الشمس ، و أثر الرياح في الأرض ، و الغمام المضمحل .
[ 2 ] و ستعقبون منّي . . . : ستجدوني . و خلاء : خالية من الروح .
[ 3 ] ليعظكم . . . : ليكن هذا المشهد موعظة لكم . هدوي :
سكوني . و الخفوت : السكون . و اطراقي : ارخاء عيني الى الأرض . و سكون اطرافي : رأسي و يدي ، و رجلي ، و بقية جوارحي .
[ 44 ]
للتّلاقي [ 1 ] ، غدا ترون أيّامي ، و يكشف لكم عن سرائري [ 2 ] ، و تعرفونني بعد خلوّ مكاني ، و قيام غيري مقامي .