و كان من اقتدار جبروته ، و بديع لطائف صنعته [ 2 ] ، أن جعل من ماء البحر الزّاخر المتراكم المتقاصف [ 3 ] يبسا جامدا ، ثمّ فطر منه أطباقا
[ 1 ] الطارىء : الغريب .
[ 2 ] إقتدار جبروته . . . : قهره و غلبته . و بديع لطائف صنعته :
بدعه بدعا : أنشأه على غير مثال سابق .
[ 3 ] زخر النهر : طما و فاض . و إنقصف الشيء : إنكسر .
و المراد : تشبيه أمواجه و كسر بعضها البعض .
[ 63 ]
ففتقها سبع سموات بعد ارتتاقها [ 1 ] ، فاستمسكت بأمره ، و قامت على حدّه [ 2 ] ، و أرسى أرضا يحملها الأخضر المثعنجر [ 3 ] ، و القمقام المسخّر ،
قد ذلّ لأمره ، و أذعن لهيبته ، و وقف الجاري منه لخشيته [ 4 ] ، و جبل جلاميدها ، و نشوز متونها و أطوادها ، فأرساها في مراسيها ، و ألزمها قرارتها [ 5 ] . فمضت رؤوسها في الهواء ،
[ 1 ] فطر . . . : خلق . و أطباقها : بعضها فوق بعض . فتق الشيء : شقّه ففتقها : جعلها سبع سماوات . و إرتتاقها :
إنطباقها .
[ 2 ] و قامت على حدّه : على ما حدّ لها من نهايات و أبعاد و قوة .
[ 3 ] أرسى الشيء : أثبته . المتعنجر : السيّال الكثير الماء .
و القمقام : البحر . و المسخّر : المذلل بالقدرة .
[ 4 ] و وقف الجاري . . . : الماء . لخشيته : بإرادته .
[ 5 ] جبل . . . : خلق . و جلاميدها : صخورها . و النشوز :
المرتفعات . و متونها : ما صلب منها و إرتفع . و أطوادها جمع طود : الجبل العظيم . و مراسيها : مواضعها . و ألزمها قراراتها : أمسكها بالمواضع التي إستقرت فيها .
[ 64 ]
و رست [ 1 ] أصولها في الماء ، فأنهد ، جبالها عن سهولها ، و أساخ قواعدها في متون أقطارها و مواضع أنصابها [ 2 ] ، فأشهق قلالها ، و أطال أنشازها [ 3 ] ، و جعلها للأرض عمادا ، و أرّزها فيها أوتادا [ 4 ] ، فسكنت على حركتها من أن تميد
[ 1 ] رست : ثبتت .
[ 2 ] أنهد . . . : رفع . و أساخ قواعدها : جعل أصولها غائصة .
و متونها : جوانبها . و مواضع انصابها : ما انتصب منها .
[ 3 ] فاشهق قلالها . . . : شهق الجبل : عظم ارتفاعه . و قلة كل شيء : قمته و أعلاه . و أطال إنشازها : العوالي منها .
[ 4 ] و جعلها للأرض عمادا . . . : عماد الشيء : ما يقوم به ،
و لولاه لسقط و زال . و أرزّها : أثبتها . و الوتد : ما ثبت في الأرض أو الحائط من خشب . و المراد : جعل اللَّه سبحانه الجبال في الأرض بمنزلة الوتد في الخيمة وَ الجِبَالَ اَوتَاداً 78 : 7 .
[ 65 ]
بأهلها أو تسيخ [ 1 ] بحملها ، أو تزول عن مواضعها فسبحان [ 2 ] من أمسكها بعد موجان مياهها ،
و أجمدها بعد رطوبة أكنافها [ 3 ] ، فجعلها لخلقه مهادا [ 4 ] و بسطها لهم فراشا فوق بحر لجّىّ راكد لا يجري ، و قائم لا يسري [ 5 ] ، تكركره الرّياح العواصف ، و تمخضه الغمام الذّوارف [ 6 ] إنَّ
[ 1 ] فسكنت على حركتها . . . : مع أنها تدور حول الشمس .
و كلامه عليه السلام مطابق لما وصل إليه العلم الحديث .
و تميد : تتحرك و تضطرب . . . و تسيخ : تغوص . أو تزول عن مواضعها : تتحول و تنتقل .
[ 2 ] فسبحان من أمسكها : تنزّه .
[ 3 ] أكنافها : جوانبها .
[ 4 ] فجعلها لخلقه مهادا : بساطا .
[ 5 ] فوق بحر لجي . . . : كثير الماء . و قائم لا يسري : ثابت لا يتحرّك .
[ 6 ] تكركره . . . : تصرفه و تذهب به . و الرياح العواصف :
الشديدة الهبوب . و تمخضه الغمام : مخض السقاء :
ليستخرج زبده . و ذرف الدم ذرفا : سال . و كلامه صلوات اللَّه عليه وصف علمي لتبخر الماء من البحر و نزول المطر .
[ 66 ]
فِي ذَلِكَ لِعَبْرَةً [ 1 ] لِمَنْ يَخْشَى .