أمّا بعد ، فإنّ اللّه سبحانه بعث محمّدا ،
صلّى اللّه عليه و آله ، و ليس أحد من العرب يقرأ كتابا ، و لا يدّعي نبوّة و لا وحيا ، فقاتل بمن أطاعه من عصاه ، يسوقهم إلى منجاتهم [ 1 ] و يبادر بهم السّاعة أن تنزل بهم ، يحسر الحسير [ 2 ] و يقف
[ 1 ] يسوقهم الى منجاتهم . . . : يسارع بهم إلى ما ينجيهم من عذاب الآخرة . و يبادر : يسرع . و الساعة :
القيامة .
[ 2 ] يحسر الحسير . . . : الحسير : الذي أعيا في طريقه .
و المراد به من ضعفت عقيدته من المسلمين ، أو جاءه الشيطان بشبهة كادت تظله في دينه ، و تشغله عن اللّه تعالى ، فكان صلّى اللّه عليه و آله يلاحظ هؤلاء مع كثرة أعماله و يكشف ما بهم حتّى يرجعوا إلى صفوفهم الأولى في الإيمان و العقيدة باستثناء من لا خير فيه من المنافقين و يقف الشيء أو الأثر يتبعه .
[ 46 ]
الكسير ، فيقيم عليه حتّى يلحقه غايته ، إلاّ هالكا لا خير فيه ، حتّى أراهم منجاتهم [ 1 ] ،
و بوّأهم محلّتهم ، فاستدارت رحاهم [ 2 ] و استقامت قناتهم ، و ايم اللّه لقد كنت من
[ 1 ] أراهم منجاتهم . . . : بصرهم طريق نجاتهم و فوزهم .
و بوأهم محلتهم : أنزلهم المحل الذي تسلم به دنياهم و آخرتهم .
[ 2 ] فاستدارت رحاهم . . . : الرّحا : آلة الطحن .
و استدارتها : وجود الحبوب التي تطحنها . و المراد :
انتظام أمورهم ، و وفرة ارزاقهم . و استقامت قناتهم :
القناة : الرمح . و المراد : ما حصل لهم من قوّة قهروا بها أعداءهم ، و استعلائهم على الأمم بعد أن كانوا دونهم .
[ 47 ]
ساقتها [ 1 ] حتّى تولّت بحذافيرها ، و استوثقت في قيادها : ما ضعفت و لا جبنت ، و لا خنت و لا وهنت [ 2 ] ، و ايم اللّه لأبقرنّ الباطل حتّى أخرج الحقّ من خاصرته [ 3 ] .
[ 1 ] و أيم اللّه لقد كنت من ساقتها . . . : و أيم اللّه : قسم .
و الساقة : مؤخر الجيش السائق لمقدمة . و تولّت بحذافيرها : انهزمت بأجمعها . و استوسقت في قيادها :
اجتمعت في ذل الإنقياد كالابل المنقادة . و المراد :
الإشارة الى مقامه في حروب الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله ، و هذا مما لا يختلف فيه أثنان .
بني الدين فاستقام و لو لا
ضرب ماضيك ما استقام البناء
[ 2 ] و لا وهنت : و لا ضعفت .
[ 3 ] و أيم اللّه لأبقرن الباطل حتّى أخرج الحق من خاصرته :
سوف أكشف ما تعلّل به القوم من الاباطيل في خروجهم حتى يتبين للناس وجه الحق .
[ 48 ]