أوصيكم أيّها النّاس بتقوى اللّه ، و كثرة حمده على آلائه إليكم ، و نعمائه عليكم ، و بلائه لديكم [ 2 ] . فكم خصّكم بنعمة ، و تدارككم
[ 1 ] انّما مثلي بينكم . . الخ : أنا فيكم مثل مصباح في ظلمة ،
أنير لكم طريق الأمن و السلامة ، و كذلك هو اليوم بأولاده الأحد عشر عليهم السلام ، و ما أوثر من علومهم ، و دوّن من تعاليمهم ، و هذا نهج البلاغة ، سراج ينير طريق السالكين الى اللّه تعالى . ولجها : دخلها .
[ 2 ] تقوى اللّه . . . : العمل بأوامره ، و الانتهاء عمّا نهى عنه .
و آلائه : نعمه . و نعمائه : عطائه . و بلائه لديكم : إحسانه عليكم .
[ 90 ]
برحمة أعورتم [ 1 ] له فستركم ، و تعرّضتم لأخذه فأمهلكم ، و أوصيكم بذكر الموت و إقلال الغفلة عنه ، و كيف غفلتكم عمّا ليس يغفلكم ، و طمعكم فيمن ليس يمهلكم [ 2 ] ؟ فكفى واعظا بموتى عاينتموهم ، حملوا إلى قبورهم غير راكبين ،
و أنزلوا فيها غير نازلين فكأنّهم لم يكونوا للدّنيا عمّارا ، و كأنّ الآخرة لم تزل لهم دارا ، أوحشوا
[ 1 ] أعورتم له : المراد بالعورة كل ما يستحيى منه .
[ 2 ] أوصيكم بذكر الموت . . . : ان المسلم اذا جعل الموت نصب عينيه يمتنع عن ارتكاب المحرمات . و كيف غفلتكم عمّا ليس يغفلكم : ليس من العقل التغافل عن الموت و عن الاستعداد له في حين أنّه يسير نحونا بخطى سريعة .
و طمعكم فيمن ليس يمهلكم : فَإذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَ لاَ يَسْتَقْدِمُونَ 7 : 34 .
[ 91 ]
ما كانوا يوطنون ، و أوطنوا [ 1 ] ما كانوا يوحشون ،
و اشتغلوا بما فارقوا ، و أضاعوا ما إليه انتقلوا [ 2 ] ، لا عن قبيح يستطيعون انتقالا ، و لا في حسنة يستطيعون ازديادا أنسوا بالدّنيا فغرّتهم ، و وثقوا بها فصرعتهم . فسابقوا رحمكم اللّه إلى منازلكم الّتي أمرتم أن تعمروها ، و الّتي رغّبتم فيها ،
و دعيتم إليها ، و استتمّوا نعم اللّه عليكم بالصّبر
[ 1 ] أوحشوا ما كانوا يوطنون . . . : أوحش المكان : صار قفرا و خلا من الناس . و أوطنوا ما كانوا يوحشون : أوطن المكان : اتخذه وطنا . و المراد : تخلّوا عن مساكنهم و استبدلوا بها القبور
و استنزلوا بعد عزّ عن معاقلهم
فأودعوا حفرا يا بئس ما نزلوا
[ 2 ] اشتغلوا بما فارقوا . . . : كان اهتمامهم للدنيا ، و سعيهم لها ، فلم يصحبهم منها إلاّ الكفن . و أضاعوا : أهملوا . ما إليه انتقلوا : لم يأخذوا ما يصلحهم لمثواهم الأخير ،
و دارهم الباقية .
[ 92 ]
على طاعته [ 1 ] ، و المجانبة لمعصيته ، فإنّ غدا من اليوم قريب ، ما أسرع السّاعات في اليوم [ 2 ] ،
و أسرع الأيّام في الشّهور ، و أسرع الشّهور في السّنة ، و أسرع السّنين في العمر .