أمّا بعد فإنّك ممّن أستظهر به على إقامة
[ 1 ] تجافت . . . : التجافي : تعاطي الارتفاع عن الشيء و المضجع : موضع الاضطجاع . و يصفهم القرآن الكريم تَتَجافى جُنُوبُهُم عَن المضَاجع يدعُونَ ربَّهم خَوفاً وَ طَمَعاً وَ مما رَزَقناهُم يُنفقُون 32 : 17 . و جاء في تفسيرها : ترتفع جنوبهم عن مواضع اضطجاعهم لصلاة الليل ، و هم المتهجدون بالليل ، الذين يقدمون عن فرشهم للصلاة . و همهم الرجل :
تكلّم بكلام خفي و تقشّع الليل : ذهب و أدبر . و المراد : ان اللَّه سبحانه و تعالى غفر لهم ذنوبهم ، و أعطاهم أكثر مما أمّلوا .
[ 25 ]
الدّين ، و أقمع به نخوة الأثيم و أسدّ به لهاة الثّغر [ 1 ] المخوف . فاستعن باللَّه على ما أهمّك ،
و اخلط الشّدّة بضغث من اللّين [ 2 ] ، و ارفق ما كان الرّفق أرفق ، و اعتزم بالشّدّة [ 3 ] حين لا يغني عنك
[ 1 ] استظهر به . . . : أستعين به . على إقامة الدين : إعلاء كلمته ، و رفع رايته خفّاقة . و أقمع : أذل و أقهر . و النخوة :
التكبر . و الأثيم : فاعل ما يأثم به . و أسد به : أصلح .
و اللهاة : اللحمة المشرفة على الحلق . و المراد : منفذ الثغرة ، و نقطة الضعف فيه . و الثغر : الموضع يخاف منه هجوم العدو .
[ 2 ] أخلط الشدّة بضغث من اللين : الضغث : كل ما جمع و قبض عليه بجمع الكف . و المراد : استعمل الشدّة تخويفا للعصاة ، و امزجها باللين جلبا لهم للإستقامة .
[ 3 ] و ارفق ما كان الرفق أرفق . . . : رفق به : لان جانبه ،
و حسن صنيعه . و المراد : إستعمال ما كان به صلاح الأمر .
و اعتزم بالشدّة حين لا يغني عنك إلاّ الشدّة : عزم : جدّ و المراد : إستعمال الشدّة في الحالات التي لا يمكن الإستعاضة عنها ، كتأديب العصاة و ردع المخربين .
[ 26 ]
إلاّ الشّدّة و اخفض للرّعيّة جناحك و ابسط لهم وجهك و ألن لهم جانبك ، و آس بينهم في اللّحظة و النّظرة [ 1 ] و الإشارة و التّحيّة ، حتّى لا يطمع العظماء في حيفك ، و لا ييأس الضّعفاء من عدلك [ 2 ] و السّلام .
[ 1 ] و اخفض للرعية جناحك . . . : خفض الطائر جناحه : إذا ضمّ فرخه إليه . و المراد : إستعمال التواضع . و ألن لهم جانبك : لان الشيء لينا : سهل و انقاد . و الجنب من كل شيء : ناحيته . و المراد : إستعمال اللين و المساهلة . و آس بينهم : إجعلهم أسوة . في اللحظة : الوقت القصير .
بمقدار لحظ العين . و نظر الى الشيء : أبصره و تأمله بعينه . و المراد : إنتهج العدالة في سيرتك مع الرعيّة حتى في أبسط الأمور .
[ 2 ] حتى لا يطمع العظماء في حيفك . . . : ظلمك . و لا ييأس الضعفاء من عدلك : بل يكون أملهم بك كبيرا و المراد : إذا كنت تتوخى العدالة في صغير الأمور و كبيرها ،
فحينئذ لا يبقى مجال للعظماء و الخاصة في ظلم ضعفاء الرعية و قهرهم .
[ 27 ]