نحمده على ما أخذ و أعطى ، و على ما أبلى و ابتلى [ 1 ] الباطن لكلّ خفيّة [ 2 ] و الحاضر لكلّ سريرة ، العالم بما تكنّ الصّدور ، و ما تخون
[ 1 ] أبلى . . . : أعطى ، يقال : أبلاه اللّه بلاء حسنا إذا أنعم عليه و أعطاه ، و ابتلى : أصابته مصائب الدنيا و محنها .
[ 2 ] الباطن لكل خفيّة . . . : العالم بخفايا الأمور يَعلمُ السِّرَّ و أخفى 20 : 7 مَا يَكُونُ مِن نَجوى ثَلاَثَةٍ إلاّ هُوَ رَابِعُهُمْ و لاَ خَمْسةٍ إلاّ هوَ سَادِسُهُم و لاَ أدنى مِن ذلِكَ وَ لاَ أكْثَرَ إلاّ هُوَ مَعَهُم أيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ ينَبِّئُهُم بِما عَمِلُوا يَومَ الْقِيامةِ إنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيم 58 : 7 .
[ 79 ]
العيون [ 1 ] ، و نشهد أن لا إله غيره ، و أنّ محمّدا نجيبه و بعيثه [ 2 ] شهادة يوافق فيها السّرّ الإعلان و القلب اللّسان .
منها : فإنّه و اللّه الجدّ لا اللّعب ، و الحقّ لا الكذب ، و ما هو إلا الموت قد أسمع داعيه و أعجل حاديه [ 3 ] ، فلا يغرّنّك سواد النّاس من
[ 1 ] تكنّ الصدور . . . : ما تخفيه و تستره . و ما تخون العيون :
هي النظرات المحرّمة ، و اللحظات الخفية يَعلمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَ مَا تُخْفِي الصُّدُورُ 40 : 19 .
[ 2 ] نجيبه . . . : المنتجب ، المختار من الخلائق . بعيثه :
المبعوث إليهم بالرسالة .
[ 3 ] اسمع داعيه . . . : بلغته دعوته ، ان البشرية بأسرها لا تشكّ بأن مصيرها الى الموت . و أعجل حاديه : تقول : حدوت الابل : اذا حثثتها على السير بالحداء . و المراد : ان الموت أعجلهم قبل أخذهم ما يلزمهم لسفرهم الطويل تفريطا منهم بحق أنفسهم .
[ 80 ]
نفسك [ 1 ] ، فقد رأيت من كان قبلك ممّن جمع المال ، و حذر الإقلال ، و أمن العواقب [ 2 ] ، طول أمل [ 3 ] استبعاد أجل ، كيف نزل به الموت فأزعجه عن وطنه ، و أخذه من مأمنه ، محمولا على أعواد المنايا ، يتعاطى به الرّجال الرّجال حملا على المناكب ، و إمساكا بالأنامل . أما رأيتم الّذين يؤمّلون بعيدا ، و يبنون مشيدا ،
و يجمعون كثيرا ، كيف أصبحت بيوتهم قبورا ،
و ما جمعوا بورا [ 4 ] ، و صارت أموالهم للوارثين ،
[ 1 ] فلا يغرنّك سواد الناس من نفسك : لا تغترّ بكثرة الاحياء الذين تراهم فيؤدّي بك الى نسيان الموت و هو يترصّدك .
[ 2 ] حذر الاقلال . . . : خاف الفقر . و العاقبة : ما يؤول إليه امره .
و المراد : كان لا يخاف مفاجآت الحياة ، و نكبات الدهر .
[ 3 ] طول أمل : أمّل ان يعيش طويلا .
[ 4 ] بورا : هالكا .
[ 81 ]
و أزواجهم لقوم آخرين ، لا في حسنة يزيدون ،
و لا من سيّئة يستعتبون [ 1 ] ؟ فمن أشعر التّقوى قلبه برّز مهله [ 2 ] و فاز عمله ، فاهتبلوا هبلها [ 3 ] ،
و اعملوا للجنّة عملها ، فإنّ الدّنيا لم تخلق لكم دار مقام ، بل خلقت لكم مجازا [ 4 ] لتزوّدوا منها الأعمال إلى دار القرار ، فكونوا منها على أوفاز ،
[ 1 ] لا في حسنة يزيدون . . . : أنغلقت صفحات أعمالهم فلا يمكنهم أن يزدادوا حسنة واحدة . و يستعتبون : يطلبون ،
العتبى ( رضاء اللّه تعالى عنهم ) . و المراد : ذهبت منهم فرصة عمل الخير ، و التوبة من الذنوب .
[ 2 ] فمن أشعر التقوى قلبه . . . : الشعار : الثوب الذي يلي الجسد . و التقوى : العمل بأوامر اللّه تعالى ، و اجتناب ما نهى عنه . و المراد : ملازمته للتقوى ملازمة الثوب للجسد . و برز مهله : سبق الآخرين و تقدّمهم .
[ 3 ] فاهتبلوا هبلها : اغتنموا فرصتها .
[ 4 ] مجازا : طريقا .
[ 82 ]
و قرّبوا الظّهور للزّيال [ 1 ] .