بسم اللَّه الرحمن الرحيم 194 و كان عليه السلام يقول : متى أشفي غيظي إذا غضبت ؟ أحين أعجز عن الانتقام فيقال لي لو صبرت ؟ أم حين أقدر عليه فيقال لي لو عفوت [ 1 ] . 195 و قال عليه السلام و قد مر بقذر على مزبلة : هذا ما بخل به الباخلون [ 2 ] .
و روي في خبر آخر أنه قال : هذا ما كنتم تتنافسون فيه بالأمس .
[ 1 ] متى أشفي غيظي . . الخ : تشفّى من عدوه : بلغ ما يذهب غيظه منه . و المراد : الأخذ بمعالي الأمور . و ترك التشفي لأنه رذيلة تنافي مكارم الأخلاق .
[ 2 ] هذا ما بخل به الباخلون : حرموا من أن يكسبوا به الثناء في العاجل ، و الإنتفاع به في الآجل ، فآل أمره إلى هذه الحال
[ 6 ]
196 و قال عليه السلام : لم يذهب من مالك ما وعظك [ 1 ] . 197 و قال عليه السلام : إنّ هذه القلوب تملّ كما تملّ الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكمة [ 2 ] . 198 و قال عليه السلام لما سمع قول الخوارج « لا حكم إلا للَّه » : كلمة حقّ يراد بها باطل [ 3 ] .
[ 1 ] لم يذهب من مالك ما وعظك : العوارض التي تذهب بالأموال إذا أبقت لصاحب المال عبرة يعتبر بها ، فقد أبقت له أكثر مما أخذت .
[ 2 ] أن هذه القلوب تمل كما تمل الأبدان . . . : يصيبها كلل ،
و يعتريها كسل ، فابتغوا لها طرائف الحكمة : لطائفها و غرائبها المعجبة للنفس ، المحببة لها ، ليزداد نشاطها ،
و تستعيد قواها .
[ 3 ] لا حكم إلاّ للَّه . . . : شعار الخوارج ، رفعوه يوم صفين .
كلمة حق : لان له الحكم ، وله الأمر إِنِ الحُكُم إلاّ للَّه 13 : 67 . يراد بها باطل : الخداع ، و التغرير بالآخرين ،
لأن اللَّه سبحانه فوّض أمر الحكم للأنبياء و الأئمة ، بل حتّى للمصلحين . قال تعالى فَابعَثُوا حَكَماً مِنِ أهلِهِ و حَكَماً مِن أَهلِهَا 4 : 35 . و قال تعالى : يَحكُمُ بِهَ ذَوَا عدلٍ مِنكُم 5 : 95 .
[ 7 ]
199 و قال عليه السلام في صفة الغوغاء :
هم الّذين إذا اجتمعوا غلبوا ، و إذا تفرّقوا لم يعرفوا [ 1 ] ، و قيل : بل قال عليه السلام : هم الّذين إذا اجتمعوا ضرّوا ، و إذا تفرّقوا نفعوا ،
فقيل : قد عرفنا مضرة اجتماعهم فما منفعة افتراقهم ؟ فقال : يرجع أصحاب المهن إلى مهنتهم ، فينتفع النّاس بهم كرجوع البنّاء إلى
[ 1 ] الغوغاء . . . : السفلة من الناس . إذا اجتمعوا غلبوا لكثرتهم ، و هم المسخّرون في زماننا للساسة و الأحزاب ،
يستخدمونهم ، و يبلغون بهم مآربهم . و إذا تفرّقوا لم يعرفوا :
لخمولهم .
[ 8 ]
بنائه ، و النّسّاج إلى منسجه ، و الخبّاز إلى مخبزه . 200 و أتى بجان و معه غوغاء ، فقال : لا مرحبا بوجوه لا ترى إلاّ عند كلّ سوأة [ 1 ] . 201 و قال عليه السلام : إنّ مع كلّ إنسان ملكين يحفظانه ، فإذا جاء القدر خلّيا بينه و بينه ،
و إنّ الأجل جنّة حصينة [ 2 ] .
[ 1 ] أتي بجان . . . : مذنب . لا مرحبا بوجوه لا ترى إلاّ عند كل سوأة : عند كل خلّة قبيحة . . و المراد : ان السفلة و البطالين يكثرون في مثل هذه المشاهد .
[ 2 ] الأجل . . . : مدة العمر المقدّر للإنسان . و جنّة : سترة ،
و ما تسترت به من سلاح و نحوه . و حصينة : محكمة .
و المراد : قد يتعرض الإنسان لنكبات مهلكة فينجو منها لأن أجله بعد لم يحن .
[ 9 ]
202 و قال عليه السلام ، و قد قال له طلحة و الزبير : نبايعك على أنا شركاؤك في هذا الأمر :
لا ، و لكنّكما شريكان في القوّة و الاستعانة ،
و عونان على العجز و الأود [ 1 ] . 203 و قال عليه السلام : أيّها النّاس ، اتّقوا اللَّه الّذي إن قلتم سمع ، و إن أضمرتم علم [ 2 ] ،
و بادروا الموت الّذي إن هربتم منه أدرككم ،
و إن أقمتم أخذكم ، و إن نسيتموه ذكركم [ 3 ] .
[ 1 ] العجز . . . : الضعف . و الأود : الإعوجاج .
[ 2 ] أضمرتم : أخفيتم يَعلَمُ السّرَّ وَ أَخفَى 20 : 7 .
[ 3 ] بادروا الموت . . . : بادر : أسرع . و المراد : عجلوا بالأعمال التي تنفعكم عند الموت و ما بعده . الذي ان هربتم أدرككم أَينَمَا تَكُونُوا يُدرِككُم الموتُ وَ لَو كُنتُم في بُروجٍ مَشَيّدَةٍ 4 : 78 . و إن أقمتم أخذكم : فأنتم في كل الأحوال في قبضته . و إن نسيتموه ذكركم : لا ينساكم .
[ 10 ]
204 و قال عليه السلام : لايزهدنّك في المعروف من لا يشكر لك ، فقد يشكرك عليه من لا يستمتع بشيء منه ، و قد تدرك من شكر الشّاكر أكثر ممّا أضاع الكافر ، و اللَّه يحبّ المحسنين [ 1 ] .
[ 1 ] لا يزهدنك في المعروف من لا يشكر لك . . . : هناك قسم من الناس فيهم استعلاء أو جهل ، فيخيل إليهم أن من واجب الآخرين خدمتهم ، و الإحسان إليهم ، فهم لأجل ذلك لا يشكرون محسنا ، و لا يثيبون عاملا : و الإمام عليه السلام يدعو إلى مواصلة الإحسان سواء شكر أم كفر . فقد يشكرك عليه من لا يستمتع بشيء منه : يكفي المحسن فضلا ان يكسب ود المجتمع و حبهم ، فيسيد بذكره من لم يستفد منه ، و يلهج بمدحه من لم يتصل به . و قد تدرك من شكر الشاكر أكثر مما أضاع الكافر : فيحصل لك الشكر و الثناء بأكثر مما فاتك من كافري النعم ، و منكري الإحسان . و اللَّه يحب المحسنين :
و هذا وحده يكفي المسلم في المبادرة بالمعروف ،
و الإحسان إلى الناس .
[ 11 ]
205 و قال عليه السلام : كلّ وعاء يضيق بما جعل فيه إلاّ وعاء العلم فإنّه يتّسع [ 1 ] . 206 و قال عليه السلام : أوّل عوض الحليم من حلمه أنّ النّاس أنصاره على الجاهل [ 2 ] . 207 و قال عليه السلام : إن لم تكن حليما فتحلّم ، فإنّه قلّ من تشبّه بقوم إلاّ أوشك أن
[ 1 ] كل وعاء يضيق بما جعل فيه إلاّ وعاء العلم فإنه يتسع :
الوعاء : الظرف يوعى فيه الشيء . و المراد : ان كل إناء له مقدار معيّن في استيعاب المادة ، فيعجز عن الإستقبال بأكثر من محتواه ، عدا وعاء العلم و هو العقل ففيه الإستعداد و القابلية لاستيعاب علوم الدنيا .
[ 2 ] أوّل عوض الحليم عن حلمه أن الناس أنصاره على الجاهل : حلم حلما : سكن عند غضب أو مكروه مع قدرة و قوّة . و المراد : أوّل مكسب يحصل عليه الحليم هو عواطف الناس و حبّهم و وقوفهم إلى جانبه .
[ 12 ]
يكون منهم [ 1 ] . 208 و قال عليه السلام : من حاسب نفسه ربح ، و من غفل عنها خسر ، و من خاف أمن ،
و من اعتبر أبصر ، و من أبصر فهم ، و من فهم علم [ 2 ] .
[ 1 ] إن لم تكن حليما فتحلّم . . . : الحلم بل جميع الفضائل يمكن الحصول عليها بالتمرن و الإكتساب ، فكما يتدرج الأمر في التعلم على مبادىء القراءة و الكتابة كذلك يتدرج في التخلق بالاخلاق العالية . فإنه قلّ من تشبه بقوم إلاّ أوشك أن يكون منهم : يساويهم في طبعهم و أخلاقهم .
[ 2 ] من حاسب نفسه ربح . . . : نظير الحديث : ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ) و المراد : فتش عن أعمالك الصالحة فازدد منها ، و عن السيئة فاقلع عنها . و من غفل عنها خسر : يترك لها العنان حتى تورده المهالك ، فيخسر الجنّة و نعيمها و ذلك هو الخسران المبين . و من خاف : العذاب .
أمن : نجا منه . و من اعتبر : إستفاد من العبر و المواعظ التي وردت في القرآن الكريم ، و أحاديث الرسول الأعظم صلى اللَّه عليه و آله . أبصر : طريق النجاة . و من أبصر فهم :
المطلوب منه . و من فهم علم : الطريق الموصل إلى رضوان اللَّه تعالى فيسلكه .
[ 13 ]
209 و قال عليه السلام : لتعطفنّ الدّنيا علينا بعد شماسها عطف الضّروس على ولدها .
و تلا عقيب ذلك : وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ . 210 و قال عليه السلام : اتّقوا اللَّه تقيّة من شمّر تجريدا و جدّ تشميرا و كمّش في مهل و بادر
[ 1 ] لتعطفن الدنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها : لتعطفن الدنيا : تميل إلينا ، و تتحول لصالحنا .
و شمس الفرس شموسا : جمح و نفر . و الضروس : الناقة السيئة الخلق ، تعض حالبها شفقة منها على ولدها . و كلامه عليه السلام إشارة إلى ما أجمعت عليه الأمة من حديثه صلى اللَّه عليه و آله و سلم : ( لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لبعث اللَّه فيه رجلا من أهل بيتي يملؤها عدلا كما ملئت جورا ) .
[ 14 ]
عن وجل ، و نظر في كرّة الموئل ، و عاقبة المصدر و مغبّة المرجع [ 1 ] . 211 و قال عليه السلام : الجود حارس الأعراض ، و العلم فدام السّفيه ، و العفو زكاة
[ 1 ] إتقوا اللَّه تقية . . . : إحذروا عقابه . من شمّر تجريدا شمّر في الأمر : خفّ و نهض . و تجرد للأمر : جدّ فيه . و المراد توجّه بكله إلى طاعة اللَّه تعالى . و جدّ تشميرا : إجتهد فيما يسعده غدا . و أكمش : أسرع . في المهل : الإمهال .
و المراد به فسحة العمر و استغلالها للعمل الصالح . و بادر عن وجل : أسرع في خوف . و المراد : خائف من رد أعماله ،
أن يؤخذ بسيئاته . و نظر في كرّة الموئل : الكرّة : الرجعة .
و الموئل : المرجع . و المراد : مشاهد القيامة ، و الرجوع إلى حكم اللَّه تعالى وَ اتَّقُوا يَوماً تُرجَعُونَ فِيه إلىَ اللَّهِ ثُمّ تُوفَّى كُلُّ نَفسٍ مَا كَسَبَت وَ هُم لاَ يُظلَمُونَ 2 : 281 . و عاقبة المصدر : العاقبة : مصير كل شيء . و المصدر : ما يصدر عنه الشيء . و المراد : تقدم على عملك . و مغبة المرجع :
المغبّة : العاقبة . و المرجع : ما ترجع إليه مما قدمته من عمل حسن أو سيىء .
[ 15 ]
الظّفر ، و السّلوّ عوضك ممّن غدر ، و الاستشارة عين الهداية . و قد خاطر من استغنى برأيه ،
و الصّبر يناضل الحدثان و الجزع من أعوان الزّمان ، و أشرف الغنى ترك المنى ، و كم من عقل أسير تحت هوى أمير ، و من التّوفيق حفظ التّجربة ، و المودّة قرابة مستفادة ، و لا تأمننّ ملولا [ 1 ] .
[ 1 ] الجود حارس الأعراض . . . : بمعنى الحديث : ( خير المال ما وقي به العرض ) و المراد : تسد به أفواه البطالين الذين يعيبون الناس . و الحلم فدام السفيه : حلم : تأنى و سكن عند غضب أو مكروه مع قدرة و قوّة . و الفدام : ما يشد على فم الإبريق و نحوه لتصفية ما يخرج منه . و سفه :
خفّ و طاش . و المراد : الحلم أحسن علاج لمقابلة السفيه ، و الأمن من شرّه . و العفو زكاة الظفر : نظير كلمته :
( إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو شكرا للقدرة عليه ) و الإمام عليه السلام يدعو المسلمين إلى استعمال العفو عند المقدرة ، و هو ما كان ينهجه و يسير عليه ، فقد عفا عن أشد الناس عداوة له كابن الزبير و مروان بن الحكم . و السلو عوضك ممن غدر : السلو : نسيان الشيء ، و تطييب النفس بعد فراقه . و المراد : لا تزيد آلامك ، و تتعب فكرك فيمن غدر بك ، بل استعمل الصبر ، و أوكل الأمر إلى اللَّه تعالى ،
فهو أقدر على أخذ حقوقك . و الإستشارة عين الهداية :
الطريق الصحيح الموصل إلى نهج الصواب . و قد خاطر من استغنى برأيه : لعدم استقصائه في الأمر ، و اطلاعه على وجوه الآراء . و الصبر يناضل الحدثان : يناضل : يحامي و يدافع و يتكلم عنه بقوة . و الحدثان : الليل و النهار .
و المراد : الصبر أحسن عون يستعان به على المكاره و الشدائد . و الجزع من أعوان الزمان : الجزع : عدم الصبر على ما نزل به . و المراد : ان الجازع يزيد نفسه شقاء و بلاء ، و يخسر من دينه و صحته أكثر من خسرانه بمصيبته .
و أشرف الغنى ترك المنى جمع منية : و هو ما يتمناه الإنسان و يشتهيه ، و الإسلام يريد من المسلم الاعراض عن زخارف الدنيا ، و حتى عدم التفكير فيها ، و تمني حصولها . و كم من عقل أسير تحت هوى أمير : جعل عقله خاضعا لهواه يتحكم فيه كيف شاء ، بينما المفروض بالمسلم أن يخضع هواه لعقله ، ليأمن مكاره الدنيا و الآخرة . و من التوفيق حفظ التجربة : و هي نظير كلمته عليه السلام : ( التجربة علم مستأنف ) و المراد : ينبغي للعاقل الإستفادة من التجارب لحياته الطويلة . و المودّة قرابة مستفادة : المودّة : المحبّة .
و المراد : ان أصدقاء الإنسان و محبيه بمنزلة أقربائه و عشيرته .
و لا تأمنن ملولا : الملول : السريع الملل و الضجر .
و المراد : مثل هذا الشخص لا يصلح لتحمل الأمانة .
[ 16 ]
212 و قال عليه السلام : عجب المرء
[ 17 ]
بنفسه أحد حسّاد عقله [ 1 ] . 213 و قال عليه السلام : أغض على القذى و الألم ترض أبدا [ 2 ] .
[ 1 ] عجب المرء بنفسه أحد حسّاد عقله : العجب يعرقل حركة التقدم و الإزدياد من الخير فهو يشبه الحاسد الذي يستهدف إستنقاص المحسود .
[ 2 ] أغض على القذى و الألم ترض أبدا : أغض : تغافل .
و القذى : ما يكون في العين من تراب و نحوه . و المراد :
إستسلم للأمر الواقع الذي لا يمكن تغييره و استبداله ،
يحصل لك اطمئنان و راحة نفسية .
[ 18 ]
214 و قال عليه السلام : من لان عوده كثفت أغصانه [ 1 ] . 215 و قال عليه السلام : الخلاف يهدم الرّأي [ 2 ] . 216 و قال عليه السلام : من نال استطال [ 3 ] . 217 و قال عليه السلام : في تقلّب الأحوال علم جواهر الرّجال [ 4 ] .
[ 1 ] من لان عوده كثفت أغصانه : من حسنت أخلاقه كثر أحباؤه و أعوانه .
[ 2 ] الخلاف يهدم الرأي : ينقضه ، و يفت في عضد الجماعة و يذهب بقوتهم .
[ 3 ] من نال استطال : نال الشيء : أدركه و بلغه . و استطال :
علا و ارتفع . و المراد : ان الأموال تسبب دائما الكبرياء و الإستعلاء .
[ 4 ] في تقلب الأحوال . . . : تغيّرها و تبدلها . علم جواهر الرجال : تكشف عن مواهبهم و مقدرتهم ، و على سبيل المثال : من حصّل على مال أو سلطان ، فربما طغى و تجبّر ، أو اهتدى و استقام .
[ 19 ]
218 و قال عليه السلام : حسد الصّديق من سقم المودّة [ 1 ] . 219 و قال عليه السلام : أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع [ 2 ] . 220 و قال عليه السلام : ليس من العدل القضاء على الثّقة بالظّنّ [ 3 ] .
[ 1 ] حسد الصديق من سقم المودّة : الحسد رذيلة عظيمة ،
و يزداد شرّها إذا كان المستهدف الصديق ، لأن الصديق يجري مجرى نفس الإنسان ، فيكون بمثابة من حسد نفسه .
[ 2 ] أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع : صرعه : طرحه على الأرض . و المراد : ان المهاوي و الهلكات التي يسقط فيها العقلاء ، و يذهب منهم دينهم و دنياهم سببها المطامع .
[ 3 ] ليس من العقل القضاء على الثقة بالظن : الثقة : الائتمان ،
و يقال : رجل ثقة مؤتمن . و المراد : من كان عندك بهذه المنزلة فلا يجوز أن تتخلى عنه لمجرد الظن و إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغني مِن الحَقِّ شَيئاً 10 : 36
[ 20 ]
221 و قال عليه السلام : بئس الزّاد إلى المعاد ، العدوان على العباد [ 1 ] . 222 و قال عليه السلام : من أشرف أعمال الكريم غفلته عمّا يعلم [ 2 ] . 223 و قال عليه السلام : من كساه الحياء ثوبه لم ير النّاس عيبه [ 3 ] .
[ 1 ] بؤس الزاد الى المعاد العدوان على العباد : بئس : فعل جامد للذم ، ضد نعم في المدح . و المراد : أشد شيء يؤاخذ به الإنسان يوم القيامة هو حقوق الناس ، و التعدّي عليهم .
[ 2 ] من أشرف أعمال الكريم غفلته عما يعلم : من عيوب الآخرين ، إنشغالا بنفسه ، و ترفعا عن الخوض فيما لا يعنيه .
[ 3 ] من كساه الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه : إن سبب إقدام الناس على الجرائم هو تركهم الحياء و عدم رعايتهم للأدب فمن حافظ على هذه الفضيلة لم يقدم على قبيح .
[ 21 ]
224 و قال عليه السلام : بكثرة الصّمت تكون الهيبة ، و بالنّصفة يكثر المواصلون ،
و بالإفضال تعظم الأقدار ، و بالتّواضع تتمّ النّعمة و باحتمال المؤن يجب السّؤدد ، و بالسّيرة العادلة يقهر المناوىء ، و بالحلم عن السّفيه تكثر الأنصار عليه [ 1 ] .
[ 1 ] بكثرة الصمت تكون الهيبة . . . : و الوقار ، و بالعكس فإن الثرثرة تجلب المقت و الضعة . و بالنصفة : الإنصاف و مراعاة جانب العدل . يكثر المواصلون : المتصلون به . و المراد :
يكثر أعوانه و محبوه ، و المتعاملون معه . و بالإفضال :
الإحسان . تعظم الأقدار جمع قدر : المنزلة و الشأن .
و المراد : ان المحسنين ترتفع منازلهم ، و تسمو مراتبهم .
و بالتواضع تتم النعمة : يكثر الاخوان و الأصدقاء فتطيب الحياة ، و أيضا يضمن السلامة في دار البقاء . و باحتمال المؤن : القيام بنفقات الآخرين يجب السؤدد : الشرف .
و المراد : بالبذل و الأطعام يرتفع المرء و يسود كما هو مشاهد . و بالسيرة العادلة يقهر المناوي : المناواة : إظهار المعاداة و المفاخرة . و المراد : إذا حسنت سيرة المسلم ،
و سلك طريق الإستقامة غلب عدوه ، لأنه لا يجد سبيلا إلى إنتقاصه . و بالحلم عن السفيه تكثر الأنصار عليه : سفه سفها : خفّ و طاش . و المراد : بالاعراض عنه ، و عدم الرد عليه يحصل على من ينتصر له و يعينه عليه ، دون أن يطلب ذلك منهم .
[ 22 ]
225 و قال عليه السلام : العجب لغفلة الحسّاد عن سلامة الأجساد [ 1 ] . 226 و قال عليه السلام : الطّامع في وثاق الذّلّ [ 2 ] . 227 و سئل عن الإيمان فقال : الإيمان
[ 1 ] العجب لغفلة الحساد عن سلامة الأجساد : الحاسد يحسد على المال و شبهه . علما أن الصحة من أعظم النعم و أجلّها .
[ 2 ] الطامع في وثاق الذل : الطمع : الرغبة في الشيء و إشتهاؤه . و الوثاق : ما يشد به كالحبل و غيره . و المراد : انه لا ينفك عن المذلة و الإستهانة و الإنتقاص .
[ 23 ]
معرفة بالقلب ، و إقرار باللّسان ، و عمل بالأركان [ 1 ] . 228 و قال عليه السلام : من أصبح على الدّنيا حزينا فقد أصبح لقضاء اللَّه ساخطا ، و من أصبح يشكو مصيبة نزلت به فقد أصبح يشكو ربّه ، و من أتى غنيّا فتواضع لغناه ذهب ثلثا دينه و من قرأ القرآن فمات فدخل النّار فهو ممّن كان يتّخذ آيات اللَّه هزوا و من لهج قلبه بحبّ الدّنيا التاط قلبه منها بثلاث : همّ لا يغبّه ،
و حرص لا يتركه ، و أمل لا يدركه [ 2 ] .
[ 1 ] الإيمان معرفة بالقلب . . . : عقيدة . و إقرار باللسان : إعتراف بالشهادتين . و عمل بالأركان : الواجبات المفروضة .
[ 2 ] من أصبح على الدنيا حزينا فقد أصبح لقضاء اللَّه ساخطا . . . : لأنه الذي يقسّم الأرزاق ، و يدبّر أمر العباد بما يصلحهم . و من أصبح يشكو مصيبة نزلت به فقد أصبح يشكو ربّه : المفروض بالمسلم أن يعلم أن ذلك مصلحة له ،
و زيادة في ثوابه ، و عندما يتضايق منها يتوجه إلى اللَّه تعالى في كشفها أمّن يُجيبُ المُضطرَّ إذَا دَعَاهُ وَ يَكشِفُ السّوء 27 : 62 . و من أتى غنيا فتواضع لغناه ذهب ثلثا دينه : لأنه ينبىء عن تعلقه بالدنيا ، و عدم توجهه إلى اللَّه تعالى بحاجته ، و بتعظيم من لم يؤمر بتعظيمه . و من قرأ القرآن . .
الخ : يدل على أنه لم يكن يعمل بما جاء به ، فكانت القراءة حجّة أخرى لزمته فاستوجب بها النار . و من لهج قلبه بحب الدنيا : أولع به ، و ثابر عليه و اعتاده . و التاط قلبه . لصق به .
همّ : حزن . لا يغبّه أغب القوم : جاءهم يوما و تركهم يوما . و المراد : حزن يلازمه و لا ينفك عنه . و حرص لا يتركه : يلازمه ، و ينغص عليه عيشه ، فهو لحرصه يقل تنعمه و تلذذه بمواهب اللَّه تعالى . و أمل لا يدركه : فهو لو ملك جبلين من ذهب لابتغى لهما ثالثا .
[ 24 ]
229 و قال عليه السلام : كفى بالقناعة ملكا و بحسن الخلق نعيما [ 1 ] ، و سئل عليه
[ 1 ] كفى بالقناعة ملكا . . . : هي تكفي و تغني عن الملك و المال ، و يسعد بها أهلها أكثر من سعادة أهل المال بمالهم .
و بحسن الخلق نعيما : يتنعم به صاحبه في الدنيا بكثرة الأخوان ، و قضاء الحاجات ، و بالآخرة تكون له الدرجة الرفيعة ، و المرتبة السامية .
[ 25 ]
السلام عن قوله تعالى : فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ؟ فقال : هي القناعة . 230 و قال عليه السلام : شاركوا الّذي قد أقبل عليه الرّزق ، فإنّه أخلق للغنى و أجدر بإقبال الحظّ عليه [ 1 ] .
[ 1 ] شاركوا الذين قد أقبل عليهم الرزق . . . : إتسعت أرزاقهم . فإنه أخلق : أولى . و أجدر بإقبال الحظ عليه :
حظى بالرزق : نال حظا منه : و المراد : الإستقادة من خبرته التجارية ، و أيضا للتعاون في إدارة الأعمال ، و تكثير الأيدي العاملة ، و زيادة الإنتاج .
[ 26 ]
231 و قال عليه السلام في قوله تعالى :
إنَّ اللَّه يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسَانِ العدل :
الإنصاف ، و الإحسان : التّفضّل [ 1 ] . 232 و قال عليه السلام : من يعط باليد القصيرة يعط باليد الطّويلة . قال الرضي : أقول : و معنى ذلك أن ما ينفقه المرء من ماله في سبيل الخير و البرّ و إن كان يسيرا فإن اللَّه تعالى يجعل الجزاء عليه عظيما كثيرا ،
و اليدان ههنا : عبارتان عن النعمتين ، ففرق عليه السلام بين نعمة العبد و نعمة الرب تعالى ذكره فجعل تلك قصيرة و هذه طويلة ، لأن نعم اللَّه أبدا تضعف على نعم المخلوق أضعافا كثيرة إذ كانت
[ 1 ] الإنصاف . . . : التعامل بالإعتدال الذي ليس فيه ميل و لا اعوجاج . و التفضل : الزيادة في المعروف .
[ 27 ]
نعم اللَّه أصل النعم كلها ، فكل نعمة إليها ترجع و منها تنزع . 233 و قال عليه السلام لابنه الحسن عليهما السلام : لا تدعونّ إلى مبارزة و إن دعيت إليها فأجب فإنّ الدّاعي باغ و الباغي مصروع [ 1 ] .
234 و قال عليه السلام : خيار خصال النّساء شرار خصال الرّجال : الزّهو ، و الجبن ، و البخل فإذا كانت المرأة مزهوّة لم تمكّن من نفسها [ 2 ] ،
[ 1 ] لا تدعون إلى مبارزة : برز له : خرج لينازله . و باغ :
متجاوز الحد معتد و صرعه : طرحه على الأرض .
[ 2 ] خيار خصال النساء شرار خصال الرجال . . . : أحسن صفات النساء أسوأ صفات الرجال ، لأن اللَّه سبحانه قد جعل لكل واحد من خلقه ما يصلحه ، فالدواء الذي يصلح لزيد لو شربه عمرو لقتله . وزها : تاه و تعظّم و تفاخر . لم تمكن من نفسها : حافظت على عفافها و شرفها .
[ 28 ]
و إذا كانت بخيلة حفظت مالها و مال بعلها ، و إذا كانت جبانة فرقت [ 1 ] من كلّ شيء يعرض لها . 235 و قيل له : صف لنا العاقل ، فقال عليه السلام : هو الّذي يضع الشّيء مواضعه ، فقيل :
فصف لنا الجاهل ، فقال : قد فعلت . قال الرضي : يعني أن الجاهل هو الذي لا يضع الشيء مواضعه فكأن ترك صفته صفة له إذ كان بخلاف وصف العاقل . 236 و قال عليه السلام : و اللَّه لدنياكم هذه أهون في عيني من عراق خنزير في يد مجذوم [ 2 ] .
[ 1 ] فرقت : جزعت و اشتد خوفها . و المراد : ان خوفها يحميها من المخاطر ، و التعرّض للمكاره .
[ 2 ] أهون . . . : أذل و أحقر . من عراق خنزير : عرق العظم عرقا : أكل ما عليه من اللحم . في يد مجذوم : مصاب بالجذام . و هذا الوصف الغاية في الإستقذار و لو أن شيئا يزهد في الدنيا ، و يدعو إلى مجانبتها لكان هذا الكلام .
[ 29 ]
237 و قال عليه السلام : إنّ قوما عبدوا اللَّه رغبة فتلك عبادة التّجّار و إنّ قوما عبدوا اللَّه رهبة فتلك عبادة العبيد ، و إنّ قوما عبدوا اللَّه شكرا فتلك عبادة الأحرار [ 1 ] . 238 و قال عليه السلام : المرأة شرّ كلّها ،
[ 1 ] ان قوما عبدوا اللَّه رغبة فتلك عبادة التجار . . . : طلبوا بعبادتهم الفوز بالجنان . و ان قوما عبدوا اللَّه رهبة فتلك عبادة العبيد : طلبوا بها النجاة من العقاب . و ان قوما عبدوا اللَّه شكرا فتلك عبادة الأحرار : هي نظير كلمته عليه السلام : ما عبدتك خوفا من عقابك ، و لا طمعا في ثوابك ، و لكن وجدتك أهلا للعبادة . و هي مرتبة عظيمة لا تتأتى إلاّ لمثله .
[ 30 ]
و شرّ ما فيها أنّه لا بدّ منها [ 1 ] . 239 و قال عليه السلام : من أطاع التّواني ضيّع الحقوق ، و من أطاع الواشي ضيّع الصّديق [ 2 ] .
[ 1 ] المرأة شرّ كلها . . . : هي أعظم الواجهات خلافا و إثارة للمشاكل مع الرجل ، فلو أحصى إنسان التشنجات و الخلافات التي حصلت له في حياته مع الدولة و الجيران و الزبائن ،
و عامة المجتمع الذي يعيش فيه ، و ما حصل له مع زوجته لكانت الأخيرة هي الأكثر ، و لكن اللَّه سبحانه جعل الحب و المودّة و الأولاد مدعاة للوفاق و التصافي . و شر ما فيها أنه لا بد منها : فهي على ما فيها لا بد للرجل منها ، و لا غنى له عنها و ليس المراد من الكلمة توهين المرأة و إنتقاصها بل المراد : مراعاتها ، و تحمل أعبائها ، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم : ألا و من صبر على خلق امرأة سيئة الخلق ،
و احتسب في ذلك الأجر أعطاه اللَّه ثواب الشاكرين .
[ 2 ] من أطاع التواني . . . : ونى في الأمر : فتر و ضعف .
ضيّع الحقوق : الواجبة عليه ، سواء حقوق اللَّه تعالى ، أو حقوق الناس التي أمر بها من التزاور و التواصل . و من أطاع الواشي : و شى به إلى السلطان : نمّ به و سعى . ضيّع الصديق : غيّره الواشون فانفصمت عرى الصداقة .
و المراد : عدم الإستماع من هؤلاء ، و حمل الكلام على محمل صحيح .
[ 31 ]
240 و قال عليه السلام : الحجر الغصيب في الدّار رهن على خرابها [ 1 ] . قال الرضي : و يروى هذا الكلام عن النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلم ، و لا عجب أن يشتبه الكلامان لأن مستقاهما من قليب ، و مفرغهما من ذنوب [ 2 ] .
[ 1 ] الحجر الغصيب رهن على خرابها : رهن الشيء عند فلان :
حبسه عنده بدين . و المراد : كما أن الرهن يلزم فكّه ،
كذلك يلزم الخراب للدار المبنية بالغصب .
[ 2 ] القليب . . . : البئر . و الذنوب : الدلو العظيم . و المراد :
هما من مصدر واحد .
[ 32 ]
241 و قال عليه السلام : يوم المظلوم على الظّالم أشدّ من يوم الظّالم على المظلوم [ 1 ] . 242 و قال عليه السلام : اتق اللَّه بعض التّقى و إن قلّ و اجعل بينك و بين اللَّه سترا و إن رقّ [ 2 ] . 243 و قال عليه السلام : إذا ازدحم الجواب خفي الصّواب [ 3 ] .
[ 1 ] يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم :
ان ما يناله من عقاب و هوان في الآخرة أشد و أعظم مما حصل للمظلوم في الدنيا .
[ 2 ] إتق اللَّه بعض التقى و ان قل . . الخ : خف اللَّه تعالى و راقبه ، و احذر أن تقطع علاقتك به ، و احذر أن يراك متلبسا بمعصية . قال الإمام الصادق عليه السلام : من همّ بسيئة فلا يعملها ، فإنه ربما عمل العبد السيئة فيراه الرب تبارك و تعالى فيقول : و عزّتي و جلالي لا أغفر لك بعد ذلك أبدا .
[ 3 ] إذا إزدحم الجواب خفي الصواب : إذا كثرت الأجوبة عن السؤال الواحد خصوصا إذا صحبها لغط و ارتفاع الأصوات ضاع على السائل الجواب الصحيح .
[ 33 ]
244 و قال عليه السلام : إنّ للَّه في كلّ نعمة حقّا فمن أدّاه زاده منها ، و من قصّر عنه خاطر بزوال نعمته [ 1 ] . 245 و قال عليه السلام : إذا كثرت المقدرة قلّت الشّهوة [ 2 ] .
[ 1 ] أن للَّه في كل نعمة حقّا . . . : إن نعم اللَّه تعالى على العبد كثيرة لا تحصى و إِن تَعُدُّوا نِعمَةَ اللَّهِ لاَ تُحصُوهَا 14 :
34 . و في كل نعمة حق يجب مراعاته ، فنعمة العلم حقها العمل و التعليم ، و نعمة المال حقها مساعدة الضعفاء ،
و هكذا فمن أدّاه زاده منها : إستوجب الزيادة لئن شَكَرتُم لأزِيدَنَّكُم 14 : 7 . و من قصر عنه خاطر بزوال نعمته :
عرضها للزوال .
[ 2 ] إذا كثرت المقدرة قلت الشهوة : عند التمكن من الشيء تقل الرغبة فيه ، لأن الإنسان حريص على ما منع .
[ 34 ]
246 و قال عليه السلام : احذروا نفار النّعم فما كلّ شارد بمردود [ 1 ] . 247 و قال عليه السلام : الكرم أعطف من الرّحم [ 2 ] . 248 و قال عليه السلام : من ظنّ بك خيرا فصدّق ظنّه [ 3 ] .
[ 1 ] إحذروا نفار النعم . . . : نفر : فزع و انقبض غير راض عنه فما كل شارد بمورود : شرد : نفر و استعصى . و ورد :
حضر . و المراد : يجب مراعة النعم و اداء شكرها حذرا من ذهابها ، لأنها إذا ذهبت قد لا تعود كما هو الملاحظ .
[ 2 ] الكرم أعطف من الرحم : العطف : الشفقة . و المراد : ان دواعي الكرم و الإحسان عند المحسنين تستدعيهم للإحسان إلى الغير بأكثر من تعاطف ذوي الأرحام بعضهم من بعض .
[ 3 ] من ظنّ بك خيرا فصدق ظنّه : دعوة إلى الخلق الرفيع ،
و التدرج في مراتب الكمال . و المراد : من ظنّ بك العلم مثلا فليكن ظنّه بك محفّزا على طلبه ، و هكذا بقية معالي الأمور .
[ 35 ]
249 و قال عليه السلام : أفضل الأعمال ما أكرهت نفسك عليه [ 1 ] . 250 و قال عليه السلام : عرفت اللَّه سبحانه بفسخ العزائم ، و حلّ العقود [ 2 ] ، و نقض الهمم . 251 و قال عليه السلام : مرارة الدّنيا حلاوة
[ 1 ] أفضل الأعمال ما أكرهت نفسك عليه : و قهرتها عليه ،
فيحصل لك أجر أذلالها ، و أجر العمل و الحديث ( أفضل الأعمال أحمزها ( أشدها ) .
[ 2 ] عرفت اللَّه سبحانه بفسخ العزائم و حل العقود : فسخ :
نقض . و عزم على الأمر : أراد فعله ، و عقد عليه نيته .
و عقد قلبه على الشيء : لزمه . و المراد : قد يحدث بعد العزم و التصميم على الأمر انصراف ، فتبيّن أن هناك دواع خفيّة صرفته عن عزمه و تصميمه ، و هي القوى المدبّرة للعالم أجمع .
[ 36 ]
الآخرة ، و حلاوة الدّنيا مرارة الآخرة [ 1 ] . 252 و قال عليه السلام : فرض اللَّه الإيمان تطهيرا من الشّرك و الصّلاة تنزيها عن الكبر ،
و الزّكاة تسبيبا للرّزق ، و الصّيام ابتلاء لاخلاص الخلق ، و الحجّ تقربة للدّين ، و الجهاد عزّا للاسلام ، و الأمر بالمعروف مصلحة للعوامّ ،
و النّهى عن المنكر ردعا للسّفهاء ، و صلة الرّحم منماة للعدد و القصاص حقنا للدّماء ، و إقامة الحدود إعظاما للمحارم ، و ترك شرب الخمر تحصينا للعقل ، و مجانبة السّرقة إيجابا للعفّة ،
و ترك الزّنا تحصينا للنّسب ، و ترك اللّواط تكثيرا
[ 1 ] مرارة الدنيا حلاوة الآخرة . . . : تحمّل مشاق الدنيا من أجل الفوز برضوان اللَّه تعالى موجب لنعيم الآخرة . و حلاوة الدنيا مرارة الآخرة : التمتع بنعيم الدنيا المنهي عنه موجب لمشاق الآخرة و مآسيها .
[ 37 ]
للنّسل ، و الشّهادة استظهارا على المجاحدات ،
و ترك الكذب تشريفا للصّدق ، و السّلام أمانا من المخاوف ، و للإمامة نظاما للأمّة ، و الطّاعة تعظيما للامامة [ 1 ] .
[ 1 ] فرض اللَّه . . . : أوجب . و الإيمان : التصديق باللَّه تعالى و بما جاء من عنده تطهيرا : طهر برىء من كل ما يشين .
و الشرك : إعتقاد تعدد الآلهة . و المراد : أوجب الإيمان لمحو آثار الشرك العقائدية و العملية . و الصلاة تنزيها عن الكبر : هذه العبادة بما فيها من قيام و ركوع و سجود ، تكسب العبد التواضع ، و تجعله بعيدا عن الخيلاء و الكبرياء . و الزكاة تسبيبا للرزق : زكا الشيء : نما و زاد . و تسبب إليه :
توصّل بسبب . و المراد : ان دفعها سبب لزيادة الرزق .
و الصيام ابتلاء لإخلاص الخلق : إختبارا للانسان ، و معرفة مدى إيمانه و تقواه ، لأنه لو أراد ادعاء الصوم كذبا تمكن و في الحديث القدسي : ( الصوم لي ، و أنا أجزي عليه ) .
و الحج تقوية للدين : الإسلام يمتاز عن سائر الأديان بالحج و مشاهدة ، و اجتماع المسلمين من مختلف أقطار العالم ، و لو استغلّ هذا الإجتماع للتشاور و التعاطف و التعاون لكان أعظم قوّة و منعة لهم . و الجهاد عزا للإسلام : و منعة لأهله ، يدفعون به غائلة الأعداء وَ اعِدّوا لَهُم ما إستَطعتُم مِن قُوّةٍ 8 :
60 . و الأمر بالمعروف : هو كل فعل يعرف حسنه بالعقل أو الشرع ، و هو خلاف المنكر . مصلحة للعوام : به تصلح الرعية و تستقيم ، و تتوجه نحو الخير و السعادة . و النهي عن المنكر : هو كل ما تحكم العقول الصحيحة بقبحه . ردعا للسفهاء : ردعه : زجره و كفّه و منعه . و سفه : خفّ و طاش .
و المراد : منعهم عن التمادي في الضلال و تقريبهم إلى خط الإستقامة و الصلاح . و صلة الرحم : مساعدة الأقرباء .
منماة للعدد : نما الشيء : زاد و كثر . قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله : صلة الرحم تزيد في العمر ، و تنمّي العدد .
و القصاص : أن يوقع على الجاني مثل ما جنى : النفس بالنفس ، و العين بالعين . حقنا للدماء : حقن دم فلان :
منعه أن يسفك . و إقامة الحدود : العقوبات المفروضة على الجرائم . اعظاما للمحارم : ردعا للناس عن إنتهاك المحرمات ، لأنه إذا علم الإنسان أن خلف الجريمة عقابا صارما منعه ذلك عن مزاولتها . و ترك شرب الخمر تحصينا للعقل : حفظا له و صيانة ، فبالشراب يتخلّى الإنسان عن أشرف مواهب اللَّه عنده ، و لا يبقى بينه و بين الحيوان أي فارق . و مجانبة السرقة إيجابا للعفّة : و هي : كف النفس عن المحرّمات . و المراد : الإسلام يريد للمسلم السمو و الفضيلة و الشرف ، و يأبى له الإنحطاط و الرذيلة ، و السرقة الغاية في الضعة و المهانة . و ترك الزنا تحصينا للنسب : و حفظه من الإختلاط ، إلى أمور كثيرة كالمواريث ، و تجنب الأمراض الزهرية . و ترك اللواط تكثيرا للنسل . لأنه موجب الفناء النوع الإنساني . و الشهادة إستظهارا على المجاحدات : إستظهر :
إستعان . و جحد الأمر : أنكره مع علمه به . و المراد : أمر اللَّه تعالى باداء الشهادة حفظا للحقوق ، و ردعا لمنكريها .
و ترك الكذب تشريفا للصدق : تعظيما للصدق و أهله ، لأن به يسير دولاب العمل ، و يستقيم نظام الحياة . و السلام أمانا من المخاوف : يأمن به كل الآخر . و الإمامة نظاما للأمة :
الامامة : الخلافة ، و الإمام هو الذي يقوم مقام النبي صلى اللَّه عليه و آله ، في الأمة و مهمته مهمة النبي في إصلاحها و تقويمها ، و دفع عوادي الأعداء عنها . و الطاعة تعظيما للأمامة : لأن مخالفته و عصيانه تعوقه عن الإصلاح .
[ 38 ]
253 و قال عليه السّلام يقول : أحلفوا
[ 39 ]
[ 40 ]
الظّالم [ 1 ] إذا أردتم يمينه بأنّه بريء من حول اللَّه و قوّته فإنّه إذا حلف بها كاذبا عوجل العقوبة ، و إذا حلف باللَّه الّذي لا إله إلاّ هو لم يعاجل لأنّه قد وحّد اللَّه تعالى . 254 و قال عليه السلام : يا بن آدم كن وصيّ نفسك في مالك ، و اعمل فيه ما تؤثر أن يعمل فيه من بعدك [ 2 ] .
[ 1 ] أحلفوا الظالم . . الخ : ان القسم باللَّه جلّ جلاله و ان كان كذبا لا يستوجب به الحالف تعجيل العقوبة و النكال ، لأنه ذكر اللَّه تعالى بالتعظيم و الإجلال أما البراءة من حول اللَّه و قوته فهي انقطاع للعصمة ، و رفع للأمان ، و خروج من عهدة اللَّه تعالى ، فهي موجبة لتعجيل الإنتقام في حال الكذب و الإفتراء .
[ 2 ] يا ابن آدم كن وصي نفسك في مالك الخ : إن سبل الشيطان و طرقه في الإضلال كثيرة ، فمنها : أن يجعل الإنسان يتسامح في أعمال البر و الإحسان ، و يوصي عند الموت بوصية طويلة في ذلك ، و كأنّه لا يكفيه الحرمان حتى يدخل أولاده النار لمخالفتهم الوصية ، و من حديث السيرة : ان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله كان وصيّا عن أحد المسلمين ، و كان من ضمن التركة مخزن للتمور ، فوقف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله حتى وزّعه ، و بقيت منه تمرة فحملها بيده الشريف قائلا : لو أعطاها في حياته كان أفضل مما أنفقناه .
[ 41 ]
255 و قال عليه السلام : الحدّة ضرب من الجنون ، لأنّ صاحبها يندم ، فإن لم يندم فجنونه مستحكم [ 1 ] . 256 و قال عليه السلام : صحّة الجسد ،
من قلّة الحسد [ 2 ] .
[ 1 ] الحدّة . . . : ما تعتري الإنسان عند الغضب . ضرب من الجنون : شكل من أشكاله ، و نوع من أنواعه ، فإن لم يندم فجنونه مستحكم : توثّق و صار محكما .
[ 2 ] صحة الجسد من قلّة الحسد : و هي نظير الحكمة : ( قاتل اللَّه الحسد ما أعدله ، بدأ بصاحبه فقتله ) و المراد : ان الحاسد لكثرة تفكيره و انشغاله بأمر المحسود يمرض ، و قد يهلك .
[ 42 ]
257 و قال عليه السلام لكميل بن زياد النخعي : يا كميل ، مر أهلك أن يروحوا في كسب المكارم ، و يدلجوا في حاجة من هو نائم فو الّذي وسع سمعه الأصوات ما من أحد أودع قلبا سرورا إلاّ و خلق اللَّه له من ذلك السّرور لطفا فإذا نزلت به نائبة [ 1 ] جرى إليها كالماء في انحداره حتّى يطردها عنه كما تطرد غريبة الإبل .
[ 1 ] مر أهلك أن يروحوا في كسب المكارم . . . : ينبغي للمسلم أن يستغل حياته لنفع إخوانه و مساعدتهم ، و الحياة فرص ،
فينبغي أن تستغل لهذا و مثله . و يدلجوا في حاجة من هو نائم : الدلجة : السير في آخر الليل . و المراد : المبادرة بالمعروف و الإحسان . أودع قلبا سرورا : أفرحه . و لطفا :
عونا يهيئه بقدرته يكشف ما يحل به من المكاره . و النائبة :
ما ينزل بالرجل من الكوارث و الحوادث المؤلمة .
[ 43 ]
258 و قال عليه السلام : إذا أملقتم فتاجروا اللَّه بالصّدقة [ 1 ] . 259 و قال عليه السلام : الوفاء لأهل الغدر غدر عند اللَّه و الغدر بأهل الغدر وفاء عند اللَّه [ 2 ] .
[ 1 ] إذا أملقتم . . . : إفتقرتم . فتاجر و اللَّه بالصدقة : لأنها من أسباب كثرة الرزق ، كما أنها من عوامل دفع البلاء .
[ 2 ] الوفاء لأهل الغدر غدر عند اللَّه . . . : الوفاء : الإلتزام بالعهد . و الغدر : نقض العهد . و لأهل الغدر : ممن إعتاد نقض العهد . غدر عند اللَّه : يكون بمنزلة الغدر عنده .
و الغدر بأهل الغدر : نقض عهدهم جزاء لهم على فعلهم .
وفاء عند اللَّه : بمنزلة الإلتزام و الوفاء . و المراد : الإسلام يريد من المسلم اليقظة و التنبه ، فلا معنى للإلتزام بالوفاء لعدو تكرر منه الغدر ، و أنه في كل مرّة يستغل عهده للخداع ، و عند تمكن الفرصة يغدر ، فيجب على المسلمين مقابلته بالمثل ، و التحرز من كيده .
[ 44 ]
260 و قال عليه السلام : كم من مستدرج بالاحسان إليه ، و مغرور بالسّتر عليه ، و مفتون بحسن القول فيه . و ما ابتلى اللَّه سبحانه أحدا بمثل الإملاء له [ 1 ] . قال الرضي : و قد مضى هذا الكلام فيما تقدم ، إلا أن فيه ههنا زيادة جيدة مفيدة .
[ 1 ] كم من مستدرج بالإحسان إليه . . . : كلما جدد خطيئة جدد اللَّه له نعمة . و مغرور قد جهل الأمور و غفل عنها .
و مفتون : مبتلى . بحسن القول فيه : بمدح الناس له ،
فيزيده ذلك غرورا و جهلا . و ما ابتلى اللَّه أحدا بمثل الإملاء له : طول العمر ، و ترك المعاجلة بالعقوبة إِنَّما نُملي لَهُم ليَزدَادُوا إِثماً وَ لَهُم عَذَابُ مُهينُ 3 : 178 .
[ 45 ]