بعث اللّه رسله بما خصّهم به من وحيه ،
و جعلهم حجّة له على خلقه ، لئلاّ تجب الحجّة
[ 1 ] الحيا . . . : المطر . و المجتنى : الثمر .
[ 2 ] القيعان . . . : جمع قاع : المستوي من الأرض .
و البطنان جمع بطن : ما انخفض من الأرض .
[ 22 ]
لهم بترك الإعذار إليهم [ 1 ] ، فدعاهم بلسان الصّدق إلى سبيل الحقّ . ألا إنّ اللّه قد كشف الخلق [ 2 ] كشفة لا أنّه جهل ما أخفوه من مصون أسرارهم ، و مكنون ضمائرهم [ 3 ] ، و لكن ليبلوهم أيّهم أحسن عملا ، فيكون الثّواب جزاء ،
و العقاب بواء . أين الّذين زعموا أنّهم الرّاسخون في العلم [ 4 ] دوننا ؟ كذبا و بغيا علينا أن رفعنا اللّه
[ 1 ] لئلا تجب الحجّة لهم بترك الأعذار إليهم : الاعذار :
التخويف و الوعيد . و المعنى : لا يكون لهم حجّة و عذر في ترك الواجب فَلِلّهِ الحُجَّةُ الْبَالِغَةُ 6 : 149 . و قال عزّ من قائل : وَ ما كُنَّا مُعَذِّبينَ حتّى نَبعَثَ رَسُولاً 17 : 15 .
[ 2 ] كشف الخلق : علم بأحوالهم و تقلباتهم .
[ 3 ] صان الشيء : حفظه . و المكنون : المصون المحفوظ .
و المراد : علمه بأسرارهم و نواياهم ، و بما لم يطلع عليه غيرهم .
[ 4 ] الراسخون في العلم : المتقنون الضابطون له .
[ 23 ]
و وضعهم ، و أعطانا و حرمهم ، و أدخلنا و أخرجهم ،
بنا يستعطى الهدى ، و يستجلى العمى [ 1 ] ، إنّ الأئمّة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم [ 2 ] : لا تصلح على سواهم ، و لا تصلح الولاة من غيرهم .
[ 1 ] بنا يستعطى الهدى . . . : منّا يطلب الهدى الى دين اللّه تعالى . و يستجلى : ينكشف ، و العمى المشار إليه هو عمى الجهل .
[ 2 ] غرسوا في هذا البطن من هاشم . . . : روى البخاري و جلّ علماء الحديث عن جابر بن سمرة قال سمعت النبيّ ( صلّى اللّه عليه و سلّم ) يقول : يكون اثنا عشر أميرا ، فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي إنّه قال : كلّهم من قريش . و بعض الروايات فيها ذكر أسمائهم سلام اللّه عليهم . لا تصلح على سواهم : لا تصلح الامامة لغيرهم . و سجل الخلفاء الامويين و العباسيين شاهد على ذلك ، و لياليهم الحمراء تكفيهم خزيا و بعدا عن الشريعة .
[ 24 ]
منها : آثروا عاجلا ، و أخّروا آجلا ، و تركوا صافيا ، و شربوا آجنا [ 1 ] كأنّي أنظر إلى فاسقهم و قد صحب المنكر فألفه و بسىء [ 2 ] به و وافقه حتّى شابت عليه مفارقه ، و صبغت به خلائقه [ 3 ] ثمّ أقبل مزبدا كالتّيّار لا يبالي ما غرّق ، أو كوقع النّار في الهشيم [ 4 ] لا يحفل ما حرّق أين العقول المستصبحة بمصابيح الهدى ؟ و الأبصار اللاّمحة
[ 1 ] آثروا عاجلا ، و أخّروا آجلا : اختاروا الدنيا على الآخرة .
و الآجن : الماء المتغيّر الطعم و اللون .
[ 2 ] بسىء به : استأنس به .
[ 3 ] المفرق من الرأس : حيث يفرق الشعر . و المراد : طال عهده به حتى شاب عليه . و صبغت به أخلاقه : صار عادة له و سجية .
[ 4 ] مزبدا كالتيار : هو كالماء في عنفوان جريانه و فيضانه .
و الهشيم : اليابس من كلّ شيء . و المراد : تشبيه ظلمه و تعدّيه بالماء المغرق ، و النار المحرقة .
[ 25 ]
إلى منار التّقوى [ 1 ] ؟ أين القلوب الّتي وهبت للّه و عوقدت على طاعة اللّه ؟ ازدحموا على الحطام ، و تشاحّوا على الحرام [ 2 ] ، و رفع لهم علم الجنّة و النّار فصرفوا عن الجنّة وجوههم ، و أقبلوا إلى النّار بأعمالهم ، و دعاهم ربّهم فنفروا [ 3 ] و ولّوا ،
و دعاهم الشّيطان فاستجابوا و أقبلوا .