و أحذّركم الدّنيا فإنّها منزل قلعة [ 2 ] ، و ليست بدار نجعة [ 3 ] قد تزيّنت بغرورها [ 4 ] و غرّت
[ 1 ] كيف يصف إلهه . . . : يمكنك ان تستدلّ على عظمة الخالق جلّ جلاله بمخلوق واحد من مخلوقاته ، و هو ملك الموت ، و ما أتي من قوة و قدرة حتى صارت الكرة الأرضية بأسرها كالخريطة أمام أحدنا .
[ 2 ] منزل قلعة : دار عارية ، لا تدرى متى التحول عنها ،
و مفارقتها .
[ 3 ] النجعة : طلب الكلاء . و المراد : أنها ليست بالمكان الذي يصلح للإقامة لعدم تواجد ملزمات الحياة فيه .
[ 4 ] الغرور : الخداع .
[ 5 ]
بزينتها ، هانت على ربّها : فخلط حلالها بحرامها ، و خيرها بشرّها ، و حياتها بموتها ،
و حلوها بمرّها : لم يصفها [ 1 ] اللّه تعالى لأوليائه ،
و لم يضنّ [ 2 ] بها على أعدائه ، خيرها زهيد ،
و شرّها عتيد [ 3 ] ، و جمعها ينفد ، و ملكها يسلب و عامرها يخرب ، فما خير دار تنقض نقض البناء ؟
و عمر يفنى فيها فناء الزّاد ، و مدّة تنقطع انقطاع السّير [ 4 ] ؟ اجعلوا ما افترض اللّه عليكم من طلبكم [ 5 ] و اسألوه من أداء حقّه [ 6 ] ما سألكم ،
[ 1 ] صفا صفوا : خلص من الكدر . و المراد : انهم لم يكونوا فيها بالمنعمين .
[ 2 ] يضن : يمنع .
[ 3 ] عتيد : حاضر .
[ 4 ] انقطاع السير : المراد : بيان سرعة انتهائها ، كطريق قصير يقطعه السائر ، و ورد في بعض الأحاديث تشبيه الدنيا بقنطرة : أعبروها و لا تعمروها .
[ 5 ] من طلبكم : من مطلوبكم . و المراد : اجعلوا الفرائض التي كلّفتم بها موضع اهتمامكم .
[ 6 ] و أسألوه من أداء حقه : اطلبوا منه أن يعينكم و يوفقكم لأداء ما افترضه عليكم .
[ 6 ]
و أسمعوا دعوة الموت [ 1 ] آذانكم قبل أن يدعى بكم . إنّ الزّاهدين في الدّنيا تبكي قلوبهم و إن ضحكوا ، و يشتدّ حزنهم و إن فرحوا ، و يكثر مقتهم أنفسهم و إن اغتبطوا بما رزقوا [ 2 ] قد غاب عن قلوبكم ذكر الآجال ، و حضرتكم كواذب الآمال [ 3 ] ، فصارت الدّنيا أملك بكم من
[ 1 ] و اسمعوا دعوة الموت . . . : استعدوا له قبل أن يفاجئكم .
[ 2 ] اغتبطوا بما رزقوا : الغبطة : هي أن تنظر أخاك في نعمة فتسأل اللّه تعالى مثلها . و المراد : ان هؤلاء الزهاد مع ما كانوا فيه من نعمة لم يلتفتوا إليها ، و ليس هي من همّهم ،
لانشغالهم بما هو أعود عليهم .
[ 3 ] و حضرتكم كواذب الآمال : ارتسمت أمامكم امال كثيرة تريدون تحقيقها .
[ 7 ]
الآخرة [ 1 ] ، و العاجلة أذهب بكم من الآجلة و إنّما أنتم إخوان على دين اللّه : ما فرّق بينكم إلاّ خبث السّرائر ، و سوء الضّمائر : فلا توازرون ، و لا تناصحون ، و لا تباذلون ، و لا توادّون ما بالكم تفرحون باليسير من الدّنيا تملكونه ، و لا يحزنكم الكثير من الآخرة تحرمونه ، و يقلّقكم اليسير من الدّنيا يفوتكم حتّى يتبيّن ذلك في وجوهكم ، و قلّة صبركم عمّا زوي منها عنكم [ 2 ] ؟ ؟ كأنّها دار مقامكم ، و كأنّ متاعها باق عليكم و ما يمنع أحدكم أن يستقبل أخاه [ 3 ] بما يخاف من عيبه إلاّ
[ 1 ] فصارت الدنيا أملك بكم من الآخرة . . . : كأن الدنيا قد ملكتكم ، و صار تصرّفكم فيها تصرّف العبد المطيع لمولاه .
و العاجلة : الدنيا . و اذهب بكم : أأخذ بقلوبكم .
[ 2 ] زوي منها عنكم : نحّاه .
[ 3 ] و ما يمنع أحدكم أن يستقبل أخاه الخ : ان الذي يمنعكم من تنبيه اخوانكم على خطئهم هو خوفكم من أن ينبّهوكم على خطأ عندكم مثله لاجتماعكم على الدنيا .
[ 8 ]
مخافة أن يستقبله بمثله ، قد تصافيتم [ 1 ] على رفض الآجل ، و حبّ العاجل ، و صار دين أحدكم لعقة [ 2 ] على لسانه صنيع من قد فرغ عن عملهو أحرز رضا سيّده .