( 35 ) و من خطبة له عليه السلام بعد التحكيم [ 2 ]

الحمد للّه و إن أتى الدّهر بالخطب

[ 1 ] في المشهد و المغيب : في حضوره و غيبته .

[ 2 ] التحكيم : الموضوع الذي أعقب واقعة صفين ، و ذلك لما لاح النصر لجيش الإمام عليه السلام ، أمر عمرو بن العاص معاوية برفع المصاحف ، و دعوة أهل العراق على أن يكون القرآن حكما بينهم ، فرفعوا المصاحف ،

و طلبوا الرجوع إلى حكم القرآن ، و اعلمهم الامام عليه السلام أنها خديعة ، و أن معاوية و عمرو بن العاص أبعد الناس عن القرآن و حكمه ، فخالفه القوم و أجبروه على القبول ،

و ترك الحرب ، و اختار أهل الشام للحكومة عمرو بن العاص ، و اختار الإمام عبد اللّه بن عباس ، فأبى عليه أهل العراق ، فاختار مالك الاشتر ، فأبوا عليه أيضا ،

و طلبوا أبا موسى الأشعري ، فوافق الامام على ذلك مكرها ، و أبو موسى منحرف عن الإمام ، يخذّل الناس عنه . و بعد أن اجتمع الحكمان اتفقا على خلع علي و معاوية ، و تقدّم أبو موسى فخلعهما ، و جاء بعده عمرو فقال : أما أنا فخلعت صاحبه و أثبت صاحبي ، فلعنه أبو موسى على الخديعة ، و إلى هذه الخديعة يشير عمرو بن العاص في قصيدته التي أرسلها إلى معاوية :

نسيت محاورة الأشعري
و نحن على دومة الجندل

ألين فيطمع في جانبي
و سهمي قد خاض في المقتل

 

[ 18 ]

الفادح [ 1 ] و الحدث الجليل . و أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ليس معه إله غيره ،

و أنّ محمّدا عبده و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم .

[ 1 ] الخطب الفادح : الخطب : الأمر العظيم . و الفادح :

المبهظ . الثقيل . و الحدث : العظيم . و المراد : حمده جلّ جلاله عند الشدّة كما نحمده عند الرخاء .

[ 19 ]

أمّا بعد ، فإنّ معصية النّاصح الشّفيق العالم المجرّب تورث الحيرة ، و تعقب النّدامة [ 1 ] . و قد كنت أمرتكم في هذه الحكومة أمري و نخلت لكم مخزون رأيي [ 2 ] لو كان يطاع لقصير أمر [ 3 ] فأبيتم عليّ إباء المخالفين الجناة ،

و المنابذين [ 4 ] العصاة ، حتّى ارتاب النّاصح بنصحه [ 5 ] و ضنّ الزّند بقدحه [ 6 ] ، فكنت و إيّاكم

[ 1 ] تعقب تورث .

[ 2 ] نخلت لكم رأيي : استخلصت لكم أحسن الآراء و أجودها .

[ 3 ] لو كان يطاع لقصير أمر : قصير : مولى جذيمة الأبرش أحد ملوك العرب دعته الزّباء ملكة الجزيرة للزواج بها ، فأشار عليه قصير أن لا يفعل ، فخالفه و ذهب فقتلته ، فقال : لو كان يطاع لقصير أمر ، فذهبت مثلا لكل ناصح مصيب الرأي عصاه قومه .

[ 4 ] المنابذين : المخالفين . العصاة .

[ 5 ] ارتاب الناصح بنصحه : لكثرة مخالفة المشير النصاح ،

و تجمّع الآراء ضدّه ، يشك هو في نصيحته ، و يحتمل أن الرأي الصحيح ما عليه القوم . و هذه كقاعدة ، أما هو عليه السلام فيسموا عنها ، فهو ينظر بنور اللّه جلّ جلاله ، و هو القائل : علمني رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم ألف باب من العلم ، يفتح لي من كل باب ألف باب .

[ 6 ] ضنّ الزند بقدحه : ضن : بخل . و الزند : الحجارة التي يقتدح منها النار ، و المعنى : أن النصاح إذا خولف و لم يؤخذ برأيه ربما فسد تدبيره ، و فقد تلك الملكة .

[ 20 ]

كما قال أخو هوازن [ 1 ] :

أمرتكم أمري بمنعرج اللّوى [ 2 ]

فلم تستبينوا النّصح إلاّ ضحى الغد

[ 1 ] أخو هوازن : دريد بن الصمة ، من شعراء الجاهلية و رؤسائها .

[ 2 ] منعرج اللوى : اسم مكان . و البيت من قصيدة قالها في غزوة لهم غنموا فيها ، و كان أخوه قائدها ، فساروا غير بعيد فأمر أخوه بالتوقف و أخذ المرباع حصة الرئيس و لم يوافق دريد خوفا أن يدركهم الطلب لقربهم من عدوهم ، فلم يلتفت أخوه إليه ، و فعلا وصل إليهم القوم فقتلوهم ، و استنقذوا ما بأيديهم ، و نجا دريد مجروحا .

[ 21 ]