ألا و إنّ الدّنيا قد تصرّمت ، و آذنت [ 1 ] بوداع ،
و تنكّر معروفها [ 2 ] ، و أدبرت حذّاء [ 3 ] فهي تحفز بالفناء سكّانها [ 4 ] و تحدو [ 5 ] بالموت جيرانها ، و قد أمرّ [ 6 ] منها ما كان حلوا ، و كدر [ 7 ] منها ما كان
[ 1 ] تصرّمت و آذنت : تصرمت : فنيت . و آذنت : أعلمت .
[ 2 ] تنكّر معروفها : المراد : تبدلها ، فالشباب يعقبه الهرم ،
و الصحة يلحقها المرض ، و الغنى يجيء بعده الفقر .
[ 3 ] أدبرت حذاء : سريعة .
[ 4 ] تحفّز بالفناء سكانها : تدفعهم و تسوقهم للموت .
[ 5 ] تحدو : تسوق .
[ 6 ] أمرّ : صار مرّا .
[ 7 ] الكدر : الماء الذي زال صفاؤه ، و تغيّر لونه .
[ 4 ]
صفوا فلم يبق منها إلاّ سملة كسملة الإداوة [ 1 ] أو جرعة كجرعة المقلة [ 2 ] ، لو تمزّزها الصّديان لم ينقع [ 3 ] فأزمعوا [ 4 ] عباد اللّه الرّحيل عن هذه الدّار المقدور على أهلها الزّوال و لا يغلبنّكم فيها الأمل [ 5 ] و لا يطولنّ عليكم الأمد [ 6 ] ، فو اللّه لو
[ 1 ] كسملة الاداوة : السملة : البقية من الماء . و الاداوة :
إناء يتطهر به ، و المراد : وصفها بالقلة .
[ 2 ] كجرعة المقلة : الجرعة : قليل الماء . و المقلة :
حصاة صغيرة يضعها المسافرون عند قلة مائهم في إناء و يصبّون عليها فيغمرها ، فيشربه كل منهم ، لأجل أن لا يزيد بعضهم على الآخر .
[ 3 ] لو تمززها الصديان لم ينقع : التمزمز : تمصص الشراب قليلا قليلا . و الصديان : العطشان . و لم ينقع : لم يسكن عطشه .
[ 5 ] و لا يغلبنكم فيها الأمل : لا يكن أملكم في الحياة طويلا فينسيكم الموت ، و الاستعداد له بالأعمال الصالحة .
[ 6 ] الأمد : الزمان . و في القرآن الكريم أ لَم يأنِ للذينَ آمنُوا أن تخشَعَ قُلُوبُهم لذكرِ اللّهِ و مَا نزل مِن الحَقِ و لا يكُونُوا كالذين أُوتُوا الكِتابَ من قبلُ فَطالَ عليهمُ الأمَدُ فَقَسَت قُلُوبُهُم و كثيرٌ مِنْهُم فاسِقُون 57 : 16 .
[ 5 ]
حننتم حنين الولّه العجال [ 1 ] و دعوتم بهديل الحمام [ 2 ] و جأرتم [ 3 ] جؤار متبتّل الرّهبان و خرجتم إلى اللّه من الأموال و الأولاد ، التماس القربة إليه في ارتفاع درجة عنده ، أو غفران سيّئة أحصتها كتبه ، و حفظها رسله ، لكان قليلا فيما أرجو لكم من ثوابه ، و أخاف عليكم من عقابه .
و اللّه لو انماثت [ 4 ] قلوبكم انمياثا ، و سالت عيونكم ، من رغبة إليه أو رهبة منه دما ، ثمّ عمّرتم في الدّنيا ما الدّنيا باقية ما جزت أعمالكم ، و لو لم تبقوا شيئا من جهدكم ، أنعمه
[ 1 ] حنين الوله : الحنين : الشوق . و الوله : ذهاب العقل . و العجول من الابل من التي فقدت ولدها .
[ 2 ] هديل الحمام : نوحها .
[ 3 ] جأرتم جؤار متبتل الرهبان : جأرتم : رفعتم أصواتكم . و المتبتل : المنقطع للعبادة . و الراهب :
المتعبّد .
[ 4 ] إنماثت : ذابت .
[ 6 ]
عليكم العظام و هداه إيّاكم للإيمان . [ 1 ]