( 124 ) و من كلام له عليه السلام فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرة [ 3 ]

يا أحنف [ 4 ] ، كأنّي به و قد سار بالجيش الّذي

[ 1 ] فتاها عنه : ضلاّ و تركا طريق الحقّ .

[ 2 ] الصمد للحق : القصد له .

[ 3 ] الملاحم . . . : جمع ملحمة : الواقعة العظيمة ، و في اصطلاح أهل السير : الوقائع و الحروب التي تحدّث عنها الامام ( عليه السلام ) قبل مجيئها ، و ذلك مما علمه به رسول اللّه ( صلى اللّه عليه و آله ) ، و اليه أشار في كلامه هذا :

( تعلم من ذي علم ) . و البصرة : ميناء العراق ، و من أكبر مدنه .

[ 4 ] الاحنف : و اسمه : صخر بن قيس التميمي ، زعيم البصرة ،

موصوف بالعقل و الحلم ، و هو من شيعة الامام ( عليه السلام ) و أنصاره .

[ 65 ]

لا يكون له غبار و لا لجب و لا قعقعة لجم ، و لا حمحمة خيل [ 1 ] يثيرون الأرض بأقدامهم كأنّها أقدام النّعام . قال الشريف : يومى‏ء بذلك الى صاحب الزنج . ثم قال عليه السلام :

[ 1 ] اللجب . . . : الصياح . و القعقعة : تحريك الشي‏ء الصلب مع صوت . و اللجم جمع لجام الحديدة توضع في فم الفرس . و الحمحمة : صوت الفرس . و المراد : وصف جيش صاحب الزنج بأنّهم مشاة حفاة .

[ 66 ]

ويل لسكككم العامرة [ 1 ] ، و الدّور المزخرفة [ 2 ] الّتي لها أجنحة كأجنحة النّسور و خراطيم [ 3 ] كخراطيم الفيلة . من أولئك الّذين لا يندب قتيلهم ، و لا يفتقد غائبهم [ 4 ] ؟ أنا كابّ الدّنيا لوجهها ، و قادرها بقدرها ، و ناظرها بعينها [ 5 ] .

[ 1 ] السكك . . . : جمع سكّة : الطريق ( الشارع ) . العامرة :

بالسكان . و المراد : ما يصيب أهلها من القتل و التشريد .

[ 2 ] المزخرفة : المزيّنة ، المتكامل حسنها .

[ 3 ] لها أجنحة . . . : رواشن ( برندات ) خراطيم : ميازيب مدلاة من السطوح ليسيل منها ماء المطر .

[ 4 ] الندبة . . . : رثاء الأموات و تعداد محاسنهم . و المراد : ان هؤلاء الزنوج غرباء ، ليس لهم من يبكيهم ، و يقيم عليهم العزاء . و لا يفتقد غائبهم : إشارة الى كثرتهم .

[ 5 ] أنا كاب الدنيا لوجهها . . . : يقال : كببت فلانا لوجهه : اذا تركته و لم تلتفت إليه ، و المراد : عدم اعتنائه بها ، و زهده فيها ، و سيرته تشهد بذلك . و قادرها بقدرها : أعاملها بمقدارها ، و بما يجب أن تعامل به من الازدراء و المهانة .

و ناظرها بعينها : أنظر إليها بما يجب أن تنظر به من الاحتقار ،

و عدم الاكتراث .

[ 67 ]

منها : و يومى‏ء بذلك الى وصف التتاز :

كأنّي أراهم قوما كأنّ وجوههم المجانّ المطرقة [ 1 ] ، يلبسون السّرق و الدّيباج ، و يعتقبون الخيل العتاق [ 2 ] و يكون هناك استحرار قتل حتّى يمشي المجروح على المقتول ، و يكون المفلت [ 3 ] أقلّ من المأسور .

[ 1 ] المجان . . . جمع المجن : الترس ( ما كان يتوقّى به في الحرب ) ، و المطرقة : التي تطبق و تخصف كطبقات النعل .

و المراد : تشبيه وجوههم بالاستدارة و العظم و الخشونة و الغلظة .

[ 2 ] السرق : شقق ( ثياب ) الحرير . و يعتقبون : يرتبطون .

و العتاق : جياد الخيل و محاسنها .

[ 3 ] استحرّ القتل : اشتدّ . حتى يمشي المجروح على المقتول : لشدّة جراحهم جعلهم لا يفكّرون إلاّ بأنفسهم و نجاتها ، غير مبالين بمن يمشون عليهم من القتلى .

و المفلت : الناجي منهم .

[ 68 ]

فقال له بعض أصحابه : لقد أعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب فضحك ( عليه السلام ) ، و قال للرجل و كان كلبيا :

يا أخا كلب ، ليس هو بعلم غيب و إنّما هو تعلّم من ذي علم و إنّما علم الغيب علم السّاعة ، و ما عدّد اللّه بقوله : إنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ الآية . فيعلم سبحانه ما في الأرحام :

من ذكر و أنثى ، و قبيح أو جميل ، و سخيّ أو بخيل ، و شقيّ أو سعيد ، و من يكون في النّار خطبا ، أو في الجنان للنّبيّين مرافقا ، فهذا علم الغيب الّذي لا يعلمه أحد إلاّ اللّه ، و ما سوى ذلك فعلم علّمه اللّه نبيّه فعلّمنيه ، و دعا لي بأن يعيه

[ 69 ]

صدري ، و تضطمّ عليه جوانحي [ 1 ] .