انتفعوا ببيان اللّه [ 2 ] ، و اتّعظوا بمواعظ اللّه ،
و اقبلوا نصيحة اللّه . فإنّ اللّه قد أعذر إليكم
[ 1 ] ما احثّكم على طاعة . . الخ : و هذا هو المطلوب من كل مسلم ، ان يعمل بأوامر اللّه تعالى قبل أن يأمر بها غيره ،
و ينتهي عمّا نهى عنه قبل أن ينهى الآخرين . يقول النبيّ ( صلّى اللّه عليه و آله ) : يطلع قوم من أهل الجنّة الى قوم من أهل النار فيقولون : ما ادخلكم النار و انّما دخلنا الجنة بفضل تأديبكم و تعليمكم ؟ فيقولون : إنّا كنّا نأمركم بالخير و لا نفعله .
[ 2 ] انتفعوا ببيان اللّه . . الخ : المراد ببيان اللّه ، و مواعظه و نصيحته القرآن الكريم .
[ 87 ]
بالجليّة ، و أخذ عليكم الحجّة [ 1 ] ، و بيّن لكم محابّه من الأعمال و مكارهه [ 2 ] منها ، لتتّبعوا هذه و تجتنبوا هذه ، فإنّ رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ) ، كان يقول : « حفّت الجنّة بالمكاره و حفّت النّار بالشّهوات » [ 3 ] . و اعلموا أنّه ما من
[ 1 ] أعذر إليكم . . . : ازال عذركم ، و لم يبق لكم موضعا للاعتذار . و الجلية : الواضحة . و المراد بذلك آيات القرآن الكريم . و اتخذ عليكم الحجّة : البيّنة الصحيحة . و المراد :
قد علموا أوامره و نواهيه فلا حجّة لهم في تركها قُل فَلِلّهِ الحُجَّةُ البَالِغَةُ 6 : 149 .
[ 2 ] محابه من الأعمال . . . : ما أمركم به . و مكارهه : الأعمال التي يكرهها . و المراد : ما حرّمه عليكم .
[ 3 ] حفت الجنة بالمكاره . الخ : الأعمال التي تؤدّي بكم إلى الجنّة كريهة لكم ، و فيها بعض المشاق عليكم ، كالوضوء و الغسل في الشتاء ، و الصوم في الصيف ، و الأعمال التي تؤدّي بكم الى النار هي ما تشتهيه أنفسكم ، و تهواه قلوبكم ،
كالغناء ، و الغيبة ، و حبس الحقوق الشرعية .
[ 88 ]
طاعة اللّه شيء إلاّ يأتي في كره ، و ما من معصية اللّه شيء إلاّ يأتي في شهوة . فرحم اللّه رجلا نزع عن شهوته ، و قمع هوى نفسه ، فإنّ هذه النّفس أبعد شيء منزعا [ 1 ] ، و إنّها لا تزال تنزع إلى معصية في هوى .
و اعلموا عباد اللّه أنّ المؤمن لا يمسي و لا يصبح إلاّ و نفسه ظنون عنده [ 2 ] فلا يزال زاريا عليها ، و مستزيدا لها . فكونوا كالسّابقين قبلكم و الماضين أمامكم ، قوّضوا من الدّنيا تقويض
[ 1 ] نزع عن شهوته . . . : كفّ و انتهى . و قمع : قلع . و هوى نفسه : ما تهواه من المحرّمات . و ابعد شيء منزعا : رجوعا عن المعصية إنَّ النَّفسَ لَأمَّارَةٌ بالسُّوءِ إلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي 12 : 53 .
[ 2 ] نفسه ظنون عنده . . . : متّهمة عنده ، يظنّ بها التقصير .
زاريا عليها : عائبا لها . مستزيدا لها : من أعمال الخير .
[ 89 ]
الرّاحل ، و طووها [ 1 ] طيّ المنازل . و اعلموا أنّ هذا القرآن هو النّاصح الّذي لا يغشّ ، و الهادي الّذي لا يضلّ ، و المحدّث الّذي لا يكذب ، و ما جالس هذا القرآن أحد إلاّ قام عنه بزيادة أو نقصان : زيادة في هدى ، و نقصان من عمى .
و اعلموا أنّه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة ، و لا لأحد قبل القرآن من غنى [ 2 ] ، فاستشفوه من أدوائكم ، و استعينوا به على لأوائكم [ 3 ] فإنّ فيه شفاء
[ 1 ] قوّض البناء : هدمه . و الراحل : المسافر . و طووها :
قطعوها و جاوزوها . و المراد : قطعوا علائقهم بالدنيا ،
و الاهتمام بها .
[ 2 ] ليس على أحد بعد القرآن من فاقة . . . : فقر . و المراد : أن أهل القرآن استكفوا به مرشدا و دليلا الى الكمال و الرقي ،
و استغنوا به عن غيره . و لا لأحد قبل القرآن من غنى : ليس في البشرية أحد قبل نزول القرآن مستغن عنه .
[ 3 ] فاستشفوه . . . : اطلبوا فيه الشفاء لجميع أسقامكم و أدوائكم : أمراضكم . و استعينوا : اطلبوا منه العون .
و لأوائكم : شدائدكم .
[ 90 ]
من أكبر الدّاء ، و هو الكفر و النّفاق و الغيّ [ 1 ] و الضّلال . فاسألوا اللّه به ، و توجّهوا إليه بحبّه ، و لا تسألوا به خلقه [ 2 ] . إنّه ما توجّه العباد إلى اللّه بمثله ، و اعلموا أنّه شافع و مشفّع [ 3 ] ، و قائل و مصدّق ، و أنّه من شفع له القرآن يوم القيامة شفّع فيه ، و من محل به القرآن يوم القيامة صدق عليه ،
فإنّه ينادى مناد يوم القيامة : « ألا إنّ كلّ حارث
[ 1 ] ألغي : الضلال .
[ 2 ] فاسألوا اللّه به . . . : اطلبوا نجاح حوائجكم من اللّه باتباعكم لكتابه ، و عملكم بأحكامه . و توجّهوا إليه بحبّه : اجعلوا وسيلتكم الى اللّه تعالى حبّكم لكتابه . و لا تسألوا به خلقه :
تطلبوا معروفهم لأنّكم من قرّائه و حملته .
[ 3 ] شافع مشفّع : يطلب النجاة لقارئيه ، و العاملين بأحكامه ،
فيشفّعه اللّه تعالى فيهم .
[ 91 ]
مبتلى في [ 1 ] حرثه ، و عاقبة عمله غير حرثة القرآن » [ 2 ] فكونوا من حرثته و أتباعه ، و استدلّوه على ربّكم ،
و استنصحوه على أنفسكم ، و اتّهموا عليه آراءكم ،
و استغشّوا فيه أهواءكم [ 3 ] ، العمل العمل ، ثمّ النّهاية النّهاية ، و الإستقامة الإستقامة ، ثمّ الصّبر
[ 1 ] محل به : سعى به الى السلطان . و المراد : أنّه يسعى بالمسلم الى اللّه جلّ جلاله اذا قصّر بالعمل به .
[ 2 ] كل حارث مبتلى في حرثه . . . : الحرث : الكسب . يقال :
فلان يحرث لعياله : يكتسب لهم . و حرثة القرآن : مستثيروا دفائنه و كنوزه . و مبتلى : مسؤول و محاسب على علمه ،
و حرثة القرآن بمنجى من ذلك كله .
[ 3 ] و استدلوه على ربّكم : اتخذوه دليلا يوصلكم الى رضاء اللّه تعالى . و استنصحوه : خذوا نصائحه لاستصلاح نفوسكم .
و اتهمو عليه آراءكم : اذا خالفت آراؤكم القرآن فاتهموها بالخطأ . و استغشّوا فيه أهواءكم : ظنّوا فيها الغشّ ، و ارجعوا الى أحكام القرآن .
[ 92 ]
الصّبر ، و الورع الورع [ 1 ] ، إنّ لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم ، و إنّ لكم علما فاهتدوا بعلمكم ،
و إنّ للإسلام غاية [ 2 ] فانتهوا إلى غايته ، و اخرجوا إلى اللّه بما افترض عليكم من حقّه ، و بيّن لكم من
[ 1 ] العمل العمل . . . : بما يسعدكم غدا . و التكرار في الألفاظ للتأكيد عليها . و نهاية الشيء : آخره . و المراد : مراقبة الأعمال و ملاحظة نهايتها ، فربّ عمل بدء بخير و ختم بشرّ ،
لتداخل الرياء فيه و العجب و غير ذلك . و الاستقامة الاستقامة : استمرّوا على طاعة اللّه ، و أداء ما كلّفكم به .
و الصبر الصبر : على الطاعة ، و عن المعصية . و الورع الورع : التحرّج عن الإقدام على ما نهى اللّه عنه .
[ 2 ] ان لكم نهاية . . . : المراد بذلك المصير الأخير ، و ما أعدّه اللّه لكم من الجنان ، مما لا عين رأت ، و لا أذن سمعت بمثله . فاهتدوا بعلمكم : هو القرآن الكريم . و عند الشارح البحراني هو الامام ( عليه السلام ) . و الغاية العلّة التي يقع لأجلها . و المراد : أن للإسلام هدفا في السموّ و الرفعة و الفضيلة ، يجب على المسلم السعي له .
[ 93 ]
وظائفه [ 1 ] . أنا شهيد لكم و حجيج يوم القيامة عنكم [ 2 ] .
ألا و إنّ القدر السّابق قد وقع ، و القضاء الماضي قد تورّدّ [ 3 ] و إنّي متكلّم بعدة اللّه و حجّته [ 4 ] ، قال اللّه تعالى : إنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا
[ 1 ] و اخرجوا الى اللّه بما افترض عليكم من حقّه . . . : خرج الإنسان من دينه : قضاه و أدّاه . و المراد : أدّوا ما أمركم بأدائه من عبادات و أموال . و بيّن لكم من وظائفه : رتّبه و قدّره .
و المراد : ما رتّبه عليكم من العبادات .
[ 2 ] أنا شاهد لكم . . . : أشهد لكم عند اللّه تعالى بأداء حقوقه وَ نَزَعنَا مِنْ كُلِّ اُمَّةٍ شَهِيداً 28 : 75 . و حجيج يوم القيامة عنكم : أقيم الحجج عند اللّه تعالى سعيا في خلاصكم .
[ 3 ] القدر السابق . . . : المقدّر في علم اللّه تعالى ، الذي كتب في اللوح المحفوظ . و القضاء الماضي : المحتوم . قد تورّد : ورد و دخل . و المراد بذلك الأحداث التي سبقت خلافته و التي رافقتها .
[ 4 ] متكلّم بعدة اللّه . . . : وعده للمؤمنين المشار إليهم بالآية الكريمة . و حجّته : القرآن الكريم ، فهو الحجّة البالغة على العالم أجمع .
[ 94 ]
اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَنْ لاَ تَخَافُوا وَ لاَ تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ و قد قلتم ربّنا اللّه ، فاستقيموا [ 1 ] على كتابه و على منهاج أمره ، و على الطّريقة الصّالحة من عبادته ، ثمّ لا تمرقوا منها ، و لا تبتدعوا فيها ،
و لا تخالفوا عنها ، فإنّ أهل المروق منقطع بهم [ 2 ] عند اللّه يوم القيامة ، ثمّ إيّاكم و تهزيع الأخلاق و تصريفها [ 3 ] و اجعلوا اللّسان واحدا ، و ليخزن
[ 1 ] فاستقيموا : سيروا على نهجه و لا تنحرفوا عنه فتهلكوا .
[ 2 ] لا تمرقوا . . . : لا تخرجوا . و البدعة : ما أحدث في الدين ما لم يكن له أصل في كتاب اللّه ، و لا سنّة نبيّه . و منقطع بهم ، حيل بينهم و بين ما يتوخّون . و المراد : عدم وصولهم الى رضوان اللّه تعالى .
[ 3 ] تهزيع الشيء . . . : تكسيره و تفريقه . و المراد : التدرج بالانحطاط الخلقي . و تصريفها : نقلها من حال الى حال ،
و عدم ثبات صاحبها على حالة واحدة .
[ 95 ]
الرّجل لسانه فإنّ هذا اللّسان جموح [ 1 ] بصاحبه ،
و اللّه ما أرى عبدا يتّقي تقوى [ 2 ] تنفعه حتّى يخزن لسانه ، و إنّ لسان المؤمن من وراء قلبه ، و إنّ قلب المنافق من وراء لسانه ، لأنّ المؤمن إذا أراد أن يتكلّم بكلام تدبّره في نفسه : فإن كان خيرا أبداه ، و إن كان شرّا و اراه ، و إنّ المنافق يتكلّم
[ 1 ] و اجعلوا اللسان واحدا . . . : على وتيرة واحدة من الصدق ،
و قول الحق . و ليخزن الرجل لسانه : يحفظه من القول بغير الحق ، و يقلل من كلامه . و جمح الفرس جمحا : عصا أمر صاحبه حتى غلبه . و المراد : النهي عن كثرة الكلام لأنّه يؤدّي بالإنسان الى الهلاك ، فكم من كلمة جلبت لمتكلمها قتلا و عذابا .
[ 2 ] ما أرى عبدا يتّقي تقوى . . الخ : ان التقوى مقرونة بحفظ اللسان .
[ 96 ]
بما أتى على لسانه : لا يدري ما ذا له ، و ما ذا عليه و لقد قال رسول اللّه ، ( صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ) : « لا يستقيم إيمان عبد حتّى يستقيم قلبه ، و لا يستقيم قلبه حتّى يستقيم لسانه » [ 1 ] فمن استطاع منكم أن يلقى اللّه و هو نقيّ الرّاحة [ 2 ] من دماء المسلمين و أموالهم ، سليم اللّسان من أعراضهم ، فليفعل .
[ 1 ] معنى الحديث : الإيمان : هو التصديق باللّه و برسوله ، و بما جاء به من عند اللّه ، و محل ذلك القلب ، فهو مستودع العقائد ، و استقامته : ثباته على العقيدة الصحيحة ، و ان استقامة اللسان ، و عدم الخوض فيما لا يعنيه يرسّخ هذه العقيدة و يدعمها .
[ 2 ] النقي . . . : الخالص . و الراحة : الكفّ . و المراد : يجب على المسلم أن يجدّ و يجتهد في السلامة من دماء المسلمين و أموالهم ، و النيل من كرامتهم .
[ 97 ]
و اعلموا ، عباد اللّه ، أنّ المؤمن يستحلّ العام ما استحلّ عاما أوّل ، و يحرّم العام ما حرّم عاما أوّل [ 1 ] ، و إنّ ما أحدث النّاس [ 2 ] لا يحلّ لكم شيئا ممّا حرّم عليكم ، و لكن الحلال ما أحلّ اللّه ، و الحرام ما حرّم اللّه ، فقد جرّبتم الأمور و ضرّستموها [ 3 ] و وعظتم بمن كان قبلكم ،
و ضربت لكم الأمثال ، و دعيتم إلى الأمر
[ 1 ] يستحل العام ما استحلّ عاما أوّل . . . : ان حلال محمد حلال الى يوم القيامة ، فلا يجوز لمسلم أن يجتهد و يقيس فيحرّم ما ورد عن الرسول ( صلّى اللّه عليه و آله ) حلاله .
و يحرّم العام ما حرّم عاما أوّل : ان حرام محمد ( صلّى اللّه عليه و آله ) حرام الى يوم القيامة ، فلا يجوز لمسلم أن يجتهد و يقيس ، و يجرجر بالشريعة في تحليل شيء حرّمه صاحب الشريعة .
[ 2 ] و ان ما أحدث الناس : من بدع .
[ 3 ] ضرسته الحروب و الخطوب : جربته و أحكمته .
[ 98 ]
الواضح ، فلا يصمّ عن ذلك إلاّ أصمّ ، و لا يعمى عن ذلك إلاّ أعمى [ 1 ] و من لم ينفعه اللّه بالبلاء و التّجارب لم ينتفع بشيء من العظة ، و أتاه التّقصير من أمامه حتّى يعرف ما أنكر و ينكر ما عرف [ 2 ] ، فإنّ النّاس رجلان : متّبع شرعة ،
[ 1 ] دعيتم الى النهج الواضح . . . : النهج البيّن المستقيم ،
و المراد : أحكام الشريعة الإسلامية . فلا يصم عن ذلك إلاّ أصمّ : الأصم : الذي لا يسمع . و المراد : الغافل الذي بلغ في غفلته النهاية . و لا يعمى عن ذلك إلاّ أعمى : و المراد :
أن معالم الشريعة الإسلامية واضحة ، و منار الإسلام بيّنة ،
و القرآن الكريم الحجّة على البشريّة جمعاء ، فمن ابتغى وراء ذلك فهو ممن لا يرجى خيره .
[ 2 ] و من لم ينفعه اللّه بالبلاء و التجارب . . . : فهو إن لم يستفد بما مرّ به من تجارب و محن و بلاء ، و ما شاهده من تقلّبات الزمن ، لم تنفعه المواعظ ، لأنّ التجارب و المحن أقوى أثرا ، و أشدّ وقوعا في النفس ، و مع ذلك لم تؤثّر فيه . و أتاه التقصير في امامه : من جهته ، لأنّه بلغ الغاية في البعد .
و حتى يعرف ما انكر ، و ينكر ما عرف : يؤول به الأمر الى الاختلاط ، و يتغيّر مفهومه ، حتى يعرف ما أنكر من الأمور و الحقائق ، و ينكر ما عرف سابقا من آراء و علوم .
[ 99 ]
و مبتدع بدعة ، ليس معه من اللّه برهان سنّة ، و لا ضياء حجّة [ 1 ] ، و إنّ اللّه سبحانه لم يعظ أحدا بمثل هذا القرآن ، فإنّه حبل اللّه المتين ، و سببه الأمين [ 2 ] ، و فيه ربيع القلب ، و ينابيع العلم [ 3 ] ،
[ 1 ] متبع شرعة . . . : ملتزم بأحكام الشريعة . و مبتدع بدعة :
مدخل على الدين ما ليس فيه . ليس معه من اللّه سبحانه برهان سنة : السنة : ما ورد عن الرسول الأعظم ( صلّى اللّه عليه و آله ) من قول أو فعل . و المراد : بعده عن ذلك كله .
و لا ضياء حجّة : و لا نور يهتدي به . و المراد به أنوار القرآن الكريم .
[ 2 ] حبل اللّه . . . : شبهه بالحبل ، لأنّ التمسّك به ينجي من الردى ، كذلك الممسك بالحبل ينجو و يسلم . و المتين القوي . و سببه الأمين : الذي يوصل الى رضاه .
[ 3 ] ربيع القلب . . . : كما أن بالربيع تحيا الأرض و تزهر ،
كذلك بالقرآن تحيا القلوب و تستقيم . و الينبوع : عين الماء .
و المراد : أنّه مصدر العلوم . و ما للقلب جلاء غيره : به تذهب شكوكه و أحزانه .
[ 100 ]
و ما للقلب جلاء غيره ، مع أنّه قد ذهب المتذكّرون ، و بقي النّاسون أو المتناسون . فإذا رأيتم خيرا فأعينوا عليه ، و إذا رأيتم شرّا فاذهبوا عنه ، فإنّ رسول اللّه ، ( صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ) ، كان يقول : « يا ابن آدم اعمل الخير و دع الشّرّ فإذا أنت جواد قاصد » . [ 1 ] ألا و إنّ الظّلم ثلاثة : فظلم لا يغفر ، و ظلم لا يترك ، و ظلم مغفور لا يطلب : فأمّا الظّلم الّذي لا يغفر فالشّرك باللّه ، قال اللّه : إنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ و أمّا الظّلم الّذي يغفر فظلم
[ 1 ] الجواد . . . : النجيب من الخيل . و القاصد من الأسفار :
السهل . و المراد : اذا عملت الخير ، و انتهيت عن الشر ،
فقد وصلت بيسر الى رضوان اللّه تعالى ، و حصلت السعادة الأبدية في جنّة الخلد .
[ 101 ]
العبد نفسه عند بعض الهنات [ 1 ] ، و أمّا الظّلم الّذي لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضا [ 2 ] ،
القصاص هناك شديد ليس هو جرحا بالمدى ، و لا ضربا بالسّياط ، و لكنّه ما يستصغر ذلك معه [ 3 ] .
فإيّاكم و التّلوّن [ 4 ] في دين اللّه ، فإنّ جماعة فيما تكرهون من الحقّ خير من فرقة فيما تحبّون من الباطل ، و إنّ اللّه سبحانه لم يعط أحدا بفرقة
[ 1 ] الهنات : الشيء الصغير . و المراد به الذنوب الصغيرة .
[ 2 ] لا يترك . . . : لا يتسامح فيه ، و أمر موكول الى المظلوم .
ظلم العباد بعضهم بعضا : من اعتداء باليد أو اللسان ، أو تجاوز على الأموال ، بل جميع المظالم ، و ورد ان اللّه جلّ جلاله يغفر للشهيد جميع ذنوبه ما عدا حقوق الناس .
[ 3 ] القصاص هناك شديد . . . : يقتصّ من الجاني بمثل جنايته ،
فالضارب يضرب ، و القاتل يقتل ، و المدى جمع مدية :
سكينة . و لكنه ما يستصغر ذلك معه : هو أعظم من أن يوصف .
[ 4 ] إياكم . . . : أحذركم . و التلوّن : عدم الثبات على خلق .
[ 102 ]
خيرا [ 1 ] : ممّن مضى و لا ممّن بقي .
يا أيّها النّاس ، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب النّاس ، و طوبى لمن لزم بيته و أكل قوته ،
و اشتغل بطاعة ربّه ، و بكى على خطيئته [ 2 ] فكان من نفسه في شغل ، و النّاس منه في راحة [ 3 ]
[ 1 ] فان جماعة فيما تكرهون . الخ : اجتماع على الحق و ان كانت النفس تأباه ، خير من افتراق على الباطل و ان كان ذلك مما تحبه النفس . لم يعط أحد بفرقة خيرا : لم ينل أحد قطّ خيرا بالافتراق ، و يد اللّه مع الجماعة .
[ 2 ] شغله عيبه عن عيوب الناس . . . : أهتم بالتفتيش عن عيوب نفسه فأصلحها . و لزم بيته : المراد بذلك العزلة ، فبعض الظروف تمرّ على المسلم تتطلّب منه ذلك حفاظا على دينه .
و خطيئته : ذنبه . و البكاء من أكبر موجبات المغفرة ، و في بعض الأحاديث : لو بكى باك في امّة لرحم اللّه تلك الأمّة ،
و هو علامة الندم و الاستغفار .
[ 3 ] فكان من نفسه في شغل . . . : مشغول بنفسه و اصلاحها و الناس منه في راحة : قد كفّ شرّه عنهم .
[ 103 ]