(ص 481 - 504)

 الفصل التاسع عشر

 نظرة شاملة لحروب الامام (ع) مع النبي (ص)

 

القتال في القرآن الكريم* المعارك الكبرى* الغزوات الثانوية* آثار شجاعة علي (ع) على المجتمع الاسلامي* نظرة تحليلية لحروب الإمام (ع) يجنب النبي (ص): 1- وظائف الحرب. 2- خصائص الحرب الناجحة. 3- فلسفة الحرب والسلام. 4- الشجاعة وآليات العقل والعاطفة: أ-شجاعة المعصوم (ع): حالة عقلية. ب- شجاعة المعصوم (ع): صفات اخلاقية وليست عدوانية. 5- سيف علي (ع) وتحقيق اهداف الردع.

 -------------------------

 القتال في القرآن الكريم

          ومن اجل اعطاء نظرة متكاملة عن الدور القتالي للامام (ع) في حفظ الاسلام، كان لابد من دراسة آيات القتال في القرآن . فقد تناول القرآن الكريم مسألة القتال بكثير من العناية والاهتمام باعتباره وسيلة من وسائل نشر الدين الحنيف ودحر الكفر والباطل. وسوف نعرض لهذا الموضوع لما فيه من الارتباط الوثيق بحروب الامام (ع) وشرعيتها واخلاقيتها. ويمكن تصنيف الآيات الواردة في القتال الى اربعة اصناف. الاول : في وجوب القتال. الثاني : في شرائطه. الثالث : في صفة القتال. الرابع : بين الحرب والسلم.

الصنف الاول : وجوب القتال

          كان النبي (ص) مدة اقامته بمكة غير مأذون في القتال. فلما هاجر الى المدينة اُذن له في قتال من يقاتله من المشركين، ثم اُذن له في قتال المشركين عامة.

          وفي هذه المجموعة من الآيات انتخبنا اربعة آيات مباركات فيها دلالة ظاهرة على فرض الجهاد والقتال، وقد ذكرنا خصوصيات كلاً منها في مواضعها. وهي :

1- قوله تعالى : (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا اِنّ اللهَ لا يُحبُّ المعتدين)[1] . وقد نزلت هذه الآية في صلح الحُديبية. وذلك ان رسول الله (ص) لما خرج هو واصحابه في العام الذي ارادوا فيه العمرة وكانوا ألفاً واربعمائة، فصاروا حتى نزلوا الحُديبية، صدّهم المشركون عن البيت الحرام. فنحروا الهَدْي بالحديبية ثم صالحهم المشركون على ان يرجع من عامه ويعود العام القابل ويخلوا له مكة ثلاثة ايام فيطوف بالبيت ويفعل ما يشاء. فرجع عندها الى المدينة.

          ولما اقبل موسم الحج في السنة اللاحقة تجهز النبي (ص) واصحابه لعمرة القضاء، لكنهم خافوا ان لا تفي لهم قريش بذلك وأن يصدّوهم عن البيت الحرام ويقاتلوهم. وكان رسول الله (ص) يكره قتالهم في الشهر الحرام في الحرم. فانزل الله تعالى هذه الآية. وعن الربيع بن انس وعبد الرحمن بن زيد بن اسلم ان هذه الآية هي اول آية نزلت في القتال. فلما نزلت كان رسول الله (ص) يقاتل من قاتله، ويكفّ عمن كفَّ عنه، حتى نزل قوله تعالى : (فاذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم)[2] فنسخت هذه الآية.

          ودلالتها على القتال ظاهرة، وتُحمَلْ الآية على العموم الا ما اخرجه الدليل. وفيها ايضاً دلالة على حرمة الاعتداء ومجاوزة الحد. وآية (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم...)[3] ناسخة لآية (الم تر الى الذين قيل لهم كفّوا ايديكم واقيموا الصلاة...)[4] . كما ان آية (واقتلوهم حيث ثقفتموهم)[5] ناسخة لآية (ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم)[6].

          2- قوله تعالى : (كُتِبَ عليكم القتالُ وهو كرهٌ لكم وعسى ان تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى ان تُحبّوا شيئاً وهو شرٌ لكم واللهُ يعلمُ وانتم لا تعلمون)[7]. ودلالتها على ان فرض الجهاد والقتال، بما فيها من دم وجرح وقتل، تكرهه طبيعة النفس الانسانية التي تميل الى الدعة والراحة. ولكن ما تنفر عنه النفس قد تكون فيه فائدة وخير في عاقبة الامر. والقتال يتضمن احدى الحسنيين اما الظفر والغنيمة واما الشهادة والجنة.

          واجمع المفسرون، عدا من شذ، بان هذه الآية دالة على وجوب الجهاد وفرضه على سبيل الكفاية، فلو قعد الناس عنه اثموا به وإن قام به من في قيامه كفاية وغنى سقط عن الباقين[8]. وفيها ايضاً دلالة على ان الاحكام في الاسلام تابعة للمصالح الاجتماعية والشخصية للمكلفين، وإن خفيت عن انظار الناس وعقولهم.

          3 ـ قوله تعالى : (يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتالٌ فيه كبير وصدٌ عن سبيلِ الله وكفرٌ به والمسجدِ الحرام وإخراجُ اهله منه اكبرُ عند اللهِ والفتنةُ اكبرُ من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردُّوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدِد منكم عن دينه فيمُتْ وهو كافرٌ فاولئكَ حبِطتْ اعمالُهم في الدنيا والآخرة، واولئك اصحابُ النارِ، هم فيها خالدون)[9].

          والسائلون هم اهل الشرك على جهة العيب للمسلمين باستحلالهم القتال في الشهر الحرام. وقد روي ان رسول الله (ص) بعث عبد الله بن جحش على سرية، قبل قتال بدر بشهرين. فترصدوا لقافلة من قريش وقتلوا نفرا منهم وأسروا آخرين واستاقوا العير الى المدينة وفيها تجارة من الطائف، ولكن النبي (ص) ابى ان يأخذ منها شيئاً. فركب وفد كفار قريش حتى قدموا على النبي (ص) فقالوا : أيحلّ القتال في الشهر الحرام «وهو رجب» ؟ فانزل الله هذه الآية. وعندها قسّم النبي (ص) هذه الغنيمة على المقاتلين بعد ان عزل منها الخمس.

          ومعنى الآية انهم كانوا يسألون النبي (ص) عن القتال في الشهر الحرام وعند المسجد الحرام، فاجابهم تعالى عبر مخاطبته محمداً (ص) : قل يامحمد ان ذلك كبير وذنب عظيم، ولكن الكفر بالله وصد المسلمين عن بيت الله ودينه وإخراجهم عن وطنهم مكة اعظم عند الله واكبر وزراً واعظم إثماً.

          وقد عبّرت الآية الشريفة عن ان (...الفتنة اكبر من القتل) ، ولفظها يوحي بان ما ارتكبه المشركون من الشرك بالله هو فتنةٌ في الدين. وتلك اكبر من القتل، لان الفتنة تفضي الى القتل في الدنيا والى استحقاق العذاب في الآخرة.

          4 ـ قوله تعالى : (واقتلوهم حيثُ ثقفتموهم[10] واخرجوهم من حيثُ اخرجوكم والفتنةُ اشدُّ من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجدِ الحرام حتى يقاتلوكم فيه. فان قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزآء الكافرين. فإن انتهوا فانَّ اللهَ غفورٌ رحيم. وقاتلوهم حتى لا تكونَ فتنةٌ ويكونَ الدينُ لله فإن انتهوا فلا عدوان الا على الظالمين)[11].

          والآيات الشريفة ناظرة الى كيفية القتال مع المشركين من حيث النهي عن ابتدائهم بقتال او قتل في الحرم حتى يبتدئ المشركون بذلك، مسميةً الكفر «فتنةً». لانه اعظم من القتل فهو يؤدي الى الهلاك. ولذلك ورد في الاخبار قوله (ص) : لا يجتمع في جزيرة العرب دينان[12].

          وبيّنت تلك الآيات ايضاً غاية وجوب القتال، وهي : محاربة الشرك او «الفتنة» حتى تكون الطاعة لله والانقياد لامره، حتى يظهر الاسلام على العالم باجمعه. والآية محمولة على الغالب، فان قتالهم لا يزيل الكفر رأساً. بل ان كل فرد يُقتل يُزال كفره. ففي هذه الآية اوجب قتالهم حيثما وجدوا وادركوا في الحل او الحرم، سواء قاتلوا او لم يقاتلوا[13]، واوجب اخراجهم من مكة. وبها استدل الفقهاء على عدم جواز إسكان المشركين مكة. 

الصنف الثاني : في شرائط القتال

          وفي القتال شرائط منها : القدرة على الجهاد بالنفس والمال، وضرورة مقاتلة الاقرب فالاقرب من الكفار، والصبر في ساحة المعركة، وحرمة الفرار وقت الزحف. وتفصيلها:

1- شرط القدرة على الجهاد : وفيه قوله تعالى : (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرجٌ اذا نصحُوا للهِ ورسولهِ ما على الُمحسنين من سبيل والله غفور رحيم. ولا على الذين اذا مآ اتوك لتحملَهُم قلتَ لا اجِدُ ما احملكم عليه تولوا واعينهم تفيضُ من الدمعِ حَزَناً الاّ يجدوا ما ينفقون. انما السبيلُ على الذين يستأذنونك وهم اغنيآءُ رضوا بان يكونوا مع الخوالفِ وطبَعَ اللهُ على قلوبهم فهم لا يعلمون)[14].

وفي تلك الآيات دلالة على عدم وجوب الجهاد على الضعفاء من اصحاب العجز والنقص التكويني، والمرضى، والذين ليس معهم نفقات الخروج وآلة السفر. ومفهوم الآية هو وجوب الجهاد على القادرين جسدياً ومالياً على تحمل اعبائه.

وقيل ان الآية نزلت في البكائين[15] وهم سبعة نفر من الفقراء لم يجدوا مالاً يساعدهم على الجهاد مع رسول الله (ص).

2 ـ وجوب مقاتلة الاقرب فالاقرب اليهم من الكفار: وفيه قوله تعالى: (ياايها الذين آمنوا قاتِلوا الذين يَلُوْنكم من الكفار وليجدوا فيكم غِلْظة واعلموا ان الله مع المتقين)[16]. ومعنى الآية الشريفة هو الامر بمقاتلة الكفار بقتال الاقرب منهم فالاقرب، فلا يجوز التخطي عنه الى الابعد لان ذلك يؤدي الى الضرر.

          واستدل بعض الفقهاء[17] على وجوب دفاع اهل كل ثغر عن انفسهم، اذا خافوا على بيضة الاسلام. ووجه الدلالة في ذلك إطلاق الامر بالقتال من غير تقييد.

3 ـ الصبر في ساحة المعركة: وفيه قوله تعالى: (ياايها النبيُّ حرِّض المؤمنين على القتال، إن يكُنْ منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وان يكن منكم مائةٌ يغلبوا الفاً من الذين كفروا بانهم قوم لا يفقهون. الآن خفف اللهُ عنكم وعلم ان فيكم ضعفاً فان يكن منكم مائةٌ صابرةٌ يغلبوا مائتين وان يكن منكم الفٌ يغلبوا الفين باذن الله والله مع الصابرين)[18].

          ودلالتها مصابرة المقاتل المسلم امام عشرة من المقاتلين المشركين، ووعده عز وجل بانهم إن صبروا غلبوا بعون الله وتأييده. واذا وقع العكس، فان ذلك يدلّ على فقدان الشرط وهو عدم الصبر عند المسلمين. ذلك ان الكفار جهلة بالله واليوم الآخر لا يستحقون الا الهوان والخذلان، ولا يثبتون ثبات المؤمنين الذين يطلبون رجاء الله سبحانه سواءً قتَلوا او قُتِلوا.

          وكان الحكم بوجوب ثبات العشرين للمائتين، والمائة للالف في مبدأ الاسلام، ولكن ذلك شقّ على المسلمين لضعف مصابرتهم وبصيرتهم، فنُسخ عنهم بقوله تعالى: (الآن خفف عنكم وعلم ان فيكم ضعفاً)، فاصبح الحكم الجديد هو وجوب ثبات المائة الصابرة امام المائتين وغلبتها، والالف امام الالفين. فتحول الحكم من حتمية انتصار جيش من المسلمين الصابرين حجمه عشرة بالمائة من جيش العدو، الى حتمية انتصار جيش من المسلمين الصابرين حجمه خمسين بالمائة من جيش العدو بشرط المصابرة.

          4 ـ حرمة الفرار وقت الزحف: وفيه قوله تعالى: (ياايها الذين آمنوا اذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الادبار ومن يُولِّهم يومئذ دبُره الا متحرفاً لقتال او متحيزاً الى فئة فقد باءَ بغضب من الله ومأويه جهنمُ وبئسَ المصير)[19]. وفيها دلالة على تحريم الفرار وقت الزحف. والزحف هو الدنو من قبل الطرفين المتحاربين من اجل الالتحام قتالياً. الا ان يكون تغريراً للعدو بالكرّ بعد الفرّ، بان يخيّل للعدو انه منهزم عنه ثم يعطف عليه فانه من مكائد الحرب، او الاستنجاد بفئة اخرى من المسلمين وهو ما يسمى بالانحياز الى فئة. وعلى اية حال، فان الفار من المعركة قد (بآء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير) وهو وعيد عظيم بخصوص العقوبة الآخروية على جريمة الفرار من ساحة القتال مع المشركين.

الصنف الثالث : في صفة القتال

          فطالما كانت الحرب قائمة، فان الكافر يُقتل حال المحاربة. ولكن اذا انتهى القتال تبدأ عملية الاسر. فيكون الحكم في صفة القتال هو : "وجوب القتل اذا اُخذ الكفار حال المحاربة، والاسر بعد انتهاء القتال". وفيه قوله تعالى : (فاذا لقيتم الذين كفروا فضربَ الرقابِ حتى اذا اثخنتموهم فشدُّوا الوثاق فاما منّاً واما فداءً حتى تضعَ الحربُ اوزارها)[20]. ومقتضى الآية الشريفة وجوب قتل المشركين اذا اخذوا حال المقاتلة والمحاربة. ويعبّر لفظ «ضرب الرقاب» عن القتل. و«الإثخان» عن كثرة قتلهم. وعندها، حين يتم استسلامهم، ينبغي اسر الباقين منهم واطلاق سراحهم لاحقاً اما من غير فداء واما بفدية مالية يدفعها الاسير.

ومقتضى الآية التخيير بين الامرين بعد انقضاء الحرب. واثبت الفقهاء الاسترقاق ايضاً، فاصبح التخيير بين الثلاثة لقيام الدليل عليه من خارج. ولاشك ان الحرب تنقضي بتلك الصورة فلا يبقى الا مسلم او مسالم. ولذلك قال الشاعر :

وأعددت للحرب أوزارها *** رماحاً طوالاً وخيلاً ذكوراً

الصنف الرابع : بين الحرب والسلم

          وحدد القرآن الكريم اصناف الذين ينبغي محاربتهم، وهم : المشركون، واهل الكتاب الذين لا يحرّمون ما حرّم الله ورسوله حتى يعطوا الجزية. وحدد ايضاً طبيعة السلم والهدنة اذا دعت الحاجة الى ذلك.

1 ـ المَعنيون بالمقاتلة :

          أ- اهل الكتاب الذين لا يحرّمون ما حرّم اللهُ ورسولُه: وفيه قوله تعالى: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرَّمَ اللهُ ورسولُه ولا يدينون دينَ الحقِّ من الذين اوتوا الكتابَ حتى يُعطوا الجزيةَ عن يد وهم صاغرون)[21]. وهذه الآية صريحة في ان اهل الكتاب الذين تؤخذ منهم الجزية لا يؤمنون بالله واليوم الآخر. فهم بمنـزلة المشركين في عبادة الله تعالى بالكفر. وهؤلاء لا يحرمون ما حرّم الله ورسوله اي موسى وعيسى (ع) وهم يزعمون متابعتهم. وقد قال تعالى في موضع آخر عن اليهود بانهم (...يحرفون الكلِمَ عن مواضعه...)[22].

          ب- المشركون: وفيه قوله تعالى في آيتين. الاولى: (...وقاتلوا المشركين كافّة كما يقاتلونكم كافّة...)[23]. والثانية: (فاذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم...)[24].

          الآية الاولى دعت المؤمنين الى قتال المشركين جميعاً مؤتلفين غير مختلفين، ودعتهم ايضاً الى عدم التمسك منهم بعهد ولا ذمة الا من كان من اهل الجزية واعطاها عن صغار.

          الآية الثانية امهلت المشركين مدة معينة وهي مدة انقضاء الاشهر الحرم، وبعدها يوضع فيهم السيف إن كانوا في الاشهر الحرم او في غيرها، في الحل او في الحرم. وهذه الآية ناسخة لكل آية وردت في الصلح او الاعراض عنهم.

2 ـ السلم :

          وفيه قوله تعالى: (وإن جنحوا للسلمِ فاجنح لها وتوكل على الله انه هو السميعُ العليم)[25]. وفيها دلالة على جواز الهدنة، وهي المعاهدة على ترك الحرب ووضع اوزارها مدة معينة بعوض او بدون عوض. خصوصاً اذا كانت الحاجة تدعو الى المهادنة لضعف المسلمين عن المقاومة او غير ذلك. وقد روى الجمهور ان النبي (ص) صالح سهيل بن عمرو على وضع القتال عشر سنين[26].

المعارك الكبرى

          وقد كان حثّ القرآن الكريم على القتال والجهاد، بما فيها من دم وجرح وقتل، مدعاة لنشوء معارك كبرى خاضها الاسلام ضد الشرك. وكانت معارك بدر الكبرى، واُحد، والخندق، وخيبر، وذات السلاسل، وحُنين معارك كبرى بلحاظ النتائج المتمخضة عنها والآثار التي سببتها. وكان من آثارها ردع العدو الذي تمثّل بفتح مكة دون سفك دماء، وتبوك حيث دُفعت الجزية وتمت المصالحة عليها. وهكذا ادّت الشجاعة العظمى وحب لقاء الله بالموت على فراش الاسنّة، دورها الحقيقي في نشر الاسلام بين الناس وتثبيت اسس الدين في المجتمع الانساني.

الغزوات الثانوية

          وما ذكرناه كان مجمل حروب الامام (ع) مع النبي (ص)، ولاشك ان علياً (ع) شارك في غزوات اخرى بقيادة رسول الله (ص) وقتل فيها ابطال المشركين، كغزوة بني النضير، وغزوة بني المصطلق، وغزوة وادي القرى، وغزوة الطائف. ولكن المقاومة في تلك الغزوات كانت ضعيفة، وكان العدو يستسلم في الجولة الاولى من المعركة. فكانت حروباً ثانوية من هذا المنظار.

آثار شجاعة علي (ع) على المجتمع الاسلامي

ان اهم آثار شجاعة الامام (ع) في الحروب التي خاضها مع رسول الله (ص) خلال مراحل تكوين الدولة الاسلامية وتثبيتها، هو نقل المجتمع الاسلامي من مجتمع محلي الى مجتمع عالمي له قانون ونظام وادارة تستطيع قيادة العالم. فقد برز الاسلام قوة عالمية بعد المعارك التي خاضها محمد المصطفى (ص) جنباً الى جنب مع علي المرتضى (ع). وبعد الانتصارات التي تحققت في بدر وخيبر وذات السلاسل وفتح مكة وتبوك، برز الجيش الاسلامي واحداً من اقوى الجيوش في العالم القديم. وبذلك تراكمت لديه الخبرات العسكرية والمعدات اللازمة  التي تهيأه للحروب الكبرى مع الروم والفرس ، والسيطرة على التجارة العالمية، ومن ثم صياغة النظام السياسي العالمي.

          ولو نُفّذت وصية رسول الله (ص) في يوم الغدير بتسليم الولاية لعلي (ع) بعد وفاة رسول الله (ص)، لأثمرت تلك الجهود في دولة اسلامية عالمية واحدة. ولكن الاطماع شاءت ان تغير مسير التأريخ فتسلَّم مقاليد الادارة الاجتماعية للمجتمع الاسلامي اناسٌ لا خبرة لهم بذلك.

          ومع كل ذلك، فان الفتوحات التي تمّت خلال عهدي الخليفتين الاول والثاني وما بعدهما كانتا من ثمار شجاعة علي (ع) وبطولته النادرة في ساحات المعارك التي شهدها. فقد كانت المعارك الكبرى السابقة قاعدة لتحديد مستقبل النظام السياسي العالمي المستند على الاسلام. وطبيعة الحروب التي تغير التأريخ تبدأ محلية او اقليمية محدودة ثم تتوسع لتكون عالمية الاتجاه والمصير.

          وبكلمة، فان ما استفاده خلفاء بني امية وبني العباس من اراضي دولة واسعة يسيطر عليها المسلمون، كان بفضل سيف علي بن ابي طالب (ع) وجراحاته في الحروب التي خاضها مع رسول الله (ص). فقد  حوّلت تلك الحروب والمعارك الشرسة الامارات والقرى الكافرة الى مساحة دولة واسعة تعجُّ بالمسلمين واقتصادهم المزدهر في الزراعة والصناعة والتجارة.

          وحتى عندما تخلّى علي (ع) عن المشاركة في المعارك بعد وفاة رسول الله (ص) لاسباب سنذكرها لاحقاً، وانتقال الحكم الى قريش مرة اخرى، فانه (ع) كان قد هيأ الاجواء الاجتماعية للقتال. وليس من اليسير ان تنقطع تلك التهيئة ويموت ذاك الشعور بمجرد غيابه عن الساحة القتالية. بل بقيت روح علي (ع) وشجاعته رمزاً في كل المعارك التي وقعت بعده.

          ان اهم اهداف المعارك الاسلامية هو السيطرة على النظام السياسي والاجتماعي للعالم على ضوء احكام الشريعة. ومن هنا كان اهم اثر للمعركة بين الايمان والكفر هو تغيير المنظومة الفكرية والتعبدية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية للطرف المنهزم. ولذلك كان الاسلام حريصاً على الانتصار في كل مرة، لان الهزيمة كانت تعني انكسار شوكة الايمان وسيطرة الكفر على العالم مرة اخرى. وبذلك ينتفي دور الدين الجديد في الحياة الانسانية.

          ومن هنا نلحظ اهمية وجود علي (ع) بطلاً رائداً من ابطال الاسلام المقاتلين في سبيل الله تعالى، الذابين عن حرم الرسالة السماوية وقائدها محمد (ص).

          فقد قلب علي (ع) التوازن القائم بين الاطراف المتحاربة عبر زعزعته المسلّمات التي كانت تقوم عليها الحروب مثل : المخاطرة في مبارزة الفرسان، او العجز عن اقتحام الاسوار والابواب الضخمة، او العجز عن قلع الصخور العظيمة، او العجز عن الصمود امام سيول المقاتلين المتدفقين على ساحات القتال. وقد قلب علي (ع) تلك المسلّمات بمبارزة الفرسان الذين يشهد لهم بالشجاعة وقتلهم كعمرو بن عبد ود ومرحب وابو جرول وغيرهم، وقلع الابواب العظيمة كباب خيبر، وقلع الصخرة العظيمة من اجل اكتشاف بئر للماء يشرب منها الجنود، وحماية رسول الله (ص) في اُحد وحنين، وارعاب العدو في ذات السلاسل. فكان من مقتضيات قلب ذلك التوازن هو بروز الايمان قوة عظيمة على الساحة العالمية، وانحسار قوى الشرك بشكل تدريجي.

نظرة تحليلية لحروب الامام (ع) مع النبي (ص)

          اتصف الامام (ع) بالشجاعة الفائقة، فقد قال الروح الامين فيه وفي سلاحه : «لا سيف الا ذو الفقار، ولا فتى الا علي»[27]، وقال عن نفسه : «لو تظاهرت العرب على قتالي ما وليتُ مدبراً»[28]، و«إن اكرمَ الموتِ القتلُ ! والذي نفسُ ابنِ ابي طالب بيده لألفَ ضربة بالسيف أهونُ من ميتة على الفراش في غير طاعة الله»[29]. وهو الذي ما فرّ من حرب ابداً، ولا بارز احداً الا قتله او اسره او منّ عليه بعد ان تمكن منه، ولا ضرب ضربة فاحتاج الى ثانية  فان ضرباته كانت وتراً، واذا علا قدَّ، واذا اعترض قط. وقد قتل في بدر واُحد من يعدُّ بالف فارس. وضرب عمرو  بن عبد ود على ساقيه فبراهما مع ما عليهما من الحديد، وضرب مرحباً على رأسه وكان عليه مغفر وحجر فقدّ الحجر والمغفر والرأس حتى وقع السيف في اضراسه.

          وبات قبل ذلك على فراش النبي (ص) وهو يرى ان يقتل غدراً فانزل تعالى فيه: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله...)[30]. وفي بدر قتل من المشركين النصف، وقتل المسلمون جميعاً النصف الآخر.  ويوم اُحد قتل ثمانية عشر فارساً، وجيش المسلمين كله قتل عشر فوارس. وفي حنين قتل بطل المشركين ابا جرول مع تسع وثلاثين فارساً.

          وقال (ع) : لا حاجة لي بالفرس، انا لا افرّ ممن يكرّ، ولا اكرّ على من يفر. كان علي (ع) الغالب دائماً، مع ان الناس يغلِبون احياناً ويُغلَبون احياناً اخرى. وكان العرب يتفاخرون بان مقتولهم كان بسيف علي (ع)، لان من يبارز علياً (ع) لابد ان يرى الموت.

          لقد صبّ الامام (ع) شجاعته من اجل الاسلام، وفي سبيل الله خالصة دون اي مطامع دنيوية. ولذلك فقد كان عدو المشركين الاول بعد رسول الله (ص). وبكلمة، فقد كان علي (ع) رفيق النبي محمد (ص) في كل جهاد ونصر على الكافرين وكان شريكه في كل جرح ومعاناة في سبيل الله سبحانه. ذلك ان سيف علي (ع) ترك آثاراً عميقة في المجتمع الاسلامي، كما تركت كلمات رسول الله (ص) وسيرته آثارها العميقة عليهم.

          ومن هنا قيل ان كل حرب لا تحمل الآثار المتوقع حملها، لا يمكن ان تعدُّ حرباً مؤثرة. اي ان قيمة الحرب تُحدد بمقدار التبعات التي تنتجها في النظام الاجتماعي ومقدار التغيرات التي تحدثها في التركيبة الدينية للطرف المنهزم. وبالاجمال، ان تفسير اسباب الحرب يرجع بالدرجة الاولى الى فهم وظيفة تبعات المعركة الحربية من حيث التغيير في تركيبة المجتمع وتبديل صورة النظام الاجتماعي.

1 ـ وظائف الحرب:

          ومن هنا نفهم ان للحرب وظيفتين حاسمتين :

الاولى: ان الحرب تهدد استقرار النظام الاجتماعي والديني للطرف المنهزم. فاذا انهزم المسلمون فان تركيبة نظامهم الديني ستتحطم امام قوى الشرك. واذا انهزم المشركون فان تركيبة نظامهم الديني الوثني ستتحطم امام قوى الايمان. وهذا يعني ان الهزيمة قاسية جداً على صعيد المباني العقائدية، ايماناً كان او كفراً.

الثاني: ان تبعات الحرب الايجابية تمنح الطرف المنتصر فرصة للتغيير الاجتماعي والسياسي والديني على الطرف المنهزم. ولذلك فان انتصار الاسلام كان امراً لابد منه، لان اي هزيمة كانت تعني نهاية الاسلام، او عدم قدرته على التغيير الاجتماعي على اقل التقادير. وبذلك ينتفي دور الدين في العالم.

          وعلى ضوء تلك الافكار ندرك دور علي (ع) البطولي في المعارك يوم كان يفر فيه من يفرّ، لان علياً (ع) كان يحوّل المعركة - بسلوكه الحربي الفريد- من هزيمة نفسية للمسلمين الى انتصار ساحق على العدو المشترك. وبذلك كان وجوده البطولي وجوداً حاسماً من اجل انتصار الاسلام. فلاشك ان يقول له رسول الله (ص) : «ضربة علي (ع) يوم الخندق اعظم من عمل الثقلين»[31]، و«برز الايمان كله الى الشرك كله»[32]، و«سوف اعطي الراية غداً لرجل كرارّ غير فرّار». وبكلمة، فان امير المؤمنين (ع) احيا الاسلام ببطولته وشجاعته الفريدة، وكان قادراً على تغيير موازيين القوى العالمية في عصر السيف بحيث كان يمهّد الطريق نحو دولة اسلامية شرعية تحكم العالم بما انزل الله تعالى. وحتى ان فتح فارس والروم كان بفضل بذرته التي غرسها في نفوس المقاتلين، مع انه لم يشارك فعلاً في الفتح والتحرير الا انه شارك في التربية والمَثل الاعلى في القتال. فبرز الاسلام قوة عالمية وحيدة تنازع الشرك العالمي والوثنية.

          وكان رسول الله (ص) عندما يخرج في معاركه ضد الشرك والى جنبه الامام (ع)، يرى - بالاضافة الى الوعد الالهي- احتمالية عقلائية لنصر حاسم على العدو. ذلك لان النصر الحاسم يعني بروز سلطة دينية عالمية تستطيع تغيير النظام السياسي والاجتماعي في العالم. ولو لم يكن ذلك الاحتمال موجوداً لما كان في الخروج تبريرٌ  عقلائيٌ يدعو الى ذلك الحجم من التضحية والخسائر.

          والقيمة الاخلاقية التي نستطيع ان نستلهمها من بطولة علي (ع) في المعارك الدموية ضد الشرك، تبلورت في نتائج تلك الحروب. فالنتائج كانت تكشف لنا بوضوح عن انتشار الاسلام على الارض بشكل سريع. فقد قلب امير المؤمنين (ع) مفهوم الامر الواقع في عالم حاول المشركون وعبدة الاوثان بكل جهد تثبيته، عبر خنق بذرة الاسلام قبل ان تورق على الارض.

2 ـ خصائص الحرب الناجحة :

          امتلكت الحروب التي خاضها الاسلام ضد الشرك خصائص فريدة جعلها من انجح الحروب العقائدية في تأريخ البشرية. فالحرب في الاسلام كانت ممارسة عقلية لتثبيت الايمان ودحر الشرك. وكان الاسلام هو المنتصر دائماً، معنوياً او مادياً. فمن خصائص الحرب الاسلامية :

اولاً : ان الصراع العسكري واللفظي كانت تشارك فيه شخصيات من الطراز الاول في القيادة وهي شخصيتا رسول الله (ص) وعلي بن ابي طالب (ع). ولذلك كان النصر او الهزيمة، والجرح او القتل يمُسّ القيادة مباشرة. وهذا عامل مهم من عوامل الحرب الناجحة، لان وجود القائد او البطل يُلهم المقاتلين الصبر والثبات ويمنحهم المبرر الاخلاقي للقتال ويعطيهم الامل في الانتصار. ووجود القيادة على ساحة المعركة، يجعل التحدي للطرف المقاتل اقوى واعنف.

ثانياً : ان الحرب الناجحة تتطلب مشاركة فعاّلة من قبل كل القوى الرئيسية في النظام الاجتماعي. كالقوى الفكرية والتجارية والطبية والتعليمية والقضائية والتصنيعية والزراعية. فالمعركة تحتاج الى امداد مادي وروحي وفكري. فقد كان التاجر يشارك بماله في الحرب، والمرأة تشارك في تطبيب الجرحى، والمزارع يشارك في الامداد الغذائي، وصاحب الصنعة يشارك في عدّة الحرب وجهازها وهكذا. واي انتصار يُحرز في المعركة، يصبُّ في منفعة تلك القوى الرئيسية في المجتمع. والغنائم التي كانت توزع  على المقاتلين المسلمين كانت تخدم النظام الاجتماعي ايضاً. ذلك لان تلك الغنائم كانت امداداً مادياً يُعينهم على الاستمرار في الجهاد ومقارعة العدو سيفاً بسيف وراحلة براحلة.

ثالثاً : ان الحرب الحقيقية الناجحة هي الحرب التي يلتحم فيها الطرفان التحاماً عسكرياً مباشراً بالقتال ; اي المبارزة والقتل والجرح وتحطيم معدّات العدو. وكلما كان القتال اشدّ، كان النصر حاسماً وسريعاً. الا ان الحروب المحدودة التي لا تتضمن قتالاً شديداً يكون النصر فيها مؤجلاً الى معركة اخرى اكثر شدة وشراسة.

3 ـ فلسفة الحرب والسلام:

          هل ان الحرب حقاً نتيجة حتمية من نتائج غياب النظام السياسي الواحد الذي ينظّم شؤون العالم ؟ ربما ان الحرب اثر من آثار غياب النظام السياسي العالمي باعتبار ان اختلاف الانظمة السياسية وتناقض اهدافها تولد حروباً وصراعات مربكة لامان المجتمعات الانسانية. ولكن الحروب - اذا جُردت من اهدافها الدينية الاخلاقية- فانها تصبح سلوكاً بشرياً من اجل السيطرة السياسية والاقتصادية من قبل الاقوياء على الضعفاء. فالشهوة نحو السلطة والرغبة في حب استعباد الناس تدفع الحكام الظالمين الى شن الحروب - في غياب نظام سياسي ديني عالمي- من اجل السيطرة، حتى لو كلّف ذلك كم هائل من النفوس والدماء والاعراض.

          الا ان الحرب في الاسلام تختلف في الجوهر والاتجاه عن ذلك. فهى لا تريد السيطرة على الناس، بل تريد تحرير الانسان من عبوديته لغير الله سبحانه. ولاتتوقف عند ذلك الحد بل تطمح ايضاً الى توحيد النظام السياسي العالمي كي يكون نظاماً قوياً يردع الاشرار من اقامة حرب اخرى. فالبوابة الى السلام العالمي والامان البشري هو حرب شاملة يقوم بها الدين من اجل تخليص الانسان من ظلم الاشرار وعبوديتهم. فالحرب الدينية هنا لها دور نزع فتيل الخوف والرعب والعداوة التي يزرعها الشرك في نفوس الناس. لقد اُريد من معارك بدر واُحد وخيبر وحُنين وتبوك ان تحقق نفس اهداف المعارك الدينية الاخرى. وهو نزع فتيل الشرك والوثنية من عقول الناس، وتحريرهم من عبودية الانسان الى عبودية الله الواحد.

          ولكن للمعركة شروطها ومقتضياتها، فالقضية الشرطية هنا شاملة للبطولة الخارقة والتضحية وحب الموت وطاعة الجنود لقائدهم. واي اخلال بهذا المفهوم فانه يؤدي الى حرمان الدين من تحقيق اهدافه العليا في بناء النظام السياسي العالمي. واذا فشل الدين في تحقيق انتصار حاسم على الشرك، فان قضية الحرب والسلام تبقى معلّقة بيد الذين لا يرجون الا استعباد الناس والسيطرة على مقدراتهم. وبهذا اللحاظ نلمس اهمية طاعة الامام (ع) لرسول الله (ص) وشجاعته الفائقة وتضحيته الفريدة وحبه للموت بكونها عاملاً من عوامل تقريب الدين من تحقيق اهدافه عبر الانتصار على الشرك، وبناء دولة دينية مستقرة تستطيع تحقيق العدالة الحقوقية بين الناس وتثبيت الامن الاجتماعي والمعاشي لهم.

4 ـ الشجاعة وآليات العقل والعاطفة:

          نقل لنا التأريخ بأمانة بان رسول الله (ص) قال عندما التقى علي (ع) بعمرو بن عبد ود للمبارزة: «برز الايمان كله الى الشرك كله»[33]. وهذا القول الكريم يدعونا الى دراسة الشجاعة عند المعصوم. ومحاولة الاجابة على التساؤل القائم : هل ان شجاعة المعصوم (ع) حالة عاطفية ام حالة عقلية ؟

أ ـ شجاعة المعصوم (ع) حالة عقلية:

          لاشك ان العواطف الانسانية تأخذ محوراً مركزياً في الطبيعة البشرية. فالعواطف البشرية تتضمن حالات مثل: الخوف، والغضب، والخجل، والحزن، والفرح، والانزعاج، ونحوها. وكل لون من الوان تلك العواطف يعدُّ حالة شخصية مؤقتة تفرز إقداماً او جبناً او تهوراً او انزواءً. فالشجاعة - عادية كانت او فائقة- اذن حالة من الحالات العاطفية التي يسقط فيها الخوف والخجل والانزعاج، ويبرز الاقدام واليقين والثبات. وفي حالات الجبن يبرز الخوف والرعب، ويسقط الإقدام واليقين.

          فاذا قلنا بان فلاناً يخاف الافاعي، نستنتج بانه يتجنب الذهاب الى مكان تسكن فيه الافاعي. واذا قلنا بان زيداً يخاف المسير في الليل، نستخلص بان سفراته تتم غالباً في النهار. واذا قلنا بان فلاناً يخاف القتال، نستنتج بانه يتجنب الذهاب الى ساحة المعركة. وقد وصف القرآن الكريم قوماً اذا سمعوا قتالاً دارت اعينهم من الخوف (قد يعلمُ اللهُ المعّوِقين منكم والقائلين لاخوانهم هَلُمَّ الينا ولا يأتون البأسَ الا قليلاً. اشحّةً عليكم فاذا جآءَ الخوفُ رأيتهم ينظرون اليك تدورُ اعينُهم كالذي يُغشى عليه من الموتِ. فاذا ذهبَ الخوفُ سلقوكم بالسنة حداد اشحّةً على الخير اولئك لم يؤمنوا فاحبطَ اللهُ اعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا)[34]. واذا قلنا بان فلاناً لا يتجرأ على تحدي فرسان العرب، نستنتج بانه يتجنب رفع رأسه لمنازلتهم. وفي كل تلك الحالات ينـزوي الانسان الذي لا يمتلك تلك القدرة من الشجاعة عن ساحة الاحداث.

          والدين الجديد الذي كان يتحدى العالم بكل ما فيه من اوثان وقوى شرك وشراسة وشر، كان بأمسّ الحاجة الى ابطال لا يهيبون الموت، ولا يكترثون للنوازل، ولا يعتريهم الخوف او التردد او الانهيار. وكان ينبغي ايضاً ان تكون شجاعتهم فائقة لا شجاعة عادية مجردة من مضامينها الرسالية الاستثنائية. ولذلك كان دور امير المؤمنين (ع) حاسماً في معارك الاسلام الكبرى، لانه كان يمتلك قدراً فائقاً من الشجاعة واليقين والإقدام والثبات. فقد كان (ع) بطلاً استثنائياً وشجاعاً لا مثيل له.

          فالدين لا يستقيم له حال ما لم يدعمه بطل في غاية الشجاعة والاقدام، لان الدين - باعتباره خيراً يدعو للخير- في صراع دائم مستمر مع الشر. واذا كان الصراع مستمراً، فان الشجاعة والبطولة الفائقتين ينبغي ان تستمران ايضاً. لان الخوف الذي تصاحبه عوارض جسدية مثل خفقان القلب، وتيبس البلعوم، وآلام المعدة، يجعل الخائف غير قادر على التفكير فضلاً عن التركيز على عمله الحربي المكلّف به. وحالة عاطفية كتلك، لا يستقيم معها الدين.

          ولاشك ان الشجاعة الفائقة ـ ارادية كانت او لا ارادية ـ متداخلة مع عوامل اخرى كالادراك والدافع والتعبير. فالبطل الشجاع ينظر للعدو المقابل على اساس انه امر يستطيع معالجته فيقترب منه ويعالجه بالضرب او الطعن او القتل. ولا ينظر له على اساس انها قضية مرعبة خطيرة ينبغي ان يتجنبها او ان يهرب منها. وهكذا كان الامام (ع)، فانه كان يُقدم على منازلة فرسان القوم لان يقينه بالله وقدرته الفائقة على مواجهتهم كانت تدفعه نحو الاقتحام والثبات وانزال الهزيمة المنكرة بالعدو. فكان مصداقاً لقوله تعالى : (ياايها الذين آمنوا اذا لقيتم فئة فاثبتوا...)[35] ، (ياايها الذين آمنوا اذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الادبار)[36] ، (فاذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب...)[37]. وقول علي (ع) في اُحد : الحمد لله اذ لم افرّ ولم اولِّ الدبر؛ وقوله (ص) في خيبر وهو يشير الى علي (ع) : «ساعطي الراية غداً الى رجل كرار غير فرار» تؤيدان قدرته الفائقة (ع) في الاقتحام والثبات.

          وفي ضوء تلك الافكار نؤمن بان شجاعة علي (ع) كانت حالة عقلية اكثر منها حالة عاطفية. بمعنى ان شجاعته الفائقة وبطولته الخارقة كانت حالة عقلية امتزج فيها اليقين بالله وحب لقائه اكثر منها حالة جسدية او فسلجية. وبتعبير ثالث ان المعصوم (ع) في الفكر والادراك يكون دائماً على درجة قصوى في الإقدام والثبات واليقين في كل الحالات والمواقف الحياتية. لانه وصل الغاية في اليقين بالله، فهو يسعى الى الموت من اجل لقاء الله سبحانه. والسعي نحوه عز وجل في كل وقت يزيل كل حالات الخوف والتردد والانزعاج والغضب لغير الله. فلا عجب اذن ان نرى شجاعة امير المؤمنين (ع) الفائقة باعيننا ونربطها بعصمته. ذلك ان الشجاعة الفائقة التي نتحدث عنها هي حالة عقلية مرتبطة بمقدار كمالية ادراك الانسان. فالمعصوم (ع) اذن، يمتلك درجة تامة من الكمال في الدين والفكر والسلوك توجّه شجاعته تلك نحو وجوه الخير وتثبيت العدل ومحق الشر وتدمير الباطل في كل الاوقات.

          ولاشك ان الشعور بالشجاعة يكون متوازياً عند الامام امير المؤمنين (ع) بالشعور بالعصمة، فكما ان الشعور بالغضب يكون متوازياً مع الغضب ذاته، فان الشعور بالشجاعة الفائقة تلك يكون متوازياً مع الشجاعة المتوجهة نحو عمل الخير. وشجاعة المعصوم (ع) تستبطن ايضاً قضية مهمة وهي درجة عالية من ضبط الذات عندما يتطلب الامر محاربة المشركين او الظالمين. فعلي (ع) لا يقتل الا لله، وعندما يبصق مشرك كعمرو بن عبد ود بوجه الامام (ع) لم يسارع في قتله انتقاماً لذلك، وانما يصبر قليلاً حتى تهدأ ثورة الغضب الذاتي ثم يقتله لله. وعندما كان المشركون يكشفون عوراتهم، كان (ع) يستحي ان يقتلهم على تلك الحالة. وعندما كان يظفر بهم كان يعفو عنهم لكلمة استعطاف او نداء لصلة الرحم او غير ذلك. وعندما يقتلهم كان يستحيي ان يسلبهم ادواتهم التي يحاربونه بها. فشجاعة علي (ع) اذن حالة عقلية متناسبة مع كمال ادراكه للقضايا الفكرية والالزامية المتعلقة بالدين.

ب ـ شجاعة المعصوم (ع) : صفات اخلاقية وليست عدوانية

          وكان فتح مكة دون اراقة دماء، ودفع العدو الجزية في تبوك، احد نتائج بطولة امير المؤمنين (ع) في المعارك التي خاضها ضد المشركين. ومن الطبيعي فان الرغبة في القتال عند الناس يمكن ان تُصوَّر على اساس ان لها دوافع عدوانية شريرة. ولكن ذلك التصور لا ينطبق على بطولة علي (ع) للاسباب التالية :

اولاً : ان طبيعة التربية النبوية لعلي (ع) كانت منصبّة على تعليمه طرق تمييز الخير من الشر، والحق من الباطل، والمعبود من العابد، والخالق من المخلوق. فصورة الرغبة في القتال هنا تفترض ان الحرب هي وسيلة من وسائل محق الشر وازهاق الباطل وتثبيت الخير واحقاق الحق. فالبعد الواقعي هنا ليس بُعداً عدوانياً، بقدر ما هو يقين بقدرة الخير والحق على الانتصار على الشر والباطل كما اشار الذكر الحكيم الى ذلك بالقول: (...ان الباطل كان زهوقاً)[38] ، (ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون)[39] ، (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق...)[40] ، (قل جاء الحق ومايبدئ الباطل وما يعيد)[41] ، (...ويمحو الله الباطل ويحق الحق بكلماته...)[42]. فاليقين عند علي (ع) وهو في ساحة المعركة يُفرز سلوكاً عقلياً جامحاً بضرورة هدم الشرك والالحاد عبر الفرص التي يهيئها اشتباك الاسنّة وتلاحم الايدي وتطاير الرؤوس.

ثانياً : ان التعامل الاخلاقي لعلي (ع) في الحروب التي ذكرناها في عرض الكتاب اكثر من مرة مثل: عدم الكرّ عندما يفرّ العدو، والصفح عن المسيء عندما يتمكن منه، وكشح الوجه عن عورات اعدائه عندما يضطرون لاظهارها وقت الشدة، كلها تدلُّ على ان بطولته (ع) كانت عملية اخلاقية صاغها السلوك العقلي الديني.

ثالثاً : اننا لانستطيع ان نأخذ صفة الشجاعة عند الامام (ع) بصورة منفصلة عن الصفات الشخصية الاخرى كالزهد والتقوى والتعفف عن ملاذ الدنيا الفانية. فاذا اضفنا تلك الصفات في القدرة على نبذ ملذات الدنيا - حلالها فضلاً عن حرامها- الى البطولة الخارقة، لكان العامل الشخصي المحرِّك للحرب عند علي (ع) عاملاً اخلاقياً نابعاً عن جوهر الدين في محاربة الشر والباطل بما فيه من ظلم ورذيلة وفساد. بينما لو درسنا صفة الشجاعة عند افراد مثل عمرو بن عبد ود او مرحب او ابو جرول، لتبين لنا ان تلك الصفة اتخذت صفة العدوانية لانها كانت تمثل الغرور، والتكبر، والفساد الاخلاقي، والشرك بالله سبحانه وهو اعظم الفساد.

رابعاً : ان الصور المرسومة في ذهن المؤمن - كصور الحياة الآخرة مثلاً من جنة ونعيم وملائكة وقرب من المولى عز وجل-  تساهم في الاندفاع نحو القتال في ساحة المعركة. فيحكي لنا القرآن الكريم بان الله سبحانه وتعالى قد أخذ على نفسه عهداً للمؤمنين بان لهم الجنة والنعيم مقابل جهادهم المشركين والكافرين، فيقول: (ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة...)[43]. فالصور الذهنية هنا صورٌ اخلاقية ليست لها طبيعة عدوانية. فامير المؤمنين (ع) وهو يحمل تصوراته عن الخالق سبحانه وتعالى والحياة الآخرة لا يمكن ان يختار غير الحرب طريقاً لتوصيل الرسالة، امام اعداء لا يفهمون الا لغة القتال، وقد قال عز وجل: (...وقاتلوا المشركين كافّة كما يقاتلونكم كافّة...)[44].

خامساً : ان بطولة علي (ع) في المعارك الطاحنة كانت عاملاً مهماً من عوامل الردع النفسي ضد العدو، وقد اشرنا الى ذلك آنفاً وسوف نشير اليه من زاوية جديدة. وبذلك فقد ساهمت تلك البطولة في الحفاظ على دماء الناس واعراضهم، لان الردع كان يقتضي استسلام الجيش المقابل، عدا ما كان من شأن الحروب الخارجة عن القاعدة. وبذلك حفظ الاسلام الارواح والنفوس من القتل، فدخلوا في الاسلام، وانفتح لهم الطريق بعد ذلك لفهم معاني الدين دون اكراه. وكان فتح مكة من انصع الامثلة على صحة نظرية الردع في التعامل مع العدو.

سادساً : ان بطولة علي (ع) لم تكن حباً في اذى الناس، ولم تكن قضية غريزية من اجل القتل والتدمير. بل كانت تلك البطولة مصمَّمة على اساس ان ينتشر الخير والعدل بين البشر. فقد كان علي (ع) يحسن الى الفقراء ويرعاهم، ويجوع حتى يشبعوا، ويلبسهم النظيف الجديد ويلبس الرث البالي. فكيف تكون صفة الشجاعة لانسان مثله (ع) غريزة لحب القتل ؟! اذن، كانت شجاعة الامام (ع) حالة عقلية البسها الدين ثوب الكمال. وبذلك نفهم ان بطولة علي (ع) التي كان من ثمارها فتح مكة وتبوك دون سفك دماء، كانت عملية اخلاقية تستلهم من مبادئ الدين كل اصولها.

5 ـ سيف علي (ع) وتحقيق اهداف الردع:

          ومن نافلة القول ان نشير الى ان الردع يحقق اهدافه فقط عندما تتم قضايا من قبيل :

اولاً : علم العدو علماً تاماً بان الطرف المقابل له نوايا قطعية في القتال والحرب والاقدام والتضحية بكل ما يملك. فالبطولة المجردة لا تحقق الردع، ما لم يعلم العدو يقين الطرف المقابل في مبدأه وقطعية التضحية اللامحدودة التي يروم تقديمها.

ثانياً : تصور العدو تصوراً واقعياً بان الطرف المقابل قادرٌ فعلاً على انزال الاذى والدمار به. اي ان الايمان بالمبدأ والتضحية بالغالي والنفيس ينبغي ان يكونا متلازمين مع الشجاعة الفائقة والبطولة الفريدة والقدرة على خرق حصون العدو وتدميرها.

ثالثاً : علم العدو بان الطرف الاسلامي المقابل جدير بالتصديق، وكلامه شريف وجدير بالإكبار. ومثل تلك الثقة ترعب العدو. وهكذا كان بطل الابطال علي (ع)، فقد كان (ع) مورد افتخار اسر القتلى، كما جاء في قول هند :

أبي وعمي وشقيق بكري *** اخي الذي كان كضوء البدرِ

بهم كسرت يا علي ظهري[45]

وقول اخت عمرو ابن عبد ود في رثاء اخيها عندما بارزه (ع) وقتله :

لو كان قاتل عمرو غير قاتلهِ *** بكيتُه ابداً ما دمتُ في الابدِ

لكنَّ قاتلَهُ من لا نظير له *** وكان يُدعى ابوه بيضةَ البلدِ[46]

          وبكلمة، فقد كان علي (ع) يحمل صفات الردع من بطولة نادرة، ونية قطعية في التضحية والفداء، وقدرة استثنائية على انزال الاذى والدمار بالعدو، وصفات دين وتقوى وعفة وزهد تجعل الطرف المقابل يكنُّ له شعوراً يمتزج فيه الخوف بالاكبار، والرهبة بالكره، والتعظيم بالفرار. وعلى اية حال، فان علياً (ع) كان جديراً بالتصديق من قبل العدو. لانه لم يكن في يوم من الايام يحرّض على مجرد القتل ومحض المبارزة التي كان يتفاخر بها ابطال الجاهلية وفرسانها، بل كان يدعو بسيفه الى التوحيد والعدل والرحمة الالهية. ولذلك فقد حقق (ع) بمفرده في سبيل الدين ما لم يحققه جيش كامل.

          لقد كانت افضل اساليب الردع في الحروب الاسلامية ضد المشركين هو اسلوب المبارزة الشخصية التي استخدمها الامام (ع) في قتل ابطال المشركين. فقد ارعب هذا الاسلوبُ «النخبةَ» القيادية في الطرف المشرك، وجعلها تفقد توازنها الاستراتيجي بعيد المدى. ذلك لان جحيم الموت اصبح يصل اي من المحاربين الذين يكنّون العداء للاسلام، قائداً كان احدهم او بطلاً مقداماً او فارساً من الطراز الاول.

          ولم تكن بطولته (ع) مجردة من مضامينها الدينية او الرسالية السماوية، فانتصار الامام (ع) بالسيف على عدوه يعني انتصار فكره وعقيدته السماوية على فكر عدوه وعقيدته الوثنية. وهكذا اصبح الدمار الذي ينـزله سيف ذو الفقار على المشركين دماراً رهيباً يتجاوز حدود المعركة، على كل المستويات العسكرية والاجتماعية والدينية والمذهبية. وبالاجمال، فقد كان سيف علي (ع) ذو حدين، حدٌ للردع النفسي وحدٌ لإنزال القصاص الحقيقي بالمشركين. فاذا تفاعل الردع النفسي مع انفتاح قلب الانسان وعقله للاسلام نزع المشرك المقاتِل رداء شركه ودخل في الدين، والا فان سيف علي (ع) سيكون بالمرصاد لهؤلاء الظالمين والطغاة والمفسدين في الارض.

          وهذا هو الذي جعل علياً (ع) محط سهام القوم بعد وفاة رسول الله (ص). فالامام (ع) كان قلب المعركة النابض في حروب الاسلام ضد الشرك والنفاق والوثنية، بحيث دمر قدراتهم القتالية والمعنوية واذاقهم طعم الهزيمة والذل الى يوم القيامة.

(نهاية ص 504)

 السابق             صفحة التحميل             الصفحة الرئيسية 


 

[1] سورة البقرة: الآية 190.

[2] سورة التوبة: الآية 5.

[3] سورة البقرة: الآية 190

[4] سورة النساء: الآية 77.

[5] سورة البقرة: الآية 191

[6] سورة الاحزاب: الآية 48.

[7] سورة البقرة: الآية 216.

[8] مجمع البيان- الطبرسي ج 1 ص 549.

[9] سورة البقرة: الآية 217

[10] ثقِفته أثقَفه ثَقفاً وثقافة اي وجدته، ومنه قولهم رجل ثَقِف أي يجد ما يطلبه. وحيث ثقفتموهم: اي وحيث وجدتموهم.

[11] سورة البقرة: الآية 191- 193.

[12] اخرجه مالك في (الموطأ) بالرقم 1717 كتاب دعاء المدينة ج 4 ص 233 شرح الزرقاني.

[13] مسالك الافهام الى آيات الاحكام- الفاضل الجواد ج2 ص 321.

[14] سورة التوبة: الآية 91- 93.

[15] مجمع البيان – ج 5 ص 91.

[16] سورة التوبة: الآية 123.

[17] مجمع البيان – ج 5 ص 91.

[18] سورة الانفال: الآية 65- 66.

[19] سورة الانفال: الآية 15- 16.

[20] سورة محمد: الآية 4.

[21] سورة التوبة: الآية 29.

[22] سورة النساء: الآية 46. وسورة المائدة: الآية 13.

[23] سورة التوبة: الآية 36.

[24] سورة التوبة: الآية 5.

[25] سورة الانفال: الآية 61.

[26] الام – الشافعي ج 4 ص 189 المهادنة عام الحديبية عشر سنين. والسنن الكبرى – البيهقي ج 9 ص 221 باب ما جاء في مدة الهدنة رواه عن مروان بن الحكم ومسور بن مخرمة.

[27] تأريخ الطبري ج 2 ص 501- 514.

[28] نهج البلاغة – كتاب 45 الى عثمان بن حنيف الانصاري ص 534.

[29] نهج البلاغة – خطبة 122 ص 220.

[30] سورة البقرة: الآية 207.

[31] المواقف – الايجي ج 8 ص 371.

[32] ينابيع المودة ص 94 -95.

[33]  ينابيع المودة ص 94- 95.

[34] سورة الاحزاب: الآية 18- 19.

[35] سورة الانفال: الآية 45.

[36] سورة الانفال: الآية 15.

[37] سورة محمد: الآية 4.

[38] سورة الاسراء: الآية 81.

[39] سورة الانفال: الآية 8.

[40] سورة الانبياء: الآية 18.

[41] سورة سبأ: الآية 49.

[42] سورة الشورى: الآية 24.

[43] سورة التوبة: الآية 111.

[44] سورة التوبة: الآية 36.

[45] المناقب – ابن شهرآشوب ج 3 ص 121.

[46] شرح نهج البلاغة ج 1 ص 20. وبيضة البلد: فرد ليس مثله في الشرف. وتريد به علي بن ابي طالب الذي كان ابوه كالبيضة التي هي تريكة وحدها ليس معها غيرها، كما في لسان العرب.