يراجع المبحث ( 20 ) التواضع للّه .
قال الامام علي ( ع ) :
حتّى إذا قام اعتداله و استوى مثاله ، نفر مستكبرا ، و خبط سادرا . . . ( الخطبة 81 ، 3 ، 146 )
[ 827 ]
في الخطبة القاصعة : الحمد للّه الّذي لبس العزّ و الكبرياء ، و اختارهما لنفسه دون خلقه ، و جعلهما حمى و حرما على غيره ، و اصطفاهما لجلاله ، و جعل اللّعنة على من نازعه فيهما من عباده . ثمّ اختبر بذلك ملائكته المقرّبين ، ليميز المتواضعين منهم من المستكبرين . فقال سبحانه ، و هو العالم بمضمرات القلوب و محجوبات الغيوب إنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِيْنٍ فَإذَا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيْهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ . فَسَجَدَ المَلائكَةُ كُلُّهمْ أَجْمَعُونَ إلاَّ إبْلِيْسَ اعترضته الحميّة ، فافتخر على آدم بخلقه ، و تعصّب عليه لأصله . فعدوّ اللّه ( أي ابليس ) إمام المتعصّبين ، و سلف المستكبرين . الّذي وضع أساس العصبيّة ، و نازع اللّه رداء الجبريّة . و ادّرع لباس التّعزّز ، و خلع قناع التّذلّل . ألا ترون كيف صغّره اللّه بتكبّره ، و وضعه بترفعّه . فجعله في الدّنيا مدحورا ،
و أعدّ له في الآخرة سعيرا ؟ ( الخطبة 190 ، 1 ، 356 ) فاعتبروا بما كان من فعل اللّه بإبليس إذ أحبط عمله الطّويل و جهده الجهيد ، و كان قد عبد اللّه ستّة الاف سنّة ، لا يدرى أمن سنيّ الدّنيا أم من سنيّ الآخرة ، عن كبر ساعة واحدة . فمن ذا بعد إبليس يسلم على اللّه بمثل معصيته ؟ كلاّ ما كان اللّه سبحانه ليدخل الجنّة بشرا بأمر أخرج به منها ملكا . إنّ حكمه في أهل السّماء و أهل الأرض لواحد . و ما بين اللّه و بين أحد من خلقه هوادة في إباحة حمى حرّمه على العالمين . ( الخطبة 190 ، 1 ، 358 ) فاحذروا عباد اللّه عدوّ اللّه ، أن يعديكم بدائه ، و أن يستفزّكم بندائه ، و أن يجلب عليكم بخيله و رجله . فلعمري لقد فوّق لكم سهم الوعيد ، و أغرق إليكم بالنّزع الشّديد .
و رماكم من مكان قريب ، فقال رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَ لَأَغُوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ قذفا بغبب بعيد ، و رجما بظنّ غير مصيب . صدّقه به أبناء الحميّة ، و إخوان العصبيّة ، و فرسان الكبر و الجاهليّة . حتّى إذا انقادت له الجامحة منكم ، و استحكمت الطّماعية منه فيكم . فنجمت الحال من السّرّ الخفيّ إلى الأمر الجليّ . استفحل سلطانه عليكم ، و دلف بجنود نحوكم . فأقحموكم و لجات الذّلّ ، و أحلّوكم ورطات القتل . و أوطؤوكم إثخان الجراحة . طعنا في عيونكم ، و حزّا في حلوقكم . و دقّا
[ 828 ]
لمناخركم ، و قصدا لمقاتلكم . و سوقا بخزائم القهر إلى النّار المعدّة لكم . فأصبح أعظم في دينكم حرجا ، و أورى في دنياكم قدحا . من الّذين أصبحتم لهم مناصبين و عليهم متألّبين ، فاجعلوا عليه حدّكم و له جدّكم . فلعمر اللّه لقد فخر على أصلكم ،
و وقع في حسبكم ، و دفع في نسبكم . و أجلب بخيله عليكم ، و قصد برجله سبيلكم .
يقتنصونكم بكلّ مكان ، و يضربون منكم كلّ بنان . لا تمتنعون بحيلة ، و لا تدفعون بعزيمة . في حومة ذلّ ، و حلقة ضيق . و عرصة موت ، و جولة بلاء . فأطفئوا ما كمن في قلوبكم من نيران العصبيّة و أحقاد الجاهليّة . فإنّما تلك الحميّة تكون في المسلم ،
من خطرات الشّيطان و نخواته ، و نزغاته و نفثاته . و اعتمدوا وضع التّذلّل على رؤوسكم ، و إلقاء التّعزّز تحت أقدامكم ، و خلع التّكبّر من أعناقكم . و اتّخذوا التّواضع مسلحة بينكم و بين عدوّكم إبليس و جنوده . فإنّ له من كلّ أمّة جنودا و أعوانا ، و رجلا و فرسانا . و لا تكونوا كالمتكبّر على ابن أمّه ( أي قابيل الذي تكبر على هابيل ) من غير ما فضل جعله اللّه فيه ، سوى ما ألحقت العظمة بنفسه من عداوة الحسد ، و قدحت الحميّة في قلبه من نار الغضب . و نفخ الشّيطان في أنفه من ريح الكبر ، الّذي أعقبه اللّه به النّدامة ، و ألزمه آثام القاتلين إلى يوم القيامة . ( الخطبة 190 ، 1 ، 358 ) و يتابع الامام ( ع ) كلامه محذرا من الكبر : ألا و قد أمعنتم في البغي ، و أفسدتم في الأرض ، مصارحة للّه بالمناصبة ، و مبارزة للمؤمنين بالمحاربة . فاللّه اللّه في كبر الحميّة و فخر الجاهليّة . فإنّه ملاقح الشّنآن ، و منافخ الشّيطان ، الّتي خدع بها الأمم الماضية ، و القرون الخالية . حتّى أعنقوا في حنادس جهالته ، و مهاوي ضلالته . ذللا عن سياقه ، سلسا في قياده . أمرا تشابهت القلوب فيه ، و تتابعت القرون عليه . و كبرا تضايقت الصدور به . ( الخطبة 190 ، 1 ، 360 ) ألا فالحذر الحذر من طاعة ساداتكم و كبرائكم ، الّذين تكبّروا عن حسبهم ، و ترفّعوا فوق نسبهم . و ألقوا الهجينة على ربّهم ، و جاحدوا اللّه على ما صنع بهم . مكابرة لقضائه ، و مغالبة لآلآئه . فإنّهم قواعد أساس العصبيّة ، و دعائم أركان الفتنة ، و سيوف اعتزاء ( أي تفاخر ) الجاهليّة . . . و لا تطيعوا الأدعياء الّذين شربتم بصفوكم كدرهم ،
[ 829 ]
و خلطتم بصحّتكم مرضهم ، و أدخلتم في حقّكم باطلهم . و هم آساس الفسوق ،
و أحلاس العقوق . اتّخذهم إبليس مطايا ضلال ، و جندا بهم يصول على النّاس ،
و تراجمة ينطق على ألسنتهم . استراقا لعقولكم ، و دخولا في عيونكم و نفثا في أسماعكم . فجعلكم مرمى نبله ، و موطيء قدمه ، و مأخذ يده .
فاعتبروا بما أصاب الأمم المستكبرين من قبلكم ، من بأس اللّه و صولاته ، و وقائعه و مثلاته . و اتّعظوا بمثاوي خدودهم ، و مصارع جنوبهم . و استعيذوا باللّه من لواقح الكبر ، كما تستعيذونه من طوارق الدّهر . فلو رخّص اللّه في الكبر لأحد من عباده لرخّص فيه لخاصّة أنبيائه و أوليائه . و لكنّه سبحانه كرّه إليهم التّكابر ، و رضي لهم التّواضع . . . ( الخطبة 190 ، 2 ، 361 ) فاللّه اللّه في عاجل البغي ، و آجل وخامة الظّلم ، و سوء عاقبة الكبر ، فإنّها مصيدة إبليس العظمى ، و مكيدته الكبرى . الّتي تساور قلوب الرّجال مساورة السّموم القاتلة . فما تكدي ( أي تعجز ) أبدا ، و لا تشوي أحدا . لا عالما لعلمه ، و لا مقلا في طمره . و عن ذلك ما حرس اللّه عباده المؤمنين بالصّلوات و الزّكوات ، و مجاهدة الصّيام في الأيّام المفروضات . . . « تراجع تتمة الكلام في المبحث ( 79 ) : بعض العبادات » .
( الخطبة 190 ، 3 ، 366 ) انظروا إلى ما في هذه الأفعال ( أي أفعال العبادة ) من قمع نواجم الفخر ، و قدع طوالع الكبر . و لقد نظرت فما وجدت أحدا من العالمين يتعصّب لشيء من الأشياء ، إلاّ عن علّة تحتمل تمويه الجهلاء ، أو حجّة تليط بعقول السّفهاء غيركم . فإنّكم تتعصّبون لأمر ما يعرف له سبب و لا علّة . أمّا إبليس فتعصّب على آدم لأصله ، و طعن عليه في خلقته ، فقال : أنا ناريّ و أنت طينيّ .
و أمّا الأغنياء من مترفة الأمم ، فتعصّبوا لآثار مواقع النّعم . فقالوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَ أَوْلاَداً وَ مَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ . فإن كان لا بدّ من العصبيّة فليكن تعصّبكم لمكارم الخصال ، و محامد الأفعال ، و محاسن الأمور الّتي تفاضلت فيها المجداء و النّجداء ،
من بيوتات العرب و يعاسيب القبائل ، بالأخلاق الرّغيبة ، و الأحلام العظيمة ،
[ 830 ]
و الأخطار الجليلة ، و الآثار المحمودة . فتعصّبوا لخلال الحمد . . . ( الخطبة 190 ، 3 ، 367 ) أترجو أن يعطيك اللّه أجر المتواضعين ، و أنت عنده من المتكبّرين ؟ . ( الخطبة 260 ، 458 ) و قال ( ع ) عن المتقين : فحظوا من الدّنيا بما حظي به المترفون ، و أخذوا منها ما أخذه الجبابرة المتكبّرون . ثمّ انقلبوا عنها بالزّاد المبلّغ ، و المتجر الرّابح . ( الخطبة 266 ، 465 ) و لا وحدة أوحش من العجب . . . و لا حسب كالتّواضع . ( 113 ح ، 586 ) و عجبت للمتكبّر الّذي كان بالأمس نطفة ، و يكون غدا جيفة . ( 126 ح ، 589 ) و بالتّواضع تتمّ النّعمة . ( 224 ح ، 606 ) فرض اللّه الإيمان تطهيرا من الشّرك ، و الصّلاة تنزيها عن الكبر . ( 252 ح ، 611 ) و الحرص و الكبر و الحسد دواع إلى التّقحّم في الذّنوب . ( 371 ح ، 641 ) ضع فخرك ، و احطط كبرك ، و اذكر قبرك . ( 398 ح ، 647 ) ما لابن آدم و الفخر : أوّله نطفة ، و آخره جيفة ، و لا يرزق نفسه ، و لا يدفع حتفه .
( 454 ح ، 657 )