( 185 ) تذمر الامام ( ع ) من أصحابه و تأنيبهم على بعض افعالهم

يراجع المبحث التالي ( 186 ) حث الامام اصحابه على القتال ، و انكاره تقاعسهم و أعذارهم .

تراجع مباحث الباب التاسع : المواعظ و الارشادات .

قال الامام علي ( ع ) :

من خطبة له ( ع ) خطبها بعد موقعة الجمل ، يندد فيها بأصحابه : بنا اهتديتم في الظّلماء ، و تسنّمتم ذروة العلياء و بنا انفجرتم عن السّرار ( أي الظلمة التي تكون في آخر ليلة من الشهر القمري ) . و قر سمع لم يفقه الواعية ( أي العبر و المواعظ ) ، و كيف يراعي النّبأة ( الصوت الخفي ) من أصمّته الصّيحة ( الصوت القوي ) . ربط جنان لم يفارقه الخفقان ( هذا دعاء للقلب الذي لازمته مخافة اللّه بان يثبت و يستمسك ) .

ما زلت أنتظر بكم عواقب الغدر ، و أتوسّمكم بحلية المغترّين ، حتّى سترني عنكم جلباب الدّين ، و بصّرنيكم صدق النّيّة . أقمت لكم على سنن الحقّ في جوادّ المضلّة ، حيث تلتقون و لا دليل ، و تحتفرون و لا تميهون ( أي لا تجدون الماء ) . اليوم أنطق لكم العجماء ذات البيان . عزب رأي امري‏ء تخلّف عنّي . ما شككت في

[ 505 ]

الحقّ مذ أريته . لم يوجس موسى عليه السّلام خيفة على نفسه ، بل أشفق من غلبة الجهّال و دول الضّلال . اليوم توافقنا على سبيل الحقّ و الباطل . من وثق بماء لم يظمأ ( أي من وثق بإمامه وجد غايته عنده ) . ( الخطبة 4 ، 45 ) قال ( ع ) متضجرا من تثاقل اصحابه عن الجهاد ، و مخالفتهم له في الرأي ، بعد ان تواترت عليه الاخبار بتغلب بسر بن أبي أرطاة على عامليه على اليمن : أنبئت بسرا قد اطّلع اليمن . و إنّي و اللّه لأظنّ أنّ هؤلاء القوم سيدالون منكم ( أي ستكون لهم الدولة بدلكم ) ، باجتماعهم على باطلهم ، و تفرّقكم عن حقّكم ، و بمعصيتكم إمامكم في الحقّ ،

و طاعتهم إمامهم في الباطل ، و بأدائهم الأمانة إلى صاحبهم و خيانتكم و بصلاحهم في بلادهم و فسادكم . فلو ائتمنت أحدكم على قعب ( أي قدح ) لخشيت أن يذهب بعلاقته ( أي ما يعلّق به ) . اللّهمّ إنّي قد مللتهم و ملّوني و سئمتهم و سئموني ، فأبدلني بهم خيرا منهم ، و أبدلهم بي شرا منّي . اللّهمّ مث ( أي أذب ) قلوبهم كما يماث الملح في الماء . أما و اللّه لوددت أنّ لي بكم ألف فارس من بني فراس بن غنم ،

هنالك لو دعوت أتاك منهم فوارس مثل أرمية الحميم ( الخطبة 25 ، 72 ) و قد بلغتم من كرامة اللّه تعالى لكم منزلة تكرم بها إماؤكم ، و توصل بها جيرانكم ،

و يعظّمكم من لا فضل لكم عليه ، و لا يدلكم عنده . و يهابكم من لا يخاف لكم سطوة ، و لا لكم عليه إمرة . و قد ترون عهود اللّه منقوضة فلا تغضبون ، و أنتم لنقض ذمم آبائكم تأنفون . و كانت أمور اللّه عليكم ترد ، و عنكم تصدر ، و إليكم ترجع ،

فمكّنتم الظّلمة من منزلتكم ، و القيتم إليهم أزمّتكم ، و أسلمتم أمور اللّه في أيديهم . يعملون بالشّبهات ، و يسيرون في الشّهوات . و أيم اللّه لو فرّقوكم تحت كلّ كوكب ، لجمعكم اللّه لشرّ يوم لهم . ( الخطبة 104 ، 203 ) لم يستضيئوا بأضواء الحكمة ، و لم يقدحوا بزناد العلوم الثّاقبة . فهم في ذلك كالأنعام السّائمة و الصّخور القاسية .

قد انجابت السّرائر لأهل البصائر ، و وضحت محجّة الحقّ لخابطها ، و اسفرت السّاعة

[ 506 ]

عن وجهها ، و ظهرت العلامة لمتوسّمها . ما لي أراكم أشباحا بلا أرواح ؟ و أرواحا بلا أشباح ، و نسّاكا بلا صلاح ، و تجّارا بلا أرباح . و أيقاضا نوّما ، و شهودا غيّبا .

و ناظرة عمياء ، و سامعة صمّاء ، و ناطقة بكماء . . ( الخطبة 106 ، 205 ) أين تذهب بكم المذاهب ، و تتيه بكم الغياهب ، و تخدعكم الكواذب ؟ و من أين تؤتون ، و أنّي تؤفكون ؟ فلكلّ أجل كتاب ، و لكلّ غيبة إياب . ( الخطبة 106 ، 206 ) و لكنّكم نسيتم ما ذكّرتم ، و أمنتم ما حذّرتم ، فتاه عنكم رأيكم ، و تشتّت عليكم أمركم . و لوددت أنّ اللّه فرّق بيني و بينكم ، و ألحقني بمن هو أحقّ بي منكم . . . أما و اللّه ليسلّطنّ عليكم غلام ثقيف الذّيّال الميّال ، يأكل خضرتكم و يذيب شحمتكم ، إيه أبا وذحة . ( الخطبة 114 ، 225 ) إنّ الشّيطان يسنّي لكم طرقه ، و يريد أن يحلّ دينكم عقدة عقدة ، و يعطيكم بالجماعة الفرقة ، و بالفرقة الفتنة ، فاصدفوا عن نزغاته و نفثاته ، و اقبلوا النّصيحة ممّن أهداها إليكم ، و اعقلوها على أنفسكم . ( الخطبة 119 ، 230 ) أيّتها النّفوس المختلفة و القلوب المتشتّتة ، الشّاهدة أبدانهم ، و الغائبة عنهم عقولهم ،

أظأركم ( أي أعطفكم ) على الحقّ ، و أنتم تنفرون عنه نفور المعزى من وعوعة الأسد . هيهات أن أطلع بكم سرار العدل ( السرار : الظلمة ، أي ان أطلع بكم شارقا يكشف عما عرض على العدل من ظلمة ) ، أو أقيم اعوجاج الحقّ . ( الخطبة 129 ، 241 ) قد اصطلحتم على الغلّ فيما بينكم ، و نبت المرعى على دمنكم . و تصافيتم على حبّ الآمال ، و تعاديتم في كسب الأموال . لقد استهام بكم الخبيث ، و تاه بكم الغرور ، و اللّه المستعان على نفسي و أنفسكم . ( الخطبة 131 ، 246 ) أيّها النّاس ، لو لم تتخاذلوا عن نصر الحقّ ، و لم تهنوا عن توهين الباطل ، لم يطمع فيكم من ليس مثلكم ، و لم يقو من قوي عليكم . لكنّكم تهتم متاه بني إسرائيل .

و لعمري ليضعّفنّ لكم التّيه من بعدي أضعافا ، بما خلّفتم الحقّ وراء ظهوركم ، و قطعتم الأدنى و وصلتم الأبعد . و اعلموا أنّكم إن اتّبعتم الدّاعي لكم ، سلك بكم منهاج الرّسول ،

و كفيتم مؤونة الاعتساف ، و نبذتم الثّقل الفادح عن الأعناق . ( الخطبة 164 ، 300 )

[ 507 ]

و إنّي لأخشى عليكم أن تكونوا في فترة ( أي فترة من الغرور ) . و قد كانت أمور مضت ، ملتم فيها ميلة ، كنتم فيها عندي غير محمودين . و لئن ردّ عليكم أمركم إنّكم لسعداء . و ما عليّ إلاّ الجهد . و لو أشاء أن أقول لقلت : عفا اللّه عمّا سلف .

( الخطبة 176 ، 320 ) و قال ( ع ) في ذم العاصين من اصحابه : أحمد اللّه على ما قضى من أمر ، و قدّر من فعل .

و على ابتلائي بكم أيّتها الفرقة الّتي إذا أمرت لم تطع ، و إذا دعوت لم تجب . إن أمهلتم خضتم ، و إن حوربتم خرتم . و إن اجتمع النّاس على إمام طعنتم ، و إن أجئتم إلى مشاقّة ( أي حرب ) نكصتم . لا أبا لغيركم ، ما تنتظرون بنصركم و الجهاد على حقّكم ؟ الموت أو الذّلّ لكم . فو اللّه لئن جاء يومي و ليأتينّي ليفرّقنّ بيني و بينكم ، و أنا لصحبتكم قال ( أي كاره ) و بكم غير كثير . للّه أنتم أما دين يجمعكم و لا حميّة تشحذكم أو ليس عجبا أنّ معاوية يدعو الجفاة الطّغام فيتّبعونه على غير معونة و لا عطاء ، و أنا أدعوكم و أنتم تريكة الإسلام و بقيّة النّاس إلى المعونة أو طائفة من العطاء ، فتفرّقون عنّي و تختلفون عليّ ؟ إنّه لا يخرج إليكم من أمري رضا فترضونه ، و لا سخط فتجتمعون عليه ، و إنّ أحبّ ما أنا لاق إليّ الموت .

قد دارستكم الكتاب ، و فاتحتكم الحجاج . و عرّفتكم ما أنكرتم ، و سوّغتكم ما مججتم . لو كان الأعمى يلحظ ، أو النّائم يستيقظ . و أقرب بقوم من الجهل باللّه قائدهم معاوية ، و مؤدّبهم ابن النّابغة ( أي عمرو بن العاص ) . ( الخطبة 178 ، 321 ) و قال ( ع ) في الخطبة القاصعة : ألا و قد أمعنتم في البغي ، و أفسدتم في الأرض ،

مصارحة للّه بالمناصبة ، و مبارزة للمؤمنين بالمحاربة . ( الخطبة 190 ، 1 ، 360 ) ألا و إنّكم قد نفضتم أيديكم من حبل الطّاعة . و ثلمتم حصن اللّه المضروب عليكم بأحكام الجاهليّة . فإنّ اللّه سبحانه قد امتنّ على جماعة هذه الأمّة فيما عقد بينهم من حبل هذه الألفة الّتي ينتقلون في ظلّها ، و يأوون إلى كنفها ، بنعمة لا يعرف أحد من المخلوقين لها قيمة ، لأنّها أرجح من كلّ ثمن ، و أجلّ من كلّ خطر .

[ 508 ]

و اعلموا أنّكم صرتم بعد الهجرة أعرابا ، و بعد الموالاة أحزابا . ما تتعلّقون من الإسلام إلاّ باسمه ، و لا تعرفون من الإيمان إلاّ رسمه .

تقولون النّار و لا العار كأنّكم تريدون أن تكفئوا الإسلام على وجهه انتهاكا لحريمه ، و نقضا لميثاقه الّذي وضعه اللّه لكم ، حرما في أرضه و أمنا بين خلقه .

و إنّكم إن لجأتم إلى غيره حاربكم أهل الكفر ، ثمّ لا جبرائيل و لا ميكائيل و لا مهاجرون و لا أنصار ينصرونكم ، إلاّ المقارعة بالسّيف حتّى يحكم اللّه بينكم .

و إنّ عندكم الأمثال من بأس اللّه و قوارعه ، و أيّامه و وقائعه ، فلا تستبطئوا وعيده جهلا بأخذه ، و تهاونا ببطشه ، و يأسا من بأسه . فإنّ اللّه سبحانه لم يلعن القرن الماضي بين أيديكم إلاّ لتركهم الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر . فلعن اللّه السّفهاء لركوب المعاصي ، و الحلماء لترك التناهى .

ألا و قد قطعتم قيد الإسلام ، و عطّلتم حدوده ، و أمتّم أحكامه . ( الخطبة 190 ، 4 ، 371 ) . . . فلا تكلّموني بما تكلّم به الجبابرة ، و لا تتحفّطوا منّي بما يتحفّظ به عند أهل البادرة ، و لا تخالطوني بالمصانعة . . ( الخطبة 214 ، 412 ) جاهلكم مزداد ( أي يزداد في جهله ) ، و عالمكم مسوّف ( أي يؤخر اعماله عن وقتها ) .

( 283 ح ، 623 )