قال الامام علي ( ع ) :
في الخطبة الشقشقية عن الخلافة : فسدلت دونها ثوبا ، و طويت عنها كشحا . و طفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذّاء ( أي مقطوعة ، كناية عن عدم وجود النصير ) أو أصبر على طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ، و يشيب فيها الصغير ، و يكدح فيها مؤمن حتّى يلقى ربّه ( يقصد بذلك طول مدة الصبر ) .
فرأيت أنّ الصّبر على هاتا أحجى ، فصبرت و في العين قذى ، و في الحلق شجا ،
أرى تراثي نهبا . ( الخطبة 3 ، 39 ) الى أن قال ( ع ) عن خلافة عمر بن الخطاب : فمني النّاس لعمر اللّه بخبط و شماس ،
و تلوّن و اعتراض ، فصبرت على طول المدّة ، و شدّة المحنة . ( الخطبة 3 ، 41 ) فنظرت فإذا ليس لي معين إلاّ أهل بيتي ، فضننت بهم عن الموت ، و أغضيت على القذى ، و شربت على الشّجا ( ما يعترض في الحلق من عظم و نحوه ) ، و صبرت على أخذ الكظم ( الكظم هو مخرج النفس ، و المراد أنه صبر حتى الاختناق ) ، و على أمرّ من طعم العلقم . ( الخطبة 26 ، 74 ) و قال ( ع ) عن حقه في الخلافة : فنظرت في أمري ، فإذا طاعتي ( لرسول اللّه ) قد سبقت بيعتي ( للخلفاء السابقين ) ، و إذا الميثاق في عنقي لغيري ( يصف في هذا الكلام حال نفسه ( ع ) بعد وفاة النبي ( ص ) . بيّن فيه أنه مأمور بالرفق في طلب حقه في الخلافة . فبايع الخلفاء الذين قبله مكرها ، امتثالا لما أمره به النبي ( ص ) من الرفق ،
و ايفاء بما أخذ عليه النبي من الميثاق في ذلك ) . ( الخطبة 37 ، 96 ) و من كلام له ( ع ) لما عزموا على بيعة عثمان : لقد علمتم أنّي أحقّ النّاس بها ( أي الخلافة ) من غيري . و و اللّه لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين . و لم يكن فيها جور
[ 427 ]
إلاّ عليّ خاصّة ، التماسا لأجر ذلك و فضله ، و زهدا فيما تنافستموه من زخرفه و زبرجه . ( الخطبة 72 ، 129 ) اللّهمّ إنّي أستعديك على قريش و من أعانهم . فإنّهم قد قطعوا رحمي ، و أكفؤوا إنائي ،
و أجمعوا على منازعتي حقّا كنت أولى به من غيري . و قالوا : ألا إنّ في الحقّ أن تأخذه ، و في الحقّ أن تمنعه . فاصبر مغموما ، أو مت متأسّفا . فنظرت فإذا ليس لي رافد ، و لا ذابّ و لا مساعد ، إلاّ أهل بيتي فضننت بهم عن المنيّة . فأغضيت على القذى ، و جرعت ريقي على الشّجى ، و صبرت من كظم الغيظ على أمرّ من العلقم ، و آلم للقلب من حزّ الشّفار ( أي السيوف ) . ( الخطبة 215 ، 413 ) و قال ( ع ) لمعاوية : و قلت : إنّي كنت أقاد كما يقاد الجمل المخشوش ( أي الذي في أنفه خشبة يقاد منها ) حتّى أبايع . و لعمر اللّه لقد أردت أن تذمّ فمدحت ، و أن تفضح فافتضحت و ما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوما ، ما لم يكن شاكّا في دينه ، و لا مرتابا بيقينه . ( الخطبة 267 ، 470 ) و قال ( ع ) في أول عهده لمالك الاشتر : أمّا بعد ، فإنّ اللّه سبحانه بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نذيرا للعالمين ، و مهيمنا على المرسلين . فلمّا مضى عليه السّلام تنازع المسلمون الأمر من بعده . فو اللّه ما كان يلقى في روعي ، و لا يخطر ببالي ،
أنّ العرب تزعج هذا الأمر من بعده صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن أهل بيته ،
و لا أنّهم منحوه عنّي من بعده . فما راعني إلاّ انثيال النّاس على أبي بكر يبايعونه . فأمسكت يدي ( أي امتنعت عن بيعته ) ، حتّى رأيت راجعة النّاس قد رجعت عن الإسلام ، يدعون إلى محق دين محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ( يقصد بالراجعين عن دين محمد ( ص ) أهل الردة كمسيلمة الكذاب و سجاح و طليحة بن خويلد ) فخشيت إن لم أنصر الإسلام و أهله أن أرى فيه ثلما أو هدما ،
تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم ، الّتي إنّما هي متاع أيّام قلائل ،
يزول منها ما كان ، كما يزول السّراب ، أو كما يتقشّع السّحاب . فنهضت في تلك الأحداث حتّى زاح الباطل و زهق ، و اطمأنّ الدّين و تنهنه . ( الخطبة 301 ، 547 )
[ 428 ]
لامت الامام ( ع ) زوجته فاطمة ( ع ) على قعوده و أطالت تعنيفه ، و هو ساكت حتى أذّن المؤذن ، فلما بلغ الى قوله « أشهد ان محمدا رسول اللّه » قال لها : أتحبّين أن تزول هذه الدعوة من الدّنيا ؟ قالت : لا ، قال فهو ما أقول لك . ( حديد 735 ) قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله : إن اجتمعوا عليك فاصنع ما أمرتك ، و إلاّ فألصق كلكلك بالأرض ، فلمّا تفرّقوا عنّي جررت على المكروه ذيلي ، و أغضيت على القذى جفني ، و ألصقت بالأرض كلكلي . ( حديد 736 ) من كلام له ( ع ) قاله للأشعث بن قيس لما قال له : يا أمير المؤمنين إني سمعتك تقول :
ما زلت مظلوما ، فما منعك من طلب ظلامتك و الضرب دونها بسيفك ؟ فقال ( ع ) :
يا أشعث ، منعني من ذلك ما منع هرون ، إذ قال لأخيه موسى : إنِّي خَشِيْتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بََيْنَ بَنِي إسْرَائيلَ ، وَ لَمْ تَرْقُبْ قَوْلي و قد قال له موسى حين مضى لميقات ربّه : إن رأيت قومي ضلّوا و اتّبعوا غيري فنابذهم ، فإن لم تجد أعوانا فاحقن دمك ، و كفّ يدك ، و كذلك قال لي أخي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ، فلا أخالف أمره . ( مستدرك 54 )