( 55 ) حديث النبي ( ص ) و رواته

من كلام للإمام علي ( ع )

و قد سأله سائل عن أحاديث البدع ، و عمّا في أيدي الناس من اختلاف الخبر فقال : إنّ في أيدي النّاس حقّا و باطلا ، و صدقا و كذبا ، و ناسخا و منسوخا ، و عامّا و خاصّا ،

و محكما و متشابها ، و حفظا و وهما . و لقد كذب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على عهده ، حتّى قام خطيبا فقال « من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار » . و إنّما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس :

1 المنافقون : رجل منافق مظهر للإيمان ، متصنّع بالإسلام . لا يتأثّم و لا يتحرّج ،

يكذب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم متعمّدا . فلو علم النّاس أنّه منافق كاذب لم يقبلوا منه ، و لم يصدّقوا قوله ، و لكنّهم قالوا : صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رآه ، و سمع منه ، و لقف عنه . فيأخذون بقوله . و قد أخبرك اللّه عن المنافقين بما أخبرك ، و وصفهم بما وصفه به لك . ثمّ بقوا بعده ، فتقرّبوا إلى أئمّة الضّلالة ، و الدّعاة إلى النّار ، بالزّور و البهتان ، فولّوهم الأعمال ، و جعلوهم حكّاما على رقاب النّاس ، فأكلوا بهم الدّنيا ، و إنّما النّاس مع الملوك و الدّنيا ، إلاّ من عصم اللّه .

فهذا أحد الأربعة .

2 الخاطئون : و رجل سمع من رسول اللّه شيئا لم يحفظه على وجهه ، فوهم فيه ،

و لم يتعمّد كذبا ، فهو في يديه ، و يرويه و يعمل به ، و يقول : أنا سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلو علم المسلمون أنّه وهم فيه لم يقبلوه منه ، و لو علم هو أنّه كذلك لرفضه .

3 أهل الشبهة : و رجل ثالث ، سمع من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم شيئا يأمر به ، ثمّ أنّه نهى عنه ، و هو لا يعلم . أو سمعه ينهى عن شي‏ء ، ثمّ أمر به و هو لا يعلم .

[ 216 ]

فحفظ المنسوخ ، و لم يحفظ النّاسخ . فلو علم أنّه منسوخ لرفضه ، و لو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنّه منسوخ لرفضوه .

4 الصادقون الحافظون : و آخر رابع ، لم يكذب على اللّه ، و لا على رسوله ، مبغض للكذب ، خوفا من اللّه ، و تعظيما لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لم يهم ، بل حفظ ما سمع على وجهه ، فجاء به على ما سمعه لم يزد فيه و لم ينقص منه . فهو حفظ النّاسخ فعمل به ، و حفظ المنسوخ فجنّب عنه ، و عرف الخاصّ و العامّ ، و المحكم و المتشابه ، فوضع كلّ شي‏ء موضعه .

و قد كان يكون من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الكلام له وجهان : فكلام خاصّ ، و كلام عامّ ، فيسمعه من لا يعرف ما عنى اللّه سبحانه به ، و لا ما عنى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيحمله السّامع و يوجّهه على غير معرفة بمعناه ، و ما قصد به ، و ما خرج من أجله . و ليس كلّ أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من كان يسأله و يستفهمه ، حتّى إن كانوا ليحبّون أن يجي‏ء الأعرابيّ و الطّارى‏ء ، فيسأله عليه السّلام ، حتّى يسمعوا ، و كان لا يمرّ بي من ذلك شي‏ء إلاّ سألته عنه ، و حفظته .

فهذه وجوه ما عليه النّاس في اختلافهم ، و عللهم في رواياتهم . ( الخطبة 208 ، 401 ) و قال ( ع ) : إعقلوا الخبر إذا سمعتموه عقل رعاية لا عقل رواية ، فإنّ رواة العلم كثير ،

و رعاته قليل . ( 98 ح ، 582 )