مدخل :

مراحل العمل بين الجبر و التخيير : تبيّن لنا سابقا أنّ الانسان ليس مخيّرا مطلقا ، و لا مسيّرا مطلقا ، انّما هو بين الأمرين ، كما قال الامام الصادق ( ع ) .

و قد بيّن المرحوم العلامة عبد الكريم الزنجاني التداخل بين التخيير و التسيير في كلّ عمل يعمله الانسان فقال :

اعلم أن كلّ عمل يصدر عن ابن آدم خيرا كان أم شرّا لا بدّ له من أن يمرّ بخمس مراحل :

1 الخطور 2 تلاؤم الطبع 3 الشوق 4 العزم 5 الجزم فأمّا الثلاث الأولى فهي من خصائص الروح ، و الروح من أمر اللّه . و أمّا المرحلتين الأخيرتين فهما من خصائص الانسان نفسه ، و فيهما تظهر صفة التخيير في العمل ، أمّا الأولى فلا تخضع لارادته ، فهو مسيّر فيها .

الثواب و العقاب على مجاهدة النفس :

و يظهر من فلسفة الثواب في الاسلام ، أن الثواب لا يكون إلاّ نتيجة مجاهدة النفس .

و بناء على ذلك نفسر لماذا يثاب الانسان على العمل الصالح بمجرد أن تنعقد نيّته عليه ،

و إن لم يفعله . بينما لا يأثم على نيّة العمل السيّ‏ء ، و إن عزم عليه ما لم ينفذه .

فلو أنّ رجلا خطر بباله أن يقتل أخاه ، و وجد ذلك العمل متلائما مع طبعه ، ثم حصل له الشوق لفعله . ثم دخل العمل في المرحلة الرابعة و هي العزم ( أي الاستعداد لتنفيذ العمل ) ، و لكنه حين وصل الى لحظة التنفيذ ، راجع نفسه فأحجم و لم يفعله ، فلا إثم عليه ،

بل ان له أجر من عمل حسنة ، و ذلك جزاء مغالبته لنفسه عن فعل الشر .

[ 179 ]

و في المقابل لو نوى الانسان عمل خير ، و حين التنفيذ اعترضه عارض منعه من التنفيذ ، فله أجر العمل كاملا ، و إن لم يفعله . و ذلك لأنّ نية فعل الخير ، هي نتيجة لمغالبة الهوى و مجاهدة النفس عن فعل الشرّ ، و الأجر يكون على تلك المغالبة و تلك المجاهدة .

لماذا كتب اللّه على نفسه الرحمة ؟

و هنا يتبادر السؤال : إذا كان اللّه عادلا ، فلماذا يغفر الذنوب ، و في أي حساب دخلت المغفرة ؟ .

و الجواب كامن فيما فصّلناه من مراحل العمل . فبما أن المراحل الثلاث الأولى ، و هي :

الخطور و التلاؤم و الشوق ، ليست من الانسان و ليس مخيّرا فيها ، بل هو مخيّر فقط في المرحلتين الأخيرتين و هما : العزم و التنفيذ ، كان الانسان مخيرا في اثنتين و مسيّرا في ثلاث ،

و لذلك كانت مغفرة اللّه في محلها ، مصداقا لقوله تعالى كَتَبَ عَلَى‏ نَفْسِهِ الْرَّحْمَةَ .

لماذا تكون الحسنة بعشرة و السيئة بواحدة ؟ :

و للردّ على هذا السؤال يقول الفيلسوف الزنجاني رحمه اللّه : انّ في الانسان ثلاث قوى تدفعه لفعل الشر ، و هي النفس و الهوى و الشيطان . في حين توجد فيه قوة واحدة تدفعه الى الخير ،

و هي العقل . فاذا تمكّن المؤمن بعقله أن يتغلب على هذه القوى الثلاث المتضافرة مع بعضها ، و أن يفعل الحسنة ، فان الحسنة تعتبر له بعشرة أمثالها . و السبب في ذلك أن شدة هذه القوى الثلاث حال تضافرها لا يكون بجمعها مع بعضها ، بل بضربها ببعضها فتصبح تسعة 3 3 9 ، يضاف إليها فعل الحسنة و هو واحد ، فتصبح عشرة . و أمّا فعل السيئة فهو عبارة عن تغلّب نوازع الشرّ على عقل الانسان ، و هو تغلب على واحد ، فتعتبر بواحدة .