( 24 ) الأرض و الجبال و السحب و الأمطار و العيون و الأنهار و الأمواج و البحار

يراجع المبحث ( 22 ) السموات .

قال الإمام علي ( ع ) :

الّذي لم يزل قائما دائما ، إذ لا سماء ذات أبراج ، و لا حجب ذات إرتاج ، و لا ليل داج ،

و لا بحر ساج ، و لا جبل ذو فجاج ، و لا فجّ ذو اعوجاج . و لا أرض ذات مهاد ، و لا خلق ذو اعتماد . ذلك مبتدع الخلق و وارثه ، و إله الخلق و رازقه . ( الخطبة 88 ، 159 ) و قال ( ع ) في صفة الأرض و دحوها على الماء : كبس الأرض على مور أمواج مستفحلة ،

و لجج بحار زاخرة ، تلتطم أواذيّ ( جمع آذي و هو أعلى الموج ) أمواجها ، و تصطفق متقاذفات أثباجها ( استعارة لأعالي الموج ) ، و ترغو زبدا كالفحول عند هياجها . فخضع جماح الماء المتلاطم لثقل حملها ، و سكن هيج ارتمائه إذ وطئته بكلكلها ، و ذلّ مستخذيا ( أي منكسرا مسترخيا ) إذ تمعّكت عليه بكواهلها . فأصبح بعد اصطخاب

[ 133 ]

أمواجه ، ساجيا مقهورا ، و في حكمة الذّلّ منقادا أسيرا ، و سكنت الأرض مدحوّة في لجّة تيّاره ، و ردّت من نخوة بأوه و اعتلائه ( البأو : الزهو ) و شموخ أنفه و سموّ غلوائه ،

و كعمته ( كعم البعير : شدّ فاه لئلا يعض ) على كظّة جريته ، فهمد بعد نزقاته ، و لبد بعد زيفان ( التبختر في المشية ) و ثباته . فلمّا سكن هيج الماء من تحت أكنافها ، و حمل شواهق الجبال الشّمّخ البذّخ على أكتافها ، فجّرّ ينابيع العيون من عرانين أنوفها ،

و فرّقها في سهوب بيدها و أخاديدها ، و عدّل حركاتها بالرّاسيات من جلاميدها ،

و ذوات الشّناخيب ( جمع شنخوب و هو رأس الجبل ) الشّمّ من صياخيدها ( جمع صيخود و هي الصخرة الشديدة ) . فسكنت من الميدان ( أي الاضطراب ) لرسوب الجبال في قطع أديمها ، و تغلغلها متسرّبة في جوبات خياشيمها ، و ركوبها أعناق سهول الأرضين و جراثيمها . و فسح بين الجوّ و بينها ، و أعدّ الهواء متنسّما لساكنها ، و أخرج إليها أهلها على تمام مرافقها . ثمّ لم يدع جرز الأرض ( أي الأرض التي تنبت عند مرور مياه العيون عليها ) الّتي تقصر مياه العيون عن روابيها ، و لا تجد جداول الأنهار ذريعة إلى بلوغها ، حتّى أنشأ لها ناشئة سحاب تحيي مواتها ، و تستخرج نباتها .

ألّف غمامها بعد افتراق لمعه ، و تباين قزعه . حتّى إذا تمخّضت لجّة المزن فيه ،

و التمع برقه في كففه ، و لم ينم و ميضه في كنهور ( القطع العظيمة من السحاب أو المتراكم منه ) ربابه ( الأبيض المتلاحق من السحاب ) ، و متراكم سحابه ، أرسله سحّا متداركا ، قد أسفّ هيدبه ( أي دنا سحابه المتدلي كالذيل ) ، تمريه الجنوب درر أهاضيبه ( أي تستدر ريح الجنوب الماء من السحاب كما يستدر الحالب لبن الناقة ) و دفع شآبيبه ( جمع شؤبوب و هو المطر الشديد ) . فلمّا ألقت السّحاب برك بوانيها ( تشبيه السحاب بالناقة اذا بركت و ضربت بعنقها على الأرض و لاطمتها بأضلاع زورها ) ، و بعاع ( ألقى السحاب بعاعه : أمطر كل ما فيه ) ما استقلّت به من العب‏ء المحمول عليها ، أخرج به من هوامد الأرض النّبات ، و من زعر الجبال الأعشاب ،

فهي تبهج بزينة رياضها ، و تزدهي بما ألبسته من ريط ( جمع ريطة و هي كل ثوب رقيق لين ) أزاهيرها ، و حلية ما سمطت به من ناضر أنوارها ( جمع نور و هو الزهر ) و جعل

[ 134 ]

ذلك بلاغا للأنام ، و رزقا للأنعام . و خرق الفجاج في آفاقها ، و أقام المنار للسّالكين على جوادّ طرقها . ( الخطبة 89 ، 3 ، 171 ) و قذفت إليه السّموات و الأرضون مقاليدها ، و سجدت له بالغدوّ و الآصال الأشجار النّاضرة ، و قدحت له من قضبانها النّيران المضيئة ، و آتت أكلها بكلماته الثّمار اليانعة . ( الخطبة 131 ، 244 ) و ربّ هذه الأرض الّتي جعلتها قرارا للأنام ، و مدرجا للهوامّ و الأنعام ، و ما لا يحصى ممّا يرى و ما لا يرى . و ربّ الجبال الرّواسي الّتي جعلتها للأرض أوتادا ، و للخلق اعتمادا . ( الخطبة 169 ، 305 ) فسبحان من لا يخفى عليه سواد غسق داج ، و لا ليل ساج ، في بقاع الأرضين المتطأطئات ، و لا في يفاع السّفع المتجاورات ( اليفاع التل ، و السفع الجبال السود ) .

و ما يتجلجل به الرّعد في أفق السّماء ، و ما تلاشت عنه بروق الغمام . و ما تسقط من ورقة تزيلها عن مسقطها عواصف الأنواء و انهطال السّماء و يعلم مسقط القطرة و مقرّها ، و مسحب الذّرّة و مجرّها ، و ما يكفي البعوضة من قوتها ، و ما تحمل الأنثى في بطنها . ( الخطبة 180 ، 325 ) و كذلك السّماء و الهواء و الرّياح و الماء . فانظر إلى الشّمس و القمر و النّبات و الشّجر و الماء و الحجر ، و اختلاف هذا اللّيل و النّهار ، و تفجّر هذه البحار ، و كثرة هذه الجبال ،

و طول هذه القلال ( القلة : رأس الجبل ) ، و تفرّق هذه اللّغات و الألسن المختلفات .

فالويل لمن أنكر المقدّر ، و جحد المدبّر . . . « تراجع تتمة الكلام في المبحث ( 1 ) معرفة اللّه » . ( الخطبة 183 ، 336 ) و أنشأ السّحاب الثّقال فأهطل ديمها ، و عدّد قسمها ، قبل الأرض بعد جفوفها ، و أخرج نبتها بعد جذوبها . ( الخطبة 183 ، 337 ) و أنشأ الأرض فأمسكها من غير اشتغال ، و أرساها على غير قرار . و أقامها بغير قوائم ،

و رفعها بغير دعائم . و حصّنها من الأود و الإعوجاج ، و منعها من التهافت و الإنفراج .

أرسى أوتادها ، و ضرب أسدادها . و استفاض عيونها ، و خدّ أوديتها . فلم يهن ما بناه ،

[ 135 ]

و لا ضعف ما قوّاه . ( الخطبة 184 ، 344 ) ثمّ أداء الأمانة ، فقد خاب من ليس من أهلها . إنّها عرضت على السّموات المبنيّة و الأرضين المدحوّة ( أي المبسوطة ) و الجبال ذات الطّول المنصوبة ، فلا أطول و لا أعرض ، و لا أعلى و لا أعظم منها . و لو امتنع شي‏ء بطول أو عرض أو قوّة أو عزّ ،

لامتنعن ، و لكن أشفقن من العقوبة ، و عقلن ما جهل من هو أضعف منهنّ ، و هو الإنسان إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً . ( الخطبة 197 ، 393 ) . . . و أرسى أرضا يحملها الأخضر المثعنجر ( أي معظم البحر ) و القمقام ( البحر أيضا ) المسخّر . قد ذلّ لأمره و أذعن لهيبته . و وقف الجاري منه لخشيته . و جبل جلاميدها ،

و نشوز متونها و أطوادها ، فأرساها في مراسيها ، و ألزمها قراراتها . فمضت رؤوسها في الهواء ، و رست أصولها في الماء . فأنهد جبالها عن سهولها ، و أساخ قواعدها في متون أقطارها و مواضع أنصابها . فأشهق قلالها ، و أطال أنشازها ( متونها المرتفعة في جوانب الأرض ) ، و جعلها للأرض عمادا . و أرّزها فيها ( أي ثبتها ) أوتادا . فسكنت على حركتها من أن تميد بأهلها ، أو تسيخ بحملها ، أو تزول عن مواضعها . فسبحان من أمسكها بعد موجان مياهها ، و أجمدها بعد رطوبة أكنافها . فجعلها لخلقه مهادا ،

و بسطها لهم فراشا . فوق بحر لجّيّ راكد لا يجري و قائم لا يسري . تكركره الرّياح العواصف ( أي أن الرياح تذهب بماء البحر و تعود ) و تمخضه الغمام الذّوارف ( أي أن السحاب يستخلص من ماء البحر خلاصته و هو البخار ، كما تستخلص الزبدة من الحليب بمخضه ) ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةٌ لِمَنْ يَخْشَى‏ . ( الخطبة 209 ، 404 )