مدخل :

لم يجد الامام علي ( ع ) لأخذ حقه الصريح مناصرا غير أهل بيته و عدة معدودة من أصحابه ،

فضنّ بهم عن الموت ، و آثر السكوت عن حقه ، و لاذ بالصبر .

لا بل انه كان يداري الخلفاء الثلاثة خلال فترة خلافتهم و يقدم لهم النصائح ، حتى ظنّ أنه قد رضي عن عملهم .

لقد كان منطق الامام ( ع ) منطقا عاليا مشرّفا ، و هو تفضيل المصلحة العامة على كل شي‏ء حتى عن حقه في الخلافة . و لقد كان هذا استجابة لأمر النبي ( ص ) ، الذي أمره بالقيام اذا اجتمع الناس عليه ، و بالقعود اذا تفرقوا عنه ، و ذلك حفاظا على بيضة الاسلام و صيانة لكيان المسلمين و حفظا لوحدة الصف ، لا سيما و أن الإسلام كان غضا في أول عهده .

و كثيرا ما كان ( ع ) يصرح بأنه اذا كانت التضحية منحصرة في فقده لحقه ، فهو أول المضحّين بحقهم فداء مصلحة المسلمين .

و لما حثّته زوجته الزهراء ( ع ) على النهوض لأخذ حقه ، بيّن لها أنه يسكت عن حقه في سبيل أن تظل كلمة اللّه قائمة .

و قد نقل ابن أبي الحديد في شرحه الخطبة ( 22 ) ما رواه الكلبي قال : لما أراد علي ( ع ) المسير الى البصرة قام فخطب الناس فقال : ان اللّه لما قبض نبيه ( ص ) استأثرت علينا قريش بالامر ، و دفعتنا عن حق نحن أحق به من الناس كافة ، فرأيت أن الصبر على ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين و سفك دمائهم ، و الناس حديثو العهد بالاسلام ، و الدين يمخض مخض الوطب ، يفسده أدنى وهن ، و يعكسه أقل خلف .

و ان هذا الهدف الاسمى في الحفاظ على كيان الاسلام و وحدة المسلمين ، هو الذي جعل الامام ( ع ) يبايع أبا بكر بعد وفاة فاطمة ( ع ) ، و قد ألمح الى ذلك بقوله لمعاوية : و قلت إنّي كنت أقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتى أبايع . . .

[ 426 ]