قال الامام علي ( ع )
يخاطب اصحابه : فإذا أنتم ألنتم له ( أي للامام ) رقابكم و أشرتم إليه بأصابعكم ،
جاءه الموت فذهب به ، فلبثتم بعده ما شاء اللّه . ( الخطبة 98 ، 193 ) و قال ( ع ) قبيل وفاته : أيّها النّاس كلّ أمريء لاق ما يفرّ منه في فراره . و الأجل مساق النّفس ، و الهرب منه موافاته . كم أطردت الأيّام أبحثها عن مكنون هذا الأمر ،
فأبى اللّه إلاّ إخفاءه . هيهات علم مخزون . . . أنا بالأمس صاحبكم ، و أنا اليوم عبرة لكم ، و غدا مفارقكم غفر اللّه لي و لكم إن تثبت الوطأة في هذه المزلّة فذاك ( يريد من المزلة معافاته من جراحه ) ، و إن تدحض القدم فإنّا كنّا في أفياء أغصان ، و مهابّ رياح . و تحت ظلّ غمام . اضمحلّ في الجوّ متلفّقها ( المتلفق : المنضم بعضه على بعض ) ، و عفا في الأرض مخطّها ( يريد أن شأن الدنيا الزوال ) . و إنّما كنت جارا جاوركم بدني أيّاما ، و ستعقبون منّي جثّة خلاء : ساكنة بعد حراك ، و صامتة بعد نطق . ليعظكم هدوّي ، و خفوت إطراقي و سكون أطرافي . فإنّه أوعظ للمعتبرين من المنطق البليغ و القول المسموع .
وداعي لكم وداع امريء مرصد للّتلاقي . غدا ترون أيّامي و يكشف لكم عن سرائري ، و تعرفونني بعد خلوّ مكاني ، و قيام غيري مقامي . ( الخطبة 147 ، 261 ) من كلام له ( ع ) قاله قبل وفاته على سبيل الوصية ، لما ضربه عبد الرحمن بن ملجم :
وصيّتي لكم ألاّ تشركوا باللّه شيئا . و محمّد صلّى اللّه عليه و آله فلا تضيّعوا سنّته .
أقيموا هذين العمودين ، و أوقدوا هذين المصباحين ، و خلاكم ذمّ .
أنا بالأمس صاحبكم ، و اليوم عبرة لكم ، و غدا مفارقكم . إن أبق فأنا وليّ دمي ،
و إن أفن فالفناء ميعادي . و إن اعف فالعفو لي قربة ، و هو لكم حسنة ، فاعفوا
[ 394 ]
أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لَكُمْ .
و اللّه ما فجأني من الموت وارد كرهته ، و لا طالع أنكرته . و ما كنت إلاّ كقارب ورد ،
و طالب وجد وَ مَا عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ لِلأَبْرارِ ( الخطبة 262 ، 459 ) من وصية له ( ع ) بما يعمل في أمواله ، كتبه بعد منصرفه من صفين : هذا ما أمر به عبد اللّه عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين في ماله ، ابتغاء وجه اللّه ليولجه به الجنّة ، و يعطيه به الأمنة .
( منها ) : فإنّه يقوم بذلك الحسن بن عليّ ، يأكل منه بالمعروف و ينفق منه بالمعروف ، فإن حدث بحسن حدث و حسين حي ، قام بالأمر بعده ، و أصدره مصدره .
و إنّ لابني فاطمة من صدقة عليّ مثل الّذي لبني عليّ . و إنّي إنّما جعلت القيام بذلك إلى ابني فاطمة ابتغاء وجه اللّه ، و قربة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و تكريما لحرمته ، و تشريفا لوصلته .
و يشترط على الّذي يجعله إليه أن يترك المال على أصوله ، و ينفق من ثمره حيث أمر به و هدي له . و ألاّ يبيع من أولاد نخيل هذه القرى وديّة ( أي فسيلا ) حتّى تشكل أرضها غراسا ( كناية عن كثرة الغراس فيها ) .
و من كان من إمائي اللاّتي أطوف عليهنّ لها ولد ، أو هي حامل ، فتمسك على ولدها و هي من حظّه ، فإن مات ولدها و هي حيّة فهي عتيقة . قد أفرج عنها الرّقّ ،
و حرّرها العتق . ( الخطبة 263 ، 460 ) من وصية له ( ع ) لابنه الحسن ( ع ) بعد انصرافه من صفين : أمّا بعد ، فإنّ فيما تبيّنت من إدبار الدّنيا عنّي ، و جموح الدّهر عليّ ، و إقبال الآخرة إليّ . ما يزعني عن ذكر من سواي ، و الإهتمام بما ورائي . غير أنّي حيث تفرّد بي دون هموم النّاس همّ نفسي . فصدفني رأيي و صرفني عن هواي ، و صرّح لي محض أمري . فأفضى بي إلى جدّ لا يكون فيه لعب ، و صدق لا يشوبه كذب . و وجدتك ( يخاطب الحسن عليه السلام ) بعضي ، بل وجدتك كلّي ، حتّى كأنّ شيئا لو أصابك أصابني . و كأنّ
[ 395 ]
الموت لو أتاك أتاني . فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي ، فكتبت إليك كتابي مستظهرا به إن أنا بقيت لك أو فنيت . ( الخطبة 270 ، 1 ، 474 ) أي بنيّ ، إنّي لمّا رأيتني قد بلغت سنا ، و رأيتني أزداد وهنا ، بادرت بوصيّتي إليك . و أوردت خصالا منها ، قبل أن يعجل بي أجلي دون أن أفضي إليك بما في نفسي . أو أن أنقص في رأيي كما نقصت في جسمي . أو يسبقني إليك بعض غلبات الهوى و فتن الدّنيا ، فتكون كالصّعب النّفور ( الفرس غير الذلل و غير الآنس ) . ( الخطبة 270 ، 1 ، 476 ) و اعلم يا بنيّ أنّ أحبّ ما أنت آخذ به إليّ من وصيّتي ، تقوى اللّه و الإقتصار على ما فرضه اللّه عليك ، و الأخذ بما مضى عليه الأوّلون من آبائك ، و الصّالحون من أهل بيتك ، فإنّهم لم يدعوا أن نظروا لأنفسهم كما أنت ناظر ، و فكّروا كما أنت مفكّر ، ثمّ ردّهم آخر ذلك إلى الأخذ بما عرفوا و الإمساك عمّا لم يكلّفوا ، فإن أبت نفسك أن تقبل ذلك دون أن تعلم كما علموا ، فليكن طلبك ذلك بتفهّم و تعلّم ،
لا بتورّط الشّبهات و علق الخصومات . و أبدأ قبل نظرك في ذلك بالإستعانة بالهك ،
و الرّغبة إليه في توفيقك ، و ترك كلّ شائبة أولجتك في شبهة ، أو أسلمتك إلى ضلالة . فإن أيقنت أن قد صفا قلبك فخشع ، و تمّ رأيك فاجتمع ، و كان همّك في ذلك همّا واحدا ، فانظر فيما فسّرت لك . و إن لم يجتمع لك ما تحبّ من نفسك ،
و فراغ نظرك و فكرك ، فاعلم أنّك إنّما تخبط العشواء و تتورّط الظّلماء ، و ليس طالب الدّين من خبط أو خلط ، و الإمساك عن ذلك أمثل . ( الخطبة 270 ، 1 ، 477 ) . . . فإنّي لم آلك نصيحة . و إنّك لن تبلغ في النّظر لنفسك و إن اجتهدت مبلغ نظري لك . ( الخطبة 270 ، 2 ، 479 ) و يختم الامام ( ع ) وصيته لأبنه الحسن ( ع ) و هي تربو على 16 صفحة بهذا الدعاء :
استودع اللّه دينك و دنياك . و اسأله خير القضاء لك في العاجلة و الآجلة ، و الدّنيا و الآخرة ، و السّلام . ( الخطبة 270 ، 4 ، 490 ) من وصية له ( ع ) للحسن و الحسين ( ع ) لما ضربه ابن ملجم لعنه اللّه : أوصيكما بتقوى
[ 396 ]
اللّه ، و أن لا تبغيا الدّنيا و إن بغتكما . و لا تأسفا على شيء منها زوي عنكما . و قولا للحقّ ، و اعملا للأجر ، و كونا للظّالم خصما و للمظلوم عونا .
أوصيكما و جميع ولدي و أهلي و من بلغه كتابي ، بتقوى اللّه ، و نظم أمركم ،
و صلاح ذات بينكم ، فإنّي سمعت جدّكما صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول « صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصّلاة و الصّيام » . اللّه اللّه في الأيتام ، فلا تغبّوا أفواههم ، و لا يضيعوا بحضرتكم . و اللّه اللّه في جيرانكم ، فإنّهم وصيّة نبيّكم .
ما زال يوصي بهم ، حتّى ظننّا أنّه سيورّثهم . و اللّه اللّه في القرآن ، لا يسبقكم بالعمل به غيركم . و اللّه اللّه في الصّلاة فإنّها عمود دينكم . و اللّه اللّه في بيت ربّكم ، لا تخلّوه ما بقيتم ، فإنّه إن ترك لم تناظروا ( أي لا ينظر اليكم بالكرامة ،
لا من اللّه و لا من الناس ) . و اللّه اللّه في الجهاد بأموالكم و أنفسكم و ألسنتكم في سبيل اللّه . و عليكم بالتّواصل و التّباذل . و إيّاكم و التّدابر و التّقاطع . لا تتركوا الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر ، فيولّى عليكم شراركم ، ثمّ تدعون فلا يستجاب لكم .
ثم قال : يا بني عبد المطّلب ، لا ألفينّكم تخوضون دماء المسلمين خوضا تقولون « قتل أمير المؤمنين » ألا ، لا تقتلنّ بي إلاّ قاتلي .
انظروا إذا أنا متّ من ضربته هذه ، فاضربوه ضربة بضربة ، و لا يمثّل بالرّجل ، فإنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول « إيّاكم و المثلة و لو بالكلب العقور » . ( الخطبة 286 ، 511 )
[ 397 ]