( 49 ) سبب ارسال الأنبياء و حال الناس قبل بعثتهم

قال الإمام علي ( ع ) :

عن سبب ارسال الأنبياء ( ع ) : و اصطفى سبحانه من ولده ( أي من ولد آدم ) أنبياء أخذ على الوحي ميثاقهم ، و على تبليغ الرّسالة أمانتهم . لمّا بدّل أكثر خلقه عهد اللّه إليهم ، فجهلوا حقّه و اتّخذوا الأنداد معه ، و اجتالتهم الشّياطين عن معرفته ، و اقتطعتهم عن عبادته . فبعث فيهم رسله ، و واتر إليهم أنبياءه ، ليستأدوهم ميثاق فطرته ،

[ 191 ]

و يذكّروهم منسيّ نعمته ، و يحتجّوا عليهم بالتّبليغ ، و يثيروا لهم دفائن العقول ،

و يروهم الآيات المقدّرة : من سقف فوقهم مرفوع ، و مهاد تحتهم موضوع ، و معايش تحييهم ، و آجال تفنيهم ، و أوصاب تهرمهم ، و أحداث تتابع عليهم . و لم يخل سبحانه خلقه من نبيّ مرسل ، أو كتاب منزل ، أو حجّة لازمة ، أو محجّة قائمة . رسل لا تقصّر بهم قلّة عددهم ، و لا كثرة المكذّبين لهم . من سابق سمّي له من بعده ، أو غابر عرّفه من قبله . على ذلك نسلت القرون ، و مضت الدّهور و سلفت الآباء ، و خلفت الأبناء .

( الخطبة 1 ، 31 ) لم يوجس موسى عليه السّلام خيفة على نفسه ، بل أشفق من غلبة الجهّال و دول الضّلال . ( الخطبة 4 ، 47 ) و ليقيم الحجّة به ( أي آدم ) على عباده ، و لم يخلهم بعد أن قبضه ، ممّا يؤكّد حجّة ربوبيّته ، و يصل بينهم و بين معرفته ، بل تعاهدهم بالحجج على ألسن الخيرة من أنبيائه ، و متحمّلي ودائع رسالاته ، قرنا فقرنا ، حتّى تمّت بنبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حجّته ، و بلغ المقطع ( أي النهاية ) عذره و نذره . ( الخطبة 89 ، 3 ، 174 ) فاستودعهم في أفضل مستودع ، و أقرّهم في خير مستقرّ ، تناسختهم كرائم الأصلاب إلى مطهّرات الأرحام . كلّما مضى منهم سلف ، قام منهم بدين اللّه خلف . حتّى أفضت كرامة اللّه سبحانه و تعالى إلى محمّد صلى اللّه عليه و آله . . . أرسله على حين فترة من الرّسل و هفوة عن العمل ، و غباوة من الأمم . ( الخطبة 92 ، 185 ) و قال ( ع ) عن سبب مبعث الرسل ( ع ) : بعث اللّه رسله بما خصّهم به من وحيه ، و جعلهم حجّة له على خلقه ، لئلاّ تجب الحجّة لهم بترك الإعذار إليهم . فدعاهم بلسان الصّدق إلى سبيل الحقّ . ألا إنّ اللّه تعالى قد كشف الخلق كشفة ، لا أنّه جهل ما أخفوه من مصون أسرارهم و مكنون ضمائرهم ، و لكن ليبلوهم أيّهم أحسن عملا .

فيكون الثّواب جزاء و العقاب بواء ( من باء فلان بفلان أي قتل به ) . ( الخطبة 142 ، 255 ) فلو أنّ أحدا يجد إلى البقاء سلّما ، أو لدفع الموت سبيلا ، لكان ذلك سليمان بن داود عليه السّلام الّذي سخّر له ملك الجنّ و الإنس ، مع النّبوّة و عظيم الزّلفة . . ( الخطبة 180 ، 326 ) .

[ 192 ]

و بعث إلى الجنّ و الإنس رسله ، ليكشفوا لهم عن غطائها ( أي الدنيا ) و ليحذّروهم من ضرّائها ، و ليضربوا لهم أمثالها ، و ليبصّروهم عيوبها ، و ليهجموا عليهم بمعتبر من تصرّف مصاحّها و أسقامها ، و حلالها و حرامها . و ما أعدّ اللّه للمطيعين منهم و العصاة ،

من جنّة و نار ، و كرامة و هوان . ( الخطبة 181 ، 330 ) فلو رخّص اللّه في الكبر لأحد من عباده لرخّص فيه لخاصّة أنبيائه و أوليائه . و لكنّه سبحانه كرّه إليهم التّكابر ، و رضي لهم التّواضع . فألصقوا بالأرض خدودهم ، و عفّروا في التّراب وجوههم . و خفضوا أجنحتهم للمؤمنين ، و كانوا قوما مستضعفين .

قد اختبرهم اللّه بالمخمصة ، و ابتلاهم بالمجهدة . و امتحنهم بالمخاوف ، و مخضهم بالمكاره . ( الخطبة 190 ، 2 ، 362 ) و لم يرسل الأنبياء لعبا ، و لم ينزل الكتاب للعباد عبثا . ( 78 ح ، 578 )