لقد نصّ القرآن الكريم على أن الغاية الأساسيّة من الوجود و الحياة هي عبادة اللّه . يقول سبحانه : وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونَ « الذاريات 56 » .
و لا تتم العبادة إلاّ حين يؤمن الانسان بالعبودية للّه ، فيستسلم لمشيئته و يخضع لأمره .
و تتم هذه العبودية بالارتباط الكامل باللّه ، سواء في ساحة الشعور ، أو في ساحة التطبيق .
و من أشكالها : الرغبة و الاقبال على اللّه ، و محبته و استنصاره و التواضع له ، و حمده و الاستعانة به و التوكّل عليه ، و خشيته و رجاؤه و الحذر منه ، ثم طاعته و تمثل أوامره ،
و استغفاره و طلب عفوه و رحمته ، و شكره على نعمه و مننه .
و بنظرة سريعة الى تاريخ الأديان ، نرى أن غاية كلّ الأديان في دعوتها ، إيجاد ذلك النموذج من الانسان الذي يكون ( عبدا للّه ) دون سواه ، و عندها يبلغ أعلى درجة من القدسية و الرفعة ، و يستحق لقب ( عبد اللّه ) . و هي درجة لم يبلغها إلاّ الأنبياء و الأوصياء و الأولياء . ثلّة من الأوّلين و قليل من الآخرين .
و لهذا نجد أن أرفع لقب كان يطلقه اللّه تعالى على أحد أنبيائه في القرآن ، أن يقول إنه ( عبد اللّه ) .
يقول سبحانه عن عيسى ( ع ) : قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللّهِ ، آتَانِيَ الْكِتَابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيّاً .
و يقول عن سليمان ( ع ) :
وَ وَهَبْنَا لِداوُدَ سُلَيْمانَ ، نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ و يقول عن نوح ( ع ) :
ذُرَّيَّةَ مََنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ، إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً .
[ 118 ]
و يقول عن الخضر ( ع ) :
فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنَا ، آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَ عَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً .
و يقول عن نبيّنا محمد ( ص ) :
إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّهِ وَ ما أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ .