الامداد الغيبي : الفطري و الرسالي
خلق اللّه الفطرة في الانسان ترشده الى الغاية من وجوده و هي عبادة اللّه الواحد الأحد .
فهي إمداد غيبي يختلج في قلب الانسان منذ لحظة ولادته . و كان هذا الإمداد الفطري كافيا وحده لحفظ المسيرة البشرية من الإنحراف في مطلع حياة الانسان على الأرض . و قد عبّر سبحانه عن هذه الحقيقة بقوله كَانَ النَّاسُ اُمَّةً واحِدَةً أي كانوا أمة واحدة تسير على مبدأ الفطرة السليمة .
و مع تطور الحياة المادية البشرية بدأ الاختلاف يدبّ فيما بينهم ، و بدأ بعضهم يحاول استغلال البعض و السيطرة عليه ، فجاء دور المرحلة الثانية من الإمداد الغيبي للبشرية ،
و هو إرسال الأنبياء فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ ، وَ اَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ،
لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيما اخْتَلَفُوا فِيهِ « سورة البقرة 213 » . و هكذا توالى الامداد الغيبي عن طريق الأنبياء ليعيدوا البشرية المنحرفة الى طريقها الصحيح . قال الامام موسى الكاظم ( ع ) لهشام بن الحكم : « يا هشام ، إنّ للّه على النّاس حجّتين : حجّة ظاهرة و حجّة باطنة . فأمّا الظّاهرة فالرّسل و الأنبياء و الأئمّة ، و أمّا الباطنة فالعقول » .
و بعد أن اكتمل الدين برسالة الاسلام ، و تمت نعمة اللّه على البشرية برسالة نبيّنا محمد ( ص ) لم تعد البشرية بحاجة الى رسالة سمويّة جديدة . لكن انقطاع الرسالات السموية لا يعني انقطاع الامداد الغيبي ، فهذا الامداد دائم من اللّه تعالى .
[ 188 ]
و قد استمرّ هذا الامداد بعد وفاة النبي الأعظم ( ص ) متمثّلا بصورة الامامة ، التي اختصّها الرسول بالعترة الطاهرة من ذريّته ( ص ) . و بعد غياب الأئمة الاثنى عشر تبلور الامداد الغيبي في خط العلماء المراجع ، الذين أخذ اللّه عليهم العهد باحقاق الحقّ و محق الظلم . كما بيّن ذلك الامام علي ( ع ) في قوله في آخر الخطبة الشقشقيّة : « أما و الّذي فلق الحبّة و برأ النسمة ، لو لا حضور الحاضر ، و قيام الحجّة بوجود النّاصر ، و ما أخذ اللّه على العلماء في أن لا يقارّوا على كظّة ظالم و لا سغب مظلوم ، لألقيت حبلها على غاربها . . . » .