قال الامام علي ( ع ) :
فيمن يتصدى للحكم و القضاء بين الأمة ، و ليس لذلك بأهل : إنّ أبغض الخلائق إلى اللّه رجلان :
( الاول ) : رجل وكله اللّه إلى نفسه ، فهو جائر عن قصد السّبيل ، مشغوف بكلام بدعة ،
و دعاء ضلالة . فهو فتنة لمن افتتن به ، ضالّ عن هدي من كان قبله ، مضلّ لمن اقتدى به في حياته و بعد وفاته . حمّال خطايا غيره ، رهن بخطيئته .
( الثاني ) : و رجل قمش جهلا ، موضع ( أي مسرع ) في جهّال الأمّة ، عاد في أغباش الفتنة ، عم بما في عقد الهدنة . قد سمّاه أشباه النّاس عالما و ليس به . بكّر فاستكثر من جمع ، ما قلّ منه خير ممّا كثر . حتّى إذا ارتوى من ماء آجن ( أي فاسد ) ، و اكتنز من غير طائل ، جلس بين النّاس قاضيا ضامنا لتخليص ما التبس على غيره . فإن نزلت به إحدى المبهمات هيّأ لها حشوا رثا من رأيه ، ثمّ قطع به . فهو من لبس الشّبهات في مثل نسج العنكبوت : لا يدري أصاب أم أخطأ . فإن أصاب خاف أن يكون قد أخطأ ، و إن أخطأ رجا أن يكون قد أصاب . جاهل خبّاط جهالات ، عاش ركّاب عشوات . لم يعضّ على العلم بضرس قاطع . يذري الرّوايات إذراء الرّيح الهشيم .
[ 771 ]
لا مليّ و اللّه بإصدار ما ورد عليه ، و لا هو أهل لما فوّض إليه . لا يحسب العلم في شيء ممّا أنكره ، و لا يرى أنّ من وراء ما بلغ مذهبا لغيره . و إن أظلم عليه أمر اكتتم به ، لما يعلم من جهل نفسه . تصرخ من جور قضائه الدّماء ، و تعجّ منه المواريث .
( الخطبة 17 ، 59 ) أيّها النّاس ، إنّا قد أصبحنا في دهر عنود ، و زمن كنود ، يعدّ فيه المحسن مسيئا ،
و يزداد الظّالم فيه عتوا . لا ننتفع بما علمنا ، و لا نسأل عمّا جهلنا ، و لا نتخوّف قارعة حتّى تحلّ بنا . ( الخطبة 32 ، 85 ) و آخر قد تسمّى عالما و ليس به ، فاقتبس جهائل من جهّال ، و أضاليل من ضلاّل .
و نصب للنّاس أشراكا من حبائل غرور ، و قول زور ، قد حمل الكتاب ( أي القرآن ) على آرائه ، و عطف الحقّ على أهوائه . . . يقول أقف عند الشّبهات و فيها وقع ، و يقول أعتزل البدع و بينها اضطجع . ( الخطبة 85 ، 154 ) فلا تستعملوا الرّأي فيما لا يدرك قعره البصر ، و لا تتغلغل إليه الفكر . ( الخطبة 85 ، 156 ) المعروف فيهم ما عرفوا ، و المنكر عندهم ما أنكروا . مفزعهم في المعضلات إلى أنفسهم ، و تعويلهم في المهمّات على آرائهم . كأنّ كلّ امريء منهم إمام نفسه ،
قد أخذ منها فيما يرى بعرى ثقات ، و أسباب محكمات . ( الخطبة 86 ، 157 ) و قال ( ع ) عن القائم الحجة ( ع ) : و يعطف الرّأي على القرآن ، إذا عطفوا القرآن على الرّأي . ( الخطبة 136 ، 249 ) قد خاضوا بحار الفتن ، و أخذوا بالبدع دون السّنن . ( الخطبة 152 ، 270 ) و من كلام له ( ع ) كلم به طلحة و الزبير بعد بيعته بالخلافة و قد عتبا عليه من ترك مشورتهما ، و الاستعانة في الامور بهما : فلمّا أفضت ( أي الخلافة ) إليّ نظرت إلى كتاب اللّه و ما وضع لنا ، و أمرنا بالحكم به فاتّبعته ، و ما استسنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فاقتديته ، فلم أحتج في ذلك إلى رأيكما ، و لا رأي غيركما ، و لا وقع حكم جهلته ، فأستشيركما و إخواني من المسلمين . و لو كان ذلك لم أرغب عنكما ، و لا عن غيركما . و أمّا ما ذكرتما من أمر الأسوة ( أي التسوية بين المسلمين في قسمة
[ 772 ]
الاموال ) فإنّ ذلك أمر لم أحكم أنا فيه برأيي ، و لا وليته هوى منّي ، بل وجدت أنا و أنتما ما جاء به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد فرغ منه ، فلم أحتج إليكما فيما قد فرغ اللّه من قسمه ، و أمضى فيه حكمه ، فليس لكما و اللّه عندي و لا لغيركما في هذا عتبى . أخذ اللّه بقلوبنا و قلوبكم إلى الحقّ ، و ألهمنا و إيّاكم الصّبر . ( الخطبة 203 ، 397 )