النصوص :

قال العلاء بن زياد الحارثي للامام ( ع ) : يا أمير المؤمنين ، أشكو اليك أخي عاصم بن زياد . قال : و ما له ؟ قال : لبس العباءة و تخلى عن الدنيا . قال : عليّ به . فلما جاء قال :

يا عديّ نفسه لقد استهام بك الخبيث أما رحمت أهلك و ولدك ؟ أترى اللّه أحلّ لك الطّيّبات ، و هو يكره أن تأخذها ؟ أنت أهون على اللّه من ذلك .

قال : يا أمير المؤمنين ، هذا أنت في خشونة ملبسك و جشوبة مأكلك . قال ( ع ) : ويحك ،

إنّي لست كأنت ، إنّ اللّه تعالى فرض على أئمّة العدل أن يقدّروا ( أي يقيسوا ) أنفسهم بضعفة النّاس ، كيلا يتبيّغ بالفقير فقره ( أي كيلا يهيج به ألم الفقر فيهلكه ) .

( الخطبة 207 ، 400 ) من كتاب له ( ع ) الى عثمان بن حنيف الانصاري و كان عامله على البصرة ، و قد بلغه

[ 330 ]

أنه دعي الى وليمة قوم من أهلها ، فمضى اليها قوله :

أمّا بعد ، يا بن حنيف ، فقد بلغني أنّ رجلا من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها . تستطاب لك الألوان ، و تنقل إليك الجفان و ما ظننت أنّك تجيب إلى طعام قوم ، عائلهم مجفوّ ( أي محتاجهم مطرود ) و غنيّهم مدعوّ . فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم ( قضم : اكل بطرف أسنانه ) . فما اشتبه عليك علمه فالفظه ،

و ما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه .

ألا و إنّ لكلّ مأموم إماما يقتدي به و يستضي‏ء بنور علمه ، ألا و إنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ( أي ثوبيه الباليين ) ، و من طعمه بقرصيه ( أي رغيفيه ) .

ألا و إنّكم لا تقدرون على ذلك ، و لكن أعينوني بورع و اجتهاد و عفّة و سداد . فو اللّه ما كنزت من دنياكم تبرأ ، و لا ادّخرت من غنائمها وفرا ، و لا أعددت لبالي ثوبي طمرا ، و لا حزت من أرضها شبرا . و لا أخذت منه إلاّ كقوت أتان دبرة ( التي عقر ظهرها فقل أكلها ) . و لهي في عيني أوهى و أهون من عفصة مقرة . بلى كانت في أيدينا فدك ( قرية نحلها النبي ( ص ) لابنته الزهراء ) من كلّ ما أظلّته السّماء ، فشحّت عليها نفوس قوم ( أي الخليفة الاول و الثاني ) و سخت عنها ( أي زهدت بها ) نفوس قوم آخرين ( أي بني هاشم ) و نعم الحكم اللّه . و ما أصنع بفدك و غير فدك ، و النّفس مظانّها في غد جدث ( أي قبر ) تنقطع في ظلمته آثارها ، و تغيب أخبارها ، و حفرة لو زيد في فسحتها ، و أوسعت يدا حافرها ، لأضغطها الحجر و المدر ، و سدّ فرجها التّراب المتراكم .

و إنّما هي نفسي أروضها بالتّقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر ، و تثبت على جوانب المزلق ( كناية عن الصراط ) . و لو شئت لاهتديت الطّريق إلى مصفّى هذا العسل ، و لباب هذا القمح ، و نسائج هذا القزّ . و لكن هيهات أن يغلبني هواي ،

و يقودني جشعي إلى تخيّر الأطعمة و لعلّ بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ، و لا عهد له بالشّبع أو أبيت مبطانا و حولي بطون غرثى و أكباد حرّى ، أو أكون كما قال القائل :

[ 331 ]

و حسبك داء أن تبيت ببطنة و حولك أكباد تحنّ إلى القدّ أ أقنع من نفسي بأن يقال : هذا أمير المؤمنين ، و لا أشاركهم في مكاره الدّهر ، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش فما خلقت ليشغلني أكل الطّيّبات ، كالبهيمة المربوطة ، همّها علفها ، أو المرسلة شغلها تقمّمها ( أي البهيمة السائبة شغلها أن تلتقط القمامة ) تكترش من أعلافها ، و تلهو عمّا يراد بها . أو أترك سدى و أهمل عابثا ، أو أجرّ حبل الضّلالة ، أو أعتسف طريق المتاهة . . ( الخطبة 284 ، 505 ) قال ( ع ) : إنّ اللّه جعلني إماما لخلقه ، ففرض عليّ التّقدير في نفسي و مطعمي و مشربي و ملبسي كضعفاء النّاس ، كى يقتدي الفقير بفقري ، و لا يطغي الغنيّ غناه . ( أصول الكافي )