قال الإمام علي ( ع ) :
الحمد للّه الّذي لا يبلغ مدحته القائلون ، و لا يحصي نعماءه العادّون ، و لا يؤدّي حقّه المجتهدون . الّذي لا يدركه بعد الهمم ، و لا يناله غوص الفطن . الّذي ليس لصفته حدّ محدود ، و لا نعت موجود ، و لا وقت معدود ، و لا أجل ممدود . فطر الخلائق بقدرته ، و نشر الرّياح برحمته ، و وتّد بالصّخور ميدان أرضه . ( الخطبة 1 ، 23 ) كائن لا عن حدث ، موجود لا عن عدم . مع كلّ شيء لا بمقارنة ، و غير كلّ شيء لا بمزايلة ( أي مفارقة و مباينة ) . فاعل لا بمعنى الحركات و الآلة . بصير إذ لا منظور إليه من خلقه . متوحّد إذ لا سكن يستأنس به و لا يستوحش لفقده . ( كل هذه الأمثلة لبيان أن ما نتّخذه من ألفاظ و عبارات في وصف اللّه سبحانه ، لا نقصد بها أبدا ما تعارفنا عليه من دلالتها ، حال اطلاقها على المخلوقين ) . ( الخطبة 1 ، 25 ) و قال ( ع ) في صفة الملائكة : لا يتوهّمون ربّهم بالتّصوير ، و لا يجرون عليه صفات المصنوعين ، و لا يحدّونه بالأماكن ، و لا يشيرون إليه بالنّظائر ( الخطبة 1 ، 28 ) إنّه لا يضلّ من هداه ، و لا يئلّ من عاداه ، و لا يفتقر من كفاه . ( الخطبة 2 ، 35 ) الّذي لا تبرح منه رحمة ، و لا تفقد له نعمة . ( الخطبة 45 ، 103 ) الحمد للّه الّذي بطن خفيّات الأمور ، و دلّت عليه أعلام الظّهور ، و امتنع على عين البصير ، فلا عين من لم يره تنكره : و لا قلب من أثبته يبصره . . . لم يطلع العقول على تحديد صفته ، و لم يحجبها عن واجب معرفته . فهو الّذي تشهد له أعلام الوجود ، على
[ 81 ]
إقرار قلب ذي الجحود ( أي أن قلب الجاحد يقرّ بوجود اللّه و إن أنكره بلسانه ) . تعالى اللّه عمّا يقوله المشبّهون به و الجاحدون له علوّا كبيرا . ( الخطبة 49 ، 106 ) الحمد للّه الّذي لم تسبق له حال حالا ، فيكون أوّلا قبل أن يكون آخرا ، و يكون ظاهرا قبل أن يكون باطنا ، كلّ مسمّى بالوحدة غيره قليل ، و كلّ عزيز غيره ذليل ، و كلّ قويّ غيره ضعيف ، و كلّ مالك غيره مملوك ، و كلّ عالم غيره متعلّم ، و كلّ قادر غيره يقدر و يعجز ، و كلّ سميع غيره يصمّ عن لطيف الأصوات ، و يصمّه كبيرها ،
و يذهب عنه ما بعد منها ، و كلّ بصير غيره يعمى عن خفيّ الألوان و لطيف الأجسام ، و كلّ ظاهر غيره غير باطن ، و كلّ باطن غيره غير ظاهر . لم يخلق ما خلقه لتشديد سلطان ، و لا تخوّف من عواقب زمان ، و لا استعانة على ندّ مثاور ، و لا شريك مكاثر ، و لا ضدّ منافر ، و لكن خلائق مربوبون ، و عباد داخرون ( أي أذلاّء ) . لم يحلل في الأشياء فيقال : هو كائن ، و لم ينأ عنها فيقال : هو منها بائن . لم يؤده ( أي يتعبه ) خلق ما ابتدأ ، و لا تدبير ما ذرأ ، و لا وقف به عجز عمّا خلق ، و لا ولجت عليه شبهة فيما قضى و قدّر . بل قضاء متقن ، و علم محكم ، و أمر مبرم . المأمول مع النّقم ، المرهوب مع النّعم . ( الخطبة 63 ، 118 ) اللّهمّ داحي المدحوّات ( أي الأرضين ) و داعم المسموكات ، و جابل القلوب على فطرتها : شقيّها و سعيدها . ( الخطبة 70 ، 125 ) الحمد للّه الّذي علا بحوله ، و دنا بطوله ، مانح كلّ غنيمة و فضل ، و كاشف كلّ عظيمة و أزل ( أي ضيق ) . أحمده على عواطف كرمه ، و سوابغ نعمه . و أومن به أولا باديا ، و أستهديه قريبا هاديا ، و أستعينه قاهرا قادرا ، و أتوكّل عليه كافيا ناصرا .
( الخطبة 81 ، 1 ، 136 ) أوصيكم عباد اللّه بتقوى اللّه ، الّذي ضرب الأمثال ، و وقّت لكم الآجال ، و ألبسكم الرّياش ، و أرفغ لكم المعاش ، و أحاط بكم الإحصاء ، و أرصد لكم الجزاء ، و آثركم بالنّعم السّوابغ ، و الرّفد الرّوافغ ، و أنذركم بالحجج البوالغ . فأحصاكم عددا ، و وظّف لكم مددا . في قرار خبرة ، و دار عبرة . أنتم مختبرون فيها ، و محاسبون عليها . ( الخطبة
[ 82 ]
81 ، 1 ، 137 ) عباد مخلوقون اقتدارا ، و مربوبون اقتسارا ( أي عباد خلقهم اللّه بقدرته و ملكهم بسطوته ) . ( الخطبة 81 ، 1 ، 139 ) و كفى باللّه منتقما و نصيرا . ( الخطبة 81 ، 2 ، 145 ) لا تقع الأوهام له على صفة ، و لا تعقد القلوب منه على كيفيّة ، و لا تناله التّجزئة و التّبعيض ، و لا تحيط به الأبصار و القلوب . ( الخطبة 83 ، 150 ) قد علم السّرائر ، و خبر الضّمائر . له الإحاطة بكلّ شيء ، و الغلبة لكلّ شيء ، و القوّة على كلّ شيء . ( الخطبة 84 ، 151 ) الحمد للّه المعروف من غير رؤية ، و الخالق من غير رويّة ، الّذي لم يزل قائما دائما ،
إذ لا سماء ذات أبراج ، و لا حجب ذات إرتاج ، و لا ليل داج ، و لا بحر ساج ، و لا جبل ذو فجاج ، و لا فجّ ذو اعوجاج ، و لا أرض ذات مهاد ، و لا خلق ذو اعتماد . ذلك مبتدع الخلق و وارثه ، و إله الخلق و رازقه ، و الشّمس و القمر دائبان في مرضاته ، يبليان كلّ جديد ، و يقرّبان كلّ بعيد . قسم أرزاقهم ، و أحصى آثارهم و أعمالهم ، و عدد أنفسهم ، و خائنة أعينهم ، و ما تخفي صدورهم من الضّمير ، و مستقرّهم و مستودعهم من الأرحام و الظّهور ، إلى أن تتناهى بهم الغايات . هو الّذي اشتدّت نقمته على أعدائه في سعة رحمته ، و اتّسعت رحمته لأوليائه في شدّة نقمته . قاهر من عازّه ( أي رام مشاركته في عزته ) ، و مدمّر من شاقّه ، و مذلّ من ناواه ، و غالب من عاداه . من توكّل عليه كفاه ، و من سأله أعطاه ، و من أقرضه قضاه ، و من شكره جزاه . ( الخطبة 88 ، 159 ) و من خطبة له ( ع ) تعرف بخطبة الأشباح ، و هي من جلائل خطبه : الأوّل الّذي لم يكن له قبل فيكون شيء قبله ، و الآخر الّذي ليس له بعد فيكون شيء بعده ، و الرّادع أناسيّ الأبصار عن أن تناله أو تدركه . ما اختلف عليه دهر فيختلف منه الحال ،
و لا كان في مكان فيجوز عليه الإنتقال . ( الخطبة 89 ، 1 ، 161 ) و ردّ على سائل سأله أن يصف اللّه تعالى حتى كأنّه يراه عيانا فقال : فانظر أيّها السّائل
[ 83 ]
فما دلّك القرآن عليه من صفته فائتمّ به ، و استضيء بنور هدايته ، و ما كلّفك الشّيطان علمه ممّا ليس في الكتاب عليك فرضه ، و لا في سنّة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أئمّة الهدى أثره ، فكل علمه إلى اللّه سبحانه ، فإنّ ذلك منتهى حقّ اللّه عليك .
و اعلم أنّ الرّاسخين في العلم هم الّذين أغناهم عن اقتحام السّدد المضروبة دون الغيوب ، الأقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب ، فمدح اللّه تعالى اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما ، و سمّى تركهم التّعمّق فيما لم يكلّفهم البحث عن كنهه رسوخا . فاقتصر على ذلك ، و لا تقدّر عظمة اللّه سبحانه على قدر عقلك فتكون من الهالكين . هو القادر الّذي إذا ارتمت الأوهام لتدرك منقطع قدرته ، و حاول الفكر المبرّأ من خطرات الوساوس أن يقع عليه في عميقات غيوب ملكوته ، و تولّهت القلوب إليه لتجري في كيفيّة صفاته ، و غمضت مداخل العقول في حيث لا تبلغه الصّفات ، لتناول علم ذاته ، ردعها و هي تجوب مهاوي سدف الغيوب ، متخلّصة إليه سبحانه ، فرجعت إذ جبهت معترفة ، بأنّه لا ينال بجور الإعتساف كنه معرفته ، و لا تخطر ببال أولي الرّويّات خاطرة من تقدير جلال عزّته .
الّذي ابتدع الخلق على غير مثال امتثله ، و لا مقدار احتذى عليه ، من خالق معبود كان قبله . ( الخطبة 89 ، 1 ، 161 ) فأشهد أنّ من شبّهك بتباين أعضاء خلقك ، و تلاحم حقاق مفاصلهم المحتجبة لتدبير حكمتك ، لم يعقد غيب ضميره على معرفتك ، و لم يباشر قلبه اليقين بأنّه لا ندّ لك ،
و كأنّه لم يسمع تبرّؤ التّابعين من المتبوعين إذ يقولون : تَاللّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ، إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ كذب العادلون بك ، إذ شبّهوك بأصنامهم ،
و نحلوك حلية المخلوقين بأوهامهم ، و جزّؤوك تجزئة المجسّمات بخواطرهم ،
و قدّروك على الخلقة المختلفة القوى بقرائح عقولهم . و أشهد أنّ من ساواك بشيء من خلقك فقد عدل بك ، و العادل بك كافر بما تنزّلت به محكمات آياتك ، و نطقت عنه شواهد حجج بيّناتك و إنّك أنت اللّه الّذي لم تتناه في العقول ، فتكون في مهبّ فكرها مكيّفا ، و لا في رويّات خواطرها فتكون محدودا مصرّفا . ( الخطبة 89 ، 1 ، 163 )
[ 84 ]
قدّر ما خلق فأحكم تقديره ، و دبّره فألطف تدبيره ، و وجّهه لوجهته فلم يتعدّ حدود منزلته ، و لم يقصر دون الإنتهاء إلى غايته ، و لم يستصعب إذ أمر بالمضيّ على إرادته ،
فكيف و إنّما صدرت الأمور عن مشيئته ؟ المنشىء أصناف الأشياء بلا رويّة فكر آل إليها ، و لا قريحة غريزة أضمر عليها ، و لا تجربة أفادها من حوادث الدّهور ،
و لا شريك أعانه على ابتداع عجائب الأمور ، فتمّ خلقه بأمره ، و أذعن لطاعته ، و أجاب إلى دعوته ، لم يعترض دونه ريث المبطيء ، و لا أناة المتلكّىء . فأقام من الأشياء أودها ، و نهج حدودها ، و لاءم بقدرته بين متضادّها ، و وصل أسباب قرائنها ، و فرّقها أجناسا مختلفات في الحدود و الأقدار ، و الغرائز و الهيئات ، بدايا ( جمع بديء أي مصنوع ) خلائق . أحكم صنعها ، و فطرها على ما أراد و ابتدعها . ( الخطبة 89 ، 1 ، 164 ) و جاء في خطبة الأشباح : و قدّر الأرزاق فكثّرها و قلّلها ، و قسّمها على الضّيق و السّعة فعدل فيها ، ليبتلي من أراد بميسورها و معسورها ، و ليختبر بذلك الشّكر و الصّبر من غنيّها و فقيرها . ثمّ قرن بسعتها عقابيل ( أي شدائد ) فاقتها ، و بسلامتها طوارق آفاتها ،
و بفرج أفراحها غصص أتراحها . و خلق الآجال فأطالها و قصّرها ، و قدّمها و أخّرها ،
و وصل بالموت أسبابها ، و جعله خالجا لأشطانها ، و قاطعا لمرائر أقرانها ( أي حبالها الشديدة الفتل ) . ( 89 ، 4 ، 175 ) اللّهمّ أنت أهل الوصف الجميل ، و التّعداد الكثير . إن تؤمّل فخير مأمول ، و إن ترج فخير مرجوّ . ( 89 ، 4 ، 177 ) الحمد للّه النّاشر في الخلق فضله ، و الباسط فيهم بالجود يده . نحمده في جميع أموره ، و نستعينه على رعاية حقوقه ، و نشهد أن لا إله غيره . ( 98 ، 193 ) الحمد للّه المتجلّي لخلقه بخلقه ، و الظّاهر لقلوبهم بحجّته . خلق الخلق من غير رويّة ، إذ كانت الرّويّات لا تليق إلاّ بذوي الضّمائر ، و ليس بذي ضمير في نفسه .
خرق علمه باطن غيب السّترات ، و أحاط بغموض عقائد السّريرات . ( 106 ، 204 ) و قال ( ع ) في بيان قدرة اللّه و انفراده بالعظمة : كلّ شيء خاشع له ، و كلّ شيء قائم به :
غنى كلّ فقير ، و عزّ كلّ ذليل ، و قوّة كلّ ضعيف ، و مفزع كلّ ملهوف . من تكلّم
[ 85 ]
سمع نطقه ، و من سكت علم سرّه ، و من عاش فعليه رزقه ، و من مات فإليه منقلبه .
لم ترك العيون فتخبر عنك بل كنت قبل الواصفين من خلقك . لم تخلق الخلق لوحشة ، و لا استعملتهم لمنفعة ، و لا يسبقك من طلبت و لا يفلتك من أخذت ، و لا ينقص سلطانك من عصاك ، و لا يزيد في ملكك من أطاعك ، و لا يردّ أمرك من سخط قضاءك ، و لا يستغني عنك من تولّى عن أمرك . كلّ سرّ عندك علانيّة ، و كلّ غيب عندك شهادة . أنت الأبد لا أمد لك ، و أنت المنتهى فلا محيص عنك ، و أنت الموعد فلا منجى منك إلاّ إليك . بيدك ناصية كلّ دابّة ، و إليك مصير كلّ نسمة .
سبحانك ما أعظم شأنك سبحانك ما أعظم ما نرى من خلقك و ما أصغر عظيمة في جنب قدرتك و ما أهول ما نرى من ملكوتك و ما أحقر ذلك فيما غاب عنّا من سلطانك و ما أسبغ نعمك في الدّنيا ، و ما أصغرها في نعم الآخرة . ( 107 ، 208 ) سبحانك خالقا و معبودا بحسن بلائك عند خلقك ، خلقت دارا ، و جعلت فيها مأدبة :
مشربا و مطعما ، و أزواجا و خدما و قصورا ، و أنهارا و زروعا و ثمارا ، ثمّ أرسلت داعيا يدعو إليها . ( 107 ، 209 ) أفيضوا في ذكر اللّه فإنّه أحسن الذّكر ، و ارغبوا فيما وعد المتّقين ، فإنّ وعده أصدق الوعد . ( 108 ، 213 ) و قد توكّل اللّه لأهل هذا الدّين بإعزاز الحوزة ، و ستر العورة . و الّذي نصرهم و هم قليل لا ينتصرون ، و منعهم و هم قليل لا يمتنعون . حيّ لا يموت . ( 132 ، 246 ) الحمد للّه الدّال على وجوده بخلقه ، و بمحدث خلقه على أزليّته ، و باشتباههم على أن لا شبه له . لا تستلمه المشاعر ( أي لا تصل إليه ) ، و لا تحجبه السّواتر . لافتراق الصّانع و المصنوع ، و الحادّ و المحدود ، و الرّبّ و المربوب . الأحد بلا تأويل عدد ،
و الخالق لا بمعنى حركة و نصب . و السّميع لا بأداة ، و البصير لا بتفريق آلة . و الشّاهد لا بمماسّة ، و البائن لا بتراخي مسافة . و الظّاهر لا برؤية ، و الباطن لا بلطافة . بان من الأشياء بالقهر لها ، و القدرة عليها . و بانت الأشياء منه بالخضوع له و الرّجوع إليه .
من وصفه فقد حدّه ، و من حدّه فقد عدّه ، و من عدّه فقد أبطل أزله . و من قال ( كيف )
[ 86 ]
فقد استوصفه ، و من قال ( أين ) فقد حيّزه . و عالم إذ لا معلوم ، و ربّ إذ لا مربوب ،
و قادر إذ لا مقدور . ( 150 ، 266 ) الحمد للّه الّذي انحسرت الأوصاف عن كنه معرفته ، و ردعت عظمته العقول ، فلم تجد مساغا إلى بلوغ غاية ملكوته .
هو اللّه الملك الحقّ المبين ، أحقّ و أبين ممّا ترى العيون . لم تبلغه العقول بتحديد فيكون مشبّها . و لم تقع عليه الأوهام بتقدير فيكون ممثّلا . خلق الخلق على غير تمثيل ، و لا مشورة مشير ، و لا معونة معين . فتمّ خلقه بأمره ، و أذعن لطاعته ، فأجاب و لم يدافع ، و انقاد و لم ينازع . ( الخطبة 153 ، 271 ) أمره قضاء و حكمة ، و رضاه أمان و رحمة . يقضي بعلم ، و يعفو بحلم . ( الخطبة 158 ، 280 ) فلسنا نعلم كنه عظمتك ، إلاّ أنّا نعلم أنّك حيّ قيّوم ، لا تأخذك سنة و لا نوم . لم ينته إليك نظر ، و لم يدركك بصر . أدركت الأبصار ، و أحصيت الأعمال ، و أخذت بالنّواصي و الأقدام . و ما الّذي نرى من خلقك ، و نعجب له من قدرتك ، و نصفه من عظيم سلطانك ، و ما تغيّب عنّا منه ، و قصرت أبصارنا عنه ، و انتهت عقولنا دونه ،
و حالت ستور الغيوب بيننا و بينه ، أعظم . فمن فرّغ قلبه ، و أعمل فكره ، ليعلم كيف أقمت عرشك ، و كيف ذرأت خلقك ، و كيف علّقت في الهواء سمواتك ، و كيف مددت على مور الماء أرضك ، رجع طرفه حسيرا ، و عقله مبهورا ، و سمعه والها ، و فكره حائرا . ( الخطبة 158 ، 280 ) الحمد للّه خالق العباد ، و ساطح المهاد ، و مسيل الوهاد ، و مخصب النّجاد . ليس لأوّليّته ابتداء ، و لا لأزليّته انقضاء . هو الأوّل و لم يزل و الباقي بلا أجل . خرّت له الجباه و وحّدته الشّفاه . حدّ الأشياء عند خلقه لها إبانة له من شبهها . لا تقدّره الأوهام بالحدود و الحركات ، و لا بالجوارح و الأدوات . لا يقال له ( متى ؟ ) و لا يضرب له أمد ( بحتّى ) . الظّاهر لا يقال ( ممّا ؟ ) و الباطن لا يقال ( فيم ؟ ) . لا شبح فيتقصّى ،
و لا محجوب فيحوى . لم يقرب من الأشياء بالتصاق ، و لم يبعد عنها بافتراق .
[ 87 ]
و لا يخفى عليه من عباده شخوص لحظة و لا كرور لفظة ، و لا ازدلاف ربوة و لا انبساط خطوة . في ليل داج و لا غسق ساج ، يتفيّأ عليه القمر المنير ، و تعقبه الشّمس ذات النّور في الأفول و الكرور ، و تقلّب الأزمنة و الدّهور . من إقبال ليل مقبل ، و إدبار نهار مدبر . قبل كلّ غاية و مدّة ، و كلّ إحصاء و عدّة . تعالى عمّا ينحله المحدّدون من صفات الأقدار ، و نهايات الأقطار . و تأثّل المساكن و تمكّن الأماكن . فالحدّ لخلقه مضروب و إلى غيره منسوب . ( الخطبة 161 ، 288 ) لم يخلق الأشياء من أصول أزليّة ، و لا من أوائل أبديّة ، بل خلق ما خلق فأقام حدّه ،
و صوّر ما صوّر فأحسن صورته . ليس لشيء منه إمتناع ، و لا له بطاعة شيء انتفاع . علمه بالأموات الماضين كعلمه بالأحياء الباقين . و علمه بما في السّموات العلى كعلمه بما في الأرضين السّفلى . ( الخطبة 161 ، 290 ) لا يشغله شأن و لا يغيّره زمان ، و لا يحويه مكان ، و لا يصفه لسان . و لا يعزب عنه عدد قطر الماء و لا نجوم السّماء ، و لا سوافي الرّيح في الهواء ، و لا دبيب النّمل على الصّفا ،
و لا مقيل الذّرّ ( صغار النمل ) في اللّيلة الظّلماء . يعلم مساقط الأوراق و خفيّ طرف الأحداق . و أشهد أن لا إله إلاّ اللّه غير معدول به ، و لا مشكوك فيه ، و لا مكفور دينه ،
و لا مجحود تكوينه ( أي خلقه للخلق ) . ( الخطبة 176 ، 318 ) أراد ذعلب اليماني أن يقحم أمير المؤمنين ( ع ) فقال له : هل رأيت ربك ؟ فقال ( ع ) أفأعبد ما لا أرى ؟ فقال : و كيف تراه ؟ فقال ( ع ) : لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ، و لكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان . قريب من الأشياء غير ملامس ، بعيد منها غير مباين . متكلّم لا برويّة ، مريد لا بهمّة ، صانع لا بجارحة . لطيف لا يوصف بالخفاء ،
كبير لا يوصف بالجفاء ، بصير لا يوصف بالحاسّة ، رحيم لا يوصف بالرّقّة . تعنو الوجوه لعظمته ، و تجب ( أي تخفق ) القلوب من مخافته . ( الخطبة 177 ، 320 ) لم يولد سبحانه فيكون في العزّ مشاركا . . و لم يلد فيكون موروثا هالكا . و لم يتقدّمه وقت و لا زمان . و لم يتعاوره زيادة و لا نقصان . بل ظهر للعقول بما أرانا من علامات التّدبير المتقن و القضاء المبرم . فمن شواهد خلقه خلق السّموات . . . ( الخطبة ، 180 ، 324 )
[ 88 ]
الحمد للّه الكائن قبل أن يكون كرسيّ أو عرش ، أو سماء أو أرض ، أو جانّ أو إنس .
لا يدرك بوهم ، و لا يقدّر بفهم . و لا يشغله سائل ، و لا ينقصه نائل ( أي عطاء ) . و لا ينظر بعين ، و لا يحدّ بأين . و لا يوصف بالأزواج ، و لا يخلق بعلاج . و لا يدرك بالحواسّ ،
و لا يقاس بالنّاس . الّذي كلّم موسى تكليما ، و أراه من آياته عظيما . بلا جوارح و لا أدوات ، و لا نطق و لا لهوات . بل إن كنت صادقا أيّها المتكلّف لوصف ربّك ،
فصف جبرائيل و ميكائيل و جنود الملائكة المقرّبين في حجرات القدّس مرجحنّين ( أي متحركين ، كناية عن الإنحناء لعظمة اللّه ) متولّهة عقولهم أن يحدّوا أحسن الخالقين . فإنّما يدرك بالصّفات ذوو الهيئات و الأدوات ، و من ينقضي إذا بلغ أمد حدّه بالفناء . فلا إله إلاّ هو ، أضاء بنوره كلّ ظلام ، و أظلم بظلمته كلّ نور .
( الخطبة 180 ، 325 ) الحمد للّه المعروف من غير رؤية ، و الخالق من غير منصبة ( أي تعب ) . خلق الخلائق بقدرته ، و استعبد الأرباب بعزّته ، و ساد العظماء بجوده . و هو الّذي أسكن الدّنيا خلقه ، و بعث إلى الجنّ و الإنس رسله . . ( الخطبة 181 ، 329 ) الحمد للّه الّذي لا تدركه الشّواهد ، و لا تحويه المشاهد ، و لا تراه النّواظر ، و لا تحجبه السّواتر . الدّال على قدمه بحدوث خلقه ، و بحدوث خلقه على وجوده ، و باشتباههم على أن لا شبه له . الّذي صدق في ميعاده و ارتفع عن ظلم عباده . و قام بالقسط في خلقه ، و عدل عليهم في حكمه . مستشهد بحدوث الأشياء على أزليّته ، و بما وسمها به من العجز على قدرته ، و بما اضطرّها إليه من الفناء على دوامه . واحد لا بعدد ، و دائم لا بأمد ، و قائم لا بعمد . تتلقّاه الأذهان لا بمشاعرة ، و تشهد له المرائي لا بمحاضرة . لم تحط به الأوهام ، بل تجلّى لها بها ، و بها امتنع منها ، و إليها حاكمها .
ليس بذي كبر امتدّت به النّهايات فكبّرته تجسيما ، و لا بذي عظم تناهت به الغايات فعظّمته تجسيدا . بل كبر شأنا و عظم سلطانا . ( الخطبة 183 ، 334 ) فاعل لا باضطراب آلة . مقدّر لا بجول فكرة ، غنيّ لا باستفادة . لا تصحبه الأوقات ،
و لا ترفده الأدوات . سبق الأوقات كونه ، و العدم وجوده ، و الإبتداء أزله . بتشعيره
[ 89 ]
المشاعر عرف أن لا مشعر له ، و بمضادّته بين الأمور عرف أن لا ضدّ له . و بمقارنته بين الأشياء عرف أن لا قرين له ، ضادّ النّور بالظّلمة ، و الوضوح بالبهمة . و الجمود بالبلل ، و الحرور بالصّرد ( أي البرد ) . مؤلّف بين متعادياتها ، مقارن بين متبايناتها .
مقرّب بين متباعداتها ، مفرّق بين متدانياتها . لا يشمل بحدّ ، و لا يحسب بعدّ . و إنّما تحدّ الأدوات أنفسها ، و تشير الآلات إلى نظائرها . منعتها ( منذ ) القدمة ، و حمتها ( قد ) الأزليّة . و جنّبتها ( لولا ) التّكملة . بها تجلّى صانعها للعقول ، و بها امتنع عن نظر العيون ، و لا يجري عليه السّكون و الحركة . و كيف يجري عليه ما هو أجراه ، و يعود فيه ما هو أبداه . و يحدث فيه ما هو أحدثه إذا لتفاوتت ذاته ، و لتجزّأ كنهه ، و لامتنع من الأزل معناه . و لكان له وراء إذ وجد له أمام . و لالتمس التّمام إذ لزمه النّقصان . و إذا لقامت آية المصنوع فيه ، و لتحوّل دليلا بعد أن كان مدلولا عليه . و خرج بسلطان الإمتناع من أن يؤثّر فيه ما يؤثّر في غيره . الّذي لا يحول و لا يزول ، و لا يجوز عليه الأفول . لم يلد فيكون مولودا ، و لم يولد فيصير محدودا . جلّ عن اتّخاذ الأبناء ، و طهر عن ملامسة النّساء . لا تناله الأوهام فتقدّره ، و لا تتوهّمه الفطن فتصوّره . و لا تدركه الحواسّ فتحسّه ، و لا تلمسه الأيدي فتمسّه . و لا يتغيّر بحال ، و لا يتبدّل في الأحوال .
و لا تبليه اللّيالي و الأيّام ، و لا يغيّره الضّياء و الظّلام . و لا يوصف بشيء من الأجزاء ،
و لا بالجوارح و الأعضاء . و لا بعرض من الأعراض ، و لا بالغيريّة و الأبعاض . و لا يقال له حدّ و لا نهاية ، و لا انقطاع و لا غاية . و لا أنّ الأشياء تحويه فتقلّه أو تهويه ( أي ترفعه أو تسقطه ) ، أو أنّ شيئا يحمله فيميله أو يعدّله . ليس في الأشياء بوالج ، و لا عنها بخارج . يخبر لا بلسان و لهوات ، و يسمع لا بخروق و أدوات . يقول و لا يلفظ ،
و يحفظ و لا يتحفّظ ، و يريد و لا يضمر . يحبّ و يرضى من غير رقّة ، و يبغض و يغضب من غير مشقّة . يقول لمن أراد كونه : كن فيكون ، لا بصوت يقرع ، و لا بنداء يسمع . و إنّما كلامه سبحانه فعل منه أنشأه و مثّله . لم يكن من قبل ذلك كائنا ،
و لو كان قديما لكان إلها ثانيا . ( الخطبة 184 ، 341 ) لا يقال كان بعد أن لم يكن ، فتجري عليه الصّفات المحدثات . و لا يكون بينها و بينه
[ 90 ]
فصل ، و لا له عليها فضل . فيستوي الصّانع و المصنوع ، و يتكافأ المبتدع و البديع . خلق الخلائق على غير مثال خلا من غيره . و لم يستعن على خلقها بأحد من خلقه . ( الخطبة 184 ، 343 ) و إن اللّه سبحانه يعود بعد فناء الدّنيا وحده لا شيء معه . كما كان قبل ابتدائها ،
كذلك يكون بعد فنائها . بلا وقت و لا مكان ، و لا حين و لا زمان . عدمت عند ذلك الآجال و الأوقات ، و زالت السّنون و السّاعات . فلا شيء إلاّ اللّه الواحد القهّار ، الّذي إليه مصير جميع الأمور . بلا قدرة منها كان ابتداء خلقها ، و بغير امتناع منها كان فناؤها ، و لو قدرت على الإمتناع لدام بقاؤها . لم يتكاءده صنع شيء منها إذ صنعه ،
و لم يؤده منها خلق ما خلقه و برأه . و لم يكوّنها لتشديد سلطان ، و لا لخوف من زوال و نقصان . و لا للإستعانة بها على ندّ مكاثر ، و لا للإحتراز بها من ضدّ مثاور . و لا للإزدياد بها في ملكه ، و لا لمكاثرة شريك في شركه . و لا لوحشة كانت منه ، فأراد أن يستأنس إليها .
ثمّ هو يفنيها بعد تكوينها . لا لسأم دخل عليه في تصريفها و تدبيرها ، و لا لراحة واصلة إليه ، و لا لثقل شيء منها عليه . لا يملّه طول بقائها فيدعوه إلى سرعة إفنائها .
و لكنّه سبحانه دبّرها بلطفه ، و أمسكها بأمره و أتقنها بقدرته . ثمّ يعيدها بعد الفناء من غير حاجة منه إليها ، و لا استعانة بشيء منها عليها . و لا لإنصراف من حال وحشة إلى حال استئناس ، و لا من حال جهل و عمى إلى حال علم و التماس . و لا من فقر و حاجة إلى غنى و كثرة ، و لا من ذلّ و ضعة إلى عزّ و قدرة . ( الخطبة 184 ، 345 ) أمّا بعد فإنّ اللّه سبحانه و تعالى ، خلق الخلق حين خلقهم غنيا عن طاعتهم آمنا من معصيتهم . لأنّه لا تضرّه معصية من عصاه ، و لا تنفعه طاعة من أطاعه . فقسم بينهم معايشهم و وضعهم من الدّنيا مواضعهم . ( الخطبة 191 ، 376 ) « راجع تتمة الكلام في المبحث 363 صفات المتّقين » .
و اعلموا عباد اللّه ، أنّه لم يخلقكم عبثا و لم يرسلكم هملا . علم مبلغ نعمه عليكم ،
و أحصى إحسانه إليكم . فاستفتحوه و استنجحوه . و اطلبوا إليه و استمنحوه . فما قطعكم
[ 91 ]
عنه حجاب ، و لا أغلق عنكم دونه باب . و إنّه لبكلّ مكان ، و في كلّ حين و أوان ،
و مع كلّ إنس و جانّ . لا يثلمه العطاء و لا ينقصه الجباء . و لا يستنفده سائل و لا يستقصيه نائل . و لا يلويه شخص عن شخص . و لا يلهيه صوت عن صوت .
و لا تحجزه هبة عن سلب . و لا يشغله غضب عن رحمة . و لا تولهه رحمة عن عقاب .
و لا يجنّه ( أي يستره ) البطون عن الظّهور . و لا يقطعه الظّهور عن البطون . قرب فنأى ،
و علا فدنا . و ظهر فبطن ، و بطن فعلن . و دان و لم يدن . لم يذرإ الخلق باحتيال ،
و لا استعان بهم لكلال . ( الخطبة 193 ، 383 ) الحمد للّه العليّ عن شبه المخلوقين . الغالب لمقال الواصفين . الظّاهر بعجائب تدبيره للنّاظرين . و الباطن بجلال عزّته عن فكر المتوهّمين . العالم بلا اكتساب و لا ازدياد ، و لا علم مستفاد . المقدّر لجميع الأمور بلا رويّة و لا ضمير . الّذي لا تغشاه الظّلم ، و لا يستضيء بالأنوار . و لا يرهقه ليل ، و لا يجري عليه نهار . ليس إدراكه بالإبصار ، و لا علمه بالإخبار . ( الخطبة 211 ، 406 ) فتفهّم يا بنيّ وصيّتي . و اعلم أنّ مالك الموت هو مالك الحياة . و أنّ الخالق هو المميت ، و أنّ المفني هو المعيد ، و أنّ المبتلي هو المعافي . ( الخطبة 270 ، 2 ، 478 ) و اعلم يا بنيّ أنّ أحدا لم ينبئ عن اللّه سبحانه كما أنبأ عنه الرّسول صلّى اللّه عليه و آله فأرض به رائدا ، و إلى النّجاة قائدا ، فإنّي لم آلك نصيحة . و إنّك لن تبلغ في النّظر لنفسك و إن اجتهدت مبلغ نظري لك .
و اعلم يا بنيّ أنّه لو كان لربّك شريك لأتتك رسله ، و لرأيت آثار ملكه و سلطانه ، و لعرفت أفعاله و صفاته . ( الخطبة 270 ، 2 ، 479 )
[ 92 ]