( 372 ) التحذير من الدنيا و غرورها

قال الامام علي ( ع ) :

يصف هبوط آدم الى الأرض : و أهبطه إلى دار البليّة ، و تناسل الذّرّيّة . ( الخطبة 1 ، 31 ) و قال ( ع ) في آخر الشقشقيّة : و لكنّهم حليت الدّنيا في أعينهم و راقهم زبرجها ( الزبرج : الزينة ) . ( الخطبة 3 ، 44 ) و قال ( ع ) عن حال الدنيا : و لقلّما أدبر شي‏ء فأقبل . ( الخطبة 16 ، 57 ) فإن رأى أحدكم لأخيه غفيرة ( أي زيادة ) في أهل أو مال أو نفس ، فلا تكوننّ له فتنة .

( الخطبة 23 ، 68 ) و لبئس المتجر أن ترى الدّنيا لنفسك ثمنا ، و ممّا لك عند اللّه عوضا . ( الخطبة 32 ، 86 ) فلتكن الدّنيا في أعينكم أصغر من حثالة القرظ ( هو ثمر السنط يدبغ به ) و قراظة الجلم ( هو المقصّ الذي يجزّ به الصوف ) . و اتّعظوا بمن كان قبلكم ، قبل أن يتّعظ بكم من بعدكم . و ارفضوها ذميمة ، فإنّها قد رفضت من كان أشغف بها منكم . ( الخطبة 32 ، 87 ) و الدّنيا دار مني لها الفناء ، و لأهلها منها الجلاء ، و هي حلوة خضراء . و قد عجلت للطّالب ، و التبست بقلب النّاظر ، فارتحلوا منها بأحسن ما بحضرتكم من الزّاد ،

[ 889 ]

و لا تسألوا فيها فوق الكفاف ، و لا تطلبوا منها أكثر من البلاغ . ( الخطبة 45 ، 103 ) قال ( ع ) : ألا و إنّ الدّنيا قد تصرّمت ، و آذنت بانقضاء . و تنكّر معروفها ، و أدبرت حذّاء ( أي مسرعة ) . فهي تحفز بالفناء سكّانها ، و تحدو بالموت جيرانها . و قد أمرّ فيها ما كان حلوا ، و كدر منها ما كان صفوا . فلم يبق منها إلاّ سملة ( أي بقية ) كسملة الإداوة ( هو وعاء الماء الذي يتطهر به ) ، أو جرعة كجرعة المقلة ( المقلة : هي الحصاة يضعها المسافرون في اناء ، و يصبون عليها الماء ، فيشرب كل واحد مقدار ما يغمرها . يفعلون ذلك اذا قلّ الماء ) ، لو تمزّزها الصّديان لم ينقع ( أي اذا امتصّها العطشان لم يرتو ) .

فازمعوا عباد اللّه الرّحيل عن هذه الدّار المقدور على أهلها الزّوال ، و لا يغلبنّكم فيها الأمل ، و لا يطولنّ عليكم فيها الأمد . ( الخطبة 52 ، 108 ) ألا و إنّ الدّنيا دار لا يسلم منها إلاّ فيها ، و لا ينجى بشي‏ء كان لها : ابتلي النّاس بها فتنة . . . فإنّها عند ذوي العقول كفي‏ء الظّلّ ، بينا تراه سابغا حتّى قلص ، و زائدا حتّى نقص . ( الخطبة 61 ، 116 ) ما أصف من دار أوّلها عناء ، و آخرها فناء . في حلالها حساب ، و في حرامها عقاب .

من استغنى فيها فتن ، و من افتقر فيها حزن . و من ساعاها فاتته ، و من قعد عنها واتته ،

و من أبصر بها بصّرته ، و من أبصر إليها أعمته . ( الخطبة 80 ، 135 ) و قال ( ع ) عن الدنيا : . . . في قرار خبرة و دار عبرة ، أنتم مختبرون فيها ، و محاسبون عليها ( الخطبة 81 ، 1 ، 137 ) ثم قال ( ع ) : فإنّ الدّنيا رنق مشربها ، ردغ مشرعها . يونق منظرها ، و يوبق مخبرها .

غرور حائل ، و ضوء آفل ، و ظلّ زائل ، و سناد مائل . حتّى إذا أنس نافرها ، و اطمأنّ ناكرها ، قمصت بأرجلها ، و قنصت بأحبلها ، و أقصدت بأسهمها ، و أعلقت المرء أوهاق ( أي حبال ) المنيّة . قائدة له إلى ضنك المضجع ، و وحشة المرجع ، و معاينة المحلّ ، و ثواب العمل . و كذلك الخلف بعقب السّلف . لا تقلع المنيّة اختراما ،

و لا يرعوي الباقون اجتراما . يحتذون مثالا ، و يمضون أرسالا . إلى غاية الانتهاء و صيّور الفناء . ( الخطبة 81 ، 1 ، 137 )

[ 890 ]

فهل ينتظر أهل بضاضة الشّباب إلاّ حواني الهرم ؟ و أهل غضارة ( أي نعمة ) الصّحّة إلاّ نوازل السّقم ؟ و أهل مدّة البقاء إلاّ آونة الفناء ؟ مع قرب الزّيال ، و أروف الإنتقال .

( الخطبة 81 ، 2 ، 142 ) و قال ( ع ) في صفة المغتر بالدنيا : حتّى إذا قام اعتداله ، و استوى مثاله ، نفر مستكبرا ،

و خبط سادرا . ماتحا في غرب هواه ، كادحا سعيا لدنياه . في لذّات طربه ، و بدوات أريه . لا يحتسب رزيّة ، و لا يخشع تقيّة . فمات في فتنته غريرا ، و عاش في هفوته يسيرا . لم يفد عوضا ، و لم يقض مفترضا . ( الخطبة 81 ، 3 ، 146 ) فأنّى تؤفكون ؟ أم أين تصرفون ؟ أم بماذا تغترّون ؟ و إنّما حظّ أحدكم من الأرض ،

ذات الطّول و العرض ، قيد قدّه ، متعفّرا على خدّه . ( الخطبة 81 ، 3 ، 148 ) و قال ( ع ) عن بني أمية و الدنيا : بل هي مجّة من لذيذ العيش ، يتطعّمونها برهة ، ثمّ يلفظونها جملة . ( الخطبة 85 ، 156 ) فلا يغرّنّكم ما أصبح فيه أهل الغرور ، فإنّما هو ظلّ ممدود ، إلى أجل معدود . ( الخطبة 87 ، 158 ) عباد اللّه ، أوصيكم بالرّفض لهذه الدّنيا ، التّاركة لكم و إن لم تحبّوا تركها ، و المبلية لأجسامكم و إن كنتم تحبّون تجديدها . فإنّما مثلكم و مثلها كسفر سلكوا سبيلا فكأنّهم قد قطعوه ، و أمّوا علما فكأنّهم قد بلغوه . و كم عسى المجري إلى الغاية أن يجري إليها حتّى يبلغها . و ما عسى أن يكون بقاء من له يوم لا يعدوه ، و طالب حثيث من الموت يحدوه ، و مزعج في الدّنيا عن الدّنيا حتّى يفارقها رغما ؟ فلا تنافسوا في عزّ الدّنيا و فخرها ، و لا تعجبوا بزينتها و نعيمها ، و لا تجزعوا من ضرّائها و بؤسها . فإنّ عزّها و فخرها إلى انقطاع ، و إنّ زينتها و نعيمها إلى زوال ، و ضرّاءها و بؤسها إلى نفاد .

و كلّ مدّة فيها إلى انتهاء ، و كلّ حيّ فيها إلى فناء . . . أو لستم ترون أهل الدّنيا يصبحون و يمسون على أحوال شتّى : فميّت يبكى ، و آخر يعزّى ، و صريع مبتلى .

و عائد يعود ، و آخر بنفسه يجود . و طالب للدّنيا و الموت يطلبه ، و غافل و ليس بمغفول عنه . و على أثر الماضي ما يمضي الباقي . ( الخطبة 97 ، 191 )

[ 891 ]

أيّها النّاس ، انظروا إلى الدّنيا نظر الزّاهدين فيها ، الصّادفين عنها . فإنّها و اللّه عمّا قليل تزيل الثّاوي السّاكن ، و تفجع المترف الآمن . لا يرجع ما تولّى منها فأدبر ، و لا يدرى ما هو آت منها فينتظر . سرورها مشوب بالحزن ، و جلد الرّجال فيها إلى الضّعف و الوهن . فلا يغرّنّكم كثرة ما يعجبكم فيها لقلّة ما يصحبكم منها .

رحم اللّه امرءا تفكّر فاعتبر ، و اعتبر فأبصر . فكأنّ ما هو كائن من الدّنيا عن قليل لم يكن ، و كأنّ ما هو كائن من الآخرة عمّا قليل لم يزل . و كلّ معدود منقض ، و كلّ متوقّع آت ، و كلّ آت قريب دان . ( الخطبة 101 ، 196 ) أقبلوا على جيفة قد افتضحوا بأكلها ، و اصطلحوا على حبّها . ( الخطبة 107 ، 209 ) و قال ( ع ) في ذم الدنيا : أمّا بعد ، فإنّي أحذّركم الدّنيا ، فإنّها حلوة خضرة ، حفّت بالشّهوات ، و تحبّبت بالعاجلة . وراقت بالقليل ، و تحلّت بالآمال ، و تزيّنت بالغرور .

لا تدوم حبرتها ، و لا تؤمن فجعتها . غرّارة ضرّارة ، حائلة زائلة ، نافدة بائدة ، أكّالة غوّالة . لا تعدوا إذا تناهت إلى أمنيّة أهل الرّغبة فيها و الرّضاء بها أن تكون كما قال اللّه تعالى سبحانه كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ ، فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ . وَ كَانَ اللّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ مُقْتَدِراً . لم يكن امرؤ منها في حيرة إلاّ أعقبته بعدها عبرة . و لم يلق في سرّائها بطنا ، إلاّ منحته من ضرّائها ظهرا . و لم تطّله فيها ديمة رخاء ، إلاّ هتنت عليه مزنة بلاء . و حريّ إذا أصبحت له منتصرة أن تمسي له متنكّرة .

و إن جانب منها اعذوذب و احلولى ، أمرّ منها جانب فأوبى لا ينال امرؤ من غضارتها رغبا ، إلاّ أرهقته من نوائبها تبعا . و لا يمسي منها في جناح أمن ، إلاّ أصبح على قوادم خوف . غرّارة ، غرور ما فيها . فانية ، فان من عليها . لا خير في شي‏ء من أزوادها إلاّ التّقوى . من أقلّ منها استكثر ممّا يؤمنه . و من استكثر منها استكثر ممّا يوبقه ، و زال عمّا قليل عنه . كم من واثق بها قد فجعته ، و ذي طمأنينة إليها قد صرعته .

و ذي أبهة قد جعلته حقيرا . و ذي نخوة قدردّته ذليلا . سلطانها دوّل ( أي متحول ) ،

و عيشها رنق ، و عذبها أجاج ، و حلوها صبر ، و غذاؤها سمام ( جمع سم ) ، و أسبابها رمام ( جمع رمة و هي القطعة البالية ) . حيّها بعرض موت ، و صحيحها بعرض سقم . ملكها

[ 892 ]

مسلوب ، و عزيزها مغلوب ، و موفورها منكوب ، و جارها محروب ( أي مسلوب المال ) .

ألستم في مساكن من كان قبلكم ، أطول أعمارا ، و أبقى آثارا ، و أبعد آمالا ، و أعدّ عديدا ، و أكثف جنودا ؟ تعبّدوا للدّنيا أيّ تعبّد ، و آثروها أيّ إيثار . ثمّ ظعنوا عنها بغير زاد مبلّغ و لا ظهر قاطع . فهل بلغكم أنّ الدّنيا سخت لهم نفسا بفدية ، أو أعانتهم بمعونة ، أو أحسنت لهم صحبة ؟ بل أرهقتهم بالقوادح ، و أوهنتهم بالقوارع ،

و ضعضعتهم بالنّوائب ، و عفّرتهم للمناخر ، و وطئتهم بالمناسم ، و أعانت عليهم ريب المنون . فقد رأيتم تنكّرها لمن دان لها ، و آثرها و أخلد لها . حين ظعنوا عنها لفراق الأبد . و هل زوّدتهم إلاّ السّغب ، أو أحلّتهم إلاّ الضّنك ، أو نوّرت لهم إلاّ الظّلمة ، أو أعقبتهم إلاّ النّدامة أفهذه تؤثرون ، أم إليها تطمئنّون ؟ أم عليها تحرصون ؟ فبئست الدّار لمن لم يتّهمها ، و لم يكن فيها على وجل منها فاعلموا و أنتم تعلمون بأنّكم تاركوها و ظاعنون عنها . ( الخطبة 109 ، 214 ) و أحذّركم الدّنيا فإنّها منزل قلعة ( أي غير مستقرة ) و ليست بدار نجعة . قد تزيّنت بغرورها ، و غرّت بزينتها . دار هانت على ربّها فخلط حلالها بحرامها ، و خيرها بشرّها ، و حياتها بموتها ، و حلوها بمرّها . لم يصفها اللّه تعالى لأوليائه ، و لم يضنّ بها على أعدائه . خيرها زهيد و شرّها عتيد . و جمعها ينفد ، و ملكها يسلب ، و عامرها يخرب . فما خير دار تنقض نقض البناء ، و عمر يفنى فيها فناء الزّاد ، و مدّة تنقطع انقطاع السّير اجعلوا ما افترض اللّه عليكم من طلبكم ، و اسألوه من أداء حقّه ما سألكم .

و أسمعوا دعوة الموت آذانكم قبل أن يدعى بكم . إنّ الزّاهدين في الدّنيا تبكي قلوبهم و إن ضحكوا ، و يشتدّ حزنهم و إن فرحوا ، و يكثر مقتهم أنفسهم و إن اغتبطوا بما رزقوا . قد غاب عن قلوبكم ذكر الآجال ، و حضرتكم كواذب الآمال . فصارت الدّنيا أملك بكم من الآخرة ، و العاجلة أذهب بكم من الآجلة . . . ما بالكم تفرحون باليسير من الدّنيا تدركونه ، و لا يحزنكم الكثير من الآخرة تحرمونه و يقلقكم اليسير من الدّنيا يفوتكم ، حتّى يتبيّن ذلك في وجوهكم ، و قلّة صبركم عمّا زوي منها

[ 893 ]

عنكم ، كأنّها دار مقامكم ، و كأنّ متاعها باق عليكم . . . قد تصافيتم على رفض الآجل و حبّ العاجل . ( الخطبة 111 ، 218 ) ثمّ إنّ الدّنيا دار فناء و عناء ، و غير و عبر . فمن الفناء أنّ الدّهر موتر قوسه ، لا تخطئ سهامه ، و لا تؤسى جراحه . يرمي الحيّ بالموت ، و الصّحيح بالسّقم ، و النّاجي بالعطب . آكل لا يشبع و شارب لا ينقع . و من العناء أنّ المرء يجمع ما لا يأكل و يبني ما لا يسكن . ثمّ يخرج إلى اللّه تعالى لا مالا حمل ، و لا بناء نقل . و من غيرها أنّك ترى المرحوم مغبوطا ، و المغبوط مرحوما ، ليس ذلك إلاّ نعيما زلّ ، و بؤسا نزل . و من عبرها أنّ المرء يشرف على أمله ، فيقتطعه حضور أجله . فلا أمل يدرك ، و لا مؤمّل يترك .

فسبحان اللّه ما أعزّ سرورها و أظمأ ريّها و أضحى فيئها . لا جاء يردّ ، و لا ماض يرتدّ .

فسبحان اللّه ، ما أقرب الحيّ من الميّت للحاقه به ، و أبعد الميّت من الحيّ لانقطاعه عنه ( الخطبة 112 ، 220 ) و اعلموا أنّ ما نقص من الدّنيا و زاد في الآخرة خير ممّا نقص من الآخرة و زاد في الدّنيا . فكم من منقوص رابح ، و مزيد خاسر . ( الخطبة 112 ، 221 ) عباد اللّه ، إنّكم و ما تأملون من هذه الدّنيا أثوياء ( أي ضعفاء ) مؤجّلون ، و مدينون مقتضون . أجل منقوص ، و عمل محفوظ ، فربّ دائب مضيّع ، و ربّ كادح خاسر .

و قد أصبحتم في زمن لا يزداد الخير فيه إلاّ إدبارا ، و لا الشّرّ فيه إلاّ إقبالا ، و لا الشّيطان في هلاك النّاس إلاّ طمعا . فهذا أوان قويت عدّته ، و عمّت مكيدته ، و أمكنت فريسته . اضرب بطرفك حيث شئت من النّاس ، فهل تبصر إلاّ فقيرا يكابد فقرا ، أو غنيّا بدّل نعمة اللّه كفرا ، أو بخيلا اتّخذ البخل بحقّ اللّه وفرا ، أو متمرّدا كأنّ بأذنه عن سمع المواعظ وقرا أين أخياركم و صلحاؤكم ، و أين أحراركم و سمحاؤكم . و أين المتورّعون في مكاسبهم ، و المتنزّهون في مذاهبهم أليس قد ظعنوا جميعا عن هذه الدّنيا الدّنيّة ، و العاجلة المنغّصة . و هل خلّفتم إلاّ في حثالة لا تلتقي بذمّهم الشّفتان ،

استصغارا لقدرهم ، و ذهابا عن ذكرهم ، فَإنَّا لِلّهِ وَ إنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ . ( الخطبة 127 ، 240 ) أما رأيتم الّذين يأملون بعيدا ، و يبنون مشيدا ، و يجمعون كثيرا كيف أصبحت بيوتهم

[ 894 ]

قبورا ، و ما جمعوا بورا . و صارت أموالهم للوارثين ، و أزواجهم لقوم آخرين . لا في حسنة يزيدون ، و لا من سيّئة يستعتبون . . . فإنّ الدّنيا لم تخلق لكم دار مقام ، بل خلقت لكم مجازا . . . ( الخطبة 130 ، 243 ) أيّها النّاس ، إنّما أنتم في هذه الدّنيا غرض تنتضل فيه ( أي تترامى فيه ) المنايا . مع كلّ جرعة شرق ، و في كلّ أكلة غصص . لا تنالون منها نعمة إلاّ بفراق أخرى ،

و لا يعمّر معمّر منكم يوما من عمره ، إلاّ بهدم آخر من أجله . و لا تجدّد له زيادة في أكله ، إلاّ بنفاد ما قبلها من رزقه . و لا يحيا له أثر ، إلاّ مات له أثر . و لا يتجدّد له جديد ،

إلاّ بعد أن يخلق له جديد . و لا تقوم له نابتة إلاّ و تسقط منه محصودة . و قد مضت أصول نحن فروعها ، فما بقاء فرع بعد ذهاب أصله . ( الخطبة 143 ، 256 ) ثمّ إنّكم معشر العرب أغراض بلايا قد اقتربت ، فاتّقوا سكرات النّعمة ، و احذروا بوائق النّقمة . ( الخطبة 149 ، 264 ) ألا فما يصنع بالدّنيا من خلق للآخرة ؟ و ما يصنع بالمال من عمّا قليل يسلبه ، و تبقى عليه تبعته و حسابه . ( الخطبة 155 ، 277 ) و يقول ( ع ) : و كذلك من عظمت الدّنيا في عينه ، و كبر موقعها من قلبه ، آثرها على اللّه تعالى ، فانقطع إليها ، و صار عبدا لها .

و لقد كان في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كاف لك في الأسوة . و دليل لك على ذمّ الدّنيا و عيبها ، و كثرة مخازيها و مساويها ، إذ قبضت عنه أطرافها ، و وطّئت لغيره أكنافها ( أي جوانبها ) و فطم عن رضاعها ، و زوي عن زخارفها . ( الخطبة 158 ، 282 ) ثم يقول ( ع ) : و إن شئت ثنّيت بموسى كليم اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم حيث يقول :

« ربّ إنّي لما أنزلت إليّ من خير فقير » و اللّه ما سأله إلاّ خبزا يأكله ، لأنّه كان يأكل بقلة الأرض . و لقد كانت خضرة البقل ترى من شفيف صفاق بطنه لهزاله و تشّذّب لحمه .

و إن شئت ثلّثت بداود صلّى اللّه عليه و سلّم صاحب المزامير و قارى‏ء أهل الجنّة ،

فلقد كان يعمل سفائف الخوص بيده ، و يقول لجلسائه : أيّكم يكفيني بيعها ، و يأكل قرص الشّعير من ثمنها . ( الخطبة 158 ، 282 )

[ 895 ]

ثم يقول ( ع ) : و إن شئت قلت في عيسى بن مريم عليه السّلام ، فلقد كان يتوسّد الحجر ،

و يلبس الخشن ، و يأكل الجشب . و كان إدامه الجوع ، و سراجه باللّيل القمر ، و ظلاله في الشّتاء مشارق الأرض و مغاربها ، و فاكهته و ريحانه ما تنبت الأرض للبهائم .

و لم تكن له زوجة تفتنه ، و لا ولد يحزنه ، و لا مال يلفته ، و لا طمع يذلّه . دابّته رجلاه ،

و خادمه يداه . فتأسّ بنبيّك الأطيب الأطهر صلّى اللّه عليه و آله فإنّ فيه أسوة لمن تأسّى ، و عزاء لمن تعزّى . و أحبّ العباد إلى اللّه المتأسّي بنبيّه ، و المقتصّ لأثره .

قضم الدّنيا قضما ، و لم يعرها طرفا . أهضم أهل الدّنيا كشحا ، و أخمصهم من الدّنيا بطنا . عرضت عليه الدّنيا فأبى أن يقبلها . و علم أنّ اللّه سبحانه أبغض شيئا فأبغضه ،

و حقر شيئا فحقّره ، و صغّر شيئا فصغّره . و لو لم يكن فينا إلاّ حبّنا ما أبغض اللّه و رسوله ،

و تعظيمنا ما صغّر اللّه و رسوله ، لكفى به شقاقا للّه ، و محادّة عن أمر اللّه . ( الخطبة 158 ، 283 ) و لقد كان صلّى اللّه عليه و آله يأكل على الأرض ، و يجلس جلسة العبد ، و يخصف بيده نعله ، و يرقع بيده ثوبه ، و يركب الحمار العاري ، و يردف خلفه ، و يكون السّتر على باب بيته ، فتكون فيه التّصاوير ، فيقول : يا فلانة لإحدى أزواجه غيّبيه عنّي فإنّي إذا نظرت إليه ذكرت الدّنيا و زخارفها . فأعرض عن الدّنيا بقلبه ، و أمات ذكرها من نفسه ، و أحبّ أن تغيب زينتها عن عينه ، لكيلا يتّخذ منها رياشا ، و لا يعتقدها قرارا ، و لا يرجو فيها مقاما . فأخرجها من النّفس ، و أشخصها عن القلب ، و غيّبها عن البصر . و كذلك من أبغض شيئا أبغض أن ينظر إليه ، و أن يذكر عنده .

و لقد كان في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما يدلّك على مساوى‏ء الدّنيا و عيوبها . إذ جاع فيها مع خاصّته ( أي مع تفضله عند ربّه ) ، و زويت عنه زخارفها مع عظيم زلفته . فلينظر ناظر بعقله ، أكرم اللّه محمّدا بذلك أم أهانه ؟ فإن قال : أهانه ،

فقد كذب و اللّه العظيم بالإفك العظيم . و إن قال : أكرمه فليعلم أنّ اللّه قد أهان غيره حيث بسط الدّنيا له ، و زواها عن أقرب النّاس منه . فتأسّى متأسّ بنبيّه ، و اقتصّ أثره ،

و ولج مولجه ، و إلاّ فلا يأمن الهلكة فإنّ اللّه جعل محمّدا صلّى اللّه عليه و آله علما

[ 896 ]

للسّاعة ( أي دليلا على اقتراب الساعة ) و مبشّرا بالجنّة ، و منذرا بالعقوبة . خرج من الدّنيا خميصا ، و ورد الآخرة سليما . لم يضع حجرا على حجر ، حتّى مضى لسبيله ،

و أجاب داعي ربّه . فما أعظم منّة اللّه عندنا حين أنعم علينا به ، سلفا نتّبعه ، و قائدا نطأ عقبه . و اللّه لقد رقّعت مدرعتي هذه حتّى استحييت من راقعها . و لقد قال لي قائل : ألاّ تنبذها عنك ؟ فقلت : اعزب عنّي ، فعند الصّباح يحمد القوم السّرى ( هذا المثل معناه : اذا أصبح النائمون و قد رأوا أن الذين كانوا يسيرون ليلا قد وصلوا الى مقاصدهم ،

أدركوا فضل سيرهم و ندموا على نومهم ) . ( الخطبة 158 ، 284 ) رهّب فأبلغ ، و رغّب فأسبغ . و وصف لكم الدّنيا و انقطاعها ، و زوالها و انتقالها .

فأعرضوا عمّا يعجبكم فيها لقلّة ما يصحبكم منها . أقرب دار من سخط اللّه ، و أبعدها من رضوان اللّه . فغضّوا عنكم عباد اللّه غمومها و أشغالها ، لما قد أيقنتم به من فراقها و تصرّف حالاتها . فاحذروها حذر الشّفيق النّاصح ، و المجدّ الكادح . ( الخطبة 159 ، 286 ) فاحذروا عباد اللّه حذر الغالب لنفسه ، المانع لشهوته ، النّاظر بعقله . فإنّ الأمر واضح ،

و العلم قائم ، و الطّريق جدد ، و السّبيل قصد . ( الخطبة 159 ، 287 ) ألا و إنّ هذه الدّنيا الّتي أصبحتم تتمنّونها و ترغبون فيها ، و أصبحت تغضبكم و ترضيكم ، ليست بداركم ، و لا منزلكم الّذي خلقتم له ، و لا الّذي دعيتم إليه . ألا و إنّها ليست بباقية لكم و لا تبقون عليها . و هي و إن غرّتكم منها فقد حذّرتكم شرّها . فدعوا غرورها لتحذيرها ، و أطماعها لتخويفها . و سابقوا فيها إلى الدّار الّتي دعيتم إليها ،

و انصرفوا بقلوبكم عنها . و لا يخنّنّ أحدكم خنين ( أي بكاء ) الأمة على ما زوي عنه منها . . . أخذ اللّه بقلوبنا و قلوبكم إلى الحقّ ، و ألهمنا و إيّاكم الصّبر . ( الخطبة 171 ، 309 ) أيّها النّاس إنّ الدّنيا تغرّ المؤمّل لها و المخلد إليها ، و لا تنفس بمن نافس فيها ، و تغلب من غلب عليها . ( الخطبة 176 ، 319 ) أوصيكم عباد اللّه بتقوى اللّه الّذي ألبسكم الرّياش ، و أسبغ عليكم المعاش . فلو أنّ

[ 897 ]

أحدا يجد إلى البقاء سلّما ، أو لدفع الموت سبيلا ، لكان ذلك سليمان بن داود عليه السّلام الّذي سخّر له ملك الجنّ و الإنس ، مع النّبوّة و عظيم الزّلفة . فلمّا استوفى طعمته ، و استكمل مدّته ، رمته قسيّ الفناء بنبال الموت . و أصبحت الدّيار منه خالية ،

و المساكن معطّلة . و ورثها قوم آخرون . و إنّ لكم في القرون السّالفة لعبرة . ( الخطبة 180 ، 326 ) ألا إنّه قد أدبر من الدّنيا ما كان مقبلا ، و أقبل منها ما كان مدبرا ، و أزمع التّرحال عباد اللّه الأخيار . و باعوا قليلا من الدّنيا لا يبقى ، بكثير من الآخرة لا يفنى . ( الخطبة 180 ، 328 ) ذاك حيث تسكرون من غير شراب ، بل من النّعمة و النّعيم . ( الخطبة 185 ، 346 ) . . . و لا ترفعوا من رفعته الدّنيا . و لا تشيموا بارقها ( أي لا تنظروا لما يغركم من مطامعها كالناظر الى البرق أين يمطر ) و لا تسمعوا ناطقها ، و لا تجيبوا ناعقها . و لا تستضئوا بإشراقها ، و لا تفتنوا بأعلاقها ( جمع علق و هو الشي‏ء النفيس ) . فإنّ برقها خالب ،

و نطقها كاذب . و أموالها محروبة ، و أعلاقها مسلوبة . ألا و هي المتصدّية العنون ،

و الجامحة الحرون ، و المائنة الخؤون . و الجحود الكنود ، و العنود الصّدود ، و الحيود الميود . حالها انتقال ، و وطأتها زلزال . و عزّها ذلّ ، و جدّها هزل ، و علوها سفل . دار حرب و سلب ، و نهب و عطب . أهلها على ساق و سياق ، و لحاق و فراق . قد تحيّرت مذاهبها ، و أعجزت مهاربها ، و خابت مطالبها . فأسلمتهم المعاقل ، و لفظتهم المنازل ،

و أعيتهم المحاول . فمن ناج معقور و لحم مجزور . و شلو مذبوح و دم مسفوح . و عاضّ على يديه ، و صافق بكفّيه ، و مرتفق بخدّيه . و زار على رأيه ، و راجع عن عزمه .

و قد أدبرت الحيلة و أقبلت الغيلة و لات حين مناص هيهات هيهات قد فات ما فات ، و ذهب ما ذهب . و مضت الدّنيا لحال بالها فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَ الأَرْضُ وَ مَا كَانُوا مُنْظَرِينَ . ( الخطبة 189 ، 355 ) أوصيكم عباد اللّه بتقوى اللّه . و أحذّركم الدّنيا ، فإنّها دار شخوص و محلّة تنغيص .

ساكنها ظاعن و قاطنها بائن . تميد بأهلها ميدان السّفينة ، تقصفها العواصف في لجج

[ 898 ]

البحار . فمنهم الغرق الوبق ( أي الهالك ) و منهم النّاجي على بطون الأمواج . تحفزه الرّياح بأذيالها و تحمله على أهوالها . فما غرق منها فليس بمستدرك ، و ما نجا منها فإلى مهلك . ( الخطبة 194 ، 385 ) أيّها النّاس ، إنّما الدّنيا دار مجاز ، و الآخرة دار قرار . فخذوا من ممرّكم لمقرّكم و لا تهتكوا أستاركم عند من يعلم أسراركم . و أخرجوا من الدّنيا قلوبكم من قبل أن تخرج منها أبدانكم . ( الخطبة 201 ، 396 ) قال ( ع ) عند تلاوته يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ : . . . يا أيّها الإنسان ، ما جرّأك على ذنبك ، و ما غرّك بربّك ، و ما أنّسك بهلكة نفسك ؟ . ( الخطبة 221 ، 423 ) ثم قال ( ع ) : . . . و حقّا أقول ما الدّنيا غرّتك ، و لكن بها اغتررت ، و لقد كاشفتك العظات ، و آذنتك على سواء . و لهي بما تعدك من نزول البلاء بجسمك ، و النّقص في قوّتك ، أصدق و أوفى من أن تكذبك أو تغرّك . و لربّ ناصح لها عندك متّهم ، و صادق من خبرها مكذّب . و لئن تعرّفتها في الدّيار الخاوية ، و الرّبوع الخالية ، لتجدنّها من حسن تذكيرك ، و بلاغ موعظتك ، بمحلّة الشّفيق عليك ، و الشّحيح بك . و لنعم دار من لم يرض بها دارا و محلّ من لم يوطّنها محلاّ و إنّ السّعداء بالدّنيا غدا هم الهاربون منها اليوم . ( الخطبة 221 ، 424 ) دار بالبلاء محفوفة ، و بالغدر معروفة ، لا تدوم أحوالها ، و لا يسلم نزّالها . أحوال مختلفة ،

و تارات متصرّفة . العيش فيها مذموم ، و الأمان فيها معدوم . و إنّما أهلها فيها أغراض مستهدفة . ترميهم بسهامها ، و تفنيهم بحمامها . ( الخطبة 224 ، 427 ) . . . فاحذروا الدّنيا فإنّها غدّارة غرّارة خدوع ، معطية منوع ، ملبسة نزوع . لا يدوم رخاؤها ، و لا ينقضي عناؤها ، و لا يركد بلاؤها . ( الخطبة 228 ، 432 ) عاتب الامام ( ع ) قاضيه شريح بن الحارث لشرائه دارا بثمانين دينارا ، و قد كتب لها كتابا . و قال له ( ع ) : أما إنّك لو كنت أتيتني عند شرائك ما اشتريت ، لكتبت لك كتابا على هذه النّسخة . فلم ترغب في شراء هذه الدّار بدرهم فما فوق . و النّسخة هذه : هذا ما اشترى عبد ذليل ، من عبد قد أزعج للرّحيل . اشترى منه دارا من دار الغرور . من

[ 899 ]

جانب الفانين ، و خطّة الهالكين . و تجمع هذه الدّار حدود أربعة : الحدّ الأوّل ينتهي إلى دواعي الآفات . و الحدّ الثّاني ينتهي إلى دواعي المصيبات . و الحدّ الثّالث ينتهي إلى الهوى المردي . و الحدّ الرّابع ينتهي إلى الشّيطان المغوي ، و فيه يشرع باب هذه الدّار . اشترى هذا المغترّ بالأمل ، من هذا المزعج بالأجل ، هذه الدّار ، بالخروج من عزّ القناعة ، و الدّخول في ذلّ الطّلب و الضّراعة . فما أدرك هذا المشتري فيما اشترى منه من درك ( الدرك هو التبعة . و المقصود به الضمان الذي يقع على البائع ) .

فعلى مبلبل أجسام الملوك ، و سالب نفوس الجبابرة ، و مزيل ملك الفراعنة ، مثل كسرى و قيصر ، و تبّع و حمير ، و من جمع المال على المال فأكثر ، و من بنى و شيّد ،

و زخرف و نجّد ، و ادّخر و اعتقد ، و نظر بزعمه للولد إشخاصهم جميعا إلى موقف العرض و الحساب ، و موضع الثّواب و العقاب . إذا وقع الأمر بفصل القضاء وَ خَسِرَ هُنَالِكَ المُبْطِلُونَ . شهد على ذلك العقل إذا خرج من أسر الهوى و سلم من علائق الدّنيا . ( الخطبة 242 ، 444 ) من وصية له ( ع ) لابنه الحسن ( ع ) كتبها اليه عند انصرافه من صفين :

من الوالد الفان ، المقرّ للزّمان . المدبر العمر ، المستسلم للدّنيا ، السّاكن مساكن الموتى ، و الظّاعن عنها غدا . إلى المولود المؤمّل ما لا يدرك ، السّالك سبيل من قد هلك . غرض الأسقام ، و رهينة الأيّام ، و رميّة المصائب ، و عبد الدّنيا ، و تاجر الغرور .

و غريم المنايا ، و أسير الموت . و حليف الهموم ، و قرين الأحزان . و نصب الآفات ،

و صريع الشّهوات . ( الخطبة 270 ، 1 ، 473 ) . . . و أنّ الدّنيا لم تكن لتستقرّ إلاّ على ما جعلها اللّه عليه من النّعماء و الإبتلاء ،

و الجزاء في المعاد ، أو ما شاء ممّا لا تعلم . ( الخطبة 270 ، 2 ، 478 ) و إيّاك أن تغترّ بما ترى من إخلاد أهل الدّنيا إليها ، و تكالبهم عليها . فقد نبّأك اللّه عنها ، و نعت لك نفسها ، و تكشّفت لك عن مساويها . فإنّما أهلها كلاب عاوية و سباع ضارية ، يهرّ بعضها على بعض ، و يأكل عزيزها ذليلها ، و يقهر كبيرها صغيرها . نعم معقّلة ( أي إبل مربوطة عن فعل الشر ) و أخرى مهملة ( غير مربوطة ) .

[ 900 ]

قد أضلّت عقولها و ركبت مجهولها . سروح عاهة ( أي يسرحون لرعي الآفات ) بواد وعث . ليس لها راع يقيمها و لا مسيم يسيمها . سلكت بهم الدّنيا طريق العمى ،

و أخذت بأبصارهم عن منار الهدى . فتاهوا في حيرتها ، و غرقوا في نعمتها . و اتّخذوها ربّا ، فلعبت بهم و لعبوا بها ، و نسوا ما ورأها . ( الخطبة 270 ، 3 ، 483 ) من أمن الزّمان خانه ، و من أعظمه أهانه . ( الخطبة 270 ، 4 ، 489 ) إليك عنّي يا دنيا فحبلك على غاربك ( شبه الدنيا بالناقة ، و الغارب ما بين السنام و العنق ) قد انسللت من مخالبك ، و أفلت من حبائلك ، و اجتنبت الذّهاب في مداحضك ( أي مساقطك ) . أين القرون الّذين غررتهم بمداعبك أين الأمم الّذين فتنتهم بزخارفك فها هم رهائن القبور ، و مضامين اللّحود و اللّه لو كنت شخصا مرئيّا ، و قالبا حسّيّا ، لأقمت عليك حدود اللّه في عباد غررتهم بالأماني ، و امم القيتهم في المهاوي ، و ملوك أسلمتهم إلى التّلف ، و أوردتهم موارد البلاء . إذ لا ورد و لا صدر هيهات من وطى‏ء دحضك زلق ( الدحض : المكان الذي لا تثبت فيه القدم ) و من ركب لججك غرق ، و من ازورّ ( أي مال ) عن حبائلك وفّق . و السّالم منك لا يبالي إن ضاق به مناخه ، و الدّنيا عنده كيوم حان انسلاخه ( أي زواله ) .

أعزبي عنّي . . . « تراجع تتمة الكتاب في المبحث ( 132 ) عدالة الامام ( ع ) » . ( الخطبة 284 ، 508 ) من كتاب له ( ع ) : أمّا بعد ، فإنّ الدّنيا مشغلة عن غيرها ، و لم يصب صاحبها منها شيئا إلاّ فتحت له حرصا عليها ، و لهجا بها . و لن يستغني صاحبها بما نال فيها عمّا لم يبلغه منها . و من وراء ذلك فراق ما جمع و نقض ما أبرم و لو اعتبرت بما مضى حفظت ما بقي ، و السّلام . ( الخطبة 288 ، 513 ) من كتاب له ( ع ) الى عبد اللّه بن عباس : أمّا بعد ، فإنّ المرء ليفرح بالشّي‏ء الّذي لم يكن ليفوته ، و يحزن على الشّي‏ء الّذي لم يكن ليصيبه ، فلا يكن أفضل ما نلت في نفسك من دنياك بلوغ لذّة أو شفاء غيظ ، و لكن إطفاء باطل أو إحياء حقّ . و ليكن سرورك بما قدّمت ، و أسفك على ما خلّفت ، و همّك فيما بعد الموت . ( الخطبة 305 ، 554 )

[ 901 ]

و من كتاب له ( ع ) الى سلمان الفارسي رحمه اللّه قبل أيّام خلافته : أمّا بعد ، فإنّما مثل الدّنيا مثل الحيّة : ليّن مسّها ، قاتل سمّها . فأعرض عمّا يعجبك فيها ، لقلّة ما يصحبك منها . وضع عنك همومها لما أيقنت به من فراقها و تصرّف حالاتها . و كن آنس ما تكون بها ، أحذر ما تكون منها ( أي فليكن أشد حذرك منها في حال شدة انسك بها ) ،

فإنّ صاحبها كلّما اطمأنّ فيها إلى سرور ، أشخصته عنه إلى محذور ، أو إلى إيناس أزالته عنه إلى إيحاش ، و السّلام . ( الخطبة 307 ، 556 ) و من كتاب له ( ع ) الى الحارث الهمداني : . . . و اعتبر بما مضى من الدّنيا ما بقي منها ،

فإنّ بعضها يشبه بعضا ، و آخرها لاحق بأوّلها ، و كلّها حائل ( أي زائل ) مفارق . ( الخطبة 308 ، 556 ) . . . و إيّاك أن ينزل بك الموت و أنت آبق ( أي هارب ) من ربّك في طلب الدّنيا .

( الخطبة 308 ، 558 ) من كتاب له ( ع ) الى عبد اللّه بن العباس : أمّا بعد ، فإنّك لست بسابق أجلك ،

و لا مرزوق ما ليس لك . و اعلم بأنّ الدّهر يومان : يوم لك و يوم عليك . و أنّ الدّنيا دار دول ( جمع دولة أي تنتقل سعادتها من يد الى يد دون ثبات و استقرار ) ، فما كان منها لك أتاك على ضعفك ، و ما كان منها عليك لم تدفعه بقوّتك . ( الخطبة 311 ، 560 ) إذا أقبلت الدّنيا على أحد أعارته محاسن غيره ، و إذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه .

( 8 ح ، 566 ) إذا كنت في إدبار و الموت في إقبال ، فما أسرع الملتقى . ( 28 ح ، 569 ) أهل الدّنيا كركب يسار بهم و هم نيام . ( 64 ح ، 576 ) الدّهر يخلق الأبدان ، و يجدّد الآمال ، و يقرّب المنيّة ، و يباعد الأمنيّة . من ظفر به نصب ، و من فاته تعب . ( 72 ح ، 577 ) و من خبر ضرار بن حمزة الضبائي عند دخوله على معاوية و مسألته له عن أمير المؤمنين ،

قال : فأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه و قد أرخى الليل سدوله ، و هو قائم في محرابه قابض على لحيته ، يتململ تململ السليم و يبكي بكاء الحزين ، و يقول : يا دنيا يا دنيا إليك

[ 902 ]

عنّي . أبي تعرّضت أم إليّ تشوّقت ؟ لا حان حينك ، هيهات غرّي غيري ، لا حاجة لي فيك . قد طلّقتك ثلاثا لا رجعة فيها فعيشك قصير ، و خطرك يسير ، و أملك حقير . آه من قلّة الزّاد ، و طول الطّريق ، و بعد السّفر ، و عظيم المورد . ( 77 ح ، 577 ) مثل الدّنيا كمثل الحيّة ، ليّن مسّها ، و السّمّ النّاقع في جوفها . يهوي إليها الغرّ الجاهل ،

و يحذرها ذو اللّبّ العاقل . ( 119 ح ، 587 ) و قال ( ع ) و قد سمع رجلا يذمّ الدنيا : أيّها الذّامّ للدّنيا ، المغترّ بغرورها ، المخدوع بأباطيلها أتغترّ بالدّنيا ثمّ تذمّها ؟ أنت المتجرّم عليها ، أم هي المتجرّمة عليك ؟ متى استهوتك ، أم متى غرّتك ؟ أبمصارع آبائك من البلى ، أم بمضاجع أمّهاتك تحت الثّرى ؟ كم علّلت بكفّيك ؟ و كم مرّضت بيديك ؟ تبغي لهم الشّفاء ، و تستوصف لهم الأطبّاء ، غداة لا يغني عنهم دواؤك ، و لا يجدي عليهم بكاؤك . لم ينفع أحدهم إشفاقك ، و لم تسعف فيه بطلبتك ، و لم تدفع عنه بقوّتك و قد مثّلت لك به الدّنيا نفسك ، و بمصرعه مصرعك . إنّ الدّنيا دار صدق لمن صدقها ، و دار عافية لمن فهم عنها ، و دار غنى لمن تزوّد منها ، و دار موعظة لمن اتّعظ بها . مسجد أحبّاء اللّه ،

و مصلّى ملائكة اللّه ، و مهبط وحي اللّه ، و متجر أولياء اللّه . اكتسبوا فيها الرّحمة ،

و ربحوا فيها الجنّة . فمن ذا يذّمّها و قد آذنت ببينها ( أي أعلمت أهلها ببعدها و زوالها عنهم ) ، و نادت بفراقها ، و نعت نفسها و أهلها ، فمثّلت لهم ببلائها البلاء ، و شوّقتهم بسرورها إلى السّرور ؟ راحت بعافية ، و ابتكرت بفجيعة ، ترغيبا و ترهيبا ، و تخويفا و تحذيرا . فذمّها رجال غداة النّدامة ، و حمدها آخرون يوم القيامة . ذكّرتهم الدّنيا فتذكّروا ، و حدّثتهم فصدّقوا ، و وعظتهم فاتّعظوا . ( 131 ح ، 590 ) إنّ للّه ملكا ينادي في كلّ يوم : لدوا للموت ، و اجمعوا للفناء ، و ابنوا للخراب .

( 132 ح ، 591 ) و قال ( ع ) : الدّنيا دار ممرّ لا دار مقرّ . و النّاس فيها رجلان : رجل باع فيها نفسه فأوبقها ( أي أهلكها ) ، و رجل ابتاع نفسه فأعتقها . ( 133 ح ، 591 ) لكلّ مقبل إدبار ، و ما أدبر كأن لم يكن . ( 152 ح ، 597 )

[ 903 ]

إنّما المرء في الدّنيا غرض تنتضل فيه المنايا ، و نهب تبادره المصائب . و مع كلّ جرعة شرق ، و في كلّ أكلة غصص . و لا ينال العبد نعمة إلاّ بفراق أخرى ، و لا يستقبل يوما من عمره إلاّ بفراق آخر من أجله . فنحن أعوان المنون ، و أنفسنا نصب الحتوف . فمن أين نرجو البقاء ، و هذا اللّيل و النّهار ، لم يرفعا من شي‏ء شرفا ، إلاّ أسرعا الكرّة في هدم ما بنيا ، و تفريق ما جمعا ؟ . ( 191 ح ، 601 ) يا ابن آدم ما كسبت فوق قوتك ، فأنت فيه خازن لغيرك . ( 192 ح ، 601 ) و قال ( ع ) و قد مرّ بقذر على مزبلة : هذا ما بخل به الباخلون ( و في رواية أخرى ) هذا ما كنتم تتنافسون فيه بالأمس . ( 195 ح ، 602 ) و من لهج قلبه بحبّ الدّنيا ألتاط قلبه ( أي التصق ) منها بثلاث : همّ لا يغبّه ، و حرص لا يتركه ، و أمل لا يدركه . ( 228 ح ، 607 ) بينكم و بين الموعظة حجاب من الغرّة ( أي الغرور بالدنيا ) . ( 282 ح ، 623 ) ما قال النّاس لشي‏ء « طوبى له » إلاّ و قد خبأ له الدّهر يوم سوء . ( 286 ح ، 624 ) النّاس أبناء الدّنيا ، و لا يلام الرّجل على حبّ أمّه . ( 303 ح ، 627 ) معاشر النّاس ، اتّقوا اللّه ، فكم من مؤمّل ما لا يبلغه ، و بان ما لا يسكنه ، و جامع ما سوف يتركه . . . ( 344 ح ، 635 ) و من أكثر من ذكر الموت رضي من الدّنيا باليسير . ( 349 ح ، 636 ) يا أسرى الرّغبة أقصروا ، فإنّ المعرّج على الدّنيا لا يروعه منها إلاّ صريف أنياب الحدثان ( أي صوت أسنان المصائب ) . ( 359 ح ، 637 ) يا أيّها النّاس ، متاع الدّنيا حطام موبى‏ء فتجنّبوا مرعاه قلعتها أحظى من طمأنينتها ،

و بلغتها أزكى من ثروتها . حكم على مكثر بالفاقة ، و أعين من غني عنها بالرّاحة .

و من راقه زبرجها أعقبت ناظريه كمها ، و من استشعر الشّغف بها ملأت ضميره أشجانا . لهنّ رقص على سويداء قلبه . همّ يشغله ، و همّ يحزنه . كذلك حتّى يؤخذ بكظمه فيلقى بالفضاء ( أي يموت ) منقطعا أبهراه ، هيّنا على اللّه فناؤه ، و على الإخوان إلقاؤه . و إنّما ينظر المؤمن إلى الدّنيا بعين الاعتبار ، و يقتات منها ببطن الاضطرار ،

[ 904 ]

و يسمع فيها بأذن المقت و الإبغاض . إن قيل أثرى قيل أكدى ( أي افتقر ) و إن فرح له بالبقاء حزن له بالفناء هذا و لم يأتهم يوم فيه يبلسون ( أي يتحيرون ، و هذا اليوم هو يوم القيامة ) . ( 367 ح ، 639 ) ربّ مستقبل يوما ليس بمستدبره ، و مغبوط في أوّل ليله ، قامت بواكيه في آخره .

( 380 ح ، 644 ) الرّكون إلى الدّنيا مع ما تعاين منها ، جهل . ( 384 ح ، 645 ) من هوان الدّنيا على اللّه أنّه لا يعصى إلاّ فيها ، و لا ينال ما عنده إلاّ بتركها .

( 385 ح ، 645 ) خذ من الدّنيا ما أتاك ، و تولّ عمّا تولّى عنك ، فإن أنت لم تفعل فأجمل في الطّلب .

( 393 ح ، 646 ) و الدّهر يومان : يوم لك و يوم عليك ، فإذا كان لك فلا تبطر ، و إذا كان عليك فاصبر .

( 396 ح ، 647 ) و قال ( ع ) في صفة الدنيا : تغرّ و تضرّ و تمرّ . إنّ اللّه تعالى لم يرضها ثوابا لأوليائه ،

و لا عقابا لأعدائه . و إنّ أهل الدّنيا كركب بينا هم حلّوا ، إذ صاح بهم سائقهم فارتحلوا . ( 415 ح ، 650 ) لا ينبغي للعبد أن يثق بخصلتين : العافية و الغنى . بينا تراه معافى إذ سقم ، و بينا تراه غنيّا إذ افتقر . ( 426 ح ، 653 ) ألا حرّ يدع هذه الّلماظة لأهلها ( اللماظة : بقية الطعام في الفم ، يريد بها الدنيا ) . ( الخطبة 456 ح ، 658 ) منهومان لا يشبعان : طالب علم و طالب دنيا . ( 457 ح ، 658 )

[ 905 ]