يراجع المبحث ( 130 ) إخبار الامام ( ع ) بالمغيبات .
يراجع المبحث ( 195 ) بنو أمية و فتنة بني أمية .
[ 484 ]
قال الامام علي ( ع ) :
عن حال الناس في الجاهلية : و النّاس في فتن انجذم ( أي انقطع ) فيها حبل الدّين ،
و تزعزعت سواري اليقين ، و اختلف النّجر ( أي أصول الحق ) ، و تشتّت الأمر ، و ضاق المخرج ، و عمي المصدر . فالهدى خامل ، و العمى شامل . عصي الرّحمن ، و نصر الشّيطان . و خذل الإيمان فانهارت دعائمه ، و تنكّرت معالمه ، و درست سبله ،
و عفت شركه . أطاعوا الشّيطان فسلكوا مسالكه ، و وردوا مناهله . بهم سارت أعلامه و قام لواؤه . في فتن داستهم بأخفافها ، و وطئتهم بأظلافها ، و قامت على سنابكها .
فهم فيها تائهون حائرون ، جاهلون مفتونون . في خير دار و شرّ جيران . نومهم سهود ،
و كحلهم دموع . بأرض عالمها ملجم ، و جاهلها مكرم . ( الخطبة 2 ، 36 ) و من خطبة له ( ع ) لما قبض رسول اللّه ( ص ) و خاطبه العباس و أبو سفيان في أن يبايعا له بالخلافة ، و ذلك بعد السقيفة : شقّوا أمواج الفتن بسفن النّجاة ، و عرّجوا عن طريق المنافرة ، و ضعوا تيجان المفاخرة . ( الخطبة 5 ، 47 ) ذمّتي بما أقول رهينة ، و أنا به زعيم . إنّ من صرّحت له العبر عمّا بين يديه من المثلات ( أي العقوبات ) ، حجزته التّقوى عن تقحّم الشّبهات . ألا و إنّ بليّتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم . و الّذي بعثه بالحقّ لتبلبلنّ بلبلة ، و لتغربلنّ غربلة ، و لتساطنّ سوط القدر ، حتّى يعود أسفلكم أعلاكم ،
و أعلاكم أسفلكم . و ليسبقنّ سابقون كانوا قصّروا ، و ليقصّرنّ سبّاقون كانوا سبقوا .
( الخطبة 16 ، 55 ) قال ( ع ) : إنّما بدء وقوع الفتن أهواء تتّبع ، و أحكام تبتدع . يخالف فيها كتاب اللّه ،
و يتولّى عليها رجال رجالا ( أي يستعين عليها رجال برجال ) ، على غير دين اللّه . فلو أنّ الباطل خلص من مزاج الحقّ لم يخف على المرتادين ( أي الطالبين للحقيقة ) .
و لو أنّ الحقّ خلص من لبس الباطل ، انقطعت عنه ألسن المعاندين . و لكن يؤخذ من
[ 485 ]
هذا ضغث ، و من هذا ضغث ، فيمزجان فهنالك يستولي الشّيطان على أوليائه ،
و ينجو الّذين سبقت لهم من اللّه الحسنى . ( الخطبة 50 ، 107 ) و لقد نزلت بكم البليّة جائلا خطامها ( الخطام يجعل في انف البعير لينقاد به ، و الكلام تصوير لانطلاق الفتنة ) ، رخوا بطانها . فلا يغرّنّكم ما أصبح فيه أهل الغرور ، فإنّما هو ظلّ ممدود ، إلى أجل معدود . ( الخطبة 87 ، 158 ) و قال ( ع ) عن فتنة بني أمية : أمّا بعد حمد اللّه ، و الثّناء عليه . أيّها النّاس ، فإنّي فقأت عين الفتنة . و لم يكن ليجتريء عليها أحد غيري ، بعد أن ماج غيهبها ، و اشتدّ كلبها . . . ( الخطبة 91 ، 183 ) إنّ الفتن إذا أقبلت شبّهت ، و إذا أدبرت نبّهت . ينكرن مقبلات ، و يعرفن مدبرات ، يحمن حوم الرّياح ، يصبن بلدا و يخطئن بلدا . ألا و إنّ أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أميّة « تراجع تتمة الكلام في المبحث ( 195 ) بنو أمية و فتنة بني أمية » . ( الخطبة 91 ، 184 ) و قال ( ع ) يتنبأ بمجيء عبد الملك بن مروان أحد ملوك بني أمية البارزين : أيّها النّاس ،
لا يجرمنّكم شقاقي ، و لا يستهوينّكم عصياني ، و لا تتراموا بالأبصار عند ما تسمعونه منّي . فو الّذي فلق الحبّة ، و برأ النّسمة ، إنّ الّذي أنبّئكم به عن النّبيّ الأمّيّ صلّى اللّه عليه و آله ما كذب المبلّغ ، و لا جهل السّامع . لكأني أنظر إلى ضلّيل قد نعق بالشّام ( يقصد به عبد الملك بن مروان ) ، و فحص براباته في ضواحى كوفان ( أي الكوفة ) . فإذا فغرت فاغرته ( أي انفتح فمه ) ، و اشتدّت شكيمته ، و ثقلت في الأرض وطأته ، عضّت الفتنة أبناءها بأنيابها ، و ماجت الحرب بأمواجها ، و بدا من الأيّام كلوحها ، و من اللّيالي كدوحها . فإذا أينع زرعه و قام على ينعه ، و هدرت شقاشقه و برقت بوارقه ، عقدت رايات الفتن المعضلة ، و أقبلن كاللّيل المظلم ، و البحر الملتطم . هذا ، و كم يخرق الكوفة من قاصف ، و يمرّ عليها من عاصف . و عن قليل تلتفّ القرون بالقرون ، و يحصد القائم ، و يحطم المحصود . ( الخطبة 99 ، 194 ) و قال ( ع ) عن حوادث البصرة المقبلة : فتن كقطع اللّيل المظلم ، لا تقوم لها قائمة
[ 486 ]
و لا تردّ لها راية . تأتيكم مزمومة مرحولة : يحفزها قائدها ، و يجهدها راكبها . أهلها قوم شديد كلبهم ، قليل سلبهم . يجاهدهم في سبيل اللّه قوم أذلة عند المتكبّرين . في الأرض مجهولون ، و في السّماء معروفون . فويل لك يا بصرة عند ذلك ، من جيش من نقم اللّه لا رهج له ( أي غبار ) و لا حسّ ( أي جلبة وضوضاء ) .
و سيبتلى أهلك بالموت الأحمر ، و الجوع الأغبر . ( الخطبة 100 ، 195 ) و قال ( ع ) عن فتنة بني أمية المقبلة : راية ضلال قد قامت على قطبها ، و تفرّقت بشعبها ،
تكيلكم بصاعها ، و تخبطكم بباعها ، قائدها خارج من الملّة ، قائم على الضّلّة . فلا يبقى يومئذ منكم إلاّ ثقالة كثفالة القدر ( الثفالة : ما يبقى في القدر من عكر ) ، أو نفاضة كنفاضة العكم ( ما يسقط من الكيس بالنفض ) . تعرككم عرك الأديم ( أي الجلد ) ، و تدوسكم دوس الحصيد . و تستخلص المؤمن من بينكم استخلاص الطّير الحبّة البطينة ( أي السمينة ) من بين هزيل الحبّ . . . فعند ذلك أخذ الباطل مآخذه ،
و ركب الجهل مراكبه . و عظمت الطّاغية ، و قلّت الدّاعية . و صال الدّهر صيال السّبع العقور ، و هدر فنيق ( أي فحل الابل ) البّاطل بعد كظوم ( أي سكون ) ، و تواخى النّاس على الفجور ، و تهاجروا على الدّين ، و تحابّوا على الكذب ، و تباغضوا على الصّدق .
فإذا كان ذلك كان الولد غيظا ( أي يغيظ والده لشبوبه على العقوق ) ، و المطر قيظا .
و تفيض اللّئام فيضا ، و تغيض الكرام غيضا ( أي تقل ) . و كان أهل ذلك الزّمان ذئابا ،
و سلاطينه سباعا . و أوساطه أكّالا ، و فقراؤه أمواتا . و غار الصّدق ، و فاض الكذب .
و استعملت المودّة باللّسان ، و تشاجر النّاس بالقلوب . و صار الفسوق نسبا ، و العفاف عجبا . و لبس الإسلام لبس الفرو مقلوبا . ( الخطبة 106 ، 206 ) و قال ( ع ) محذرا من الفتن المقبلة : ثمّ إنّكم معشر العرب أغراض بلايا قد اقتربت .
فاتّقوا سكرات النّعمة ، و احذروا بوائق النّقمة . و تثبّتوا في قتام ( أي غبار ) العشوة ( أي ركوب الامر على غير بيان ) ، و اعوجاج الفتنة عند طلوع جنينها ، و ظهور كمينها ،
و انتصاب قطبها و مدار رحاها . تبدأ في مدارج خفيّة ، و تؤول إلى فظاعة جليّة .
شبابها ( أي أولها ) كشباب الغلام ، و آثارها كآثار السّلام . يتوارثها الظّلمة بالعهود .
[ 487 ]
أوّلهم قائد لآخرهم ، و آخرهم مقتد بأوّلهم . يتنافسون في دنيا دنيّة ، و يتكالبون على جيفة مريحة . و عن قليل يتبرّأ التّابع من المتبوع ، و القائد من المقود . فيتزايلون بالبغضاء ، و يتلاعنون عند اللّقاء .
ثمّ يأتي بعد ذلك طالع الفتنة الرّجوف ، و القاصمة الزّحوف . فتزيغ قلوب بعد استقامة ، و تضلّ رجال بعد سلامة . و تختلف الأهواء عند هجومها ، و تلتبس الآراء عند نجومها ( أي ظهورها ) . من أشرف لها قصمته ، و من سعى فيها حطمته .
يتكادمون فيها تكادم ( أي يعض بعضهم بعضا ) الحمر في العانة ( أي جماعة حمر الوحش ) . قد اضطرب معقود الحبل ، و عمي وجه الأمر . تغيض فيها الحكمة ،
و تنطق فيها الظّلمة . و تدقّ أهل البدو بمسحلها ، و ترضّهم بكلكلها . يضيع في غبارها الوحدان ( أي المتفردون ) ، و يهلك في طريقها الرّكبان . ترد بمرّ القضاء و تحلب عبيط الدّماء . و تثلم منار الدّين ، و تنقض عقد اليقين . يهرب منها الأكياس ( أي العاقلون ) ، و يدبّرها الأرجاس . مرعاد مبراق ، كاشفة عن ساق . تقطع فيها الأرحام ،
و يفارق عليها الإسلام . بريّها سقيم ، و ظاعنها مقيم .
( منها ) بين قتيل مطلول ، و خائف مستجير . يختلون بعقد الأيمان ، و بغرور الإيمان .
فلا تكونوا أنصاب الفتن ، و أعلام البدع . و الزموا ما عقد عليه حبل الجماعة ، و بنيت عليه أركان الطّاعة . و أقدموا على اللّه مظلومين ، و لا تقدموا عليه ظالمين . و اتّقوا مدارج الشّيطان ، و مهابط العدوان . و لا تدخلوا بطونكم لعق الحرام . فإنّكم بعين من حرّم عليكم المعصية و سهّل لكم سبل الطّاعة ( أي أن اللّه سبحانه يراكم دائما ) ( الخطبة 149 ، 264 ) قد خاضوا بحار الفتن ، و أخذوا بالبدع دون السّنن . و أرز ( أي ثبت ) المؤمنون ، و نطق الضّالّون المكذّبون . ( الخطبة 152 ، 270 ) و قام الى الامام ( ع ) رجل فقال : يا أمير المؤمنين أخبرنا عن الفتنة ، و هل سألت رسول اللّه ( ص ) عنها ، فقال ( ع ) :
إنّه لمّا أنزل اللّه سبحانه قوله ألم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لاَ يُفْتَنُونَ
[ 488 ]
علمت أنّ الفتنة لا تنزل بنا و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بين أظهرنا . فقلت :
يا رسول اللّه ، ما هذه الفتنة الّتي أخبرك اللّه تعالى بها ؟ فقال : « يا عليّ إنّ أمّتي سيفتنون من بعدي » . فقلت : يا رسول اللّه ، أو ليس قد قلت لي يوم أحد حيث استشهد من استشهد من المسلمين ، و حيزت عنّي الشّهادة ، فشقّ ذلك عليّ . فقلت لي : « أبشر فإنّ الشّهادة من ورائك » فقال لي « إنّ ذلك لكذلك ، فكيف صبرك إذن ؟ » . فقلت : يا رسول اللّه ، ليس هذا من مواطن الصّبر ، و لكن من مواطن البشرى و الشّكر . و قال : « يا عليّ إنّ القوم سيفتنون بأموالهم ، و يمنّون بدينهم على ربّهم ،
و يتمنّون رحمته ، و يأمنون سطوته . و يستحلّون حرامه بالشّبهات الكاذبة و الأهواء السّاهية . فيستحلّون الخمر بالنّبيذ ، و السّحت بالهديّة ، و الرّبا بالبيع » . قلت :
يا رسول اللّه ، فبأيّ المنازل أنزلهم عند ذلك ؟ أبمنزلة ردّة ، أم بمنزلة فتنة ؟
فقال : « بمنزلة فتنة » . ( الخطبة 154 ، 275 ) . . . ألا فتوقّعوا ما يكون من إدبار أموركم ، و انقطاع وصلكم ، و استعمال صغاركم . ذاك حيث تكون ضربة السّيف على المؤمن أهون من الدّرهم من حلّه ( لاختلاط المكاسب بالحرام ) . ذاك حيث يكون المعطى ( أي الفقير ) أعظم أجرا من المعطي ( أي الغني المترف ) . ذاك حيث تسكرون من غير شراب . بل من النّعمة و النّعيم .
و تحلفون من غير اضطرار ، و تكذبون من غير إحراج . ذاك إذا عضّكم البلاء كما يعضّ القتب غارب البعير ( القتب : كساء يوضع على ظهر البعير ، و الغارب : ما بين العنق و السنام ) . ما أطول هذا العناء و أبعد هذا الرّجاء .
أيّها النّاس ، ألقوا هذه الأزمّة الّتي تحمل ظهورها الأثقال من أيديكم ، و لا تصدّعوا على سلطانكم فتذمّوا غبّ فعالكم . و لا تقتحموا ما استقبلتم من فور نار الفتنة ( أي ارتفاع لهبها ) . و أميطوا عن سننها ( أي تنحوا عن طريقها ) ، و خلّوا قصد السّبيل لها . فقد لعمري يهلك في لهبها المؤمن ، و يسلم فيها غير المسلم . ( الخطبة 185 ، 346 ) و من كلام له ( ع ) الى أهل الكوفة :
[ 489 ]
و اعلموا أنّ دار الهجرة قد قلعت بأهلها و قلعوا بها ، و جاشت جيش ( أي غليان ) المرجل . و قامت الفتنة على القطب ( يقصد به الامام نفسه ( ع ) قامت عليه فتنة اصحاب الجمل ) . فأسرعوا إلى أميركم ، و بادروا جهاد عدوّكم . إن شاء اللّه عزّ و جلّ . ( الخطبة 240 ، 442 ) و قال ( ع ) : لو قد استوت قدماي من هذه المداحض ( أي لو استتب الامر لي من هذه الفتن ) لغيّرت أشياء . ( 272 ح ، 621 )