قال الإمام علي ( ع ) :
إلى أن بعث اللّه سبحانه محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لإنجاز عدته ( الضمير راجع للّه تعالى ، و المراد : وعد اللّه بإرسال النبي ( ص ) على لسان الأنبياء السابقين ) ، و تمام نبوّته . مأخوذا على النّبيّين ميثاقه ، مشهورة سماته ، كريما ميلاده .
و أهل الأرض يومئذ ملل متفرّقة ، و أهواء منتشرة ، و طرائق مشتّتة . بين مشبّه للّه بخلقه ،
أو ملحد في اسمه ، أو مشير إلى غيره . فهداهم به من الضّلالة ، و أنقذهم بمكانه من الجهالة . ثمّ اختار سبحانه لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لقاءه . و رضي له ما عنده ، و أكرمه عن دار الدّنيا ، و رغب به عن مقام البلوى ، فقبضه إليه كريما صلّى اللّه عليه و آله ، و خلّف فيكم ما خلّفت الأنبياء في أممها ، إذ لم يتركوهم هملا ، بغير طريق واضح و لا علم قائم . ( الخطبة 1 ، 32 ) و قال ( ع ) عن بعثة النبي ( ص ) و أحوال الجاهلية قبله : و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله ،
[ 193 ]
أرسله بالدّين المشهور ، و العلم المأثور ، و الكتاب المسطور ، و النّور السّاطع ، و الضّياء اللاّمع ، و الأمر الصّادع . إزاحة للشّبهات ، و احتجاجا بالبيّنات ، و تحذيرا بالآيات ،
و تخويفا بالمثلات و النّاس في فتن انجذم فيها حبل الدّين ، و تزعزعت سواري اليقين ، و اختلف النّجر ( أي الأصل ) ، و تشتّت الأمر ، و ضاق المخرج ، و عمي المصدر . فالهدى خامل ، و العمى شامل . عصي الرّحمن ، و نصر الشّيطان . و خذل الإيمان فانهارت دعائمه ، و تنكّرت معالمه ، و درست سبله ، و عفت شركه . أطاعوا الشّيطان فسلكوا مسالكه ، و وردوا مناهله . بهم سارت أعلامه و قام لواؤه . في فتن داستهم بأخفافها ، و وطئتهم بأظلافها ، و قامت على سنابكها . فهم فيها تائهون حائرون ، جاهلون مفتونون . في خير دار و شرّ جيران . نومهم سهود ، و كحلهم دموع .
بأرض عالمها ملجم ، و جاهلها مكرم . ( الخطبة 2 ، 36 ) إنّ اللّه بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نذيرا للعالمين ، و أمينا على التّنزيل ،
و أنتم معشر العرب على شرّ دين ، و في شرّ دار ، منيخون بين حجارة خشن ، و حيّات صمّ . تشربون الكدر ، و تأكلون الجشب ، و تسفكون دماءكم ، و تقطعون أرحامكم .
الأصنام فيكم منصوبة ، و الآثام بكم معصوبة . ( الخطبة 26 ، 73 ) إنّ اللّه بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و ليس أحد من العرب يقرأ كتابا ، و لا يدّعي نبوّة ، فساق النّاس حتّى بوّأهم محلّتهم ، و بلّغهم منجاتهم . فاستقامت قناتهم ،
و اطمأنّت صفاتهم . ( الخطبة 33 ، 89 ) و أشهد أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله عبده و رسوله ، أرسله لإنفاذ أمره ، و إنهاء عذره ،
و تقديم نذره . ( الخطبة 81 ، 1 ، 136 ) أرسله على حين فترة من الرّسل ، و طول هجعة من الأمم ، و اعتزام من الفتن ، و انتشار من الأمور ، و تلظّ من الحروب . و الدّنيا كاسفة النّور ، ظاهره الغرور . على حين اصفرار من ورقها ، و أياس من ثمرها ، و اغورار من مائها . قد درست منار الهدى ، و ظهرت أعلام الرّدى ، فهي متجهّمة لأهلها ، عابسة في وجه طالبها . ثمرها الفتنة ، و طعامها الجيفة ،
و شعارها الخوف ، و دثارها السّيف . ( الخطبة 87 ، 157 )
[ 194 ]
و قال ( ع ) عن بعثة النبي ( ص ) : بعثه و النّاس ضلاّل في حيرة ، و خابطون في فتنة .
قد استهوتهم الأهواء ، و استزلّتهم الكبرياء ، و استخفّتهم الجاهليّة الجهلاء . حيارى في زلزال من الأمر و بلاء من الجهل . فبالغ صلّى اللّه عليه و آله في النّصيحة ،
و مضى على الطّريقة ، و دعا إلى الحكمة و الموعظة الحسنة . ( الخطبة ، 93 ، 187 ) أمّا بعد ، فإنّ اللّه سبحانه بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و ليس أحد من العرب يقرأ كتابا ، و لا يدّعي نبوّة و لا وحيا . . . ( الخطبة 102 ، 198 ) حتّى بعث اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه و آله شهيدا و بشيرا و نذيرا . خير البريّة طفلا ،
و أنجبها كهلا ، و أطهر المطهّرين شيمة ، و أجود المستمطرين ديمة . ( الخطبة 103 ، 199 ) أرسله على حين فترة من الرّسل ، و تنازع من الألسن . فقفّى به الرّسل ، و ختم به الوحي ، فجاهد في اللّه المدبرين عنه ، و العادلين به . ( الخطبة 131 ، 245 ) فبعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله بالحقّ ليخرج عبادة من عبادة الأوثان إلى عبادته ،
و من طاعة الشّيطان إلى طاعته ، بقرآن قد بيّنه و أحكمه . ليعلم العباد ربّهم إذ جهلوه ،
و ليقرّوا به بعد إذ جحدوه ، و ليثبتوه بعد إذ أنكروه . . . ( الخطبة 145 ، 258 ) و قال ( ع ) عن الجاهلية و أهلها : و طال الأمد بهم ليستكملوا الخزي و يستوجبوا الغير .
حتّى إذا اخلولق الأجل ، و استراح قوم إلى الفتن ، و أشالوا عن لقاح حربهم ، لم يمنّوا على اللّه بالصّبر ، و لم يستعظموا بذل أنفسهم في الحقّ . حتّى إذا وافق وارد القضاء انقطاع مدّة البلاء ، حملوا بصائرهم على أسيافهم ( أي شهروا عقيدتهم داعين اليها غيرهم ) و دانوا لربّهم بأمر واعظهم . حتّى إذا قبض اللّه رسوله صلّى اللّه عليه و آله ،
رجع قوم على الأعقاب ، و غالتهم السّبل ، و اتّكلوا على الولائج ( أي دخائل المكر و الخديعة ) و وصلوا غير الرّحم ، و هجروا السّبب الّذي أمروا بمودّته ، و نقلوا البناء عن رصّ أساسه ، فبنوه في غير موضعه . معادن كلّ خطيئة ، و أبواب كلّ ضارب في غمرة .
قد ماروا في الحيرة ، و ذهلوا في السّكرة ، على سنّة من آل فرعون . من منقطع إلى الدّنيا راكن ، أو مفارق للدّين مباين . ( الخطبة 148 ، 263 ) و أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله ، و نجيبه و صفوته . لا يؤازى فضله
[ 195 ]
و لا يجبر فقده . أضاءت به البلاد بعد الضّلالة المظلمة ، و الجهالة الغالبة ، و الجفوة الجافية . و النّاس يستحلّون الحريم و يستذلّون الحكيم . يحيون على فترة ، و يموتون على كفرة . ( الخطبة 149 ، 264 ) أرسله على حين فترة من الرّسل ، و طول هجعة من الأمم ، و انتقاض من المبرم .
فجاءهم بتصديق الّذي بين يديه ، و النّور المقتدى به . ذلك القرآن . . . ( الخطبة 156 ، 278 ) أرسله بحجّة كافية ، و موعظة شافية ، و دعوة متلافية . أظهر به الشّرائع المجهولة ، و قمع به البدع المدخولة ، و بيّن به الأحكام المفصولة . ( الخطبة 159 ، 286 ) و لا تكونوا كجفاة الجاهليّة : لا في الدّين يتفقّهون ، و لا عن اللّه يعقلون . كقيض بيض في أداح ( القيض : القشرة اليابسة للبيضة . و الأداح : جمع ادحيّ ، و هو المكان الذي تدحوه النعامة برجلها لتبيض فيه . و بيض النعام إذا مرّ به شخص ظنّه بيض القطا أو غيره ، فلا يكسره ، فاذا فقس أنتج نتاجا كلّه شر ) ، يكون كسرها وزرا ، و يخرج حضانها شرّا . ( الخطبة 164 ، 299 ) إنّ اللّه بعث رسولا هاديا ، بكتاب ناطق و أمر قائم ، لا يهلك عنه إلاّ هالك . ( الخطبة 167 ، 303 ) و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله الصّفيّ ، و أمينه الرّضيّ صلّى اللّه عليه و آله أرسله بوجوب الحجج ، و ظهور الفلج ، و إيضاح المنهج . فبلّغ الرّسالة صادعا بها ، و حمل على المحجّة دالا عليها . و أقام أعلام الإهتداء و منار الضّياء . و جعل أمراس الإسلام متينة و عرى الإيمان وثيقة . ( الخطبة 183 ، 334 ) و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله . ابتعثه و النّاس يضربون في غمرة ( يقصد غمرة الجهل أو الفتن ) و يموجون في حيرة . قد قادتهم أزمّة الحين ( أي الهلاك ) ، و استغلقت على أفئدتهم أقفال الرّين ( أي حجاب الضلال ) . ( الخطبة 189 ، 353 ) و قال ( ع ) يصف حال الجاهلية : فالأحوال مضطربة و الأيدي مختلفة و الكثرة متفرّقة .
في بلاء أزل ( أي شدة ) ، و أطباق جهل من بنات موؤودة و أصنام معبودة ، و أرحام مقطوعة ، و غارات مشنونة . ( الخطبة 190 ، 3 ، 370 )
[ 196 ]
فانظروا إلى مواقع نعم اللّه عليهم حين بعث إليهم رسولا . فعقد بملّته طاعتهم ، و جمع على دعوته ألفتهم . كيف نشرت النّعمة عليهم جناح كرامتها ، و أسالت لهم جداول نعيمها ، و التفّت الملّة بهم في عوائد بركتها . فأصبحوا في نعمتها غرقين ، و في خضرة عيشها فكهين . قد تربّعت الأمور بهم ، في ظلّ سلطان قاهر ، و آوتهم الحال إلى كنف عزّ غالب . و تعطّفت الأمور عليهم في ذرى ملك ثابت . فهم حكّام على العالمين ،
و ملوك في أطراف الأرضين . يملكون الأمور على من كان يملكها عليهم . و يمضون الأحكام فيمن كان يمضيها فيهم . لا تغمز لهم قناة ، و لا تقرع لهم صفاة ( و هي الحجر الصلد ) ألا و إنّكم قد نفضتم أيديكم من حبل الطّاعة ، و ثلمتم حصن اللّه المضروب عليكم بأحكام الجاهليّة . ( الخطبة 190 ، 4 ، 371 ) و نشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله . خاض إلى رضوان اللّه كلّ غمرة ، و تجرّع فيه كلّ غصّة . و قد تلوّن له الأدنون ، و تألّب عليه الأقصون . و خلعت إليه العرب أعنّتها ،
و ضربت إلى محاربته بطون رواحلها ، حتّى أنزلت بساحته عداوتها . من أبعد الدّار و أسحق ( أي أقصى ) المزار . ( الخطبة 192 ، 380 ) و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله ، أرسله و أعلام الهدى دارسة ، و مناهج الدّين طامسة .
فصدع بالحقّ و نصح للخلق . و هدى إلى الرّشد و أمر بالقصد ، صلّى اللّه عليه و آله و سلّم . ( الخطبة 193 ، 383 ) بعثه حين لا علم قائم ، و لا منار ساطع ، و لا منهج واضح . ( الخطبة 194 ، 385 ) ثمّ إنّ اللّه سبحانه بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله بالحقّ ، حين دنا من الدّنيا الإنقطاع ، و أقبل من الآخرة الإطّلاع . و أظلمت بهجتها بعد إشراق ، و قامت بأهلها على ساق . و خشن منها مهاد ، و أزف منها قياد . في انقطاع من مدّتها ، و اقتراب من أشراطها . و تصرّم من أهلها ، و انفصام من حلقتها . و انتشار من سببها ، و عفاء من أعلامها . و تكشّف من عوراتها ، و قصر من طولها .
جعله اللّه بلاغا لرسالته ، و كرامة لأمّته . و ربيعا لأهل زمانه . و رفعة لأعوانه ، و شرفا لأنصاره . ( الخطبة 196 ، 390 )
[ 197 ]
فصدع بما أمر به ، و بلّغ رسالات ربّه . فلمّ اللّه به الصّدع ، و رتق به الفتق ، و ألّف به الشّمل بين ذوي الأرحام ، بعد العداوة الواغرة في الصّدور ، و الضّغائن القادحة في القلوب . ( الخطبة 229 ، 433 ) أمّا بعد ، فإنّ اللّه سبحانه بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نذيرا للعالمين ،
و مهيمنا على المرسلين . ( الخطبة 301 ، 547 )