قال الامام علي ( ع ) : « القضاء و القدر ، طريق مظلم فلا تسلكوه ، و بحر عميق فلا تلجوه ،
و سرّ اللّه فلا تتكلّفوه » .
القضاء و القدر : نعتقد بوجوب الرضا بقضاء اللّه و قدره ، لأنه لا يقضي إلاّ بالحق ، و لا يقدر إلاّ ما كان صوابا ، و لا يفعل إلاّ ما كان عدلا و حكمة ، مصداقا لقوله تعالى : وَ اللّهُ يَقْضِي بِالحَقِّ .
و للقضاء و القدر في اللغة معان مختلفة . فيطلق القضاء على الخلق و الإتمام ، و على الحكم و الايجاب ، و على الاعلام و الاخبار . بينما يطلق القدر على البيان ، و على الكتابة و الاخبار ،
و على تحديد مقادير الأشياء .
فاذا تعلق القضاء و القدر بذوات الأشياء كان المراد بهما خلق الأشياء .
أمّا بالنسبة لأفعال العباد ، فاذا كان المراد بالقضاء و القدر أن اللّه قد بيّنها و كتبها و أعلم أنّهم سيفعلونها ، فهو صحيح ، لأنّه تعالى قد كتب ذلك أجمع في اللوح المحفوظ ، و بيّنه للملائكة . و هذا المعنى هو المتعين للاجماع ، على وجوب الرضا بقضاء اللّه و قدره . و إن كان المراد بهما أن اللّه قد خلق أفعال العباد و أوجدها فهو باطل ، لأنّه يستلزم القول بالجبر .
و لو كان الأمر كذلك لبطل الثواب و العقاب ، و الأمر و النهي ، و لسقط معنى الوعد و الوعيد ،
و لم تكن على المسيء لائمة ، و لا لمحسن محمدة ، و هذا يتنافى مع التكليف و الاختبار ، المبني على الارادة و الاختبار .
الانسان مخير أم مسير : سئل الامام علي الرضا ( ع ) ما معنى قول جدّك الإمام جعفر
[ 176 ]
الصادق ( ع ) : لا جبر و لا تفويض و لكن أمر بين أمرين ؟ فقال ( ع ) من زعم أن اللّه يفعل أفعالنا ثمّ يعذبنا عليها ، فقد قال بالجبر . و من زعم أنّ اللّه عزّ و جلّ فوّض أمر الخلق و الرزق الى خلقه فقد قال بالتفويض . و القائل بالجبر كافر ، و القائل بالتفويض مشرك .
و ان قول الإمام الصادق ( ع ) : و لكن أمر بين أمرين ، يعني أن أفعالنا من جهة هي أفعالنا حقيقة و نحن أسبابها الطبيعية ، و هي تحت قدرتنا و اختيارنا ، و من جهة أخرى هي مقدورة للّه تعالى و داخلة في سلطانه لانه هو مفيض الوجود و معطيه . فلم يجبرنا على أفعالنا حتى يكون قد ظلمنا في عقابنا على المعاصي ، لأنّ لنا القدرة و الاختيار فيما نفعل ، و لم يفوض الينا خلق أفعالنا حتى يكون قد أخرجها عن سلطانه . بل له الخلق و الحكم و الأمر ، و هو قادر على كلّ شيء و محيط بالعباد .
و في الحقيقية انّ الانسان مسير في بعض الأمور كتقدير الحياة و الرزق و المرض و الموت ،
فهو لا يحاسب على هذه الأشياء . و هو مخير في الأمور الأخرى التي يفعلها باختيار كالصلاة و التصدّق و بر الوالدين ، و هي الأعمال التي يحاسب عليها . و من المحال على اللّه تعالى و هو ربّ العدل و الرحمة أن يحاسب عبدا على عمل قد سلبه حقّ الاختيار فيه .
علم اللّه تعالى لا ينفي الاختيار : أمّا علم اللّه تعالى ، فهو محيط بكل الأشياء و الأفعال ، قبل أن توجد الأشياء و تحدث الأفعال . و لكن علمه بأفعالنا لا يستلزم أن تكون هذه الأفعال جبرية ، بل تبقى اختيارية . فالانسان يختار الطريق التي يريدها بملء اختياره و ارادته ،
و اللّه يعلم ما سيفعله باختياره ، فعلمه تعالى مستقل عن فعل الانسان ، يلازمه و لا يلزمه .
إذن فعلم اللّه تعالى لا ينفى اختيار الانسان .