النصوص :

قال الامام علي ( ع ) :

في آخر الخطبة الشقشقية : و لألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز . ( الخطبة 3 ، 44 ) و قال ( ع ) عن أصناف طالبي الامارة و السلطان : و منهم من أبعده عن طلب الملك ضؤولة نفسه ، و انقطاع سببه ، فقصرته الحال على حاله ، فتحلّى باسم القناعة ، و تزيّن بلباس أهل الزّهادة ، و ليس من ذلك في مراح و لا مغدى . ( الخطبة 32 ، 86 ) و قال ( ع ) عن أنه مهما عمل الانسان فهو قليل في جنب اللّه : فو اللّه لو حننتم حنين الولّه العجال ، و دعوتم بهديل الحمام ، و جأرتم جؤار متبتّلي الرّهبان ، و خرجتم إلى اللّه من الأموال و الأولاد ، التماس القربة إليه ، في ارتفاع درجة عنده ، أو غفران سيّئة أحصتها كتبه ، و حفظتها رسله ، لكان قليلا فيما أرجو لكم من ثوابه ، و أخاف عليكم من عقابه . ( الخطبة 52 ، 109 ) التماسا لأجر ذلك و فضله ، و زهدا فيما تنافستموه من زخرفه و زبرجه . ( الخطبة 72 ، 129 ) أيّها النّاس ، الزّهادة قصر الأمل ، و الشّكر عند النّعم ، و التّورّع عند المحارم . فإن عزب ذلك عنكم ، فلا يغلب الحرام صبركم ، و لا تنسوا عند النّعم شكركم . ( الخطبة 79 ، 134 ) أيّها النّاس ، انظروا إلى الدّنيا نظر الزّاهدين فيها ، الصّادفين عنها . فإنّها و اللّه عمّا قليل تزيل الثّاوي السّاكن ، و تفجع المترف الآمن . ( الخطبة 101 ، 196 ) و قال ( ع ) في صفة المحتضر : و يزهد فيما كان يرغب فيه أيّام عمره ، و يتمنّى أنّ الّذي كان يغبطه بها و يحسده عليها ، قد حازها دونه . ( الخطبة 107 ، 211 ) و أسمعوا دعوة الموت آذانكم قبل أن يدعى بكم . إنّ الزّاهدين في الدّنيا تبكي قلوبهم و إن ضحكوا ، و يشتدّ حزنهم و إن فرحوا ، و يكثر مقتهم أنفسهم و إن اغتبطوا بما رزقوا .

( الخطبة 111 ، 218 )

[ 873 ]

و لقد كان في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كاف لك في الأسوة . و دليل لك على ذمّ الدّنيا و عيبها ، و كثرة مخازيها و مساويها ، إذ قبضت عنه اطرافها ، و وطّئت لغيره اكنافها ( أي جوانبها ) و فطم عن رضاعها ، و زوي عن زخارفها . ( الخطبة 158 ، 282 ) ثمّ يقول ( ع ) : و إن شئت ثنّيت بموسى كليم اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم حيث يقول :

« ربّ إنّي لما أنزلت إليّ من خير فقير » و اللّه ما سأله إلاّ خبزا يأكله ، لأنّه كان يأكل بقلة الأرض . و لقد كانت خضرة البقل ترى من شفيف صفاق بطنه لهزاله و تشذّب لحمه .

و إن شئت ثلّثت بداود صلّى اللّه عليه و سلّم صاحب المزامير و قارى‏ء أهل الجنّة ،

فلقد كان يعمل سفائف الخوص بيده ، و يقول لجلسائه : أيّكم يكفيني بيعها ، و يأكل قرص الشّعير من ثمنها . ( الخطبة 158 ، 282 ) ثم يقول ( ع ) : و إن شئت قلت في عيسى بن مريم عليه السّلام ، فلقد كان يتوسّد الحجر ،

و يلبس الخشن ، و يأكل الجشب . و كان إدامه الجوع ، و سراجه باللّيل القمر ، و ظلاله في الشّتاء مشارق الأرض و مغاربها ، و فاكهته و ريحانه ما تنبت الأرض للبهائم .

و لم تكن له زوجة تفتنه ، و لا ولد يحزنه ، و لا مال يلفته ، و لا طمع يذلّه . دابّته رجلاه ،

و خادمه يداه . فتأسّ بنبيّك الأطيب الأطهر صلّى اللّه عليه و آله فإنّ فيه أسوة لمن تأسّى ، و عزاء لمن تعزّى . و احبّ العباد إلى اللّه المتأسّي بنبيّه ، و المقتصّ لأثره .

قضم الدّنيا قضما ، و لم يعرها طرفا . أهضم أهل الدّنيا كشحا ، و أخمصهم من الدّنيا بطنا . عرضت عليه الدّنيا فأبى أن يقبلها . و علم أنّ اللّه سبحانه أبغض شيئا فأبغضه ،

و حقر شيئا فحقّره ، و صغّر شيئا فصغّره . و لو لم يكن فينا إلاّ حبّنا ما أبغض اللّه و رسوله ،

و تعظيمنا ما صغّر اللّه و رسوله ، لكفى به شقاقا للّه ، و محادّة عن أمر اللّه . ( الخطبة 158 ، 283 ) و لقد كان صلّى اللّه عليه و آله يأكل على الأرض ، و يجلس جلسة العبد ، و يخصف بيده نعله ، و يرقع بيده ثوبه ، و يركب الحمار العاري ، و يردف خلفه ، و يكون السّتر على باب بيته ، فتكون فيه التّصاوير ، فيقول : يا فلانة لإحدى أزواجه غيّبيه عنّي فإنّي إذا نظرت إليه ذكرت الدّنيا و زخارفها . فأعرض عن الدّنيا بقلبه ، و أمات ذكرها

[ 874 ]

من نفسه ، و أحبّ أن تغيب زينتها عن عينه ، لكيلا يتّخذ منها رياشا ، و لا يعتقدها قرارا ،

و لا يرجو فيها مقاما . فأخرجها من النّفس ، و أشخصها عن القلب ، و غيّبها عن البصر .

و كذلك من أبغض شيئا أبغض أن ينظر إليه ، و أن يذكر عنده .

و لقد كان في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما يدلّك على مساوى‏ء الدّنيا و عيوبها . إذ جاع فيها مع خاصّته ( أي مع تفضله عند ربّه ) ، و زويت عنه زخارفها مع عظيم زلفته . فلينظر ناظر بعقله ، أكرم اللّه محمّدا بذلك أم أهانه ؟ فإن قال : أهانه ،

فقد كذب و اللّه العظيم بالإفك العظيم . و إن قال : أكرمه فليعلم أنّ اللّه قد أهان غيره حيث بسط الدّنيا له ، و زواها عن أقرب النّاس منه . فتأسّى متأسّ بنبيّه ، و اقتصّ أثره ،

و ولج مولجه ، و إلاّ فلا يأمن الهلكة . فإنّ اللّه جعل محمّدا صلّى اللّه عليه و آله علما للسّاعة ( أي دليلا على اقتراب الساعة ) و مبشّرا بالجنّة ، و منذرا بالعقوبة . خرج من الدّنيا خميصا ، و ورد الآخرة سليما . لم يضع حجرا على حجر ، حتّى مضى لسبيله ،

و أجاب داعي ربّه . فما أعظم منّة اللّه عندنا حين أنعم علينا به ، سلفا نتّبعه ، و قائدا نطأ عقبه . و اللّه لقد رقّعت مدرعتي هذه حتّى استحييت من راقعها . و لقد قال لي قائل :

ألا تنبذها عنك ؟ فقلت : اعزب عنّي ، فعند الصّباح يحمد القوم السّرى ( هذا المثل معناه : اذا أصبح النائمون و قد رأوا أن الذين كانوا يسيرون ليلا قد وصلوا الى مقاصدهم ،

أدركوا فضل سيرهم و ندموا على نومهم ) . ( الخطبة 158 ، 284 ) و قال ( ع ) في صفة المتقي : بعده عمّن تباعد عنه زهد و نزاهة ، و دنوّه ممّن دنا منه لين و رحمة . ( الخطبة 191 ، 380 ) و من كلام له ( ع ) بالبصرة ، و قد دخل على العلاء بن زياد الحارثي يعوده ، فلما رأى سعة داره قال : ما كنت تصنع بسعة هذه الدّار في الدّنيا ؟ و أنت إليها في الآخرة كنت أحوج ؟ . و بلى إن شئت بلغت بها الآخرة : تقري فيها الضّيف ، و تصل فيها الرّحم ،

و تطلع منها الحقوق مطالعها ، فإذا أنت قد بلغت بها الآخرة .

فقال له العلاء : يا أمير المؤمنين ، أشكو اليك أخي عاصم ابن زياد . قال : و ما له ؟ قال :

لبس العباءة و تخلى عن الدنيا . قال : عليّ به . فلما جاء قال :

[ 875 ]

يا عديّ نفسه لقد استهام بك الخبيث أما رحمت أهلك و ولدك أترى اللّه أحلّ لك الطّيّبات ، و هو يكره أن تأخذها أنت أهون على اللّه من ذلك .

قال : يا أمير المؤمنين ، هذا أنت في خشونة ملبسك و جشوبة مأكلك قال : ويحك ، إنّي لست كأنت . إنّ اللّه تعالى فرض على أئمّة العدل أن يقدّروا أنفسهم بضعفة النّاس ،

كيلا يتبيّغ بالفقير فقره . ( الخطبة 207 ، 400 ) ( منها في صفة الزهاد ) : كانوا قوما من أهل الدّنيا و ليسوا من أهلها ، فكانوا فيها كمن ليس منها . عملوا فيها بما يبصرون ، و بادروا فيها ما يحذرون . تقلّب أبدانهم بين ظهراني أهل الآخرة ، و يرون أهل الدّنيا يعظّمون موت أجسادهم ، و هم أشدّ إعظاما لموت قلوب أحيائهم . ( الخطبة 228 ، 433 ) أصابوا لذّة زهد الدّنيا في دنياهم ، و تيقّنوا أنّهم جيران اللّه غدا في آخرتهم . ( الخطبة 266 ، 465 ) أحي قلبك بالموعظة ، و أمته بالزّهادة . ( الخطبة 270 ، 1 ، 475 ) من كتاب له ( ع ) الى عثمان بن حنيف عامله على البصرة : ألا و إنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ، و من طعمه بقرصيه . . . فو اللّه ما كنزت من دنياكم تبرا ، و لا ادّخرت من غنائمها وفرا ، و لا أعددت لبالي ثوبي طمرا . . ( الخطبة 284 ، 505 ) « تراجع بقية الكتاب في المبحث ( 131 ) زهد الامام ( ع ) » .

و الزّهد ثروة . ( 3 ح ، 565 ) أفضل الزّهد إخفاء الزّهد . ( 27 ح ، 569 ) و سئل ( ع ) عن الايمان فقال : الإيمان على أربع دعائم : على الصّبر و اليقين و العدل و الجهاد . و الصّبر منها على أربع شعب : على الشّوق و الشّفق و الزّهد و التّرقّب . . . و من زهد في الدّنيا استهان بالمصيبات ، و من ارتقب الموت سارع إلى الخيرات .

( 30 ح ، 569 ) و عن نوف البكالي ، قال : رأيت أمير المؤمنين عليه السلام ، ذات ليلة ، و قد خرج من فراشه ، فنظر في النجوم فقال لي : يا نوف ، أراقد أنت أم رامق ؟ ( أي منتبه العين ) .

[ 876 ]

فقلت : بل رامق . قال : يا نوف ، طوبى للزّاهدين في الدّنيا الرّاغبين في الآخرة ،

أولئك قوم اتّخذوا الأرض بساطا ، و ترابها فراشا ، و ماءها طيبا ، و القرآن شعارا ( الشعار :

ما يلي البدن من الثياب أي يقرؤون القرآن للتفكر و الاتعاظ ) ، و الدّعاء دثارا . ثمّ قرضوا الدّنيا قرضا على منهاج المسيح ( أي مزّقوا الدنيا على طريقة المسيح في العبادة ) . ( 104 ح ، 583 ) و لا زهد كالزّهد في الحرام . ( 113 ح ، 586 ) يقول في الدّنيا بقول الزّاهدين ، و يعمل فيها بعمل الرّاغبين . ( 150 ح ، 596 ) و اللّه لدنياكم هذه أهون في عيني من عراق خنزير ( هو جزء من الحشا كالكرش ) في يد مجذوم . ( 236 ح ، 609 ) إذا كثرت المقدرة قلّت الشّهوة ( بمعنى من ملك زهد ) . ( 245 ح ، 610 ) و إنّما ينظر المؤمن إلى الدّنيا بعين الإعتبار ، و يقتات منها ببطن الإضطرار .

( 367 ح ، 639 ) ازهد في الدّنيا ، يبصّرك اللّه عوراتها . و لا تغفل فلست بمغفول عنك . ( 391 ح ، 646 ) الزّهد كلّه بين كلمتين من القرآن : قال اللّه سبحانه : لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلى‏ مَا فَاتَكُمْ ،

وَ لاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ و من لم يأس على الماضي و لم يفرح بالآتي فقد أخذ الزّهد بطرفيه .

( 439 ح ، 655 )