مدخل :

لحياة الانسان جانبان : جانب مادي و جانب روحي ، و الجانب المادي هو « الحياة الدنيا » . و الدنيا شأن جميع الأشياء المادية ، و إن أعجبتنا بمظاهرها الخلاّبة ، فانّ نهايتها الى الفناء و الزوال . و ما أشبه هذه الدنيا بالنبات و حبّاته ، فاذا نزل عليها المطر و اختلط بترابها ،

نمت و كبرت و ازدهت و ازدهرت ، بأصناف الألوان و الأزهار ، و الاكمام و الثمار . ثمّ لا تلبث أن تجف و تصفرّ ، فتأتيها الرياح فتحطمها و تنفثها في الفضاء ، فتنتثر و تندثر و كأنها لم تكن .

تلك حال حياة الانسان الكافر الذي يظنّ أن وجوده هو فقط هذه الحياة المادية ، فحياته بكلّ لذاتها و مفاتنها ، لا تلبث أن تسير الى الزوال و الاندثار . إنّه أنكر الحياة الآخرة التي هي الحياة الباقية ، و نسي أن هناك حسابا و عقابا . و سرعان ما تنقضي حياته الفانية ،

و يأتي الى الآخرة ، ليجد مصيره المحتوم في نار جهنم . يقول سبحانه مصورا ذلك : اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ زِينَةٌ وَ تَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَ تَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَ الْأَوْلاَدِ ، كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ، ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرّاً ، ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً ، وَ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ ،

وَ مَغْفِرَةٌ مِنَ اللّهِ وَ رِضْوَانٌ ، وَ مَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ « سورة الحديد 20 » .

أمّا المؤمن الذي يبصر الآخرة بعين نظره و هو يعيش في الدنيا ، فانّه يعمل للآخرة من خلال دنياه ، و يزرع فيها ليحصد الثمار ، ثم يجد حصيلة أتعابه في الآخرة ، حيث يأتي الكافر صفر اليدين . و هذا مؤدّى قول الامام ( ع ) في صفة المتّقين : « شاركوا أهل الدّنيا

[ 909 ]

في دنياهم ، و لم يشاركهم أهل الدّنيا في آخرتهم » .

يراجع المبحث ( 37 ) الدنيا دار ابتلاء و اختبار .