الاقتصاد الاسلامي :
لا نقصد بالاقتصاد هنا علم الاقتصاد الذي وضع حديثا و تكاملت بحوثه خلال القرون الاربعة الاخيرة ، و إنما نقصد به المذهب الاقتصادي الذي يعني الطريقة الصحيحة لتنظيم الحياة الاقتصادية وفق تصوره للعدالة .
و يشتمل المذهب الاقتصادي الاسلامي على علاقة الانسان بأخيه الانسان في مجالات انتاج الثروة و توزيعها و تداولها ، مثل إحياء الاراضي و أحكام الاجارة و المضاربة و الربا . . . الخ .
و الهدف الاساسي لهذا المذهب الاقتصادي هو إقامة العدالة بين الافراد . و للوصول إلى ذلك يعتمد على المبادئ التالية :
1 حق الحرية في الكسب .
2 منع الاستغلال و الكسب غير المشروع .
3 منع تمركز الثروة بيد فئة صغيرة من المجتمع .
4 حق الحياة الكريمة للضعفاء و البائسين .
و للوصول الى الهدف الاخير سعى الاسلام الى تأمين الحياة الضرورية للمحرومين و المعلولين ، عن طريق فرض الزكاة و الخمس و الخراج ، حتى يلحقوا بالمستوى العام للمعيشة . و هذا يعمل على ايجاد نوع من التوازن بين طبقات المجتمع ، و يحقق مستوى عام موحد من المعيشة في المجتمع .
العدالة الاجتماعية :
ان أغلب ما نراه من الفقر الشائع في المجتمعات ، مردّه الى غصب بعض الفئات في المجتمع
[ 622 ]
لحق الفئات الاخرى . و لهذا حارب الامام علي ( ع ) هذا النوع من الفقر محاربة لا هوادة فيها .
فأعطى أصحاب الفيء حقوقهم و ساوى بينهم في العطاء . و أمر أصحاب الاموال بدفع حقوقهم الى بيت المال بالاسلوب الرشيد ، و سامح أصحاب الاراضي من الخراج في سنوات القحط . ثم ندد بأولئك الذين يأكلون أموالهم بالباطل ، سواء بالغصب أو السرقة أو الرشوة أو الاحتكار . و اعتبر أعظم الجرائم ، اغتصاب مال اللّه من بيت المال ، الذي هو حق الارملة و اليتيم و المسكين . و حاسب هؤلاء حسابا عسيرا ، و طبّق عليهم مبدأ : من أين لك هذا ؟ . و لم يرض بتمركز أموال الشعب في يد عدة مختارة من المتنفذين ، بل دعا الى التوزيع العادل للثروة .
هذا و لم يكن اهتمام الامام ( ع ) بناحية العدالة الاجتماعية بمحض الصدفة ، بل انه يرتبط ارتباطا وثيقا بالاوضاع الفاسدة التي آلت اليها حالة العالم الاسلامي آنذاك ، و لا سيما في عهد خلافة عثمان ، حيث كثرت الثروات و الغنائم نتيجة الفتوحات ، و لم يكن توزيعها يتم وفق المبدأ العادل ، بل كانت الامتيازات العصبية و الطبقية تأخذ دورها ، حتى تراكمت الاموال في جانب ، و حرم الفقراء حقهم في جانب آخر . فكان على الامام ( ع ) أن يكافح هذا الشذوذ ، و يعالج تلك الانحرافات ، حتى ضحى بنفسه في هذا السبيل .
و في حين توفي الامام ( ع ) و لم يخلّف درهما قط ، نجد عثمان كما ذكر المسعودي كثير السخاء و البذل من بيت المال ، و سلك عماله طريقته و تأسوا بفعله . و بنى داره بالمدينة و شيّدها بالحجر و الكلس ، و جعل أبوابها من الساج و العرعر ، و اقتنى أموالا و جنانا و عيونا بالمدينة .
و ذكر عبد اللّه بن عتبة أن عثمان يوم قتل كان له عند خازنه من المال : خمسون و مائة ألف دينار و ألف ألف درهم ، و قيمة ضياعه بوادي القرى و حنين و غيرهما مائة ألف دينار ،
و خلّف خيلا و إبلا كثيرة .
ثم ذكر المسعودي جملة من الصحابة الذين اقتنوا الدور و الضياع و الاموال الطائلة ، منهم :
الزبير بن العوام و طلحة بن عبيد اللّه و عبد الرحمن بن عوف و سعد بن أبي وقاص . . .
و واضح أن هذه الثروات التي تكدست في جانب ، كان الى جانبها حقوق مضيّعة لفقراء مدقعين كانوا لا يجدون لقمة العيش . و كما قال الامام ( ع ) : « فما جاع فقير إلاّ بما متّع به غني . . . » .
التكافل الاجتماعي :
بعد نفي كل أسباب الظلم في المجتمع ، يبقى عدد ضئيل من الناس فقيرا ، أولئك الذين تقصر قدراتهم عن الكسب و الادخار ، فهؤلاء سدّ الاسلام خلّتهم بتطبيق مبدأ « التكافل
[ 623 ]
الاجتماعي » الذي يؤمن لكل فرد في المجتمع حاجاته الضرورية ، حتى يعيش عيشة انسانية كريمة ، دون أن يداخل ذلك أي إذلال أو إيهان .
لأن حق الحياة هو حق إلهي فرضه اللّه لكل انسان خلقه ، و لو لم يكن مسلما . و لم يغفل الامام ( ع ) عن ذكر هذه الفكرة الجوهرية في عهده لمالك الاشتر حيث وصّاه بالرعية فقال : « فإنّهم صنفان : إمّا أخ لك في الدّين ، أو نظير لك في الخلق » .