التوحيد : الاعتقاد بالتوحيد يكون على مراتب أربع : توحيد الذات و توحيد الصفات و توحيد الأفعال و توحيد الآثار . فتوحيد الذات هو الاعتقاد بأنه واحد في ذاته لا شريك له .
و توحيد الصفات هو الاعتقاد بأن صفاته هي عين ذاته لا تزيد عليها ، و أنه منفرد في هذه الصفات لا يشبهه فيها أحد . و أما توحيد الأفعال فهو الاعتقاد بأن العبادة لا تجوز لغيره ،
و لا يجوز أن نشرك في عبادته أحدا . و أما توحيد الآثار فهو الاعتقاد بأن اللّه تعالى هو المتصرف الوحيد بأمور العباد من حيث خلقهم و رزقهم و العناية بهم .
صفاته تعالى عين ذاته : من المسائل الكلامية التي حصل فيها جدال بين الفلاسفة و العلماء ، هو أن صفات اللّه تعالى هل هي زائدة عن ذاته أم أنها جزء من ذاته . و في كلا
[ 74 ]
الحالين خروج عن حقيقة التوحيد ، فاذا كانت صفات اللّه زائدة عن ذاته كان هناك قديمان ، و هذا إشراك باللّه تعالى . و إذا كانت صفاته جزء منه فقد جزأنا اللّه تعالى ، و هذا مخالف للوحدانيّة و أنه غير محل للحوادث .
و قد وضّح الامام علي ( ع ) هذه الناحية الحسّاسة بقوله إن صفات اللّه هي عين ذاته ، و أنه سبحانه غير قابل للتجزيء أو المحدودية ، فلا يقال له ( فيم ؟ ) و ( علام ؟ ) و ( متى ؟ ) و ( حتى ) و ( ممّا ؟ ) التي هي من نعوت الأشياء المخلوقة ، و اللّه منزّه عن ذلك .
النصوص :
قال الامام علي ( ع ) :
أوّل الدّين معرفته ، و كمال معرفته التّصديق به ، و كمال التّصديق به توحيده ، و كمال توحيده الأخلاص له ، و كمال الأخلاص له نفي الصّفات عنه ، لشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف ، و شهادة كلّ موصوف أنّه غير الصّفة ( نفي الصفات يعني الاعتقاد بأن صفاته تعالى هي عين ذاته ، و ليست صفاتا زائدة على ذاته كما هو الأمر بالنسبة للمخلوقات ، فتكون شيئا منفصلا عنها . فمن قال بأن صفة اللّه هي كصفة المخلوق ، فقد جعل صفات اللّه جزءا منفصلا عن اللّه ، و يكون بذلك قد أشرك به ، لأنه ثنّاه و جزّأه ) .
فمن وصف اللّه سبحانه فقد قرنه ، و من قرنه فقد ثنّاه ، و من ثنّاه فقد جزّأه ، و من جزّأه فقد جهله ، و من جهله فقد أشار إليه ، و من أشار إليه فقد حدّه ، و من حدّه فقد عدّه ، و من قال « فيم » فقد ضمّنه ، و من قال « علام » فقد أخلى منه . ( أي انه لا يجوز السؤال عن اللّه تعالى بألفاظ تناسب الأجسام المحدودة مثل « فيم و علام » لأن اللّه سبحانه غير محدود بجهة فتجوز الإشارة إليه ، و ليس له مكان محصور يحدّه فهو مفقود خارجه ) . ( الخطبة 1 ، 24 ) لمّا بدّل أكثر خلقه عهد اللّه إليهم ، فجهلوا حقّه ، و اتّخذوا الأنداد معه . ( الخطبة 1 ، 31 ) و أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ، شهادة ممتحنا إخلاصها ، معتقدا مصاصها ( المصاص من كل شيء خالصه ) . نتمسّك بها أبدا ما أبقانا ، و ندّخرها لأهاويل ما يلقانا .
فإنّها عزيمة الإيمان ، و فاتحة الإحسان ، و مرضاة الرّحمن ، و مدحرة الشّيطان . ( الخطبة 2 ، 35 )
[ 75 ]
الأصنام فيكم منصوبة ، و الآثام بكم معصوبة . ( الخطبة 26 ، 74 ) و أشهد أن لا إله إلاّ اللّه لا شريك له ، ليس معه إله غيره .
( الخطبة 35 ، 93 ) كلّ مسمّى بالوحدة غيره قليل . ( الخطبة 63 ، 119 ) لم يخلق ما خلقه لتشديد سلطان ، و لا تخوّف من عواقب زمان ، و لا استعانة على ندّ مثاور ، و لا شريك مكاثر ، و لا ضدّ منافر . ( الخطبة 63 ، 119 ) و أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له . ( الخطبة 83 ، 150 ) و لا تناله التّجزئة و التّبعيض . ( الخطبة 83 ، 150 ) و قال ( ع ) في خطبة الأشباح : الأوّل الّذي لم يكن له قبل فيكون شيء قبله ، و الآخر الّذي ليس له بعد فيكون شيء بعده . ( الخطبة 89 ، 1 ، 161 ) لم يعقد غيب ضميره على معرفتك ، و لم يباشر قلبه اليقين بأنّه لا ندّ لك ، و كأنّه لم يسمع تبرّؤ التّابعين من المتبوعين إذ يقولون : تَاللّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ . إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمين . كذب العادلون بك ، إذ شبّهوك بأصنامهم ، و نحلوك حلية المخلوقين بأوهامهم ، و جزّؤوك تجزئة المجسّمات بخواطرهم ، و قدّروك على الخلقة المختلفة القوى بقرائح عقولهم . و أشهد أنّ من ساواك بشيء من خلقك فقد عدل بك ، و العادل بك كافر بما تنزّلت به محكمات آياتك ، و نطقت عنه شواهد حجج بيّناتك . ( الخطبة 89 ، 1 ، 163 ) الّذي ابتدع الخلق على غير مثال امتثله ، و لا مقدار احتذى عليه ، من خالق معبود كان قبله . ( الخطبة 89 ، 1 ، 163 ) و لا شريك أعانه على ابتداع عجائب الأمور . ( الخطبة 89 ، 1 ، 164 ) و فتح لهم أبوابا ذللا إلى تماجيده ، و نصب لهم منارا واضحة على أعلام توحيده ( الخطبة 89 ، 1 ، 168 ) اللّهمّ و هذا مقام من أفردك بالتّوحيد الّذي هو لك ، و لم ير مستحقّا لهذه المحامد و الممادح غيرك . ( الخطبة 89 ، 4 ، 178 )
[ 76 ]
الأوّل الّذي لا غاية له فينتهي ، و لا آخر له فينقضي . ( الخطبة 92 ، 185 ) الحمد للّه الأوّل فلا شيء قبله ، و الآخر فلا شيء بعده . ( الخطبة 94 ، 187 ) و نشهد أن لا إله غيره . ( الخطبة 98 ، 193 ) و أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، شهادة يوافق فيها السّرّ الإعلان ، و القلب اللّسان . ( الخطبة 99 ، 194 ) و نؤمن به إيمان من عاين الغيوب ، و وقف على الموعود ، إيمانا نفى إخلاصه الشّرك ،
و يقينه الشّكّ . و نشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له . ( الخطبة 112 ، 220 ) و نشهد أن لا إله غيره ، و أنّ محمّدا نجيبه و بعيثه ، شهادة يوافق فيها السّرّ الإعلان ،
و القلب اللّسان . ( الخطبة 130 ، 243 ) أمّا وصيّتي : فاللّه لا تشركوا به شيئا . ( الخطبة 147 ، 261 ) الحمد للّه الدّالّ على وجوده بخلقه ، و بمحدث خلقه على أزليّته ، و باشتباههم على أن لا شبه له . لا تستلمه المشاعر ، و لا تحجبه السّواتر . لافتراق الصّانع و المصنوع ،
و الحادّ و المحدود ، و الرّبّ و المربوب . الأحد بلا تأويل عدد ، و الخالق لا بمعنى حركة و نصب . ( الخطبة 150 ، 266 ) من وصفه فقد حدّه ، و من حدّه فقد عدّه ، و من عدّه فقد أبطل أزله . و من قال ( كيف ؟ ) فقد استوصفه ، و من قال ( أين ؟ ) فقد حيّزه . ( الخطبة 150 ، 267 ) إنّ من عزائم اللّه في الذّكر الحكيم ، الّتي عليها يثيب و يعاقب ، و لها يرضى و يسخط ، أنّه لا ينفع عبدا و إن أجهد نفسه و أخلص فعله أن يخرج من الدّنيا ،
لاقيا ربّه بخصلة من هذه الخصال لم يتب منها : أن يشرك باللّه فيما افترض عليه من عبادته . . . ( الخطبة 151 ، 269 ) خرّت له الجباه ، و وحّدته الشّفاه . حدّ الأشياء عند خلقه لها إبانة له من شبهها .
لا تقدّره الأوهام بالحدود و الحركات ، و لا بالجوارح و الأدوات . لا يقال له ( متى ؟ ) و لا يضرب له أمد ( بحتّى ) . الظّاهر لا يقال ( ممّا ؟ ) ، و الباطن لا يقال ( فيم ؟ ) . ( الخطبة 161 ، 289 )
[ 77 ]
و نعقت في أسماعنا دلائله على وحدانيّته . ( الخطبة 163 ، 293 ) ألا و إنّ الظّلم ثلاثة : فظلم لا يغفر ، و ظلم لا يترك و ظلم مغفور لا يطلب . فأمّا الظّلم الّذي لا يغفر فالشّرك باللّه . قال اللّه تعالى : إِنَّ اللّهَ لا يَغفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ . . . ( الخطبة 174 ، 317 ) و أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، غير معدول به ، و لا مشكوك فيه ، و لا مكفور دينه ، و لا مجحود تكوينه ( أي خلقه للخلق ) . شهادة من صدقت نيّته ، و صفت دخلته ، و خلص يقينه ،
و ثقلت موازينه . ( الخطبة 176 ، 319 ) لم يولد سبحانه فيكون في العزّ مشاركا ، و لم يلد فيكون موروثا هالكا . و لم يتقدّمه وقت و لا زمان ، و لم يتعاوره زيادة و لا نقصان . ( الخطبة 180 ، 324 ) الحمد للّه الّذي لا تدركه الشّواهد ، و لا تحويه المشاهد ، و لا تراه النّواظر ، و لا تحجبه السّواتر . الدّال على قدمه بحدوث خلقه ، و بحدوث خلقه على وجوده ، و باشتباههم على أن لا شبه له . . . مستشهد بحدوث الأشياء على أزليّته . ( الخطبة 183 ، 334 ) واحد لا بعدد ، و دائم لا بأمد ، و قائم لا بعمد . ( الخطبة 183 ، 334 ) لم يشركه في فطرتها فاطر ، و لم يعنه على خلقها قادر . ( الخطبة 183 ، 335 ) و من خطبة له ( ع ) في التوحيد : ما وحّده من كيّفه ، و لا حقيقته أصاب من مثّله . و لا إيّاه عنى من شبّهه ، و لا صمده ( أي قصده ) من أشار إليه و توهّمه . كلّ معروف بنفسه مصنوع ، و كلّ قائم في سواه معلول . ( الخطبة 184 ، 341 ) سبق الأوقات كونه ، و العدم وجوده ، و الإبتداء أزله . بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له ( أي حاسة يشعر بها ) ، و بمضادّته بين الأمور عرف أن لا ضدّ له ، و بمقارنته بين الأشياء عرف أن لا قرين له . ( الخطبة 184 ، 341 ) لا يشمل بحدّ ، و لا يحسب بعدّ . ( الخطبة 184 ، 342 ) لم يلد فيكون مولودا ، و لم يولد فيصير محدودا . حلّ عن اتّخاذ الأبناء ، و طهر عن ملامسة النّساء . ( الخطبة 184 ، 342 ) و يقول ( ع ) مؤكدا على فكرة خلق القرآن و عدم قدمه : و إنّما كلامه سبحانه فعل منه
[ 78 ]
أنشأه و مثّله ، لم يكن من قبل ذلك كائنا ، و لو كان قديما لكان إلها ثانيا . ( الخطبة 184 ، 343 ) و إنّ اللّه سبحانه يعود بعد فناء الدّنيا وحده لا شيء معه . . . فلا شيء إلاّ اللّه الواحد القهّار ، الّذي إليه مصير جميع الأمور . ( الخطبة 184 ، 345 ) و لم يكوّنها لتشديد سلطان ، و لا لخوف من زوال و نقصان . و لا للإستعانة بها على ندّ مكاثر ، و لا للاحتراز بها من ضدّ مثاور . و لا للازدياد بها في ملكه ، و لا لمكاثرة شريك في شركه . و لا لوحشة كانت منه ، فأراد أن يستأنس إليها . ( الخطبة 184 ، 345 ) من بنات موؤودة ، و أصنام معبودة ، و أرحام مقطوعة ، و غارات مشنونة . ( الخطبة 190 ، 3 ، 370 ) فقلت أنا : لا إله إلاّ اللّه ، إنّي أوّل مؤمن بك يا رسول اللّه . ( الخطبة 190 ، 4 ، 375 ) وصيّتي لكم : أن لا تشركوا باللّه شيئا . ( الخطبة 262 ، 459 ) انطلق على تقوى اللّه ، وحده لا شريك له . ( الخطبة 264 ، 461 ) و لقد قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله : « إنّي لا أخاف على أمّتي مؤمنا و لا مشركا .
أمّا المؤمن فيمنعه اللّه بإيمانه ، و أمّا المشرك فيقمعه اللّه بشركه » . ( الخطبة 266 ، 467 ) و اعلم يا بنيّ أنّه لو كان لربّك شريك لأتتك رسله ، و لرأيت آثار ملكه و سلطانه ، و لعرفت أفعاله و صفاته . و لكنّه إله واحد كما وصف نفسه . لا يضادّه في ملكه أحد ، و لا يزول أبدا . و لم يزل أوّل قبل الأشياء بلا أوّليّة ، و آخر بعد الأشياء بلا نهاية . عظم عن أن تثبت ربوبيّته بإحاطة قلب أو بصر . ( الخطبة 270 ، 2 ، 479 ) فرض اللّه الإيمان تطهيرا من الشّرك . ( 252 ح ، 611 ) و كان ( ع ) يقول : أحلفوا الظّالم إذا أردتم يمينه بأنّه بريء من حول اللّه و قوّته ، فإنّه إذا حلف بها كاذبا عوجل العقوبة ، و إذا حلف باللّه الّذي لا إله إلاّ هو لم يعاجل ، لأنّه قد وحّد اللّه تعالى . ( 253 ح ، 612 ) و سئل ( ع ) عن التوحيد و العدل ، فقال عليه السلام : التّوحيد أن لا تتوهّمه ، و العدل أن لا تتّهمه . ( 470 ح ، 660 ) و قال له أعرابيّ يوم الجمل : يا أمير المؤمنين ، أتقول : إنّ اللّه واحد ؟ فحمل النّاس عليه
[ 79 ]
و قالوا : يا أعرابي أما ترى ما فيه أمير المؤمنين ( ع ) من تقسيم القلب ؟ فقال أمير المؤمنين :
دعوه ، فإنّ الّذي يريده الأعرابيّ هو الّذي نريده من القوم . ثمّ قال ( ع ) : يا أعرابي ، إنّ القول في أنّ اللّه واحد على أربعة أقسام : فوجهان منها لا يجوزان على اللّه ، و وجهان يثبتان فيه ، فأمّا اللّذان لا يجوزان عليه ، فقول القائل : واحد ، يقصد به باب الأعداد ،
فهذا ما لا يجوز ، لأنّ ما لا ثاني له ، لا يدخل في باب الأعداد ، ألا ترى أنّه كفر من قال ثالث ثلاثة ؟ . و قول القائل هو واحد ، من النّاس ، من يريد النّوع من الجنس ،
فهذا ما لا يجوز ، لأنّه تشبيه ، و جلّ ربّنا عن ذلك و تعالى . و أمّا الوجهان اللّذان يثبتان فيه ، فقول القائل : هو واحد ، ليس له في الأشباه شبه ، كذلك ربّنا . و قول القائل :
أنّه عزّ و جلّ أحد ، المعنى يعني به ، أنّه لا ينقسم في وجود و لا عقل و لا وهم ، كذلك ربّنا عزّ و جلّ . ( مستدرك ، 160 )