( 31 ) النملة و صغار المخلوقات

و قال الامام علي ( ع ) عن خلقة النملة :

و لو فكّروا في عظيم القدرة و جسيم النّعمة ، لرجعوا إلى الطّريق ، و خافوا عذاب الحريق ، و لكن القلوب عليلة ، و البصائر مدخولة . ألا ينظرون إلى صغير ما خلق ، كيف أحكم خلقه ، و أتقن تركيبه ، و فلق له السّمع و البصر ، و سوّى له العظم و البشر . انظروا

[ 147 ]

إلى النّملة في صغر جثّتها و لطافة هيئتها ، لا تكاد تنال بلحظ البصر ، و لا بمستدرك الفكر ، كيف دبّت على أرضها و صبّت على رزقها ، تنقل الحبّة إلى جحرها ، و تعدّها في مستقرّها . تجمع في حرّها لبردها ، و في وردها لصدرها ( الصّدر الرجوع بعد الورود ) . مكفول برزقها ، مرزوقة بوفقها . لا يغفلها المنّان ، و لا يحرمها الدّيّان ، و لو في الصّفا اليابس ، و الحجر الجامس ( أي الجامد ) . و لو فكّرت في مجاري اكلها ، في علوها و سفلها ، و ما في الجوف من شراسيف بطنها ( أطراف الأضلاع التي تشرف على البطن ) ، و ما في الرّأس من عينها و اذنها لقضيت من خلقها عجبا ، و لقيت من وصفها تعبا . فتعالى الّذي أقامها على قوائمها ، و بناها على دعائمها . لم يشركه في فطرتها فاطر ، و لم يعنه على خلقها قادر . و لو ضربت في مذاهب فكرك لتبلغ غاياته ،

ما دلّتك الدّلالة إلاّ على أنّ فاطر النّملة هو فاطر النّخلة ، لدقيق تفصيل كلّ شي‏ء ،

و غامض اختلاف كلّ حيّ . و ما الجليل و اللّطيف ، و الثّقيل و الخفيف ، و القويّ و الضّعيف ، في خلقه إلاّ سواء . ( الخطبة 183 ، 335 ) سبحان من أدمج قوائم الذّرّة ( أي النملة ) و الهمجة ( أي الذبابة الصغيرة ) إلى ما فوقهما من خلق الحيتان و الفيلة . و وأى على نفسه ألاّ يضطرب شبح ممّا أولج فيه الرّوح ، إلاّ و جعل الحمام موعده ، و الفناء غايته . ( الخطبة 163 ، 297 )