( 359 ) التنبيه من الغفلة

قال الامام علي ( ع ) :

فاتّقى عبد ربّه ، نصح نفسه ، و قدّم توبته ، و غلب شهوته . فإنّ أجله مستور عنه ، و أمله خادع له . و الشّيطان موكّل به ، يزيّن له المعصية ليركبها ، و يمنّيه التّوبة ليسوّفها . إذا هجمت منيّته عليه أغفل ما يكون عنها . فيا لها حسرة على كلّ ذي غفلة أن يكون

[ 843 ]

عمره عليه حجّة ، و أن تؤدّيه أيّامه إلى الشّقوة . ( الخطبة 62 ، 118 ) و من خطبته الغراء ( ع ) : فهل ينتظر أهل بضاضة الشّباب إلاّ خواني الهرم ؟ و أهل غضارة الصّحّة إلاّ نوازل السّقم ؟ و أهل مدّة البقاء إلاّ آونة الفناء ؟ مع قرب الزّيال ،

و أزوف الانتقال . ( الخطبة 81 ، 2 ، 142 ) فالقلوب قاسية عن حظّها ، لاهية عن رشدها ، سالكة في غير مضمارها . كأنّ المعنيّ سواها ، و كأنّ الرّشد في إحراز دنياها . ( الخطبة 81 ، 2 ، 143 ) أولي الأبصار و الأسماع ، و العافية و المتاع ، هل من مناص أو خلاص ، أو معاذ أو ملاذ ، أو فرار أو محار أم لا ؟ فأنّى تؤفكون أم أين تصرفون ؟ أم بماذا تغترّون ؟

و إنّما حظّ أحدكم من الأرض ، ذات الطّول و العرض ، قيد قدّه ، متعفّرا على خدّه .

الآن عباد اللّه و الخناق مهمل ، و الرّوح مرسل . في فينة الإرشاد ، و راحة الأجساد ،

و باحة الاحتشاد . و مهل البقيّة ، و أنف المشيّة . و إنظار التّوبة ، و انفساح الحوبة . قبل الضّنك و المضيق ، و الرّوع و الزّهوق . و قبل قدوم الغائب المنتظر ، و أخذة العزيز المقتدر . ( الخطبة 81 ، 3 ، 148 ) فاستدركوا بقيّة أيّامكم ، و اصبروا لها أنفسكم ، فإنّها قليل في كثير الأيّام الّتي تكون منكم فيها الغفلة ، و التّشاغل عن الموعظة ، و لا ترخّصوا لأنفسكم ، فتذهب بكم الرّخص مذاهب الظّلمة ، و لا تداهنوا ( أي تظهروا خلاف ما في الطوية ) فيهجم بكم الإدهان على المعصية . ( الخطبة 84 ، 152 ) فأين تذهبون ، و أنّى تؤفكون و الأعلام قائمة ، و الآيات واضحة ، و المنار منصوبة . فأين يتاه بكم ، و كيف تعمهون ؟ و بينكم عترة نبيّكم . . ( الخطبة 85 ، 155 ) و ما كلّ ذي قلب بلبيب ، و لا كلّ ذي سمع بسميع ، و لا كلّ ذي نظر ببصير . ( الخطبة 86 ، 156 ) و اللّه ما أسمعكم الرّسول شيئا إلاّ و ها أنا ذا مسمعكموه ، و ما أسماعكم اليوم بدون أسماعكم بالأمس ، و لا شقّت لهم الأبصار ، و لا جعلت لهم الأفئدة في ذلك الزّمان ، إلاّ و قد أعطيتم مثلها في هذا الزّمان . و و اللّه ما بصّرتم بعدهم شيئا جهلوه ،

[ 844 ]

و لا أصفيتم به و حرموه . و لقد نزلت بكم البليّة جائلا خطامها ، رخوا بطانها ،

فلا يغرّنّكم ما أصبح فيه أهل الغرور . فإنّما هو ظلّ ممدود ، إلى أجل معدود . ( الخطبة 87 ، 158 ) أين تذهب بكم المذاهب ، و تتيه بكم الغياهب ، و تخدعكم الكواذب ؟ و من أين تؤتون و أنّى تؤفكون ؟ فلكلّ أجل كتاب ، و لكلّ غيبة إياب . فاستمعوا من ربّانيّكم ،

و أحضروه قلوبكم ، و استيقظوا إن هتف بكم . و ليصدق رائد أهله ، و ليجمع شمله ،

و ليحضر ذهنه . ( الخطبة 106 ، 206 ) لو تعلمون ما أعلم ممّا طوي عنكم غيبه ، إذا لخرجتم إلى الصّعدات ( أي الطرقات ) ،

تبكون على أعمالكم ، و تلتدمون ( أي تضربون وجوهكم و صدوركم حزنا ) على أنفسكم . و لتركتم أموالكم لا حارس لها و لا خالف عليها ( الخالف : من تتركه على مالك اذا خرجت لسفر أو حرب ) ، و لهمّت كلّ امري‏ء منكم نفسه ، لا يلتفت إلى غيرها . و لكنّكم نسيتم ما ذكّرتم ، و أمنتم ما حذّرتم ، فتاه عنكم رأيكم ، و تشتّت عليكم أمركم . و لوددت أنّ اللّه فرّق بيني و بينكم و ألحقني بمن هو أحقّ بي منكم .

( الخطبة 114 ، 225 ) لقد حملتكم على الطّريق الواضح الّتي لا يهلك عليها إلاّ هالك . من استقام فإلى الجنّة ، و من زلّ فإلى النّار . ( الخطبة 117 ، 228 ) و من لا ينفعه حاضر لبّه ، فعازبه عنه أعجز ، و غائبه أعوز . ( الخطبة 118 ، 228 ) و اعلموا أنّه ليس من شي‏ء إلاّ و يكاد صاحبه يشبع منه و يملّه ، إلاّ الحياة ، فإنّه لا يجد له في الموت راحة ( أي يحب الانسان الحياة لعلمه بالعقاب الذي ينتظره بعد الموت . و هذه حكمة واعظة كبيرة للانسان تنبهه من الغفلة و تحثه على العمل ) . و إنّما ذلك بمنزلة الحكمة الّتي هي حياة للقلب الميّت ، و بصر للعين العمياء ، و سمع للأذن الصّماء ، و ريّ للظمآن ، و فيها الغنى كلّه و السّلامة . ( الخطبة 131 ، 245 ) أين العقول المستصبحة بمصابيح الهدى ، و الأبصار اللاّمحة إلى منار التّقوى . أين القلوب الّتي وهبت للّه ، و عوقدت على طاعة اللّه ؟ . ( الخطبة 142 ، 256 )

[ 845 ]

و قال ( ع ) في صفة الغافلين : حتّى إذا كشف لهم عن جزاء معصيتهم ، و استخرجهم من جلابيب غفلتهم ، استقبلوا مدبرا ، و استدبروا مقبلا . فلم ينتفعوا بما أدركوا من طلبتهم ، و لا بما قضوا من وطرهم . إنّي أحذّركم و نفسي ، هذه المنزلة . فلينتفع امرؤ بنفسه ، فإنّما البصير من سمع فتفكّر ، و نظر فأبصر ، و انتفع بالعبر . ثمّ سلك جددا واضحا ، يتجنّب فيه الصّرعة في المهاوي ، و الضّلال في المغاوي ( أي الشبهات ) .

و لا يعين على نفسه الغواة ، بتعسّف في حقّ ، أو تحريف في نطق ، أو تخوّف من صدق .

فأفق أيّها السّامع من سكرتك ، و استيقظ من غفلتك ، و اختصر من عجلتك . و أنعم الفكر فيما جاءك على لسان النّبيّ الأمّيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ، ممّا لا بدّ منه و لا محيص عنه ، و خالف من خالف ذلك إلى غيره ، ودعه و ما رضي لنفسه . وضع فخرك ، و احطط كبرك ، و اذكر قبرك . فإنّ عليه ممرّك ، و كما تدين تدان ،

و كما تزرع تحصد ، و ما قدّمت اليوم تقدم عليه غدا . فامهد لقدمك ، و قدّم ليومك .

فالحذر الحذر أيّها المستمع ، و الجدّ الجدّ أيّها الغافل « وَ لاَ يُنْبِئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ » . . .

إنّ البهائم همّها بطونها . و إنّ السّباع همّها العدوان على غيرها . و إنّ النّساء همّهنّ زينة الحياة الدّنيا و الفساد فيها . إنّ المؤمنين مستكينون . إنّ المؤمنين مشفقون . إنّ المؤمنين خائفون . ( الخطبة 151 ، 268 ) و ناظر قلب اللّبيب ، به يبصر أمده ( أي غايته و منتهاه ) ، و يعرف غوره و نجده ( أي باطن أمره و ظاهره ) . داع دعا ، و راع رعى ، فاستجيبوا للدّاعي ، و اتّبعوا الرّاعي .

فليصدق رائد أهله ، و ليحضر عقله ، و ليكن من أبناء الآخرة ، فإنّه منها قدم ،

و إليها ينقلب . فالنّاظر بالقلب ، العامل بالبصر ، يكون مبتدأ عمله أن يعلم : أعمله عليه أم له فإن كان له مضى فيه ، و إن كان عليه وقف عنه . فإنّ العامل بغير علم كالسّائر على غير طريق . فلا يزيده بعده عن الطريق الواضح إلاّ بعدا من حاجته . و العامل بالعلم كالسّائر على الطّريق الواضح . فلينظر ناظر : أسائر هو أم راجع .

و اعلم أنّ لكلّ ظاهر باطنا على مثاله . فما طاب ظاهره طاب باطنه . و ما خبث ظاهره

[ 846 ]

خبث باطنه . و قد قال الرّسول الصّادق صلّى اللّه عليه و آله : [ إنّ اللّه يحبّ العبد و يبغض عمله ( أي يحب العبد على ايمانه و يبغضه على أعماله السيئة ) و يحبّ العمل و يبغض بدنه ] ( أي أن الكافر الذي يبغض اللّه ذاته قد يعمل عملا حسنا يحبه اللّه ) .

و اعلم أنّ لكلّ عمل نباتا . و كلّ نبات لا غنى به عن الماء ، و المياه مختلفة . فما طاب سقيه ، طاب غرسه و حلت ثمرته . و ما خبث سقيه ، خبث غرسه و أمرّت ثمرته . ( الخطبة 152 ، 270 ) اعلموا عباد اللّه أنّ عليكم رصدا من أنفسكم ( أي النفس اللوامة ) و عيونا من جوارحكم ، و حفّاظ صدق يحفظون أعمالكم و عدد أنفاسكم . لا تستركم منهم ظلمة ليل داج ، و لا يكنّكم منهم باب ذو رتاج . و إنّ غدا من اليوم قريب . ( الخطبة 155 ، 278 ) أيّها النّاس غير المغفول عنهم ، و التّاركون المأخوذ منهم . مالي أراكم عن اللّه ذاهبين ، و إلى غيره راغبين كأنّكم نعم أراح بها سائم إلى مرعى وبيّ و مشرب دويّ ، و إنّما هي كالمعلوفة للمدى ( جمع مديه و هي السكين ، أي معلوفة للذبح ) لا تعرف ماذا يراد بها إذا أحسن إليها تحسب يومها دهرها و شبعها أمرها ( أي تحسب أن يومها هو كل عمرها فلا تنظر الى ما بعده فاذا شبعت ظنت أن هذا هو غاية شأنها ) . ( الخطبة 173 ، 310 ) فحاسب نفسك لنفسك ، فإنّ غيرها من الأنفس لها حسيب غيرك . ( الخطبة 220 ، 422 ) و قال ( ع ) عند تلاوته يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ : . . . يا أيّها الإنسان ما جرّأك على ذنبك ، و ما غرّك بربّك ، و ما أنّسك بهلكة نفسك ؟ أما من دائك بلول ( أي شفاء من الداء ) ، أم ليس من نومتك يقظة ؟ أما ترحم من نفسك ما ترحم من غيرك ؟ فلربّما ترى الضّاحي من حرّ الشّمس فتظلّه ، أو ترى المبتلى بألم يمضّ جسده فتبكي رحمة له فما صبّرك على دائك ، و جلّدك على مصابك ، و عزّاك عن البكاء على نفسك ، و هي أعزّ الأنفس عليك و كيف لا يوقظك خوف بيات نقمة ، و قد تورّطت بمعاصيه مدارج سطواته فتداو من داء الفترة في قلبك بعزيمة ، و من كرى الغفلة

[ 847 ]

في ناظرك بيقظة . و كن للّه مطيعا ، و بذكره آنسا . و تمثّل في حال تولّيك عنه إقباله عليك ، يدعوك إلى عفوه ، و يتغمّدك بفضله ، و أنت متولّ عنه إلى غيره . فتعالى من قويّ ما أكرمه و تواضعت من ضعيف ما أجرأك على معصيته و أنت في كنف ستره مقيم ، و في سعة فضله متقلّب فلم يمنعك فضله ، و لم يهتك عنك ستره . بل لم تخل من لطفه مطرف عين ، في نعمة يحدثها لك ، أو سيّئة يسترها عليك ، أو بليّة يصرفها عنك فما ظنّك به لو أطعته و ايم اللّه لو أنّ هذه الصّفة كانت في متّفقين في القوّة ،

متوازيين في القدرة ، لكنت أوّل حاكم على نفسك بذميم الأخلاق و مساوي‏ء الأعمال . ( الخطبة 221 ، 423 ) إذا رجفت الرّاجفة ، و حقّت بجلائلها القيامة ، و لحق بكلّ منسك أهله ، و بكلّ معبود عبدته ، و بكلّ مطاع أهل طاعته . . . فكم حجّة يوم ذاك داحضة ، و علائق عذر منقطعة . ( الخطبة 221 ، 424 ) و قال ( ع ) في وصيته لابنه الحسن ( ع ) : رويدا يسفر الظّلام ( أي عند الموت تنكشف الحقيقة ) . كأن قد وردت الأظعان ( أي وصل المسافرون الى نهاية سفرهم و هو الآخرة ) . يوشك من أسرع أن يلحق . و اعلم يا بنيّ أنّ من كانت مطيّته اللّيل و النّهار ،

فإنّه يسار به و إن كان واقفا ، و يقطع المسافة و إن كان مقيما وادعا .

و اعلم يقينا أنّك لن تبلغ أملك ، و لن تعدو أجلك ، و أنّك في سبيل من كان قبلك . . . ( الخطبة 270 ، 3 ، 484 ) طوبى لنفس أدّت إلى ربّها فرضها ، و عركت بجنبها بؤسها ( أي صبرت على البؤس ) ،

و هجرت في اللّيل غمضها . حتّى إذا غلب الكرى عليها ، افترشت أرضها ، و توسّدت كفّها . ( الخطبة 284 ، 509 ) و من كتاب له ( ع ) الى عماله على الخراج : من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين إلى أصحاب الخراج . أمّا بعد ، فإنّ من لم يحذر ما هو صائر إليه ، لم يقدّم لنفسه ما يحرزها . و اعلموا أنّ ما كلّفتم به يسير ، و أنّ ثوابه كثير . و لو لم يكن فيما نهى اللّه عنه من البغي و العدوان عقاب يخاف ، لكان في ثواب اجتنابه ما لا عذر في ترك طلبه . فأنصفوا

[ 848 ]

النّاس من أنفسكم ، و اصبروا لحوائجهم . . . « تراجع تتمة الكتاب في المبحث ( 237 ) جباية بيت المال » . ( الخطبة 290 ، 515 ) . . . و احذر منازل الغفلة و الجفاء ، و قلّة الأعوان على طاعة اللّه . ( الخطبة 308 ، 557 ) من حاسب نفسه ربح ، و من غفل عنها خسر . و من خاف أمن ، و من اعتبر أبصر . و من أبصر فهم ، و من فهم علم . ( 208 ح ، 604 ) ازهد في الدّنيا يبصّرك اللّه عوراتها ، و لا تغفل فلست بمغفول عنك . ( 391 ح ، 646 ) اذكروا انقطاع اللّذّات ، و بقاء التّبعات . ( 433 ح ، 654 )

[ 849 ]