( 196 ) معاوية بن أبي سفيان و عمرو بن العاص

من خطبة للامام ( ع ) : و لم يبايع ( أي عمرو بن العاص ) حتّى شرط أن يؤتيه ( أي معاوية ) على البيعة ثمنا ، فلا ظفرت يد البائع ، و خزيت أمانة المبتاع . ( الخطبة 26 ، 74 ) ألا و إنّ معاوية قاد لمة من الغواة . و عمّس ( أي اخفى ) عليهم الخبر ، حتّى جعلوا نحورهم أغراض المنيّة . ( الخطبة 51 ، 108 ) و بشّر ( ع ) بظهور رجل مذموم ، قيل انه معاوية ، فقال : أمّا إنّه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم ، مندحق البطن ، يأكل ما يجد ، و يطلب ما لا يجد ، فاقتلوه ، و لن تقتلوه . ألا و إنّه سيأمركم بسبّي و البراءة منّي . فأمّا السّبّ فسبّوني ، فإنّه لي زكاة ، و لكم نجاة ، و أمّا البراءة فلا تتبرّأوا منّي ، فإنّي ولدت على الفطرة ، و سبقت إلى الايمان و الهجرة . ( الخطبة 57 ، 113 ) و من كلام له ( ع ) خاطب به اصحابه ليلة الهرير بصفين : و عليكم بهذا السّواد الأعظم ( يعني أهل الشام ) ، و الرّواق المطنّب ( أي رواق معاوية ) ، فاضربوا ثبجه ( أي وسطه ) ، فإنّ الشّيطان ( أي معاوية ) كامن في كسره ، و قد قدّم للوثبة يدا ، و أخّر للنّكوص رجلا . ( الخطبة 64 ، 121 ) و من كلام له ( ع ) في ذكر عمرو بن العاص : عجبا لابن النّابغة يزعم لأهل الشّام أنّ فيّ دعابة ، و أنّي امروء تلعابة : أعافس و أمارس لقد قال باطلا ، و نطق آثما . أما و شرّ القول الكذب إنّه ليقول فيكذب ، و يعد فيخلف ، و يسأل فيبخل ، و يسأل فيلحف ، و يخون العهد ، و يقطع الإلّ ، فإذا كان عند الحرب فأيّ زاجر و آمر هو ما لم تأخذ السّيوف مآخذها . فإذا كان ذلك كان أكبر مكيدته أن يمنح القرم سبّته ( أي ان يكشف سؤته للامام ) . أما و اللّه إنّي ليمنعني من اللّعب ذكر الموت ، و إنّه

[ 549 ]

ليمنعه من قول الحقّ نسيان الاخرة . إنّه لم يبايع معاوية حتّى شرط أن يؤتيه أتيّة ( أي عطية ) ، و يرضخ له على ترك الدّين رضيخة ( المقصود بالعطية و الرضيخة ولاية مصر ) . ( الخطبة 82 ، 149 ) أما و الّذي نفسي بيده ، ليظهرنّ هؤلاء القوم عليكم ، ليس لأنّهم أولى بالحقّ منكم ، و لكن لإسراعهم إلى باطل صاحبهم ، و إبطائكم عن حقّي . ( الخطبة 95 ، 188 ) أيّها القوم . . . صاحبكم يطيع اللّه و أنتم تعصونه ، و صاحب أهل الشّام يعصي اللّه و هم يطيعونه . لوددت و اللّه أنّ معاوية صارفني بكم صرف الدّينار بالدّرهم ، فأخذ منّي عشرة منكم و أعطاني رجلا منهم . ( الخطبة 95 ، 189 ) و قال ( ع ) عن فتنة بني أمية : قائدها خارج من الملّة ، قائم على الضّلّة . ( الخطبة 106 ، 206 ) و من كلام له ( ع ) قاله للخوارج : و لا تلتفتوا إلى ناعق نعق ( يعني عمرو بن العاص ) : إن أجيب أضلّ ، و إن ترك ذلّ . ( الخطبة 120 ، 231 ) و هلمّ الخطب في ابن أبي سفيان ، فلقد أضحكني الدّهر بعد إبكائه . و لا غرو و اللّه ، فيا له خطبا يستفرغ العجب ، و يكثر الأود . حاول القوم إطفاء نور اللّه من مصباحه ، و سدّ فوّاره من ينبوعه ، و جدحوا ( أي خلطوا ) بيني و بينهم شربا وبيئا . فإن ترتفع عنّا و عنهم محن البلوى ، أحملهم من الحقّ على محضه ، و إن تكن الأخرى فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ ، إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ . ( الخطبة 160 ، 288 ) أو ليس عجبا أنّ معاوية يدعو الجفاة الطّغام ، فيتّبعونه على غير معونة و لا عطاء . و أنا أدعوكم ، و أنتم تريكة الإسلام و بقيّة النّاس ، إلى المعونة أو طائفة من العطاء ،

فتفرّقون عنّي و تختلفون عليّ . ( الخطبة 178 ، 321 ) و أقرب بقوم من الجهل باللّه قائدهم معاوية ، و مؤدّبهم ابن النّابغة ( هو عمرو بن العاص ) . ( الخطبة 178 ، 322 ) و اللّه ما معاوية بأدهى منّي ، و لكنّه يغدر و يفجر . و لو لا كراهية الغدر لكنت من أدهى النّاس . . . ( الخطبة 198 ، 394 )

[ 550 ]

و من كتاب له ( ع ) الى معاوية : أمّا بعد فقد أتتني منك موعظة موصّلة ( أي ملفقة ) و رسالة محبّرة ( أي مزينة ) . نمّقتها بضلالك ، و أمضيتها بسوء رأيك . و كتاب امري‏ء ليس له بصر يهديه ، و لا قائد يرشده . قد دعاه الهوى فأجابه ، و قاده الضّلال فاتّبعه . فهجر لاغطا و ضلّ خابطا . ( الخطبة 246 ، 446 ) و من كتاب له ( ع ) الى جرير بن عبد اللّه البجلي لما أرسله الى معاوية : أمّا بعد ، فإذا أتاك كتابي فاحمل معاوية على الفصل ( أي الحكم القاطع ) و خذه بالأمر الجزم .

ثمّ خيّره بين حرب مجلية ، أو سلم مخزية . فإن اختار الحرب فانبذ إليه . و إن اختار السّلم فخذ بيعته . و السّلام . ( الخطبة 247 ، 447 ) فيا عجبا للدّهر إذ صرت يقرن بي من لم يسع بقدمي ، و لم تكن له كسابقتي الّتي لا يدلي أحد بمثلها . ( الخطبة 248 ، 448 ) و من كتاب له ( ع ) الى معاوية : و كيف أنت صانع إذا تكشّفت عنك جلابيب ما أنت فيه من دنيا ، قد تبهّجت بزينتها ، و خدعت بلذّتها . دعتك فأجبتها ، و قادتك فاتّبعتها ،

و أمرتك فأطعتها . و إنّه يوشك أن يقفك واقف على ما لا ينجيك منه مجنّ ( أي ترس تحتمي به ) فاقعس ( أي تأخر ) عن هذا الأمر ، و خذ أهبة الحساب . و شمّر لما قد نزل بك ، و لا تمكّن الغواة من سمعك . و إلاّ تفعل أعلمك ما أغفلت من نفسك .

فإنّك مترف قد أخذ الشّيطان منك مأخذه ، و بلغ فيك أمله ، و جرى منك مجرى الرّوح و الدّم .

و متى كنتم يا معاوية ساسة الرّعيّة و ولاة أمر الأمّة ؟ بغير قدم سابق ، و لا شرف باسق . و نعوذ باللّه من لزوم سوابق الشّقاء . و أحذّرك أن تكون متماديا في غرّة الأمنيّة ، مختلف العلانية و السّريرة .

و قد دعوت إلى الحرب ، فدع النّاس جانبا و اخرج إليّ ، و أعف الفريقين من القتال ،

لتعلم أيّنا المرين ( اسم مفعول من ران ذنبه على قلبه أي غطى بصيرته ) على قلبه و المغطّى على بصره . فأنا أبو حسن قاتل جدّك و أخيك و خالك شدخا يوم بدر . و ذلك السّيف معي . و بذلك القلب ألقى عدوّي ، ما استبدلت دينا ، و لا استحدثت نبيّا .

[ 551 ]

و إنّي لعلى المنهاج الّذي تركتموه طائعين ، و دخلتم فيه مكرهين . ( الخطبة 249 ، 449 ) كتب معاوية الى الامام علي ( ع ) ان يترك له الشام فأجابه الامام بهذا الكتاب : و أمّا طلبك إليّ الشّام ، فإنّي لم أكن لأعطيك اليوم ما منعتك أمس . و أمّا قولك إنّ الحرب قد أكلت العرب إلاّ حشاشات أنفس بقيت ، ألا و من أكله الحقّ فإلى الجنّة ، و من أكله الباطل فإلى النّار . و أمّا استواؤنا في الحرب و الرّجال فلست بأمضى على الشّكّ منّي على اليقين . و ليس أهل الشّام بأحرص على الدّنيا من أهل العراق على الآخرة . و أمّا قولك : إنّا بنو عبد مناف فكذلك نحن ، و لكن ليس أميّة كهاشم ، و لا حرب كعبد المطّلب ، و لا أبو سفيان كأبي طالب . و لا المهاجر كالطّليق ( يقصد بذلك أبا سفيان و معاوية كانا من الطلقاء يوم الفتح ) و لا الصّريح كاللّصيق ( يقصد به معاوية الذي الصق بأبي سفيان و لم يعرف أبوه ) . و لا المحقّ كالمبطل . و لا المؤمن كالمدغل . و لبئس الخلف خلف يتبع سلفا هوى في نار جهنّم و في أيدينا بعد فضل النّبوّة الّتي أذللنا بها العزيز ، و نعشنا بها الذّليل . و لمّا أدخل اللّه العرب في دينه أفواجا ، و أسلمت له هذه الأمّة طوعا و كرها ، كنتم ممّن دخل في الدّين : إمّا رغبة و إمّا رهبة . على حين فاز أهل السّبق بسبقهم ، و ذهب المهاجرون الأوّلون بفضلهم . فلا تجعلنّ للشّيطان فيك نصيبا ، و لا على نفسك سبيلا . و السّلام . ( الخطبة 256 ، 455 ) من كتاب له ( ع ) الى معاوية جوابا على كتاب : أمّا بعد فقد أتاني كتابك تذكر فيه اصطفاء اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه و آله لدينه ، و تأييده إيّاه بمن أيّده من أصحابه .

فلقد خبّأ لنا الدّهر منك عجبا ، إذ طفقت تخبرنا ببلاء اللّه تعالى عندنا ، و نعمته علينا في نبيّنا . فكنت في ذلك كناقل التّمر إلى هجر ( مدينة بالبحرين كثيرة النخيل ) أو داعي مسدّده إلى النّضال . و زعمت أنّ أفضل النّاس في الإسلام فلان و فلان ( أي أبو بكر و عمر ) ، فذكرت أمرا إن تمّ اعتزلك كلّه ( أي ليس لك حظ منه ) و إن نقص لم يلحقك ثلمه ( أي عيبه ) . و ما أنت و الفاضل و المفضول و السّائس

[ 552 ]

و المسوس و ما للطّلقاء و أبناء الطّلقاء ، و التّمييز بين المهاجرين الأوّلين و ترتيب درجاتهم ، و تعريف طبقاتهم هيهات لقد حنّ قدح ليس منها ، و طفق يحكم فيها من عليه الحكم لها ألا تربع أيّها الإنسان على ظلعك ( أي تقف عند حدك ) ، و تعرف قصور ذرعك ، و تتأخّر حيث أخّرك القدر فما عليك غلبة المغلوب ، و لا ظفر الظّافر .

و إنّك لذهّاب في التّيه ، روّاغ عن القصد ، ألا ترى غير مخبر لك ، و لكن بنعمة اللّه أحدّث أنّ قوما استشهدوا في سبيل اللّه تعالى من المهاجرين و الأنصار و لكلّ فضل حتّى إذا استشهد شهيدنا قيل سيّد الشّهداء ( يقصد بذلك عمه الحمزة ) . و خصّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه أو لا ترى أنّ قوما قطّعت أيديهم في سبيل اللّه و لكلّ فضل حتّى إذا فعل بواحدنا ما فعل بواحدهم ،

قيل : الطّيّار في الجنّة و ذو الجناحين ( يقصد بذلك اخاه جعفر ) و لو لا ما نهى اللّه عنه من تزكية المرء نفسه ، لذكر ذاكر فضائل جمّة . تعرفها قلوب المؤمنين ، و لا تمجّها آذان السّامعين . فدع عنك من مالت به الرّميّة . فإنّا صنائع ربّنا و النّاس بعد صنائع لنا . . ( الخطبة 267 ، 467 ) ثمّ ذكرت ما كان من أمري و أمر عثمان ، فلك أن تجاب عن هذه لرحمك منه . فأيّنا كان أعدى له ، و أهدى إلى مقاتله ( وجوه القتال ) . أمن بذل له نصرته فاستقعده و استكفّه ( و ذلك ان الامام بذل النصرة فاستقعده عثمان و لم يقبل نصرته ) ، أم من استنصره فتراخى عنه و بثّ المنون إليه ( يقصد بذلك معاوية الذي خذل عثمان و لم ينصره بعد ما كانت بينهما معاهدة على النصرة ) حتّى أتى قدره عليه . كلاّ و اللّه ل قَدْ يَعْلمُ اللّهُ المُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَ الْقَائِلِينَ لإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا ، وَ لاَ يَأَْتُونَ الْبَأْسَ إلاَّ قَلِيْلاً .

و ما كنت لأعتذر من أنّي كنت أنقم عليه أحداثا ( أي بدعا ) فإن كان الذّنب إليه إرشادي و هدايتي له ، فربّ ملوم لا ذنب له .

و قد يستفيد الظّنّة المتنصّح

و ذكرت أنّه ليس لي و لأصحابي عندك إلاّ السّيف . فلقد أضحكت بعد استعبار متى ألفيت بني عبد المطّلب عن الأعداء ناكلين ، و بالسّيف مخوّفين .

[ 553 ]

فلبّث قليلا يلحق الهيجا حمل

فسيطلبك من تطلب ، و يقرب منك ما تستبعد . و أنا مرقل ( مسرع ) نحوك في جحفل من المهاجرين و الأنصار ، و التّابعين لهم باحسان . شديد زحامهم ، ساطع قتامهم ،

متسربلين سرابيل الموت . أحبّ اللّقاء إليهم لقاء ربّهم . و قد صحبتهم ذرّيّة بدريّة ،

و سيوف هاشميّة ، قد عرفت مواقع نصالها في أخيك و خالك و جدّك و أهلك وَ مَا هِي مِنْ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ . ( الخطبة 267 ، 470 ) من كتاب له ( ع ) الى معاوية : فاتّق اللّه فيما لديك ، و انظر في حقّه عليك . و ارجع إلى معرفة ما لا تعذر بجهالته . فإنّ للطّاعة أعلاما واضحة ، و سبلا نيّرة . و محجّة نهجة ،

و غاية مطّلبة . يردها الأكياس ، و يخالفها الأنكاس . من نكب عنها جار عن الحقّ ،

و خبط في التّيه ، و غيّر اللّه نعمته ، و أحلّ به نقمته . فنفسك نفسك ، فقد بيّن اللّه لك سبيلك ، و حيث تناهت بك أمورك ، فقد أجريت إلى غاية خسر ، و محلّة كفر . فإنّ نفسك قد أولجتك شرّا ، و أقحمتك غيّا . و أوردتك المهالك ، و أوعرت عليك المسالك . ( الخطبة 269 ، 473 ) و من كلام له ( ع ) الى معاوية :

و أرديت جيلا ( أي أهلكت ) من النّاس كثيرا . خدعتهم بغيّك ، و ألقيتهم في موج بحرك . تغشاهم الظّلمات ، و تتلاطم بهم الشّبهات . فجازوا عن وجهتهم ، و نكصوا على أعقابهم ، و تولّوا على أدبارهم ، و عوّلوا على أحسابهم ، إلاّ من فاء من أهل البصائر ، فإنّهم فارقوك بعد معرفتك ، و هربوا إلى اللّه من موازرتك . إذ حملتهم على الصّعب ، و عدلت بهم عن القصد . فاتّق اللّه يا معاوية في نفسك ، و جاذب الشّيطان قيادك . فإنّ الدّنيا منقطعة عنك ، و الآخرة قريبة منك . و السّلام . ( الخطبة 271 ، 490 ) من كتاب له ( ع ) الى معاوية : فسبحان اللّه ما أشدّ لزومك للأهواء المبتدعة ، و الحيرة المتعبة ، مع تضييع الحقائق و اطّراح الوثائق ، الّتي هي للّه طلبة و على عباده حجّة .

فأمّا إكثارك الحجاج على عثمان و قتلته ، فإنّك إنّما نصرت عثمان حيث كان النّصر لك ، و خذلته حيث كان النّصر له ، و السّلام . ( الخطبة 276 ، 495 )

[ 554 ]

من كتاب له ( ع ) الى عمرو بن العاص : فإنّك قد جعلت دينك تبعا لدنيا امرى‏ء ظاهر غيّه ( يقصد به معاوية ) ، مهتوك ستره ، يشين الكريم بمجلسه ، و يسفّه الحليم بخلطته . فاتّبعت أثره ، و طلبت فضله ، اتّباع الكلب للضّرغام ، يلوذ بمخالبه ، و ينتظر ما يلقى إليه من فضل فريسته ، فأذهبت دنياك و آخرتك . و لو بالحقّ أخذت أدركت ما طلبت . فإن يمكّنّي اللّه منك و من ابن أبي سفيان أجزكما بما قدّمتما ،

و إن تعجزا و تبقيا ، فما أمامكما شرّ لكما ، و السّلام . ( الخطبة 278 ، 496 ) من كتاب له ( ع ) الى زياد بن أبيه ، و قد بلغه أن معاوية كتب اليه يريد خديعته باستلحاقه : و قد عرفت أنّ معاوية كتب إليك يستزلّ لبّك ، و يستفلّ غربك ( أي يثلم حدتك و نشاطك ) فاحذره ، فإنّما هو الشّيطان : يأتي المرء من بين يديه و من خلفه ،

و عن يمينه و عن شماله ، ليقتحم غفلته ، و يستلب غرّته ( العقل الغرّ هو الساذج ) .

و قد كان من أبي سفيان ( والد معاوية ) في زمن عمر بن الخطّاب فلتة من حديث النّفس ( يقصد بها قوله عن زياد : أني أعلم من وضعه في رحم أمه ، يريد بذلك نفسه ) و نزغة من نزعات الشّيطان ، لا يثبت بها نسب ، و لا يستحقّ بها إرث ، و المتعلّق بها كالواغل المدفّع ( الواغل هو الذي يهجم على الشرب ليشرب معهم و ليس منهم ، فلا يزال مدفّعا محاجزا ) ، و النّوط المذبذب ( هو ما يناط برحل الراكب من قدح فهو دائم التقلقل ) . ( الخطبة 283 ، 501 ) من كتاب له ( ع ) الى معاوية : و إنّ البغي و الزّور يذيعان بالمرء ( أي يفضحانه ) في دينه و دنياه ، و يبديان خلله عند من يعيبه . و قد علمت أنّك غير مدرك ما قضي فواته ( يعني دم عثمان ) و قد رام أقوام أمرا بغير الحقّ فتأوّلوا على اللّه فأكذبهم ( يقصد اصحاب الجمل ) . فاحذر يوما يغتبط فيه من أحمد عاقبة عمله ، و يندم من أمكن الشّيطان من قياده فلم يجاذبه .

و قد دعوتنا إلى حكم القرآن و لست من أهله ، و لسنا إيّاك أجبنا ، و لكنّا أجبنا القرآن في حكمه ، و السّلام . ( الخطبة 287 ، 512 ) من كتاب له ( ع ) الى معاوية : أمّا بعد ، فإنّ اللّه سبحانه قد جعل الدّنيا لما بعدها ،

[ 555 ]

و ابتلى فيها أهلها ، ليعلم أيّهم أحسن عملا . و لسنا للدّنيا خلقنا ، و لا بالسّعي فيها أمرنا ، و إنّما وضعنا فيها لنبتلى بها . و قد ابتلاني اللّه بك و ابتلاك بي ، فجعل أحدنا حجّة على الآخر ، فعدوت على الدّنيا بتأويل القرآن ( يقصد بذلك تأويل معاوية بعض آيات القصاص على غير معناها ليقنع أهل الشام بأحقيته في الطلب بدم عثمان ) ،

فطلبتني بما لم تجن يدي و لا لساني ، و عصبته أنت و أهل الشّام بي ( أي ربطتم بي دم عثمان ) ، و ألّب ( أي حرض ) عالمكم جاهلكم ، و قائمكم قاعدكم . فاتّق اللّه في نفسك ، و نازع الشّيطان قيادك ، و اصرف إلى الآخرة وجهك فهي طريقنا و طريقك . و احذر أن يصيبك اللّه منه بعاجل قارعة ، تمسّ الأصل ، و تقطع الدّابر ،

فإنّي أولي لك باللّه أليّة غير فاجرة ( أي أحلف باللّه ) لئن جمعتني و إيّاك جوامع الأقدار ، لا أزال بباحتك ، حتّى يحكم اللّه بيننا و هو خير الحاكمين . ( الخطبة 294 ، 541 ) من كتاب له ( ع ) الى معاوية جوابا : أمّا بعد ، فإنّا كنّا نحن و أنتم على ما ذكرت من الألفة و الجماعة ، ففرّق بيننا و بينكم أمس أنّا آمنّا و كفرتم ، و اليوم أنّا استقمنا و فتنتم ، و ما أسلم مسلمكم إلاّ كرها ، و بعد أن كان أنف الإسلام كلّه لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حزبا .

و ذكرت أنّي قتلت طلحة و الزبير ، و شرّدت بعائشة ، و نزلت بين المصرين ( أي الكوفة و البصرة ) . و ذلك أمر غبت عنه فلا عليك ، و لا العذر فيه إليك .

و ذكرت أنّك زائري في المهاجرين و الأنصار ، و قد انقطعت الهجرة يوم أسر أخوك ( يقصد به عمرو بن أبي سفيان ، اسر يوم بدر ) ، فإن كان فيه عجل فاسترفه ( أي استح و لا تستعجل ) ، فإنّي إن أزرك فذلك جدير أن يكون اللّه إنّما بعثني إليك للنّقمة منك و إن تزرني فكما قال أخو بني أسد :

مستقبلين رياح الصّيف تضربهم
بحاصب بين أغوار و جلمود

و عندي السّيف الّذي أعضضته بجدّك ( و هو عتبة بن ربيعة ) و خالك ( و هو الوليد بن عتبة ) و أخيك ( و هو حنظلة ) في مقام واحد ( أي يوم بدر ) و إنّك و اللّه ما علمت

[ 556 ]

الأغلف القلب ، المقارب العقل ، و الأولى أن يقال لك : إنّك رقيت سلّما أطلعك مطلع سوء عليك لا لك ، لأنّك نشدت غير ضالّتك ، و رعيت غير سائمتك ،

و طلبت أمرا لست من أهله و لا في معدنه . فما أبعد قولك من فعلك و قريب ما أشبهت من أعمام و أخوال ، حملتهم الشّقاوة و تمنّي الباطل على الجحود بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فصرعوا مصارعهم حيث علمت ، لم يدفعوا عظيما ،

و لم يمنعوا حريما ، بوقع سيوف ما خلا منها الوغى ، و لم تماشها الهوينا .

و قد أكثرت في قتلة عثمان ، فادخل فيما دخل فيه النّاس ، ثمّ حاكم القوم إليّ ،

أحملك و إيّاهم على كتاب اللّه تعالى ، و أمّا تلك الّتي تريد ( أي إبقاءك على ولاية الشام ) ، فإنّها خدعة الصّبيّ عن اللّبن في أوّل الفصال ، و السّلام لأهله .

( الخطبة 303 ، 550 ) من كتاب ( ع ) الى معاوية ايضا : أمّا بعد ، فقد آن لك أن تنتفع باللّمح الباصر من عيان الأمور ، فقد سلكت مدارج أسلافك بادّعائك الأباطيل ، و إقحامك غرور المين ( أي الكذب ) و الأكاذيب . و بانتحالك ما قد علا عنك ، و ابتزازك لما اختزن دونك ،

فرارا من الحقّ ، و جحودا لما هو ألزم لك من لحمك و دمك ، ممّا قد وعاه سمعك ، و ملي‏ء به صدرك ، فماذا بعد الحقّ إلاّ الضّلال المبين ، و بعد البيان إلاّ اللّبس ؟ فاحذر الشّبهة و اشتمالها على لبستها ، فإنّ الفتنة طالما أغدفت جلابيبها ( أي طالما اسدلت الفتنة أغطية الباطل فأخفت الحق ) ، و أغشت الأبصار ظلمتها .

و قد أتاني كتاب منك ذو أفانين من القول ، ضعفت قواها عن السّلم ، و أساطير لم يحكها منك علم و لا حلم ، أصبحت منها كالخائض في الدّهاس ( أي الارض الرخوة ) و الخابط في الدّيماس ( أي المكان المظلم ) . و ترقّيت إلى مرقبة بعيدة المرام ،

نازحة الأعلام ، تقصر دونها الأنوق ( هو طائر عزيز البيض ) و يحاذى بها العيّوق ( هو نجم أحمر مضي‏ء في طرف المجرة الايمن ) ، و حاش للّه أن تلي للمسلمين بعدي صدرا أو وردا ، أو أجري لك على أحد منهم عقدا أو عهدا فمن الآن فتدارك نفسك ،

و انظر لها ، فإنّك إن فرّطت حتّى ينهد إليك عباد اللّه ( أي يقوموا لحربك ) أرتجت

[ 557 ]

عليك الأمور ، و منعت أمرا هو منك اليوم مقبول و السّلام . ( الخطبة 304 ، 552 ) من كتاب له ( ع ) الى سهل بن حنيف الانصاري ، و هو عامله على المدينة ، في معنى قوم من أهلها لحقوا بمعاوية :

أمّا بعد ، فقد بلغني أنّ رجالا ممّن قبلك يتسلّلون إلى معاوية ، فلا تأسف على ما يفوتك من عددهم ، و يذهب عنك من مددهم ، فكفى لهم غيّا و لك منهم شافيا ،

فرارهم من الهدى و الحقّ ، و إيضاعهم ( أي اسراعهم ) إلى العمى و الجهل . و إنّما هم أهل دنيا مقبلون عليها ، و مهطعون ( أي مسرعون ) إليها . و قد عرفوا العدل و رأوه و سمعوه و وعوه ، و علموا أنّ النّاس عندنا في الحقّ أسوة ، فهربوا إلى الأثرة ، فبعدا لهم و سحقا .

إنّهم و اللّه لم ينفروا من جور ، و لم يلحقوا بعدل ، و إنّا لنطمع في هذا الأمر أن يذلّل اللّه لنا صعبه ، و يسهّل لنا حزنه ( أي ما فيه من اشياء خشنة ) إن شاء اللّه ، و السّلام .

( الخطبة 309 ، 558 ) من كتاب له ( ع ) الى معاوية يستحثه على الرجوع الى الطاعة : أمّا بعد ، فإنّي على التّردّد في جوابك ( أي الرجوع الى جوابك ) ، و الإستماع إلى كتابك ، لموهّن رأيي ،

و مخطي‏ء فراستي ( أي كان الاجدر بي عدم الرجوع الى جوابك و عدم استماع ما تكتبه ) . و إنّك إذ تحاولني الأمور ( أي تطالبني ببعض مآربك كولاية الشام ) و تراجعني السّطور ، كالمستثقل النائم تكذبه أحلامه ، و المتحيّر القائم يبهظه ( أي يثقله ) مقامه ، لا يدري أله ما يأتي أم عليه . و لست به ، غير أنّه بك شبيه ( يقول عليه السلام : أنت في محاولتك هذه كالنائم الثقيل نومه ، يحلم انه نال شيئا ، فاذا انتبه وجد الرؤيا كذبت . و انت أيضا كالمتحير في أمره القائم في شكّه ، يثقله مقامه من الحيرة . و انك لست بالمتحير لمعرفتك الحق معنا و لكن المتحير شبيه بك ، فأنت أشد منه عناء ) . و أقسم باللّه إنّه لو لا بعض الاستبقاء ( أي لولا ابقائي لك ، و عدم ارادتي لاهلاكك ) لوصلت إليك منّي قوارع ، تقرع العظم ، و تهلس اللّحم ( أي دواهي تصدم العظم و تذيب اللحم ) . و اعلم أنّ الشّيطان قد ثبّطك عن أن تراجع أحسن أمورك ( أي الرجوع الى

[ 558 ]

الطاعة ) و تأذن لمقال نصيحتك ، و السّلام لأهله . ( الخطبة 312 ، 560 ) و من كتاب له ( ع ) الى معاوية في أول ما بويع له عليه السلام : من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان : أمّا بعد ، فقد علمت إعذاري فيكم و إعراضي عنكم ( أي اقامتي على العذر في أمر عثمان صاحبكم ، و اعراضي عنه بعدم التعرض له بسوء حتى كان مقتله ) ، حتّى كان ما لا بدّ منه و لا دفع له ، و الحديث طويل ، و الكلام كثير . و قد أدبر ما أدبر ، و أقبل ما أقبل ، فبايع من قبلك ( أي الذين عندك ) و أقبل إليّ في وفد من أصحابك . ( 314 ، 562 )