( 26 ) خلق آدم ( ع ) و السجود له آدم و ابليس جنة آدم ( ع ) و هبوطه منها

قال الامام علي ( ع ) :

ثمّ جمع سبحانه من حزن الأرض ( أي وعرها ) و سهلها ، و عذبها و سبخها ، تربة سنّها ( أي صبّها ) بالماء حتّى خلصت ، و لاطها ( أي خلطها و عجنها ) بالبلّة حتّى لزبت ( أي اشتدت ) . فجبل منها صورة ذات أحناء و وصول ، و أعضاء و فصول . أجمدها حتّى استمسكت ، و أصلدها حتّى صلصلت . لوقت معدود ، و أمد معلوم . ثمّ نفخ فيها من روحه ، فمثلت إنسانا ذا أذهان يجيلها ، و فكر يتصرّف بها . و جوارح يختدمها ،

و أدوات يقلّبها ، و معرفة يفرق بها بين الحقّ و الباطل ، و الأذواق و المشامّ ، و الألوان و الأجناس . معجونا بطينة الألوان المختلفة ، و الأشباه المؤتلفة ، و الأضداد المتعادية ،

[ 141 ]

و الأخلاط المتباينة ، من الحرّ و البرد ، و البلّة و الجمود .

و استأدى اللّه سبحانه الملائكة وديعته لديهم ، و عهد وصيّته إليهم ، في الإذعان بالسّجود له ، و الخشوع لتكرمته ، فقال سبحانه اسْجُدُوا لآدَمَ فسجدوا إلاّ إبليس ،

اعترته الحميّة ، و غلبت عليه الشّقوة ، و تعزّز بخلقة النّار ، و استهون خلق الصّلصال ،

فأعطاه اللّه النّظرة استحقاقا للسّخطة ، و استتماما للبليّة ، و إنجازا للعدة . فقال إِنَّكَ مِنْ الْمُنْظَرِينَ إِلَى‏ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ . ثمّ أسكن سبحانه آدم دارا أرغد فيها عيشه ، و آمن فيها محلّته ، و حذّره إبليس و عداوته ، فاغترّه عدوّه نفاسة عليه بدار المقام ، و مرافقة الأبرار .

فباع اليقين بشكّه ، و العزيمة بوهنه ، و استبدل بالجذل وجلا ، و بالإغترار ندما . ثمّ بسط اللّه سبحانه له في توبته ، و لقّاه كلمة رحمته ، و وعده المردّ إلى جنّته ، و أهبطه إلى دار البليّة ، و تناسل الذّرّيّة . ( الخطبة 1 ، 28 ) . . . فلمّا مهد أرضه ، و أنفذ أمره ، اختار آدم عليه السّلام ، خيرة من خلقه . و جعله أوّل جبلّته ، و أسكنه جنّته ، و أرغد فيها أكله ، و أوعز إليه فيما نهاه عنه ، و أعلمه أنّ في الإقدام عليه التّعرّض لمعصيته ، و المخاطرة بمنزلته فأقدم على ما نهاه عنه موافاة لسابق علمه فأهبطه بعد التّوبة ليعمر أرضه بنسله ، و ليقيم الحجّة به على عباده .

( الخطبة 89 ، 3 ، 174 ) و قال علي ( ع ) في الخطبة القاصعة : الحمد للّه الّذي لبس العزّ و الكبرياء ، و اختارهما لنفسه دون خلقه ، و جعلهما حمى و حرما على غيره ، و اصطفاهما لجلاله ، و جعل اللّعنة على من نازعه فيهما من عباده . ثمّ اختبر بذلك ملائكته المقرّبين ، ليميز المتواضعين منهم من المستكبرين . فقال سبحانه ، و هو العالم بمضمرات القلوب و محجوبات الغيوب إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ فَإذَا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ . فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إِبْلِيسَ اعترضته الحميّة ، فافتخر على آدم بخلقه ، و تعصّب عليه لأصله . فعدوّ اللّه ( أي إبليس ) إمام المتعصّبين ، و سلف المستكبرين . الّذي وضع أساس العصبيّة ، و نازع اللّه رداء الجبريّة . و ادّرع لباس التّعزّز ، و خلع قناع التّذلّل . ألا ترون كيف صغّره اللّه بتكبّره ، و وضّعه بترفعّه . فجعله

[ 142 ]

في الدّنيا مدحورا ، و أعدّ له في الآخرة سعيرا ؟ و لو أراد اللّه أن يخلق آدم من نور يخطف الأبصار ضياؤه ، و يبهر العقول رواؤه ( أي منظره ) ، و طيب يأخذ الأنفاس عرفه ، لفعل . و لو فعل لظلّت له الأعناق خاضعة ،

و لخفّت البلوى فيه على الملائكة . و لكنّ اللّه سبحانه يبتلي خلقه ببعض ما يجهلون أصله ، تمييزا بالإختبار لهم ، و نفيا للإستكبار عنهم ، و إبعادا للخيلاء منهم .

فاعتبروا بما كان من فعل اللّه بإبليس ، إذ أحبط عمله الطّويل و جهده الجهيد ، و كان قد عبد اللّه ستّة آلاف سنة ، لا يدرى أمن سنيّ الدّنيا أم من سنيّ الآخرة ، عن كبر ساعة واحدة . ( الخطبة 190 ، 1 ، 356 ) ألا ترون أنّ اللّه سبحانه ، اختبر الأوّلين من لدن آدم صلوات اللّه عليه ، إلى الآخرين من هذا العالم ، بأحجار لا تضرّ و لا تنفع ، و لا تبصر و لا تسمع ، فجعلها بيته الحرام ،

الّذي جعله للنّاس قياما . . . . ثمّ أمر آدم عليه السّلام و ولده أن يثنوا أعطافهم نحوه .

( الخطبة 190 ، 2 ، 364 ) أمّا إبليس فتعصّب على آدم لأصله ، و طعن عليه في خلقته ، فقال : أنا ناريّ و أنت طينيّ . ( الخطبة 190 ، 2 ، 367 ) ( خلق الحيوانات و صفتها ) :