يراجع المبحث ( 26 ) خلق آدم و السجود له .
قال الامام علي ( ع ) :
عن خلق الملائكة : ثمّ فتق ما بين السّموات العلا ، فملأهنّ أطوارا من ملائكته . منهم
[ 136 ]
سجود لا يركعون ، و ركوع لا ينتصبون ، و صافّون لا يتزايلون ، و مسبّحون لا يسأمون لا يغشاهم نوم العين ، و لا سهو العقول ، و لا فترة الأبدان ، و لا غفلة النّسيان . و منهم أمناء على وحيه ، و ألسنة إلى رسله ، و مختلفون بقضائه و أمره . و منهم الحفظة لعباده ،
و السّدنة لأبواب جنانه . و منهم الثّابتة في الأرضين السّفلى أقدامهم ، و المارقة من السّماء العليا أعناقهم ، و الخارجة من الأقطار أركانهم ، و المناسبة لقوائم العرش أكتافهم . ناكسة دونه أبصارهم ، متلفّعون تحته بأجنحتهم ، مضروبة بينهم و بين من دونهم حجب العزّة ، و أستار القدرة . لا يتوهّمون ربّهم بالتّصوير ، و لا يجرون عليه صفات المصنوعين ، و لا يحدّونه بالأماكن ، و لا يشيرون إليه بالنّظائر . ( الخطبة 1 ، 27 ) و استأدى اللّه سبحانه الملائكة وديعته لديهم ( أي آدم ) و عهد وصيّته إليهم ، في الإذعان بالسّجود له ، و الخشوع لتكرمته ، فقال سبحانه اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجدُوا ، إِلاَّ إِبْلِيسَ . ( الخطبة 1 ، 30 ) و وصف ( ع ) الطائفين بالبيت الحرام : و تشبّهوا بملائكته المطيفين بعرشه . ( الخطبة 1 ، 35 ) و من خطبة الأشباح في صفة الملائكة : ثمّ خلق سبحانه لإسكان سمواته ، و عمارة الصّفيح الأعلى من ملكوته ، خلقا بديعا من ملائكته . و ملأ بهم فروج فجاجها ،
و حشا بهم فتوق أجوائها ، و بين فجوات تلك الفروج زجل المسبّحين منهم في حظائر القدس ، و سترات الحجب ، و سرادقات المجد . و وراء ذلك الرّجيح الّذي تستكّ منه الأسماع ، سبحات نور تردع الأبصار عن بلوغها ، فتقف خاسئة على حدودها .
و أنشأهم على صور مختلفات ، و أقدار متفاوتات ، أولي أجنحة تسبّح جلال عزّته ،
لا ينتحلون ما ظهر في الخلق من صنعه ، و لا يدّعون أنّهم يخلقون شيئا معه ممّا انفرد به ،
بل عباد مكرمون لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ . جعلهم اللّه فيما هنالك أهل الأمانة على وحيه ، و حمّلهم إلى المرسلين ودائع أمره و نهيه ، و عصمهم من ريب الشّبهات . فما منهم زائغ عن سبيل مرضاته . و أمدّهم بفوائد المعونة ، و أشعر قلوبهم تواضع إخبات السّكينة ، و فتح لهم أبوابا ذللا إلى تماجيده ، و نصب لهم منارا واضحة على أعلام توحيده . لم تثقلهم موصرات الآثام و لم ترتحلهم عقب اللّيالي و الأيّام .
[ 137 ]
و لم ترم الشّكوك بنوازعها عزيمة إيمانهم ، و لم تعترك الظّنون على معاقد يقينهم .
و لا قدحت قادحة الإحن ( أي الحقد ) فيما بينهم ، و لا سلبتهم الحيرة ما لاق ( أي لصق ) من معرفته بضمائرهم ، و ما سكن من عظمته و هيبة جلالته في أثناء صدورهم ،
و لم تطمع فيهم الوساوس فتقترع برينها على فكرهم . و منهم من هو في خلق الغمام الدّلّح ( السحاب الثقيل بالماء ) و في عظم الجبال الشّمّخ ، و في قترة الظّلام الأبهم ،
و منهم من خرقت أقدامهم تخوم الأرض السّفلى ، فهي كرايات بيض قد نفذت في مخارق الهواء ، و تحتها ريح هفّافة تحبسها على حيث انتهت من الحدود المتناهية ،
قد استفرغتهم أشغال عبادته ، و وصلت حقائق الإيمان بينهم و بين معرفته ، و قطعهم الإيقان به إلى الوله إليه ، و لم تجاوز رغباتهم ما عنده إلى ما عند غيره قد ذاقوا حلاوة معرفته ، و شربوا بالكأس الرّويّة من محبّته ، و تمكّنت من سويداء قلوبهم و شيجة خيفته ، فحنوا بطول الطّاعة اعتدال طهورهم ، و لم ينفذ طول الرّغبة إليه مادّة تضرّعهم ،
و لا أطلق عنهم عظيم الزّلفة ربق خشوعهم ، و لم يتولّهم الإعجاب فيستكثروا ما سلف منهم ، و لا تركت لهم استكانة الإجلال نصيبا في تعظيم حسناتهم ، و لم تجر الفترات فيهم على طول دؤوبهم ، و لم تغض رغباتهم فيخالفوا عن رجاء ربّهم ، و لم تجفّ لطول المناجاة أسلات ( أي أطراف ) ألسنتهم ، و لا ملكتهم الأشغال فتنقطع بهمس الجؤار ( أي رفع الصوت بالتضرع ) إليه أصواتهم ، و لم تختلف في مقاوم الطّاعة مناكبهم ، و لم يثنوا إلى راحة التّقصير في أمره رقابهم . و لا تعدو على عزيمة جدّهم بلادة الغفلات ، و لا تنتضل في هممهم خدائع الشّهوات . قد اتّخذوا ذا العرش ذخيرة ليوم فاقتهم ، و يمّموه عند انقطاع الخلق إلى المخلوقين برغبتهم ، لا يقطعون أمد غاية عبادته ، و لا يرجع بهم الإستهتار بلزوم طاعته ، إلاّ إلى موادّ من قلوبهم غير منقطعة من رجائه و مخافته ، لم تنقطع أسباب الشّفقة منهم فينوا في جدّهم ، و لم تأسرهم الأطماع فيؤثروا وشيك السّعي على اجتهادهم . لم يستعظموا ما مضى من أعمالهم ،
و لو استعظموا ذلك لنسخ الرّجاء منهم شفقات وجلهم . و لم يختلفوا في ربّهم باستحواذ الشّيطان عليهم . و لم يفرّقهم سوء التّقاطع ، و لا تولاّهم غلّ التّحاسد . و لا تشعّبتهم
[ 138 ]
مصارف الرّيب ، و لا اقتسمتهم أخياف الهمم ( جمع خيف و هو في الأصل ما انحدر عن سفح الجبل ، و المراد هنا سواقط الهمم ) . فهم أسراء إيمان لم يفكّهم من ربقته زيغ و لا عدول و لا ونّى و لا فتور ، و ليس في أطباق السّماء موضع إهاب ( أي جلد الحيوان ) ،
إلاّ و عليه ملك ساجد ، أو ساع حافد ( أي سريع ) ، يزدادون على طول الطّاعة بربّهم علما ، و تزداد عزّة ربّهم في قلوبهم عظما . ( الخطبة 89 ، 2 ، 167 ) من ملائكة أسكنتهم سمواتك ، و رفعتهم عن أرضك . هم أعلم خلقك بك ، و أخوفهم لك ، و أقربهم منك . لم يسكنوا الأصلاب ، و لم يضمّنوا الأرحام ، و لم يخلقوا من ماء مهين ، و لم يتشعبهم ريب المنون ، و إنّهم على مكانهم منك ، و منزلتهم عندك ،
و استجماع أهوائهم فيك ، و كثرة طاعتهم لك ، و قلّة غفلتهم عن أمرك ، لو عاينوا كنه ما خفي عليهم منك ، لحقّروا أعمالهم ، و لزروا ( أي عابوا ) على أنفسهم ، و لعرفوا أنّهم لم يعبدوك حقّ عبادتك ، و لم يطيعوك حقّ طاعتك . ( الخطبة 107 ، 209 ) و قال ( ع ) عن ملك الموت : هل تحسّ به إذا دخل منزلا ؟ أم هل تراه إذا توفّى أحدا ؟ بل كيف يتوفّى الجنين في بطن أمّه ؟ أيلج عليه من بعض جوارحها ؟ أم الرّوح أجابته بإذن ربّها ؟ أم هو ساكن معه في أحشائها ؟ ( الخطبة 110 ، 217 ) اعلموا عباد اللّه أنّ عليكم رصدا من أنفسكم ، و عيونا من جوارحكم ، و حفّاظ صدق يحفطون أعمالكم و عدد أنفاسكم . لا تستركم منهم ظلمة ليل داج ، و لا يكنّكم منهم باب ذو رتاج . و إنّ غدا من اليوم قريب . ( الخطبة 155 ، 278 ) اللهمّ ربّ السّقف المرفوع ، و الجوّ المكفوف ، الّذي جعلته مغيضا للّيل و النّهار ،
و مجرى للشّمس و القمر ، و مختلفا للنّجوم السّيّارة . و جعلت سكّانه سبطا من ملائكتك ، لا يسأمون من عبادتك . ( الخطبة 169 ، 305 ) فمن شواهد خلقه خلق السّموات ، موطّدات بلا عمد ، قائمات بلا سند . دعاهنّ فأجبن طائعات مذعنات ، غير متلكّئات و لا مبطئات . و لو لا إقرارهنّ له بالرّبوبيّة و إذعانهنّ بالطّواعية ، لما جعلهنّ موضعا لعرشه ، و لا مسكنا لملائكته ، و لا مصعدا للكلم الطّيّب و العمل الصّالح من خلقه . ( الخطبة 180 ، 324 )
[ 139 ]
بل إن كنت صادقا أيّها المتكلّف لوصف ربّك ، فصف جبرائيل و ميكائيل و جنود الملائكة المقرّبين ، في حجرات القدس مرجحنّين ( أي يتمايلن بانحناء لعظمة اللّه ) ، متولّهة عقولهم أن يحدّوا أحسن الخالقين . ( الخطبة 180 ، 326 ) إن أسررتم علمه ، و إن أعلنتم كتبه . قد وكّل بذلك حفظة كراما ، لا يسقطون حقّا ،
و لا يثبتون باطلا . . . في دار اصطنعها لنفسه ، ظلّها عرشه ، و نورها بهجته ، و زوّارها ملائكته ، و رفقاؤها رسله . ( الخطبة 181 ، 331 ) فبادروا بأعمالكم تكونوا مع جيران اللّه في داره . رافق بهم رسله ، و أزارهم ملائكته .
( الخطبة 181 ، 333 ) ثمّ اختبر بذلك ملائكته المقرّبين ، ليميز المتواضعين منهم من المستكبرين ، فقال سبحانه و هو العالم بمضمرات القلوب ، و محجوبات الغيوب إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طين فَإذَا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إِبْلِيسَ اعترضته الحميّة ، فافتخر على آدم بخلقه ، و تعصّب عليه لأصله . ( الخطبة 190 ، 1 357 ) و لخفّت البلوى فيه على الملائكة . ( الخطبة 190 ، 1 ، 357 ) و لقد قرن اللّه به صلّى اللّه عليه و آله من لدن أن كان فطيما ، أعظم ملك من ملائكته ،
يسلك به طريق المكارم ، و محاسن أخلاق العالم ، ليله و نهاره . ( الخطبة 190 ، 4 ، 373 ) و قال ( ع ) عمّا حصل عند احتضار النبي ( ص ) في حجره : و لقد قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و إنّ رأسه لعلى صدري . و لقد سالت نفسه في كفّي ، فأمررتها على وجهي . و لقد ولّيت غسله صلّى اللّه عليه و آله و الملائكة أعواني ، فضجّت الدّار و الأفنية : ملاء يهبط ، و ملاء يعرج . و ما فارقت سمعي هينمة منهم ، يصلّون عليه حتّى واريناه في ضريحه . ( الخطبة 195 ، 386 ) إنّ المرء إذا هلك ، قال النّاس : ما ترك ؟ و قالت الملائكة : ما قدّم ؟ . ( الخطبة 201 ، 396 ) و قال ( ع ) عن أهل الذكر : قد حفّت بهم الملائكة ، و تنزّلت عليهم السّكينة . ( الخطبة 220 ، 422 )
[ 140 ]
فاعملوا . . . قبل أن يخمد العمل ، و ينقطع المهل ، و ينقضي الأجل ، و يسدّ باب التّوبة ، و تصعد الملائكة . ( الخطبة 235 ، 437 ) و قال ( ع ) عن الدنيا : مسجد أحبّاء اللّه ، و مصلّى ملائكة اللّه ، و مهبط وحي اللّه ، و متجر أولياء اللّه . ( 131 ح ، 591 ) إنّ للّه ملكا ينادي في كلّ يوم : لدوا للموت ، و اجمعوا للفناء ، و ابنوا للخراب .
( 132 ح ، 591 ) إنّ مع كلّ إنسان ملكين يحفظانه ، فإذا جاء القدر خلّيا بينه و بينه . و إنّ الأجل جنّة حصينة . ( 201 ح ، 603 ) ما المجاهد الشّهيد في سبيل اللّه ، بأعظم أجرا ممّن قدر فعفّ : لكاد العفيف أن يكون ملكا من الملائكة . ( 474 ح ، 662 ) إنّ اللّه ركّب في الملائكة عقلا بلا شهوة ، و ركّب في البهائم شهوة بلا عقل ، و ركّب في بني آدم كليهما . فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة ، و من غلبت شهوته عقله فهو شرّ من البهائم . ( مستدرك 172 )