و أما الخليفة الثاني فان الامام ( ع ) ينتقده اضافة لما سبق من غصبه حقه في الخلافة ، في
[ 441 ]
ثلاثة أمور :
ألاول : خشونته المفرطة ، و هو في ذلك عكس أبي بكر . و في المثل : « درة عمر أهيب من سيف الحجاج » . و قد ضرب بها أم فروة أخت أبي بكر لأنها ناحت عليه .
الثاني : أنه كان يفتي بالحكم ثم ينقضه و يفتي بخلافه . حتى قال : « من أراد أن يتقحّم جراثيم جهنّم فليقل في الجد برأيه » . و مسألة الجد هي مسألة في الارث عرضت له عدة مرات في خلافته ، فأفتى كل مرة فيها بخلاف الاخرى . و اذا ما تسنى له الرجوع الى الامام علي فيكتشف خطأه كان يقول : « لولا عليّ لهلك عمر » .
الثالث : أنه جعل نفسه وصيا على الامة الاسلامية ، ضاربا عرض الحائط بمبدأ الشورى ،
الذي تمسك به في السقيفة . ثم هو يعطي نفسه صلاحيات ليست له ، فحين طعن عيّن ستة من الصحابة ذكر أنهم الوحيدون الذين توفي النبي ( ص ) و هو راض عنهم ، و حين دعاهم بيّن رأيه في كل واحد منهم و أنه غير أهل للخلافة . فمن الذي أعطاه الحق في حصر الخلافة في أفراد معدودين يمدحهم تارة و يذمهم تارة أخرى ؟
و حتى هذه اللحظة و عمر لم يقرّ للامام علي ( ع ) بأهليته للخلافة ، و لا بأفضليته على الستة ،
و إلا لعينه من بعده خليفة دونما حاجة الى هذه الشورى التي لعبت فيها الاهواء و المصالح ،
و كان نتيجة ذلك ما كان من فتن .
و في هذا الصدد يرد الامام ( ع ) على عمر بلهجة حادة حيث يقول : « فيا للّه و للشّورى ،
متى اعترض الرّيب فيّ مع الأوّل منهم ، حتّى صرت أقرن إلى هذه النّظائر » . فحق الامام ( ع ) مقدم على الخليفة الاول أصلا ، فكيف بهؤلاء الخمسة ؟ .
أما ما ورد في الخطبة ( 226 ) من كلمات فيها ثناء على شخص مكنى عنه بكلمة ( فلان ) فقد اختلف الشرّاح في المراد بهذا الرجل ، و قال كثير منهم أنه ( عمر بن الخطاب ) .
و من هذا الكلام قوله : « للّه بلاء فلان ، فلقد قوّم الأود ، و داوى العمد ، و أقام السّنّة ،
و خلّف الفتنة ذهب نقيّ الثّوب ، قليل العيب . . . » .
قال الطبري : لما مات عمر بكته النساء ، فقالت ابنة ابي حثمة : « واعمراه أقام الأود ، و أبرأ العمد . أمات الفتن ، و أحيا السّنن . خرج نقيّ الثوب ، بريئا من العيب » .
قال الطبري : روى صالح بن كيسان عن المغيرة بن شعبة ، قال : لما دفن عمر ، أتيت عليا ( ع ) و أنا أحب أن أسمع منه في عمر شيئا . فخرج ينفض رأسه و لحيته و قد اغتسل ،
و هو ملتحف بثوب ، لا يشك أن الامر يصير اليه فقال : رحم اللّه ابن الخطاب لقد صدقت ابنة أبي حثمة : « ذهب بخيرها و نجا من شرّها أما و اللّه ما قالت و لكن قوّلت » .
[ 442 ]
فالظاهر مما سبق أن هذه الكلمات ليست من إنشاء الامام ( ع ) و انما رددها على لسانه لغاية معينة . فيكون الشريف الرضي قد توهم في نسبتها اليه .