مدخل :
بعد أن تكلمنا عن الزهد نتساءل ما هي الغاية من الزهد في الاسلام . فنرى أن الزهد ينطوي على معان ثلاثة هي :
1 الايثار : و هو تقديم الانسان غيره على نفسه . فالزاهد يختار العيشة البسيطة ليعطي فضل ماله للآخرين . و هذا ما فعله الامام علي ( ع ) و أهله ، حين تصدقوا بطعامهم للمسكين و اليتيم و الأسير و باتوا على الطوى .
2 المواساة : و هي مشاركة المحرومين في حياتهم . و كان الامام علي ( ع ) يؤكد على أن
[ 877 ]
يكون إمام الأمة في عيشة تتماشى مع أدنى طبقة في رعيته . و قد طبق ذلك على نفسه حين لم يأكل أكثر من رغيفيه الشعير ، طالما يوجد في مملكته من لا يجد مثل هذين الرغيفين . فعند ذلك يتحقق معنى الايثار و المواساة . فاذا رأى الفقير أن إمامه يعيش مثله كان ذلك مواساة له في حرمانه ، و اقتنع بأن إمامه يشعر بحاله و يحاول تخليصه من فقره ، و يتحقق بذلك معنى ( المواساة ) . أما بقية الناس ، فانهم حين يرون إمامهم يعيش عيشة الزهد فانهم يقتدون به ، و يعطون المحروم أفضل أموالهم ، فيتحقق عندهم معنى ( الايثار ) .
3 التحرر : فعند ما يزهد الانسان بمتاع الدنيا يستغني عنها ، فيصبح حرا من إسارها ،
و يضع أثقال المادة عن كاهله ، و يصبح نشيطا في حركته نحو آماله الروحية . و لذلك كان الامام ( ع ) يصف المتقين بأن حاجاتهم خفيفة ، أي لا يحتاجون من الدنيا إلاّ ما يقيم أودهم و يسدّ خلّتهم . و عند ما يتحرر الانسان يصبح عطاؤه كثيرا . و في ذلك قيل : الزاهد قليل المؤونة كثير المعونة .
4 رياضة النفس على التقوى : و ذلك بحرمانها من الشهوات و اللذائذ ، فبذلك تصبح طيّعة منقادة لصاحبها ، في فعل الواجبات و ترك المحرمات ، و العمل للآخرة و السير نحو اللّه ،
و تلقّي الفيوضات الإلهية .