مدخل :

حياة القلب ، و ميّت الاحياء ذكرنا في مبحث ( النفس ) أن للنفس ثلاث حالات ، هي النفس المطمئنة و الامارة و اللوامة . و هذه الحالات مركزها القلب . فيقع القلب في نزاع بين قوتين : هما النفس المطمئنة و النفس الأمارة بالسوء ، إحداهما تدعوه الى الهدى و الاخرى تدعوه الى الهوى . فاذا استولت النفس المطمئنة على القلب أشاعت فيه معالم الهداية و الدين و الحكمة و اليقين ، فزهر مصباح الهدى فيه ، و أضاء نور الحق في جنبه ،

و تعلق بالمحل الاعلى . تلك هي حياة القلب .

و أما اذا استولت النفس الامارة على القلب جعلته مركزا للهوى و الشهوات و المعاصي و الملذات ، و عطلت فيه كل نوازع الروح و الدين ، و قطعت كل علاقة له باللّه ، فانقلب صاحبه من إنسان الى حيوان ، و أصبح قلبه ميتا و ان كان هو حيا ، و ذلك ميّت الاحياء .

و عند ما يموت القلب ، تصبح كل الحواس مسخرة لخدمة الهوى و الشهوات ، و ليس لخدمة الهدى و القلب ، فعندها يصاب الانسان بعمى القلب ، مصداقا لقوله تعالى فَإنَّهَا لاَ تَعْمَى‏ الْأَبْصَارُ ، وَ لكِنْ تَعْمَى‏ الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ « الحج 46 » . فهو يملك بصرا و سمعا و عقلا ، و لكنه لا يهتدي بها و لا يستفيد منها ، مصداقا لقوله سبحانه وَ لَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الجِنِّ وَ الإنْسِ ، لَهُمْ قُلُوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَا ، وَ لَهُمْ أَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرونَ بِهَا ، وَ لَهُمْ آذَانٌ لاَ يَسْمَعُونَ بِهَا . أُوْلئكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ، أُوْلئكَ هُمُ الْغَافِلُونَ « الاعراف 179 » .

و في ذلك يقول الامام علي ( ع ) : فالصّورة صورة إنسان ، و القلب قلب حيوان . . . و ذلك ميّت الأحياء .