( 198 ) موقعة صفين

من خطبة خطبها ( ع ) و هو بالنخيلة خارجا من الكوفة الى صفين : أمّا بعد ، فقد بعثت مقدّمتي ، و أمرتهم بلزوم هذا الملطاط ، حتّى يأتيهم أمري ، و قد رأيت أن أقطع هذه النّطفة ( ماء الفرات ) إلى شرذمة منكم ، موطّنين أكناف دجلة ، فأنهضهم معكم إلى عدوّكم ، و أجعلهم من أمداد القوّة لكم . ( الخطبة 48 ، 105 ) و من خطبة له ( ع ) لما غلب أصحاب معاوية على شريعة الفرات بصفين و منعوا أصحابه الماء : قد استطعموكم القتال ، فأقّروا على مذلّة ، و تأخير محلّة ، أو روّوا السّيوف من

[ 560 ]

الدّماء ترووا من الماء ، فالموت في حياتكم مقهورين ، و الحياة في موتكم قاهرين . ألا و إنّ معاوية قادلمّة من الغواة . و عمّس عليهم الخبر حتّى جعلوا نحورهم أغراض المنيّة . ( الخطبة 51 ، 107 ) من خطبة له ( ع ) يصف فيها مبايعة أصحابه له بصفين : فتداكّوا عليّ تداكّ الإبل الهيم ( أي العطشى ) يوم وردها ، و قد أرسلها راعيها ، و خلعت مثانيها ، حتّى ظننت أنّهم قاتليّ ،

أو بعضهم قاتل بعض لديّ . و قد قلّبت هذا الأمر بطنه و ظهره حتّى منعني النّوم ، فما وجدتني يسعني إلاّ قتالهم أو الجحود بما جاء به محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ،

فكانت معالجة القتال أهون عليّ من معالجة العقاب ، و موتات الدّنيا أهون عليّ من موتات الآخرة ( أي أهوالها ) . ( الخطبة 54 ، 110 ) و من كلام له ( ع ) و قد استبطأ أصحابه اذنه لهم في القتال بصفين : أمّا قولكم : أكلّ ذلك كراهية الموت ؟ فو اللّه ما أبالي : دخلت إلى الموت أو خرج الموت إليّ . و أمّا قولكم شكّا في أهل الشّام فو اللّه ما دفعت الحرب يوما إلاّ و أنا أطمع أن تلحق بي طائفة فتهتدي بي ، و تعشو إلى ضوئي . و ذلك أحبّ إليّ من أن أقتلها على ضلالها ، و إن كانت تبوء بآثامها . ( الخطبة 55 ، 111 ) و من كلام له ( ع ) في بعض أيام صفين : و قد رأيت جولتكم ، و انحيازكم عن صفوفكم ،

تحوزكم الجفاة الطّغام ، و أعراب أهل الشّام ، و أنتم لهاميم العرب ، و يآفيخ الشّرف ، و الأنف المقدّم ، و السّنام الأعظم . و لقد شفى وحاوح صدري ، أن رأيتكم بأخرة تحوزونهم كما حازوكم ، و تزيلونهم عن مواقفهم كما أزالوكم ، حسّا بالنّضال ( أي المباراة في الرمي ) ، و شجرا بالرّماح ، تركب أولاهم أخراهم ، كالإبل الهيم المطرودة ، ترمى عن حياضها ، و تذاد عن مواردها . ( الخطبة 105 ، 204 ) و قال ( ع ) لما عزم على لقاء القوم بصفين : اللّهمّ . . إن أظهرتنا على عدوّنا ، فجنّبنا البغي و سدّدنا للحقّ . و إن أظهرتهم علينا فارزقنا الشّهادة ، و اعصمنا من الفتنة .

أين المانع للذّمار ، و الغائر عند نزول الحقائق من أهل الحفاظ . العار وراءكم و الجنّة أمامكم . ( الخطبة 169 ، 305 )

[ 561 ]

و من خطبة له ( ع ) بالكوفة قال : ما ضرّ إخواننا الّذين سفكت دماؤهم و هم بصفّين ألا يكونوا اليوم أحياء ؟ يسيغون الغصص و يشربون الرّنق ( أي الكدر ) . قد و اللّه لقوا اللّه فوفّاهم أجورهم ، و أحلّهم دار الأمن بعد خوفهم .

أين إخواني الّذين ركبوا الطّريق و مضوا على الحقّ ؟ أين عمّار ؟ و أين ابن التّيّهان ( اسمه مالك ) ؟ و أين ذو الشّهادتين ( و هو خزيمة ابن ثابت الانصاري ) ؟ و أين نظراؤهم من إخوانهم الّذين تعاقدوا على المنيّة ، و أبرد برؤوسهم إلى الفجرة ( أي أرسلت رؤوسهم مع البريد الى البغاة ) .

ثم ضرب بيده على لحيته الشريفة ، فأطال البكاء . ثم قال عليه السلام :

أوّه على إخواني الّذين تلوا القرآن فأحكموه ، و تدبّروا الفرض فأقاموه ، أحيوا السّنّة و أماتوا البدعة . دعوا للجهاد فأجابوا . و وثقوا بالقائد فاتّبعوه .

ثم نادى بأعلى صوته : الجهاد الجهاد عباد اللّه ألا و إنّي معسكر في يومي هذا ،

فمن أراد الرّواح إلى اللّه فليخرج .

قال نوف : و عقد للحسين ( ع ) في عشرة آلاف ، و لقيس بن سعد في عشرة آلاف ، و لأبي أيوب الانصاري في عشرة آلاف ، و لغيرهم على أعداد أخر ، و هو يريد الرجعة الى صفين .

فما دارت الجمعة حتى ضربه الملعون عبد الرحمن بن ملجم ، فتراجعت العساكر ، فكنا كأغنام فقدت راعيها ، تختطفها الذئاب من كل مكان . ( الخطبة 180 ، 328 ) و من كلام له ( ع ) و قد سمع قوما من أصحابه يسبون أهل الشام أيام حربهم بصفين : إنّي أكره لكم أن تكونوا سبّابين . . . ( الخطبة 204 ، 398 ) و من كلام له ( ع ) في بعض أيام صفين ، و قد رأى الحسن ( ع ) يتسرع الى الحرب : أملكوا عنّي هذا الغلام لا يهدّني ، فإنّي أنفس بهذين ( يعني الحسن و الحسين عليهما السلام ) على الموت ، لئلاّ ينقطع بهما نسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم . ( الخطبة 205 ، 399 ) و من كتاب له ( ع ) كتبه الى أهل الامصار ، يقص فيه ما جرى بينه و بين أهل صفين :

و كان بدء أمرنا أنّا التقينا و القوم من أهل الشّام . و الظّاهر أنّ ربّنا واحد ، و نبيّنا

[ 562 ]

واحد ، و دعوتنا في الإسلام واحدة . و لا نستزيدهم في الإيمان باللّه و التّصديق برسوله و لا يستزيدوننا : الأمر واحد ، إلاّ ما اختلفنا فيه من دم عثمان ، و نحن منه براء فقلنا : تعالوا نداو ما لا يدرك اليوم ، باطفاء الثّائرة و تسكين العامّة . حتّى يشتدّ الأمر و يستجمع ، فنقوى على وضع الحقّ مواضعه . فقالوا : بل نداويه بالمكابرة فأبوا حتّى جنحت الحرب و ركدت ، و وقدت نيرانها و حمست ( أي اشتدت ) . فلمّا ضرّستنا و إيّاهم و وضعت مخالبها فينا و فيهم ، أجابوا عند ذلك إلى الّذي دعوناهم إليه ، فأجبناهم إلى ما دعوا ، و سارعناهم إلى ما طلبوا ، حتّى استبانت عليهم الحجّة ،

و انقطعت منهم المعذرة . فمن تمّ على ذلك منهم فهو الّذي أنقذه اللّه من الهلكة ، و من لجّ و تمادى فهو الرّاكس ( أي الناكث ) الّذي ران اللّه على قلبه ، و صارت دائرة السّوء على رأسه . ( الخطبة 297 ، 543 )

[ 563 ]