يعتقد أتباع أهل البيت ( ع ) بأن اللّه سبحانه و تعالى هو المشرع الذي شرّع الاحكام لبني آدم ليسيروا عليها ، و أن النبي محمدا ( ص ) هو المبلغ للشريعة ، ما زال يقوم بالتبليغ حتى قال : أليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِيْنَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيْتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً .
و انه معصوم من الخطأ في جميع الامور الدينية و الدنيوية بما أيده اللّه تعالى ، و ذلك في قوله وَ مَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى إنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوحَى . و ان سيدنا علي بن أبي طالب و أبناءه ( ع ) هم الائمة الحافظون للشريعة ، يدفعون عن الدين الاباطيل و الاختلافات التي يمكن أن تطرأ عليه ، بما خصهم اللّه تعالى من العلوم الجلية التي ورثوها عن النبي ( ص ) . فقد قال النبي ( ص ) : « أنا مدينة العلم و عليّ بابها . فمن أراد المدينة فليأت الباب » . و هذه المنحة الإلهية ( أي الإمامة ) هى ضرورة شرعية لا بد منها لحفظ الدين و القرآن لقوله تعالى إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ ، وَ إنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ . فوظيفة الإمامة تتمم وظيفة النبوة . و لقد صرح النبي ( ص ) في عدة مناسبات في حياته بلزوم التمسك بالثقلين : الثقل الاكبر و هو القرآن ، و الثقل ألاصغر و هو أهل البيت ( ع ) . و لقد قال الامام علي ( ع ) للخوارج عند رفع المصاحف في صفين : هذا كتاب اللّه الصامت ،
و أنا كتاب اللّه الناطق . أي أن القرآن بحد ذاته لا ينطق الا اذا كان هناك إمام يبين تأويله الصحيح و تفسيره الحق . لا سيما و أن القرآن زاخر بالآيات المتشابهات التي يلجأ المنافقون و المغرضون عن طريقها الى تأويل القرآن حسب أهوائهم و مصالحهم ، مما هو باطل و غير صحيح .
و في الحقيقة منذ أن توفي النبي ( ص ) وقع الناس في خبط و شماس و تلون و أعتراض ،
[ 336 ]
و اختلط الأمر عليهم ، و أصبح ادراك الحق بدون إمام حافظ للشريعة أمرا مستحيلا . عند ذلك لم يجد الناس مصباحا ينير لهم الطريق و يعرّفهم على حقائق الشريعة و القرآن غير الامام علي بن أبي طالب ( ع ) ، ربيب الرسول ( ص ) و أخيه و وزيره و وصيه من بعده .
و يرى شيعة أهل البيت ( ع ) ان ( الامامة ) التي هي منصب إلهي منصوص عليه كما هو الامر بالنسبة للنبوة ، أنها آلت بعد وفاة النبي ( ص ) الى الامام علي ( ع ) ثم الى ابنه الامام الحسن « ع » ثم الى ابنه الثاني الامام الحسين « ع » شهيد كربلاء ، ثم الى الأئمة التسعة من نسل الحسين ( ع ) و هم : زين العابدين علي بن الحسين محمد الباقر جعفر الصادق موسى الكاظم علي الرضا محمد الجواد علي الهادي الحسن العسكري الحجة المهدي ،
عليهم السلام . كما يرون أن ( العصمة ) التي هي شرط للنبوة ، هي شرط للامامة أيضا ،
لانه من يوكل اليه حفظ الشريعة يلزم أن يكون منزها من الرجس ليستطيع القيام بهذا الحفظ . و قد أثبت سبحانه و تعالى هذه المزية الالهية ( أي العصمة ) لأهل بيت النبي « ص » في القرآن الكريم و ذلك في قوله تعالى إنَّمَا يُريدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً . و هذه المزية مخصصة بالاشخاص الذين أختارهم اللّه تعالى لحمل عبء الامامة بعد النبي ( ص ) و هم الأئمة الاثنا عشر المعصومون الذين ذكرناهم آنفا .
و لقد وصى النبي ( ص ) بأهل بيته ( ع ) و أكد على لزوم التمسك بالأئمة الاثني عشر ( ع ) ،
و بيّن أن كل من لا يتمسك بهديهم و يسير على نهجهم يضل عن الطريق الحق ، و يغرق في الباطل . و انه لا يمكن لمسلم ان ينجو و يحظى بالفوز ، الا بالتعلق بهم و السير على هديهم .
من ذلك حديث الثقلين . قال النبي ( ص ) : « أيها الناس . يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب ، و أني تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا ، الثقلين : كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي ، فلا تقدموهما فتهلكوا و لا تتأخروا عنهما فتهلكوا ، و لا تعلموهم فإنهم اعلم منكم . و ان اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفونّي فيهما » .
و قال ( ص ) : « مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، و من تخلف عنها غرق » .
و قال ( ص ) بسنده عن عمر بن الخطاب ( كما في الصواعق المحرقة لابن حجر ص 90 ) :
« في كلّ خلف من أمّتي عدول من أهل بيتي ، ينفون عن هذا الدّين تحريف الضّالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين . ألا و إنّ أئمّتكم وفدكم إلى اللّه عزّ و جلّ فانظروا من توفدون » .
[ 337 ]
و قال ( ص ) : « من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة » .
هذا و قد أكدت الروايات التاريخية و كتب الاحاديث ، ما فعله النبي ( ص ) و هو راجع من حجة الوداع ، حين جمع آلاف المسلمين و هم راجعون من الحج ، في مكان اسمه غدير خم ،
و أخذ بيد الامام علي ( ع ) و قال مخاطبا أياهم : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا :
اللهم بلى . قال : من كنت مولاه فهذا علي مولاه . اللهم وال من والاه ، و عاد من عاده .
و انصر من نصره ، و أخذل من خذله . و أدر الحق معه كيفما دار . فأعطى النبي ( ص ) حق الولاية ، الذي اعطاه اللّه له ، أعطاه من بعده للامام علي ( ع ) . فأصبح الامام علي ( ع ) أولى بالمؤمنين من أنفسهم . أي أن له حق الطاعة التامة لانه الممثل الشرعي و المرجع الديني لكل المسلمين . و كل من يخالفه أو يعاديه فهو مخالف للّه معاد له .