مدخل :

بعد أن خلق اللّه الانسان و لم يكن شيئا مذكورا ، شاء أن يبوئه منزلة رفيعة ، و يفضّله على كثير من مخلوقاته ، و ذلك بأن يجعله خليفته في الأرض ، فأعطاه العقل و التمييز و الارادة و الاختيار ، و كلّفه بحمل الأمانة ، ليستحق تلك المنزلة بجدارة . إذن فوجود الانسان في الدنيا لم يكن عبثا ، و انّما كان بتكليف إلهي و عناية ربانية .

و لهذه المنزلة الرفيعة التي أقام اللّه فيها آدم ( ع ) أمر الملائكة بالسجود له ، إقرارا بعظمته ،

و بأنّه أفضل من الملائكة أجمعين .

و من دلائل عظمة هذا الانسان ، أنّ اللّه سبحانه خلق كلّ هذه السموات و الأرضين من أجله ، و سخر كلّ شي‏ء فيها لخدمته ، فهو مغزى الوجود و علّته . يقول تعالى :

اَللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمواتِ وَ الأَرْضَ ، وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً ، فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْْقاً لَكُمْ . وَ سَخَّرَ لَكُمْ الْفُلْكَ لِتَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ، وَ سَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهارَ وَ سَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ دائِبَيْنِ ، وَ سَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ « ابراهيم 32 و 33 » .

و في هذا المعنى يقول الشاعر اقبال :

أنت ربّ الجنود ، أنت فتى الميدان ، أنت المغزى و أنت القضيّه إنّ أهل السماء جندك ، لو تدري استغليت هذه الجنديّه سجدت نحوك الملائك إكبارا ، لما نلت من معان سنيّه و أقامت دهرا حواليك ، تستكشف ما فيك من رموز خفيّه لست تدري ما في كيانك من فضل و شأن و قيمة و مزيّه

[ 155 ]

فلك الويل من بليد قصير الطرف ، يعمى عن الأمور الجليّه لا يرى نفسه و إن هي لاحت ، في دجى الكون كالنجوم المضيّه