من خطبة له ( ع ) يقسم الناس فيها الى ثلاثة أقسام بحسب عملهم : شغل من الجنّة و النّار أمامه . ساع سريع نجا ( القسم الأول : و هو الملتزم بالشريعة كليّا ، لا تشغله فرائضها عن نوافلها ) ، و طالب بطيء رجا ( القسم الثاني : و هو المتجاذب بين الخير و الشر ، يكتفي بأداء الفرائض راجيا المغفرة ) ، و مقصّر في النّار هوى ( القسم الثالث : و هو المقصر الذي لا تنهاه صلاته عن الفحشاء ) . اليمين و الشّمال مضلّة ( أي القسم الثاني و الثالث ) و الطّريق الوسطى هي الجادّة ( أي القسم الأول ) ، عليها باقي الكتاب ، و آثار النّبوّة ،
و منها منفذ السّنّة ، و إليها مصير العاقبة . ( الخطبة 16 ، 57 ) فإنّ الغاية أمامكم ، و إنّ وراءكم السّاعة تحدوكم . تخفّفوا تلحقوا . فإنّما ينتظر بأوّلكم آخركم . ( الخطبة 21 ، 65 ) و إنّ المال و البنين حرث الدّنيا ، و العمل الصّالح حرث الآخرة ، و قد يجمعهما اللّه تعالى لأقوام . فاحذروا من اللّه ما حذّركم من نفسه ، و اخشوه خشية ليست بتعذير .
و أعملوا في غير رياء و لا سمعة ، فإنّه من يعمل لغير اللّه يكله اللّه لمن عمل له . ( الخطبة 23 ، 69 ) أمّا بعد ، فإنّ الدّنيا قد أدبرت ، و آذنت بوداع . و إنّ الآخرة قد أقبلت ، و أشرفت باطّلاع .
( الخطبة 28 ، 78 ) ألا عامل لنفسه قبل يوم بؤسه . ألا و إنّكم في أيّام أمل ، من ورائه أجل ، فمن عمل في أيّام أمله قبل حضور أجله ، فقد نفعه عمله ، و لم يضرره أجله . و من قصّر في أيّام أمله قبل حضور أجله ، فقد خسر عمله ، و ضرّه أجله . ألا فاعملوا في الرّغبة كما تعملون في الرّهبة . ألا و إنّي لم أر كالجنّة نام طالبها ، و لا كالنّار نام هاربها . . . ألا و إنّكم قد أمرتم بالظّعن ، و دللتم على الزّاد ، و إنّ أخوف ما أخاف عليكم : اتّباع الهوى ، و طول الأمل .
[ 910 ]
فتزوّدوا في الدّنيا من الدّنيا ، ما تحرزون به أنفسكم غدا . ( الخطبة 28 ، 79 ) و منهم من يطلب الدّنيا بعمل الآخرة ، و لا يطلب الآخرة بعمل الدّنيا . ( الخطبة 32 ، 86 ) ألا و إنّ الدّنيا قد ولّت حذّاء ، فلم يبق منها إلاّ صبابة كصبابة الإناء اصطبّها صابّها .
ألا و إنّ الآخرة قد أقبلت ، و لكلّ منهما بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة ، و لا تكونوا من أبناء الدّنيا ، فإنّ كلّ ولد سيلحق بأمّه يوم القيامة . و إنّ اليوم عمل و لا حساب ، و غدا حساب و لا عمل . ( الخطبة 42 ، 100 ) و موتات الدّنيا أهون عليّ من موتات الآخرة . ( الخطبة 54 ، 111 ) ألا و إنّ الدّنيا دار . . . ابتلي النّاس بها فتنة ، فما أخذوه منها لها ، أخرجوا منه و حوسبوا عليه ، و ما أخذوه منها لغيرها قدموا عليه و أقاموا فيه . ( الخطبة 61 ، 116 ) فاتّقوا اللّه عباد اللّه ، و بادروا آجالكم بأعمالكم ، و ابتاعوا ما يبقى لكم بما يزول عنكم ، و ترحّلوا فقد جدّبكم ، و استعدّوا للموت فقد أظلّكم ، و كونوا قوما صيح بهم فانتبهوا ، و علموا أنّ الدّنيا ليست لهم بدار فاستبدلوا ، فإنّ اللّه سبحانه لم يخلقكم عبثا ، و لم يترككم سدى ، و ما بين أحدكم و بين الجنّة أو النّار إلاّ الموت أن ينزل به .
و إنّ غاية تنقصها اللّحظة ، و تهدمها السّاعة ، لجديرة بقصر المدّة . و إنّ غائبا يحدوه الجديدان : اللّيل و النّهار ، لحريّ بسرعة الأوبة . و إنّ قادما يقدم بالفوز أو الشّقوة لمستحقّ لأفضل العدّة . فتزوّدوا في الدّنيا من الدّنيا ، ما تحرزون به أنفسكم غدا .
( الخطبة 62 ، 116 ) رحم اللّه امرءا سمع حكما فوعى ، و دعي إلى رشاد فدنا ، و أخذ بحجزة هاد فنجا .
راقب ربّه ، و خاف ذنبه . قدّم خالصا ، و عمل صالحا . اكتسب مذخورا ، و اجتنب محذورا ، و رمى غرضا ، و أحرز عوضا . كابر هواه ، و كذّب مناه . جعل الصّبر مطيّة نجاته ، و التّقوى عدّة وفاته . ركب الطّريقة الغرّاء ، و لزم المحجّة البيضاء . اغتنم المهل ، و بادر الأجل ، و تزوّد من العمل . ( الخطبة 74 ، 130 ) فاتّقوا اللّه تقيّة من . . . عمّر معادا ، و استظهر زادا ، ليوم رحيله و وجه سبيله ، و حال حاجته ، و موطن فاقته ، و قدّم أمامه لدار مقامه فاتّقوا اللّه . . . و استحقّوا منه ما أعدّ لكم
[ 911 ]
بالتّنجّز لصدق ميعاده ، و الحذر من هول معاده . ( الخطبة 81 ، 2 ، 141 ) لم يمهدوا في سلامة الأبدان . ( الخطبة 81 ، 2 ، 142 ) . . . و قدّم زاد الآجلة سعيدا ، و بادر من وجل ، و أكمش في مهل ، و رغب في طلب ،
و ذهب عن هرب ، و راقب في يومه غده ، و نظر قدما أمامه . ( الخطبة 81 ، 2 ، 145 ) كادحا سعيا لدنياه . . . لم يفد عوضا ، و لم يقض مفترضا . ( الخطبة 81 ، 3 ، 146 ) فليعمل العامل منكم في أيّام مهله ، قبل إرهاق أجله ، و في فراغه قبل أو ان شغله ، و في متنفّسه قبل أن يؤخذ بكظمه ، و ليمهّد لنفسه و قدمه ، و ليتزوّد من دار ظعنه لدار إقامته .
( الخطبة 84 ، 151 ) و أعدّ القرى ليومه النّازل به ، فقرّب على نفسه البعيد و هوّن الشّديد . ( الخطبة 85 ، 153 ) عباد اللّه ، زنوا أنفسكم من قبل أن توزنوا ، و حاسبوها من قبل أن تحاسبوا ، و تنفّسوا قبل ضيق الخناق ، و انقادوا قبل عنف السّياق . ( الخطبة 88 ، 160 ) اعملوا ، رحمكم اللّه ، على أعلام بيّنة ، فالطّريق نهج ( أي واضح قويم ) يدعو إلى دار السّلام ، و أنتم في دار مستعتب على مهل و فراغ ، و الصّحف منشورة ، و الأقلام جارية ،
و الأبدان صحيحة ، و الألسن مطلقة ، و التّوبة مسموعة ، و الأعمال مقبولة . ( الخطبة 92 ، 186 ) إن دعي إلى حرث الدّنيا عمل ، و إن دعي إلى حرث الآخرة كسل . ( الخطبة 101 ، 197 ) اجعلوا ما افترض اللّه عليكم من طلبكم ، و اسألوه من أداء حقّه ما سألكم . ( الخطبة 111 ، 218 ) و كلّ شيء من الدّنيا سماعه أعظم من عيانه ، و كلّ شيء من الآخرة عيانه أعظم من سماعه . فليكفكم من العيان السّماع ، و من الغيب الخبر . و اعلموا أنّ ما نقص من الدّنيا و زاد في الآخرة خير ممّا نقص من الآخرة و زاد في الدّنيا . فكم من منقوص رابح و مزيد خاسر . ( الخطبة 112 ، 221 ) قد تكفّل لكم بالرّزق و أمرتم بالعمل ، فلا يكوننّ المضمون لكم طلبه أولى بكم من المفروض عليكم عمله ، مع أنّه و اللّه لقد اعترض الشّكّ و دخل اليقين ، حتّى كأنّ
[ 912 ]
الّذي ضمن لكم قد فرض عليكم ، و كأنّ الّذي قد فرض عليكم قد وضع عنكم . فبادروا العمل ، و خافوا بغتة الأجل ، فإنّه لا يرجى من رجعة العمر ما يرجى من رجعة الرّزق .
ما فات اليوم من الرّزق رجي غدا زيادته . و ما فات أمس من العمر لم يرج اليوم رجعته .
الرّجاء مع الجائي ، و اليأس مع الماضي . ( الخطبة 112 ، 221 ) اعملوا ليوم تذخر له الذّخائر ، و تبلى فيه السّرائر . ( الخطبة 118 ، 228 ) أجل منقوص ، و عمل محفوظ . فربّ دائب مضيّع ، و ربّ كادح خاسر . ( الخطبة 127 ، 240 ) فمن أشعر التّقوى قلبه ، برّز مهله و فاز عمله . فاهتبلوا هبلها ، و اعملوا للجنّة عملها . فإنّ الدّنيا لم تخلق لكم دار مقام ، بل خلقت لكم مجازا لتزوّدوا منها الأعمال إلى دار القرار . فكونوا منها على أوفاز ( أي على استعجال ) ، و قرّبوا الظّهور للزّيال . ( الخطبة 130 ، 244 ) و من خطبة له ( ع ) يقول فيها : و إنّما الدّنيا منتهى بصر الأعمى ، لا يبصر ممّا وراءها شيئا ، و البصير ينفذها بصره ، و يعلم أنّ الدّار وراءها . فالبصير منها شاخص ،
و الأعمى إليها شاخص . و البصير منها متزوّد ، و الأعمى لها متزوّد .
( منها ) : و اعلموا أنّه ليس من شيء إلاّ و يكاد صاحبه يشبع منه و يملّه ، إلاّ الحياة ،
فإنّه لا يجد له في الموت راحة . ( الخطبة 131 ، 245 ) . . . و اذكر قبرك ، فإنّ عليه ممرّك ، و كما تدين تدان ، و كما تزرع تحصد . و ما قدّمت اليوم تقدم عليه غدا . فامهد لقدمك ، و قدّم ليومك . ( الخطبة 151 ، 269 ) فتزوّدوا في أيّام الفناء لأيّام البقاء . فقد دللتم على الزّاد و أمرتم بالظّعن ( أي السفر ) .
و حثثتم على المسير . فإنّما أنتم كركب وقوف ، لا يدرون متى يؤمرون بالسّير . ( الخطبة 155 ، 277 ) عباد اللّه ، احذروا يوما تفحص فيه الأعمال ، و يكثر فيه الزّلزال ، و تشيب فيه الأطفال .
( الخطبة 155 ، 277 ) بادروا أمر العامّة ، و خاصّة أحدكم و هو الموت . فإنّ النّاس أمامكم ، و إنّ السّاعة
[ 913 ]
تحدوكم من خلفكم ، تخفّفوا تلحقوا . فإنّما ينتظر بأوّلكم آخركم . ( الخطبة 165 ، 301 ) و سابقوا فيها إلى الدّار الّتي دعيتم إليها ، و انصرفوا بقلوبكم عنها . . . ألا و إنّه لا يضرّكم تضييع شيء من دنياكم بعد حفظكم قائمة دينكم . ألا و إنّه لا ينفعكم بعد تضييع دينكم شيء حافظتم عليه من أمر دنياكم . ( الخطبة 171 ، 309 ) و اعلموا عباد اللّه أنّ المؤمن لا يصبح و لا يمسي إلاّ و نفسه ظنون عنده . فلا يزال زاريا عليها و مستزيدا لها ( أي المؤمن يظن في نفسه دائما النقص و التقصير في الطاعة ) . فكونوا كالسّابقين قبلكم ، و الماضين أمامكم . قوّضوا من الدّنيا تقويض الرّاحل ، و طوؤها طيّ المنازل . ( الخطبة 174 ، 312 ) العمل العمل ، ثمّ النّهاية النّهاية ، و الإستقامة الإستقامة ، ثمّ الصّبر الصّبر ، و الورع الورع إنّ لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم . و إنّ لكم علما ( يقصد به القرآن ) فاهتدوا بعلمكم .
و إنّ للإسلام غاية فانتهوا إلى غايته . و اخرجوا إلى اللّه بما افترض عليكم من حقّه ،
و بيّن لكم من وظائفه . أنا شاهد لكم ، و حجيج يوم القيامة عنكم . ( الخطبة 174 ، 314 ) فبادروا المعاد ، و سابقوا الآجال . فإنّ النّاس يوشك أن ينقطع بهم الأمل ، و يرهقهم الأجل ، و يسدّ عنهم باب التّوبة . فقد أصبحتم في مثل ما سأل إليه الرّجعة من كان قبلكم . و أنتم بنو سبيل على سفر من دار ليست بداركم . و قد أوذنتم منها بالارتحال ،
و أمرتم فيها بالزّاد . و اعلموا أنّه ليس لهذا الجلد الرّقيق صبر على النّار ، فارحموا نفوسكم فإنّكم قد جرّبتموها في مصائب الدّنيا . ( الخطبة 181 ، 331 ) أفرأيتم جزع أحدكم من الشّوكة تصيبه ، و العثرة تدميه ، و الرّمضاء تحرقه ؟ فكيف إذا كان بين طابقين من نار ، ضجيع حجر و قرين شيطان . أعلمتم أنّ مالكا إذا غضب على النّار حطم بعضها بعضا لغضبه ، و إذا زجرها توثّبت بين أبوابها جزعا من زجرته .
أيّها اليفن الكبير ( أي الشيخ المسن ) الّذي قد لهزه القتير ( أي خالطه الشيب ) كيف أنت إذا التحمت أطواق النّار بعظام الأعناق ، و نشبت الجوامع حتّى أكلت لحوم السّواعد ؟ فاللّه اللّه معشر العباد و أنتم سالمون ، في الصّحّة قبل السّقم ، و في الفسحة قبل الضّيق . فاسعوا في فكاك رقابكم من قبل أن تغلق رهائنها . أسهروا عيونكم
[ 914 ]
و أضمروا بطونكم ، و استعملوا أقدامكم و أنفقوا أموالكم . و خذوا من أجسادكم فجودوا بها على أنفسكم ، و لا تبخلوا بها عنها ، فقد قال اللّه سبحانه إنْ تَنْصُرُوا اللّهَ يَنْصُرْكُمْ وَ يُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ و قال تعالى مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ ، وَ لَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ . فلم يستنصركم من ذلّ ، و لم يستقرضكم من قلّ . استنصركم وَ لَهُ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَ الأَرْضِ وَ هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ . و استقرضكم وَ لَهُ خَزَائنُ السَّماوَاتِ وَ الأَرْضَ ، وَ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيْدُ . و إنّما أراد أن يبلوكم أيّكم أحسن عملا . فبادروا بأعمالكم تكونوا مع جيران اللّه في داره . رافق بهم رسله ، و أزارهم ملائكته . و أكرم أسماعهم أن تسمع حسيس نار أبدا . و صان أجسادهم أن تلقى لغوبا و نصبا ذلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتيهِ مَنْ يَشَاءُ وَ اللّهُ ذُو الفَضْلِ الْعَظِيمِ .
أقول ما تسمعون ، و اللّه المستعان على نفسي و أنفسكم . و هو حسبنا و نعم الوكيل .
( الخطبة 181 ، 332 ) فسابقوا رحمكم اللّه إلى منازلكم الّتي أمرتم أن تعمروها ، و الّتي رغبتم فيها و دعيتم إليها . . . فإنّ غدا من اليوم قريب . ما أسرع السّاعات في اليوم ، و أسرع الأيّام في الشّهر ، و أسرع الشّهور في السّنة ، و أسرع السّنين في العمر . ( الخطبة 186 ، 348 ) فاللّه اللّه عباد اللّه فإنّ الدّنيا ماضية بكم على سنن ، و أنتم و السّاعة في قرن . و كأنّها قد جاءت بأشراطها ، و أزفت بأفراطها ، و وقفت بكم على صراطها . و كأنّها قد أشرفت بزلازلها ، و أناخت بكلاكلها . و انصرمت الدّنيا بأهلها ، و أخرجتهم من حضنها .
فكانت كيوم مضى أو شهر انقضى . و صار جديدها رثّا ، و سمينها غثّا . في موقف ضنك المقام . و أمور مشتبهة عظام . و نار شديد كلبها ، عال لجبها ، ساطع لهبها ،
متغيّظ زفيرها . متأجّج سعيرها ، بعيد خمودها ، ذاك وقودها ، مخوف وعيدها . عم قرارها ، مظلمة أقطارها . حامية قدورها ، فظيعة أمورها . وَ سِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إلَى الجَنَّةِ زُمَراً قد أمن العذاب و انقطع العتاب . و زحزحوا عن النّار ، و اطمأنّت بهم الدّار ، و رضوا المثوى و القرار . الّذين كانت أعمالهم في الدّنيا زاكية و أعينهم باكية . و كان ليلهم في دنياهم نهارا ، تخشّعا و استغفارا . و كان نهارهم ليلا ، توحّشا و انقطاعا . فجعل اللّه
[ 915 ]
لهم الجنّة مآبا و الجزاء ثوابا . و كانوا أحقّ بها و أهلها ، في ملك دائم و نعيم قائم .
( الخطبة 188 ، 351 ) و بادروا آجالكم بأعمالكم ، فإنّكم مرتهنون بما أسلفتم ، و مدينون بما قدّمتم . و كأن قد نزل بكم المخوف . فلا رجعة تنالون ، و لا عثرة تقالون . ( الخطبة 188 ، 352 ) عباد اللّه ، الآن فاعلموا ، و الألسن مطلقة ، و الأبدان صحيحة ، و الأعضاء لدنة .
و المنقلب فسيح ، و المجال عريض . قبل إرهاق الفوت و حلول الموت . فحقّقوا عليكم نزوله و لا تنتظروا قدومه . ( الخطبة 194 ، 385 ) أيّها النّاس . إنّما الدّنيا دار مجاز ، و الآخرة دار قرار . فخذوا من ممرّكم لمقرّكم .
و لا تهتكوا أستاركم عند من يعلم أسراركم . و أخرجوا من الدّنيا قلوبكم من قبل أن تخرج منها أبدانكم . ففيها اختبرتم ، و لغيرها خلقتم . إنّ المرء إذا هلك قال النّاس :
ما ترك ؟ و قالت الملائكة : ما قدّم ؟ للّه آباؤكم فقدّموا بعضا يكن لكم قرضا .
و لا تخلفوا كلاّ فيكون فرضا عليكم . ( الخطبة 201 ، 396 ) تجهّزوا رحمكم اللّه ، فقد نودي فيكم بالرّحيل . و أقلّوا العرجة على الدّنيا . و انقلبوا بصالح ما بحضرتكم من الزّاد . فإنّ أمامكم عقبة كؤودا ، و منازل مخوفة مهولة . لا بدّ من الورود عليها و الوقوف عندها . و اعلموا أنّ ملاحظ المنيّة نحوكم دانية . و كأنّكم بمخالبها و قد نشبت فيكم . و قد دهمتكم فيها مفظعات الأمور ، و معضلات المحذور .
فقطّعوا علائق الدّنيا و استظهروا بزاد التّقوى . ( الخطبة 202 ، 396 ) و من كلام له ( ع ) بالبصرة و قد دخل على العلاء بن زياد الحارثي يعوده ، فلمّا رأى سعة داره قال : ما كنت تصنع بسعة هذه الدّار في الدّنيا ؟ و أنت إليها في الآخرة كنت أحوج ؟ و بلى إن شئت بلغت بها الآخرة : تقري فيها الضّيف ، و تصل فيها الرّحم ،
و تطلع منها الحقوق مطالعها ، فإذا أنت قد بلغت بها الآخرة . ( الخطبة 207 ، 400 ) فليقبل امرؤ كرامة ( أي نصيحة ) بقبولها ، و ليحذر قارعة قبل حلولها ، و لينظر امرؤ في قصير أيّامه ، و قليل مقامه . في منزل حتّى يستبدل به منزلا . فليصنع لمتحوّله ، و معارف منتقله . فطوبى لذي قلب سليم . أطاع من يهديه ، و تجنّب من يرديه . و أصاب سبيل
[ 916 ]
السّلامة ببصر من بصّره ، و طاعة هاد أمره . و بادر الهدى قبل أن تغلق أبوابه ، و تقطّع أسبابه . و استفتح التّوبة ، و أماط الحوبة . فقد أقيم على الطّريق ، و هدي نهج السّبيل .
( الخطبة 212 ، 408 ) فتحرّ من أمرك ما يقوم به عذرك ، و تثبت به حجّتك . و خذ ما يبقى لك ممّا لا تبقى له .
و تيسّر لسفرك . و شم برق النّجاة ، و ارحل مطايا التّشمير ( أي ضع على المطيّة رحل السفر الذي فيه زادك و مؤونتك ) . ( الخطبة 221 ، 425 ) فاعملوا و العمل يرفع ، و التّوبة تنفع ، و الدّعاء يسمع . و الحال هادئة ، و الأقلام جارية .
و بادروا بالأعمال عمرا ناكسا ، أو مرضا حابسا ، أو موتا خالسا . فإنّ الموت . . .
( الخطبة 228 ، 431 ) فعليكم بالجدّ و الإجتهاد ، و التّأهّب و الإستعداد ، و التّزوّد في منزل الزّاد .
و لا تغرّنّكم . . . ( الخطبة 228 ، 432 ) فاعملوا و أنتم في نفس البقاء . و الصّحف منشورة ، و التّوبة مبسوطة . و المدبر يدعى ،
و المسيء يرجى . قبل أن يخمد العمل ، و ينقطع المهل ، و ينقضي الأجل . و يسدّ باب التّوبة ، و تصعد الملائكة . فأخذ امرؤ من نفسه لنفسه . و أخذ من حيّ لميّت ،
و من فان لباق ، و من ذاهب لدائم . آمرؤ خاف اللّه و هو معمّر إلى أجله ، و منظور إلى عمله . امرؤ ألجم نفسه بلجامها ، و زمّها بزمامها . فأمسكها بلجامها عن معاصي اللّه ،
و قادها بزمامها إلى طاعة اللّه . ( الخطبة 235 ، 437 ) و من كتاب له ( ع ) لابن عباس : أمّا بعد ، فإنّ المرء قد يسرّه درك ما لم يكن ليفوته ،
و يسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه . فليكن سرورك بما نلت من آخرتك ، و ليكن أسفك على ما فاتك منها . و ما نلت من دنياك فلا تكثر به فرحا ، و ما فاتك منها فلا تأس عليه جزعا . و ليكن همّك فيما بعد الموت . ( الخطبة 261 ، 458 ) و قال ( ع ) من وصيّته لابنه الحسن ( ع ) : يا بنيّ إنّي قد أنبأتك عن الدّنيا و حالها و زوالها و انتقالها . و أنبأتك عن الآخرة و ما أعدّ لأهلها فيها . و ضربت لك فيهما الأمثال لتعتبر بها ، و تحذو عليها . إنّما مثل من خبر الدّنيا كمثل قوم سفر نبا بهم منزل جديب ، فأمّوا
[ 917 ]
منزلا خصيبا و جنابا مريعا . فاحتملوا و عثاء ( أي مشقة ) الطّريق ، و فراق الصّديق .
و خشونة السّفر ، و جشوبة المطعم . ليأتوا سعة دارهم ، و منزل قرارهم . فليس يجدون لشيء من ذلك ألما ، و لا يرون نفقة فيه مغرما . و لا شيء أحبّ إليهم ممّا قرّبهم من منزلهم ، و أدناهم من محلّتهم .
و مثل من أغترّ بها كمثل قوم كانوا بمنزل خصيب فنبا بهم إلى منزل جديب . فليس شيء أكره إليهم و لا أفظع عندهم من مفارقة ما كانوا فيه إلى ما يهجمون عليه و يصيرون إليه . ( الخطبة 270 ، 2 ، 479 ) و اعلم أنّ أمامك طريقا ذا مسافة بعيدة و مشقّة شديدة . و إنّه لا غنى بك فيه عن حسن الإرتياد ، و قدر بلاغك من الزّاد مع خفّة الظّهر . فلا تحملنّ على ظهرك فوق طاقتك ،
فيكون ثقل ذلك وبالا عليك . و إذا وجدت من أهل الفاقة من يحمل لك زادك إلى يوم القيامة ، فيوافيك به غدا حيث تحتاج إليه ، فاغتنمه و حمّله إيّاه ، و أكثر من تزويده و أنت قادر عليه ، فلعلّك تطلبه فلا تجده . و اغتنم من استقرضك في حال غناك ،
ليجعل قضاءه لك في يوم عسرتك .
و اعلم أنّ أمامك عقبة كؤودا . المخفّ فيها أحسن حالا من المثقل . و المبطىء عليها أقبح حالا من المسرع . و أنّ مهبطك بها لا محالة إمّا على جنّة أو على نار . فارتد لنفسك قبل نزولك ، و وطّىء المنزل قبل حلولك . فليس بعد الموت مستعتب ، و لا إلى الدّنيا منصرف . ( الخطبة 270 ، 2 ، 481 ) و اعلم يا بنيّ أنّك إنّما خلقت للآخرة لا للدّنيا ، و للفناء لا للبقاء ، و للموت لا للحياة .
و أنّك في منزل قلعة ( أي لا يدري ساكنه متى ينتقل عنه ) و دار بلغة ( أي تؤخذ منها الكفاية للآخرة ) و طريق إلى الآخرة . و أنّك طريد الموت الّذي لا ينجو منه هاربه ،
و لا يفوته طالبه ، و لا بدّ أنّه مدركه . فكن منه على حذر أن يدركك و أنت على حال سيّئة ، قد كنت تحدّث نفسك منها بالتّوبة ، فيحول بينك و بين ذلك . فإذا أنت قد أهلكت نفسك . ( الخطبة 270 ، 3 ، 483 ) و من الفساد إضاعة الزّاد ( زاد التقوى ) و مفسدة المعاد . ( الخطبة 270 ، 3 ، 486 )
[ 918 ]
و من كتاب له ( ع ) الى الأسود بن قطيبة : و اعلم أنّ الدّنيا دار بليّة ، لم يفرغ صاحبها فيها قطّ ساعة إلاّ كانت فرغته عليه حسرة يوم القيامة ( المقصود بالفراغ هنا هو خلو وقت الانسان من عمل مفيد ) . ( الخطبة 298 ، 545 ) الصّدقة دواء منجح ، و أعمال العباد في عاجلهم ، نصب أعينهم في آجلهم . ( 6 ح ، 566 ) و قال ( ع ) و قد لقيه عند مسيره الى الشام دهاقين الأنبار ، فترجّلوا له و اشتدوا بين يديه ،
فقال : ما هذا الّذي صنعتموه ؟ فقالوا : خلق منّا نعظّم به أمراءنا . فقال ( ع ) : و اللّه ما ينتفع بهذا أمراؤكم و إنّكم لتشقّون على أنفسكم في دنياكم ، و تشقون به في آخرتكم . و ما أخسر المشقّة وراءها العقاب ، و أربح الدّعة معها الأمان من النّار .
( 37 ح ، 572 ) طوبى لمن ذكر المعاد ، و عمل للحساب ، و قنع بالكفاف ، و رضي عن اللّه .
( 44 ح ، 574 ) كلّ معدود منقض ، و كلّ متوقّع آت . ( 75 ح ، 577 ) آه من قلّة الزّاد ، و طول الطّريق ، و بعد السّفر ، و عظيم المورد . ( 77 ح ، 578 ) إنّ الدّنيا و الآخرة عدوّان متفاوتان ، و سبيلان مختلفان . فمن أحبّ الدّنيا و تولاّها أبغض الآخرة و عاداها . و هما بمنزلة المشرق و المغرب ، و ماش بينهما ، كلّما قرب من واحد بعد من الآخر . و هما بعد ضرّتان . ( 103 ح ، 583 ) شتّان ما بين عملين : عمل تذهب لذّته و تبقى تبعته ، و عمل تذهب مؤونته و يبقى أجره .
( 121 ح ، 587 ) . . . و عجبت لعامر دار الفناء و تارك دار البقاء . ( 126 ح ، 589 ) الأمر قريب و الإصطحاب قليل . ( 168 ح ، 599 ) الرّحيل وشيك . ( 187 ح ، 600 ) و بادروا الموت الّذي إن هربتم منه أدرككم ، و إن أقمتم أخذكم ، و إن نسيتموه ذكركم . ( 203 ح ، 603 ) بئس الزّاد إلى المعاد ، العدوان على العباد . ( 221 ح ، 606 )
[ 919 ]
مرارة الدّنيا حلاوة الآخرة ، و حلاوة الدّنيا مرارة الآخرة . ( 251 ح ، 611 ) النّاس في الدّنيا عاملان : عامل عمل في الدّنيا للدّنيا ، قد شغلته دنياه عن آخرته .
يخشى على من يخلفه الفقر و يأمنه على نفسه ، فيفني عمره في منفعة غيره . و عامل عمل في الدّنيا لما بعدها ، فجاءه الّذي له من الدّنيا بغير عمل ، فأحرز الحظّين معا ،
و ملك الدّارين جميعا ، فأصبح وجيها عند اللّه ، لا يسأل اللّه حاجة فيمنعه .
( 269 ح ، 620 ) من تذكّر بعد السّفر استعدّ . ( 280 ح ، 623 ) و روي أنه ( ع ) قلّما اعتدل به المنبر ، الا قال أمام الخطبة : أيّها النّاس ، اتّقوا اللّه فما خلق امرؤ عبثا فيلهو ، و لا ترك سدى فيلغوا . و ما دنياه الّتي تحسّنت له بخلف من الآخرة الّتي قبّحها سوء النّظر عنده . و ما المغرور الّذي ظفر من الدّنيا بأعلى همّته كالآخر الّذي ظفر من الآخرة بأدنى سهمته . ( 370 ح ، 640 ) و قال ( ع ) لجابر بن عبد اللّه الأنصاري : يا جابر ، قوام الدّين و الدّنيا بأربعة : عالم مستعمل علمه ، و جاهل لا يستنكف أن يتعلّم ، و جواد لا يبخل بمعروفه ، و فقير لا يبيع آخرته بدنياه . فإذا ضيّع العالم علمه استنكف الجاهل أن يتعلّم ، و إذا بخل الغنيّ بمعروفه باع الفقير آخرته بدنياه . ( 372 ح ، 641 ) . . . و من عمل لدينه كفاه اللّه أمر دنياه . ( 423 ح ، 652 ) الدّنيا خلقت لغيرها ، و لم تخلق لنفسها . ( 463 ح ، 659 )