قال الامام علي ( ع ) :
عند تلاوته : يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ : يا أيّها الإنسان ، ما جرّأك على ذنبك ،
و ما غرّك بربّك ، و ما أنّسك بهلكة نفسك ؟ . ( الخطبة 221 ، 423 ) ثم قال ( ع ) . . . و حقا أقول ما الدّنيا غرّتك ، و لكن بها اغتررت ، و لقد كاشفتك العظات ،
و آذنتك على سواء . و لهي بما تعدك من نزول البلاء بجسمك ، و النّقص في قوّتك ،
أصدق و أوفى من أن تكذبك أو تغرّك . و لربّ ناصح لها عندك متّهم و صادق من خبرها مكذّب . و لئن تعرّفتها في الدّيار الخاوية ، و الرّبوع الخالية ، لتجدنّها من حسن تذكيرك ، و بلاغ موعظتك ، بمحلّة الشّفيق عليك ، و الشّحيح بك . و لنعم دار من لم يرض بها دارا و محلّ من لم يوطّنها محلاّ و إنّ السّعداء بالدّنيا غدا هم الهاربون منها اليوم . ( الخطبة 221 ، 424 ) و قال ( ع ) و قد سمع رجلا يذم الدنيا : أيّها الذّامّ للدّنيا ، المغترّ بغرورها ، المخدوع بأباطيلها أتغترّ بالدّنيا ثمّ تذّمّها ؟ أنت المتجرّم عليها ، أم هي المتجرّمة عليك ؟ متى استهوتك ، أم متى غرّتك ؟ أبمصارع آبائك من البلى ، أم بمضاجع أمّهاتك تحت الثّرى ؟ كم علّلت بكفّيك ؟ و كم مرّضت بيديك ؟ تبغي لهم الشّفاء ، و تستوصف لهم الأطبّاء ، غداة لا يغني عنهم دواؤك ، و لا يجدي عليهم بكاؤك . لم ينفع أحدهم إشفاقك ، و لم تسعف فيه بطلبتك ، و لم تدفع عنه بقوّتك و قد مثّلت لك به الدّنيا
[ 888 ]
نفسك ، و بمصرعه مصرعك . إنّ الدّنيا دار صدق لمن صدقها ، و دار عافية لمن فهم عنها ، و دار غنى لمن تزوّد منها ، و دار موعظة لمن اتّعظ بها . مسجد أحبّاء اللّه ،
و مصلّى ملائكة اللّه ، و مهبط وحي اللّه ، و متجر أولياء اللّه . اكتسبوا فيها الرّحمة ،
و ربحوا فيها الجنّة . فمن ذا يذمّها و قد اذنت ببينها ( أي أعلمت أهلها ببعدها و زوالها عنهم ) ، و نادت بفراقها ، و نعت نفسها و أهلها ، فمثّلت لهم ببلائها البلاء ، و شوّقتهم بسرورها إلى السّرور ؟ راحت بعافية ، و ابتكرت بفجيعة ، ترغيبا و ترهيبا ، و تخويفا و تحذيرا . فذمّها رجال غداة النّدامة ، و حمدها آخرون يوم القيامة . ذكّرتهم الدّنيا فتذكّروا ، و حدّثتهم فصدّقوا ، و وعظتهم فاتّعظوا . ( 131 ح ، 590 )