النصوص :

لما ظفر الامام ( ع ) باصحاب الجمل ، و قد قال له بعض اصحابه : وددت أن أخي فلانا كان شاهدنا ليرى ما نصرك اللّه به على أعدائك ، فقال له ( ع ) : أهوى أخيك معنا ؟

فقال : نعم . قال : فقد شهدنا . و لقد شهدنا في عسكرنا هذا أقوام في أصلاب الرّجال ، و أرحام النّساء ، سيرعف بهم الزّمان ، و يقوى بهم الإيمان . ( الخطبة 12 ، 52 ) قال الامام ( ع ) يخاطب أهل البصرة : كأنّي بمسجدكم كجؤجؤ سفينة ( أي صدرها ) ،

قد بعث اللّه عليها العذاب من فوقها ، و من تحتها ، و غرق من في ضمنها . ( الخطبة 13 ، 53 ) و في رواية : و أيم اللّه لتغرقنّ بلدتكم حتّى كأنّي أنظر إلى مسجدها كجؤجؤ سفينة ، أو نعامة جاثمة .

[ 367 ]

و في رواية : كجؤجؤ طير في لجّة بحر .

و في رواية : كأنّي أنظر إلى قريتكم هذه ، قد طبّقها الماء ، حتّى ما يرى منها إلاّ شرف المسجد ، كأنّه جؤجؤ طير في لجّة بحر . ( الخطبة 13 ، 54 ) و قال ( ع ) لما بويع بالخلافة بعد مقتل عثمان ، و فيه يخبر الناس بما ستؤول اليه أحوالهم :

ألا و إنّ بليّتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم . و الّذي بعثه بالحقّ لتبلبلنّ بلبلة ، و لتغربلنّ غربلة ، و لتساطنّ سوط القدر ( أي كما يختلط الطعام في القدر عند غليانه ، فينقلب أعلاه الى أسفله و أسفله الى أعلاه ) ، حتّى يعود أسفلكم أعلاكم و أعلاكم أسفلكم ، و ليسبقنّ سابقون كانوا قصّروا ( يقصد معاوية و بني أمية ) ، و ليقصّرنّ سبّاقون كانوا سبقوا ( يقصد أهل البيت ) ، و اللّه ما كتمت وشمة ( أي كلمة ) ، و لا كذبت كذبة ، و لقد نبّئت بهذا المقام و هذا اليوم . ( الخطبة 16 ، 55 ) من كلام قاله ( ع ) بعد وقعة النهروان و قد تفرّس في جماعة من عسكره أنهم يتهمونه فيما يخبرهم به من أنباء الغيب : رضينا عن اللّه قضاءه ، و سلّمنا للّه أمره ، أتراني أكذب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ؟ و اللّه لأنا أوّل من صدّقه ، فلا أكون أوّل من كذب عليه . ( الخطبة 37 ، 96 ) و قال ( ع ) فيما ينتظر الكوفة من الشدائد و الخطوب : كأنّي بك يا كوفة تمدّين مدّ الأديم العكاظيّ ، تعركين بالنّوازل ، و تركبين بالزّلازل . و إنّي لأعلم أنّه ما أراد بك جبّار سوءا إلاّ ابتلاه اللّه بشاغل ، و رماه بقاتل . ( الخطبة 47 ، 104 ) إنّما بدء وقوع الفتن أهواء تتّبع ، و أحكام تبتدع . يخالف فيها كتاب اللّه ، و يتولّى عليها رجال رجالا ( أي يستعين عليها رجال برجال ) ، على غير دين اللّه . فلو أنّ الباطل خلص من مزاج الحقّ لم يخف على المرتادين ( أي الطالبين للحقيقة ) . و لو أنّ الحقّ خلص من لبس الباطل ، انقطعت عنه ألسن المعاندين . و لكن يؤخذ من هذا ضغث ،

و من هذا ضغث ، فيمزجان فهنالك يستولي الشّيطان على أوليائه ، و ينجو الّذين سبقت لهم من اللّه الحسنى . ( الخطبة 50 ، 107 ) و قال ( ع ) ينبي‏ء بظهور رجل مذموم :

[ 368 ]

أمّا إنّه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم ، مندحق البطن ، يأكل ما يجد ،

و يطلب ما لا يجد ، فاقتلوه ، و لن تقتلوه ألا و إنّه سيأمركم بسبّي و البراءة منّي . ( قيل أن هذا الرجل هو زياد بن ابيه ، و قيل المغيرة بن شعبة ، و قيل معاوية ) . ( الخطبة 57 ، 113 ) و قال يخاطب الخارجين عليه : أما إنّكم ستلقون بعدي ذلا شاملا ، و سيفا قاطعا ، و أثرة يتّخذها الظّالمون فيكم سنّة . ( الخطبة 58 ، 114 ) و قال ( ع ) في الخوارج : مصارعهم دون النّطفة ، و اللّه لا يفلت منهم عشرة ، و لا يهلك منكم عشرة . ( الخطبة 59 ، 114 ) من كلام قاله ( ع ) لما قتل الخوارج ، فقيل له : يا أمير المؤمنين هلك القوم بأجمعهم . فقال :

كلاّ و اللّه ، إنّهم نطف في أصلاب الرّجال ، و قرارات النّساء ، كلّما نجم منهم قرن قطع ، حتّى يكون آخرهم لصوصا سلاّبين . ( الخطبة 59 ، 115 ) من خطبة له ( ع ) في ذم أهل العراق و قد وصموه بالكذب فيما يخبرهم بما لا يعرفون :

و لقد بلغني أنّكم تقولون : عليّ يكذب . قاتلكم اللّه تعالى فعلى من أكذب ؟

أعلى اللّه ؟ فأنا أوّل من آمن به أم على نبيّه ؟ فأنا أوّل من صدّقه كلاّ و اللّه ،

لكنّها لهجة غبتم عنها ، و لم تكونوا من أهلها . ويل أمّه ، كيلا بغير ثمن ، لو كان له وعاء . و لتعلمّن نبأه بعد حين . ( الخطبة 69 ، 125 ) و من كلام له ( ع ) في مروان بن الحكم :

أما و إنّ له إمرة كلعقة الكلب أنفه ( أي قصيرة المدة و كانت تسعة أشهر ) و هو أبو الأكبش الأربعة ( يقصد احفاد مروان من ابنه عبد الملك ، و هم الوليد و سليمان و يزيد و هشام ، و يقال أنه لم يتول الخلافة أربعة اخوة سوى هؤلاء ) ، و ستلقى الأمّة منه و من ولده يوما أحمر . ( الخطبة 71 ، 129 ) حتّى يظنّ الظّانّ أنّ الدّنيا معقولة على بني أميّة و كذب الظّان لذلك ، بل هي مجّة من لذيذ العيش ، يتطعّمونها برهة ، ثمّ يلفظونها جملة ( كأنه ينبي‏ء بزوال الدولة الأموية سريعا على يد الدولة العباسى ) . ( الخطبة 85 ، 156 ) فاسألوني قبل أن تفقدوني ، فو الّذي نفسى بيده لا تسألوني عن شي‏ء فيما بينكم

[ 369 ]

و بين السّاعة ، و لا عن فئة تهدي مائة و تضلّ مائة ، إلاّ أنبأتكم بناعقها و قائدها و سائقها ، و مناخ ركابها و محطّ رحالها ، و من يقتل من أهلها قتلا ، و من يموت منهم موتا ، و لو قد فقدتموني و نزلت بكم كرائه الأمور ، و حوازب الخطوب ، لأطرق كثير من السّائلين ، و فشل كثير من المسؤولين ، و ذلك إذا قلّصت حربكم ، و شمّرت عن ساق ، و ضاقت الدّنيا عليكم ضيقا ، تستطيلون معه أيّام البلاء عليكم ، حتّى يفتح اللّه لبقيّة الأبرار منكم . ( الخطبة 91 ، 183 ) و أيم اللّه لتجدنّ بني أميّة لكم أرباب سوء بعدي ، كالنّاب الضّروس ( أي الناقة المسنة الشرسة ) : تعذم بفيها ( أي تعض ) ، و تخبط بيدها ، و تزبن برجلها ( أي تضرب ) و تمنع درّها . لا يزالون بكم حتّى لا يتركوا منكم إلاّ نافعا لهم ، أو غير ضائر بهم .

و لا يزال بلاؤهم عنكم حتّى لا يكون انتصار أحدكم منهم إلاّ كانتصار العبد من ربّه ، و الصّاحب من مستصحبة . ترد عليكم فتنتهم شوهاء مخشيّة ، و قطعا جاهليّة .

ليس فيها منار هدى ، و لا علم يرى .

نحن أهل البيت منها بمنجاة ، و لسنا فيها بدعاة . ثمّ يفرّجها اللّه عنكم كتفريج الأديم ( أي يزيل دولة بني أمية و يشقهم عما أحاطوا به ، كما يسلخ الجلد عن اللحم ) ،

بمن يسومهم خسفا ، و يسوقهم عنفا ، و يسقيهم بكأس مصبّرة ، لا يعطيهم إلاّ السّيف ،

و لا يحلسهم ( أي لا يكسوهم ) إلاّ الخوف . فعند ذلك تودّ قريش بالدّنيا و ما فيها لو يرونني مقاما واحدا ، و لو قدر جزر جزور ( أي و لو مدة ذبح البعير ) ، لأقبل منهم ما أطلب اليوم بعضه فلا يعطونيه . ( الخطبة 91 ، 184 ) و اللّه لا يزالون ( أي بني أمية ) حتّى لا يدعوا للّه محرّما إلاّ استحلّوه ، و لا عقدا إلاّ حلّوه ،

و حتّى لا يبقى بيت مدر و لا وبر إلاّ دخله ظلمهم ، و نبا به سوء رعيهم . و حتّى يقوم الباكيان يبكيان : باك يبكي لدينه ، و باك يبكي لدنياه . و حتّى تكون نصرة أحدكم من أحدهم كنصرة العبد من سيّده . إذا شهد أطاعه ، و إذا غاب اغتابه ،

و حتّى يكون أعظمكم فيها عناء أحسنكم باللّه ظنّا . فإن أتاكم اللّه بعافية فاقبلوا ، و إنّ ابتليتم فاصبروا ، فإنّ العاقبة للمتّقين . ( الخطبة 96 ، ؟ ؟ ؟ )

[ 370 ]

فاذا أنتم ألنتم له ( أي للامام علي ) رقابكم ، و أشرتم إليه بأصابعكم ، جاءه الموت فذهب به ، فلبثتم بعده ما شاء اللّه ، حتّى يطلع اللّه لكم من يجمعكم و يضمّ نشركم . فلا تطمعوا في غير مقبل ، و لا تيأسوا من مدبر ( أي من أدبرت حاله في عمله و لم يزل طالبا ) ، فإنّ المدبر عسى أن تزلّ به إحدى قائمتيه ( أي رجليه ) ، و تثبت الأخرى ، فترجعا حتّى تثبتا جميعا .

ألا إنّ مثل آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله كمثل نجوم السّماء ، إذا خوى نجم طلع نجم ، فكأنّكم قد تكاملت من اللّه فيكم الصّنائع ، و أراكم ما كنتم تأملون . ( الخطبة 98 ، 193 ) و قال ( ع ) يتنبأ بمجي‏ء عبد الملك بن مروان أحد ملوك بني أمية البارزين : أيّها النّاس ،

لا يجرمنّكم شقاقي ، و لا يستهوينّكم عصياني ، و لا تتراموا بالأبصار عند ما تسمعونه منّي . فو الّذي فلق الحبّة ، و برأ النّسمة ، إنّ الّذي أنبئكم به عن النّبيّ الأمّيّ صلّى اللّه عليه و آله ما كذب المبلّغ ، و لا جهل السّامع . لكأنّي أنظر إلى ضلّيل قد نعق بالشّام ( يقصد به عبد الملك بن مروان ) ، و فحص براياته في ضواحي كوفان ( أي الكوفة ) . فإذا فغرت فاغرته ( أي انفتح فمه ) ، و اشتدّت شكيمته ، و ثقلت في الأرض وطأته ، عضّت الفتنة أبناءها بأنيابها ، و ماجت الحرب بأمواجها ، و بدا من الأيّام كلوحها ، و من اللّيالي كدوحها . فإذا أينع زرعه و قام على ينعه ، و هدرت شقاشقه و برقت بوارقه ، عقدت رايات الفتن المعضلة ، و أقبلن كاللّيل المظلم ، و البحر الملتطم . هذا ، و كم يخرق الكوفة من قاصف ، و يمرّ عليها من عاصف . و عن قليل تلتفّ القرون بالقرون ، و يحصد القائم ، و يحطم المحصود . ( الخطبة 99 ، 194 ) و قال ( ع ) عن حوادث البصرة المقبلة : فتن كقطع اللّيل المظلم ، لا تقوم لها قائمة و لا تردّ لها راية . تأتيكم مزمومة مرحولة : يحفزها قائدها ، و يجهدها راكبها . أهلها قوم شديد كلبهم ، قليل سلبهم . يجاهدهم في سبيل اللّه قوم أذلة عند المتكبّرين ، في الأرض مجهولون ، و في السّماء معروفون . فويل لك يا بصرة عند ذلك ، من جيش من نقم اللّه لا رهج له ( أي غبار ) و لا حسّ ( أي جلبة

[ 371 ]

و ضوضاء ) . و سيبتلى أهلك بالموت الأحمر ، و الجوع الأغبر . ( الخطبة 100 ، 195 ) و ذلك زمان لا ينجو فيه إلاّ كلّ مؤمن نومة ( أي كثير النوم ، يريد به البعيد عن مخالطة الناس ) . إن شهد لم يعرف ، و إن غاب لم يفتقد . أولئك مصابيح الهدى ، و أعلام السّرى ( أي السير في ليالي المشاكل ) . ليسوا بالمساييح ( جمع مسياح و هو الذي يسيح بين الناس بالفساد و النمائم ) ، و لا المذاييع ( أي الذين اذا سمعوا بفاحشة أذاعوها ) البذر ( جمع بذور و هو الذي يكثر سفهه ) . أولئك يفتح اللّه لهم أبواب رحمته ، و يكشف عنهم ضرّاء نقمته .

أيّها النّاس ، سيأتي عليكم زمان يكفأ فيه الإسلام ، كما يكفأ الإناء بما فيه .

أيّها النّاس ، إنّ اللّه قد أعاذكم من أن يجوز عليكم ، و لم يعذكم من أن يبتليكم ،

و قد قال جلّ من قائل إِنَّ فِي ذلِكَ لآيَاتٍ وَ إنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ . ( الخطبة 101 ، 198 ) فأقسم باللّه يا بني أميّة ، عمّا قليل لتعرفنّها في أيدي غيركم و في دار عدوّكم .

( الخطبة 103 ، 200 ) و قال ( ع ) يحذر أصحابه من بني أمية : و أيم اللّه لو فرّقوكم تحت كلّ كوكب ، لجمعكم اللّه لشرّ يوم لهم ( أي يوم تقهرونهم فيه ) . ( الخطبة 104 ، 203 ) و قال ( ع ) عن فتنة بني أمية المقبلة : راية ضلال قد قامت على قطبها ، و تفرّقت بشعبها ،

تكيلكم بصاعها ، و تخبطكم بباعها . قائدها خارج من الملّة قائم على الضّلّة فلا يبقى يومئذ منكم إلاّ ثقالة كثقالة القدر ( الثفالة : ما يبقى في القدر من عكر ) ،

أو نفاضة كنفاضة العكم ( ما يسقط من الكيس بالنفض ) . تعرككم عرك الأديم ( أي الجلد ) ، و تدوسكم دوس الحصيد . و تستخلص المؤمن من بينكم استخلاص الطّير الحبّة البطيئة ( أي السمينة ) من بين هزيل الحبّ . . . فعند ذلك أخذ الباطل مآخذه ،

و ركب الجهل مراكبه . و عظمت الطّاغية ، و قلّت الدّاعية . و صال الدّهر صيال السّبع العقور ، و هدر فنيق ( أي فحل الابل ) الباطل بعد كظوم ( أي سكون ) ، و تواخى النّاس على الفجور ، و تهاجروا على الدّين ، و تحابّوا على الكذب ، و تباغضوا على الصّدق .

فإذا كان ذلك كان الولد غيظا ( أي يغيظ والده لشبوبه على العقوق ) ، و المطر قيظا .

[ 372 ]

و تفيض اللّئام فيضا ، و تغيض الكرام غيضا ( أي تقل ) . و كان أهل ذلك الزّمان ذئابا ، و سلاطينه سباعا . و أوساطه أكّالا ، و فقراؤه أمواتا . و غار الصّدق ، و فاض الكذب . و استعملت المودّة باللّسان و تشاجر النّاس بالقلوب . و صار الفسوق نسبا ،

و العفاف عجبا . و لبس الإسلام لبس الفرو مقلوبا . ( الخطبة 106 ، 206 ) أما و اللّه ليسلّطنّ عليكم غلام ثقيف ( أي الحجاج ) الذّيّال الميّال . يأكل خضرتكم و يذيب شحمتكم . إيه أبا وذحة ( الوذحة هي الخنفساء ، و للحجاج قصة معها ) .

( الخطبة 114 ، 225 ) من كلام له ( ع ) فيما يخبر به عن الملاحم التي ستحدث في البصرة : يا أحنف ، كأنّي به و قد سار بالجيش الّذي لا يكون له غبار و لا لجب ، و لا قعقعة لجم ، و لا حمحمة خيل .

يثيرون الأرض بأقدامهم كأنّها أقدام النّعام ( يومي بذلك الى صاحب الزنج ) .

ثم يقول ( ع ) : ويل لسكككم العامرة ، و الدّور المزخرفة الّتي لها أجنحة كأجنحة النّسور ، و خراطيم كخراطيم الفيلة ، من أولئك الّذين لا يندب قتيلهم ، و لا يفتقد غائبهم . أنا كابّ الدّنيا لوجهها ، و قادرها بقدرها ، و ناظرها بعينها .

( منه في وصف الاتراك ) : كأنّي أراهم قوما كأنّ وجوههم المجانّ المطرّقة . يلبسون السّرق و الدّيباج ( أي الحرير ) ، و يعتقبون الخيل العتاق . و يكون هناك استحرار قتل ،

حتّى يمشي المجروح على المقتول ، و يكون المفلت أقلّ من المأسور .

( فقال له بعض أصحابه : لقد أعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب فضحك عليه السلام .

و قال للرجل و كان كلبيا ) : يا أخا كلب ، ليس هو بعلم غيب . و إنّما هو تعلّم من ذي علم . و إنّما علم الغيب علم السّاعة ، و ما عدّده اللّه سبحانه بقوله : إِنَّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلمُ السَّاعَةِ . . الآية . فيعلم اللّه سبحانه ما في الأرحام من ذكر أو أنثى ، و قبيح أو جميل ، و سخيّ أو بخيل ، و شقيّ أو سعيد . و من يكون في النّار حطبا ، أو في الجنان للنّبيّين مرافقا . فهذا علم الغيب الّذي لا يعلمه أحد إلاّ اللّه . و ما سوى ذلك فعلم علّمه اللّه نبيّه ، فعلّمنيه ، و دعا لي بأن يعيه صدري ، و تضطمّ ( أي تنضم ) عليه جوانحي . ( الخطبة 126 ، ؟ ؟ ؟ )

[ 373 ]

و قال ( ع ) يتنبأ بمجي‏ء عبد الملك بن مروان : كأنّي به قد نعق بالشّام ، و فحص براياته في ضواحي كوفان ( أي الكوفة ) ، فعطف عليها عطف الضّروس ( أي الناقة السيئة الطبع ) ، و فرش الأرض بالرّؤوس . قد فغرت فاغرته ، و ثقلت في الأرض وطأته . بعيد الجولة ، عظيم الصّولة . و اللّه ليشرّدنّكم في أطراف الأرض ، حتّى لا يبقى منكم إلاّ قليل ، كالكحل في العين . فلا تزالون كذلك ، حتّى تؤوب إلى العرب عوازب أحلامها . ( الخطبة 136 ، 250 ) و من كلام له ( ع ) في وقت الشورى : فاسمعوا قولي ، و عوا منطقي ، عسى أن تروا هذا الأمر من بعد هذا اليوم ، تنتضى فيه السّيوف ، و تخان فيه العهود ، حتّى يكون بعضكم أئمّة لأهل الضّلالة ، و شيعة لأهل الجهالة . ( الخطبة 137 ، 251 ) و إنّه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس فيه شي‏ء أخفى من الحقّ ، و لا أظهر من الباطل ، و لا أكثر من الكذب على اللّه و رسوله . و ليس عند أهل ذلك الزّمان سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حقّ تلاوته ، و لا أنفق ( أي أروج ) منه إذا حرّف عن مواضعه . و لا في البلاد شي‏ء أنكر من المعروف و لا أعرف من المنكر . فقد نبذ الكتاب حملته ، و تناساه حفظته . فالكتاب يومئذ و أهله طريدان منفيّان ، و صاحبان مصطحبان ، في طريق واحد لا يؤويهما مؤو . فالكتاب و أهله في ذلك الزّمان في النّاس و ليسا فيهم ، و معهم و ليسا معهم . لأنّ الضّلالة لا توافق الهدى و إن اجتمعا .

فاجتمع القوم على الفرقة ، و افترقوا عن الجماعة ، كأنّهم أئمة الكتاب و ليس الكتاب إمامهم . فلم يبق عندهم منه إلاّ اسمه ، و لا يعرفون إلاّ خطّه و زبره ( أي كتابته ) . و من قبل ما مثّلوا بالصّالحين كلّ مثلة ، و سمّوا صدقهم على اللّه فرية . و جعلوا في الحسنة عقوبة السّيّئة . ( الخطبة 145 ، 258 ) و قال ( ع ) عن زمان الضلال المقبل و حال المؤمن فيه : و أخذوا يمينا و شمالا ظعنا في مسالك الغيّ ، و تركا لمذاهب الرّشد فلا تستعجلوا ما هو كائن مرصد و لا تستبطئوا ما يجي‏ء به الغد . فكم من مستعجل بما إن أدركه ودّ أنّه لم يدركه . و ما أقرب اليوم من تباشير غد

[ 374 ]

يا قوم هذا إبّان ورود كلّ موعود ، و دنوّ من طلعة ما لا تعرفون . ألا و إنّ من أدركها منّا يسري فيها بسراج منير ، و يحذو فيها على مثال الصّالحين . ليحلّ فيها ربقا ، و يعتق رقا ، و يصدع شعبا ، و يشعب صدعا . في سترة عن النّاس ، لا يبصر القائف أثره ،

و لو تابع نظره . ثمّ ليشحذنّ فيها قوم شحذ القين ( الحداد ) النّصل . تجلى بالتّنزيل ( أي القرآن ) أبصارهم ، و يرمى بالتفسير في مسامعهم ، و يغبقون ( أي يسقون ) كأس الحكمة بعد الصّبوح ( أي ما يشرب في الصباح ) . ( الخطبة 148 ، 262 ) و قال ( ع ) محذرا من الفتن المقبلة : ثمّ إنّكم معشر العرب أغراض بلايا قد اقتربت .

فاتّقوا سكرات النّعمة ، و احذروا بوائق النّقمة . و تثبّتوا في قتام ( أي غبار ) العشوة ( أي ركوب الامر على غير بيان ) ، و اعوجاج الفتنة عند طلوع جنينها ، و ظهور كمينها ،

و انتصاب قطبها و مدار رحاها . تبدأ في مدارج خفيّة ، و تؤول إلى فظاعة جليّة .

شبابها ( أي أولها ) كشباب الغلام ، و آثارها كآثار السّلام . يتوارثها الظّلمة بالعهود .

أوّلهم قائد لآخرهم ، و آخرهم مقتد بأوّلهم . يتنافسون في دنيا دنيّة ، و يتكالبون على جيفة مريحة . و عن قليل يتبرّأ التّابع من المتبوع ، و القائد من المقود . فيتزايلون بالبغضاء ،

و يتلاعنون عند اللّقاء . ثمّ يأتي بعد ذلك طالع الفتنة الرّجوف ، و القاصمة الزّحوف .

فتزيغ قلوب بعد استقامة ، و تضلّ رجال بعد سلامة . و تختلف الأهواء عند هجومها ،

و تلتبس الآراء عند نجومها ( أي ظهورها ) . من أشرف لها قصمته ، و من سعى فيها حطمته . يتكادمون فيها تكادم ( أي يعض بعضهم بعضا ) الحمر في العانة ( أي جماعة حمر الوحش ) . قد اضطرب معقود الحبل ، و عمي وجه الأمر . تغيض فيها الحكمة ، و تنطق فيها الظّلمة . و تدقّ أهل البدو بمسحلها ، و ترضّهم بكلكلها . يضيع في غبارها الوحدان ( أي المتفردون ) ، و يهلك في طريقها الرّكبان . ترد بمرّ القضاء و تحلب عبيط الدّماء . و تثلم منار الدّين ، و تنقض عقد اليقين . يهرب منها الأكياس ( أي العاقلون ) ، و يدبّرها الأرجاس . مرعاد مبراق ، كاشفة عن ساق . تقطع فيها الأرحام ، و يفارق عليها الإسلام . بريّها سقيم ، و ظاعنها مقيم .

( منها ) بين قتيل مطلول ، و خائف مستجير . يختلون بعقد الأيمان ، و بغرور الإيمان .

[ 375 ]

فلا تكونوا أنصاب الفتن ، و أعلام البدع . و الزموا ما عقد عليه حبل الجماعة ، و بنيت عليه أركان الطّاعة . و اقدموا على اللّه مظلومين ، و لا تقدموا عليه ظالمين . و اتّقوا مدارج الشّيطان ، و مهابط العدوان . و لا تدخلوا بطونكم لعق الحرام . فإنّكم بعين من حرّم عليكم المعصيّة و سهّل لكم سبل الطّاعة ( أي أن اللّه سبحانه يراكم دائما ) .

( الخطبة 149 ، 264 ) و من خطبة له ( ع ) : فعند ذلك لا يبقى بيت مدر و لا وبر ، إلاّ و أدخله الظّلمة ترحة ،

و أولجوا فيه نقمة . فيومئذ لا يبقى لهم في السّماء عاذر ، و لا في الأرض ناصر .

أصفيتم بالأمر غير أهله ، و أوردتموه غير مورده . و سينتقم اللّه ممّن ظلم ، مأكلا بمأكل ، و مشربا بمشرب ، من مطاعم العلقم ، و مشارب الصّبر و المقر ( أي السم ) .

و لباس شعار الخوف ، و دثار السّيف . و إنّما هم مطايا الخطيئات و زوامل الآثام .

فأقسم ثمّ أقسم ، لتنخمنّها أميّة من بعدي كما تلفظ النّخامة ( هي ما يدفعه الصدر أو الانف من المخاط ) ، ثمّ لا تذوقها و لا تطعم بطعمها أبدا ، ما كرّ الجديدان . ( الخطبة 156 ، 279 ) و من كلام له ( ع ) الى عثمان : و إنّي أنشدك اللّه أن لا تكون إمام هذه الأمّة المقتول ،

فإنّه كان يقال : يقتل في هذه الأمّة إمام يفتح عليها القتل و القتال إلى يوم القيامة و يلبس أمورها عليها ، و يبثّ الفتن فيها ، فلا يبصرون الحقّ من الباطل . يموجون فيها موجا ، و يمرجون فيها مرجا . ( الخطبة 162 ، 292 ) و قال ( ع ) عن فتنة بني أمية : افترقوا بعد ألفتهم ، و تشتّتوا عن أصلهم . فمنهم آخذ بغصن أينما مال مال معه . على أنّ اللّه تعالى سيجمعهم لشرّ يوم لبني أميّة ، كما تجتمع قزع الخريف . يؤلّف اللّه بينهم ، ثمّ يجمعهم ركاما كركام السّحاب . ثمّ يفتح لهم أبوابا يسيلون من مستثارهم كسيل الجنّتين ، حيث لم تسلم عليه قارة ، و لم تثبت عليه أكمة ، و لم يردّ سننه رصّ طود ، و لا حداب أرض . يزعزعهم اللّه في بطون أوديته ، ثمّ يسلكهم ينابيع في الأرض . يأخذ بهم من قوم حقوق قوم ، و يمكّن لقوم في ديار قوم . و أيم اللّه ليذوبنّ ما في أيديهم بعد العلوّ و التّمكين ، كما تذوب الألية على النّار .

[ 376 ]

أيّها النّاس ، لو لم تتخاذلوا عن نصر الحقّ ، و لم تهنوا عن توهين البّاطل ، لم يطمع فيكم من ليس مثلكم ، و لم يقومن قوي عليكم . لكنّكم تهتم متاه بني إسرائيل . و لعمري ليضعّفنّ لكم التّيه من بعدي أضعافا ، بما خلّفتم الحقّ وراء طهوركم ، و قطعتم الأدنى و وصلتم الأبعد . ( الخطبة 164 ، 300 ) و قال ( ع ) عن مدى علمه بالمغيبات : و اللّه لو شئت أن أخبر كلّ رجل منكم بمخرجه و مولجه ( أي من أين يخرج و يدخل ) و جميع شأنه لفعلت . و لكن أخاف أن تكفروا فيّ ( أي بسببي ) برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله .

ألا و إنّي مفضيه ( أي موصله ) إلى الخاصّة ممّن يؤمن ذلك منه . و الّذي بعثه بالحقّ و اصطفاه على الخلق ، ما أنطق إلاّ صادقا ، و قد عهد إليّ بذلك كلّه ( الفاعل المستتر راجع للنبي ) ، و بمهلك من يهلك ، و منجى من ينجو ، و مآل هذا الأمر . و ما أبقى شيئا يمرّ على رأسي إلاّ أفرغه في أذنيّ و أفضى به إليّ . ( الخطبة 173 ، 311 ) . . ألا فتوقّعوا ما يكون من إدبار أموركم ، و انقطاع وصلكم و استعمال صغاركم . ذاك حيث تكون ضربة السّيف على المؤمن أهون من الدّرهم من حلّه ( لاختلاط المكاسب بالحرام ) . ذاك حيث يكون المعطى ( أي الفقير ) أعظم أجرا من المعطي ( أي الغني المترف ) . ذاك حيث تسكرون من غير شراب . بل من النّعمة و النّعيم .

و تحلفون من غير اضطرار ، و تكذبون من غير إخراج . ذاك إذا عضّكم البلاء كما يعضّ القتب غارب البعير ( القتب : كساء يوضع على ظهر البعير ، و الغارب : ما بين العنق و السنام ) . ما أطول هذا العناء و أبعد هذا الرّجاء . ( الخطبة 185 ، 346 ) أيّها النّاس ، سلوني قبل أن تفقدوني ، فلأنا بطرق السّماء أعلم منّي بطرق الأرض .

قبل أن تشغر برجلها فتنة تطأ في خطامها ، و تذهب بأحلام قومها . ( الخطبة 187 ، 350 ) و قال ( ع ) لمعاوية يتنبأ برفع المصاحف في صفين و الدعوة الى التحكيم : فكأنّي قد رأيتك تضجّ من الحرب إذا عضّتك ضجيج الجمال بالأثقال . و كأنّي بجماعتك تدعوني جزعا من الضّرب المتتابع ، و القضاء الواقع ، و مصارع بعد مصارع إلى كتاب اللّه ، و هي كافرة جاحدة ، أو مبايعة حائدة . ( الخطبة 249 ، 450 )

[ 377 ]

و قال ( ع ) عن صفة آخر الزمان : يأتي على النّاس زمان لا يقرّب فيه إلاّ الماحل ،

و لا يظرّف فيه إلاّ الفاجر ، و لا يضعّف فيه إلاّ المنصف . يعدّون الصّدقة فيه غرما ،

و صلة الرّحم منّا ، و العبادة استطالة على النّاس . فعند ذلك يكون السّلطان بمشورة النّساء و إمارة الصّبيان و تدبير الخصيان . ( 102 ح ، 582 ) يأتي على النّاس زمان لا يبقى فيهم من القرآن إلاّ رسمه ، و من الإسلام إلاّ اسمه .

و مساجدهم يومئذ عامرة من البناء ، خراب من الهدى . سكّانها و عمّارها شرّ أهل الأرض . منهم تخرج الفتنة ، و إليهم تأوي الخطيئة . يردّون من شذّ عنها فيها ،

و يسوقون من تأخّر عنها إليها . يقول اللّه سبحانه ( فبي حلفت ، لأبعثّنّ على أولئك فتنة ، تترك الحليم فيها حيران ) و قد فعل . و نحن نستقيل اللّه عثرة الغفلة .

( 369 ح ، 640 ) إنّ لبني أميّة مرودا ( أي مهلة ) يجرون فيه ، و لو قد اختلفوا فيما بينهم ، ثمّ كادتهم الضّباع لغلبتهم ( أي لو حاربتهم الضباع دون الاسود لقهرتهم ) . ( 464 ح ، 659 ) يأتي على النّاس زمان عضوض ( أي شديد ) ، يعضّ الموسر فيه على ما في يديه و لم يؤمر بذلك . قال اللّه سبحانه وَ لاَ تَنْسُوا الفَضْلَ بَيْنَكُمْ . تنهد فيه الأشرار و تستذلّ الأخيار . و يبايع المضطرّون ، و قد نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن بيع المضطرّين . ( 468 ح ، 660 )