( 186 ) تحريض الامام ( ع ) أصحابه على الجهاد و القتال و انكاره تقاعسهم و أعذارهم

يراجع المبحث السابق ( 185 ) تذمر الامام ( ع ) من أصحابه و تأنيبهم على بعض أفعالهم .

قال الامام علي ( ع ) :

فخدوا للحرب أهبتها ، و أعدّوا لها عدّتها ، فقد شبّ لظاها ، و علا سناها . و استشعروا الصّبر ، فإنّه أدعى إلى النّصر . ( الخطبة 26 ، 74 )

[ 509 ]

و من خطبة له ( ع ) يستنهض بها الناس حين ورد خبر غزو معاوية للانبار فلم ينهضوا :

أمّا بعد ، فإنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة ، فتحه اللّه لخاصّة أوليائه . و هو لباس التّقوى ، و درع اللّه الحصينة ، و جنّته الوثيقة . فمن تركه رغبة عنه ، ألبسه اللّه ثوب الذّلّ و شمله البلاء ، و ديّث بالصّغار و القماءة ، و ضرب على قلبه بالإسهاب ، و أديل الحقّ منه بتضييع الجهاد ، و سيم الخسف و منع النّصف .

ألا و إنّي قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلا و نهارا ، و سرّا و إعلانا . و قلت لكم :

اغزوهم قبل أن يغزوكم ، فو اللّه ما غزي قوم قطّ في عقر دارهم إلاّ ذلّوا ، فتواكلتم و تخاذلتم ، حتّى شنّت عليكم الغارات ، و ملكت عليكم الأوطان . و هذا أخو غامد ( يعني سفيان ابن عوف ) و قد وردت خيله الأنبار ، و قد قتل حسّان بن حسّان البكريّ ، و أزال خيلكم عن مسالحها ، و لقد بلغني أنّ الرّجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة ،

و الأخرى المعاهدة فينتزع حجلها و قلبها و قلائدها و رعثها ( أي أقراطها ) ما تمتنع منه إلاّ بالاسترجاع و الإسترحام . ثمّ انصرفوا وافرين ما نال رجلا منهم كلم ، و لا أريق لهم دم ، فلو أنّ امرءا مسلما مات من بعد هذا أسفا ما كان به ملوما ، بل كان به عندي جديرا . فيا عجبا عجبا و اللّه يميت القلب و يجلب الهمّ ، من اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم ، و تفرّقكم عن حقّكم فقبحا لكم و ترحا ، حين صرتم غرضا يرمى : يغار عليكم و لا تغيرون ، و تغزون و لا تغزون ، و يعصى اللّه و ترضون فاذا أمرتكم بالسّير إليهم في أيّام الحرّ ، قلتم : هذه حمّارة القيظ ، أمهلنا يسبّخ ( أي يخف ) عنّا الحرّ ،

و إذا أمرتكم بالسّير إليهم في الشّتاء ، قلتم : هذه صبّارة القرّ ، أمهلنا ينسلخ عنّا البرد ، كلّ هذا فرارا من الحرّ و القرّ ، فإذا كنتم من الحرّ و القرّ تفرّون ، فأنتم و اللّه من السّيف أفرّ .

يا أشباه الرّجال و لا رجال حلوم الأطفال ، و عقول ربّات الحجال . لوددت أنّي لم أركم و لم أعرفكم معرفة و اللّه جرّت ندما ، و أعقبت سدما . قاتلكم اللّه لقد ملأتم قلبي قيحا ، و شحنتم صدري غيظا ، و جرّعتموني نغب التّهمام ( أي جرع الهم ) أنفاسا ، و أفسدتم عليّ رأيي بالعصيان و الخذلان ، حتّى لقد قالت

[ 510 ]

قريش : إنّ ابن أبي طالب رجل شجاع ، و لكن لا علم له بالحرب .

للّه أبوهم و هل أحد منهم أشدّ لها مراسا ، و أقدم فيها مقاما منّي لقد نهضت فيها و ما بلغت العشرين ، و ها أنذا قد ذرّفت على السّتّين ، و لكن لا رأي لمن لا يطاع .

( الخطبة 27 ، 75 ) و خطب ( ع ) بعد غارة الضحاك بن قيس صاحب معاوية على الحاجّ بعد قصة الحكمين ،

فقال : أيّها النّاس المجتمعة أبدانهم ، المختلفة أهواؤهم . كلامكم يوهي الصّمّ الصّلاب ، و فعلكم يطمع فيكم الأعداء ، تقولون في المجالس : كيت و كيت ، فإذا جاء القتال قلتم : حيدي حياد ما عزّت دعوة من دعاكم ، و لا استراح قلب من قاساكم .

أعاليل بأضاليل ، و سألتموني التّطويل دفاع ذي الدّين المطول . لا يمنع الضّيم الذّليل . و لا يدرك الحقّ إلاّ بالجدّ . أيّ دار بعد داركم تمنعون ، و مع أيّ إمام بعدي تقاتلون ؟ المغرور و اللّه من غررتموه ، و من فاز بكم فقد فاز و اللّه بالسّهم الأخيب ،

و من رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل ( أي بسهم ليس له نصل ، فهو لا يصيب ) .

أصبحت و اللّه لا أصدّق قولكم ، و لا أطمع في نصركم ، و لا أوعد العدوّ بكم .

ما بالكم ؟ ما دواؤكم ؟ ما طبّكم ؟ القوم رجال أمثالكم . أ قولا بغير علم ؟ و غفلة من غير ورع ، و طمعا في غير حقّ . ( الخطبة 29 ، 81 ) و من خطبة له في استنفار الناس الى أهل الشام و تأنيبهم و ذكر بعض مثالبهم : أفّ لكم لقد سئمت عتابكم أرضيتم بالحياة الدّنيا من الآخرة عوضا ؟ و بالذّلّ من العزّ خلفا إذا دعوتكم إلى جهاد عدوّكم دارت أعينكم ، كأنّكم من الموت في غمرة ، و من الذّهول في سكرة . يرتج عليكم حواري فتعمهون ، و كأنّ قلوبكم مألوسة ( أي مجنونة ) فأنتم لا تعقلون . ما أنتم لي بثقة سجيس اللّيالي ( سجيس بمعنى أبدا ) ، و ما أنتم بركن يمال بكم ، و لا زوافر عزّ يفتقر إليكم . ما أنتم إلاّ كإبل ضلّ رعاتها ،

فكلّما جمعت من جانب انتشرت من آخر ، لبئس لعمر اللّه سعر نار الحرب أنتم تكادون و لا تكيدون ، و تنتقص أطرافكم فلا تمتعضون . لا ينام عنكم و أنتم في غفلة ساهون . غلب و اللّه المتخاذلون و أيم اللّه إنّي لأظنّ بكم أن لو حمس الوغى

[ 511 ]

( أي اشتد ) و استحرّ الموت ، قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج الرّأس ( أي انفصاله عن البدن ) . و اللّه إنّ امرءا يمكّن عدوّه من نفسه ، يعرق لحمه ، و يهشم عظمه ، و يفري جلده ، لعظيم عجزه ضعيف ما ضمّت عليه جوانح صدره . أنت فكن ذاك إن شئت ، فأمّا أنا فو اللّه دون أن أعطي ذلك ضرب بالمشرفيّة تطير منه فراش الهام ، و تطيح السّواعد و الأقدام ، و يفعل اللّه بعد ذلك ما يشاء . ( الخطبة 34 ، 90 ) من خطبة له ( ع ) خطبها عند علمه بغزوة النعمان بن بشير صاحب معاوية لعين التمر :

منيت بمن لا يطيع إذا أمرت ، و لا يجيب إذا دعوت . لا أبالكم ما تنتظرون بنصركم ربّكم ؟ أما دين يجمعكم ، و لا حميّة تحمشكم أقوم فيكم مستصرخا ، و أناديكم متغوّثا ، فلا تسمعون لي قولا ، و لا تطيعون لي أمرا ، حتّى تكشّف الأمور عن عواقب المساءة ؟ فما يدرك بكم ثار ، و لا يبلغ بكم مرام . دعوتكم إلى نصر إخوانكم فجرجرتم جرجرة الجمل الأسرّ ، و تثاقلتم تثاقل النّضو الأدبر ( أي الجمل الهزيل المجروح ) ، ثمّ خرج إليّ منكم جنيد متذائب ضعيف كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إلى الْمَوْتِ وَ هُمْ يَنْظُرُونَ . ( الخطبة 39 ، 97 ) و من خطبة له ( ع ) لما غلب اصحاب معاوية أصحابه على شريعة الفرات بصفين و منعوهم الماء :

قد استطعموكم القتال ، فأقرّوا على مذلّة ، و تأخير محلّة ، أو روّوا السّيوف من الدّماء ترووا من الماء . فالموت في حياتكم مقهورين ، و الحياة في موتكم قاهرين . ( الخطبة 51 ، 107 ) و قال ( ع ) يخاطب اصحابه يوم صفين حين أمر الناس بالصلح : و لقد كنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نقتل آباءنا و أبناءنا و إخواننا و أعمامنا ، ما يزيدنا ذلك إلاّ إيمانا و تسليما ، و مضيّا على اللّقم ( أي جادة الطريق ) ، و صبرا على مضض الألم ،

و جدا في جهاد العدوّ . و لقد كان الرّجل منّا و الآخر من عدوّنا يتصاولان تصاول الفحلين ، يتخالسان أنفسهما ، أيّهما يسقي صاحبه كأس المنون ، فمرّة لنا من عدوّنا ، و مّرة لعدوّنا منّا . فلمّا رأى اللّه صدقنا أنزل بعدوّنا الكبت ، و أنزل علينا

[ 512 ]

النّصر ، حتّى استقرّ الإسلام ملقيا جرانه ( كناية عن التمكن ) و متبوّئا أوطانه .

و لعمري لو كنّا نأتي ما أتيتم ما قام للدّين عمود ، و لا اخضرّ للإيمان عود . و أيم اللّه لتحتلبنّها دما ، و لتتبعنّها ندما . ( الخطبة 56 ، 111 ) و من كلام له ( ع ) في توبيخ بعض أصحابه : كم أداريكم كما تدارى البكار العمدة ( أي الابل الفتية ) ، و الثّياب المتداعية ، كلّما حيصت ( أي خيطت ) من جانب تهتّكت من آخر . كلّما أطلّ عليكم منسر من مناسر أهل الشّام أغلق كلّ رجل منكم بابه ، و انجحر انجحار الضّبّة في جحرها ، و الضّبع في وجارها ( أي بيتها ) .

الذّليل و اللّه من نصرتموه و من رمي بكم فقد رمي بأفوق ناصل . إنّكم و اللّه لكثير في الباحات ، قليل تحت الرّايات ، و إنّي لعالم بما يصلحكم ، و يقيم أودكم ، و لكنّي لا أرى إصلاحكم بإفساد نفسي . أضرع اللّه خدودكم ، و أتعس جدودكم لا تعرفون الحقّ كمعرفتكم الباطل ، و لا تبطلون الباطل كإبطالكم الحقّ ( الخطبة 67 ، 123 ) و من خطبة له ( ع ) في ذم أهل العراق ، و فيها يوبخهم على ترك القتال ، و النصر يكاد يتم ،

ثم تكذيبهم له : أمّا بعد يا أهل العراق ، فإنّما أنتم كالمرأة الحامل حملت فلمّا أتمّت أملصت ( أي أسقطت ) و مات قيّمها ( أي زوجها ) ، و طال تأيّمها ، و ورثها أبعدها .

أمّا و اللّه ما أتيتكم اختيارا ، و لكن جئت إليكم سوقا . و لقد بلغني أنّكم تقولون :

عليّ يكذب ، قاتلكم اللّه تعالى فعلى من أكذب ؟ أعلى اللّه ؟ فأنا أوّل من آمن به . أم على نبيّه ؟ فأنا أوّل من صدّقه . كلاّ و اللّه ، لكنّها لهجة غبتم عنها ،

و لم تكونوا من أهلها . ويل امّه ، كيلا بغير ثمن لو كان له وعاء . و لتعلمنّ نبأه ( أي نبأ جهلكم به ) بعد حين . ( الخطبة 69 ، 124 ) و من خطبة له ( ع ) : و لئن أمهل الظّالم فلن يفوت أخذه ، و هو له بالمرصاد على مجاز طريقه ، و بموضع الشّجى من مساغ ريقه . أما و الّذي نفسي بيده ، ليظهرنّ هؤلاء القوم عليكم ، ليس لأنّهم أولى بالحقّ منكم ، و لكن لإسراعهم إلى باطل

[ 513 ]

صاحبهم ، و إبطائكم عن حقّي . و لقد أصبحت الأمم تخاف ظلم رعاتها ،

و أصبحت أخاف ظلم رعيّتي . استنفرتكم للجهاد فلم تنفروا ، و أسمعتكم فلم تسمعوا ، و دعوتكم سرّا و جهرا فلم تستجيبوا ، و نصحت لكم فلم تقبلوا . أشهود كغيّاب ، و عبيد كأرباب أتلو عليكم الحكم فتنفرون منها ، و أعظكم بالموعظة البالغة فتتفرّقون عنها ، و أحثّكم على جهاد أهل البغي ، فما آتي على آخر قولي حتّى أراكم متفرّقين أيادي سبأ . ترجعون إلى مجالسكم و تتخادعون عن مواعظكم .

أقوّمكم غدوة ، و ترجعون إليّ عشيّة ، كظهر الحنيّة ( أي القوس ) . عجز المقوّم ،

و أعضل المقوّم .

أيّها القوم الشّاهدة أبدانهم ، الغائبة عنهم عقولهم ، المختلفة أهواؤهم ، المبتلى بهم أمراؤهم . صاحبكم يطيع اللّه و أنتم تعصونه ، و صاحب أهل الشّام يعصي اللّه و هم يطيعونه . لوددت و اللّه أنّ معاوية صارفني بكم صرف الدّينار بالدّرهم ، فأخذ منّي عشرة منكم و أعطاني رجلا منهم . يا أهل الكوفة ، منيت منكم بثلاث و اثنتين :

صمّ ذوو أسماع ، و بكم ذوو كلام ، و عمي ذوو أبصار . لا أحرار صدق عند اللّقاء ،

و لا إخوان ثقة عند البلاء تربت أيديكم يا أشباه الإبل غاب عنها رعاتها ، كلّما جمعت من جانب تفرّقت من آخر . و اللّه لكأنّي بكم فيما إخالكم : أن لو حمس الوغى ، و حمي الضّراب ، قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج المرأة عن قبلها ( عند الولادة أو عند ما يشهر عليها سلاح ) . و إنّي لعلى بيّنة من ربّي ، و منهاج من نبيّي . و إنّي لعلى الطّريق الواضح ألقطه لقطا . ( الخطبة 95 ، 188 ) و قال ( ع ) في الصالحين من اصحابه : أنتم الأنصار على الحقّ ، و الإخوان في الدّين ،

و الجنن يوم البأس ، و البطانة دون النّاس . بكم أضرب المدبر ، و أرجو طاعة المقبل . فأعينوني بمناصحة خليّة من الغشّ ، سليمة من الرّيب . فو اللّه إنّي لأولى النّاس بالنّاس . ( الخطبة 116 ، 226 ) و من كلام له ( ع ) و قد جمع الناس و حضهم على الجهاد فسكتوا مليا ، فقال عليه السلام :

ما بالكم أمخرسون أنتم ؟ ( فقال قوم منهم : يا أمير المؤمنين ، ان سرت سرنا معك ) .

[ 514 ]

فقال عليه السلام : ما بالكم لا سدّدتم لرشد ، و لا هديتم لقصد أفي مثل هذا ينبغي لي أن أخرج ؟ و إنّما يخرج في مثل هذا رجل ممّن أرضاه من شجعانكم و ذوي بأسكم ، و لا ينبغي لي أن أدع الجند و المصر و بيت المال و جباية الأرض ،

و القضاء بين المسلمين ، و النّظر في حقوق المطالبين ، ثمّ أخرج في كتيبة أتبع أخرى ، أتقلقل تقلقل القدح ( أي السهم قبل أن يراش ) في الجفير الفارغ ( أي الكنانة التي توضع فيها السهام ) . و إنّما أنا قطب الرّحى ، تدور عليّ و أنا بمكاني ،

فإذا فارقته استحار ( أي اضطرب ) مدارها ، و اضطرب ثفالها ( الثفال الحجر الاسفل من الرحى ) . هذا لعمر اللّه الرّأي السّوء و اللّه لولا رجائي الشّهادة عند لقائي العدوّ و لو قد حمّ لي لقاؤه لقرّبت ركابي ، ثمّ شخصت عنكم ، فلا أطلبكم ما اختلف جنوب و شمال ، طعّانين عيّابين ، حيّادين روّاغين . إنّه لا غناء في كثرة عددكم ، مع قلّة اجتماع قلوبكم . لقد حملتكم على الطّريق الواضح الّتي لا يهلك عليها إلاّ هالك . من استقام فإلى الجنّة ، و من زلّ فإلى النّار . ( الخطبة 117 ، 227 ) و من كلام له ( ع ) بعد ليلة الهرير ، و قد قام اليه رجل من اصحابه فقال : نهيتنا عن الحكومة ثم أمرتنا بها ، فلم ندر أي الامرين أرشد ؟ فصفق عليه السلام احدى يديه على الاخرى ثم قال : هذا جزاء من ترك العقدة . أما و اللّه لو أنّي حين أمرتكم بما أمرتكم به حملتكم على المكروه الّذي يجعل اللّه فيه خيرا ، فإن استقمتم هديتكم ، و إن اعوججتم قوّمتكم ، و إن أبيتم تداركتكم لكانت الوثقى . و لكن بمن و إلى من ؟ أريد أن أداوي بكم و أنتم دائي ، كناقش الشّوكة بالشّوكة ، و هو يعلم أنّ ضلعها معها . اللّهمّ قد ملّت أطبّاء هذا الدّاء الدّويّ ، و كلّت النّزعة بأشطان الرّكيّ . أين القوم الّذين دعوا إلى الإسلام فقبلوه ، و قرؤوا القرآن فأحكموه ، و هيجوا إلى الجهاد فولهوا و له اللّقاح إلى أولادها ، و سلبوا السّيوف أغمادها ، و أخذوا بأطراف الأرض زحفا زحفا ، و صفّا صفّا . بعض هلك ، و بعض نجا . ( الخطبة 119 ، 229 ) و من كلام له ( ع ) قاله لأصحابه في ساحة الحرب بصفين : و أيّ امري‏ء منكم أحسّ من نفسه رباطة جأش عند اللّقاء ، و رأى من أحد من إخوانه فشلا ، فليذبّ عن

[ 515 ]

أخيه بفضل نجدته الّتي فضّل بها عليه كما يذبّ عن نفسه . فلو شاء اللّه لجعله مثله . إنّ الموت طالب حثيث لا يفوته المقيم ، و لا يعجزه الهارب . إنّ أكرم الموت القتل . و الّذي نفس ابن أبي طالب بيده ، لألف ضربة بالسّيف أهون عليّ من ميتة على الفراش في غير طاعة اللّه .

( و منه ) و كأنّي أنظر إليكم تكشّون كشيش الضّباب . لا تأخذون حقا ، و لا تمنعون ضيما . قد خلّيتم و الطّريق . فالنجاة للمقتحم ، و الهلكة للمتلوّم . ( الخطبة 121 ، 232 ) و من كلام له ( ع ) في حث أصحابه على القتال : و أيم اللّه لئن فررتم من سيف العاجلة ،

لا تسلموا من سيف الآخرة ، و أنتم لهاميم العرب ( أي السابقون من العرب ) ، و السّنام الأعظم . إنّ في الفرار موجدة اللّه ( أي غضبه ) ، و الذّلّ اللاّزم ، و العار الباقي . و إنّ الفارّ لغير مزيد في عمره ، و لا محجوز بينه و بين يومه . الرّائح إلى اللّه كالظّمآن يرد الماء . الجنّة تحت أطراف العوالي . اليوم تبلى الأخبار . و اللّه لأنا أشوق إلى لقائهم منهم إلى ديارهم . اللّهمّ فإن ردّوا الحقّ فافضض جماعتهم ، و شتّت كلمتهم ،

و أبسلهم بخطاياهم ( أي اهلكهم ) . إنّهم لن يزولوا عن مواقفهم دون طعن دراك ،

يخرج منه النّسيم . و ضرب يفلق الهام ، و يطيح العظام ، و يندر ( أي يسقط ) السّواعد و الأقدام . و حتّى يرموا بالمناسر تتبعها المناسر ( جمع منسر و هي القطعة من الجيش تكون في المقدمة ) ، و يرجموا بالكتائب تقفوها الحلائب ( جمع حلبة ، و هي القطعة الحربية التي عددها من اربعة آلاف الى اثني عشر الفا ) ، و حتّى يجرّ ببلادهم الخميس يتلوه الخميس ، و حتّى تدعق الخيول ( أي تطأ وطأ شديدا ) في نواحر أرضهم ( أي متقابلاتها ) ، و باعنان مساربهم و مسارحهم . ( الخطبة 122 ، 233 ) و قال ( ع ) مخاطبا الخوارج : لبئس حشّاش نار الحرب أنتم أفّ لكم لقد لقيت منكم برحا . يوما أناديكم و يوما أناجيكم ، فلا أحرار صدق عند النّداء ، و لا إخوان ثقة عند النّجاء . ( الخطبة 123 ، 235 ) و من كلام له ( ع ) خاطب به أهل البصرة على جهة اقتصاص الملاحم : فمن استطاع عند ذلك أن يعتقل نفسه على اللّه عزّ و جلّ ، فليفعل . فإن أطعتموني فإني حاملكم إن

[ 516 ]

شاء اللّه على سبيل الجنّة ، و إن كان ذا مشقّة شديدة و مذاقة مريرة . ( الخطبة 154 ، 273 ) أين المانع للذّمار ، و الغائر ( أي صاحب الغيرة على نسائه ) عند نزول الحقائق من أهل الحفاظ . العار وراءكم و الجنّة أمامكم . ( الخطبة 169 ، 306 ) و من خطبة له ( ع ) خطبها في الكوفة و هو عازم على الرجعة الى صفين :

أيّها النّاس ، إنّي قد بثثت لكم المواعظ الّتي وعظ الأنبياء بها أممهم . و أدّيت إليكم ما أدّت الأوصياء إلى من بعدهم . و أدّبتكم بسوطي فلم تستقيموا ،

و حدوتكم بالزّواجر فلم تستوسقوا . للّه أنتم أتتوقّعون إماما غيري يطأ بكم الطّريق ،

و يرشدكم السّبيل ؟

ألا إنّه قد أدبر من الدّنيا ما كان مقبلا ، و أقبل منها ما كان مدبرا ، و أزمع التّرحال عباد اللّه الأخيار ، و باعوا قليلا من الدّنيا لا يبقى ، بكثير من الآخرة لا يفنى . ما ضرّ إخواننا الّذين سفكت دماؤهم و هم بصفّين ألاّ يكونوا اليوم أحياء ؟ يسيغون الغصص و يشربون الرّنق ( أي الكدر ) . قد و اللّه لقوا اللّه فوفّاهم أجورهم ، و أحلّهم دار الأمن بعد خوفهم .

أين إخواني الّذين ركبوا الطّريق و مضوا على الحقّ ؟ أين عمّار ؟ و أين ابن التّيّهان ( اسمه مالك ) ؟ و أين ذو الشّهادتين ( هو خزيمة بن ثابت الانصاري ) ؟ . و أين نظراؤهم من إخوانهم الّذين تعاقدوا على المنيّة ، و أبرد برؤوسهم إلى الفجرة .

أوّه ، على إخواني الّذين تلوا القرآن فأحكموه ، و تدبّروا الفرض فأقاموه . أحيوا السّنّة و أماتوا البدعة . دعوا للجهاد فأجابوا ، و وثقوا بالقائد فاتّبعوه .

ثم نادى ( ع ) بأعلى صوته : الجهاد الجهاد عباد اللّه ألا و إنّي معسكر في يومي هذا ،

فمن أراد الرّواح إلى اللّه فليخرج ( الخطبة 180 ، 328 ) فانفذوا على بصائركم ، و لتصدق نيّاتكم في جهاد عدوّكم . فو الّذي لا إله إلاّ هو ،

إنّي لعلى جادّة الحقّ ، و إنّهم لعلى مزلّة الباطل . أقول ما تسمعون ، و أستغفر اللّه لي و لكم . ( الخطبة 195 ، 386 ) و من خطبة له ( ع ) كان يستنهض بها أصحابه الى جهاد أهل الشام : اللّهمّ أيّما عبد من

[ 517 ]

عبادك سمع مقالتنا العادلة غير الجائرة ، و المصلحة غير المفسدة ، في الدّين و الدّنيا ، فأبى بعد سمعه لها إلاّ النّكوص عن نصرتك ، و الإبطاء عن إعزاز دينك ،

فإنّا نستشهدك عليه يا أكبر الشّاهدين شهادة ، و نستشهد عليه جميع ما أسكنته أرضك و سمواتك . ثمّ أنت بعد المغني عن نصره ، و الآخذ له بذنبه . ( الخطبة 210 ، 405 ) و من كلام له ( ع ) يحث به أصحابه على الجهاد : و اللّه مستأديكم شكره ، و مورّثكم أمره . و ممهلكم في مضمار محدود ، لتتنازعوا سبقه ( يقصد بذلك الجنة ) . فشدّوا عقد المآزر ( كناية عن الجد و الاستعداد ) ، و اطووا فضول الخواصر . و لا تجتمع عزيمة و وليمة . ما أنقض النّوم لعزائم اليوم ، و أمحى الظّلم لتذاكير الهمم . ( الخطبة 239 ، 440 ) و من كتاب له ( ع ) الى عبد اللّه بن العباس ، بعد مقتل محمد بن أبي بكر في مصر :

و قد كنت حثثت النّاس على لحاقه ، و أمرتهم بغياثه قبل الوقعة ، و دعوتهم سرا و جهرا ،

و عودا و بدءا ، فمنهم الآتي كارها ، و منهم المعتلّ كاذبا ، و منهم القاعد خاذلا . أسأل اللّه تعالى أن يجعل لي منهم فرجا عاجلا ، فو اللّه لو لا طمعي عند لقائي عدوّي في الشّهادة . و توطيني نفسي على المنيّة ، لأحببت ألاّ ألقى مع هؤلاء يوما واحدا ،

و لا ألتقي بهم أبدا . ( الخطبة 274 ، 493 ) و من كتاب له ( ع ) الى أهل مصر : ألا ترون إلى أصرافكم قد انتقضت ، و إلى أمصاركم قد افتتحت ، و إلى ممالككم تزوى ، و إلى بلادكم تغزى . انفروا رحمكم اللّه إلى قتال عدوّكم ، و لا تثّاقلوا إلى الأرض فتقرّوا بالخسف ( أي تقيموا عليه ) ، و تبوؤوا بالذّلّ ( أي تعودوا به ) ، و يكون نصيبكم الأخسّ . و إنّ أخا الحرب الأرق ( أي ان صاحب الحرب لا ينام ) ، و من نام لم ينم عنه ، و السّلام . ( الخطبة 301 ، 549 )

[ 518 ]