( 13 ) عظمة اللّه و قصور الانسان

يراجع المبحث ( 21 ) التواضع للّه .

قال الامام علي ( ع ) :

و كلّ عزيز غيره ذليل ، و كلّ قويّ غيره ضعيف ، و كلّ مالك غيره مملوك ، و كلّ عالم

[ 102 ]

غيره متعلّم ، و كلّ قادر غيره يقدر و يعجز ، و كلّ سميع غيره يصمّ عن لطيف الأصوات ، و يصمّه كبيرها ، و يذهب عنه ما بعد منها ، و كلّ بصير غيره يعمى عن خفيّ الألوان و لطيف الأجسام ، و كلّ ظاهر غيره غير باطن ، و كلّ باطن غيره غير ظاهر . ( الخطبة 63 ، 119 ) و اعلم أنّ الرّاسخين في العلم هم الّذين أغناهم عن اقتحام السّدد المضروبة دون الغيوب ، الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب ، فمدح اللّه تعالى اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما ، و سمّى تركهم التّعمّق فيما لم يكلّفهم البحث عن كنهه رسوخا . فاقتصر على ذلك ، و لا تقدّر عظمة اللّه سبحانه على قدر عقلك فتكون من الهالكين . هو القادر الّذي إذا ارتمت الأوهام لتدرك منقطع قدرته ، و حاول الفكر المبرّأ من خطرات الوساوس أن يقع عليه في عميقات غيوب ملكوته ، و تولّهت القلوب إليه لتجري في كيفيّة صفاته ، و غمضت مداخل العقول في حيث لا تبلغه الصّفات ، لتناول علم ذاته ، ردعها و هي تجوب مهاوي سدف الغيوب ، متخلّصة إليه سبحانه ، فرجعت إذ جبهت معترفة ، بأنّه لا ينال بجور الأعتساف كنه معرفته ، و لا تخطر ببال أولي الرّويّات خاطرة من تقدير جلال عزّته .

( الخطبة 89 ، 1 ، 162 ) سبحانك ما أعظم شأنك سبحانك ما أعظم ما نرى من خلقك و ما أصغر عظيمة في جنب قدرتك و ما أهول ما نرى من ملكوتك و ما أحقر ذلك فيما غاب عنّا من سلطانك . ( الخطبة 107 ، 208 ) و قال ( ع ) في معرض حديثه عن الملائكة : لو عاينوا كنه ما خفي عليهم منك ، لحقّروا أعمالهم ، و لزروا ( أي عابوا ) على أنفسهم ، و لعرفوا أنّهم لم يعبدوك حقّ عبادتك ،

و لم يطيعوك حقّ طاعتك . ( الخطبة 107 ، 209 ) الحمد للّه الّذي انحسرت الأوصاف عن كنه معرفته ، و ردعت عظمته العقول ، فلم تجد مساغا إلى بلوغ غاية ملكوته . ( الخطبة 153 ، 271 ) فلسنا نعلم كنه عظمتك ، إلاّ أنّا نعلم أنّك حيّ قيّوم ، لا تأخذك سنة و لا نوم . لم ينته

[ 103 ]

إليك نظر ، و لم يدركك بصر . أدركت الأبصار ، و أحصيت الأعمال ، و أخذت بالنّواصي و الأقدام . و ما الّذي نرى من خلقك ، و نعجب له من قدرتك ، و نصفه من عظيم سلطانك ؟ و ما تغيّب عنّا منه ، و قصرت أبصارنا عنه ، و انتهت عقولنا دونه ،

و حالت ستور الغيوب بيننا و بينه أعظم . فمن فرّغ قلبه ، و أعمل فكره ، ليعلم كيف أقمت عرشك ، و كيف ذرأت خلقك ، و كيف علّقت في الهواء سمواتك ، و كيف مددت على مور الماء أرضك ، رجع طرفه حسيرا ، و عقله مبهورا ، و سمعه والها ، و فكره حائرا . ( الخطبة 158 ، 280 ) هيهات إنّ من يعجز عن صفات ذي الهيئة و الأدوات ( أي الأشياء المخلوقة ) ، فهو عن صفات خالقه أعجز و من تناوله بحدود المخلوقين أبعد ( الخطبة 161 ، 291 ) و قال ( ع ) عن عجيب خلقة الطاووس : و إذا تصفّحت شعرة من شعرات قصبه ، أرتك حمرة و رديّة ، و تارة خضرة زبرجديّة ، و أحيانا صفرة عسجديّة . فكيف تصل إلى صفة هذا عمائق الفطن ، أو تبلغه قرائح العقول ، أو تستنظم وصفه أقوال الواصفين . و أقلّ أجزائه قد أعجز الأوهام أن تدركه ، و الألسنة أن تصفه فسبحان الّذي بهر العقول عن وصف خلق جلاّه للعيون ، فأدركته محدودا مكوّنا ، و مؤلّفا ملوّنا . و أعجز الألسن عن تلخيص صفته ، و قعد بها عن تأدية نعته ( الخطبة 163 ، 297 ) تعنو الوجوه لعظمته ، و تجب ( أي تخفق ) القلوب من مخافته .

( الخطبة 177 ، 320 ) ليس بذي كبر امتدّت به النّهايات فكبّرته تجسيما ، و لا بذي عظم تناهت به الغايات فعظّمته تجسيدا . بل كبر شأنا ، و عظم سلطانا . ( الخطبة 183 ، 334 ) و ليس فناء الدّنيا بعد ابتداعها بأعجب من إنشائها و اختراعها ، و كيف و لو اجتمع جميع حيوانها من طيرها و بهائمها ، و ما كان من مراحها و سائمها ، و أصناف أسناخها و أجناسها ، و متبلّدة أممها ( أي الغيبة ) و أكياسها ( جمع كيّس و هو العاقل الحاذق ) على إحداث بعوضة ، ما قدرت على إحداثها ، و لا عرفت كيف السّبيل إلى إيجادها .

و لتحيّرت عقولها في علم ذلك و تاهت ، و عجزت قواها و تناهت . و رجعت خاسئة

[ 104 ]

حسيرة ، عارفة بأنّها مقهورة ، مقرّة بالعجز عن إنشائها ، مذعنة بالضّعف عن إفنائها .

( الخطبة 184 ، 344 ) الحمد للّه الّذي أظهر من آثار سلطانه ، و جلال كبريائه ، ما حيّر مقل العيون من عجائب قدرته ، و ردع خطرات هماهم النّفوس عن عرفان كنه صفته . ( الخطبة 193 ، 382 ) إنّ من حقّ من عظم جلال اللّه سبحانه في نفسه ، و جلّ موضعه من قلبه ، أن يصغر عنده لعظم ذلك كلّ ما سواه . و إنّ أحقّ من كان كذلك لمن عظمت نعمة اللّه عليه ، و لطف إحسانه إليه . فإنّه لم تعظم نعمة اللّه على أحد إلاّ ازداد حقّ اللّه عليه عظما . ( الخطبة 214 ، 411 ) . . . و إن استطعتم أن يشتدّ خوفكم من اللّه ، و أن يحسن ظنّكم به ، فاجمعوا بينهما .

فإنّ العبد إنّما يكون حسن ظنّه بربّه على قدر خوفه من ربّه . و إنّ أحسن النّاس ظنّا باللّه أشدّهم خوفا للّه . ( الخطبة 266 ، 466 ) عظم عن أن تثبت ربوبيّته بإحاطة قلب أو بصر فإذا عرفت ذلك فافعل كما ينبغي لمثلك أن يفعله في صغر خطره ، و قلّة مقدرته ، و كثرة عجزه ، و عظيم حاجته إلى ربّه .

( الخطبة 270 ، 2 ، 479 ) و من كتاب له ( ع ) لمالك الأشتر لما ولاه مصر : و إذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبّهة أو مخيلة ( أي خيلاء ) فانظر إلى عظم ملك اللّه فوقك و قدرته منك ، على ما لا تقدر عليه من نفسك ، فإنّ ذلك يطامن ( أي يخفف ) إليك من طماحك ، و يكفّ عنك من غربك ( أي حدتك ) ، و يفي‏ء إليك بما عزب ( أي غاب ) عنك من عقلك .

إيّاك و مساماة اللّه في عظمته ، و التّشبّه به في جبروته ، فانّ اللّه يذلّ كلّ جبّار ،

و يهين كلّ مختال . ( الخطبة 292 ، 518 ) عظم الخالق عندك ، يصغّر المخلوق في عينك . ( 129 ح ، 589 )

[ 105 ]