النصوص :

قال الإمام علي ( ع ) :

فاتّقوا اللّه عباد اللّه ، تقيّة ذي لبّ ، شغل التّفكّر قلبه ، و أنصب الخوف بدنه ، و أسهر التّهجّد غرار نومه ، و أظمأ الرّجاء هواجر يومه ، و ظلف الزّهد شهواته ، و أوجف الذّكر بلسانه ، و قدّم الخوف لأمانه . ( الخطبة 81 ، 2 ، 144 ) لقد رأيت أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله ، فما أرى أحدا يشبههم منكم

[ 276 ]

لقد كانوا يصبحون شعثا غبرا ، و قد باتوا سجّدا و قياما ، يراوحون بين جباههم و خدودهم ،

و يقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم كأنّ بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم . إذا ذكر اللّه هملت أعينهم حتّى تبلّ جيوبهم ، و مادوا كما يميد الشّجر يوم الرّيح العاصف ، خوفا من العقاب و رجاء للثّواب . ( الخطبة 95 ، 190 ) عباد اللّه ، إنّ تقوى اللّه حمت أولياء اللّه محارمه ، و ألزمت قلوبهم مخافته ، حتّى أسهرت لياليهم ، و أظمأت هواجرهم . فأخذوا الرّاحة بالنّصب و الرّيّ بالظّمإ .

و استقربوا الأجل فبادروا العمل ، و كذّبوا الأمل فلاحظوا الأجل . ( الخطبة 112 ، 220 ) و قال ( ع ) عن أصحابه المخلصين : مره العيون من البكاء ، خمص البطون من الصّيام ،

ذبل الشّفاه من الدّعاء ، صفر الألوان من السّهر . على وجوههم غبرة الخاشعين .

أولئك إخواني الذّاهبون . ( الخطبة 119 ، 230 ) و يذكر ( ع ) صفات أناس في آخر الزمان فيقول : ثمّ ليشحذنّ فيها قوم شحذ القين النّصل ( القين الحداد ، و النصل الحديدة الحادة من السلاح ) . تجلى بالتّنزيل أبصارهم ، و يرمى بالتّفسير في مسامعهم ، و يغبقون ( أي يشربون مساء ) كأس الحكمة بعد الصّبوح ( أي بعد شراب الصباح ) . ( الخطبة 148 ، 262 ) فاسعوا في فكاك رقابكم ، من قبل أن تغلق رهائنها . أسهروا عيونكم ، و أضمروا بطونكم ، و استعملوا أقدامكم ، و أنفقوا أموالكم ، و خذوا من أجسادكم فجودوا بها على أنفسكم ، و لا تبخلوا بها عنها . ( الخطبة 181 ، 332 ) الّذين كانت أعمالهم في الدّنيا زاكيّة ، و أعينهم باكيّة . و كان ليلهم في دنياهم نهارا ، تخشّعا و استغفارا ، و كان نهارهم ليلا ، توحّشا و انقطاعا . ( الخطبة 188 ، 352 ) و لما في ذلك من تعفير عتاق الوجوه بالتّراب تواضعا ، و التصاق كرائم الجوارح بالأرض تصاغرا ، و لحوق البطون بالمتون من الصّيام تذلّلا . . . ( الخطبة 190 ، 3 ، 367 ) و قال ( ع ) لهمام حين سأله أن يصف له المتقين : أمّا اللّيل فصافّون أقدامهم ، تالين لأجزاء القرآن يرتّلونها ترتيلا . يحزّنون به أنفسهم ، و يستثيرون به دواء دائهم . فإذا مرّوا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا ، و تطلّعت نفوسهم إليها شوقا ، و ظنّوا أنّها

[ 277 ]

نصب أعينهم . و إذا مرّوا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم ، و ظنّوا أنّ زفير جهنّم و شهيقها في أصول آذانهم . فهم حانون على أوساطهم ، مفترشون لجباههم و أكفّهم و ركبهم و أطراف أقدامهم ، يطلبون إلى اللّه تعالى في فكاك رقابهم . ( الخطبة 191 ، 377 ) و قال ( ع ) عند تلاوته يُسَبِّحُ لَهُ فِيْهَا بِالْغُدُوِّ وَ الاْصَالِ رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ : . . . و إنّ للذّكر لأهلا أخذوه من الدّنيا بدلا ، فلم تشغلهم تجارة و لا بيع عنه ،

يقطعون به أيّام الحياة ، و يهتفون بالزّواجر عن محارم اللّه في أسماع الغافلين ،

و يأمرون بالقسط و يأتمرون به ، و ينهون عن المنكر و يتناهون عنه ، فكأنّما قطعوا الدّنيا إلى الآخرة و هم فيها ، فشاهدوا ما وراء ذلك ، فكأنّما اطّلعوا غيوب أهل البرزخ في طول الاقامة فيه ، و حقّقت القيامة عليهم عداتها ، فكشفوا غطاء ذلك لأهل الدّنيا حتّى كأنّهم يرون ما لا يرى النّاس ، و يسمعون ما لا يسمعون . فلو مثّلتهم لعقلك في مقاومهم ( جمع مقام ) المحمودة ، و مجالسهم المشهودة ، و قد نشروا دواوين أعمالهم ، و فرغوا لمحاسبة أنفسهم ، عن كلّ صغيرة و كبيرة أمروا بها فقصّروا عنها ،

أو نهوا عنها ففرّطوا فيها ، و حمّلوا ثقل أوزارهم طهورهم ، فضعفوا عن الاستقلال بها ،

فنشجوا نشيجا ، و تجاوبوا نحيبا ، يعجّون إلى ربّهم من مقام ندم و اعتراف لرأيت أعلام هدى ، و مصابيح دجى ، قد حفّت بهم الملائكة ، و تنزّلت عليهم السّكينة ،

و فتحت لهم أبواب السّماء ، و أعدّت لهم مقاعد الكرامات ، في مقعد اطّلع اللّه عليهم فيه ، فرضي سعيهم ، و حمد مقامهم . يتنسّمون بدعائه روح التّجاوز ( أي يتوقعون التجاوز بدعائهم له ) ، رهائن فاقة إلى فضله ، و أسارى ذلّة لعظمته . جرح طول الأسى قلوبهم ، و طول البكاء عيونهم . لكلّ باب رغبة إلى اللّه منهم يد قارعة .

يسألون من لا تضيق لديه المنادح ( جمع مندوحة و هي المتسع من الارض ) ، و لا يخيب عليه الرّاغبون . فحاسب نفسك لنفسك ، فإنّ غيرها من الأنفس لها حسيب غيرك .

( الخطبة 220 ، 420 ) طوبى لنفس أدّت إلى ربّها فرضها ، و عركت بجنبها بؤسها ، و هجرت في اللّيل

[ 288 ]

غمضها . حتّى إذا غلب الكرى عليها افترشت أرضها و توسّدت كفّها . في معشر أسهر عيونهم خوف معادهم ، و تجافت عن مضاجعهم جنوبهم ، و همهمت بذكر ربّهم شفاههم ، و تقشّعت بطول استغفارهم ذنوبهم أُولَئكَ حِزْبُ اللّهِ ، أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . ( الخطبة 284 ، 510 )

[ 279 ]