قال الامام علي ( ع ) :
في ذمّ الدنيا : أمّا بعد ، فإنّي أحذّركم الدّنيا ، فإنّها حلوة خضرة ، حفّت بالشّهوات ،
و تحبّبت بالعاجلة . و راقت بالقليل ، و تحلّت بالآمال ، و تزيّنت بالغرور . لا تدوم حبرتها ، و لا تؤمن فجعتها . غرّارة ضرّارة ، حائلة ، زائلة ، نافذة بائدة ، أكّالة غوّالة ،
لا تعدوا إذا تناهت إلى أمنيّة أهل الرّغبة فيها و الرّضاء بها أن تكون كما قال اللّه
[ 884 ]
تعالى سبحانه كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ ، فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ . وَ كَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً . لم يكن امرؤ منها في حبرة إلاّ أعقبته بعدها عبرة . و لم يلق في سرّائها بطنا ، إلاّ منحته من ضرّائها ظهرا . و لم تطلّه فيها ديمة رخاء ،
إلاّ هتنت عليه مزنة بلاء . و حريّ إذا أصبحت له منتصرة أن تمسي له متنكّرة . و إن جانب منها أعذوذب و احلولى ، أمرّ منها جانب فأوبى . لا ينال امرؤ من غضارتها رغبا ، إلاّ أرهفته من نوائبها تعبا . و لا يمسي منها في جناح أمن ، إلاّ أصبح على قوادم خوف . غرّارة ، غرور ما فيها . فانية ، فان من عليها . لا خير في شيء من أزوادها إلاّ التّقوى . من أقلّ منها استكثر ممّا يؤمنه . و من استكثر منها استكثر ممّا يوبقه ، و زال عمّا قليل عنه . كم من واثق بها قد فجعته ، و ذي طمأنينة إليها قد صرعته . و ذي أبهة قد جعلته حقيرا . و ذي نخوة قد ردّته ذليلا . سلطانها دوّل ( أي متحول ) ، و عيشها رنق ،
و عذبها أجاج ، و حلوها صبر ، و غذاؤها سمام ( جمع سم ) ، و أسبابها رمام ( جمع رمة و هي القطعة البالية ) . حيّها بعرض موت ، و صحيحها بعرض سقم . ملكها مسلوب ، و عزيزها مغلوب ، و موفورها منكوب ، و جارها محروب ( أي مسلوب المال ) . ( الخطبة 109 ، 214 ) أيّها النّاس ، إنّما أنتم في هذه الدّنيا غرض تنتضل ( أي تترامى ) فيه المنايا . مع كلّ جرعة شرق ، و في كلّ أكلة غصص . لا تنالون منها نعمة إلاّ بفراق أخرى ، و لا يعمّر معمّر منكم يوما من عمره ، إلاّ بهدم آخر من أجله . و لا تجدّد له زيادة في أكله ، إلاّ بنفاد ما قبلها من رزقه . و لا يحيا له أثر ، إلاّ مات له أثر . و لا يتجدّد له جديد ، إلاّ بعد أن يخلق له جديد . و لا تقوم له نابتة إلاّ و تسقط منه محصودة . و قد مضت أصول نحن فروعها ، فما بقاء فرع بعد ذهاب أصله . ( الخطبة 143 ، 256 ) و قيل للامام ( ع ) : كيف نجدك يا أمير المؤمنين ؟ فقال عليه السلام : كيف يكون حال من يفنى ببقائه ، و يسقم بصحّته ، و يؤتى من مأمنه . ( 115 ح ، 586 ) إنّما المرء في الدّنيا غرض تنتضل فيه المنايا ، و نهب تبادره المصائب . و مع كلّ جرعة شرق ، و في كلّ أكلة غصص . و لا ينال العبد نعمة إلاّ بفراق أخرى ، و لا يستقبل يوما من عمره إلاّ بفراق آخر من أجله . فنحن أعوان المنون ، و أنفسنا نصب الحتوف . فمن
[ 885 ]
أين نرجو البقاء ، و هذا اللّيل و النّهار ، لم يرفعا من شيء شرفا ، إلاّ أسرعا الكرّة في هدم ما بنيا ، و تفريق ما جمعا ؟ ( 191 ح ، 601 ) لا ينبغي للعبد أن يثق بخصلتين : العافية و الغنى . بينا تراه معافى إذ سقم ، و بينا تراه غنيّا إذ افتقر . ( 426 ح ، 653 )