( 226 ) سياسة الرعية ( العامة )

يراجع المبحث ( 214 ) : وصايا الامام ( ع ) لأصحابه و حكامه و ولاته و عماله و قضاته .

من كتاب له ( ع ) الى بعض عماله : أمّا بعد . فإنّ دهاقين أهل بلدك ( أي أكابرهم ) شكوا منك غلظة و قسوة ، و احتقارا و جفوة ، و نظرت فلم أرهم أهلا لأن يدنوا لشركهم ( أي لأنهم مشركون ) و لا أن يقصوا و يجفوا لعهدهم . فالبس لهم جلبابا من اللّين تشوبه بطرف من الشّدّة ، و داول لهم بين القسوة و الرّأفة ، و امزج لهم بين التّقريب و الإدناء ، و الإبعاد و الإقصاء . إن شاء اللّه . ( الخطبة 258 ، 457 ) و من عهد له ( ع ) الى محمد بن أبي بكر يوصيه بالرعية : فاخفض لهم جناحك ، و ألن لهم جانبك ، و أبسط لهم وجهك . و آس ( أي سوّ ) بينهم في اللّحظة و النّظرة . حتّى لا يطمع العظماء في حيفك لهم ، و لا ييأس الضّعفاء من عدلك عليهم . فإنّ اللّه تعالى يسائلكم معشر عباده عن الصّغيرة من أعمالكم و الكبيرة ، و الظّاهرة و المستورة ، فإن يعذّب فأنتم أظلم ، و إن يعف فهو أكرم . . . ( الخطبة 266 ، 465 ) و من كتاب له ( ع ) الى بعض عماله : أمّا بعد ، فإنّك ممّن أستظهر به على إقامة الدّين ،

و أقمع به نخوة الأثيم ، و أسدّ به لهاة الثّغر المخوف . فاستعن باللّه على ما أهمّك ،

و اخلط الشّدّة بضغث من اللّين ، و ارفق ما كان الرّفق أرفق ، و اعتزم بالشّدّة حين لا يغني عنك إلاّ الشّدّة . و اخفض للرّعيّة جناحك ، و ابسط لهم وجهك ، و ألن لهم

[ 613 ]

جانبك و آس ( أي سوّ ) بينهم في اللّحظة و النّظرة ، و الإشارة و التّحيّة ، حتّى لا يطمع العظماء في حيفك ، و لا ييأس الضّعفاء من عدلك ، و السّلام ( الخطبة 285 ، 510 ) من كتاب له ( ع ) كتبه لمالك الاشتر لما ولاه مصر : ثمّ اعلم يا مالك ، أنّي قد وجّهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل و جور ، و أنّ النّاس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك ، و يقولون فيك ما كنت تقول فيهم ، و إنّما يستدلّ على الصّالحين بما يجري اللّه لهم على ألسن عباده . فليكن أحبّ الذّخائر إليك ذخيرة العمل الصّالح . فاملك هواك و شحّ بنفسك عمّا لا يحلّ لك ، فإنّ الشّحّ بالنّفس الإنصاف منها فيما أحبّت أو كرهت . و أشعر قلبك الرّحمة للرّعيّة ، و المحبّة لهم ، و اللّطف بهم ، و لا تكوننّ عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم ، فإنّهم صنفان : إمّا أخ لك في الدّين ، أو نظير لك في الخلق ، يفرط منهم الزّلل ( أي يسبق منهم الخطأ ) ، و تعرض لهم العلل ، و يؤتى على أيديهم في العمد و الخطإ . فأعطهم من عفوك و صفحك مثل الّذي تحبّ أن يعطيك اللّه من عفوه و صفحه ، فإنّك فوقهم ،

و والي الأمر عليك فوقك ، و اللّه فوق من ولاّك و قد استكفاك أمرهم و ابتلاك بهم . و لا تنصبنّ نفسك لحرب اللّه ، فإنّه لا يد لك بنقمته ، و لا غنى بك عن عفوه و رحمته ، و لا تندمنّ على عفو ، و لا تبجحنّ ( أي تفرحن ) بعقوبة ، و لا تسرعنّ إلى بادرة وجدت منها مندوحة ، و لا تقولنّ إنّي مؤمّر آمر فأطاع ، فإنّ ذلك إدغال في القلب ، و منهكة للدّين ، و تقرّب من الغير ( نوائب الدهر ) . ( الخطبة 292 ، 1 ، 517 ) أنصف اللّه و أنصف النّاس من نفسك و من خاصّة أهلك و من لك فيه هوى من رعيّتك ، فإنّك إلاّ تفعل تظلم و من ظلم عباد اللّه كان اللّه خصمه دون عباده ، و من خاصمه اللّه أدحض حجّته ، و كان للّه حربا حتّى ينزع أو يتوب . و ليس شي‏ء أدعى إلى تغيير نعمة اللّه و تعجيل نقمته من إقامة على ظلم ، فإنّ اللّه سميع دعوة المضطهدين و هو للظّالمين بالمرصاد . ( الخطبة 292 ، 1 ، 519 ) و ليكن أبعد رعيّتك منك و أشنأهم عندك ( أي أبغضهم ) أطلبهم لمعائب النّاس ، فإنّ في النّاس عيوبا ، الوالي أحقّ من سترها . فلا تكشفنّ عمّا غاب عنك منها ، فإنّما

[ 614 ]

عليك تطهير ما ظهر لك . و اللّه يحكم على ما غاب عنك . فاستر العورة ما استطعت يستر اللّه منك ما تحبّ ستره من رعيّتك . أطلق عن النّاس عقدة كلّ حقد ، و اقطع عنك سبب كلّ وتر ، و تغاب ( أي تغافل ) عن كلّ ما لا يصحّ لك ، و لا تعجلنّ إلى تصديق ساع ، فإنّ السّاعي غاشّ ، و إن تشبّه بالنّاصحين . و لا تدخلنّ في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل و يعدك الفقر . و لا جبانا يضعفك عن الأمور . و لا حريصا يزيّن لك الشّره بالجور . فإنّ البخل و الجبن و الحرص غرائز شتّى ، يجمعها سوء الظّنّ باللّه . ( الخطبة 292 ، 1 ، 520 ) و إنّما عماد الدّين ، و جماع المسلمين ، و العدّة للأعداء العامّة من الأمّة ، فليكن صغوك لهم ، و ميلك معهم . ( 292 ، 1 ، 520 ) و لا يكوننّ المحسن و المسي‏ء عندك بمنزلة سواء ، فإنّ في ذلك تزهيدا لأهل الإحسان في الإحسان ، و تدريبا لأهل الإساءة على الإساءة و ألزم كلا منهم ما ألزم نفسه . و اعلم أنّه ليس شي‏ء بأدعى إلى حسن ظنّ راع برعيّته من إحسانه إليهم ، و تخفيفه المؤونات عليهم ، و ترك استكراهه إيّاهم على ما ليس له قبلهم .

فليكن منك في ذلك أمر يجتمع لك به حسن الظّنّ برعيّتك ، فإنّ حسن الظّنّ يقطع عنك نصبا طويلا . و إنّ أحقّ من حسن ظنّك به لمن حسن بلاؤك عنده ، و إنّ أحقّ من ساء ظنّك به لمن ساء بلاؤك عنده .

و لا تنقض سنّة صالحة عمل بها صدور هذه الأمّة ، و اجتمعت بها الألفة ، و صلحت عليها الرّعيّة . و لا تحدثنّ سنّة تضرّ بشي‏ء من ماضي تلك السّنن ، فيكون الأجر لمن سنّها و الوزر عليك بما نقضت منها . و أكثر مدارسة العلماء و منافثة الحكماء ( أي محادثتهم ) ، في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك ، و إقامة ما استقام به النّاس قبلك .

( الخطبة 292 ، 1 ، 521 ) و اجعل لذوي الحاجات منك قسما تفرّغ لهم فيه شخصك ، و تجلس لهم مجلسا عامّا ،

فتتواضع فيه للّه الّذي خلقك ، و تقعد عنهم جندك و أعوانك ، من أحراسك و شرطك ،

حتّى يكلّمك متكلّمهم غير متتعتع ، فإنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

[ 615 ]

و سلّم يقول في غير موطن : « لن تقدّس أمّة لا يؤخذ للضّعيف فيها حقّه من القويّ غير متتعتع » . ثمّ احتمل الخرق منهم و العيّ ( الخرق العنف ، و العي العجز عن النطق ) ، و نحّ عنهم الضّيق و الأنف ، يبسط اللّه عليك بذلك أكناف رحمته ، و يوجب لك ثواب طاعته . و أعط ما أعطيت هنيئا ، و امنع في إجمال و إعذار .

ثمّ أمور من أمورك لا بدّ لك من مباشرتها : منها إجابة عمّالك بما يعيا عنه كتّابك ، و منها إصدار حاجات النّاس يوم ورودها عليك بما تحرج به صدور أعوانك . ( الخطبة 292 ، 4 ، 533 ) و إذا قمت في صلاتك للنّاس ، فلا تكوننّ منفّرا و لا مضيّعا ، فإنّ في النّاس من به العلّة و له الحاجة . و قد سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين وجّهني إلى اليمن كيف أصلّي بهم ؟ فقال : « صلّ بهم كصلاة أضعفهم ، و كن بالمؤمنين رحيما » . ( الخطبة 292 ، 4 ، 534 ) و أمّا بعد ، فلا تطوّلنّ احتجابك عن رعيّتك ، فإنّ احتجاب الولاة عن الرّعيّة شعبة من الضّيق ، و قلّة علم بالأمور . و الإحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه ، فيصغر عندهم الكبير ، و يعظم الصّغير ، و يقبح الحسن ، و يحسن القبيح ، و يشاب الحقّ بالباطل . و إنّما الوالي ، بشر لا يعرف ما توارى عنه النّاس به من الأمور ، و ليست على الحقّ سمات تعرف بها ضروب الصّدق من الكذب . و إنّما أنت أحد رجلين : إمّا امرؤ سخت نفسك بالبذل في الحقّ ، ففيما احتجابك من واجب حقّ تعطيه ، أو فعل كريم تسديه أو مبتلى بالمنع ، فما أسرع كفّ النّاس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك مع أنّ أكثر حاجات النّاس إليك ممّا لا مؤونة فيه عليك ، من شكاة مظلمة ،

أو طلب إنصاف في معاملة . ( الخطبة 292 ، 4 ، 534 ) و ألزم الحقّ من لزمه من القريب و البعيد ، و كن في ذلك صابرا محتسبا ، واقعا ذلك من قرابتك و خاصّتك حيث وقع . و ابتغ عاقبته بما يثقل عليك منه . فإنّ مغبّة ذلك محمودة . و إن ظنّت الرّعيّة بك حيفا ، فأصحر ( أي أبرز ) لهم بعذرك ، و اعدل عنك ظنونهم باصحارك . فإنّ في ذلك رياضة منك لنفسك و رفقا برعيّتك ، و إعذارا تبلغ

[ 616 ]

به حاجتك من تقويمهم على الحقّ . ( الخطبة 292 ، 4 ، 535 ) إيّاك و الدّماء ، و سفكها بغير حلّها . فإنّه ليس شي‏ء أدنى لنقمة ، و لا أعظم لتبعة ،

و لا أحرى بزوال نعمة و انقطاع مدّة ، من سفك الدّماء بغير حقّها . و اللّه سبحانه مبتدي‏ء بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدّماء يوم القيامة ، فلا تقوّينّ سلطانك بسفك دم حرام ، فإنّ ذلك ممّا يضعفه و يوهنه ، بل يزيله و ينقله ، و لا عذر لك عند اللّه و لا عندي في قتل العمد ، لأنّ فيه قود ( أي قصاص ) البدن . و إن ابتليت بخطأ و أفرط عليك سوطك أو سيفك أو يدك بالعقوبة ، فإنّ في الوكزة ( الضربة بجمع الكف ) فما فوقها مقتلة ، فلا تطمحنّ بك نخوة سلطانك عن أن تؤدّي إلى أولياء المقتول حقّهم . ( الخطبة 292 ، 5 ، 537 ) و إيّاك و المنّ على رعيّتك بإحسانك أو التّزيّد فيما كان من فعلك ، أو أن تعدهم فتتبع موعدك بخلفك ، فإنّ المنّ يبطل الإحسان ، و التّزيّد يذهب بنور الحقّ ، و الخلف يوجب المقت عند اللّه و النّاس . قال اللّه تعالى كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ ( الخطبة 292 ، 5 ، 538 ) .

و إيّاك و الإستئثار بما النّاس فيه أسوة ، و التّغابي عمّا تعنى به ممّا قد وضح للعيون ،

فإنّه مأخوذ منك لغيرك . و عمّا قليل تنكشف عنك أغطية الأمور ، و ينتصف منك للمظلوم . إملك حميّة أنفك و سورة حدّك ( أي حدة بأسك ) و سطوة يدك ، و غرب لسانك ، و احترس من كلّ ذلك بكفّ البادرة ( ما يبدر من اللسان عند الغضب ) و تأخير السّطوة ، حتّى يسكن غضبك فتملك الإختيار ، و لن تحكم ذلك من نفسك حتّى تكثر همومك بذكر المعاد إلى ربّك . ( الخطبة 292 ، 5 ، 539 ) من كتاب له ( ع ) الى الاسود بن قطيبة صاحب جند حلوان ( في فارس ) : أمّا بعد فإنّ الوالي إذا اختلف هواه ، منعه ذلك كثيرا من العدل ، فليكن أمر النّاس عندك في الحقّ سواء . فإنّه ليس في الجور عوض من العدل . فاجتنب ما تنكر أمثاله ( المقصود :

من غيرك ) و ابتذل نفسك فيما افترض اللّه عليك ، راجيا ثوابه ، و متخوّفا عقابه .

و اعلم أنّ الدّنيا دار بليّة ، لم يفرغ صاحبها فيها قطّ ساعة إلاّ كانت فرغته عليه حسرة

[ 617 ]

يوم القيامة ( أي الانسان مسؤول عن كل ساعة فراغ لا يعمل فيها لنفعه و نفع أمته ) ،

و أنّه لن يغنيك عن الحقّ شي‏ء أبدا . و من الحقّ عليك حفظ نفسك ، و الاحتساب على الرّعيّة بجهدك ، فإنّ الّذي يصل إليك من ذلك أفضل من الّذي يصل بك ،

و السّلام . ( أي ان الثواب الذي يصل للوالي من اللّه و الكرامة التي تصله من الرعية هي أعظم بكثير من النفع الذي يصل الى الرعية بسببه ) . ( الخطبة 298 ، 544 ) من كتاب له ( ع ) الى قثم بن العباس و هو عامله على مكة : و لا يكن لك إلى النّاس سفير إلاّ لسانك ، و لا حاجب إلاّ وجهك . و لا تحجبنّ ذا حاجة عن لقائك بها ، فإنّها إن ذيدت عن أبوابك في أوّل وردها لم تحمد فيما بعد على قضائها . ( الخطبة 306 ، 555 ) من وصية له ( ع ) لعبد اللّه بن العباس ، عند استخلافه اياه على البصرة : سع النّاس بوجهك و مجلسك و حكمك . و إيّاك و الغضب فإنّه طيرة من الشّيطان ( أي يتفاءل به الشيطان ) . و اعلم أنّ ما قرّبك من اللّه يباعدك من النّار ، و ما باعدك من اللّه يقرّبك من النّار . ( الخطبة 315 ، 563 )