قال الامام علي بن أبي طالب « ع » :
فبعث فيهم رسله ، و واتر إليهم أنبياءه ، ليستأدوهم ميثاق فطرته ، و يذكّروهم منسيّ نعمته ، و يحتجّوا عليهم بالتّبليغ ، و يثيروا لهم دفائن العقول ، و يروهم الآيات المقدّرة : من سقف فوقهم مرفوع ، و مهاد تحتهم موضوع ، و معايش تحييهم ،
و آجال تفنيهم ، و أوصاب تهرمهم ، و أحداث تتابع عليهم . ( الخطبة 1 ، 31 ) و قال « ع » عن الملائكة : لا يتوهّمون ربّهم بالتّصوير ، و لا يجرون عليه صفات المصنوعين ، و لا يحدّونه بالأماكن ، و لا يشيرون إليه بالنّظائر . ( الخطبة 1 ، 28 ) الحمد للّه الّذي بطن خفيّات الأمور ، و دلّت عليه أعلام الظّهور ، و امتنع على عين البصير ، فلا عين من لم يره تنكره ، و لا قلب من أثبته يبصره . . . . لم يطلع العقول على تحديد صفته ، و لم يحجبها عن واجب معرفته . فهو الّذي تشهد له أعلام الوجود ، على إقرار قلب ذي الجحود ( أي أن قلب الجاحد يقرّ بوجود اللّه و إن أنكره بلسانه ) . تعالى اللّه عمّا يقوله المشبّهون به و الجاحدون له علوّا كبيرا . ( الخطبة 49 ، 106 ) و أشهد ألاّ إله إلاّ اللّه ، وحده لا شريك له . ( الخطبة 83 ، 150 ) الحمد للّه المعروف من غير رؤية ، و الخالق من غير رويّة . ( الخطبة 88 ، 159 ) الّذي ابتدع الخلق على غير مثال امتثله ، و لا مقدار احتذى عليه ، من خالق معبود كان قبله . و أرانا من ملكوت قدرته ، و عجائب ما نطقت به آثار حكمته ، و اعتراف الحاجة
[ 64 ]
من الخلق إلى أن يقيمها بمساك قوّته ، ما دلّنا بأضطرار قيام الحجّة له على معرفته ،
فظهرت في البدائع الّتي أحدثها آثار صنعته ، و أعلام حكمته ، فصار كلّ ما خلق حجّة له و دليلا عليه . و إن كان خلقا صامتا ، فحجّته بالتّدبير ناطقة ، و دلالته على المبدع قائمة . ( الخطبة 89 ، 1 ، 163 ) و لم يخلهم بعد أن قبضه ( أي آدم ) ، ممّا يؤكّد عليهم حجّة ربوبيّته ، و يصل بينهم و بين معرفته ، بل تعاهدهم بالحجج على ألسن الخيرة من أنبيائه ، و متحمّلي ودائع رسالاته ، قرنا فقرنا ، حتّى تمّت بنبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حجّته و بلغ المقطع عذره و نذره . ( الخطبة 89 ، 174 ) الحمد للّه المتجلّي لخلقه بخلقه ، و الظّاهر لقلوبهم بحجّته . ( الخطبة 106 ، 204 ) فتجلّى لهم سبحانه في كتابه من غير أن يكونوا رأوه ، بما أراهم من قدرته ، و خوّفهم من سطوته . و كيف محق من محق بالمثلات ( أي العقوبات ) ، و احتصد من احتصد بالنّقمات . ( الخطبة 145 ، 258 ) الحمد للّه الدّالّ على وجوده بخلقه . ( الخطبة 150 ، 266 ) أيّها المخلوق السّويّ ، و المنشأ المرعيّ ، في ظلمات الأرحام و مضاعفات الأستار .
بدئت من سلالة من طين ، و وضعت في قرار مكين ، إلى قدر معلوم و أجل مقسوم .
تمور في بطن أمّك جنينا ، لا تحير دعاء ، و لا تسمع نداء . ثمّ أخرجت من مقرّك إلى دار لم تشهدها ، و لم تعرف سبل منافعها . فمن هداك لاجترار الغذاء من ثدي أمّك ؟ و عرّفك عند الحاجة مواضع طلبك و إرادتك ؟ هيهات إنّ من يعجز عن صفات ذي الهيئة و الأدوات ( أي الأشياء المخلوقة ) ، فهو عن صفات خالقه أعجز و من تناوله بحدود المخلوقين أبعد . الخطبة ( 161 ، 290 ) و قال « ع » عن عجيب خلق الطيور : إبتدعهم خلقا عجيبا من حيوان و موات و ساكن و ذي حركات . و أقام من شواهد البيّنات على لطيف صنعته ، و عظيم قدرته ،
ما انقادت له العقول معترفة به و مسلّمة له . و نعقت في أسماعنا دلائله على وحدانيّته . ( الخطبة 163 ، 293 ) بل ظهر للعقول بما أرانا من علامات التدبير المتقن ، و القضاء المبرم . فمن شواهد
[ 65 ]
خلقه خلق السّموات . . . ( الخطبة 180 ، 324 ) الحمد للّه المعروف من غير رؤية ، و الخالق من غير منصبة . ( الخطبة 181 ، 329 ) و قال « ع » عن خلقة النملة : و لو فكّروا في عظيم القدرة و جسيم النّعمة ، لرجعوا إلى الطّريق ، و خافوا عذاب الحريق ، و لكن القلوب عليلة ، و البصائر مدخولة .
إلا ينظرون إلى صغير ما خلق ، كيف أحكم خلقه ، و أتقن تركيبه ، و فلق له السّمع و البصر ، و سوّى له العظم و البشر . انظروا إلى النّملة في صغر جثّتها و لطافة هيئتها ،
لا تكاد تنال بلحظ البصر ، و لا بمستدرك الفكر ، كيف دبّت على أرضها و صبّت على رزقها ، تنقل الحبّة إلى جحرها ، و تعدّها في مستقرّها . تجمع في حرّها لبردها ،
و في وردها لصدرها ( الصّدر الرّجوع بعد الورود ) . مكفول برزقها ، مرزوقة بوفقها .
لا يغفلها المنّان ، و لا يحرمها الدّيّان ، و لو في الصّفا اليابس ، و الحجر الجامس ( أي الجامد ) . و لو فكّرت في مجاري أكلها ، في علوها و سفلها ، و ما في الجوف من شراسيف ( أطراف الأضلاع التي تشرف على البطن ) بطنها ، و ما في الرّأس من عينها و أذنها لقضيت من خلقها عجبا ، و لقيت من وصفها تعبا . فتعالى الّذي أقامها على قوائمها ، و بناها على دعائمها . لم يشركه في فطرتها فاطر ، و لم يعنه على خلقها قادر . و لو ضربت في مذاهب فكرك لتبلغ غاياته ، ما دلّتك الدّلالة إلاّ على أنّ فاطر النّملة هو فاطر النّخلة ، لدقيق تفصيل كلّ شيء ، و غامض اختلاف كلّ حيّ .
و ما الجليل و اللّطيف ، و الثّقيل و الخفيف ، و القويّ و الضّعيف ، في خلقه إلاّ سواء .
و كذلك السّماء و الهواء و الرّياح و الماء . فانظر إلى الشّمس و القمر و النّبات و الشّجر و الماء و الحجر ، و اختلاف هذا اللّيل و النّهار ، و تفجّر هذه البحار ، و كثرة هذه الجبال ، و طول هذه القلال ، و تفرّق هذه اللّغات ، و الألسن المختلفات .
فالويل لمن أنكر المقدّر و جحد المدبّر . زعموا أنّهم كالنّبات ما لهم زارع ،
و لا لاختلاف صورهم صانع . و لم يلجؤوا إلى حجّة فيما أدّعوا ، و لا تحقيق لما أوعوا ( أي حفظوا ) . و هل يكون بناء من غير بان ، أو جناية من غير جان ؟ . ( الخطبة 183 ، 335 ) .
[ 66 ]
الحمد للّه الّذي أظهر من آثار سلطانه ، و جلال كبريائه ، ما حيّر مقل العيون من عجائب قدرته ، و ردع خطرات هماهم النّفوس عن عرفان كنه صفته . ( الخطبة 193 ، 382 ) الحمد للّه . . . الظّاهر بعجائب تدبيره للنّاظرين ، و الباطن بجلال عزّته عن فكر المتوهّمين . . . ( الخطبة 211 ، 406 ) و عجبت لمن شكّ في اللّه ، و هو يرى خلق اللّه . ( 126 ح ، 589 ) عرفّت اللّه سبحانه بفسخ العزائم ( أي نقض ما يعزم الانسان على فعله ، لأن فوق قدرته قدرة أعلى ) ، و حلّ العقود ( جمع عقد و هو النيّة ) و نقض الهمم . ( 250 ح ، 610 ) من عرف نفسه فقد عرف ربّه . ( مستدرك 186 ) من عجز عن معرفة نفسه ، فهو عن معرفة خالقه أعجز . ( مستدرك 188 ) و سئل « ع » : بماذا عرفت ربّك ؟ فقال : بفسخ العزائم ، و نقض الهمم . لمّا هممت فحيل بيني و بين همّي ، و عزمت فخالف القضاء و القدر عزمي ، علمت أنّ المدبّر غيري . ( مستدرك 170 )