كتاب له عليه السلام ( 50 ) إِلى معاوية أيضاً

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَميرِ الْمُؤْمِنينَ إِلى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبي سُفْيَانَ .

سَلاَمٌ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى .

فَإِنّي أَحْمُدُ إِلَيْكَ اللَّهَ الَّذي لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ .

أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّكَ قَدْ رَأَيْتَ مُرُورَ الدُّنْيَا وَ انْقِضَاءَهَا ، وَ تَصَرُّمَهَا ، وَ تَصَرُّفَهَا بِأَهْلِهَا فيمَا مَضى مِنْهَا .

وَ خَيْرُ مَا اكْتَسَبْتَ مِمَّا بَقِيَ مِنَ الدُّنْيَا مَا أَصَابَ الْعِبَادُ الصَّالِحُونَ الصَّادِقُونَ فيمَا مَضى مِنْهَا مِنَ التَّقْوى .

وَ مَنْ يَقِسْ شَأْنَ الدُّنْيَا بِشَأْنِ الآخِرَةِ يَجِدْ بَيْنَهُمَا بَوْناً بَعيداً .

وَ اعْلَمْ ، يَا مُعَاوِيَةُ ، أَنَّكَ قَدِ ادَّعَيْتَ أَمْراً لَسْتَ مِنْ أَهْلِهِ لاَ في قَديمٍ وَ لاَ في حَديثٍ ، وَ لاَ فِي الْقِدَمِ وَ لاَ فِي الْوَلاَيَةِ .

وَ لَسْتَ تَقُولُ فيهِ بِأَمْرٍ بَيِّنٍ تُعْرَفُ لَكَ بِهِ أَثَرَةٌ وَ لاَ لَكَ عَلَيْهِ شَاهِدٌ ، وَ لَسْتَ مُتَعَلِّقاً بِآيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ، وَ لاَ عَهْدٍ تَدَّعيهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ .

فَ [ 1 ] [ 5 ] كَيْفَ أَنْتَ صَانِعٌ إِذَا تَكَشَّفَتْ [ 2 ] عَنْكَ جَلاَبيبُ مَا أَنْتَ فيهِ مِنْ دُنْيَا قَدْ تَبَهَّجَتْ بِزينَتِهَا ، وَ خَدَعَتْ بِلَذَّتِهَا ، وَ خُلِّيَ فيهَا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ عَدُوٍّ كَلْبٍ مُضِلٍّ ، جَاهِدٍ مُلِحٍّ ، مَعَ مَا قَدْ ثَبتَ [ 3 ] في نَفْسِكَ مِنْ حُبِّ دُنْياً قَدْ [ 4 ] دَعَتْكَ فَأَجَبْتَهَا ، وَ قَادَتْكَ فَاتَّبَعْتَهَا ، وَ أَمَرَتْكَ فَأَطَعْتَهَا .

[ 5 ] من : و كيف إلى : بلذّتها . و من : دعتك إلى : فأطعتها ورد في كتب الشريف الرضي تحت الرقم 10 .

[ 1 ] ورد في صفين ص 108 . و شرح ابن أبي الحديد ج 15 ص 86 . و البحار ( مجلد قديم ) ج 8 ص 504 . و منهاج البراعة ج 18 ص 21 .

[ 2 ] انقشعت . ورد في وقعة صفين للمنقري ص 108 . و البحار للمجلسي ( مجلد قديم ) ج 8 ص 504 .

[ 3 ] عرض . ورد في وقعة صفين للمنقري ص 108 .

[ 4 ] ورد في المصدر السابق . و شرح ابن أبي الحديد ج 15 ص 86 . و البحار ( مجلد قديم ) ج 8 ص 504 . و منهاج البراعة ج 18 ص 21 .

[ 834 ]

فَأَيُّ شَيْ‏ءٍ مِنْ هَذا الأَمْرِ قَدْ وَجَدْتَهُ يُنْجيكَ ؟ [ 1 ] .

[ 12 ] وَ إِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَقِفَكَ وَاقِفٌ عَلى مَا لاَ يُنْجيكَ مِنْهُ مِجَنُّ [ 2 ] ، فَاسْتَيْقِظْ مِنْ سِنَتِكَ ، وَ ارْجِعْ إِلى خَالِقِكَ ، وَ [ 3 ] اقْعَسْ عَنْ هذَا الأَمْرِ ، وَ خُذْ أُهْبَةَ الْحِسَابِ ، وَ شَمِّرْ لِمَا قَدْ نَزَلَ بِكَ ، وَ لاَ تُمَكِّنِ الْغُواةَ مِنْ سَمْعِكَ ، وَ الشَّيْطَانَ مِنْ بُغْيَتِهِ فيكَ ، مَعَ أَنّي أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ صَادِقَانِ فيمَا قَالاَ [ 4 ] .

وَ إِنْ لاَ تَفْعَلْ أُعْلِمْكَ مَا أَغْفَلْتَ مِنْ نَفْسِكَ ، فَإِنَّكَ مُتْرَفٌ قَدْ أَخَذَ الشَّيْطَانُ مِنْكَ مَأْخَذَهُ ، وَ بَلَغَ فيكَ أَمَلَهُ ، وَ جَرى مِنْكَ مَجْرَى الرُّوحِ وَ الدَّمِ فِي الْعُرُوق [ 5 ] .

وَ مَتى كُنْتُمْ ، يَا مُعَاوِيَةُ ، سَاسَةَ الرَّعِيَّةِ [ 6 ] ، وَ وُلاَةَ أَمْرِ الأُمَّةِ ، بِغَيْرِ قَدَمٍ حَسَنٍ [ 7 ] سَابِقٍ ، وَ لاَ شَرَفٍ عَلى قَوْمِكُمْ [ 8 ] بَاسِقٍ . فَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ لُزُومِ سَوَابِقِ الشَّقَاءِ ؟ .

وَ أُحَذِّرُكَ أَنْ تَكُونَ مُتَمَادِياً في غِرَّةِ الأُمْنِيَةِ ، مُخْتَلِفَ الْعَلاَنِيَةِ وَ السَّريرَةِ .

وَ اعْلَمْ أَنَّ هذَا الأَمْرَ لَوْ كَانَ إِلَى النَّاسِ أَوْ بِأَيْديهِمْ لَحَسَدُونَاهُ ، وَ لامْتَنُّوا بِهِ عَلَيْنَا ، وَ لكِنَّهُ قَضَاءٌ مِمَّنْ مَنَحَنَاهُ وَ اخْتَصَّنَا بِهِ ، عَلى لِسَانِ نَبِيِّهِ الصَّادِقِ الْمُصَدَّقِ . لاَ أَفْلَحَ مَنْ شَكَّ بَعْدَ الْعِرْفَانِ وَ الْبَيِّنَةِ .

يَا ابْنَ صَخْرٍ اللَّعينِ الأَبْتَرِ ، زَعَمْتَ أَنْ يَزِنَ الْجِبَالَ حِلْمُكَ وَ يَفْصِلَ بَيْنَ أَهْلِ الشَّكِّ عِلْمُكَ ، وَ أَنْتَ الْجِلْفُ الْمُنَافِقُ ، الأَغْلَفُ الْقَلْبِ ، الْقَليلُ الْعَقْلِ ، الْجَبَانُ ، الرَّذْلُ [ 9 ] .

وَ قَدْ دَعَوْتَ إِلَى الْحَرْب ، فَإِنْ كُنْتَ صَادِقاً فيمَا تَسْطُرُ ، وَ يُعينُكَ عَلَيْهِ الأَبْتَرَانِ أَخُو بَني سَهْمٍ ،

وَ ابْنُ النَّابِغَةِ [ 10 ] ، فَدَعِ النَّاسَ جَانِباً وَ ابْرُزْ لِمَا دَعَوْتَني إِلَيْهِ مِنَ الْحَرْبِ ، وَ الصَّبْرِ عَلَى الضَّرْبِ [ 11 ] ،

[ 12 ] من : و إنّه إلى : من سمعك . و من : إن لا تفعل إلى : و السّريرة . و : و قد دعوت إلى الحرب . و : فدع النّاس جانبا ورد في كتب الشريف الرضي تحت الرقم 10 .

[ 1 ] ورد في منهاج البراعة للخوئي ج 18 ص 21 .

[ 2 ] منج . ورد في نسخة العام 400 ص 331 . و نسخة ابن المؤدب ص 233 . و نسخة نصيري ص 154 . و نسخة الآملي ص 238 .

و نسخة الأسترابادي ص 387 . و نسخة العطاردي ص 315 .

[ 3 ] ورد في شرح ابن أبي الحديد ج 15 ص 86 . و البحار ( مجلد قديم ) ج 8 ص 504 . و منهاج البراعة ج 18 ص 21 .

[ 4 ] ورد في المصادر السابقة . و وقعة صفين للمنقري ص 109 .

[ 5 ] ورد في المصادر السابقة .

[ 6 ] العرب . ورد في نسخة الأسترابادي ص 387 .

[ 7 ] ورد في وقعة صفين للمنقري ص 109 . و البحار للمجلسي ( مجلد قديم ) ج 8 ص 504 . و منهاج البراعة للخوئي ج 18 ص 21 .

[ 8 ] ورد في المصادر السابقة .

[ 9 ] ورد في المصادر السابقة . و كتاب الفتوح ج 2 ص 536 . و البحار ( مجلد قديم ) ج 8 ص 501 . باختلاف بين المصادر .

[ 10 ] ورد في كتاب الفتوح لابن أعثم ج 2 ص 536 . و البحار للمجلسي ( مجلد قديم ) ج 8 ص 501 . باختلاف يسير .

[ 11 ] ورد في البحار للمجلسي ( مجلد قديم ) ج 8 ص 501 .

[ 835 ]

[ 13 ] وَ اخْرُجْ إِلَيَّ وَاعْفِ الْفَريقَيْنَ مِنَ الْقِتَالِ ، لِتَعْلَمَ أَيُّنَا الْمَرينُ [ 1 ] عَلى قَلْبِهِ ، وَ الْمُغَطَّى عَلى بَصَرِهِ ؟ .

فَأَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبي طَالبٍ ، وَ أَنَا [ 2 ] أَبُو الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ [ 3 ] ، قَاتِلُ جَدِّك عُتْبَةَ [ 4 ] ، وَ أَخيكَ حَنْظَلَةَ ،

وَ عَمِّكَ شَيْبَةَ [ 5 ] وَ خَالِكَ الْوَليدِ [ 6 ] ، شَدْخاً يَوْمَ بَدْرٍ ، وَ مَا أَنْتَ مِنْهُمْ بِبَعيدٍ [ 7 ] .

وَ ذَلِكَ السَّيْفُ مَعي [ 8 ] ، وَ بِذَلِكَ الْقَلْبِ أَلْقى عَدُوّي ، يَحْمِلُهُ سَاعِدي ، بِثَبَاتٍ مِنْ صَدْري ، وَ قُوَّةٍ مِنْ بَدَني ، وَ نَصْرَةٍ مِنْ رَبّي ، كَمَا خَلَّفَهُ النَّبِيُّ في كَفّي .

وَ اللَّهِ [ 9 ] مَا اسْتَبْدَلْتُ ديناً ، وَ لاَ اسْتَحْدَثْتُ نَبِيّاً [ 10 ] ، وَ إِنّي لَعَلَى الْمِنْهَاجِ الَّذي تَرَكْتُمُوهُ طَائِعينَ ، وَ دَخَلْتُمْ فيهِ مُكْرَهينَ .

وَ زَعَمْتَ أَنَّكَ جِئْتَ ثَائِراً بِدَمِ عُثْمَانَ ، وَ لَقَدْ عَلِمْتَ حَيْثُ وَقَعَ دَمُ عُثْمَانَ ، فَاطْلُبْهُ مِنْ هُنَاكَ إِنْ كُنْتَ طَالِباً .

وَ لَيْسَ إِبْطَائي عَنْكَ إِلاَّ تَرَقُّباً لِمَا أَنْتَ لَهُ مُكَذِّبٌ وَ أَنَا لَهُ مُصَدِّقٌ [ 11 ] .

فَكَأَنّي قَدْ رَأَيْتُكَ تَضِجُّ مِنَ الْحَرْبِ ، إِذَا عَضَّتْكَ ، ضَجيجَ الْجِمَالِ بِالأَثْقَالِ ، وَ كَأَنّي بِجَمَاعَتِكَ تَدْعُوني جَزَعاً مِنَ الضَّرْبِ الْمُتَتَابِعِ ، وَ الْقَضَاءِ الْوَاقِعِ ، وَ مَصَارِعَ بَعْدَ مَصَارِعَ ، إِلى كِتَابِ اللَّهِ ، وَ هِيَ كَافِرَةٌ جَاحِدَةٌ ، أَوْ مُبَايِعَةٌ حَائِدَةٌ .

اَللَّهُمَّ احْكُمْ بَيْنَنَا وَ بَيْنَ مَنْ خَالَفَنَا بِالْحَقِّ وَ أَنْتَ خَيْرُ الْحَاكِمينَ .

وَ سَيَعْلَمُ الَّذينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ 1 .

[ 13 ] من : و اخرج إلى : ألقى عدوّي . و من : ما استبدلت إلى : كنت طالبا . و من : فكأنّي إلى : حائدة ورد في كتب الرضي تحت الرقم 10 .

[ 1 ] ليعلم أيّنا . ورد في نسخة العام 400 ص 332 . و نسخة نصيري ص 155 . و نسخة ابن أبي المحاسن ص 279 . و نسخة عبده ص 527 . و نسخة العطاردي ص 316 . و ورد المران . في المستطرف للأبشيهي ج 1 ص 221 .

[ 2 ] ورد في الاختصاص للمفيد ص 138 . و البحار للمجلسي ( مجلد قديم ) ج 8 ص 541 .

[ 3 ] ورد في المصدرين السابقين .

[ 4 ] ورد في كتاب الفتوح لابن أعثم ج 2 ص 536 .

[ 5 ] ورد في المصدر السابق . و الاختصاص للمفيد ص 138 . و البحار للمجلسي ( مجلد قديم ) ج 8 ص 541 . باختلاف .

[ 6 ] ورد في كتاب الفتوح لابن أعثم ج 2 ص 536 .

[ 7 ] ورد في البحار للمجلسي ( مجلد قديم ) ج 8 ص 541 .

[ 8 ] بيدي . ورد في المصدر السابق . و الاختصاص للمفيد ص 138 .

[ 9 ] ورد في المصدرين السابقين . و العقد الفريد لابن عبد ربه ج 5 ص 82 .

[ 10 ] لم أستبدل باللّه ربّا ، و بمحمّد نبيّا ، و بالسّيف بدلا . ورد في المصدرين السابقين .

[ 11 ] ورد في كتاب الفتوح لابن أعثم ج 2 ص 537 . و البحار للمجلسي ( مجلد قديم ) ج 8 ص 501 و 509 . باختلاف يسير .

-----------
( 1 ) الشعراء ، 227 .

[ 836 ]

وَ السَّلاَمُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى 1 ، وَ خَشِيَ عَوَاقِبَ الرَّدى [ 2 ] .