كتاب له عليه السلام ( 53 ) إِلى معاوية يزهّده فيه بالدنيا

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَميرِ الْمُؤْمِنينَ إِلى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبي سُفْيَانَ .

أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ ذَاتُ زينَةٍ وَ بَهْجَةٍ ، لَمْ يَصْبُ إِلَيْهَا أَحَدٌ إِلاَّ شَغَلَتْهُ بِزينَتِهَا عَمَّا هُوَ أَنْفَعُ لَهُ مِنْهَا .

وَ بِالآخِرَةِ أُمِرْنَا ، وَ عَلَيْهَا حُثِثْنَا .

فَدَعْ ، يَا مُعَاوِيَةُ ، مَا يَفْنى ، وَ اعْمَلْ لِمَا يَبْقى ، وَ احْذَرِ الْمَوْتَ الَّذي إِلَيْهِ مَصيرُكَ ، وَ الْحِسَابَ الَّذي إِلَيْهِ عَاقِبَتُكَ .

وَ اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالى إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْراً حَالَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ مَا يَكْرَهُ ، وَ وَفَّقَهُ لِطَاعَتِهِ ، وَ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ سُوءاً أَغْرَاهُ بِالدُّنْيَا ، وَ أَنْسَاهُ الآخِرَةَ ، وَ بَسَطَ لَهُ أَمَلَهُ ، وَ عَاقَّهُ عَمَّا فيهِ صَلاَحُهُ .

[ 3 ] من : و أرديت إلى : و السّلام ورد في كتب الشريف الرضي تحت الرقم 32 .

[ 1 ] ورد في شرح ابن أبي الحديد ج 16 ص 133 . و البحار ( مجلد قديم ) ج 8 ص 500 . و منهاج البراعة ج 20 ص 45 . و المستدرك لكاشف الغطاء ص 127 . و نهج السعادة ج 4 ص 203 . و نهج البلاغة الثاني ص 225 .

[ 2 ] فجازوا . ورد في نسخة عبده ص 572 . و نسخة الصالح ص 409 . و ورد فحادوا في هامش نسخة ابن المؤدب ص 261 .

و نسخة الآملي ص 266 .

[ 839 ]

وَ قَدْ وَصَلَني كِتَابُكَ ، فَوَجَدْتُكَ تَرْمي غَيْرَ غَرَضِكَ ، وَ تَنْشُدُ غَيْرَ ضَالَّتِكَ ، وَ تَخْبِطُ في عَمَايَةٍ ، وَ تَتيهُ في ضَلاَلَةٍ ، وَ تَعْتَصِمُ بِغَيْرِ حُجَّةٍ ، وَ تَلُوذُ بِأَضْعَفِ شُبْهَةٍ .

فَأَمَّا سُؤَالُكَ إِلَيَّ الْمُتَارَكَةَ [ 1 ] وَ الإِقْرَارَ لَكَ عَلَى الشَّامِ ، فَلَوْ كُنْتُ فَاعِلاً ذَلِكَ الْيَوْمَ لَفَعَلْتُهُ أَمْسِ .

وَ أَمَّا قَوْلُكَ : إِنَّ عُمَرَ وَلاَّكَهَا ، فَقَدْ عَزَلَ مَنْ كَانَ وَلاَّهُ صَاحِبُهُ ، وَ عَزَلَ عُثْمَانُ مَنْ كَانَ عُمَرُ وَلاَّهُ .

وَ لَمْ يُنْصَبْ لِلنَّاسِ إِمَامٌ إِلاَّ لِيَرى مِنْ صَالِحِ الأُمَّةِ مَا قَدْ كَانَ ظَهَرَ لِمَنْ كَانَ قَبْلَهُ ، أَوْ خَفِيَ عَنْهُمْ عَيْبُهُ ، وَ الأَمْرُ يَحْدُثُ بَعْدَهُ الأَمْرُ ، وَ لِكُلِّ وَالٍ رَأْيٌ وَ اجْتِهَادٌ [ 2 ] .

[ 7 ] فَسُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَشَدَّ لُزُومَكَ لِلأَهْوَاءِ الْمْبْتَدَعَةِ ، وَ الْحَيْرَةِ الْمُتَّبَعَةِ ، مَعَ تَضْييعِ الْحَقَائِقِ ،

وَ اطِّرَاحِ الْوَثَائِقِ ، الَّتي هِيَ للَّهِ تَعَالى [ 3 ] طَلِبَةٌ ، وَ عَلى عِبَادِهِ حُجَّةٌ .

فَأَمَّا إِكْثَارُكَ الْحِجَاجَ في عُثْمَانَ وَ قَتَلَتِهِ ، فَإِنَّكَ إِنَّمَا نَصَرْتَ عُثْمَانَ حَيْثُ كَانَ النَّصْرُ لَكَ ،

وَ خَذَلْتَهُ حَيْثُ كَانَ النَّصْرُ لَهُ . وَ السَّلاَمُ .