بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ اَلْحَمْدُ للَّهِ عَلى نِعَمِهِ الْفَاضِلَةِ عَلى جَميعِ مَنْ خَلَقَ مِنَ الْبَرِّ وَ الْفَاجِرِ ، وَ عَلى حُجَجِهِ الْبَالِغَةِ عَلى خَلْقِهِ ، مَنْ أَطَاعَهُ مِنْهُمْ وَ مَنْ عَصَاهُ ، إِنْ يَرْحَمْ فَبِفَضْلٍ مِنْهُ ، وَ إِنْ يُعَذِّبْ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْديهِمْ ، وَ إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبيدِ 1 .
أَحْمَدُهُ عَلى حُسْنِ الْبَلاَءِ ، وَ تَظَاهُرِ النَّعْمَاءِ ، وَ أَسْتَعينُهُ عَلى مَا نَابَنَا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَ الآخِرَةِ ،
وَ أُؤْمِنُ بِهِ وَ أَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ ، وَ كَفى بِاللَّهِ وَكيلاً .
ثُمَّ إِنّي أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ ، وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ ، أَرْسَلَهُ بِالْهُدى وَ دينِ الْحَقِّ ، ارْتَضَاهُ لِذلِكَ وَ كَانَ أَهْلَهُ ، وَ اصْطَفَاهُ عَلى جَميعِ الْعِبَادِ بِتَبْليغِ رِسَالَتِهِ ، وَ جَعَلَهُ رَحْمَةً مِنْهُ عَلى خَلْقِهِ ، فَكَانَ كَعِلْمِهِ فيهِ رَؤُوفاً رَحيماً .
أَكْرَمُ خَلْقِ اللَّهِ حَسَباً ، وَ أَجْمَلُهُمْ مَنْظَراً ، وَ أَسْخَاهُمْ نَفْساً [ 4 ] ، وَ أَبَرُّهُمْ بِوَالِدٍ ، وَ أَوْصَلُهُمْ لِرَحِمٍ ،
وَ أَفْضَلُهُمْ عِلْماً ، وَ أَثْقَلُهُمْ حِلْماً ، وَ أَوْفَاهُمْ بِعَهْدٍ ، وَ آمَنُهُمْ عَلى عَقْدٍ .
لَمْ يَتَعَلَّقْ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ وَ لاَ كَافِرٌ بِمَظْلَمَةٍ قَطُّ ، بَلْ كَانَ يُظْلَمُ فَيَغْفِرُ ، وَ يُغْدَرُ فَيَصْفَحُ ، وَ يَقْدِرُ فَيَعْفُو .
حَتَّى مَضى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مُطيعاً للَّهِ ، صَابِراً عَلى مَا أَصَابَهُ ، مُجَاهِداً فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ،
[ 1 ] حوله . ورد في
[ 2 ] ورد في وقعة صفين ص 112 . و العقد الفريد ج 3 ص 70 . و شرح ابن أبي الحديد ج 3 ص 185 . و منهاج البراعة ج 5 ص 65 .
و نهج السعادة ج 2 ص 109 .
-----------
( 1 ) آل عمران ، 182 .
[ 4 ] أشجعهم . ورد في البحار للمجلسي ( مجلد قديم ) ج 8 ص 483 . و مصباح البلاغة ج 1 ص 141 عن أمالي الصدوق .
[ 464 ]
فَكَانَ ذَهَابُهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَعْظَمَ الْمُصيبَةِ عَلى جَميعِ أَهْلِ الأَرْضِ ، الْبَرِّ وَ الْفَاجِرِ .
ثُمَّ تَرَكَ فيكُمْ كِتَابَ اللَّهِ يَأْمُرُكُمْ بِطَاعَةِ اللَّهِ ، وَ يَنْهَاكُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ .
وَ قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ عَهْداً فَلَسْتُ أَحيدُ عَنْهُ ، وَ لَنْ أَخْرُجَ مِنْهُ .
وَ قَدْ حَضَرْتُمْ عَدُوَّكُمْ [ 1 ] ، وَ عَلِمْتُمْ أَنَّ رَئيسُهُمْ ، مُنَافِقٌ ابْنُ مُنَافِقٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى النَّارِ ، وَ ابْنُ عَمِّ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مَعَكُمْ وَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ يَدْعُوكُم إِلى طَاعَةِ رَبِّكُمْ ، وَ الْعَمَلِ بِسُنَّةِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ، فَلاَ سَوَاءٌ مَنْ صَلَّى قَبْلَ كُلِّ ذَكَرٍ ، لَمْ يَسْبِقْني بِالصَّلاَةِ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ،
وَ أَنَا ، وَ اللَّهِ ، مِنْ أَهْلِ بِدْرٍ ، وَ مُعَاوِيَةُ طَليقٌ ابْنُ طَليقٍ .
وَ قَدْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَبَا سُفْيَانَ وَ مُعَاوِيَةَ وَ يَزيداً .
وَ اللَّهِ إِنَّكُمْ لَعَلَى الْحَقِّ وَ إِنَّ الْقَوْمَ لَعَلَى الْبَاطِلِ ، فَلاَ يَصْبِرُ الْقَوْمُ عَلى بَاطِلِهِمُ وَ يَجْتَمِعُوا عَلَيْهِ ،
وَ تَتَفَرَّقُوا عَنْ حَقِّكُمْ ، حَتَّى يَغْلِبَ بَاطِلُهُمْ حَقَّكُمْ .
قَاتِلُوهُمْ يُعَذِبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْديكُمْ 1 . فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا لَيُعَذِّبَنَّهُمْ بِأَيْدي غَيْرِكُمْ .
فأجابه أصحابه فقالوا : يا أمير المؤمنين ، إنهض بنا إلى عدوّنا و عدوّك إذا شئت .
فو اللّه ما نريد بك بدَلاً ، بل نموت معك ، و نحيا معك .
فقال علي عليه السلام :
وَ الَّذي نَفْسي بِيَدِهِ ، لَنَظَرَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ أَنَا أَضْرِبُ قُدَّامَهُ [ 3 ] بِسَيْفي هذَا ، فَقَالَ : « لاَ سَيْفَ إِلاَّ ذُو الْفِقَارِ ، وَ لاَ فَتى إِلاَّ عَلِيٌّ » .
ثُمَّ قَالَ لي : « يَا عَلِيُّ ، أَنْتَ مِنّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسى غَيْرَ أَنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدي ، وَ مَوْتُكَ وَ حَيَاتُكَ ،
يَا عَلِيُّ ، مَعي » .
وَ اللَّهِ مَا كَذَبْتُ وَ لاَ كُذِّبْتُ ، وَ مَا ظَلَلْتُ وَ لاَ ضُلَّ بي ، وَ لاَ نَسيتُ مَا عَهِدَ إِلَيَّ [ 4 ] .
[ 1 ] حضركم عدوّكم . ورد في البحار للمجلسي ( مجلد قديم ) ج 8 ص 483 . و مصباح البلاغة ج 1 ص 141 عن أمالي الصدوق .
-----------
( 1 ) التوبة ، 14 .
[ 3 ] بين يديه . ورد في شرح ابن أبي الحديد ج 5 ص 248 . و البحار ( مجلد قديم ) ج 8 ص 483 . و منهاج البراعة ج 5 ص 66 .
[ 4 ] ورد في المصادر السابقة . و صفين ص 313 . و شرح الأخبار ج 2 ص 165 . و تاريخ دمشق ( ترجمة الإمام علي بن أبي طالب ) ج 3 ص 321 . و البحار ( مجلد قديم ) ج 8 ص 456 . و نهج السعادة ج 2 ص 217 . و مصباح البلاغة ج 2 ص 142 عن أمالي الصدوق . و نهج البلاغة الثاني ص 156 . باختلاف بين المصادر .
[ 465 ]
[ 8 ] وَ إِنّي لَعَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبّي ، وَ يَقينٍ مِنْ أَمْري ، وَ عَهْدٍ وَ [ 1 ] مِنْهَاجٍ مِنْ نَبِيّي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ [ 2 ] ، وَ إِنّي لَعَلَى الطَّريقِ الْوَاضِحِ أَلْقُطُهُ لَقْطاً [ 3 ] ، تَبِعَني مَنْ تَبِعَني ، وَ تَرَكَني مَنْ تَرَكَني [ 4 ] .