فقال عليه السلام :
طَريقٌ مُظْلِمٌ فَلاَ تَسْلُكُوهُ ، وَ بَحْرٌ عَميقٌ فَلاَ تَلِجُوهُ ، وَ سِرُّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ [ 1 ] فَلاَ تَتَكَلَّفُوهُ .
أَلاَ إِنَّ الْقَدَرَ سِرٌّ مِنْ سِرِّ اللَّهِ ، وَ سِتْرٌ مِنْ سِتْرِ اللَّهِ ، وَ حِرْزٌ مِنْ حِرْزِ اللَّهِ ، مَرْفُوعٌ في حِجَابِ اللَّهِ ،
مَطْوِيٌّ عَنْ خَلْقِ اللَّهِ ، مَخْتُومٌ بِخَاتَمِ اللَّهِ ، سَابِقٌ في عِلْمِ اللَّهِ ، وَضَعَ اللَّهُ عَنِ الْعِبَادِ عِلْمَهِ ، وَ رَفَعَهُ فَوْقَ شَهَادَاتِهِمْ وَ مَبْلَغِ عُقُولِهِمْ ، لأَنَّهُمْ لاَ يَنَالُونَهُ بِحَقيقَةِ الرَّبَّانِيَّةِ ، وَ لاَ بِقُدْرَةِ الصَّمَدَانِيَّةِ ، وَ لاَ بِعَظَمَةِ النُّورَانِيَّةِ ، وَ لاَ بِعِزَّةِ الْوَحْدَانِيَّةِ ، لأَنَّهُ بَحْرٌ زَاخِرٌ مَوَّاجٌ خَالِصٌ للَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ، عُمْقُهُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الأَرْضِ ، عَرْضُهُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ ، أَسْوَدُ كَاللَّيْلِ الدَّامِسِ ، كَثيرُ الْحَيَّاتِ وَ الْحيتَانِ ، يَعْلُو مَرَّةً وَ يَسْفُلُ أُخْرى ، في قَعْرِهِ شَمْسٌ تُضيءُ ، لاَ يَنْبَغي أَنْ يَطَّلِعَ إِلَيْهَا إِلاَّ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْفَرْدُ . فَمَنْ تَطَلَّعَ إِلَيْهَا فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ في حُكْمِهِ ، وَ نَازَعَهُ في سُلْطَانِهِ ، وَ كَشَفَ عَنْ سِتْرِهِ وَ سِرِّهِ ، وَ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَ مَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصيرُ 1 .
و قيل له : أنبئنا عن القدر .
فقال عليه السلام :
مَا يَفْتِحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَ مَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ 2 .
فقيل له : يا أمير المؤمنين ، إنما سألناك عن حدّ المشيئة التي نقوم بها و نقعد .
فقال عليه السلام :
مشيئَةٌ تَمْلِكُونَهَا مَعَ اللَّهِ ، أَمْ دُونَ اللَّهِ ؟ .
فَإِنْ قُلْتُمْ : إِنَّكُمْ تَمْلِكُونَهَا مَعَ اللَّهِ فَقَدِ ادَّعَيْتُ [ مْ ] مَعَ اللَّهِ شِرْكاً في مَشيئَتِهِ [ فَ ] قَتَلْتُكُمْ .
وَ إِنْ قُلْتُمْ : دُونَ اللَّهِ فَقَدِ اكْتَفَيْتُ [ مْ ] بِهَا عَنْ مَشيئَةِ اللَّهِ [ فَ ] قَتَلْتُكُمْ .
فقالوا : كيف نقول يا أمير المؤمنين ؟ .
[ 4 ] من : لمّا سئل عن القدر إلى : فلا تتكلّفوه ورد في حكم الشريف الرضي تحت الرقم 287 .
[ 1 ] ورد في غرر الحكم للآمدي ج 2 ص 473 .
-----------
( 1 ) الأنفال ، 16 .
-----------
( 2 ) فاطر ، 2 .
[ 535 ]
فقال عليه السلام :
تَمْلِكُونَهَا بِاللَّهِ الَّذي يَمْلِكُهَا دُونَكُمْ ، فَإِنْ أَمَدَّكُمْ بِهَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ عَطَائِهِ ، وَ إِنْ سَلَبَهَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ بَلاَئِهِ . إِنَّمَا هُوَ الْمَالِكُ لِمَا مَلَّكَكُمْ ، وَ الْقَادِرُ لِمَا عَلَيْهِ أَقْدَرَكُمْ .
أَمَا تَسْمَعُونَ مَا يَقُولُ الْعِبَادُ ، وَ يَسْأَلُونَهُ الْحَوْلَ وَ الْقُوَّةَ ، حَيْثُ يَقُولُونَ : لاَ حَوْلَ وَ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظيمِ ؟ .
فسئل عن تفسيرها .
فقال عليه السلام :
لاَ حَوْلَ عَنْ مَعْصِيَةٍ إِلاَّ بِعِصْمَةِ اللَّهِ تَعَالى ، وَ لاَ قُوَّةَ عَلى طَاعَتِهِ إِلاَّ بِعَوْنِهِ [ 1 ] .