خطبة له عليه السلام ( 15 ) في التزهيد في الدنيا

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اَلْحَمْدُ للَّهِ الْخَافِضِ الرَّافِعِ ، الضَّارِّ النَّافِعِ ، الْجَوَادِ الْوَاسِعِ ، الْجَليلِ ثَنَاؤُهُ ، الصَّادِقَةِ أَسْمَاؤُهُ ،

الْمُحيطِ بِالْغُيُوبِ ، وَ مَا يَخْطُرُ عَلَى الْقُلُوبِ .

اَلَّذي جَعَلَ الْمَوْتَ بَيْنَ خَلْقِهِ عَدْلاً ، وَ أَنْعَمَ بِالْحَيَاةِ عَلَيْهِمْ فَضْلاً ، فَأَحْيَا وَ أَمَاتَ ، وَ قَدَّرَ الأَقْوَاتَ .

أَحْكَمَهَا بِعِلْمِهِ تَقْديراً ، وَ أَتْقَنَهَا بِحِكْمَتِهِ تَدْبيراً ، إِنَّهُ كَانَ خَبيراً بَصيراً .

هُوَ الدَّائِمُ بِلاَ فَنَاءٍ ، وَ الْبَاقي إِلى غَيْرِ انْتِهَاءٍ .

[ 2 ] من : فصعق إلى : لسانك ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 193 .

[ 1 ] ورد في الكافي ج 2 ص 227 . و ينابع المودة ص 417 . و منهاج البراعة ج 12 ص 160 . و المستدرك لكاشف الغطاء ص 63 .

و مصادر نهج البلاغة ج 3 ص 65 عن مطالب السؤول . و مصباح البلاغة ج 3 ص 274 عن الصواعق المحرقة لابن حجر .

و نهج البلاغة الثاني ص 65 . باختلاف بين المصادر .

[ 205 ]

يَعْلَمُ مَا فِي الأَرْضِ وَ مَا فِي السَّمَاءِ ، وَ مَا بَيْنَهُمَا وَ مَا تَحْتَ الثَّرى .

أَحْمَدُهُ بِخَالِصِ حَمْدِهِ الْمَخْزُونِ ، بِمَا حَمِدَهُ بِهِ الْمَلاَئِكَةُ وَ النَّبِيُّونَ ، حَمْداً لاَ يُحْصى لَهُ عَدَدٌ ، وَ لاَ يَتَقَدَّمُهُ أَمَدٌ ، وَ لاَ يَأْتِي بِمِثْلِهِ أَحَدٌ .

أُؤْمِنُ بِهِ وَ أَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ ، وَ أَسْتَهْديهِ وَ أَسْتَكْفيهِ ، وَ أَسْتَقْضيهِ بِخَيْرٍ وَ أَسْتَرْضيهِ .

وَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ ، وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ [ 1 ] .

[ 11 ] بَعَثَهُ حينَ لاَ عَلَمٌ قَائِمٌ ، وَ لاَ مَنَارٌ سَاطِعٌ ، وَ لاَ مَنْهَجٌ وَاضِحٌ .

أَرْسَلَهُ بِالْهُدى وَ دينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلَّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ 1 . صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ [ 3 ] .

أُوصيكُمْ ، عِبَادَ اللَّهِ ، بِتَقْوَى اللَّهِ ، وَ أُحَذِّرُكُمُ الدُّنْيَا ، فَإِنَّ عَيْشَهَا قَصيرٌ ، وَ خَيْرَهَا يَسيرٌ ، وَ إِنَّ [ 4 ] هَا دَارُ شُخُوصٍ ، وَ مَحَلَّةُ تَنْغيصٍ ، سَاكِنُهَا ظَاعِنٌ ، وَ قَاطِنُهَا بَائِنٌ .

تَميدُ بِأَهْلِهَا مَيَدَانَ السَّفينَةِ تُصَفِّقُهَا [ 5 ] الْعَوَاصِفُ في لُجَجِ الْبِحَارِ .

فَمِنْهُمُ الْغَرِقُ الْوَبِقُ .

وَ مِنْهُمُ النَّاجي عَلى مُتُونِ [ 6 ] الأَمْوَاجِ ، تَحْفِزُهُ الرِّيَاحُ بِأَذْيَالِهَا ، وَ تَحْمِلُهُ عَلى أَهْوَالِهَا [ 7 ] . فَمَا غَرِقَ مِنْهَا فَلَيْسَ بِمُسْتَدْرَكٍ ، وَ مَا نَجَا مِنْهَا فَإِلى مَهْلِكٍ .

عِبَادَ اللَّهِ ، الآنَ [ 8 ] فَاعْمَلُوا ، وَ الأَلْسُنُ مُطْلَقَةٌ ، وَ الأَبْدَانُ صَحيحَةٌ ، وَ الأَعْضَاءُ لَدْنَةٌ ، وَ الْمُنْقَلَبُ [ 9 ] فَسيحٌ ، وَ الْمَجَالُ عَريضٌ ، قَبْلَ إِرْهَاقِ [ 10 ] الْفَوْتِ وَ حُلُولِ الْمَوْتِ .

[ 11 ] من : بعثه إلى : واضح و من : أوصيكم إلى : قدومه ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 196 .

[ 1 ] ورد في الكافي ج 8 ص 150 . و المستدرك لكاشف الغطاء ص 22 . و نهج السعادة ج 3 ص 192 . و نهج البلاغة الثاني ص 54 .

-----------
( 1 ) التوبة ، 33 .

[ 3 ] ورد في الكافي ج 8 ص 150 . و المستدرك لكاشف الغطاء ص 22 . و نهج البلاغة الثاني ص 54 .

[ 4 ] ورد في غرر الحكم للآمدي ج 2 ص 869 .

[ 5 ] تقصفها . ورد في نسخة ابن المؤدب ص 197 . و نسخة الآملي ص 171 . و نسخة ابن الحديد ج 10 ص 176 . و نسخة عبده ص 449 . و نسخة الصالح ص 310 . و نسخة العطاردي ص 231 . عن شرح فيض الإسلام .

[ 6 ] بطون . ورد في متن شرح ابن الحديد ج 10 ص 176 . و نسخة عبده ص 449 . و نسخة الصالح ص 310 . و نسخة العطاردي ص 231 عن شرح فيض الإسلام .

[ 7 ] أهوائها . ورد في متن بهج الصباغة للتستري ج 8 ص 313 .

[ 8 ] ألا . ورد في نسخة نصيري ص 129 .

[ 9 ] المتقلّب . ورد في نسخة العام 400 ص 279 . و نسخة الآملي ص 171 . و هامش نسخة الأسترابادي ص 322 .

[ 10 ] إزهاق . ورد في نسخة العام 400 الموجودة في المكتبة الظاهرية ص 279 . و نسخة الأسترابادي ص 322 .

[ 206 ]

فَحَقِّقُوا [ 1 ] عَلَيْكُمْ نُزُولَهُ ، وَ لاَ تَنْتَظِرُوا [ 2 ] قُدُومَهُ .

أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ الدُّنْيَا لَيْسَتْ لَكُمْ بِدَارٍ ، وَ لاَ مَحَلِّ قَرَارٍ ، وَ إِنَّمَا أَنْتُمْ فيهَا كَرَكْبٍ عَرَّسُوا فَأَنَاخُوا ،

ثُمَّ اسْتَقَلُّوا فَغَدَوْا وَ رَاحُوا ، دَخَلُوا خِفَافاً وَ رَاحُوا خِفَافاً ، لَمْ يَجِدُوا عَمَّا مَضى نُزُوعاً ، وَ لاَ إِلى مَا تَرَكُوا رُجُوعاً .

جُدَّ بِهِمْ فَجَدُّوا ، وَ رَكَنُوا إِلَى الدُّنْيَا فَمَا اسْتَعَدُّوا ، حَتَّى أُخِذَ بِكَظْمِهِمْ ، وَ خَلَصُوا إِلى دَارِ قَوْمٍ جَفَّتْ أَقْلاَمُهُمْ ، وَ لَمْ يَبْقَ مِنْ أَكْثَرِهِمْ خَبَرٌ وَ لاَ أَثَرٌ .

قَلَّ فِي الدُّنْيَا لَبْثُهُمْ ، وَ عُجِّلَ إِلَى الآخِرَةِ بَعْثُهُمْ ، فَأَصْبَحْتُمْ حُلُولاً في دِيَارِهِمْ ، ظَاعِنينَ عَلى آثَارِهِمْ ، وَ الْمَطَايَا تَسيرُ بِكُمْ سَيْراً ، مَا فيهِ أَيْنٌ وَ لاَ تَفْتير .

نَهَارُكُمْ بِأَنْفُسِكُمْ دَؤُوبٌ ، وَ لَيْلُكُمْ بِأَرْوَاحِكُمْ ذَهُوبٌ .

فَأَصْبَحْتُمْ تَحُلُّونَ مِنْ حَالِهِمْ حَالاً ، وَ تَحْتَذُونَ مِنْ مَسْلَكِهِمْ مِثَالاً ، فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَ لاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ 1 .

فَإِنَّمَا أَنْتُمْ فيهَا سَفْرٌ حُلُولٌ ، وَ الْمَوْتُ بِكُمْ نُزُولٌ ، تَنْتَضِلُ فيكُمْ مَنَايَاهُ ، وَ تَمْضي بِأَخْبَارِكُمْ مَطَايَاهُ ، إِلى دَارِ الثَّوَابِ وَ الْعِقَابِ ، وَ الْجَزَاءِ وَ الْحِسابِ [ 4 ] .

فَ [ 8 ] رَحِمَ اللَّهُ عَبْداً [ 5 ] سَمِعَ حُكْماً فَوَعى ، وَ دُعِيَ إِلى رَشَادٍ فَدَنَا ، وَ أَخَذَ بِحُجْزَةِ هَادٍ فَنَجَا .

رَاقَبَ رَبَّهُ ، وَ خَافَ ذَنْبَهُ ، وَ قَدَّمَ [ 6 ] خَالِصاً ، وَ عَمِلَ صَالِحاً .

إِكْتَسَبَ [ 7 ] مَذْخُوراً ، وَ اجْتَنَبَ مَحْذُوراً .

[ 8 ] من : رحم اللّه إلى : مناه ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 76 .

[ 1 ] فخفّفوا . ورد في نسخة نصيري ص 129 .

[ 2 ] لا تستبطؤوا . ورد في

-----------
( 1 ) لقمان ، 33 .

[ 4 ] ورد في الكافي ج 8 ص 150 . و مستدرك كاشف الغطاء ص 22 . و مصباح البلاغة ج 2 ص 123 عن مجموعة ورّام . و نهج البلاغة الثاني ص 55 . باختلاف يسير .

[ 5 ] امرءا . ورد في هامش نسخة نصيري ص 26 . و نسخة ابن أبي المحاسن ص 69 . و متن شرح ابن أبي الحديد ج 6 ص 172 .

و نسخة عبده ص 179 . و نسخة الصالح ص 103 . و نسخة العطاردي ص 70 عن شرح فيض الإسلام .

[ 6 ] تنكّب . ورد في الكافي ج 8 ص 151 . و غرر الحكم ج 1 ص 410 . و المستدرك لكاشف الغطاء ص 23 . و نهج البلاغة الثاني ص 55 .

[ 7 ] كسب . ورد في نسخة العطاردي ص 70 عن شرح الكيذري .

[ 207 ]

رَمى غَرَضاً ، وَ أَحْرَزَ عِوَضاً .

كَابَرَ [ 1 ] هَوَاهُ ، وَ كَذَّبَ مُنَاهُ .

حَذِرَ أَجَلاً ، وَ رَتَّبَ عَمَلاً .

وَ رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً زَمَّ نَفْسَهُ مِنَ التَّقْوى بِزِمَامٍ ، وَ أَلْجَمَهَا مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهَا بِلِجَامٍ ، فَقَادَهَا إِلَى الطَّاعَةِ بِزِمَامِهَا ، وَ كَبَحَهَا عَنِ الْمَعْصِيَةِ بِلِجَامِهَا ، رَافِعاً إِلَى الْمَعَادِ طَرْفَهُ ، مُتَوَقِّعاً في كُلِّ آنٍ حَتْفَهُ .

دَائِمَ الْفِكْرِ ، طَويلَ السَّهَرِ .

عَزُوفاً عَنِ الدُّنْيَا سَئِماً ، كَدُوحاً لآخِرَتِهِ مُتَحَافِظاً .

وَ رَحِمَ اللَّهُ امْرَءاً [ 2 ] [ 5 ] جَعَلَ الصَّبْرَ مَطِيَّةَ نَجَاتِهِ ، وَ التَّقْوى عُدَّةَ وَفَاتِهِ ، وَ دَوَاءَ أَدْوَائِهِ ، فَاعْتَبَرَ وَ قَاسَ ، وَ تَرَكَ الدُّنْيَا وَ النَّاسَ .

يَتَعَلَّمُ لِلتَّفَقُّهِ وَ السَّدَادِ ، وَ قَدْ وَقَّرَ قَلْبَهُ ذِكْرَ الْمَعَادِ [ 3 ] .

رَكِبَ الطَّريقَةَ الْغَرَّاءَ ، وَ لَزِمَ الْمَحَجَّةَ الْبَيْضَاءَ .

وَ رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً [ 4 ] اغْتَنَمَ الْمَهَلَ ، وَ بَادَرَ الأَجَلَ ، وَ تَزَوَّدَ مِنَ الْعَمَلِ ، وَ طَوى مِهَادَهُ ، وَ هَجَرَ وِسَادَهُ ،

مُنْتَصِباً عَلى أَطْرَافِهِ ، دَاخِلاً في أَعْطَافِهِ ، خَاشِعاً للَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ، يُرَاوِحُ بَيْنَ الْوَجْهِ وَ الْكَفَّيْنِ .

خَشُوعٌ فِي السِّرِّ لِرَبِّهِ ، لِدَمْعِهِ صَبيبٌ ، وَ لِقَلْبِهِ وَجيبٌ .

شَديدَةٌ أَسْبَالُهُ ، وَ تَرْتَعِدُ مِنْ خَوْفِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَوْصَالُهُ .

قَدْ عَظُمَتْ فيمَا عِنْدَ اللَّهِ رَغْبَتُهُ ، وَ اشْتَدَّتْ مِنْهُ رَهْبَتُهُ ، رَاضِياً بِالْكَفَافِ مِنْ أَمْرِهِ .

يُظْهِرُ دُونَ مَا يَكْتُمُ ، وَ يَكْتَفي بِأَقَلَّ مِمَّا يَعْلَمُ .

أُولئِكَ وَ دَائِعُ اللَّهِ في بِلاَدِهِ ، الْمَدْفُوعُ بِهِمْ عَنْ عِبَادِهِ .

لَوْ أَقْسَمَ أَحَدُهُمْ عَلَى اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ لأَبَرَّهُ ، أَوْ دَعَا عَلى أَحَدٍ لَنَصَرَهُ .

يَسْمَعُ اللَّهُ مُنَاجَاتَهُ إِذَا نَاجَاهُ ، وَ يَسْتَجيبُ لَهُ إِذَا دَعَاهُ .

[ 5 ] من : و جعل الصّبر إلى : وفاته . و من : ركب إلى : تزوّد من العمل ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 76 .

[ 1 ] كاثر . ورد في

[ 2 ] ورد في الكافي ج 8 ص 150 . و غرر الحكم ج 1 ص 408 و 409 . و المستدرك لكاشف الغطاء ص 22 . و مصباح البلاغة ج 2 ص 18 و 124 عن مجموعة ورّام . و نهج البلاغة الثاني ص 55 . باختلاف يسير .

[ 3 ] ورد في الكافي للكليني ج 8 ص 151 .

[ 4 ] ورد في غرر الحكم للآمدي ج 1 ص 408 .

[ 208 ]

جَعَلَ اللَّهُ الْعَاقِبَةَ لِلتَّقْوى وَ الْجَنَّةَ لأَهْلِهَا مَأْوى .

دُعَاؤُهُمْ فيهَا أَحْسَنُ الدُّعَاءِ : سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ 1 .

دُعَاؤُهُمُ الْمَوْلى عَلى مَا أَتَاهُمْ : وَ آخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمينَ [ 2 ] .