لمّا قال له رهط من شيعته ، فيهم مالك الأشتر : إنّا قاتلنا أهل البصرة و أهل الكوفة و رأي الناس واحد ،
و قد اختلفوا بعد ، و تعادوا ، وضعفت النية ، و قلّ العدد ، و أنت تأخذهم بالعدل ، و تعمل فيهم بالحق ، و تنصف الوضيع من الشريف ، فليس للشريف عندك فضل منزلة على الوضيع . فضجّت طائفة ممن معك إذ عمّوا به ،
و اغتمّوا من العدل إذ صاروا فيه . و صارت صنائع معاوية عند أهل الغناء و الشرف ، فتاقت أنفس الناس إلى الدنيا ، و قلّ من الناس من ليس للدنيا بصاحب ، و أكثرهم من يجتوي الحق و يستمرئ الباطل و يؤثر الدنيا . فإن تبذل المال يا أمير المؤمنين تمِل إليك أعناق الرجال ، و تصفُ ودّهم ، و تستخلص نصيحتهم و . . .
فقال عليه السلام مخاطباً الأشتر :
أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ عَمَلِنَا وَ سيرَتِنَا بِالْعَدْلِ ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ : مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَ مَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبيدِ [ 3 ] .
[ 4 ] من : بؤساً إلى : النّار ورد في حكم الشريف الرضي تحت الرقم 323 .
[ 1 ] صرعكم . ورد في مروج الذهب للمسعودي ج 2 ص 418 .
[ 2 ] و زيّنت لهم المعاصي . ورد في
-----------
( 1 ) فصّلت ، 46 .
[ 680 ]
وَ أَنَا مِنْ أَنْ أَكُونَ مُقَصِّراً فيمَا ذَكَرْتَ أَخْوَفُ .
وَ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَنَّ الْحَقَّ ثَقُلَ عَلَيْهِمْ فَفَارَقُونَا لِذَلِكَ ، فَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونَا مِنْ جَوْرٍ ،
وَ لاَ لَجَؤُوا إِذْ فَارَقُونَا إِلى عَدْلٍ ، وَ لَمْ يَلْتَمِسُوا إِلاَّ دُنْيَا زَائِلَةً عَنْهُمْ كَأَنْ قَدْ فَارَقُوهَا ، وَ لَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : أَلدُّنْيَا أَرَادُوا ، أَمْ للَّهِ عَمِلُوا ؟ .
وَ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ بَذْلِ الأَمْوَالِ ، وَ اصْطِنَاعِ الرِّجَالِ ، فَإِنَّهُ لاَ يَسَعُنَا أَنْ نُؤْتِيَ امْرَأً مِنَ الْفَيْءِ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ .
وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَ قَوْلُهُ الْحَقُّ : كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَليلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَ اللَّهُ مَعَ الصَّابِرينَ [ 1 ] .
وَ قَدْ بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ، وَحْدَهُ ، فَكَثَّرَهُ بَعْدَ الْقِلَّةِ ، وَ أَعَزَّ فِئَتَهُ بَعْدَ الذِّلَّةِ ،
وَ إِنْ يُوِدِ اللَّهُ أَنْ يُوَلِّيَنَا هذَا الأمْرَ يُذَلِّلْ لَنَا صَعْبَهُ ، وَ يُسَهِّلْ لَنَا حَزَنَهُ .
وَ أَنَا قَابِلٌ مِنْ رَأْيِكَ مَا كَانَ للَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ رِضىً ، وَ أَنْتَ مِنْ آمَنِ أَصْحَابي عِنْدي ، وَ أَنْصَحِهِمْ لي ، وَ أَوْثَقِهِمْ في نَفْسي إِنْ شَاءَ اللَّهُ .
ثم خاطب عليه السلام الآخرين فقال :
وَيْحَكُمْ [ 2 ] [ 8 ] أَتَأْمُرُونّي أَنْ أَطْلُبَ النَّصْرَ بِالْجَوْرِ فيمَنْ وُلّيتُ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ ؟ [ 3 ] .
وَ اللَّهِ ، لاَ أَطُورُ بِهِ مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ ، وَ [ 4 ] مَا سَمَرَ بِنَا [ 5 ] سَميرٌ ، وَ مَا أَمَّ نَجْمٌ فِي السَّمَاءِ نَجْماً .
وَ اللَّهِ [ 6 ] لَوْ كَانَ الْمَالُ لي لَسَوَّيْتُ بَيْنَهُمْ [ 7 ] ، فَكَيْفَ وَ إِنّمَا الْمَالُ مَالُ اللَّهِ ؟ .
[ 8 ] من : أ تأمرونّي إلى : مال اللّه ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 126 .
[ 1 ] البقرة ، 249 .
[ 2 ] ورد في الغارات ص 84 . و شرح ابن أبي الحديد ج 2 ص 198 . و البحار ج 41 ص 122 . و منهاج البراعة ج 8 ص 193 .
باختلاف بين المصادر .
[ 3 ] ورد في نثر الدرّ ج 1 ص 318 . و تحف العقول ص 131 . و البحار ج 41 ص 122 . و منهاج البراعة ج 8 ص 193 .
[ 4 ] ورد في أمالي الطوسي ص 197 . و شرح ابن أبي الحديد ج 2 ص 203 . و مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 110 . و البحار ( مجلد قديم ) ج 8 ص 659 و ج 40 ص 321 و ج 41 ص 108 . و منهاج البراعة ج 8 ص 192 . و نهج السعادة ج 2 ص 450 . و نهج البلاغة الثاني ص 150 .
[ 5 ] ورد في نثر الدرّ للآبي ج 1 ص 318 .
[ 6 ] ورد في أمالي الطوسي ص 197 . و البحار ( مجلد قديم ) ج 8 ص 659 . و البحار ج 41 ص 111 و 122 . و منهاج البراعة ج 8 ص 192 و 193 . و نهج السعادة ج 2 ص 450 . و نهج البلاغة الثاني ص 150 .
[ 7 ] و لو كان المال مالهم لواسيت بينهم . ورد في منهاج البراعة للخوئي ج 8 ص 192 .
[ 681 ]
ثم قال عليه السلام :
وَ اللَّهِ مَا دُنْيَاكُمْ عِنْدي إِلاَّ كَسَفْرٍ عَلى مَنْهَلٍ حَلُّوا إِذْ صَاحَ بِهِمْ سَائِقُهُمْ فَارْتَحَلُوا ، وَ لاَ لَذَاذَتُهَا في عَيْني إِلاَّ كَحَميمٍ أَشْرَبُهُ غَسَّاقاً ، أَوْ عَلْقَمٍ أَتَجَرَّعُهُ زُعَاقاً ، أَوْ سُمِّ أَفْعَاةٍ أُسْقَاهُ دِهَاقاً ، أَوْ قِلاَدَةٍ مِنْ نَارٍ أُوهَقُهَا خِنَاقاً [ 1 ] .
[ 8 ] وَ اللَّهِ لَقَدْ رَقَعْتُ مِدْرَعَتي هذِهِ حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَاقِعِهَا .
وَ لَقَدْ قَالَ لي قَائِلٌ : أَلاَ تَنْبِذُهَا عَنْكَ [ 2 ] ، لاَ يَرْتَضيهَا لِيَرْقَعَهَا [ 3 ] .
فَقُلْتُ : اغْرُبْ عَنّي ، فَعِنْدَ الصَّبَاحِ يَحْمَدُ الْقَوْمُ السُّرى ، وَ يَنْجَلي عَنَّا عَلاَلاَتُ الْكِرى .
وَ اللَّهِ ، لَوْ شِئْتُ ، لَتَسَرْبَلْتُ بِالْعَبْقَرِيِّ الْمَنْقُوشِ مِنْ ديبَاجِكُمْ ، وَ لأَكَلْتُ لُبَابَ هذَا الْبُرِّ بِصُدُورِ دَجَاجِكُمْ ، وَ شَرِبْتُ الْمَاءَ الزُّلاَلَ بِرَقيقِ زُجَاجِكُمْ ، وَ لكِنّي أُصَدِّقُ اللَّهَ جَلَّتْ عَظَمَتُهُ حَيْثُ يَقُولُ : مَنْ كَانَ يُريدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَ زينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فيهَا وَ هُمْ فيهَا لاَ يُبْخَسُونَ أُولئِكَ الَّذينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ 1 .
فَكَيْفَ أَسْتَطيعُ الصَّبْرَ عَلى نَارٍ لَوْ قُذِفَ بِشَرَارَةٍ مِنْ شَرَرِهَا إِلَى الأَرْضِ لأَحْرَقَتْ نَبْتَهَا ، وَ لَوِ اعْتَصَمَتْ نَفْسٌ بِقُلَّةٍ لأَنْضَجَهَا وَهْجُ النَّارِ في قُلَّتِهَا .
وَ أَيُّمَا خَيْرٌ لِعَلِيٍّ ، أَنْ يَكُونَ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مُقَرَّباً ، أَوْ يَكُونَ في لَظى خَسيئاً مُبَّعَداً ، مَسْخُوطاً عَلَيْهِ بِجُرْمِهِ مُكَذِّباً ؟ [ 5 ] .
[ 9 ] وَ اللَّهِ لأَنْ أَبيتَ عَلى حَسَكِ السَّعْدَانِ مُسَهَّداً ، أَوْ أُجَرَّ فِي الأَغْلاَلِ مُصَفَّداً ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ تَعَالى [ 6 ] وَ رَسُولَهُ مُحَمَّداً [ 7 ] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ظَالِماً لِبَعْضِ الْعِبَادِ ، وَ غَاصِباً لِشَيْءٍ مِنَ الْحُطَامِ .
[ 8 ] من : و اللّه إلى : السّرى ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 160 .
[ 9 ] من : و اللّه لأن إلى : حلولها ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 224 .
[ 1 ] ورد في البحار ج 40 ص 345 . و منهاج البراعة ج 14 ص 298 . و مصباح البلاغة ج 1 ص 215 عن أمالي الصدوق .
[ 2 ] إقذف بها قذف الأتن . ورد في المصادر السابقة . و مناقب آل أبي طالب لابن شهر اشوب ج 2 ص 117 . باختلاف .
[ 3 ] ورد في المصادر السابقة . باختلاف يسير .
-----------
( 1 ) هود ، 15 .
[ 5 ] ورد في البحار ج 40 ص 345 . و منهاج البراعة ج 14 ص 298 . و مصباح البلاغة ج 1 ص 216 عن أمالي الصدوق . باختلاف يسير .
[ 6 ] ورد في تذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي ص 143 . و نهج السعادة للمحمودي ج 3 ص 89 .
[ 7 ] ورد في البحار ج 40 ص 345 . و منهاج البراعة ج 14 ص 298 . و مصباح البلاغة ج 1 ص 215 عن أمالي الصدوق .
[ 682 ]
وَ كَيْفَ أَظْلِمُ أَحَداً لِنَفْسٍ يُسْرِعُ إِلَى الْبِلى قُفُولُهَا ، وَ يَطُولُ فِي الثَّرى حُلُولُهَا ، وَ إِنْ عَاشَتْ رُوَيْداً فِبِذِي الْعَرْشِ نُزُولُهَا ؟ .
مَعَاشِرَ شيعَتِي ، احْذَرُوا فَقَدْ عَضَّتْكُمُ الدُّنْيَا بِأَنْيَابِهَا ، تَخْتَطِفُ مِنْكُمْ نَفْساً بَعْدَ نَفْسٍ كَذِئَابِهَا ،
وَ هذِهِ مَطَايَا الرَّحيلِ قَدْ أُنيخَتْ لِرُكَّابِهَا .
أَلاَ إِنَّ الْحَديثَ ذُو شُجُونٍ .
فَلاَ يَقُولَنَّ قَائِلُكُمْ : إِنَّ كَلاَمَ عَلِيٍّ مُتَنَاقِضٌ . لأَنَّ الْكَلاَمَ عَارِضٌ .
وَ لَقَدْ بَلَغَني أَنَّ رَجُلاً مِنْ قُطَّانِ الْمَدَائِنِ تَبِعَ بَعْدَ الْحَنيفِيَّةِ عُلُوجَهُ ، وَ لَبِسَ مِنْ نَالَةِ دِهْقَانِهِ مَنْسُوجَهُ ، وَ تَضَمَّخَ بِمِسْكِ هذِهِ النَّوَافِجِ صَبَاحَهُ ، وَ تَبَخَّرَ بِعُودِ الْهِنْدِ رَوَاحَهُ ، وَ حَوْلَهُ رَيْحَانُ حَديقَةٍ يَشُمُّ تُفَّاحَهُ ، وَ قَدْ مُدَّ لَهُ مَفْرُوشَاتُ الرُّومِ عَلى سُرُرِهِ .
تَعْساً لَهُ بَعْدَ مَا نَاهَزَ السَّبْعينَ مِنْ عُمُرِهِ . وَ حَوْلَهُ شَيْخٌ يَدُبُّ عَلى أَرْضِهِ مِنْ هَرَمِهِ ، وَ ذَا يُتْمَةٍ تَضَوَّرَ مِنْ ضُرِّهِ وَ مِنْ قَرْمِهِ ، فَمَا وَاسَاهُمْ بِفَاضِلاَتٍ مِنْ عَلْقَمِهِ .
لَئِنْ أَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ لأَخْضِمَنَّهُ خَضْمَ الْبُرِّ ، وَ لأُقيمَنَّ عَلَيْهِ حَدَّ الْمُرْتَدِّ ، وَ لأَضْرِبَنَّهُ الثَّمَانينَ بَعْدَ حَدٍّ ، وَ لأَسُدَّنَّ مِنْ جَهْلِهِ كُلَّ مَسَدٍّ .
تَعْساً لَهُ .
أَفَلاَ شَعَّرَ . أَفَلاَ صَوَّفَ . أَفَلاَ وَبَّرَ ؟ .
أَفَلاَ رَغيفٌ قِفَارٌ لِلَيْلِ إِفْطَارٍ مُقَدَّمٍ ؟ .
أَفَلاَ عَبْرَةٌ عَلى خَدٍّ في ظُلْمَةِ لَيْلٍ تَنْحَدِرُ ؟ .
وَ لَوْ كَانَ مُؤْمِناً لاتَّسَعَتْ لَهُ الْحُجَّةُ إِذَا ضَيَّعَ مَا لاَ يَمْلِكُ [ 1 ] .
[ 4 ] وَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ أَخي [ 2 ] عَقيلاً وَ قَدْ أَمْلَقَ حَتَّى اسْتَمَاحَني مِنْ بُرِّكُمْ صَاعاً ، وَ عَاوَدَني في عَشْرِ وُسَقٍ مِنْ شَعيرِكُمْ يُطْعِمُهُ جِيَاعَهُ ، وَ كَادَ يَطْوي ثَالِثَ أَيَّامِهِ خَامِصاً مَا اسْتَطَاعَهُ [ 3 ] .
[ 4 ] من : و اللّه إلى : صاعا ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 224 .
[ 1 ] ورد في البحار ج 40 ص 345 . و منهاج البراعة ج 14 ص 298 . و مصباح البلاغة ج 1 ص 215 عن أمالي الصدوق . باختلاف يسير .
[ 2 ] ورد في المصادر السابقة .
[ 3 ] ورد في المصادر السابقة . و مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 126 . و البحار ج 41 ص 114 . باختلاف يسير .
[ 683 ]
[ 9 ] وَ رَأَيْتُ صِبْيَانَهُ [ 1 ] غَرْثى ، شُعْثَ الشُّعُورِ مِنْ ضُرِّهِمْ [ 2 ] ، غُبْرَ الأَلْوَانِ مِنْ فَقْرِهِمْ ، كَأَنَّمَا سُوِّدَتْ وُجُوهُهُمُ بِالْعِظْلِمِ .
وَ عَاوَدَني مُؤَكِّداً ، وَ كَرَّرَ عَلَيَّ الْقَوْلَ مُرَدِّداً ، فَأَصْغَيْتُ إِلَيْهِ سَمْعي ، فَغَرَّهُ ، وَ [ 3 ] ظَنَّ أَنّي أَبيعُهُ ديني ، وَ أَتَّبِعُ قِيَادَهُ مُفَارِقاً طَريقَتي [ 4 ] .
فَأَحْمَيْتُ لَهُ حَديدَةً ، ثُمَّ أَدْنَيْتُهَا مِنْ جِسْمِهِ لِيَعْتَبِرَ بِهَا ، فَضَجَّ ضَجيجَ ذي دَنَفٍ مِنْ أَلَمِهَا ،
وَ كَادَ أَنْ يَحْتَرِقَ مِنْ مَيْسَمِهَا .
فَقُلْتُ لَهُ : ثَكَلَتْكَ الثَّوَاكِلُ ، يَا عَقيلُ ، أَتَئِنُّ مِنْ حَديدَةٍ أَحْمَاهَا إِنْسَانُهَا لِلَعِبِهِ [ 5 ] ، وَ تَجُرُّني إِلى نَارٍ سَجَّرَهَا جَبَّارُهَا لِغَضَبِهِ [ 6 ] ؟ .
أَ تَئِنُّ مِنَ الأَذى وَ لاَ أَئِنُّ مِنْ لَظى ؟ .
وَ اللَّهِ لَوْ سَقَطَتِ الْمُكَافَاةُ عَنِ الأُمَمِ ، وَ تُرِكَتْ في مَضَاجِعِهَا بَالِيَاتٌ فِي الرَّمَمِ ، لاسْتَحْيَيْتُ مِنْ مَقْتِ رَقيبٍ يَكْشِفُ فَاضِحَاتٍ مِنَ الأَوْزَارِ تُنْسَخُ .
فَصَبْراً عَلى دُنْيَا تَمُرُّ بِلأْوَائِهَا كَلَيْلَةٍ بِأَحْلاَمِهَا تَنْسَلِخُ .
كَمْ بَيْنَ نَفْسٍ في خِيَامِهَا نَاعِمَةٌ وَ بَيْنَ أَثيمٍ في جَحيمٍ يَصْطَرِخُ .
فَلاَ تَعْجَبْ مِنْ هذَا [ 7 ] .
وَ أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ طَارِقٌ طَرَقَنَا بِمَلْفُوفَةٍ زَمَّلَهَا [ 8 ] في وِعَائِهَا ، وَ مَعْجُونَةٍ شَنِئْتُهَا بَسَطَهَا في
[ 9 ] من : و رأيت إلى : من لظى . و من : و أعجب إلى : تهجر ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 224 .
[ 1 ] أطفاله . ورد في و مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 126 . و البحار ج 40 ص 345 و ج 41 ص 114 . و منهاج البراعة ج 14 ص 298 . و مصباح البلاغة ج 1 ص 215 عن أمالي الصدوق .
[ 2 ] ورد في المصادر السابقة . باختلاف .
[ 3 ] ورد في المصادر السابقة .
[ 4 ] طريقي . ورد في هامش نسخة ابن المؤدب ص 220 . و نسخة الآملي ص 197 . و نسخة ابن أبي المحاسن ص 227 . و نسخة الأسترابادي ص 365 . و نسخة عبده ص 494 . و نسخة العطاردي ص 264 .
[ 5 ] لمدعبة . ورد في البحار ج 40 ص 347 . و منهاج البراعة ج 14 ص 300 . و مصباح البلاغة ج 1 ص 215 عن أمالي الصدوق .
[ 6 ] من غضبه . ورد في المصادر السابقة .
[ 7 ] ورد في المصادر السابقة .
[ 8 ] ورد في المصادر السابقة .
[ 684 ]
إِنَائِهَا [ 1 ] ، كَأَنَّمَا عُجِنَتْ بِريقِ حَيَّةٍ أَوْ قَيْئِهَا .
فَقُلْتُ : أَصِلَةٌ ، أَمْ زَكَاةٌ ، أَمْ صَدَقَةٌ ، فَذَلِكَ مُحَرَّمٌ كُلُّهُ عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ [ 2 ] ، وَ عُوِّضْنَا مِنْهُ خُمْسَ ذِي الْقُرْبى فِي الْكِتَابِ وَ السُّنَّةِ [ 3 ] .
فَقَالَ : لاَ ذَا وَ لاَ ذَاكَ ، وَ لكِنَّهَا هَدِيَّةٌ .
فَقُلْتُ : هَبِلَتْكَ الْهَبُولُ ، أَعَنْ دينِ اللَّهِ أَتَيْتَني لِتَخْدَعَني بِمَعْجُونَةٍ عَرَّقْتُمُوهَا بِقَنْدِكُمْ ، وَ خَبيصَةٍ صَفْرَاءَ أَتَيْتَني بِهَا بِعَصيرِ تَمْرِكُمْ ؟ [ 4 ] .
أَمُخْتَبِطٌ أَنْتَ ، أَمْ ذُو جِنَّةٍ ، أَمْ تَهْجُرُ ؟ .
أَلَيْسَتِ النُّفُوسُ عَنْ مِثْقَالِ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مَسْؤُولَةٌ ؟ .
فَمَاذَا أَقُولُ في مَعْجُونَةٍ أَتَزَقَّمُهَا مَعْمُولَةً ؟ [ 5 ] .
[ 15 ] وَ اللَّهِ لَوْ أُعْطيتُ الأَقَاليمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلاَكِهَا ، وَ اسْتُرِقَّ لي قُطَّانُهَا ، مُذْعِنَةً بِأَمْلاَكِهَا [ 6 ] ، عَلى أَنْ أَعْصِيَ اللَّهَ في نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جِلْبَ [ 7 ] شَعيرَةٍ فَأَلُوكُهَا [ 8 ] ، مَا فَعَلْتُ وَ لاَ أَرَدْتُ [ 9 ] .
[ 16 ] وَ اللَّهِ إِنَّ دُنْيَاكُمْ [ 10 ] هذِهِ عِنْدي [ 11 ] لأَهْوَنُ مِنْ وَرَقَةٍ في فَمِ [ 12 ] جَرَادَةٍ تَقْضَمُهَا ، وَ أَقْذَرُ عِنْدي [ 13 ] مِنْ عِرَاقِ خِنْزيرٍ يَقْذِفُ بِهَا أَجْذَمُهَا [ 14 ] ، وَ أَمَرُّ عَلى فُؤَادي مِنْ حَنْظَلَةٍ يَلُوكُهَا ذُو سَقَمٍ
[ 15 ] من : و اللّه إلى : تقضمها ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 224 .
[ 16 ] و اللّه لدنياكم هذه أهون في عيني من عراق خنزير في يد مجذوم ورد في حكم الشريف الرضي تحت الرقم 236 .
[ 1 ] ورد في البحار ج 40 ص 347 . و منهاج البراعة ج 14 ص 300 . و مصباح البلاغة ج 1 ص 215 عن أمالي الصدوق .
[ 2 ] أهل بيت النّبوّة . ورد في المصادر السابقة .
[ 3 ] ورد في المصادر السابقة .
[ 4 ] ورد في المصادر السابقة .
[ 5 ] ورد في المصادر السابقة .
[ 6 ] ورد في المصادر السابقة .
[ 7 ] جلف . ورد في نسخة الأسترابادي ص 366 .
[ 8 ] ورد في البحار ج 40 ص 347 . و منهاج البراعة ج 14 ص 300 . و مصباح البلاغة ج 1 ص 215 عن أمالي الصدوق .
[ 9 ] ورد في المصادر السابقة .
[ 10 ] لدنياكم . ورد في نسخ النهج برواية ثانية .
[ 11 ] في عيني . ورد في نسخ النهج برواية ثانية .
[ 12 ] فيّ . ورد في البحار للمجلسي ج 40 ص 347 . و منهاج البراعة للخوئي ج 14 ص 300 .
[ 13 ] ورد في المصدرين السابقين . و مصباح البلاغة ج 1 ص 215 عن أمالي الصدوق .
[ 14 ] ورد في المصادر السابقة . و ورد في يد مجذوم في نسخ النهج برواية ثانية .
[ 685 ]
فَيَبْشِمُهَا ، فَكَيْفَ أَقْبَلُ مَلْفُوفَةً عَكَمْتَهَا في طَيِّهَا ، وَ مَعْجُونَةٍ كَأَنَّهَا عُجِنَتْ بِريقِ حَيَّةٍ أَوْ قَيْئِهَا ؟ .
اَللَّهُمَّ إِنّي نَفَرْتُ عَنْهَا نَفَارَ الْمُهْرَةِ مِنْ كَيِّهَا [ 1 ] .
[ 9 ] مَا لِعَلِيٍّ وَ نَعيمٍ [ 2 ] يَفْنى ، وَ لَذَّةٍ لاَ تَبْقى .
فَدَعُوني أَكْتَفي مِنْ دُنْيَاكُمْ بِمِلْحي وَ أَقْرَاصي ، فَبِتَقْوَى اللَّهِ أَرْجُو خَلاَصي .
سَأَلْقى وَ شيعَتي رَبَّنَا بِعُيُونٍ سَاهِرَةٍ ، وَ بُطُونٍ خِمَاصٍ ، لِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا وَ يَمْحَقَ الْكَافِرينَ [ 3 ] .
نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سُبَاتِ الْعَقْلِ ، وَ قُبْحِ الزَّلَلِ ، وَ سَيِّئَاتِ الْعَمَلِ ، وَ بِهِ نَسْتَعينُ .
وَ صَلَّى اللَّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّاهِرينَ [ 4 ] .
ثم أرمَّ عليه السلام طويلاً ساكتاً . ثم رفع رأسه و قال :
[ 10 ] إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ فَرَضَ في أَمْوَالِ الأَغْنِيَاءِ أَقْوَاتَ الْفُقَرَاءِ ، فَمَا جَاعَ فَقيرٌ إِلاَّ بِمَا مُتِّعَ بِهِ [ 5 ] غَنِيُّ . وَ اللَّهُ تَعَالى جَدُّهُ يُسَائِلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ .
[ 11 ] أَلاَ وَ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَهُ مَالٌ فَإِيَّاهُ وَ الْفَسَادَ [ 6 ] ، فَإِنَّ إِعْطَاءَ الْمَالِ في غَيْرِ حَقِّهِ [ 7 ] تَبْذيرٌ وَ إِسْرَافٌ وَ فَسَادٌ [ 8 ] .
[ 9 ] من : ما لعليّ إلى : لا تبقى . و من : نعوذ باللّه إلى : و به نستعين ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 224 .
[ 10 ] من : إنّ اللّه إلى : عن ذلك ورد في حكم الشريف الرضي تحت الرقم 328 .
[ 11 ] من : ألا و إنّ إلى : ودّهم . و من : فإن زلّت إلى : خدين ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 126 .
[ 1 ] ورد في البحار ج 40 ص 347 . و منهاج البراعة للخوئي ج 14 ص 300 . و مصباح البلاغة ج 1 ص 215 عن أمالي الصدوق .
[ 2 ] لنعيم . ورد في نسخة العام 400 ص 215 . و نسخة ابن أبي المحاسن ص 227 . و هامش نسخة الأسترابادي ص 366 .
و نسخة عبده ص 495 .
[ 3 ] آل عمران ، 141 . و وردت الفقرة في البحار ج 40 ص 347 . و منهاج البراعة ج 14 ص 300 . و مصباح البلاغة ج 1 ص 215 عن أمالي الصدوق .
[ 4 ] ورد في المصادر السابقة . باختلاف يسير .
[ 5 ] منع . ورد في نسخة العام 400 الموجودة في المكتبة الظاهرية ص 488 . و نسخة ابن أبي المحاسن ص 421 .
[ 6 ] النّسار . ورد في و وردت الفقرة في أمالي الطوسي ص 198 . و نثر الدّر ج 1 ص 318 . و تحف العقول ص 131 .
و البحار ج 41 ص 109 و 122 . و منهاج البراعة ج 8 ص 192 . و نهج السعادة ج 2 ص 451 . و نهج البلاغة الثاني ص 151 .
[ 7 ] حلّه . ورد في نثر الدرّ للآبي ج 1 ص 318 .
[ 8 ] ورد في المصدر السابق .
[ 686 ]
وَ هُوَ وَ إِنْ كَانَ [ 1 ] يَرْفَعُ صَاحِبَهُ [ 2 ] فِي الدُّنْيَا فَهُ [ 3 ] وَ يَضَعُهُ فِي الآخِرَةِ ، وَ يُكْرِمُهُ فِي النَّاسِ وَ يُهينُهُ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ [ 4 ] .
وَ لَمْ يَضَعِ امْرُؤٌ مَالَهُ في غَيْرِ حَقِّهِ ، وَ لاَ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ ، إِلاَّ حَرَمَهُ اللَّهُ تَعَالى [ 5 ] شُكْرَهُمْ ،
وَ كَانَ لِغَيْرِهِ وُدُّهُمْ .
فَإِنْ بَقِيَ مَعَهُ مَنْ يُريدُ الْوُدَّ ، وَ يُظْهِرُ لَهُ الشُّكْرَ ، فَإِنَّمَا هُوَ مَلَقٌ وَ كَذِبٌ يُريدُ التَّقَرُّبَ بِهِ إِلَيْهِ [ 6 ] .
[ 14 ] وَ لَيْسَ لِوَاضِعِ الْمَعْرُوفِ في غَيْرِ حَقِّهِ ، وَ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ ، مِنَ الْحَظِّ فيمَا أَتى ، إِلاَّ مَحْمَدَةُ اللِّئَامِ ، وَ ثَنَاءُ الأَشْرَارِ ، وَ مَقَالَةُ الْجُهَّالِ ، مَا دَامَ مُنْعِماً عَلَيْهِمْ مَا أَجْوَدَ يَدَهُ ، وَ هُوَ عَنْ ذَاتِ اللَّهِ بَخيلٌ .
فَإِنْ زَلَّتْ بِهِ [ 7 ] النَّعْلُ يَوْماً ، فَاحْتَاجَ إِلى مَعُونَتِهِمْ أَوْ مُكَافَأَتِهِ [ 8 ] ، فَشَرُّ خَليلٍ ، وَ أَلأَمُ خَدينٍ .
فَأَيُّ حَظٍّ أَبْوَرَ وَ أَخْسَرُ مِنْ هذَا الْحَظِّ ؟ .
وَ أَيُّ فَائِدِ مَعْرُوفٍ أَضْيَعُ وَ أَقَلُّ عَائِدَةٍ مِنْ هذَا الْمَعْرُوفِ ؟ [ 9 ] .
فَمَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً ، فَلْيَصِلْ بِهِ الْقَرَابَةَ ، وَلْيُحْسِنْ مِنْهُ الضِّيَافَةَ ، وَلْيَفُكَّ بِهِ الأَسيرَ وَ الْعَاني ،
وَلْيُعْطِ مِنْهُ الْفَقيرَ وَلْيُعِنْ بِهِ [ 10 ] الْغَارِمَ وَ ابْنَ السَّبيلِ ، وَ الْمُهَاجِرينَ وَ الْمُجَاهِدينَ في سَبيلِ اللَّهِ [ 11 ] ،
وَلْيَصْبِرْ نَفْسَهُ عَلَى الْحُقُوقِ وَ النَّوَائِبِ [ 12 ] ، ابْتِغَاءَ الثَّوَابِ . فَإِنَّ فَوْزاً [ 13 ] بِهذِهِ الْخِصَالِ شَرَفُ
[ 14 ] من : و ليس إلى : بخيل . و من : فمن آتاه اللّه إلى : إن شاء اللّه ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 142 .
[ 1 ] ورد في أمالي الطوسي ص 198 . و البحار ج 41 ص 109 . و نهج السعادة ج 2 ص 451 . و نهج البلاغة الثاني ص 151 .
[ 2 ] ذكرا لصاحبه . ورد في المصادر السابقة . و منهاج البراعة للخوئي ج 8 ص 192 .
[ 3 ] ورد في أمالي الطوسي ص 198 . و البحار ج 41 ص 109 . و نهج السعادة ج 2 ص 451 . و نهج البلاغة الثاني ص 151 .
[ 4 ] ورد في المصادر السابقة . و نثر الدرّ للآبي ج 1 ص 318 .
[ 5 ] ورد في البحار ج 41 ص 109 . و نهج السعادة ج 2 ص 451 . و نهج البلاغة الثاني ص 151 .
[ 6 ] ورد في المصادر السابقة . و أمالي الطوسي ص 198 . و نثر الدرّ ج 1 ص 318 . و تحف العقول ص 131 . و منهاج البراعة ج 8 ص 192 و 193 . باختلاف بين المصادر .
[ 7 ] بصاحبهم . ورد في نثر الدرّ للآبي ج 1 ص 318 . و منهاج البراعة للخوئي ج 8 ص 192 و 193 . باختلاف .
[ 8 ] ورد في المصدرين السابقين . و تحف العقول للحرّاني ص 131 .
[ 9 ] ورد في تحف العقول للحرّاني ص 131 . و منهاج البراعة للخوئي ج 8 ص 192 . و البحار للمجلسي ج 41 ص 123 .
[ 10 ] ورد في الغارات للثقفي ص 49 . و أمالي الطوسي ص 198 . و تحف العقول ص 131 . و منهاج البراعة ج 8 ص 193 . و نهج السعادة ج 2 ص 451 . و نهج البلاغة الثاني ص 151 .
[ 11 ] ورد في أمالي الطوسي ص 198 . و نثر الدرّ للآبي ج 1 ص 319 . و تحف العقول ص 131 . و البحار للمجلسي ج 41 ص 123 .
و منهاج البراعة ج 8 ص 193 . و نهج السعادة ج 2 ص 451 . و نهج البلاغة الثاني ص 151 . باختلاف .
[ 12 ] الخطوب . ورد في نهج السعادة للمحمودي ج 2 ص 451 . و نهج البلاغة الثاني للحائري ص 151 .
[ 13 ] فإنّه يحوز . ورد في تحف العقول للحرّاني ص 131 .
[ 687 ]
مَكَارِمِ الدُّنْيَا ، وَ دَرْكُ فَضَائِلِ الآخِرَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ .