خطبة له عليه السّلام ( 47 ) بعد وقعة الجمل في ذمّ أهل البصرة و إخباره بما سيأتي عليها

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ [ 7 ] اَلْحَمْدُ للَّهِ الَّذي لَمْ يَسْبِقْ لَهُ حَالٌ حَالاً ، فَيَكُونَ أَوَّلاً قَبْلَ أَنْ يَكُونَ آخِراً ، وَ يَكُونَ ظَاهِراً قَبْلَ أَنْ يَكُونَ بَاطِناً .

كُلُّ مُسَمّىً بِالْوَحْدَةِ غَيْرُهُ قَليلٌ ، وَ كُلُّ عَزيزٍ غَيْرُهُ ذَليلٌ ، وَ كُلُّ قَوِيٍّ غَيْرُهُ ضَعيفٌ ، وَ كُلُّ مَالِكٍ غَيْرُهُ مَمْلُوكٌ ، وَ كُلُّ عَالِمٍ غَيْرُهُ مُتَعَلِّمٌ ، وَ كُلُّ قَادِرٍ غَيْرُهُ يَقْدِرُ وَ يَعْجَزُ ، وَ كُلُّ سَميعٍ غَيْرُهُ يَصَمُّ عَنْ لَطيفِ الأَصْوَاتِ ، وَ يُصِمُّهُ كَبيرُهَا [ 4 ] ، وَ يَذْهَبُ عَنْهُ مَا بَعُدَ مِنْهَا ، وَ كُلُّ بَصيرٍ غَيْرُهُ يَعْمى عَنْ خَفِيِّ الأَلْوَانِ وَ لَطيفِ الأَجْسَامِ ، وَ كُلُّ ظَاهِرٍ غَيْرُهُ غَيْرُ بَاطِنٌ ، وَ كُلُّ بَاطِنٍ غَيْرُهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ .

لَمْ يَخْلُقْ مَا خَلَقَ [ 5 ] لِتَشْديدِ سُلْطَانٍ ، وَ لا تَخَوُّفٍ مِنْ عَوَاقِبِ زَمَانٍ ، وَ لا خَوْفٍ مِنْ زَوَالٍ وَ لا

[ 6 ] من : اليوم إلى : و الباطل . و من : و من وثق إلى : لم يظمأ ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 4 .

[ 7 ] من : الحمد للّه إلى : داخرون ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 65 .

[ 1 ] ورد في البحار ج 29 ص 559 عن العدد القوية ص 189 ح 19 عن الإرشاد لكيفية الطلب في أئمة العباد للصفار .

[ 2 ] الأعراف ، 89 .

[ 3 ] ورد في البحار ج 29 ص 560 و 564 عن العدد القوية ص 189 ح 19 عن الإرشاد لكيفية الطلب في أئمة العباد للصفار .

[ 4 ] كثيرها . ورد في هامش نسخة الآملي ص 44 .

[ 5 ] خلقه . ورد في نسخة العام 400 ص 60 . و نسخة ابن المؤدب ص 42 . و نسخة الآملي ص 44 . و نسخة ابن أبي المحاسن ص 62 . و نسخة الأسترابادي ص 60 . و نسخة عبده ص 165 . و نسخة الصالح ص 95 . و نسخة العطاردي ص 63 .

[ 445 ]

نُقْصَانٍ [ 1 ] ، وَ لاَ اسْتِعَانَةٍ عَلى نِدٍّ مُثَاوِرٍ ، وَ لا شَريكٍ مُكَاثِرٍ [ 2 ] ، وَ لا ضِدٍّ مُنَافِرٍ ، وَ لكِنْ خَلائِقُ مَرْبُوبُونَ ،

وَ عِبَادٌ دَاخِرُونَ .

أَمَّا بَعْدُ ، أَيُّهَا النَّاسُ ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ غَفُورٌ ، رَحيمٌ ، عَزيزٌ ، ذُو انْتِقَامٍ ، ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ ،

وَ مَغْفِرَةٍ دَائِمَةٍ ، وَ عَفْوٍ جَمٍّ ، وَ عِقَابٍ أَليمٍ .

قَضى أَنَّ رَحْمَتَهُ وَ مَغْفِرَتَهُ وَ عَفْوَهُ لأَهْلِ طَاعَتِهِ مِنْ خَلْقِهِ ، وَ قَضى أَنَّ نَقْمَتَهُ وَ سَطْوَتَهُ وَ عِقَابَهُ عَلى أَهْلِ مَعْصِيَتِهِ مِنْ خَلْقِهِ [ 3 ] ، وَ [ مَنِ ] ابْتَدَعَ في دينِهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ .

وَ بِرَحْمَتِهِ نَالَ الصَّالِحُونَ [ 4 ] ، وَ بَعْدَ الْهُدى وَ الْبَيِّنَاتِ ضَلَّ الضَّالُّونَ .

يَا أَهْلَ الْبَصْرَةِ وَ الْبُصَيْرَةِ ،

يَا أَهْلَ السَّبْخَةِ وَ الْخُرَيْبَةِ وَ تَدْمُرَ ،

يَا بَقَايَا ثَمُودَ ،

يَا أَهْلَ الْمُؤْتَفِكَةِ ائْتَفَكَتْ بِأَهْلِهَا مِنَ الدَّهْرِ ثَلاثاً وَ عَلَى اللَّهِ تَمَامُ الرَّابِعَةِ ،

يَا أَهْلَ الدَّاءِ الْعُضَالِ [ 5 ] ،

[ 10 ] كُنْتُمْ جُنْدَ الْمَرْأَةِ ، وَ أَتْبَاعَ الْبَهيمَةِ ، رَغَا فَأَجَبْتُمْ [ 6 ] ، وَ عُقِرَ فَهَرَبْتُمْ [ 7 ] .

أَخْلاقُكُمْ دِقَاقٌ [ 8 ] ، وَ عَهْدُكُمْ شِقَاقٌ ، وَ دينُكُمْ نِفَاقٌ [ 9 ] ، وَ مَاؤُكُمْ زُعَاقٌ .

بِلادُكُمْ أَنْتَنُ بِلادِ اللَّهِ تُرْبَةً .

[ 10 ] من : كنتم إلى : تربة ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقمين 13 و 14 .

[ 1 ] ورد في نهج السعادة للمحمودي ج 2 ص 151 .

[ 2 ] مكابر . ورد في نسخة العطاردي ص 63 . عن نسخة عبده .

[ 3 ] جعل عفوه و مغفرته لأهل طاعته ، و جعل عذابه و عقابه لمن عصاه . ورد في

[ 4 ] اهتدى المهتدون . ورد في الإرشاد للمفيد ص 137 .

[ 5 ] ورد في مروج الذهب ج 2 ص 377 . و نثر الدرّ ج 1 ص 315 . و شرح ابن ميثم ج 1 ص 289 . و الاحتجاج ج 1 ص 171 . و البحار ( مجلد قديم ) ج 8 ص 415 . و منهاج البراعة ج 17 ص 87 و 88 . و نهج السعادة ج 1 ص 337 و 339 . و مصادر نهج البلاغة ج 1 ص 349 . و نهج البلاغة الثاني ص 146 . باختلاف بين المصادر .

[ 6 ] فاتّبعتم . ورد في نهج السعادة للمحمودي ج 1 ص 340 .

[ 7 ] فانهزمتم . ورد في المصدر السابق . و شرح نهج البلاغة لابن ميثم ج 1 ص 289 . و منهاج البراعة للخوئي ج 17 ص 87 .

[ 8 ] رقاق . ورد في مروج الذهب للمسعودي ج 2 ص 377 .

[ 9 ] و أنتم فسقة مرّاق . ورد في منهاج البراعة للخوئي ج 17 ص 87 .

[ 446 ]

[ 8 ] أَرْضُكُمْ قَريبَةٌ مِنَ الْمَاءِ ، بَعيدَةٌ مِنَ السَّمَاءِ [ 1 ] .

بِهَا مَغيضُ كُلِّ مَاءٍ ، وَ لَهَا شَرُّ أَسْمَاءٍ [ 2 ] ، [ 9 ] وَ بِهَا تِسْعَةُ أَعْشَارِ الشَّرِّ .

وَ هِيَ مَسْكَنُ الْجِنِّ [ 3 ] .

خَفَّتْ عُقُولُكُمْ ، وَ سَفِهَتْ حُلُومُكُمْ ، شَهَرْتُمْ عَلَيْنَا سُيُوفَكُمْ ، وَ سَفَكْتُمْ دِمَاءَكُمْ ، وَ خَالَفْتُمْ إِمَامَكُمْ .

أَللَّهُ أَمَرَكُمْ بِجِهَادي أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ؟ .

يَا أَهْلَ الْبَصْرَةِ ، قَدْ نَكَثْتُمْ بَيْعَتي ، وَ ظَاهَرْتُمْ عَلَيَّ ذَوِي عَدَاوَتي . فَمَا ظَنُّكُمْ الآنَ بي وَ قَدْ أَمْكَنَنِيَ اللَّهُ مِنْكُمْ وَ أَسْلَمَكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ ؟ .

فقام إليه رجل منهم فقال : نظنّ خيرا يا أمير المؤمنين ، و نرى أنك ظفرت و قدرت ، فإن عاقبت فقد أجرمنا ، و إن عفوت فالعفو أحبّ إلى رب العالمين .

فقال عليه السّلام :

قَدْ عَفَوْتُ عَنْكُمْ . فَإِيَّاكُمْ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهَا .

فَإِنَّكُمْ أَوَّلُ مَنْ نَكَثَ الْبَيْعَةَ ، وَ شَقَّ عَصَا هذِهِ الأُمَّةِ ، وَ شَرَعَ الْقِتَالَ وَ الشِّقَاقَ ، وَ تَرَكَ الْحَقَّ وَ الاِنْصَافَ [ 4 ] .

فَأَنْتُمْ غَرَضٌ لِنَابِلٍ ، وَ أُكْلَةٌ لآكِلٍ ، وَ فَريسَةٌ لِصَائِلٍ [ 5 ] .

اَلنَّارُ لَكُمْ مُدَّخَرٌ ، وَ الْعَارُ لَكُمْ مَفْخَرٌ [ 6 ] .

اَلْمُقيمُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مُرْتَهَنٌ بِذَنْبِهِ ، وَ الشَّاخِصُ عَنْكُمْ مُتَدَارَكٌ بِرَحْمَةٍ مِنْ رَبِّهِ [ 7 ] . وَ مَا اللَّهُ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبيدِ .

فَارْجِعُوا عَنِ الْحَوْبَةِ ، وَ أَخْلِصُوا فيمَا بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ .

[ 8 ] من : أرضكم إلى : السّماء . و من : فأنتم إلى : لصائل ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 14 .

[ 9 ] من : و بها إلى : حلومكم . و من : المقيم إلى : من ربّه ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 13 .

[ 1 ] أقربها من الماء ، و أبعدها من السّماء . ورد في نسخ النهج برواية ثانية .

[ 2 ] ورد في نهج السعادة للمحمودي ج 1 ص 428 .

[ 3 ] ورد في المصدر السابق ص 337 .

[ 4 ] ورد في المصدر السابق . و أنساب الأشراف ج 2 ص 264 . و أمالي الطوسي ص 78 . و منهاج البراعة ج 17 ص 87 و 88 .

باختلاف بين المصادر .

[ 5 ] لصائد . ورد في نسخة ابن المؤدب ص 13 . و نسخة الآملي ص 16 . و ورد لظافر في منهاج البراعة للخوئي ج 17 ص 87 .

[ 6 ] ورد في المصدر السابق .

[ 7 ] المحتبس فيها بذنبه ، و الخارج بعفو من اللّه . ورد في نسخ النهج برواية ثانية .

[ 447 ]

يَا بَصْرَةُ ، أَيُّ يَوْمٍ لَكِ لَوْ تَعْلَمينَ ؟ .

إِنَّ لَكِ مِنَ الْمَاءِ لَيَوْماً عَظيماً بَلاؤُهُ ، وَ إِنّي لأَعْرِفُ مَوْضِعَ مُنْفَجَرِهِ مِنْ قَرْيَتِكُمْ هذِهِ .

ثُمَّ أُمُورٌ قَبْلَ ذَلِكَ تَدْهَمُكُمْ أُخْفِيَتْ عَلَيْكُمْ وَ عُلِّمْنَاهُ [ 1 ] .

[ 10 ] وَ أَيْمُ اللَّهِ ، لَتَغْرَقَنَّ بَلْدَتُكُمْ هذِهِ [ 2 ] قَدْ طَبَّقَهَا الْمَاءُ حَتَّى مَا يُرى مِنْهَا إِلاَّ شُرَفُ الْمَسْجِدِ [ 3 ] كَأَنَّهُ جُؤْجُؤُ سَفينَةٍ [ 4 ] في لُجَّةِ بَحْرٍ ، أَوْ نُعَامَةٍ جَاثِمَةٍ . قَدْ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْعَذَابَ مِنْ فَوْقِهَا وَ مِنْ تَحْتِهَا ، وَ غَرَّقَ مَنْ في ضِمْنِهَا .

فَمَنْ خَرَجَ عِنْدَ دُنُوِّ غَرَقِهَا فَبِرَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ سَبَقَتْ لَهُ ، وَ مَنْ بَقِيَ فيهَا غَيْرَ مُرَابِطٍ بِهَا فَبِذَنْبِهِ [ 5 ] .

[ 11 ] فَوَيْلٌ لَكِ ، يَا بَصْرَةُ [ 6 ] ، عِنْدَ ذَلِكَ مِنْ جَيْشٍ مِنْ نِقَمِ اللَّهِ لا رَهَجَ لَهُ وَ لا حَسَّ .

وَ سَيَبْتَلِي اللَّهُ [ 7 ] أَهْلَكِ بِالْمَوْتِ الأَحْمَرِ وَ الْجُوعِ الأَغْبَرِ .

[ 12 ] وَيْلٌ لِسِكَكِكُمُ الْعَامِرَةِ ، وَ دُورِكُمُ الْمُزَخْرَفَةِ ، الَّتي لَهَا أَجْنِحَةٌ كَأَجْنِحَةِ النُّسُورِ ، وَ خَرَاطِيمُ كَخَرَاطيمِ الْفِيَلَةِ ، مِنْ أُولئِكَ الَّذينَ لا يُنْدَبُ قَتيلُهُمْ ، وَ لا يُفْقَدُ غَائِبُهُمْ .

فقام إليه الأحنف بن القيس فقال : يا أمير المؤمنين ، متى يكون ذلك ؟ .

فقال عليه السلام :

يَا أَبَا بَحْرٍ ، إِنَّكَ لَنْ تُدْرِكَ ذَلِكَ الزَّمَانَ ، وَ إِنَّ بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ لَقُرُوناً . وَ لكِنْ لِيُبَلِّغَ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ عَنْكُمْ ، لِكَي يُبْلِغُوا إِخْوَانَهُمْ إِذَا هُمْ رَأَوُا الْبَصْرَةَ قَدْ تَحَوَّلَتْ أَخْصَاصُهَا دُوراً ، وَ آجَامُهَا قُصُوراً ،

فَالْهَرَبَ الْهَرَبَ ، فَإِنَّهُ لا بُصَيْرَةَ [ 8 ] لَكُمْ يَوْمَئِذٍ [ 9 ] .

[ 10 ] من : و أيم إلى : في ضمنها ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 13 .

[ 11 ] من : فويل لك إلى : الأغبر ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 102 .

[ 12 ] من : ويل إلى : غائبهم ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 128 .

[ 1 ] ورد في أمالي الطوسي ص 711 . و البحار ( مجلد قديم ) ج 8 ص 312 . و منهاج البراعة ج 17 ص 87 و 88 . و نهج السعادة ج 1 ص 336 . باختلاف بين المصادر .

[ 2 ] كأنّي أنظر إلى قريتكم . ورد في نسخ النهج برواية ثانية .

[ 3 ] حتّي كأنّي أنظر إلى مسجدها . ورد في نسخ النهج برواية ثانية .

[ 4 ] طير . ورد في نسخ النهج .

[ 5 ] ورد في

[ 6 ] يا بصيرة . ورد في هامش نسخة ابن المؤدب ص 81 .

[ 7 ] سيبتلى . ورد في المصدر السابق . و نسخة العام 400 ص 112 . ون الآملي ص 78 . ون عبده ص 247 . ون الصالح ص 148 .

[ 8 ] بصرة . ورد في البحار للمجلسي ( مجلد قديم ) ج 8 ص 415 . و مصادر نهج البلاغة للخطيب ج 1 ص 346 .

[ 9 ] ورد في المصدرين السابقين . و نهج السعادة للمحمودي ج 1 ص 147 .

[ 448 ]

[ 5 ] يَا أَحْنَفُ ، كَأَنّي بِهِ وَ قَدْ سَارَ بِالْجَيْشِ الَّذي لا يَكُونُ لَهُ غُبَارٌ وَ لا لَجَبٌ ، وَ لا قَعْقَعَةُ لُجُمٍ ،

وَ لا حَمْحَمَةُ خَيْلٍ ، يُثيرُونَ الأَرْضَ بِأَقْدَامِهِمْ كَأَنَّهَا أَقْدَامُ النَّعَامِ .

ثم التفت عليه السلام عن يمينه فقال :

كَمْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ الأُبُلَّةِ ؟ .

فأجابه المنذر بن الجارود : فداك أبي و أمي ، أربعة فراسخ .

فقال عليه السلام :

صَدَقْتَ . فَوَ الَّذي بَعَثَ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ أَكْرَمَهُ بِالنُّبُوَّةِ ، وَ خَصَّهُ بِالرِّسَالَةِ ،

وَ عَجَّلَ بِرُوحِهِ إِلَى الْجَنَّةِ ، لَقَدْ سَمِعْتُ مِنْهُ كَمَا تَسْمَعُونَ مِنّي ، أَنْ قَالَ لي : يَا عَلِيُّ ، تُفْتَحُ أَرْضٌ يُقَالُ لَهَا الْبَصْرَةُ ، أَقْوَمُ الأَرَضينَ قِبْلَةً ، قِبْلَتُهُمْ عَلَى الْمَقَامِ حَيْثُ يَقُومُ الإِمَامُ بِمَكَّةَ ، وَ قَارِؤُهَا أَقْرَأُ النَّاسِ ،

وَ عَابِدُهَا أَعْبَدُ النَّاسِ ، وَ زَاهِدُهَا أَزْهَدُ النَّاسِ ، وَ عَالِمُهَا أَعْلَمُ النَّاسِ ، وَ مُتَصَدِّقُهَا أَكْرَمُ النَّاسِ صَدَقَةً ،

وَ تَاجِرُهَا أَعْظَمُ النَّاسِ تِجَارَةً وَ أَصْدَقُهُمْ في تِجَارَتِهِ ، وَ غَنِيُّهَا أَكْثَرُ النَّاسِ بَذْلاً وَ تَوَاضُعاً ، وَ شَريفُهَا أَحْسَنُ النَّاسِ خُلْقاً .

وَ هُمْ أَكْرَمُ النَّاسِ جِوَاراً ، وَ أَقَلُّهُمْ تَكَلُّفاً لِمَا لا يَعْنيهِمْ ، وَ أَحْرَصُهُمْ عَلَى الصَّلاةِ في جَمَاعَةٍ .

ثَمَرُهُمْ أَكْثَرُ الثِّمَارِ ، وَ أَمْوَالُهُمْ أَكْثَرُ الأَمْوَالِ ، وَ صِغَارُهُمْ أَكْيَسُ الأَوْلادِ ، وَ نِسَاؤُهُمْ أَقْنَعُ النَّسَاءِ وَ أَحْسَنُهُنَّ تَبَعُّلاً .

مِنْهَا إِلى قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا : الأُبُلَّةُ ، أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ .

وَ يَسْتَشْهِدُ فِي الَّتي تُسَمَّى الأُبُلَّةُ عِنْدَ مَسْجِدِ جَامِعِهَا وَ مَوْضِعُ عُشُورِهَا مِنْ أُمَّتي أَرْبَعُونَ أَلْفاً [ 1 ] . الشَّهيدُ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ كَالشَّهيدِ مَعيَ يَوْمَ بَدْرٍ .

فقال له المنذر : يا أمير المؤمنين ، و من يقتلهم ، فداك أبي و أمّي ؟

فقال عليه السلام :

يَقْتُلُهُمْ إِخْوَانُ الْجِنِّ . وَ هُمْ [ 2 ] [ 6 ] قَوْمٌ [ 3 ] كَأَنَّهُمُ الشَّيَاطينُ ، سُودٌ أَلْوَانُهُمْ ، مُنْتِنَةٌ أَرْيَاحُهُمْ [ 4 ] ،

[ 5 ] من : يا أحنف إلى : النّعام ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 128 .

[ 6 ] من : أهلها قوم شديد إلى : سلبهم ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 102 .

[ 1 ] سبعون ألفا . ورد في البحار للمجلسي ( مجلد قديم ) ج 8 ص 416 . و نهج البلاغة الثاني للحائري ص 147 .

[ 2 ] ورد في المصدرين السابقين . و نج السعادة ج 1 ص 340 . و مصادر نهج البلاغة ج 1 ص 346 . باختلاف بين المصادر .

[ 3 ] جيل . ورد في البحار للمجلسي ( مجلد قديم ) ج 8 ص 416 .

[ 4 ] ورد في المصدر السابق .

[ 449 ]

شَديدٌ كَلَبُهُمْ ، قَليلٌ سَلَبُهُمْ ، طُوبى لِمَنْ قَتَلَهُمْ ، وَ طُوبى لِمَنْ قَتَلُوهُ [ 1 ] .

[ 6 ] كَأَنّي أَرَاهُمْ [ 2 ] قَوْماً كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ ، يَلْبَسُونَ السَّرَقَ وَ الدّيبَاجَ ،

وَ يَعْتَقِبُونَ الْخَيْلَ الْعِتَاقَ .

وَ يَكُونُ هُنَاكَ اسْتِحْرَارُ قَتْلٍ ، حَتَّى يَمْشِيَ الْمَجْرُوحُ عَلَى الْمَقْتُولِ ، وَ يَكُونَ الْمُفْلِتُ أَقَلَّ مِنَ الْمَأْسُورِ .

[ 7 ] فِتَنٌ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ ، لا تَقُومُ لَهَا قَائِمَةٌ ، وَ لا تُرَدُّ لَهَا رَايَةٌ ، تَأْتيكُمْ مَزْمُومَةً مَرْحُولَةً ،

يَحْفِزُهَا قَائِدُهَا ، وَ يَجْهَدُهَا رَاكِبُهَا . يُجَاهِدُهُمْ فِي اللَّهِ [ 3 ] قَوْمٌ أَذِلَّةٌ عِنْدَ الْمُتَكَبِّرينَ .

[ 8 ] أَلا بِأَبي وَ أُمّي هُمْ مِنْ عِدَّةٍ قَليلَةٍ [ 4 ] ، أَسْمَاؤُهُمْ فِي السَّمَاءِ مَعْرُوفَةٌ ، وَ فِي الأَرْضِ مَجْهُولَةٌ [ 5 ] .

تَبْكِي السَّمَاءُ عَلَيْهِمْ وَ سُكَّانُهَا ، وَ الأَرْضُ وَ سُكَّانُهَا .

قَدْ دَنَا حينَئِذٍ ظُهُورُهُمْ . إِذَا كَثُرَتْ فيكُمُ الأَخْلاطُ ، وَ اسْتَوْلَتِ الأَنْبَاطُ ، دَنَا خَرَابُ الْعِرَاقِ .

وَ ذَاكَ إِذَا بُنِيَتْ مَدينَةٌ ذَاتُ أَثْلٍ وَ أَنْهَارٍ .

فَإِذَا غَلَتْ فيهَا الأَسْعَارُ ، وَ شُيِّدَ فيهَا الْبُنْيَانُ ، وَ حَكَمَ فيهَا الْفُسَّاقُ ، وَ اشْتَدَّ الْبَلاءُ ، وَ تَفَاخَرَ الْغَوْغَاءُ ، دَنَا خَسْفُ الْبَيْدَاءِ ، وَ طَابَ الْهَرَبُ وَ الْجَلاءُ .

وَ سَتَكُونُ قَبْلَ الْجَلاءِ أُمُورٌ يَشيبُ مِنْهَا الصَّغيرُ ، وَ يَعْطَبُ الْكَبيرُ ، وَ يَخْرَسُ الْفَصيحُ ، وَ يُبْهَتُ اللَّبيبُ ، يُعَاجَلُونَ بِالسَّيْفِ صَلْتاً ، وَ قَدْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ في غَضَارَةٍ مِنْ عَيْشِهِمْ يَمْرَحُونَ .

فَيَا لَهَا مِنْ مُصيبَةٍ حينَئِذٍ مِنَ الْبَلاءِ الْعَقيمِ ، وَ الْبُكَاءِ الطَّويلِ ، وَ الْوَيْلِ وَ الْعَويلِ ، وَ شِدَّةِ الصَّريخِ ،

وَ فَنَاءٍ مَريجٍ .

ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ وَ هُوَ كَائِنٌ .

[ 6 ] من : كأنّي : إلى : المأسور ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 128 .

[ 7 ] من : فتن إلى : في السّماء معروفون ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 102 .

[ 8 ] من : ألا إلى : مجهولة ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 187 .

[ 1 ] ورد في البحار للمجلسي ( مجلد قديم ) ج 8 ص 416 .

[ 2 ] أنظر إليهم . ورد في نسخة ابن المؤدب ص 108 .

[ 3 ] ينفر لجهادهم في ذلك الزّمان . ورد في البحار للمجلسي ( مجلد قديم ) ج 8 ص 416 .

[ 4 ] ورد في

[ 5 ] في الأرض مجهولون ، و في السّماء معروفون . ورد في نسخ النهج برواية ثانية .

[ 450 ]

وَ الَّذي فَلَقَ الْحَبَّةَ ، وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ ، لَوْ أَشَاءُ لأَخْبَرْتُكُمْ بِخَرَابِ الْعَرَصَاتِ عَرْصَةً عَرْصَةً ، مَتى تَخْرَبُ ، وَ مَتى تَعْمُرُ بَعْدَ خَرَابِهَا إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَ إِنَّ عِنْدي مِنْ ذَلِكَ عِلْماً جَمّاً ، وَ إِنْ تَسْأَلُوني تَجِدُوني بِهِ عَالِماً ، لا أُخْطِئُ مِنْهُ عَلَماً وَ لا ذَا فَنَاءٍ .

وَ لَقَدِ اسْتُودِعْتُ عِلْمَ الْقُرُونِ الأُولى ، وَ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .

فَافْهَمْ عَنّي ، يَا مُنْذِرُ ، مَا نَبَّأْتُكَ بِهِ وَ لَمْ أَكْتُمْهُ عَنْ غَيْرِكَ . وَ اللَّهُ وَلِيُّ الاِحْسَانِ [ 1 ] .

فسأله رجل : عن [ 7 ] صفة الغوغاء .

فقال عليه السلام :

هُمُ الَّذينَ إِذَا اجْتَمَعُوا ضَرُّوا [ 2 ] ، وَ إِذَا تَفَرَّقُوا [ 3 ] نَفَعُوا [ 4 ] .

فقيل : قد عرفنا مضرّة اجتماعهم ، فما منفعة افتراقهم ؟ .

فقال عليه السلام :

يَرْجِعُ أَصْحَابُ الْمِهَنِ إِلى مِهَنِهِمْ فَيَنْتَفِعُ النَّاسُ بِهِمْ ، كَرُجُوعِ الْبَنَّاءِ إِلى بِنَائِهِ ، وَ النَّسَّاجِ [ 5 ] إِلى مَنْسَجِهِ ، وَ الْخَبَّازِ إِلى مَخْبَزِهِ .

[ 8 ] فقال له بعض أَصحابه : لقد أعطيت ، يا أمير المؤمنين ، علم الغيب .

فضحك عليه السلام و قال للرجل و كان كلبياً :

يَا أَخَا كَلْبٍ ، لَيْسَ هُوَ بِعِلْمِ غَيْبِ ، وَ إِنَّمَا هُوَ تَعَلُّمٌ مِنْ ذي عِلْمٍ .

وَ إِنَّمَا عِلْمُ الْغَيْبِ عِلْمُ السَّاعَةِ ، وَ مَا عَدَّدَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ : إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَ يَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَ مَا تَدْري نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَ مَا تَدْري نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [ 6 ] .

[ 7 ] من : صفة الغوغاء إلى : مخبزه ورد في حكم الشريف الرضي تحت الرقم 199 .

[ 8 ] من : فقال له إلى : جوانحي ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 128 .

[ 1 ] ورد في الفتوح ج 2 ص 488 . و شرح ابن أبي الحديد ج 6 ص 134 . و البحار ( مجلد قديم ) ج 8 ص 416 . و مصادر نهج البلاغة ج 1 ص 346 عن شرح ابن ميثم و ج 2 ص 479 عن صفين للمدائني . باختلاف بين المصادر .

[ 2 ] غلبوا . ورد في نسخ النهج برواية ثانية .

[ 3 ] افترقوا . ورد في المستطرف للأبشيهي ج 1 ص 156 .

[ 4 ] لم يعرفوا . ورد في نسخ النهج برواية ثانية .

[ 5 ] الحائك . ورد في الاختصاص للمفيد ص 113 .

[ 6 ] لقمان ، 34 .

[ 451 ]

فَيَعْلَمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَا فِي الأَرْحَامِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى ، وَ قَبيحٍ أَوْ جَميلٍ ، وَ سَخِيٍّ أَوْ بَخيلٍ ،

وَ شَقِيٍّ أَوْ سَعيدٍ ، وَ مَنْ يَكُونُ لِلنَّارِ حَطَباً ، أَوْ فِي الْجِنَانِ لِلنَّبِيّينَ مُرَافِقاً .

فَهذَا عِلْمُ الْغَيْبِ الَّذي لا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ إِلاَّ اللَّهُ .

وَ مَا سِوى ذَلِكَ فَعِلْمٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَعَلَّمَنيهِ ، وَ دَعَا لي بِأَنْ يَعِيَهُ صَدْري ، وَ تَضْطَمَّ عَلَيْهِ جَوَانِحي [ 1 ] .

[ 6 ] فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين ، أخبرنا عن الفتنة ، و هل سألت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عنها ؟ .

فقال عليه السلام :

نَعَمْ [ 2 ] ، إِنَّهُ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالى قَوْلَهُ : اَلم ، أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ 1 . عَلِمْتُ أَنَّ الْفِتْنَةَ لا تَنْزِلُ بِنَا وَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ حَيٌّ [ 4 ] بَيْنَ أَظْهُرِنَا .

فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا هذِهِ الْفِتْنَةُ الَّتي أَخْبَرَكَ اللَّهُ تَعَالى بِهَا ؟ .

فَقَالَ : يَا عَلِيُّ ، إِنَّ أُمَّتي سَيُفْتَنُونَ مِنْ بَعْدي .

[ وَ ] إِنَّ اللَّهَ قَدْ كَتَبَ عَلَيْكَ جِهَادَ الْمَفْتُونينَ ، كَمَا كَتَبَ عَلَيَّ جِهَادَ الْمُشْرِكينَ .

فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، بِأَبي أَنْتَ وَ أُمّي ، مَا هذِهِ الْفِتْنَةُ الَّتي كُتِبَ عَلَيَّ فيهَا الْجِهَادُ ؟ .

قَالَ : فِتْنَةُ قَوْمٍ يَشْهَدُونَ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَ أَنّي رَسُولُ اللَّهِ وَ هُمْ مُخَالِفُونَ لِلسُّنَّةِ .

فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَعَلامَ أُقَاتِلُهُمْ وَ هُمْ يَشْهَدُونَ كَمَا أَشْهَدُ ؟ .

قَالَ : عَلَى الإِحْدَاثِ فِي الدّينِ ، وَ مُخَالَفَةِ الأَمْرِ [ 5 ] .

فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَ وَ لَيْسَ قَدْ قُلْتَ لي يَوْمَ أُحُدٍ ، حَيْثُ اسْتُشْهِدَ مَنِ اسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمينَ ،

[ 6 ] من : فقام إليه رجل إلى : من بعدي . و من فقلت إلى : من ورائك ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 156 .

[ 1 ] جوارحي . ورد في

[ 2 ] ورد في كنز العمال للهندي ج 16 ص 193 . و نهج السعادة للمحمودي ج 1 ص 396 .

-----------
( 1 ) العنكبوت ، 2 .

[ 4 ] ورد في كنز العمال ج 16 ص 193 . و نهج السعادة ج 1 ص 396 . و مصباح البلاغة ج 1 ص 23 عن منتخب كنز العمال .

[ 5 ] ورد في أمالي الطوسي ص 64 . و شرح ابن ميثم ج 3 ص 265 . و مناقب آل أبي طالب ج 3 ص 252 . و كفاية الطالب ص 169 .

و كنز العمال ج 16 ص 193 . و مصادر نهج البلاغة ج 2 ص 359 . باختلاف بين المصادر .

[ 452 ]

وَ حيزَتْ عَنِّي الشَّهَادَةُ ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيَّ ، فَوَعَدْتَنِي الشَّهَادَةَ وَ [ 1 ] قُلْتَ لي : أَبْشِرْ ، يَا صِدّيقُ [ 2 ] ، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ وَرَائِكَ ؟ .

فَقُلْتُ : فَاسْأَلِ اللَّهَ أَنْ يُعَجِّلَهَا لي بَيْنَ يَدَيْكَ [ 3 ] .

[ 11 ] فَقَالَ لي : فَمَنْ يُقَاتِلُ النَّاكِثينَ ، وَ الْقَاسِطينَ ، وَ الْمَارِقينَ ؟ .

أَمَا إِنّي وَعَدْتُكَ الشَّهَادَةَ وَ [ 4 ] إِنَّ ذَلِكَ لَكَذلِكَ .

وَ سَتَشْهَدُ تُضْرَبُ عَلى هذَا ( وَ أَشار إلى رأسه ) فَتُخْضَبُ هذِهِ ( و أشار إلى لحيته ) [ 5 ] .

فَكَيْفَ صَبْرُكَ إِذَنْ ؟ .

فَقُلْتُ : بِأَبي أَنْتَ وَ أُمّي [ 6 ] ، يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَيْسَ هذَا مِنْ مَوَاطِنِ الصَّبْرِ ، وَ لكِنْ مِنْ مَوَاطِنِ الْبُشْرى وَ الشُّكْرِ .

فَقَالَ : يَا عَلِيُّ ، أَعِدَّ نَفْسَكَ لِلْخُصُومَةِ فَإِنَّكَ بَاقٍ بَعْدي ، وَ مُبْتَلىً بِأُمَّتي ، وَ مُخَاصِمُ بَيْنَ يَدَي اللَّهِ تَعَالى .

فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَوْ بَيَّنْتَ لي قَليلاً .

فَقَالَ : يَا عَلِيُّ [ 7 ] ، إِنَّ الْقَوْمَ سَيُفْتَنُونَ بَعْدي ، وَ يَفْتَخِرُونَ بِأَحْسَابِهِمْ وَ [ 8 ] أَمْوَالِهِمْ ، وَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ [ 9 ] ، وَ يَمُنُّونَ بِدينِهِمْ عَلى رَبِّهِمْ .

وَ يَتَمَنَّوْنَ رَحْمَتَهُ ، وَ يَأْمَنُونَ سَطْوَتَهُ ، فَيُأَوِّلُونَ الْقُرْآنَ ، وَ يَعْمَلُونَ بِالرَّأْيِ ، وَ يُحَرِّفُونَ الْكِتَابَ عَنْ مَوَاضِعِهِ [ 10 ] ، وَ يَسْتَحِلُّونَ حَرَامَهُ بِالشُّبُهَاتِ الْكَاذِبَةِ وَ الأَهْوَاءِ السَّاهِيَةِ ، فَيَسْتَحِلُّونَ الْخَمْرَ

[ 11 ] من : فقال لي إنّ ذلك لكذلك فكيف صبرك إلى : يا عليّ . و من : إنّ القوم إلى : بالبيع ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 156 .

[ 1 ] ورد في شرح نهج البلاغة لابن ميثم ج 3 ص 265 . و مصادر نهج البلاغة للخطيب ج 2 ص 359 .

[ 2 ] ورد في المصدرين السابقين . و كنز العمال ج 16 ص 193 . و نهج السعادة ج 1 ص 396 . و مصباح البلاغة ج 1 ص 23 عن منتخب كنز العمال .

[ 3 ] ورد في شرح نهج البلاغة لابن ميثم ج 3 ص 265 . و مصادر نهج البلاغة للخطيب ج 2 ص 359 .

[ 4 ] ورد في المصدرين السابقين .

[ 5 ] ورد في مصباح البلاغة ج 1 ص 23 عن منتخب كنز العمال . باختلاف يسير .

[ 6 ] ورد في المصدر السابق . و كنز العمال للهندي ج 16 ص 193 . و نهج السعادة للمحمودي ج 1 ص 396 . باختلاف يسير .

[ 7 ] ورد في المصادر السابقة . و شرح ابن ميثم ج 3 ص 265 . و مناقب آل أبي طالب ج 3 ص 236 . باختلاف .

[ 8 ] ورد في كنز العمال ج 16 ص 193 . و نهج السعادة ج 1 ص 396 . و مصباح البلاغة ج 1 ص 25 عن منتخب كنز العمال .

[ 9 ] ورد في المصادر السابقة .

[ 10 ] ورد في شرح نهج البلاغة لابن ميثم ج 3 ص 265 . و مصادر نهج البلاغة للخطيب ج 2 ص 359 . باختلاف يسير .

[ 453 ]

بِالنَّبيذِ ، وَ السُّحْتَ بِالْهَدِيَّةِ ، وَ الرِّبَا بِالْبَيْعِ ، وَ يَمْنَعُونَ الزَّكَاةَ وَ يَطْلُبُونَ الْبِرَّ ، وَ يَتَّخِذُونَ فيمَا بَيْنَ ذَلِكَ أَشْيَاءَ مِنَ الْفِسْقِ لاَ يُوصَفُ صِفَتُهَا .

وَ تَغْلِبُ كَلِمَةُ الضُّلاَّلِ ، وَيَلي أَمْرَهُمُ السُّفَهَاءُ ، وَ يَكْثُرُ تَتَبُّعُهُمْ عَلَى الْجَوَرِ وَ الْخَطَأِ ، فَيَصيرُ الْحَقُّ عِنْدَهُمْ بَاطِلاً ، وَ الْبَاطِلُ حَقّاً ، فَيَتَعَاوَنُونَ عَلَيْهِ ، وَ يَعيبُونَ الْعُلَمَاءَ وَ يَتَّخِذُونَهُمْ سُخْرِيّاً .

فَكُنْ حِلْسَ بَيْتِكَ حَتَّى تَقَلَّدَهَا . فَإِذَا قُلِّدْتَهَا جَاشَتْ عَلَيْكَ الصُّدُورُ ، وَ قُلِّبَتْ لَكَ الأُمُورُ ، فَقَاتِلْ حينَئِذٍ عَلى تَأْويلِ الْقُرْآنِ كَمَا قَاتَلْتُ عَلى تَنْزيلِهِ ، فَلَيْسَتْ حَالُهُمُ الثَّانِيَةُ دُونَ حَالِهِمُ الأُولى [ 1 ] .

[ 3 ] فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَبِأَيِّ الْمَنَازِلِ أُنْزِلُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ ، أَبِمَنْزِلَةِ رِدَّةٍ ، أَمْ بِمَنْزِلَةِ فِتْنَةٍ ؟ .

فَقَالَ : بِمَنْزِلَةِ فِتْنَةٍ ، يَعْمَهُونَ فيهَا إِلى أَنْ يُدْرِكَهُمُ الْعَدْلُ ، إِلاَّ أَنْ يَدَعُوا الصَّلاَةَ ، وَ يَسْتَحِلُّوا الْحَرَامَ في حَرَمِ اللَّهِ . فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَهُوَ كَافِرٌ .

فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُدْرِكُهُمُ الْعَدْلُ مِنَّا أَمْ مِنْ غَيْرِنَا ؟ .

قَالَ : بَلْ مِنَّا أَهُلَ الْبَيْتِ ،

يَا عَلِيُّ ، بِنَا فَتَحَ اللَّهُ الإِسْلاَمَ ، وَ بِنَا يَخْتِمُ اللَّهُ [ 2 ] .

بِنِا أَهْلَكَ اللَّهُ الأَوْثَانَ وَ مَنْ يَعْبُدُهَا ، وَ بِنَا يَقْصِمُ كُلَّ جَبَّارٍ وَ كُلَّ مُنَافِقٍ . حَتَّى إِنَّا لَنَقْتُلُ فِي الْحَقِّ مِثْلَ مَنْ قُتِلَ فِي الْبَاطِلِ .

وَ بِنَا أَلَّفَ اللَّهُ بَيْنَ الْقُلُوبِ بَعْدَ عَدَاوَةِ الشِّرْكِ ، وَ بِنَا يُؤَلِّفُ اللَّهُ بَيْنَ الْقُلُوبِ فِي الدّينِ بَعْدَ عَدَاوَةِ الْفِتْنَةِ ، وَ بِنَا يُسْتَنْقَذُونَ مِنْ ضَلاَلَةِ الْفِتْنَةِ كَمَا اسْتُنْقِذُوا مِنْ ضَلاَلَةِ الشِّرْكِ .

يَا عَلِيُّ ، إِنَّمَا مَثَلُ هذِهِ الأُمَّةِ مَثَلُ حَديقَةٍ أَطْعَمَ مِنْهَا فَوْجٌ عَاماً ، ثُمَّ فَوْجٌ عَاماً ، ثُمَّ فَوْجٌ عَاماً ،

فَلَعَلَّ آخِرَهَا فَوْجاً أَنْ يَكُونَ أَثْبَتَهَا أَصْلاً ، وَ أَحْسَنَهَا فَرْعاً ، وَ أَمَدَّهَا ظِلاً ، وَ أَحْلاهَا جَناً ، وَ أَكْثَرَهَا خَيْراً ، وَ أَوْسَعَهَا عَدْلاً ، وَ أَطْوَلَهَا مُلْكاً .

يَا عَلِيُّ ، إِنَّمَا مَثَلُ هذِهِ الأُمَّةِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ ، لا يُدْرى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ . وَ بَيْنَ ذَلِكَ نَهْجٌ أَعْوَجُ لَسْتُ مِنْهُ وَ لَيْسَ مِنّي

[ 3 ] من : فقلت إلى : بمنزلة فتنة ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 156 .

[ 1 ] ورد في شرح ابن ميثم ج 3 ص 265 . و كنز العمال ج 16 ص 195 . و نهج السعادة ج 1 ص 401 . و مصادر نهج البلاغة ج 2 ص 259 . و مصباح البلاغة ج 1 ص 25 عن منتخب كنز العمال . باختلاف يسير .

[ 2 ] بنا يختم الدّين كما بنا فتح . ورد في الملاحم و الفتن لابن طاووس ص 85 . و شرح ابن ميثم ج 3 ص 265 . باختلاف .

[ 454 ]

فَقُلْتُ : الْحَمْدُ للَّهِ عَلى مَا وَهَبَ لَنَا مِنْ فَضْلِهِ .

فقال له رجل :

يا علي ، ما السبب الذي دعا عائشة إلى المظاهرة عليك ، حتى بلغت من خلافك و شقاقك ما بلغت ، و هي امرأة من النساء ، لم يكتب عليها القتال ، و لا فرض عليها الجهاد ، و لا رخّص لها بالخروج من بيتها ، و لا التبرّج بين الرجال ؟ .

فقال عليه السلام :

سَأَذْكُرُ لَكَ أَشْيَاءَ حَقَدَتْهَا عَلَيَّ ، وَ لَيْسَ لي في وَاحِدٍ مِنْهَا ذَنْبٌ إِلَيْهَا ، وَ لكِنَّهَا تَجَرَّمَتْ عَلَيَّ :

أَحَدُهَا تَفْضيلُ رَسُولِ اللَّهِ لي عَلى أَبيهَا ، وَ تَقْديمُهُ إِيَّايَ في مَوَاطِنِ الْخَيْرِ عَلَيْهِ . فَكَانَتْ تَضْطَغِنُ ذَلِكَ ، وَ يَصْعُبُ عَلَيْهَا ، وَ [ هِيَ ] تَعْرِفُهُ مِنْهُ ، وَ تَتَّبِعُ رَأْيَهُ فيهِ .

وَ ثَانيهَا : لَمَّا آخى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ ، آخى بَيْنَ أَبيهَا وَ عُمَرَ ابْنَ الْخَطَّابِ ، وَ اخْتَصَّني بِأُخُوَّتِهِ ، فَغَلُظَ ذَلِكَ عَلَيْهَا وَ حَسَدَتْني لِسَعْدي مِنْهُ .

وَ ثَالِثُهَا : إِنَّهُ لَمَّا أَوْصى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ بِسَدِّ أَبْوَابٍ كَانَتْ فِي الْمَسْجِدِ لِجَميعِ أَصْحَابِهِ إِلاَّ بَابي ، فَلَمَّا سَدَّ بَابَ أَبيهَا وَ صَاحِبَهُ ، وَ تَرَكَ بَابِيَ مَفْتُوحاً فِي الْمَسْجِدِ ، تَكَلَّمَ في ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِهِ .

فَقَالَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : مَا أَنَا سَدَدْتُ أَبْوَابَكُمْ وَ فَتَحْتُ بَابَ عَلِيٍّ ، بَلِ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ سَدَّ أَبْوَابَكُمْ وَ فَتَحَ بَابَهُ .

فَغَضِبَ لِذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَ عَظُمَ عَلَيْهِ ، وَ تَكَلَّمَ في أَهْلِهِ بِشَيْ‏ءٍ سَمِعَتْهُ مِنْهُ ابْنَتُهُ ، فَاضْطَغَنَتْهُ عَلَيَّ .

وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَعْطى‏ أَبَاهَا الرَّايَةَ يَوْمَ خَيْبَرَ ، وَ أَمَرَهُ أَنْ لا يَرْجِعَ حَتَّى يَفْتَحَ أَوْ يُقْتَلَ . فَلَمْ يَلْبَثْ لِذَلِكَ وَ انْهَزَمَ .

فَأَعْطَاهَا فِي الْغَدِ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَ أَمَرَهُ بِمِثْلِ مَا أَمَرَ صَاحِبَهُ . فَانْهَزَمَ وَ لَمْ يَلْبَثْ .

فَسَاءَ رَسُولَ اللَّهِ ذَلِكَ ، وَ قَالَ لَهُمْ ظَاهِراً مُعْلِناً : « لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَداً رَجُلاً يُحِبُّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ ،

وَ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ ، كَرَّاراً غَيْرَ فَرَّارٍ ، لا يَرْجِعُ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلى يَدِهِ » .

فَأَعْطَانِيَ الرَّايَةَ . فَصَبَرْتُ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلى يَدَيَّ .

فَغَمَّ ذَلِكَ أَبَاهَا وَ أَحْزَنَهُ ، فَاضْطَغَنَهُ عَلَيَّ ، وَ مَالي إِلَيْهِ ذَنْبٌ في ذَلِكَ ، فَحَقَدَتْ لِحِقْدِ أَبيهَا .

وَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَبَاهَا لِيُؤَدِّيَ سُورَةَ بَرَاءَةَ ، وَ أَمَرَهُ أَنْ يَنْبِذَ الْعَهْدَ لِلْمُشْرِكينَ . فَمَضى حَتَّى الْجُرُفِ . فَأَوْحَى اللَّهُ إِلى نَبِيِّهِ أَنْ يَرُدَّهُ وَ يَأْخُذَ مِنْهُ الآيَاتِ فَيُسَلِّمَهَا إِلَيَّ .

[ 455 ]

فَعَرَفَ أَبَاهَا بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ .

وَ كَانَ فيمَا أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَيْهِ : أَنَّهُ لا يُؤَدّي عَنْكَ إِلاَّ رَجُلٌ مِنْكَ . وَ كُنْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ،

وَ كَانَ مِنّي .

فَاضْطَغَنَ لِذَلِكَ عَلَيَّ أَيْضاً ، وَ اتَّبَعَتْهُ عَائِشَةُ في رَأْيِهِ .

وَ كَانَتْ عَائِشَةُ تَمْقُتُ خَديجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ ، وَ تَشْنَؤُهَا شَنَآنَ الضَّرَائِرِ ، وَ كَانَتْ تَعْرِفُ مَكَانَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَيَثْقُلُ ذَلِكَ عَلَيْهَا .

وَ تَعَدَّى مَقْتُهَا إِلَى ابْنَتِهَا فَاطِمَةَ ، فَتَمْقُتُني وَ تَمْقُتُ فَاطِمَةَ وَ خَديجَةَ . وَ هذَا مَعْرُوفٌ فِي الضَّرَائِرِ .

وَ لَقَدْ دَخَلْتُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ذَاتَ يَوْمٍ وَ عِنْدَهُ أَنَاسٌ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الْحِجَابُ عَلى أَزْوَاجِهِ ، وَ كَانَتْ عَائِشَةُ بِقُرْبٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ، فَلَمَّا رَآني رَحَّبَ بي ، وَ قَالَ : ادْنُ مِنّي ، يَا عَلِيُّ .

وَ لَمْ يَزَلْ يُدْنيني حَتى أَجْلَسَني بَيْنَهُ وَ بَيْنَهَا [ 1 ] .

فَغَلُظَ ذَلِكَ عَلَيْهَا . فَأَقْبَلَتْ إِلَيَّ وَ قَالَتْ ، بِسُوءِ رَأْيِ النِّسَاءِ ، وَ تَسَرُّعِهِنَّ إِلَى الْخِطَابِ : مَا وَجَدْتَ لإِسْتِكَ ، يَا عَلِيُّ ، مَوْضِعاً غَيْرَ مَوْضِعي هذَا ؟ .

فَزَبَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ، وَ قَالَ لَهَا : « أَ لِعَلِيٍّ تَقُولينَ هذَا ؟ [ 2 ] . إِنَّهُ ، وَ اللَّهِ ، أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بي وَ صَدَّقَني ، وَ أَوَّلُ الْخَلْقِ وُرُوداً عَلَيَّ الْحَوْضَ ، وَ هُوَ آخِرُ النَّاسِ بي عَهْداً . لا يُبْغِضُهُ أَحَدٌ إِلاَّ أَكَبَّهُ اللَّهُ عَلى مِنْخَرِهِ فِي النَّارِ » .

فَازْدَادَتْ بِذَلِكَ غَيْظاً عَلَيَّ .

وَ لَمَّا رُمِيَتْ بِمَا رُمِيَتْ ، إِشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ ، فَاسْتَشَارَني في أَمْرِهَا . فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، سَلْ جَارِيَتَهَا بَريرَة ، وَ اسْتَبْرِئِ الْحَالَ مِنْهَا ، فَإِنْ وَجَدْتَ عَلَيْهَا شَيْئاً فَخَلِّ سَبيلَهَا ، فَالنِّسَاءُ كَثيرَةٌ .

فَأَمَرَني أَنْ أَتَوَلَّى مَسْأَلَةَ بَريرَةَ ، وَ أَنْ أَسْتَبْرِئَ الْحَالَ مِنْهَا . فَفَعَلْتُ ذَلِكَ . فَحَقَدَتْ عَلَيَّ .

وَ اللَّهِ مَا أَرَدْتُهَا بِسُوءٍ ، لكِنّي نَصَحْتُ للَّهِ وَ لِرَسُولِهِ .

وَ أَمْثَالُ مَا ذَكَرْتُ كَثيرَةٌ .

فَإِنْ شِئْتُمْ فَاسْأَلُوهَا : مَا الَّذي نَقَمَتْ عَلَيَّ حَتَّى خَرَجَتْ مَعَ النَّاكِثينَ لِبَيْعَتي ، وَ سَفَكَتْ دِمَاءَ شيعَتي ، وَ تَظَاهَرَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمينَ بِعَدَاوَتي . هَلْ حَمَلَهَا عَلى ذَلِكَ شَيْ‏ءٌ إِلاَّ الْبَغْيُ وَ الشِّقَاقُ ، وَ الْمَقْتُ

[ 1 ] فأشار بيده أن اجلس بيني و بين عائشة . ورد في خصائص الأئمة للرضي ص 67 .

[ 2 ] ماذا تريدين من أمير المؤمنين . ورد في المصدر السابق .

[ 456 ]

لي بِغَيْرِ سَبَبٍ يُوجِبُ ذَلِكَ فِي الدّينِ ؟ . وَ اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ .

ثم قال عليه السلام :

يَا أَهْلَ الْبَصْرَةِ ، إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ لأَحَدٍ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمينَ خِطَّةَ شَرَفٍ وَ لا كَرَمٍ إِلاَّ وَ قَدْ جَعَلَ فيكُمْ أَفْضَلَ ذَلِكَ ، وَ زَادَكُمْ مِنْ فَضْلِهِ بِمَنِّهِ مَا لَيْسَ لَهُمْ . سَخَّرَ لَكُمُ الْمَاءَ يَغْدُو عَلَيْكُمْ وَ يَرُوحُ صَلاحاً لِمَعَاشِكُمْ ، وَ الْبَحْرَ سَبَباً لِكَثْرَةِ أَمْوَالِكُمْ .

فَلَوْ صَبَرْتُمْ وَ اسْتَقَمْتُمْ لَكَانَتْ شَجَرَةُ طُوبى لَكُمْ مَقيلاً وَ ظِلاً ظَليلاً .

غَيْرَ أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ فيكُمْ مَاضٍ ، وَ قَضَاؤُهُ نَافِذٌ ، لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ، وَ هُوَ سَريعُ الْحِسَابِ .

يَقُولُ اللَّهُ : وَ إِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَديداً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً 1 .

وَ أُقْسِمُ لَكُمْ ، يَا أَهْلَ الْبَصْرَةِ ، مَا الَّذي ابْتَدَأْتُكُمْ بِهِ مِنَ التَّوْبيخِ إِلاَّ تَذْكيراً وَ مَوْعِظَةً لِمَا بَعْدُ ،

لِكَيْلا تُسْرِعُوا إِلَى الْوُثُوبِ في مِثْلِ الَّذي وَثَبْتُمْ .

وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ : وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنينَ 2 .

وَ لاَ الَّذي ذَكَرْتُ فيكُمْ مِنَ الْمَدْحِ وَ التَّطْرِيَةِ بَعْدَ التَّذْكيرِ وَ الْمَوْعِظَةِ رَهْبَةً مِنّي لَكُمْ ، وَ لا رَغْبَةً في شَيْ‏ءٍ مِمَّا قِبَلَكُمْ ، فَإِنّي لا أُريدُ الْمُقَامَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ .

فَحَتَّى مَتى يَلْحَقُ بِيَ اللَّوَاحِقُ ؟ .

لَقَدْ عَلِمْتُ مَا فَوْقَ الْفِرْدَوْسِ الأَعْلى ، وَ مَا تَحْتَ السَّابِعَةِ السُفْلى ، وَ مَا فِي السَّموَاتِ الْعُلى ، وَ مَا بَيْنَهُمَا وَ مَا تَحْتَ الثَّرى . كُلُّ ذَلِكَ عَلْمُ إِحَاطَةٍ لاَ عِلْمُ إِخْبَارٍ .

ثم قال عليه السلام :

اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الْكَريمِ فِي الْحَسَبِ ، الرَّفيعِ فِي النَّسَبِ ، سَليلِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَ سَيِّدِ الْعَجَمِ وَ الْعَرَبِ ، وَ سَلِّمْ تَسْليماً كَثيراً .

ثم نزل عليه السلام عن المنبر و أمر أصحابه بالرحيل إلى الكوفة [ 3 ] .

-----------
( 1 ) الإسراء ، 58 .

-----------
( 2 ) الذاريات ، 55 .

[ 3 ] ورد في كتاب الفتوح ج 2 ص 488 . و خصائص الأئمة ص 67 . و أمالي الطوسي ص 64 . و الملاحم و الفتن ص 85 . و كنز العمال ج 14 ص 598 ، و ج 16 ص 195 و 196 . و مختصر البصائر ص 203 . و البحار ( مجلد قديم ) ج 8 ص 416 و 423 . و شرح الخطبة التطنجية . و نور الأبصار ص 188 . و نهج السعادة للمحمودي ج 1 ص 402 . و مصادر نهج البلاغة ج 1 ص 346 .

باختلاف بين المصادر .

[ 457 ]