كتاب له عليه السلام ( 52 ) إِلى معاوية يعِظه فيه

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَميرِ الْمُؤْمِنينَ إِلى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبي سُفْيَانَ .

أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ الدُّنْيَا دَارُ تِجَارَةٍ رِبْحُهَا أَوْ خَسْرُهَا الآخِرَةُ ، فَالسَّعيدُ مَنْ كَانَتْ بِضَاعَتُهُ فيهَا الأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ ، وَ مَنْ رَأَى الدُّنْيَا بِعَيْنِهَا ، وَ قَدَّرَهَا بِقَدَرِهَا .

وَ إِنّي لأَعِظُكَ مَعَ عِلْمي بِسَابِقِ الْعِلْمِ فيكَ مِمَّا لاَ مَرَدَّ لَهُ دُونَ نَفَاذِهِ ، وَ لكِنَّ اللَّهَ تَعَالى أَخَذَ عَلَى الْعُلَمَاءِ أَنْ يُؤَدُّوا الأَمَانَةَ ، وَ أَنْ يَنْصَحُوا الْغَوِيَّ وَ الرَّشيدَ .

فَاتَّقِ اللَّهَ ، وَ لاَ تَكُنْ مِمَّنْ لاَ يَرْجُو للَّهِ وَقَاراً ، وَ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ ، فَإِنَّ اللَّهَ لَهُ بِالْمِرْصَادِ .

وَ إِنَّ دُنْيَاكَ سَتُدْبِرُ عَنْكَ ، وَ سَتَعُودُ حَسْرَةً عَلَيْكَ ، فَأَقْلِعْ عَمَّا أَنْتَ عَلَيْهِ مِنَ الْغَيِّ وَ الضَّلاَلِ ، عَلى كِبَرِ سِنِّكَ ، وَ فَنَاءِ عُمُرِكَ .

[ 1 ] متطلّبة . ورد في نسخة العام 400 الموجودة في المكتبة الظاهرية ص 352 .

[ 2 ] الدخان ، 41 . و وردت الفقرة في شرح ابن أبي الحديد ج 16 ص 7 . و البحار ( مجلد قديم ) ج 8 ص 500 . و منهاج البراعة ج 19 ص 376 . و مصادر نهج البلاغة ج 3 ص 282 . و نهج البلاغة الثاني ص 226 .

[ 838 ]

فَإِنَّ حَالَكَ الْيَوْمَ كَحَالِ الثَّوْبِ الْمَهيلِ الَّذي لاَ يَصْلُحُ مِنْ جَانِبٍ إِلاَّ فَسَدَ مِنْ جَانِبٍ آخَرٍ [ 1 ] .

[ 3 ] وَ قَدْ أَرْدَيْتَ جيلاً مِنَ النَّاسِ كَثيراً ، خَدَعْتَهُمْ بِغَيِّكَ ، وَ أَلْقَيْتَهُمْ في مَوْجِ بَحْرِكَ ، تَغْشَاهُمُ الظُّلُمَاتُ ، وَ تَتَلاَطَمُ بِهِمُ الشُّبُهَاتُ .

فَجَارُوا [ 2 ] عَنْ وِجْهَتِهِمْ ، وَ نَكَصُوا عَلى أَعْقَابِهِمْ ، وَ تَوَلَّوْا عَلى أَدْبَارِهِمْ ، وَ عَوَّلُوا عَلى أَحْسَابِهِمْ .

إِلاَّ مَنْ فَاءَ مِنْ أَهْلِ الْبَصَائِرِ ، فَإِنَّهُمْ فَارَقُوكَ بَعْدَ مَعْرِفَتِكَ ، وَ هَرَبُوا إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ مِنْ مُوَازَرَتِكَ ، إِذْ حَمَلْتَهُمْ عَلَى الصَّعْبِ ، وَ عَدَلْتَ بِهِمْ عَنِ الْقَصْدِ .

فَاتَّقِ اللَّهَ ، يَا مُعَاوِيَةُ ، في نَفْسِكَ ، وَ جَاذِبِ الشَّيْطَانَ قِيَادَكَ ، فَإِنَّ الدُّنْيَا مُنْقَطِعَةٌ عَنْكَ ، وَ الآخِرَةَ قَريبَةٌ مِنْكَ . وَ السَّلاَمُ .