و عتبهما عليه لترك مشورتهما في الأحكام قالا له : إنّا أتينا عمّالك على قسمة الفيء ، فأعطوا كل واحد منّا مثل ما أعطوا سائر الناس .
فقال عليه السلام :
وَ مَا تُريدَانِ ؟ .
فقالا : ليس كذلك كان يعطينا عمر .
فقال عليه السلام :
أَيُّهُمَا أَفْضَلُ عِنْدَكُمَا ، أَبُو بَكْرٍ أَوْ عُمَرُ ؟ .
قالا : أبو بكر أفضل .
فقال عليه السلام :
هذَا قَسْمُ أَبي بَكْرٍ .
وَ إِلاَّ فَدَعُوا أَبَا بَكْرٍ وَ غَيْرَهُ ، فَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ يُعْطيكُمَا ؟ .
فسكتا .
[ 2 ] من : إنّ إلى : أفواههم ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 232 .
[ 1 ] ورد في غرر الحكم للآمدي ج 1 ص 270 .
[ 635 ]
فقال عليه السلام :
أَلَيْسَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ يُقَسِّمُ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَ الْمُسْلِمينَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ ؟ .
قالا : نعَم .
فقال عليه السلام :
أَفَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ أَوْلى بِالاِتِّبَاعِ عِنْدَكُمَا أَمْ سُنَّةُ عُمَرٍ ؟ .
قالا : بل سنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم ، و لكن ، يا أمير المؤمنين ، لنا سابقة و غناء و قرابة . فإن رأيت أن لا تسوّينا بالناس فافعل .
فقال عليه السلام :
سَابِقَتُكُمَا أَسْبَقُ أَم سَابِقَتي ؟ .
قالا : سابقتك .
فقال عليه السلام :
فَغَنَاؤُكُمَا أَعْظَمُ أَمْ غَنَائي ؟ .
قالا : بل أنت يا أمير المؤمنين أعظم غناءً .
فقال عليه السلام :
فَقَرَابَتُكُمَا إِلى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ أَقْرَبُ أَمْ قَرَابَتي ؟ .
قالا : قرابتك .
فقال عليه السلام :
فَوَ اللَّهِ مَا أَنَا وَ أَجيري هذَا ( و أومى بيده إلى أجير كان يعمل بين يديه ) في هذَا الْمَالِ إِلاَّ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ ، عَلى مَا عَهِدْتُ وَ عَهِدْتُمَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَوَاتُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ، وَ سُنَّتُهُ أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعُ مِنْ أَنْ يُتَّبَعَ مَنْ خَالَفَهَا بَعْدَهُ [ 1 ] .
ثم قال عليه السلام مخاطباً إيّاهما بعد ما اتهماه بالاستئثار بالحكم و القسم :
[ 4 ] لَقَدْ نَقَمْتُمَا يَسيراً ، وَ أَرْجَأْتُمَا [ 2 ] كَثيراً ، فَاسْتَغْفِرَا اللَّهَ يَغْفِرْ لَكُمَا [ 3 ] .
[ 4 ] من : لقد نقمتما إلى : عتبى ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 205 .
[ 1 ] ورد في دعائم الإسلام ج 1 ص 384 . و شرح الأخبار ج 1 ص 374 . و مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 128 . و البحار ( مجلد قديم ) ج 8 ص 370 و 371 و 389 . باختلاف بين المصادر .
[ 2 ] أرحلتما . ورد في نسخة الأسترابادي ص 334 .
[ 3 ] ورد في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 7 ص 41 .
[ 636 ]
أَلاَ تُخْبِرَاني ، أَيُّ شَيْءٍ كَانَ لَكُمَا فيهِ حَقُّ دَفَعْتُكُمَا عَنْهُ ؟ .
أَمْ أَيُّ قَسْمٍ اسْتَأْثَرْتُ لِنَفْسي [ 1 ] عَلَيْكُمَا بِهِ ؟ .
أَمْ أَيُّ حُكْمٍ أَوْ حَقٍّ رَفَعَهُ إِلَيَّ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمينَ ضَعُفْتُ عَنْهُ أَوْ جَهِلْتُهُ أَوْ أَخْطَأْتُ بَابَهُ ؟ .
أَمَّا مَا ذَكَرْتُمَا مِنَ الاِسْتئثَارِ ، فَ [ 2 ] وَ اللَّهِ مَا كَانَتْ لي فِي الْخِلاَفَةِ رَغْبَةٌ ، وَ لاَ فِي الْوِلاَيَةِ إِرْبَةٌ ،
وَ لكِنَّكُمْ دَعَوْتُمُوني إِلَيْهَا وَ حَمَلْتُمُوني عَلَيْهَا فَخِفْتُ أَنْ أَرُدَّكُمْ فَتَخْتَلِفَ الأُمَّةُ [ 3 ] .
فَلَمّا أَفْضَتْ إِلَيَّ نَظَرْتُ إِلى كِتَابِ اللَّهِ وَ مَا وَضَعَ لَنَا وَ أَمَرَنَا بِالْحُكْمِ بِهِ فَاتَّبَعْتُهُ ، وَ مَا اسْتَنَّ [ 4 ] النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَاقْتَدَيْتُهُ ، فَلَمْ أَحْتَجْ في ذَلِكَ إِلى رَأْيِكُمَا وَ لاَ رَأْيِ غَيْرِكُمَا ، وَ لاَ وَقَعَ [ 5 ] حُكْمٌ جَهِلْتُهُ لَيْسَ في كِتَابِ اللَّهِ بَيَانُهُ ، وَ لاَ فِي السُّنَّةِ بُرْهَانُهُ [ 6 ] ، فَأَسْتَشيرَكُمَا وَ إِخْوَانِيَ مِنَ الْمُسْلِمينَ . وَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ أَرْغَبْ عَنْكُمَا وَ لاَ عَنْ غَيْرِكُمَا .
وَ أَمَّا مَا ذَكَرْتُمَا مِنْ أَمْرِ الْقَسْمِ وَ [ 7 ] الأُسْوَةِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ لَمْ أَحْكُمْ أَنَا فيهِ بِرَأْيي ، وَ لاَ وَليتُهُ هَوىً مِنّي ، بَلْ وَجَدْتُ أَنَا وَ أَنْتُمَا مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ [ 8 ] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ ، فَلَمْ أَحْتَجْ إِلَيْكُمَا فيمَا قَدْ فَرَغَ اللَّهُ تَعَالى مِنْ قَسْمِهِ ، وَ أَمْضى فيهِ حُكْمَهُ ، وَ كِتَابُ اللَّهِ نَاطِقٌ بِهِ ، وَ هُوَ الْكِتَابُ الَّذي لاَ يَأْتيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزيلٌ مِنْ حَكيمٍ حَميدٍ [ 9 ] .
فَلَيْسَ لَكُمَا ، وَ اللَّهِ ، عِنْدي وَ لاَ لِغَيْرِكُمَا في هذَا عُتْبى .
وَ أَمَّا قَوْلُكُمَا : جَعَلْتَ فَيْئَنَا وَ مَا أَفَاءَتْهُ سُيُوفُنَا وَ رِمَاحُنَا سَوَاءً بَيْنَنَا وَ بَيْنَ غَيْرِنَا ، فَقَديماً سَبَقَ إِلَى الإِسْلاَمِ قَوْمٌ وَ نَصَرُوهُ بِسُيُوفِهِمْ وَرِمَاحِهِمْ ، فَلاَ فَضَّلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِي الْقَسْمِ ، وَ لاَ آثَرَهُمْ بِالسَّبْقِ .
[ 1 ] ورد في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 7 ص 41 .
[ 2 ] ورد في المصدر السابق . و البحار للمجلسي ( مجلد قديم ) ج 8 ص 370 .
[ 3 ] ورد في المصدرين السابقين .
[ 4 ] استسنّ . ورد في نسخة العام 400 ص 289 . و نسخة ابن المؤدب ص 205 . و نسخة نصيري ص 134 . و نسخة الآملي ص 179 . و نسخة الأسترابادي ص 334 . و نسخة الجيلاني . و نسخة عبده ص 463 . و نسخة العطاردي ص 240 .
[ 5 ] لم يقع . ورد في نسخة العام 400 ص 289 . و نسخة ابن المؤدب ص 205 . و نسخة نصيري ص 134 . و هامش نسخة الآملي ص 179 . و نسخة الأسترابادي ص 335 . و نسخة الجيلاني .
[ 6 ] ورد في البحار للمجلسي ( مجلد قديم ) ج 8 ص 370 .
[ 7 ] ورد في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 7 ص 41 .
[ 8 ] ورد في البحار للمجلسي ( مجلد قديم ) ج 8 ص 371 .
[ 9 ] فصلت ، 42 . و وردت الفقرة في المصدر السابق . و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 7 ص 41 .
[ 637 ]
وَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مُوَفٍّ السَّابِقَ وَ الْمُجَاهِدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَالَهُ .
وَ لَيْسَ لَكُمَا ، وَ اللَّهِ ، عِنْدي وَ لاَ لِغَيْرِكُمَا إِلاَّ ذَلِكَ [ 1 ] .
[ 5 ] أَخَذَ اللَّهُ بِقُلُوبِنَا وَ قُلُوبِكُمْ إِلَى الْحَقِّ ، وَ أَلْهَمَنَا وَ إِيَّاكُمُ الصَّبْرَ .
ثم قال عليه السلام :
رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً رَأى حَقّاً فَأَعَانَ عَلَيْهِ ، أَوْ رَأى جَوْراً فَرَدَّهُ ، وَ كَانَ عَوْناً بِالْحَقِّ عَلى صَاحِبِهِ [ 2 ] .