بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ اَلْحَمْدُ للَّهِ الْمُخْتَصِّ بِالتَّوْحيدِ ، الْمُتَقَدِّمِ بِالْوَعيدِ ، الْفَعَّالِ لِمَا يُريدُ ، الْمُحْتَجِبِ بِالنُّورِ دُونَ خَلْقِهِ ، ذِي الأُفُقِ الطَّامِحِ ، وَ الْعِزِّ الشَّامِخِ ، وَ الْمُلْكِ الْبَاذِخِ ، الْمَعْبُودِ بِالآلاَءِ ، رَبِّ الأَرْضِ وَ السَّمَاءِ .
أَحْمَدُهُ عَلى حُسْنِ الْبَلاَءِ ، وَ فَضْلِ الْعَطَاءِ ، وَ سَوَابِغِ النَّعْمَاءِ ، وَ عَلى مَا يَدْفَعُ مِنَ الْبَلاَءِ ، حَمْداً يَسْتَهِلُّ لَهُ الْعِبَادُ ، وَ تَنْمُو بِهِ الْبِلاَدُ .
وَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ ، لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ ، وَ لاَ يَكُونُ شَيْءٌ بَعْدَهُ .
وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ ، اصْطَفَاهُ بِالتَّفْضيلِ ، وَ هَدى بِهِ مِنَ التَّضْليلِ ، وَ اخْتَصَّهُ لِنَفْسِهِ ، وَ بَعَثَهُ إِلى خَلْقِهِ ، يَدْعُوهُمْ إِلى تَوْحيدِهِ وَ عِبَادَتِهِ ، وَ الاِقْرَارِ بِرُبُوبِيَّتِهِ ،
وَ التَّصْديقِ بِنَبِيِّهِ . بَعَثَهُ عَلى حينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ ، وَ صَدْفٍ عَنِ الْحَقِّ ، وَ جَهَالَةٍ بِالرَّبِّ ، وَ كُفْرٍ بِالْبَعْثِ ،
فَبَلَّغَ رِسَالاَتِهِ ، وَ جَاهَدَ في سَبيلِهِ ، وَ نَصَحَ لأُمَّتِهِ ، وَ عَبَدَهُ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقينُ .
أُوصيكُمْ ، عِبَادَ اللَّهِ وَ نَفْسِيَ ، بِتَقْوَى اللَّهِ الْعَظيمِ ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَدْ أَكْرَمَكُمْ بِدينِهِ ، وَ خَلَقَكُمْ لِعِبَادَتِهِ ، وَ قَدْ جَعَلَ لِلْمُتَّقينَ الْمَخْرَجَ مِمَّا يَكْرَهُونَ ، وَ الرِّزْقَ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُونَ ، فَانْصِبُوا أَنْفُسَكُمْ في أَدَاءِ حَقِّهِ ، وَ تَنَجَّزُوا مَوْعُودَهُ ، وَ اطْلُبُوا مَا عِنْدَهُ بِطَاعَتِهِ ، وَ الْعَمَلِ بِمَحَابِّهِ ، فَإِنَّهُ لاَ يُدْرَكُ الْخَيْرُ إِلاَّ بِهِ ،
وَ لاَ يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ ، وَ لاَ تُكْلاَنَ فيمَا هُوَ كَائِنٌ إِلاَّ عَلَيْهِ ، وَ لاَ حَوْلَ وَ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِهِ [ 2 ] .
[ 1 ] ورد في وقعة صفين ص 131 . و شرح ابن أبي الحديد ج 3 ص 201 و ( طبعة دار الأندلس ) ج 2 ص 287 . و البحار ( مجلد قديم ) ج 8 ص 444 . و منهاج البراعة ج 4 ص 273 . و نهج السعادة ج 2 ص 121 .
[ 2 ] ورد في وقعة صفين ص 112 . و شرح ابن أبي الحديد ج 3 ص 185 . و المستدرك لكاشف الغطاء ص 97 . و نهج السعادة ج 1 ص 159 و ج 2 ص 109 . و نهج البلاغة الثاني ص 56 .
[ 462 ]
[ 9 ] يَا أَسْرَى الرَّغْبَةِ ، أَقْصِرُوا فَإِنَّ الْمُعَرِّجَ عَلَى الدُّنْيَا لاَ يَرُوعُهُ مِنْهَا إِلاَّ صَريفُ [ 1 ] أَنْيَابِ الْحِدْثَانِ .
أَيُّهَا النَّاسُ ، تَوَلَّوْا مِنْ أَنْفُسِكُمْ تَأْديبَهَا ، وَ اعْدِلُوا بِهَا عَنْ ضَرَاوَةِ [ 2 ] عَادَاتِهَا ، [ فَ ] [ 10 ] الأَقَاويلُ مَحْفُوظَةٌ ، وَ السَّرَائِرُ مَبْلُوَّةٌ ، وَ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهينَةٌ [ 3 ] .
وَ النَّاسُ مَنْقُوصُونَ مَدْخُولُونَ إِلاَّ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ [ 4 ] ، سَائِلُهُمْ مُتَعَنِّتٌ ، وَ مُجيبُهُمْ مُتَكَلِّفٌ .
يَكَادُ أَفْضَلُهُمْ رَأْياً يَرُدُّهُ عَنْ فَضْلِ رَأْيِهِ الرِّضَا وَ السُّخْطُ . وَ يَكَادُ أَصْلَبُهُمْ عُوداً تَنْكَؤُهُ اللَّحْظَةُ ،
وَ تَسْتَحيلُهُ [ 5 ] الْكَلِمَةُ الْوَاحِدَةُ .
وَ اعْلَمُوا [ 6 ] [ 11 ] أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ أَمْرَاسَ الإِسْلاَمِ مَتينَةً ، وَ عُرَاهُ وَثيقَةً ، ثُمَّ جَعَلَ [ 7 ] الطَّاعَةَ حَظَّ الأَنْفُسِ بِرِضَا الرَّبِّ ، وَ غَنيمَةَ الأَكْيَاسِ عِنْدَ تَفْريطِ الْعَجَزَةِ [ 8 ] .
وَ قَدْ حُمِّلْتُ أَمْرَ أَسْوَدِهَا وَ أَحْمَرِهَا ، وَ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ .
وَ نَحْنُ سَائِرُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالى إِلى مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ، وَ تَنَاوَلَ مَا لَيْسَ لَهُ وَ مَا لاَ يُدْرِكُهُ ،
مُعَاوِيَةَ وَ جُنْدِهِ ، الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ الطَّاغِيَةِ ، يَقُودُهُمْ إِبْليسُ ، وَ يَبْرُقُ لَهُمْ بِبَارِقِ تَسْوِيِفِهِ ، وَ يُدَلّيهِمْ بِغُرُورِهِ .
وَ أَنْتُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِالْحَلاَلِ وَ الْحَرَامِ ، فَاسْتَغْنُوا بِمَا عَلِمْتُمْ ، وَ احْذَرُوا مَا حَذَّرَكُمُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ ،
وَ ارْغَبُوا فيمَا هَيَّأَ لَكُمْ عِنْدَهُ مِنَ الأَجْرِ وَ الْكَرَامَةِ .
وَ اعْلَمُوا أَنَّ الْمَسْلُوبَ مَنْ سُلِبَ دينُهُ وَ أَمَانَتُهُ ، وَ الْمَغْرُورَ مَنْ آثَرَ الضَّلاَلَةَ عَلَى الْهُدى .
[ 9 ] من : يا أسرى إلى : عاداتها ورد في حكم الشريف الرضي تحت الرقم 359 .
[ 10 ] من : الأقاويل إلى : الكلمة الواحدة ورد في حكم الشريف الرضي تحت الرقم 343 .
[ 11 ] إنّ اللّه سبحانه جعل إلى : العجزة ورد في حكم الشريف الرضي تحت الرقم 331 .
[ 1 ] صرير . ورد في مصادر نهج البلاغة للخطيب ج 4 ص 266 .
[ 2 ] ضراية . ورد في نسخة ابن أبي المحاسن ص 425 . و متن شرح ابن ميثم ج 5 ص 418 . و نسخة الأسترابادي ص 597 .
و ورد ضراوات في مصادر نهج البلاغة للخطيب ج 4 ص 266 .
[ 3 ] المدّثر ، 38 .
[ 4 ] ورد في غرر الحكم للآمدي ج 1 ص 101 .
[ 5 ] تستميله . ورد في
[ 6 ] ورد في وقعة صفين ص 112 . و شرح ابن أبي الحديد ج 3 ص 185 . و نهج السعادة ج 2 ص 109 .
[ 7 ] ورد في المصادر السابقة .
[ 8 ] الفجرة . ورد في وقعة صفين للمنقري ص 113 . و نهج السعادة للمحمودي ج 2 ص 109 .
[ 463 ]
فَلاَ أَعْرِفَنَّ أَحَداً مِنْكُمْ تَقَاعَسَ عَنّي وَ قَالَ : في غَيْري كِفَايَةٌ ، فَإِنَّ الذَّوْدَ إِلَى الذَّوْدِ إِبِلٌ ، وَ مَنْ لاَ يَذُدْ عَنْ حَوْضِهِ [ 1 ] يُتَهَدَّمُ .
ثُمَّ إِنّي آمُرُكُمْ بِالشِّدَّةِ فِي الأَمْرِ ، وَ الْجِهَادِ في سَبيلِ اللَّهِ ، وَ أَنْ لاَ تَغْتَابُوا مُسْلِماً .
وَ انْتَظِرُوا النَّصْرَ الْعَاجِلَ مِنَ اللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ [ 2 ] .