بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَميرِ الْمُؤْمِنينَ إِلى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبي سُفْيَانَ .
أَمَّا بَعْدُ ، فَقَدْ بَلَغَني كِتَابُكَ تَذْكُرُ مُشَاغَبَتي ، وَ تَسْتَقْبِحُ مُوَازَرَتي [ 3 ] ، وَ تَزْعَمُني مُتَجَبِّراً ، وَ عَنْ حَقِّ اللَّهِ مُقَصِّراً .
فَسُبْحَانَ اللَّهِ ، كَيْفَ تَسْتَجيزُ الْغيبَةَ ، وَ تَسْتَحْسِنُ الْعَضيهَةَ . فَإِنّي لَمْ أُشَاغِبْ إِلاَّ في أَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ ، أَوْ نَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ . وَ لَمْ أَتَجَبَّرْ إِلاَّ عَلى بَاغٍ مَارِقٍ ، أَوْ مُلْحِدٍ كَافِرٍ ، وَ لَمْ آخُذْ فِي ذَلِكَ إِلاَّ بِقَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ : لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ 4 .
وَ أَمَّا التَّقْصيرُ في حَقِّ اللَّهِ تَعَالى فَمَعَاذَ اللَّهِ .
وَ إِنَّمَا الْمُقَصِّرُ في حَقِّ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مَنْ عَطَّلَ الْحُقُوقَ الْمُؤَكَّدَةَ ، وَ رَكَنَ إِلَى الأَهْوَاءِ الْمُبْتَدَعَةِ ، وَ أَخْلَدَ إِلَى الضَّلاَلَةِ الْمُحَيِّرَةِ .
وَ مِنَ الْعَجَبِ أَنْ تَصِفَ ، يَا مُعَاوِيَةُ ، الاِحْسَانَ ، وَ تُخَالِفَ الْبُرْهَانَ ، وَ تَنْكُثَ الْوَثَائِقَ الَّتي هِيَ للَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ طَلِبَةٌ ، وَ عَلى عِبَادِهِ حُجَّةٌ ، مَعَ نَبْذِ الإِسْلاَمِ ، وَ تَضْييعِ الأَحْكَامِ ، وَ طَمْسِ الأَعْلاَمِ ، وَ الْجَرْيِ فِي الْهَوى ، وَ التَّهَوُّسِ فِي الرَّدى [ 5 ] .
[ 6 ] فَاتَّقِ اللَّهَ فيمَا لَدَيْكَ ، وَ انْظُرْ في حَقِّهِ عَلَيْكَ ، وَ ارْجِعْ إِلى مَعْرِفَةِ مَا لاَ تُعْذَرُ بِجَهَالَتِهِ ، فَإِنَّ
[ 6 ] من : فاتّق اللّه إلى : المسالك ورد في كتب الشريف الرضي تحت الرقم 30 .
-----------
( 1 ) سورة طه ، 47 .
[ 2 ] ورد في صفين ص 110 . و شرح ابن أبي الحديد ج 15 ص 87 . و البحار ( مجلد قديم ) ج 8 ص 501 و 504 و 541 و 542 .
و منهاج البراعة ج 18 ص 22 . باختلاف .
[ 3 ] مواربتي . ورد في البحار للمجلسي ( مجلد قديم ) ج 8 ص 500 . و منهاج البراعة للخوئي ج 19 ص 376 .
-----------
( 4 ) المجادلة ، 22 .
[ 5 ] ورد في شرح ابن أبي الحديد ج 16 ص 7 . و البحار ( مجلد قديم ) ج 8 ص 500 . و منهاج البراعة ج 19 ص 376 . و مصادر نهج البلاغة ج 3 ص 281 . و نهج البلاغة الثاني ص 226 .
[ 837 ]
لِلطَّاعَةِ أَعْلاَماً وَاضِحَةً ، وَ سُبُلاً نَيِّرَةً ، وَ مَحَجَّةً نَهْجَةً ، وَ غَايَةً مُطَّلَبَةً [ 1 ] ، يَرِدُهَا الأَكْيَاسُ ، وَ يُخَالِفُهَا الأَنْكَاسُ .
مَنْ نَكَبَ عَنْهَا جَارَ عَنِ الْحَقِّ ، وَ خَبَطَ فِي التِّيهِ ، وَ غَيَّرَ اللَّهُ عَنْهُ نِعْمَتَهُ ، وَ أَحَلَّ بِهِ نِقْمَتَهُ .
فَنَفْسَكَ نَفْسَكَ ، فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لَكَ سَبيلَكَ ، وَ حَيْثُ تَنَاهَتْ بِكَ أُمُورُكَ ، فَقَدْ أَجْرَيْتَ إِلى غَايَةِ خُسْرٍ ، وَ مَحَلَّةِ كُفْرٍ .
وَ إِنَّ نَفْسَكَ قَدْ أَوْلَجَتْكَ شَرّاً ، وَ أَقْحَمَتْكَ غَيّاً ، وَ أَوْرَدَتْكَ الْمَهَالِكَ ، وَ أَوْعَرَتْ عَلَيْكَ الْمَسَالِكَ .
وَ إِنَّ لِلنَّاسِ جَمَاعَةٌ يَدُ اللَّهِ عَلَيْهَا ، وَ غَضَبُ اللَّهِ عَلى مَنْ خَالَفَهَا .
فَنَفْسَكَ نَفْسَكَ قَبْلَ حُلُولِ رَمْسِكَ ، فَإِنَّكَ إِلَى اللَّهِ رَاجِعٌ ، وَ إِلى حَشْرِهِ مُهْطِعٌ ، وَ سَيُبْهِظُكَ كَرْبُهُ ،
وَ يَحِلُّ بِكَ غَمُّهُ ، يَوْمَ لاَ يُغْنِي النَّادِمَ نَدَمُهُ ، وَ لاَ يُقْبَلُ مِنَ الْمُعْتَذِرِ عُذْرُهُ ، يَوْمَ لاَ يُغْني مَوْلىً عَنْ مَوْلىً شَيْئاً وَ لاَ هُمْ يُنْصَرُونَ [ 2 ] .