خطبة له عليه السلام ( 6 ) في وحدانية اللَّه سبحانه و تعالى

روي عن نوف البَكالي قال : خطبَنا بهذه الخطبة أمير المؤمنين علي عليه السلام بالكوفة و هو قائم على حجارة نصبها له جعدة بن هبيرة المخزومي ، و عليه مدرعة من صوف ،

و حمائل سيفه ليف ، و في جبينه ثفنة من أثر السجود .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ اَلْحَمْدُ للَّهِ الَّذي لاَ يَمُوتُ وَ لاَ تَنْقَضي عَجَائِبُهُ ، لِأَنَّهُ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ 1 مِنْ إِحْدَاثِ بَديعٍ لَمْ يَكُنْ .

اَلَّذي [ 2 ] [ 7 ] لَمْ يُولَدْ فَيَكُونَ فِي الْعِزِّ مُشَارَكاً ، وَ لَمْ يَلِدْ فَيَكُونَ مَوْرُوثاً هَالِكاً ، وَ لَمْ تَقَعْ عَلَيْهِ الأَوْهَامُ فَتُقَدِّرَهُ شَبَحاً مَاثِلاً ، وَ لَمْ تُدْرِكْهُ الأَبْصَارُ فَيَكُونَ بَعْدَ انْتِقَالِهَا حَائِلاً .

اَلَّذي لَيْسَتْ لأَوَّلِيَّتِهِ نِهَايَةٌ ، وَ لاَ لآخِرِيَّتِهِ حَدٌّ وَ لاَ غَايَةٌ .

اَلَّذي [ 3 ] لَمْ يَتَقَدَّمْهُ وَقْتٌ وَ لاَ زَمَانٌ ، وَ لَمْ يَتَعَاوَرْهُ زِيَادَةٌ وَ لاَ نُقْصَانٌ ، وَ لاَ يُوصَفُ بِ « أَيْنَ » ، وَ لاَ بِ « مَا » ، وَ لاَ بِمَكَانٍ .

اَلَّذي بَطَنَ مِنْ خَفِيَّاتِ الأُمُورِ ، وَ [ 4 ] ظَهَرَ لِلْعُقُولِ بِمَا أَرَانَا [ 5 ] في خَلْقِهِ [ 6 ] مِنْ عَلاَمَاتِ التَّدْبيرِ الْمُتْقَنِ ، وَ الْقَضَاءِ الْمُبْرَمِ .

اَلَّذي سُئِلَتِ الأَنْبِيَاءُ عَنْهُ فَلَمْ تَصِفْهُ بِحَدٍّ ، بَلْ وَصَفَتْهُ بِأَفْعَالِهِ ، وَ دَلَّتْ عَلَيْهِ بِآيَاتِهِ ، وَ لاَ تَسْتَطيعُ عُقُولُ الْمُتَفَكِّرينَ جَحْدَهُ ، لأَنَّ مَنْ كَانَتِ السَّموَاتُ وَ الأَرْضُ وَ مَا فيهِنَّ وَ مَا بَيْنَهُنَّ فِطْرَتَهُ ، وَ هُوَ الصَّانِعُ

[ 7 ] من : لم يولد إلى : هالكا . و من : و لم يتقدّمه إلى : نقصان . و من : بل ظهر إلى : المبرم ورد في خطب الرضي تحت الرقم 182 .

-----------
( 1 ) الرحمن ، 29 .

[ 2 ] ورد في الكافي للكليني ج 1 ص 109 . و التوحيد للصدوق ص 31 . و مستدرك نهج البلاغة لكاشف الغطاء ص 66 .

[ 3 ] ورد في الكافي ج 1 ص 109 . و التوحيد ص 31 . و المستدرك لكاشف الغطاء ص 66 . و نهج السعادة ج 1 ص 568 . و نهج البلاغة الثاني ص 19 .

[ 4 ] بل . ورد في نسخ النهج .

[ 5 ] يرى . ورد في الكافي ج 1 ص 109 . و التوحيد ص 31 . و المستدرك لكاشف الغطاء ص 66 . و نهج السعادة ج 1 ص 568 .

و نهج البلاغة الثاني ص 19 .

[ 6 ] ورد في المصادر السابقة .

[ 104 ]

لَهُنَّ ، فَلا مَدْفَعَ لِقُدْرَتِهِ .

اَلَّذي بَانَ مِنَ الْخَلْقِ فَلاَ شَيْ‏ءَ كَمِثْلِهِ .

اَلَّذي خَلَقَ خَلْقَهُ لِعِبَادَتِهِ ، وَ أَقْدَرَهُمْ عَلى طَاعَتِهِ بِمَا جَعَلَ فيهِمْ ، وَ قَطَعَ عُذْرَهُمْ بِالْحُجَجِ ، فَعَنْ بَيِّنَةٍ هَلَكَ مَنْ هَلَكَ ، وَ عَنْ بَيِّنَةٍ [ 1 ] نَجَا مَنْ نَجَا ، وَ للَّهِ الْفَضْلُ مُبْتَدَءاً وَ مَعيداً .

ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ ، وَ لَهُ الْحَمْدُ ، افْتَتَحَ الْكِتَابَ بِالْحَمْدِ لِنَفْسِهِ ، وَ خَتَمَ أَمْرَ الدُنْيَا وَ حُكْمَ الآخِرَةِ بِالْحَمْدِ لِنَفْسِهِ ، فَقَالَ : وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَ قيلَ الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمينَ 1 .

اَلْحَمْدُ للَّهِ اللاَّبِسِ الْكِبْرِيَاءَ بِلاَ تَجْسيدٍ ، وَ الْمُرْتَدِي الْجَلاَلَ بِلاَ تَمْثيلٍ ، وَ الْمُسْتَوي عَلَى الْعَرْشِ بِلاَ زَوَالٍ ، وَ الْمُتَعَالي عَنِ الْخَلْقِ بِلاَ تَبَاعُدٍ عَنْهُمْ ، وَ الْقَريبِ مِنْهُمْ بِلاَ مُلاَمَسَةٍ مِنْهُ لَهُمْ .

لَيْسَ لَهُ حَدٌّ يُنْتَهَى إِلى حَدِّهِ ، وَ لاَ لَهُ مِثْلٌ فَيُعْرَفُ بِمِثْلِهِ .

ذَلَّ مَنْ تَجَبَّرَ غَيْرُهُ ، وَ صَغُرَ مَنْ تَكَبَّرَ دُونَهُ ، وَ تَوَاضَعَتِ الأَشْيَاءُ لِعَظَمَتِهِ ، وَ انْقَادَتْ لِسُلْطَانِهِ وَ عِزَّتِهِ ، وَ كَلَّتْ عَنْ إِدْرَاكِهِ طُرُوفُ الْعُيُونِ ، وَ قَصُرَتْ دُونَ بُلُوغِ صِفَتِهِ أَوْهَامُ الْخَلاَئِقِ .

اَلأَوَّلُ قَبْلَ كُلِّ شَيْ‏ءٍ وَ لاَ قَبْلَ لَهُ ، وَ الآخِرُ بَعْدَ كُلِّ شَيْ‏ءٍ وَ لاَ بَعْدَ لَهُ ، وَ الظَّاهِرُ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ بِالْقَهْرِ لَهُ ، وَ الْمُشَاهِدُ لِجَميعِ الأَمَاكِنِ بِلاَ انْتِقَالٍ إِلَيْهَا .

لاَ تَلْمَسُهُ لاَمِسَةٌ ، وَ لاَ تُحِسُّهُ حَاسَّةٌ ، وَ هُوَ الَّذي فِي السَّمَاءِ إِلهٌ وَ فِي الأَرْضِ إِلهٌ وَ هُوَ الْحَكيمُ الْعَليمُ 2 .

أَتْقَنَ مَا أَرَادَ خَلْقَهُ مِنَ الأَشْيَاءِ كُلِّهَا لاَ بِمِثَالٍ سَبَقَ إِلَيْهِ ، وَ لاَ لُغُوبٍ دَخَلَ عَلَيْهِ في خَلْقِ مَا خَلَقَ لَدَيْهِ .

إِبْتَدَأَ مَا أَرَادَ ابْتِدَاءَهُ ، وَ أَنْشَأَ مَا أَرَادَ إِنْشَاءَهُ ، عَلى مَا أَرَادَ مِنَ الثَّقَلَيْنِ : الْجِنِّ وَ الإِنْسِ ، لِيَعْرِفُوا بِذَلِكَ رُبُوبِيَّتَهُ ، وَ تَمَكَّنَ فيهِمْ طَاعَتُهُ [ 4 ] .

[ 5 ] فَمِنْ شَوَاهِدِ خَلْقِهِ خَلْقُ السَّموَاتِ مُوَطَّدَاتٍ بِلاَ عَمَدٍ ، قَائِمَاتٍ بِلاَ سَنَدٍ ، دَعَاهُنَّ فَأَجَبْنَ

[ 5 ] من : فمن شواهد إلى : في بطنها ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 182 .

[ 1 ] بمنّه . ورد في الكافي ج 1 ص 109 . و المستدرك لكاشف الغطاء ص 66 . و نهج البلاغة الثاني ص 19 .

-----------
( 1 ) الزّمر ، 75 .

-----------
( 2 ) الزخرف ، 84 .

[ 4 ] ورد في الكافي ج 1 ص 141 . و التوحيد ص 31 . و المستدرك لكاشف الغطاء ص 66 . و نهج السعادة ج 1 ص 568 . و نهج البلاغة الثاني ص 19 . باختلاف يسير .

[ 105 ]

طَائِعَاتٍ مُذْعِنَاتٍ ، غَيْرَ مُتَلَكِّئَاتٍ وَ لاَ مُبْطِئَاتٍ .

وَ لَوْ لاَ إِقْرَارُهُنَّ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ ، وَ إِذْعَانُهُنَّ لَهُ بِالطَّوَاعِيَةِ [ 1 ] ، لَمَا جَعَلَهُنَّ مَوْضِعاً لِعَرْشِهِ ، وَ لاَ مَسْكَناً لِمَلاَئِكَتِهِ ، وَ لاَ مَصْعَداً لِلْكَلِمِ الطَّيِّبِ وَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ مِنْ خَلْقِهِ .

جَعَلَ نُجُومَهَا أَعْلاَماً يَسْتَدِلُّ بِهَا الْحَيْرَانُ في مُخْتَلَفِ فِجَاجِ الأَقْطَارِ ، لَمْ يَمْنَعْ ضَوْءَ نُورِهَا ادْلِهْمَامُ سُجُفِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ ، وَ لاَ اسْتَطَاعَتْ جَلاَبيبُ سَوَادِ الْحَنَادِسِ أَنْ تَرُدَّ مَا شَاعَ فِي السَّموَاتِ مِنْ تَلأْلُؤِ نُورِ الْقَمَرِ .

فَسُبْحَانَ مَنْ لاَ يَخْفى عَلَيْهِ سَوَادُ غَسَقٍ دَاجٍ ، وَ لاَ لَيْلٍ سَاجٍ ، في بِقَاعِ الأَرَضينَ الْمُتَطَأْطِئَاتِ ،

وَ لاَ في يَفَاعِ [ 2 ] السُّفْعِ الْمُتَجَاوِرَاتِ ، وَ مَا يَتَجَلْجَلُ بِهِ الرَّعْدُ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ ، وَ مَا تَلاَشَتْ عَنْهُ بُرُوقُ الْغَمَامِ ، وَ مَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ تُزيلُهَا عَنْ مَسْقِطِهَا عَوَاصِفُ الأَنْوَاءِ ، وَ انْهِطَالُ السَّمَاءِ ، وَ يَعْلَمُ مَسْقَطَ الْقَطْرَةِ وَ مَقَرَّهَا ، وَ مَسْحَبَ الذَّرَّةِ وَ مَجَرَّهَا ، وَ مَا يَكْفِي الْبَعُوضَةَ مِنْ قُوتِهَا ، وَ مَا تَحْمِلُ الأُنْثى في بَطْنِهَا .

نَحْمَدُهُ بِجَميعِ مَحَامِدِهِ كُلِّهَا عَلى جَميعِ نَعْمَائِهِ كُلِّهَا ، وَ نَسْتَهْديهِ لِمَرَاشِدِ أُمُورِنَا ، وَ نَعُوذُ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، وَ نَسْتَغْفِرُهُ لِلذُّنُوبِ الَّتي سَلَفَتْ مِنَّا .

وَ نَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ ، بَعَثَهُ بِالْحَقِّ نَبِيّاً دَالاً عَلَيْهِ ، وَ هَادِياً إِلَيْهِ ،

فَهَدَانَا بِهِ مِنَ الضَّلاَلَةِ ، وَ اسْتَنْقَذَنَا بِهِ مِنَ الْجَهَالَةِ . مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظيماً 1 ،

وَ نَال ثَوَاباً كَريماً جَزيلاً ، وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبيناً ، وَ اسْتَحَقَّ عَذَاباً أَليماً .

فَأَنْجِعُوا بِمَا يَحِقُّ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمْعِ وَ الطَّاعَةِ ، وَ إِخْلاَصِ النَّصيحَةِ ، وَ حُسْنِ الْمُؤَازَرَةِ ، وَ أَعينُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ بِلُزُومِ الطَّريقَةِ الْمُسْتَقيمَةِ ، وَ هَجْرِ الأُمُورِ الْكَريهَةِ . وَ تَعَاطَوُا الْحَقَّ بَيْنَكُمْ وَ تَعَاوَنُوا عَلَيْهِ ،

وَ خُذُوا عَلى يَدَي الظَّالِمِ السَّفيهِ ، وَ أْمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ ، وَ انْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَ اعْرِفُوا لِذَوِي الْفَضْلِ فَضْلَهُمْ .

عَصَمَنَا اللَّهُ وَ إِيَّاكُمْ بِالْهُدى ، وَ ثَبَّتَنَا وَ إِيَّاكُمْ عَلَى التَّقْوى ، وَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لي وَ لَكُمْ [ 4 ] .

[ 1 ] بالطّاعة . ورد في

[ 2 ] بقاع . ورد في نسخة نصيري ص 105 . و نسخة عبده ص 389 . و نسخة العطاردي ص 217 عن نسخة موجودة في مكتبة ممتاز العلماء في لكنهور الهند . و عن نسخة موجودة في مكتبة مدرسة نواب في مدينة مشهد .

-----------
( 1 ) الأحزاب ، 71 .

[ 4 ] ورد في الكافي ج 1 ص 142 . و التوحيد ص 33 . و المستدرك لكاشف الغطاء ص 67 . و نهج السعادة ج 1 ص 572 . و نهج البلاغة الثاني ص 21 . باختلاف يسير .

[ 106 ]