كتاب له عليه السلام ( 33 ) كان يكتبه إِلى بعض أكابر أصحابه

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ إِلَى الْمُقَرَّبينَ فِي الأَظِلَّةِ ، الْمُمْتَحَنينَ بِالْبَلِيَّةِ ، الْمُسَارِعينَ فِي الطَّاعَةِ ، الْمُسْتَيْقِنينَ بِالْكَرَّةَ .

تَحِيَّةً مِنَّا إِلَيْكُمْ ، وَ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ .

أَمَّا بَعْدُ ، فَ [ 2 ] [ 5 ] إِنَّ اللَّهَ تَعَالى قَدْ خَصَّكُمْ بِالإِسْلاَمِ وَ اسْتَخْلَصَكُمْ لَهُ ، وَ ذَلِكَ لأَنَّهُ اسْمُ [ 3 ] سَلاَمَةٍ ، وَ جِمَاعُ [ 4 ] كَرَامَةٍ .

إِصْطَفَى اللَّهُ تَعَالَى مَنْهَجَهُ ، وَ بَيَّنَ حُجَجَهُ ، وَ وَصَفَهُ وَحَدَّهُ وَ وَصَفَ أَخْلاَقَهُ ، وَ جَعَلَهُ رَصّاً ،

وَ أَرَّفَ أُرَفَهُ ، وَ وَصَلَ أَطْنَابَهُ ، وَ أَكَّدَ ميثَاقَهُ .

وَ فِي الْقُرْآنِ بُنْيَانُهُ وَ بَيَانُهُ ، وَ حُدُودُهُ وَ أَرْكَانُهُ ، وَ مَوَاضيعُ مَقَاديرِهِ ، وَ وَزْنُ ميزَانِهِ ، ميزَانِ الْعَدْلِ ،

[ 5 ] من : إنّ اللّه إلى : حججه ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 152 .

[ 1 ] ورد في صفين ص 104 . و شرح ابن أبي الحديد ج 3 ص 182 . و البحار ( مجلد قديم ) ج 8 ص 440 . و منهاج البراعة ج 18 ص 37 . و المستدرك لكاشف الغطاء ص 126 . و نهج السعادة ج 4 ص 223 . و نهج البلاغة الثاني ص 229 . باختلاف بين المصادر .

[ 2 ] ورد في نهج السعادة للمحمودي ج 5 ص 133 . و مصباح البلاغة ج 4 ص 143 عن معادن الحكمة لعلم الهدى .

[ 3 ] أمنع . ورد في

[ 4 ] أجمع . ورد في

[ 812 ]

وَ حُكْمِ الْفَصْلِ .

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا دَخَلَ حُفْرَتَهُ أَتَاهُ مَلَكَانِ :

أَحَدُهُمَا مُنْكَرٌ ، وَ الآخَرُ نَكيرٌ .

فَأَوَّلُ مَا يَسْأَلاَنِهِ عَنْ رَبِّهِ ، ثُمَّ عَنْ نَبِيِّهِ ، ثُمَّ عَنْ وَلِيِّهِ ، فَإِنْ أَجَابَ نَجَا ، وَ إِنْ تَحَيَّرَ عَذَّبَاهُ .

فَقَالَ قَائِلٌ : فَمَا حَالُ مَنْ عَرَفَ رَبَّهُ ، وَ عَرَفَ نَبِيَّهُ ، وَ لَمْ يَعْرِفْ وَلِيَّهُ ؟ .

فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : ذَلِكَ مُذَبْذَبٌ ، لاَ إِلى هؤُلاَءِ وَ لاَ إِلى هؤُلاَءِ ، وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبيلاً 1 .

قيلَ : فَمَنِ الْوَلِيُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ .

فَقَالَ : وَلِيُّكُمْ في هذَا الزَّمَانِ أَنَا ، وَ مِنْ بَعْدي وَصِيّي عَلِيُّ ، وَ مِنْ بَعْدِهِ وَصِيُّهُ ، وَ لِكُلِّ زَمَانٍ عَالِمٌ يَحْتَجُّ اللَّهُ بِهِ ، كَيْلاَ تَقُولُوا كَمَا قَالَ الضُّلاَّلُ قَبْلَكُمْ حينَ فَارَقَهُمْ نَبِيُّهُمْ : لَوْ لاَ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَ نَخْزى 2 .

وَ إِنَّمَا كَانَ تَمَامُ ضَلاَلَتِهِمْ جَهَالَتُهُمْ بِالآيَاتِ ، وَ هُمُ الأَوْصِيَاءُ ، فَأَجَابَهُمُ اللَّهُ : قُلْ كُلُّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَ مَنِ اهْتَدى 3 .

وَ إِنَّمَا كَانَ تَرَبُّصُهُمْ أَنْ قَالُوا : نَحْنُ في سَعَةٍ عَنْ مَعْرِفَةِ الأَوْصِيَاءِ حَتَّى نَعْرِفَ إِمَاماً [ 4 ] .

[ 6 ] وَ إِنَّمَا الأَئِمَّةُ قُوَّامُ اللَّهِ عَلى خَلْقِهِ ، وَ عُرَفَاؤُهُ عَلى عِبَادِهِ ، لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ عَرَفَهُمْ وَ عَرَفُوهُ ، وَ لاَ يَدْخُلُ النَّارَ إِلاَّ مَنْ أَنْكَرَهُمْ وَ أَنْكَرُوهُ ، لأنَّهُمْ عُرَفَاءُ الْعِبَادِ ، عَرَّفَهُمُ اللَّهُ إِيَّاهُمْ عِنْدَ أَخْذِ الْمَوَاثيقِ عَلَيْهِمْ بِالطَّاعَةِ لَهُمْ ، فَوَصَفَهُمْ في كِتَابِهِ فَقَالَ جَلَّ وَ عَزَّ : وَ عَلَى الأعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاً بِسيمَاهُمْ 5 .

وَ هُمُ الشُّهَدَاءُ عَلَى النَّاسِ ، وَ النَّبِيُّونَ شُهَدَاءُ لَهُمْ بِأَخْذِهِ مَوَاثيقَ الْعِبَادِ بِالطَّاعَةِ ، وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ :

فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهيدٍ وَ جِئْنَا بِكَ عَلى هؤُلاَءِ شَهيداً يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذينَ كَفَرُوا وَ عَصَوُا

[ 6 ] من : و إنّما الأئمّة إلى : و أنكروه ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 152 .

-----------
( 1 ) سورة النساء ، 88 .

-----------
( 2 ) سورة طه ، 134 .

-----------
( 3 ) سورة طه ، 135 .

[ 4 ] ورد في بصائر الدرجات ص 454 . و مختصر بصائر الدرجات ص 197 . و نهج السعادة ج 5 ص 237 . و مصباح البلاغة ج 4 ص 144 عن معادن الحكمة لعلم الهدى . باختلاف يسير .

-----------
( 5 ) الأعراف ، 46 .

[ 813 ]

الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَ لاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَديثاً 1 .

وَ كَذَلِكَ أَوْحَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالى إِلى آدَمَ : أَنْ يَا آدَمُ ، قَدِ انْقَضَتْ مُدَّتُكَ ، وَ قُضِيَتْ نُبُوَّتُكَ ،

وَ اسْتَكْمَلْتَ أَيَّامَكَ ، وَ حَضَرَ أَجَلُكَ ، فَخُذِ النُّبُوَّةَ وَ ميرَاثَ الْعِلْمِ ، وَ اسْمَ اللَّهِ الأَكْبَرَ ، فَادْفَعْهُ إِلَى ابْنِكَ هِبَةِ اللَّهِ ، فَإِنّي لَمْ أَدَعِ الأَرْضَ بِغَيْرِ عَلَمٍ تُعْرَفُ بِهِ طَاعَتي وَ تُعْرَفُ بِهِ وِلاَيَتي .

فَلَمْ يَزَلِ الأَنْبِيَاءُ وَ الأَوْصِيَاءُ يَتَوَارَثُونَ ذَلِكَ حَتَّى انْتَهَى الأَمْرُ إِلَيَّ .

وَ أَنَا أَدْفَعُ ذَلِكَ إِلى عَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ وَصِيّي ، وَ هُوَ مِنّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسى .

وَ إِنَّ عَلِيّاً يُوَرِّثُ وُلْدَهُ حَيَّهُمْ عَنْ مَيِّتِهِمْ .

فَمَنْ سَرَّهُ أَنْ يَدْخُلَ جَنَّةَ رَبِّهِ فَلْيَتَوَلَّ عَلِيّاً وَ الأَوْصِيَاءَ مِنْ بَعْدِهِ ، وَ لْيُسَلِّمْ لِفَضْلِهِمْ ، فَإِنَّهُمُ الْهُدَاةُ بَعْدي .

أَعْطَاهُمُ اللَّهُ فَهْمي وَ عِلْمي ، فَهُمْ عِتْرَتي مِنْ لَحْمي وَ دَمي ، أَشْكُو إِلَى اللَّهِ عَدُوَّهُمْ ، وَ الْمُنْكِرَ لَهُمْ فَضْلَهُمْ ، وَ الْقَاطِعَ عَنْهُمْ صِلَتي .

فَنَحْنُ أَهْلُ الْبَيْتِ شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ ، وَ مَعْدِنُ الرَّحْمَةِ ، وَ مُخْتَلَفُ الْمَلاَئِكَةِ ، وَ مَوْضِعُ الرِّسَالَةِ .

فَمَثَلُ أَهْلِ بَيْتي في هذِهِ الأُمَّةِ كَمَثَلِ سَفينَةِ نُوحٍ ، مَنْ رَكِبَهَا نَجَا وَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا هَلَكَ ، وَ مَثَلِ بَابِ حِطَّةٍ في بَني إِسْرَائيلَ ، مَنْ دَخَلَهُ غُفِرَ لَهُ .

فَأَيُّمَا رَايَةٍ خَرَجَتْ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ بَيْتي فَهِيَ رَايَةٌ دَجَّالِيَّةٌ .

إِنَّ اللَّهَ اخْتَارَ لِدينِهِ أَقْوَاماً انْتَخَبَهُمْ لِلْقِيَامِ عَلَيْهِ ، وَ النَّصْرِ لَهُ ، طَهَّرَهُمْ بِكَلِمَةِ الإِسْلاَمِ ، وَ أَوْحى إِلَيْهِمْ مُفْتَرَضَ الْقُرْآنِ ، وَ الْعَمَلَ بِطَاعَتِهِ في مَشَارِقِ الأَرْضِ وَ مَغَارِبِهَا .

عَلَيْكُمْ نُورُ الْبَصيرَةِ رُوحُ الْحَيَاةِ الَّذي لاَ يَنْفَعُ إيمَانٌ إِلاَّ بِهِ ، مَعَ اتِّبَاعِ كَلِمَةِ اللَّهِ وَ التَّصْديقِ بِهَا .

فَالْكَلِمَةُ مِنَ الرُّوحِ ، وَ الرُّوحُ مِنَ النُّورِ ، وَ النُّورُ نُورُ السَّموَاتِ وَ الأَرْضِ .

فَبِأَيْديكُمْ سَبَبٌ وَصَلَ إِلَيْكُمْ مِنَّا نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ لاَ تَعْقِلُونَ شُكْرَهَا ، خَصَّكُمْ بِهَا وَ اسْتَخْلَصَكُمْ لَهَا ،

وَ تِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَ مَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ 2 .

إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ أَنْ لَنْ يَحِلَّ عَقْدَهُ أَحَدٌ سِوَاهُ ، فَسَارِعُوا إِلى وَفَاءِ الْعَهْدِ ، وَ امْكُثُوا في طَلَبِ الْفَضْلِ ،

فَإِنَّ الدُّنْيَا عَرَضٌ حَاضِرٌ يَأْكُلُ مِنْهَا الْبَرُّ وَ الْفَاجِرُ ، وَ إِنَّ الآخِرَةَ وَعْدٌ صَادِقٌ يَقْضي فيهَا مَلِكٌ قَادِرٌ .

-----------
( 1 ) النساء ، 42 و 43 .

-----------
( 2 ) العنكبوت ، 43 .

[ 814 ]

أَلاَ وَ إِنَّ الأمْرَ كَمَا وُقِّعَ ، لِسَبْعٍ بَقَيْنَ مِنْ صَفَرٍ ، تَسيرُ فيهَا الْجُنُودُ ، وَ يَهْلِكُ فيهَا الْمُبْطِلُ الْجَحُودُ ،

خُيُولُهَا عِرَابٌ ، وَ فُرْسَانُهَا حِرَابٌ . وَ نَحْنُ بِذَلِكَ وَاثِقُونَ ، وَ لِمَا ذَكَرْنَا مُنْتَظِرُونَ ، انْتِظَارَ الْمُجْدِبِ الْمَطَرَ ،

لِيَنْبُتَ الْعُشْبُ وَ يُجْنَى الثَّمَرُ .

دَعَاني إِلَى الْكِتَابِ إِلَيْكُمُ اسْتِنْقَاذُكُمْ مِنَ الْعَمى ، وَ إِرْشَادُكُمْ بَابَ الْهُدى ، فَاسْلُكُوا سَبيلَ السَّلاَمَةِ ، فَإِنَّهَا جِمَاعُ الْكَرَامَةِ . وَ السَّلاَمُ [ 1 ] .