هذا الكتاب النفيس « نهج البلاغة » مملوّ من ألفاظ يتهذّب بها المتحدث ، و يتدرّب بها المتكلّم ، فيه من القول أحسنه ، و من المعاني أرصنه ، كلام أحلى من نغم القيان ، و أبهى من نعم الجنان ، كلام مطلعه كسنة البدر ، و مشرعه مورد أهل الفضل و القدر ،
و كلمات و شيها خبر ، و معانيها فقر ، و خطب مقاطعها غرر ، و مباديها درر ، استعاراتها تحكي غمرات الألحاظ المراض ،
و مواعظها تعبّر عن زهرات الرياض ، جمع قائل هذا الكلام بين ترصيع بديع ، و تحنيس أنيس ، و تطبيق أنيق .
فللّه درّ خاطر عن مخائل الرّشد ماطر ، و عين اللّه على كلام إمام ورث الفضائل كابرا عن كابر ، و لا غرو للروض الناضر اذا انهلّت فيه عزالي الأنواء أن يخضرّ رباه ، و يفوح ريّاه ، و لا للساري في مسالك نهج البلاغة ان يحمد عند الصباح سراه ، و لا لمجيل قداح الطهارة اذا صدّقه رائد التوفيق و الإلهام أن يفوز بقدحي المعلّى و الرقيب ، و يمتطي غوارب كل حظّ و نصيب .
و لا شك أن أمير المؤمنين عليّ بن ابى طالب عليه السلام كان باب مدينة العلوم ، فما نقول في سقط انفضّ من زند خاطره الوادي ، و غيض بدا من فيض نهره الجاري ، لا بل في شعلة من سراجه الوهّاج ، و غرفة من بحره الموّاج ، و قطرة من سحاب علمه الغزير ، و لا ينبّئك مثل خبير .