كلام له عليه السلام ( 8 ) قاله بعد تلاوته : أَلهاكم التكَاثر . حتى زرتم المقابر 1 .

[ 8 ] يَا لَهُ مَرَاماً مَا أَبْعَدَهُ ، وَ زَوْراً مَا أَغْفَلَهُ ، وَ خَطَراً مَا أَفْظَعَهُ ، وَ حُطَاماً مَا أَفْزَعَهُ [ 2 ] .

لَقَدِ اسْتَخْلَوْا مِنْهُمْ أَيَّ مُدَّكَرٍ [ 3 ] ، وَ تَنَاوَشُوهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعيدٍ .

أَ فَبِمَصَارِعِ آبَائِهِمْ يَفْخَرُونَ ؟ .

أَمْ بِعَديدِ الْهَلْكى يَتَكَاثَرُونَ ؟ .

يَرْتَجِعُونَ مِنْهُمْ أَجْسَاداً خَوَتْ ، وَ حَرَكَاتٍ سَكَنَتْ .

وَ لأَنْ يَكُونُوا عِبَراً أَحَقُّ مِنْ أَنْ يَكُونُوا مُفْتَخَراً ، وَ لأَنْ يَهْبِطُوا بِهِمْ جَنَابَ ذِلَّةٍ ، أَحْجى مِنْ أَنْ يَقُومُوا بِهِمْ مَقَامَ عِزَّةٍ .

لَقَدْ نَظَرُوا إِلَيْهِمْ بِأَبْصَارِ الْعَشْوَةِ ، وَ ضَرَبُوا مِنْهُمْ في غَمْرَةِ جَهَالَةٍ .

وَ لَوِ اسْتَنْطَقُوا عَنْهُمْ عَرَصَاتِ تِلْكَ الدِّيَارِ الْخَاوِيَةِ ، وَ الرُّبُوعِ [ 4 ] الْخَالِيَةِ ، لَقَالَتْ : ذَهَبُوا فِي الأَرْضِ ضُلاَّلاً ، وَ ذَهَبْتُمْ في أَعْقَابِهِمْ جُهَّالاً ، تَطَؤُونَ في هَامِهِمْ ، وَ تَسْتَنْبِتُونَ في أَجْسَادِهِمْ ،

وَ تَرْتَعُونَ فيمَا لَفَظُوا ، وَ تَسْكُنُونَ فيمَا خَرَّبُوا ، وَ إِنَّمَا الأَيَّامُ فيمَا بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ بَوَاكٍ وَ نَوَائِحُ عَلَيْكُمْ .

أُولئِكَ سَلَفُ غَايَتِكُمْ ، وَ فَرَطُ [ 5 ] مَنَاهِلِكُمْ .

اَلَّذينَ كَانَتْ لَهُمْ مَقَاوِمُ الْعِزِّ ، وَ حَلَبَاتُ [ 6 ] الْفَخْرِ ، مُلُوكاً وَ سُوَقاً ، سَلَكُوا في بُطُونِ الْبَرْزَخِ [ 7 ]

[ 8 ] من : قاله إلى : عقول أهل الدّنيا ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 221 .

-----------
( 1 ) التكاثر ، 1 و 2 .

[ 2 ] ورد في

[ 3 ] مذكّر . ورد في نسخة العام 400 ص 305 . و نسخة ابن المؤدب ص 213 . و نسخة نصيري ص 141 . و نسخة الآملي ص 190 . و نسخة ابن أبي المحاسن ص 218 . و نسخة الأسترابادي ص 353 .

[ 4 ] الرّسوم . ورد في نسخة ابن المؤدب ص 214 .

[ 5 ] فرّاط . ورد في المصدر السابق . و نسخة العام 400 ص 306 . و نسخة نصيري ص 140 . و نسخة الآملي ص 191 . و نسخة ابن أبي المحاسن ص 219 . و نسخة الأسترابادي ص 354 . و نسخة الجيلاني . و نسخة عبده ص 482 . و نسخة الصالح ص 338 .

[ 6 ] جلبات . ورد في

[ 7 ] القبور . ورد في نسخة نصيري ص 142 .

[ 542 ]

سَبيلاً ، سُلِّطَتِ الأَرْضُ عَلَيْهِمْ فيهِ ، فَأَكَلَتْ مِنْ لُحُومِهِمْ ، وَ شَرِبَتْ مِنْ دِمَائِهِمْ ، فَأَصْبَحُوا في فَجَوَاتِ قُبُورِهِمْ جَمَاداً لاَ يَنْمُونَ ، وَ ضِمَاراً لاَ يُوجَدُونَ ، لاَ يُفْزِعُهُمْ وُرُودُ الأَهْوَالِ ، وَ لاَ يَحْزُنُهُمْ تَنَكُّرُ الأَحْوَالِ ،

وَ لاَ يَحْفِلُونَ بِالرَّوَاجِفِ ، وَ لاَ يَأْذَنُونَ لِلْقَوَاصِفِ ، غُيَّباً لاَ يُنْتَظَرُونَ ، وَ شُهُوداً لاَ يَحْضُرُونَ .

وَ إِنَّمَا كَانُوا جَميعاً فَتَشَتَّتُوا ، وَ أُلاَّفاً فَافْتَرَقُوا وَ مَا عَنْ طُولِ عَهْدِهِمْ ، وَ لاَ بُعْدِ مَحَلِّهِمْ ، عَمِيَتْ أَخْبَارُهُمْ ، وَ صَمَّتْ دِيَارُهُمْ ، وَ لكِنَّهُمْ سُقُوا كَأْساً بَدَّلَتْهُمْ بِالنُّطْقِ خَرَساً ، وَ بِالسَّمْعِ صَمَماً ، وَ بِالْحَرَكَاتِ سُكُوناً ، فَكَأَنَّهُمْ فِي ارْتِجَالِ [ 1 ] الصِّفَةِ صَرْعى سُبَاتٍ .

جيرَانٌ لاَ يَتَأَنَّسُونَ ، وَ أَحِبَّاءُ لاَ يَتَزَاوَرُونَ ، بَلِيَتْ بَيْنَهُمْ عُرَى التَّعَارُفِ ، وَ انْقَطَعَتْ مِنْهُمْ أَسْبَابُ الإِخَاءِ ، فَكُلُّهُمْ وَحيدٌ وَ هُمْ جَميعٌ ، وَ بِجَانِبِ الْهَجْرِ وَ هُمْ أَخِلاَّءُ .

لاَ يَتَعَارَفُونَ لِلَيْلٍ صَبَاحاً ، وَ لاَ لِنَهَارٍ مَسَاءً ، أَيُّ الْجَديدَيْنِ ظَعَنُوا فيهِ كَانَ عَلَيْهِمْ سَرْمَداً .

شَاهَدُوا مِنْ أَخْطَارِ دَارِهِمْ أَفْظَعَ مِمَّا خَافُوا ، وَ رَأَوْا مِنْ آيَاتِهَا أَعْظَمَ مِمَّا قَدَّرُوا ، فَكِلْتَا الْغَايَتَيْنِ مُدَّتْ لَهُمْ إِلى مَبَاءَةٍ فَاتَتْ مَبَالِغَ الْخَوْفِ وَ الرَّجَاءِ . فَلَوْ كَانُوا يَنْطِقُونَ بِهَا لَعَيُّوا بِصِفَةِ مَا شَاهَدُوا وَ مَا عَايَنُوا .

وَ لَئِنْ دَرَسَتْ [ 2 ] آثَارُهُمْ ، وَ انْقَطَعَتْ أَخْبَارُهُمْ ، لَقَدْ رَجَعَتْ فيهِمْ أَبْصَارُ الْعِبَرِ ، وَ سَمِعَتْ عَنْهُمْ آذَانُ الْعُقُولِ ، وَ تَكَلَّمُوا مِنْ غَيْرِ جِهَاتِ النُّطْقِ ، فَقَالُوا : كَلَحَتِ الْوُجُوهُ النَّوَاضِرُ ، وَ خَوَتِ الأَجْسَادُ النَّوَاعِمُ ، وَ لَبِسْنَا أَهْدَامَ الْبِلى ، وَ تَكَاءَدْنَا ضيقَ الْمَضْجِعِ ، وَ تَوَارَثْنَا الْوَحْشَةَ ، وَ تَهَكَّمَتْ [ 3 ] عَلَيْنَا الرُّبُوعُ الصَّمُوتُ ، فَانْمَحَتْ مَحَاسِنُ أَجْسَادِنَا ، وَ تَنَكَّرَتْ مَعَارِفُ صُوَرِنَا ، وَ طَالَتْ في مَسَاكِنِ الْوَحْشَةِ إِقَامَتُنَا ، وَ لَمْ نَجِدْ مِنْ كَرْبٍ فَرَجاً ، وَ لاَ مِنْ ضيقٍ مُتَّسَعاً .

فَلَوْ مَثَّلْتَهُمْ بِعَقْلِكَ ، أَوْ كُشِفَ عَنْهُمْ مَحْجُوبُ الْغِطَاءِ لَكَ ، وَ قَدِ ارْتَسَخَتْ أَسْمَاعُهُمْ بِالْهَوَامِّ فَاسْتَكَّتْ ، وَ اكْتَحَلَتْ أَبْصَارُهُمْ بِالتُّرَابِ فَخَسَفَتْ ، وَ تَقَطَّعَتِ الأَلْسِنَةُ في أَفْوَاهِهِمْ بَعْدَ ذَلاَقَتِهَا ،

وَ هَمَدَتِ الْقُلُوبُ في صُدُورِهِمْ بَعْدَ يَقْظَتِهَا ، وَ عَاثَ في كُلِّ جَارِحَةٍ مِنْهُمْ جَديدُ بِلىً سَمَّجَهَا ، وَ سَهَّلَ

[ 1 ] ارتحال . ورد في نسخة الجيلاني الموجودة في مكتبة الإمام الرضا ( ع ) في مدينة مشهد .

[ 2 ] عميت . ورد في نسخة العام 400 ص 307 . و هامش نسخة ابن المؤدب ص 215 . و نسخة نصيري ص 142 . و نسخة الآملي ص 192 . و نسخة ابن أبي المحاسن ص 220 . و نسخة الأسترابادي ص 355 . و نسخة الصالح ص 340 . و نسخة العطاردي ص 258 .

[ 3 ] تهدّمت . ورد في هامش نسخة نصيري ص 142 .

[ 543 ]

طُرُقَ الآفَةِ إِلَيْهَا ، مُسْتَسْلِمَاتٌ فَلاَ أَيْدٍ تَدْفَعُ ، وَ لاَ قُلُوبٌ تَجْزَعُ ، لَرَأَيْتَ أَشْجَانَ قُلُوبٍ ، وَ أَقْذَاءَ عُيُونٍ .

لَهُمْ في [ 1 ] كُلِّ فَظَاعَةٍ صِفَةُ حَالٍ لاَ تَنْتَقِلُ ، وَ غَمْرَةٌ لاَ تَنْجَلي .

فَكَمْ أَكَلَتِ الأَرْضُ مِنْ عَزيزِ جَسَدٍ ، وَ أَنيقِ لَوْنٍ ، كَانَ فِي الدُّنْيَا غَذِيَّ تَرَفٍ ، وَ رَبيبَ شَرَفٍ ، يَتَعَلَّلُ بِالسُّرُورِ في سَاعَةِ حُزْنِهِ ، وَ يَفْزَعُ إِلَى السَّلْوَةِ إِنْ مُصيبَةٌ نَزَلَتْ بِهِ ، ضَنّاً بِغَضَارَةِ عَيْشِهِ ، وَ شَحَاحَةً بِلَهْوِهِ وَ لَعِبِهِ ، فَبَيْنَا هُوَ يَضْحَكُ إِلَى الدُّنْيَا وَ تَضْحَكُ إِلَيْهِ في ظِلِّ عَيْشٍ غَفُولٍ ، إِذْ وَطِئَ الدَّهْرُ بِهِ حَسَكَهُ ، وَ نَقَضَتِ الأَيَّامُ قُوَاهُ ، وَ نَظَرَتْ إِلَيْهِ الْحُتُوفُ مِنْ كَثَبٍ ، فَخَالَطَهُ بَثٌّ لاَ يَعْرِفُهُ ، وَ نَجِيُّ هَمٍّ مَا كَانَ يَجِدُهُ ، وَ تَوَلَّدَتْ فيهِ فَتَرَاتُ عِلَلٍ ، آنَسَ مَا كَانَ بِصِحَّتِهِ ، فَفَزِعَ إِلى مَا كَانَ عَوَّدَهُ الأَطِبَّاءُ مِنْ تَسْكينِ الْحَارِّ بِالْقَارِّ ، وَ تَحْريكِ الْبَارِدِ بِالْحَارِّ ، فَلَمْ يُطْفِئْ بِبَارِدٍ إِلاَّ ثَوَّرَ حَرَارَةً ، وَ لاَ حَرَّكَ بِحَارٍّ إِلاَّ هَيَّجَ بُرُودَةً ، وَ لاَ اعْتَدَلَ بِمُمَازِجٍ لِتِلْكَ الطَّبَائِعِ إِلاَّ مِنْهَا كُلَّ ذَاتِ دَاءٍ .

حَتَّى فَتَرَ مُعَلِّلُهُ ، وَ ذَهَلَ مُمَرِّضُهُ ، وَ تَعَايَا أَهْلُهُ بِصِفَةِ دَائِهِ ، وَ خَرِسُوا عَنْ جَوَابِ السَّائِلينَ عَنْهُ ،

وَ تَنَازَعُوا دُونَهُ شَجِيَّ خَبَرٍ يَكْتُمُونَهُ ، فَقَائِلٌ يَقُولُ : هُوَ لِمَا بِهِ ، وَ مُمَنٍّ لَهُمْ إِيَابَ عَافِيَتِهِ ، وَ مُصَبِّرٌ لَهُمْ عَلى فَقْدِهِ ، يُذَكِّرُهُمْ أَسَى الْمَاضينَ مِنْ قَبْلِهِ .

فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ عَلى جَنَاحٍ مِنْ فِرَاقِ الدُّنْيَا ، وَ تَرْكِ الأَحِبَّةِ ، إِذْ عَرَضَ لَهُ عَارِضٌ مِنْ غُصَصِهِ ،

فَتَحَيَّرَتْ نَوَافِذُ فِطْنَتِهِ ، وَ يَبِسَتْ رُطُوبَةُ لِسَانِهِ ، فَكَمْ مِنْ مُهِمٍّ مِنْ جَوَابِهِ عَرَفَهُ فَعَيَّ عَنْ رَدِّهِ ، وَ دُعَاءٍ مُؤْلِمٍ لِقَلْبِهِ سَمِعَهُ فَتَصَامَّ عَنْهُ ، مِنْ كَبيرٍ كَانَ يُعَظِّمُهُ ، أَوْ صَغيرٍ كَانَ يَرْحَمُهُ .

وَ إِنَّ لِلْمَوْتِ لَغَمَرَاتٍ هِيَ أَفْظَعُ مِنْ أَنْ تُسْتَغْرَقَ بِصِفَةٍ ، أَوْ تَعْتَدِلَ عَلى عُقُولِ [ 2 ] أَهْلِ الدُّنْيَا .