خطبة له عليه السلام ( 48 ) بعد دخوله الكوفة آتياً من البصرة

بِسْمِ اللَّهَ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ اَلْحَمْدُ للَّهِ الَّذي نَصَرَ وَلِيَّهُ ، وَ خَذَلَ عَدُوَّهُ ، وَ أَعَزَّ الصَّادِقَ الْمُحِقَّ ، وَ أَذَلَّ الْكَاذِبَ الْمُبْطِلَ [ 1 ] .

أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالى أَرْسَلَ إِلَيْكُمْ مُحَمَّداً عَبْدَهُ وَ رَسُولَهُ ، أَرْسَلَهُ بِالْهُدى وَ دينِ الْحَقِّ ،

لِيُزيحَ بِهِ عِلَّتَكُمْ ، وَ يُوقِظَ بِهِ غَفْلَتَكُمْ .

أَمَّا بَعْدُ ، عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ هذَا الْمِصْرِ ، بِتَقْوَى اللَّهِ وَ طَاعَةِ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ الَّذينَ هُمْ أَوْلى بِطَاعَتِكُمْ مِنَ الْمُنْتَحِلينَ [ 2 ] الْمُدَّعينَ الْمُقَابِلينَ إِلَيْنَا ، الْقَالينَ لَنَا ،

الَّذينَ يَتَفَضَّلُونَ بِفَضْلِنَا ، وَ يُجَاحِدُونَا أَمْرَنَا ، وَ يُنَازِعُونَا حَقَّنَا ، وَ يُدَافِعُونَا عَنْهُ ، فَقَدْ ذَاقُوا وَبَالَ مَا اجْتَرَمُوا فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً 1 .

يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ ، فَإِنَّ لَكُمْ فِي الإِسْلاَمِ فَضْلاً مَا لَمْ تُبَدِّلُوا وَ تُغَيِّرُوا ، دَعَوْتُكُمْ إِلَى الْحَقِّ فَأَجَبْتُمْ ،

وَ بَدَأْتُمْ بِالْمُنْكَرِ فَغَيَّرْتُمْ [ 4 ] .

[ 9 ] أَنْتُمُ الأَنْصَارُ [ 5 ] عَلَى الْحَقِّ ، وَ الإِخْوَانُ [ 6 ] فِي الدّينِ ، وَ الْجُنَنُ يَوْمَ الْبَأْسِ ، وَ الْبِطَانَةُ دُونَ النَّاسِ [ 7 ] . بِكُمْ أَضْرِبُ الْمُدْبِرَ ، وَ أَرْجُو تَمَامَ [ 8 ] طَاعَةِ الْمُقْبِلِ .

فَأَعينُوني بِمُنَاصَحَةِ خَلِيَّةِ مِنَ الْغِشِّ ، سَليمَةٍ مِنَ الرَّيْبِ . فَوَ اللَّهِ إِنّي لأَوْلَى النَّاسِ بِالنَّاسِ .

[ 9 ] من : أنتم إلى : النّاس بالنّاس ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 118 .

[ 1 ] ورد في وقعة صفين ص 4 . و الفتوح ج 2 ص 491 . و البحار ( مجلد قديم ) ج 8 ص 431 . و منهاج البراعة ج 17 ص 175 . و نهج السعادة ج 1 ص 433 .

[ 2 ] المستحلّين . ورد في كتاب الفتوح لابن أعثم ج 2 ص 491 .

-----------
( 1 ) مريم ، 59 .

[ 4 ] ورد في وقعة صفين ص 3 و 4 . و الفتوح ج 2 ص 491 . و شرح ابن أبي الحديد ج 3 ص 103 . و المناقب للخوارزمي ص 67 .

و تذكرة الخواص ص 116 . و البحار ( مجلد قديم ) ج 8 ص 431 . و منهاج البراعة ج 4 ص 206 و ج 17 ص 175 . و نهج السعادة ج 1 ص 432 و 433 . و نهج البلاغة الثاني ص 114 . باختلاف بين المصادر .

[ 5 ] أنصاري . ورد في الإمامة و السياسة لابن قتيبة ج 1 ص 165 .

[ 6 ] إخواني . ورد في المصدر السابق .

[ 7 ] صحابتي على جهاد عدوّي . ورد في التاريخ للطبري ج 4 ص 58 .

[ 8 ] ورد في و ورد إتمام في الإمامة و السياسة لابن قتيبة ج 1 ص 165 .

[ 458 ]

[ 10 ] كَأَنّي بِكِ ، يَا كُوفَةُ ، تُمَدّينَ مَدَّ الأَديمِ الْعُكَاظِيِّ ، تُعْرَكينَ بِالنَّوَازِلِ ، وَ تُرْكَبينَ بِالزَّلاَزِلِ .

وَ إِنّي لأَعْلَمُ أَنَّه مَا أَرَاد بِكِ جَبَّارٌ سُوءاً إِلاَّ ابْتَلاَهُ اللَّهُ بِشَاغِلٍ ، أَوْ رَمَاهُ بِقَاتِلٍ .

أَلاَ إِنَّ فَضْلَكُمْ فيمَا بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ اللَّهِ ، فَأَمَّا فِي الأَحْكَامِ وَ الْقَسْمِ فَأَنْتُمْ أُسْوَةُ غَيْرِكُمْ مِمَّنْ أَجَابَكُمْ وَ دَخَلَ فيمَا دَخَلْتُمْ فيهِ [ 1 ] .

[ 11 ] أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ خَلَّتَانِ اثْنَتَانِ :

إِتِّبَاعُ الْهَوى ، وَ طُولُ الأَمَلِ .

فَأَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوى فَيَصُدُّكُمْ [ 2 ] عَنِ الْحَقِّ .

وَ أَمَّا طُولُ الأَمَلِ فَيُنْسيكُمُ [ 3 ] الآخِرَةِ .

أَلاَ وَ إِنَّ الدُّنْيَا قَدْ وَلَّتْ حَذَّاءَ [ 4 ] ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلاَّ صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الإِنَاءِ اصْطَبَّهَا صَابُّهَا .

أَلاَ وَ إِنَّ الآخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ صَادِقَةً [ 5 ] .

وَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بَنُونَ ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ [ 6 ] ، وَ لاَ تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا ،

فَإِنَّ كُلَّ وَلَدٍ سَيُلْحَقُ بِأَبيهِ [ 7 ] يَوْمَ الْقِيَامَةِ .

وَ إِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَ لاَ حِسَابٌ ، وَ غَداً حِسَابٌ وَ لاَ عَمَلٌ .

وَ اعْلَمُوا ، عِبَادَ اللَّهِ ، أَنَّكُمْ مَيِّتُونَ وَ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ ، وَ مَوْقُوفُونَ [ 8 ] عَلى أَعْمَالِكُمْ ،

وَ مَجْزِيُّونَ بِهَا ، فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ، فَإِنَّهَا [ 9 ] [ 12 ] دَارٌ بِالْبَلاَءِ مَحْفُوفَةٌ ، وَ بِالْغَدْرِ مَعْرُوفَةٌ ، وَ بِالْعَنَاءِ

[ 10 ] من : كأنّي إلى : بقاتل ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 47 .

[ 11 ] من : أيّها النّاس إلى : و لا عمل ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 42 .

[ 12 ] من : دار إلى : بحمامها ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 226 .

[ 1 ] ورد في وقعة صفين ص 3 . و الكافي ج 8 ص 50 . و المناقب للخوارزمي ص 262 . و شرح ابن أبي الحديد ج 3 ص 103 . و البحار ( مجلد قديم ) ج 8 ص 431 . و منهاج البراعة ج 4 ص 206 و 296 و ج 17 ص 175 . و نهج السعادة ج 2 ص 432 و ج 3 ص 128 .

باختلاف بين المصادر .

[ 2 ] ورد في تذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي ص 116 .

[ 3 ] ورد في المصدر السابق .

[ 4 ] جذّاء . ورد في نسخ النهج برواية ثانية .

[ 5 ] ورد في كنز العمال للهندي ج 16 ص 23 .

[ 6 ] ورد في السقيفة لسليم بن قيس ص 161 . و نهج السعادة للمحمودي ج 2 ص 433 .

[ 7 ] بأمّه . ورد في متن منهاج البراعة للخوئي ج 4 ص 199 .

[ 8 ] محاسبون . ورد في تذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي ص 116 .

[ 9 ] ورد في دستور معالم الحكم ص 36 . و تاريخ دمشق ( ترجمة الإمام علي ) ج 3 ص 268 . و المناقب للخوارزمي ص 67 . و تذكرة الخواص ص 116 . و نهج السعادة ج 3 ص 180 . و مصادر نهج البلاغة ج 3 ص 168 . باختلاف بين المصادر .

[ 459 ]

مَوْصُوفَةٌ ، وَ كُلُّ مَا فيهَا إِلى زَوَالٍ ، وَ هِيَ بَيْنَ أَهْلِهَا دُوَلٌ وَ سِجَالٌ [ 1 ] .

لاَ تَدُومُ أَحْوَالُهَا ، وَ لاَ يَسْلَمَ مِنْ شَرِّهَا [ 2 ] نُزَّالُهَا .

بَيْنَا أَهْلُهَا مِنْهَا في رَخَاءٍ وَ سُرُورٍ ، إِذَا هُمْ مِنْهَا في بَلاَءٍ وَ غُرُورٍ [ 3 ] .

أَحْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ ، وَ تَارَاتٌ مُتَصَرِّفَةٌ .

اَلْعَيْشُ فيهَا مَذْمُومٌ ، وَ الأَمَانُ فيهَا مَعْدُومٌ ، وَ الرُّخَاءُ فيهَا لاَ يَدُومُ [ 4 ] .

وَ إِنَّمَا أَهْلُهَا فيهَا أَغْرَاضٌ مُسْتَهْدَفَةٌ ، تَرْميهِمْ بِسِهَامِهَا ، وَ تُفْنيهِمْ بِحِمَامِهَا ، وَ كُلٌّ حَتْفُهُ فيهَا مَقْدُورٌ ، وَ حَظُّهُ مِنْ نَوَائِبِهَا مَوْفُورٌ [ 5 ] .

[ 8 ] فَغُضُّوا عَنْكُمْ ، عِبَادَ اللَّهِ ، غُمُومَهَا وَ أَشْغَالَهَا ، لِمَا قَدْ أَيْقَنْتُمْ بِهِ مِنْ فِرَاقِهَا وَ تَصَرُّفِ حَالاَتِهَا . فَاحْذَرُوهَا حَذَرَ الشَّفيقِ النَّاصِحِ ، وَ الْمُجِدِّ الْكَادِحِ .

أَلاَ إِنَّهُ قَدْ قَعَدَ عَنْ نُصْرَتي رِجَالٌ مِنْكُمْ ، فَأَنَا عَلَيْهِمْ عَاتِبٌ زَارٍ ، فَاهْجُرُوهُمْ وَ أَسْمِعُوهُمْ مَا يَكْرَهُونَ حَتَّى تُعْتِبُوا [ 6 ] ، أَوْ نَرى مِنْهُمْ مَا نُحِبُّ وَ نَرْضى .

وَ لِيُعْرَفَ بِذَلِكَ حِزْبُ اللَّهِ عِنْدَ الْفُرْقَةِ [ 7 ] .

[ 8 ] من : فغضّوا إلى : الكادح ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 161 .

[ 1 ] ورد في دستور معالم الحكم ص 36 . و تاريخ دمشق ( ترجمة الإمام علي ) ج 3 ص 268 . و المناقب للخوارزمي ص 67 . و تذكرة الخواص ص 116 . و كنز العمال ج 16 ص 201 . و نهج السعادة ج 3 ص 180 . باختلاف يسير .

[ 2 ] ورد في المصادر السابقة . باختلاف يسير .

[ 3 ] ورد في المصادر السابقة .

[ 4 ] ورد في المصادر السابقة .

[ 5 ] ورد في دستور معالم الحكم ص 37 . و المناقب للخوارزمي ص 67 . و تذكرة الخواص ص 117 . و نهج السعادة ج 3 ص 181 .

باختلاف يسير .

[ 6 ] يعتبونا . ورد في الإرشاد للمفيد ص 138 . و البحار للمجلسي ( مجلد قديم ) ج 8 ص 431 .

[ 7 ] ورد في المصدرين السابقين . و وقعة صفين ص 4 . و الفتوح ج 2 ص 491 . و شرح ابن أبي الحديد ج 3 ص 103 . و نهج السعادة ج 1 ص 334 . و نهج البلاغة الثاني ص 115 . باختلاف بين المصادر .

[ 460 ]