بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحيِم اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمينَ ، [ وَ الصَّلاَةُ عَلى مُحَمَّدٍ سَيِّدِ الْمُرْسَلينَ ] .
أُوصيكُمْ ، عِبَادَ اللَّهِ ، بِتَقْوَى اللَّهِ ، وَ أَحْمُدُ إِلَيْكُمُ اللَّهَ الَّذي لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ .
أَوَّلُ كُلِّ شَيءٍ وَ آخِرُهُ ، وَ مُبْتَدِئُ كُلِّ شَيْءٍ وَ مُعيدُهُ [ 1 ] .
[ 7 ] كُلُّ شَيْءٍ خَاشِعٌ لَهُ ، وَ كُلُّ شَيْءٍ قَائِمٌ بِهِ ، وَ كُلُّ شَيْءٍ ضَارِعٌ إِلَيْهِ ، وَ كُلُّ شَيْءٍ مُشْفِقٌ مِنْهُ .
خَشَعَتْ لَهُ الأَصْوَاتُ ، وَ قَامَتْ بِأَمْرِهِ الأَرْضُ وَ السَّموَاتُ ، وَ ضَلَّتْ دُونَهُ الأَعْلاَمُ ، وَ كَلَّتْ دُونَهُ الأَبْصَارُ .
سُبْحَانَهُ مَا أَعْظَمَ شَأْنَهُ ، وَ أَجَلَّ سُلْطَانَهُ [ 2 ] .
[ 8 ] أَمْرُهُ قَضَاءٌ وَ حِكْمَةٌ ، وَ رِضَاهُ أَمَانٌ وَ رَحْمَةٌ ، وَ كَلاَمُهُ نُورٌ ، وَ سَخَطُهُ عَذَابٌ .
وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ، شَديدُ النَّقْمَةِ ، قَريبُ الرَّحْمَةِ [ 3 ] .
يَقْضي بِعِلْمٍ ، وَ يَعْفُو بِحِلْمٍ ، غِنى كُلِّ فَقيرٍ ، وَ عِزُّ كُلِّ ذَليلٍ ، وَ قُوَّةُ كُلِّ ضَعيفٍ ، وَ مَفْزَعُ كُلِّ مَلْهُوفٍ .
يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ الصُّدُورُ ، وَ مَا تَخُونُ الْعُيُونُ ، وَ مَا في قَعْرِ الْبُحُورِ ، وَ مَا تُرْخى عَلَيْهِ السُّتُورُ .
اَلرَّحيمُ بِخَلْقِهِ ، الرَّؤُوفُ بِعِبَادِهِ ، عَلى غِنَاهُ عَنْهُمْ وَ فَقْرِهِمْ إِلَيْهِ [ 4 ] .
مَنْ تَكَلَّمَ سَمِعَ نُطْقَهُ ، وَ مَنْ سَكَتَ عَلِمَ سِرَّهُ ، وَ مَنْ عَاشَ فَعَلَيْهِ رِزْقُهُ ، وَ مَنْ مَاتَ فَإِلَيْهِ مُنْقَلَبُهُ [ 5 ] .
اَللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلى مَا تَأْخُذُ وَ تُعْطي ، وَ عَلى مَا تُعَافي وَ تَبْتَلي [ 6 ] ، وَ عَلى مَا تُميتُ وَ تُحْيي ،
حَمْداً يَكُونُ أَرْضَى الْحَمْدِ لَكَ ، وَ أَحَبَّ الْحَمْدِ إِلَيْكَ ، وَ أَفْضَلَ الْحَمْدِ عِنْدَكَ ، حَمْداً يَمْلأُ مَا خَلَقْتَ ، وَ يَبْلُغُ
[ 7 ] من : كُلّ شيء إلى : قائم به . و من : غنى كلّ إلى : ملهوف . و من : من تكلّم إلى : منقلبه ورد في خطب الرضي تحت الرقم 109 .
[ 8 ] من : أمره إلى : بحلم . و من : اللّهمّ إلى : و الأقدام ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 160 .
[ 1 ] ورد في نهج السعادة للمحمودي ج 2 ص 644 .
[ 2 ] ورد في المصدر السابق . و العقد الفريد لابن عبد ربه ج 4 ص 166 . باختلاف يسير .
[ 3 ] ورد في نهج السعادة للمحمودي ج 2 ص 645 .
[ 4 ] ورد في المصدر السابق . و العقد الفريد لابن عبد ربه ج 4 ص 166 . باختلاف يسير .
[ 5 ] مصيره . ورد في
[ 6 ] تبلي و تولي . ورد في نهج السعادة للمحمودي ج 2 ص 645 .
[ 107 ]
مَا أَرَدْتَ ، حَمْداً لاَ يُحْجَبُ عَنْكَ ، وَ لاَ يُقْصَرُ [ 1 ] دُونَكَ ، وَ يَبْلُغُ فَضْلَ رِضَاكَ ، حَمْداً يَفْضُلُ حَمْدَ مَنْ مَضى ، وَ يَعْرِفُ حَمْدَ مَنْ بَقى [ 2 ] ، حَمْداً لاَ يَنْقَطِعُ عَدَدُهُ ، وَ لاَ يَفْنى مَدَدُهُ .
فَلَسْنَا نَعْلَمُ كُنْهَ عَظَمَتِكَ ، إِلاَّ أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ حَيٌّ قَيُّومٌ لاَ تَأْخُذُكَ سِنَةٌ وَ لاَ نَوْمٌ .
لَمْ يَنْتَهِ إِلَيْكَ نَظَرٌ ، وَ لَمْ يُدْرِكْكَ بَصَرٌ ، وَ لاَ يَقْدِرُ قُدْرَتَكَ مَلَكٌ وَ لاَ بَشَرٌ [ 3 ] .
أَدْرَكْتَ الأَبْصَارَ ، وَ كَتَمْتَ الآجَالَ [ 4 ] ، وَ أَحْصَيْتَ الأَعْمَالَ [ 5 ] ، وَ أَخَذْتَ بِالنَّوَاصي وَ الأَقْدَامِ .
لَمْ تُعَنْ في قُدْرَتِكَ ، وَ لَمْ تُشَارَكْ في إِلهَيَّتِكَ ، وَ لاَ يَبْلُغُكَ بُعْدُ الْهِمَمِ ، وَ لاَ يَنَالُكَ غَوْصُ الْفِطَنِ ، وَ لاَ يَنْتَهي إِلَيْكَ نَظَرُ النَّاظِرينَ .
إِرْتَفَعَتْ عَنْ صِفَةِ الْمَخْلُوقينَ صِفَةُ قُدْرَتِكَ ، فَلاَ يَنْتَقِصُ مَا أَرَدْتَ أَنْ يَزْدَادَ ، وَ لاَ يَزْدَادُ مَا أَرَدْتَ أَنْ يَنْتَقِصَ .
وَ كَيْفَ تُدْرِكُكَ الصِّفَاتُ ، أَوْ تَحْويكَ الْجِهَاتُ ، وَ قَدْ حَارَتْ في مَلَكُوتِكَ مَذَاهِبُ التَّفْكيرِ ، وَ حَسِرَ عَنْ إِدْرَاكِكَ بَصَرُ الْبَصيرِ [ 6 ] .
[ 9 ] وَ مَا الَّذي نَرى مِنْ خَلْقِكَ ، وَ نَعْجَبُ لَهُ مِنْ قُدْرَتِكَ ، وَ نَصِفُهُ مِنْ عَظيمِ سُلْطَانِكَ ، وَ مَا تَغَيَّبَ عَنَّا مِنْهُ ، وَ قَصُرَتْ أَبْصَارُنَا عَنْهُ ، وَ انْتَهَتْ [ 7 ] عُقُولُنَا دُونَهُ ، وَ حَالَتْ سُتُورُ [ 8 ] الْغُيُوبِ بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُ ،
أَعْظَمُ .
فَمَنْ فَرَّغَ قَلْبَهُ ، وَ أَعْمَلَ فِكْرَهُ ، لِيَعْلَمَ كَيْفَ أَقَمْتَ عَرْشَكَ ، وَ كَيْفَ ذَرَأْتَ خَلْقَكَ ، وَ كَيْفَ عَلَّقْتَ فِي الْهَوَاءِ سَموَاتِكَ ، وَ كَيْفَ مَدَدْتَ عَلى مَوْرِ الْمَاءِ أَرْضَكَ ، ضَلَّ هُنَالِكَ التَّدْبيرُ في تَصَاريفِ الصِّفَاتِ لَكَ .
[ 9 ] من : و ما الّذي إلى : حائرا ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 160 .
[ 1 ] يقصر . ورد في نسخة العام 400 الموجودة في المكتبة الظاهرية ص 190 . و نسخة الأسترابادي ص 215 . و نسخة عبده ص 341 . و نسخة العطاردي ص 183 .
[ 2 ] ورد في نهج السعادة للمحمودي ج 2 ص 645 .
[ 3 ] ورد في العقد الفريد لابن عبد ربه ج 4 ص 167 .
[ 4 ] ورد في المصدر السابق .
[ 5 ] الأعمار . ورد في نسخة ابن أبي المحاسن ص 188 . و متن شرح ابن ميثم ج 3 ص 276 . و متن شرح ابن أبي الحديد ج 9 ص 467 . و نسخة الأسترابادي ص 215 . و نسخة العطاردي ص 184 .
[ 6 ] ورد في
[ 7 ] و انبهرت . ورد في نسخة العام 400 الموجودة في المكتبة الظاهرية ص 190 .
[ 8 ] سواتر . ورد في المصدر السابق . و نسخة ابن المؤدب ص 135 . و نسخة نصيري ص 87 . و نسخة الآملي ص 132 . و نسخة ابن أبي المحاسن ص 188 . و نسخة الأسترابادي ص 215 . و نسخة عبده ص 341 .
[ 108 ]
فَمَنْ تَفَكَّرَ في ذَلِكَ [ 1 ] رَجَعَ طَرْفُهُ حَسيراً ، وَ عَقْلُهُ مَبْهُوراً ، وَ سَمْعُهُ وَ الِهاً ، وَ فِكْرُهُ حَائِراً .
وَ كَيْفَ يُطْلَبُ عِلْمُ مَا قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ عِزِّ شَأْنِكَ ، إِذَا أَنْتَ فِي الْغُيُوبِ وَ لَمْ يَكُنْ فيهَا غَيْرُكَ ، وَ لَمْ يَكُنْ لَهَا سِوَاكَ ؟ .
لَمْ يَشْهَدْكَ أَحَدٌ حَيْثُ فَطَرْتَ الْخَلْقَ ، وَ لاَ نِدٌّ حَضَرَكَ حينَ ذَرَأْتَ النُّفُوسَ .
فَلَكَ الْحَمْدُ حَمْداً مُتَوَالِياً يَدُومُ وَ لاَ يَبيدُ ، غَيْرَ مَفْقُودٍ فِي الْمَلَكُوتِ ، وَ لاَ مُنْتَقَصٍ فِي الْعِرْفَانِ ، فِي اللَّيْلِ إِذَا أَدْبَرَ ، وَ فِي الصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ ، بِالْغُدُوِّ وَ الآصَالِ ، وَ الْعَشِيِّ وَ الاِبْكَارِ .
كَلَّتِ الأَلْسُنُ عَنْ صِفَتِكَ ، وَ انْحَسَرَتِ الْعُقُولُ عَنْ كُنْهِ مَعْرِفَتِكَ ، وَ تَوَاضَعَتِ الْمُلُوكُ لِهَيْبَتِكَ ،
وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِعِزَّتِكَ ، وَ انْقَادَ كُلُّ شَيْءٍ لِقُدْرَتِكَ ، وَ خَضَعَتِ الرِّقَابُ لِسُلْطَانِكَ .
وَ كَيْفَ لاَ يَعْظُمُ شَأْنُكَ عِنْدَ مَنْ عَرَفَكَ ، وَ هُوَ يَرى مِنْ عِظَمِ خَلْقِكَ مَا يَمْلأُ قَلْبَهُ ، وَ يُذْهِلُ عَقْلَهُ ، مِنْ رَعْدٍ يَقْرَعُ الْقُلُوبَ ، وَ بَرْقٍ يَخْطَفُ الْعُيُونَ ؟ [ 2 ] .
[ 7 ] لَمْ تَرَكَ الْعُيُونُ فَتُخْبِرَ عَنْكَ ، بَلْ كُنْتَ قَبْلَ الْوَاصِفينَ مِنْ خَلْقِكَ .
لَمْ تَخْلُقِ الْخَلْقَ لِوَحْشَةٍ ، وَ لاَ اسْتَعْمَلْتَهُمْ لِمَنْفَعَةٍ ، وَ لاَ يَسْبِقُكَ مَنْ طَلَبْتَ ، وَ لاَ يُفْلِتُكَ مَنْ أَخَذْتَ ،
وَ لاَ يَنْقُصُ سُلْطَانَكَ مَنْ عَصَاكَ ، وَ لاَ يَزيدُ في مُلْكِكَ مَنْ أَطَاعَكَ ، وَ لاَ يَرُدُّ أَمْرَكَ مَنْ سَخِطَ قَضَاءَكَ ،
وَ لاَ يَسْتَغْني عَنْكَ مَنْ تَوَلَّى عَنْ أَمْرِكَ .
كُلُّ سِرٍّ عِنْدَكَ عَلاَنِيَةٌ ، وَ كُلُّ غَيْبٍ عِنْدَكَ شَهَادَةٌ .
أَنْتَ الأَبَدُ لاَ أَمَدَ لَكَ ، وَ أَنْتَ الْمُنْتَهى لاَ مَحيصَ عَنْكَ ، وَ أَنْتَ الْمَوْعِدُ لاَ مَنْجَا مِنْكَ [ 3 ] .
بِيَدِكَ نَاصِيَةُ كُلِّ دَابَّةٍ ، وَ إِلَيْكَ مَصيرُ كُلِّ نَسَمَةٍ ، وَ بِإِذْنِكَ تَسْقُطُ كُلِّ وَرَقَةٍ [ 4 ] .
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ [ 5 ] مَا أَعْظَمَ شَأْنَكَ .
سُبْحَانَكَ مَا أَعْظَمَ مَا نَرى مِنْ خَلْقِكَ ، وَ مَا أَصْغَرَ عَظيمَهُ في جَنْبِ قُدْرَتِكَ . وَ مَا أَهْوَلَ مَا نَرى مِنْ مَلَكُوتِكَ ، وَ مَا أَحْقَرَ ذَلِكَ فيمَا غَابَ عَنَّا مِنْ سُلْطَانِكَ ، وَ مَا أَسْبَغَ نِعَمَكَ فِي الدُّنْيَا ، وَ مَا أَحْقَرَهَا [ 6 ]
[ 7 ] من : لم ترك إلى : عن أرضك ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 109 .
[ 1 ] ورد في .
[ 2 ] ورد في العقد الفريد لابن عبد ربه ج 4 ص 167 . و نهج السعادة للمحمودي ج 2 ص 647 . باختلاف بين المصدرين .
[ 3 ] إلاّ إليك . ورد في عدد من نسخ النهج لكننا ذكرنا متن نسخة نصيري .
[ 4 ] ورد في العقد الفريد لابن عبد ربه ج 4 ص 167 .
[ 5 ] ورد في المصدر السابق . و غرر الحكم للآمدي ج 2 ص 748 . باختلاف يسير .
[ 6 ] ورد في العقد الفريد لابن عبد ربه ج 4 ص 167 . و نهج السعادة للمحمودي ج 2 ص 646 .
[ 109 ]
وَ مَا أَصْغَرَهَا في جَنْبِ [ 1 ] نِعَمِ [ 2 ] الآخِرَةِ .
مِنْ مَلاَئِكَةٍ أَنْشَأْتَهُمْ إِنْشَاءً ، فَ [ 3 ] أَسْكَنْتَهُمْ سَموَاتِكَ ، وَ رَفَعْتَهُمْ عَنْ أَرْضِكَ ، وَ أَكْرَمْتَهُمْ بِجُودِكَ ،
وَ ائْتَمَنْتَهُمْ عَلى وَحْيِكَ ، وَ جَنَّبْتَهُمُ الآفَاتِ ، وَ وَقَيْتَهُمُ الْبَلِيَّاتِ ، وَ طَهَّرْتَهُمْ مِنَ الذُّنُوبِ ، فَلَيْسَ فيهِمْ فَتْرَةٌ ،
وَ لاَ عِنْدَهُمْ غَفْلَةٌ ، وَ لاَ بِهِمْ مَعْصِيَةٌ ، لاَ يَغْشَاهُمْ نَوْمُ الْعُيُونِ ، وَ لاَ سَهْوُ الْعُقُولِ ، وَ لاَ فَتْرَةُ الأَبْدَانِ [ 4 ] .
[ 11 ] هُمْ أَعْلَمُ خَلْقِكَ بِكَ ، وَ أَخْوُفُهُمْ لَكَ ، وَ أَقْرَبُهُمْ مِنْكَ ، لَمْ يَسْكُنُوا الأَصْلاَبَ ، وَ لَمْ يُضَمَّنُوا الأَرْحَامَ ، وَ لَمْ يُخْلَقُوا مِنْ مَاءٍ مَهينٍ ، وَ لَمْ يَتَشَعَّبْهُمْ [ 5 ] رَيْبُ الْمَنُونِ .
وَ لَوْ لاَ تَقْوِيَتُكَ لَمْ يَقْوَوْا ، وَ لَوْ لاَ تَثْبيتُكَ لَمْ يَثْبُتُوا ، وَ لَوْ لاَ رَهْبَتُكَ لَمْ يُطيعُوا ، وَ لَوْ لاَ أَنْتَ لَمْ يَكُونُوا [ 6 ] .
وَ إِنَّهُمْ عَلى مَكَانِهِمْ مِنْكَ ، وَ مَنْزِلَتِهِمْ عِنْدَكَ ، وَ اسْتِجْمَاعِ أَهْوَائِهِمْ فيكَ ، وَ كَثْرَةِ طَاعَتِهِمْ لَكَ ،
وَ قِلَّةِ غَفْلَتِهِمْ عَنْ أَمْرِكَ ، لَوْ عَايَنُوا كُنْهَ مَا خَفِيَ عَلَيْهِمْ مِنْكَ لَحَقَّرُوا أَعْمَالَهُمْ ، وَ لَزَرَوْا [ 7 ] عَلى أَنْفُسِهِمْ ،
وَ لَعَرَفُوا أَنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ ، وَ لَمْ يُطيعُوكَ حَقَّ طَاعَتِكَ .
سُبْحَانَكَ خَالِقاً وَ مَعْبُوداً .
وَ سُبْحَانَكَ [ 8 ] بِحُسْنِ بَلاَئِكَ عِنْدَ خَلْقِكَ مَحْمُوداً .
وَ سُبْحَانَكَ [ 9 ] خَلَقْتَ دَاراً وَ جَعَلْتَ فيهَا مَأْدَبَةً : مَشْرَباً وَ مَطْعَماً ، وَ أَزْوَاجاً وَ خَدَماً ، وَ قُصُوراً وَ أَنْهَاراً ، وَ زُرُوعاً وَ ثِمَاراً .
ثُمَّ أَرْسَلْتَ دَاعِياً يَدْعُو إِلَيْهَا ، فَلاَ الدَّاعِيَ إِلَيْهَا أَجَابُوا ، وَ لاَ فيمَا رَغَّبْتَ فيهِ رَغِبُوا ، وَ لاَ إِلى مَا شَوَّقْتَ إِلَيْهِ اشْتَاقُوا . [ بَلْ ] أَقْبَلُوا عَلى جيفَةٍ قَدِ افْتَضَحُوا بِأَكْلِهَا ، وَ اصْطَلَحُوا عَلى حُبِّهَا ،
وَ أَعْمَتْ أَبْصَارَ صَالِحي زَمَانِهَا ، وَ في قُلُوبِ فُقَهَائِهِمْ مِنْ عِشْقِهَا [ 10 ] ، وَ مَنْ عَشِقَ شَيْئاً أَعْشى
[ 11 ] من : هم إلى : المنون . و من : و إنّهم إلى : حيث لا إقالة لهم و لا رجعة ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 109 .
[ 1 ] ورد في نهج السعادة للمحمودي ج 2 ص 646 .
[ 2 ] نعيم . ورد في نسخة نصيري ص 62 .
[ 3 ] ورد في العقد الفريد لابن عبد ربه ج 4 ص 168 .
[ 4 ] ورد في المصدر السابق باختلاف .
[ 5 ] لم يشعبهم . ورد في نسخة العام 400 ص 120 . و نسخة ابن المؤدب ص 89 . و نسخة نصيري ص 62 . و نسخة الآملي ص 86 . و نسخة ابن أبي المحاسن ص 125 .
[ 6 ] ورد في العقد الفريد لابن عبد ربه ج 4 ص 168 .
[ 7 ] لأزروا . ورد في نسخة ابن المؤدب ص 89 . و نسخة نصيري ص 62 . و نسخة الآملي ص 86 . و نسخة ابن أبي المحاسن ص 125 .
[ 8 ] ورد في نهج السعادة للمحمودي ج 2 ص 646 .
[ 9 ] ورد في المصدر السابق . و العقد الفريد لابن عبد ربه ج 4 ص 168 . باختلاف يسير .
[ 10 ] ورد في نهج السعادة للمحمودي ج 2 ص 648 .
[ 110 ]
بَصَرَهُ ، وَ أَمْرَضَ قَلْبَهُ ، وَ أَمَاتَ لُبَّهُ [ 1 ] ، فَهُوَ يَنْظُرُ بِعَيْنٍ غَيْرِ صَحيحَةٍ ، وَ يَسْمَعُ بِأُذُنٍ غَيْرِ سَميعَةٍ .
قَدْ خَرَقَتِ [ 2 ] الشَّهَوَاتُ عَقْلَهُ ، وَ أَمَاتَتِ الدُّنْيَا قَلْبَهُ ، وَ وَلِهَتْ عَلَيْهَا نَفْسُهُ ، فَهُوَ عَبْدٌ لَهَا وَ لِمَنْ في يَدَيْهِ [ 3 ] شَيْءٌ مِنْهَا ، حَيْثُمَا زَالَتْ زَالَ إِلَيْهَا ، وَ حَيْثُمَا أَقْبَلَتْ أَقْبَلَ عَلَيْهَا .
لاَ يَنْزَجِرُ [ 4 ] مِنَ اللَّهِ بِزَاجِرٍ ، وَ لاَ يَتَّعِظَ مِنْهُ بِوَاعِظٍ ، وَ هُوَ يَرَى الْمَأْخُوذينَ عَلَى الْغِرَّةِ ، حَيْثُ فَارَقُوا الدُّورَ ، وَ صَارُوا إِلَى الْقُبُورِ ، وَ حُشِرُوا إِلى دَارٍ دَانَتْ لَهُمْ فيهَا دَوَاهِي الأُمُورِ ، فَ [ 5 ] لاَ إِقَالَةَ لَهُمْ وَ لاَ رَجْعَةَ ، فَعَلِمَ كُلُّ عَبْدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ كَانَ مَغْرُوراً مَخْدُوعاً .
فَسُبْحَانَ اللَّهِ [ 6 ] [ 12 ] كَيْفَ بِهِمْ إِذَا [ 7 ] نَزَلَ بِهِمْ مَا كَانُوا يَجْهَلُونَ ، وَ جَاءَهُمْ مِنْ فِرَاقِ الدُّنْيَا مَا كَانُوا يَأْمَنُونَ ، وَ قَدِمُوا مِنَ الآخِرَةِ عَلى مَا كَانُوا يُوعَدُونَ .
فَغَيْرُ مَوْصُوفٍ مَا نَزَلَ بِهِمْ ، اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِمْ خَلَّتَانِ [ 8 ] :
سَكْرَةُ الْمَوْتِ ، وَ حَسْرَةُ الْفَوْتِ .
فَاغْبَرَّتْ لَهَا وُجُوهُهُمْ [ 9 ] ، وَ فَتَرَتْ لَهَا أَطْرَافُهُمْ ، وَ تَغَيَّرَتْ لَهَا أَلْوَانُهُمْ ، وَ عَرِقَتْ لَهَا جِبَاهُهُمْ ،
وَ حَرَّكُوا لِمَخْرَجِ أَرْوَاحِهِمْ أَيْدِيَهُمْ [ 10 ] .
ثُمَّ ازْدَادَ الْمَوْتُ فيهِمْ وُلُوجاً ، فَحيلَ بَيْنَ أَحَدِهِمْ وَ بَيْنَ مَنْطِقِهِ ، وَ إِنَّه لَبَيْنَ أَهْلِهِ يَنْظُرُ بِبَصَرِهِ ،
وَ يَسْمَعُ بِأُذُنِهِ ، عَلى صِحَّةٍ مِنْ عَقْلِهِ ، وَ بَقَاءٍ مِنْ لُبِّهِ ، يُفَكِّرُ : فيمَ أَفْنى عُمْرَهُ ، وَ فيمَ أَذْهَبَ دَهْرَهُ ، وَ يَتَذَكَّرُ أَمْوَالاً جَمَعَهَا ، وَ حُقُوقاً مَنَعَهَا ، وَ قَدْ [ 11 ] أَغْمَضَ في مَطَالِبِهَا ، وَ أَخَذَهَا مِنْ مُصَرَّحَاتِهَا وَ مُشْتَبَهَاتِهَا ،
قَدْ لَزِمَتْهُ تَبِعَاتُ جَمْعِهَا ، وَ أَشْرَفَ عَلى فِرَاقِهَا ، تَبْقى لِمَنْ وَرَاءَهُ يَنْعَمُونَ فيهَا ، وَ يَتَمَتَّعُونَ بِهَا ،
[ 12 ] من : كيف نزل بهم إلى : ألوانهم . و من : ثمّ ازداد إلى : قبض سمعه ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 109 .
[ 1 ] ورد في نهج السعادة للمحمودي ج 2 ص 648 .
[ 2 ] أحرقت . ورد في غرر الحكم للآمدي ج 2 ص 532 .
[ 3 ] يده . ورد في نسخة ابن أبي المحاسن ص 126 . و نسخة عبده ص 261 . و نسخة العطاردي ص 123 عن شرح فيض الإسلام .
[ 4 ] لا يزدجر . ورد في متن شرح ابن ميثم ج 3 ص 60 . و متن مصادر نهج البلاغة للخطيب ج 2 ص 230 .
[ 5 ] ورد في العقد الفريد لابن عبد ربه ج 4 ص 168 . و نهج السعادة للمحمودي ج 2 ص 649 .
[ 6 ] ورد في نهج السعادة للمحمودي ج 2 ص 649 .
[ 7 ] ورد في المصدر السابق .
[ 8 ] ورد في المصدر السابق .
[ 9 ] ورد في المصدر السابق . و العقد الفريد لابن عبد ربه ج 4 ص 168 . باختلاف يسير .
[ 10 ] ورد في نهج السعادة للمحمودي ج 2 ص 649 .
[ 11 ] ورد في نهج السعادة للمحمودي ج 2 ص 650 .
[ 111 ]
فَيَكُونُ الْمَهْنَأُ لِغَيْرِهِ ، وَ الْعِبْءُ عَلى ظَهْرِهِ ، وَ حِسَابُهَا عَلَيْهِ [ 1 ] .
وَ الْمَرْءُ قَدْ غَلِقَتْ رُهُونُهُ بِهَا ، فَهُوَ يَعَضُّ يَدَهُ نَدَامَةً عَلى مَا أَصْحَرَ لَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ مِنْ أَمْرِهِ ،
وَ يَزْهَدُ فيمَا كَانَ يَرْغَبُ فيهِ أَيَّامَ عُمُرِهِ ، وَ يَتَمَنَّى أَنَّ الَّذي كَانَ يَغْبِطُهُ بِهَا ، وَ يَحْسُدُهُ عَلَيْهَا ، قَدْ حَازَهَا دُونَهُ .
فَلَمْ يَزَلِ الْمَوْتُ بِالْمَرْءِ يَزيدُهُ وَ [ 2 ] يُبَالِغُ في جَسَدهِ ، حَتَّى خَالَطَ لِسَانَهُ وَ سَمْعَهُ ، فَصَارَ بَيْنَ أَهْلِهِ لاَ يَنْطِقُ بِلِسَانِهِ ، وَ لاَ يَسْمَعُ بِسَمْعِهِ ، يُرَدِّدُ طَرْفَهُ بِالنَّظَرِ في وُجُوهِهِمْ ، يَرى حَرَكَاتٍ أَلْسِنَتِهِمْ ،
وَ لاَ يَسْمَعُ [ 3 ] رَجْعَ كَلاَمِهِمْ .
ثُمَّ ازْدَادَ الْمَوْتُ بِهِ الْتِيَاطاً ، فَقَبَضَ بَصَرَهُ كَمَا قَبَضَ سَمْعَهُ ، فَذَهَبَتْ مِنَ الدُّنْيَا مَعْرِفَتُهُ ،
وَ هَمَلَتْ عِنْدَ ذَلِكَ حُجَّتُهُ .
وَ مَا زَالَ الْمَوْتُ يَزيدُهُ حَتَّى خَالَطَ عَقْلَهُ ، فَصَارَ لاَ يَعْقِلُ بِعَقْلِهِ ، وَ لاَ يَسْمَعُ بِسَمْعِهِ ، وَ لاَ يَنْطِقُ بِلِسَانِهِ ، [ وَ لاَ يُبْصِرُ بِعَيْنِهِ ] .
فَمَا زَالَ كَذَلِكَ حَتَّى بَلَغَتِ الرُّوحُ الْحُلْقُومَ .
ثُمَّ زَادَهُ الْمَوْتُ حَتَّى [ 4 ] [ 10 ] خَرَجَتِ الرُّوحُ مِنْ جَسَدِهِ ، فَصَارَ جيفَةً عِنْدَ [ 5 ] أَهْلِهِ ، قَدْ أُوحِشُوا مِنْ جَانِبِهِ ، وَ تَبَاعَدُوا مِنْ قُرْبِهِ ، لاَ يُسْعِدُ [ 6 ] بَاكِياً ، وَ لاَ يُجيبُ دَاعِياً .
ثُمَّ أَخَذُوا في غَسْلِهِ فَنَزَعُوا عَنْهُ ثِيَابَ أَهْلِ الدُّنْيَا .
ثُمَّ كَفَّنُوهُ فَلَمْ يُوَزِّرُوهُ ، ثُمّ أَلْبَسُوُهُ قَميصاً لَمْ يَكْفَؤُوا عَلَيْهِ أَسْفَلَهُ وَ لَمْ يُزِرُّوهُ [ 7 ] .
ثُمَّ حَمَلُوهُ إِلى مَخَطٍّ [ 8 ] فِي الأَرْضِ فَأَدْخَلُوهُ ، ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْهُ [ 9 ] وَ أَسْلَمُوهُ فيهِ إِلى عَمَلِهِ ،
[ 10 ] من : و خرجت إلى : داعيا . و من : ثمّ حملوه إلى : زورته ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 109 .
[ 1 ] ورد في نهج السعادة للمحمودي ج 2 ص 650 .
[ 2 ] ورد في المصدر السابق ص 651 .
[ 3 ] و لا يستطيع . ورد في نسخة ابن المؤدب ص 91 .
[ 4 ] ورد في العقد الفريد لابن عبد ربه ج 4 ص 168 . و نهج السعادة للمحمودي ج 2 ص 651 . باختلاف يسير .
[ 5 ] بين . ورد في نسخة العام 400 ص 125 . و نسخة ابن المؤدب ص 91 . و نسخة ابن أبي المحاسن ص 127 . و نسخة الأسترابادي ص 141 . و نسخة العطاردي ص 124 .
[ 6 ] لا يسمع . ورد في العقد الفريد لابن عبد ربه ج 4 ص 168 .
[ 7 ] ورد في العقد الفريد لابن عبد ربه ج 4 ص 168 . و نهج السعادة للمحمودي ج 2 ص 651 . باختلاف بين المصدرين .
[ 8 ] محطّ . ورد في نسخة العطاردي ص 124 .
[ 9 ] ورد في نهج السعادة للمحمودي ج 2 ص 653 .
[ 112 ]
وَ انْقَطَعُوا عَنْ زَوْرَتِهِ ، وَ خَلُّوهُ بِمُفْظِعَاتِ الأُمُورِ ، وَ تَحْتَ مَسْأَلَةِ مُنْكَرَ وَ نَكيرٍ ، مَعَ ظُلْمَةِ الْقَبْرِ وَ ضيقِهِ وَ وَحْشَتِهِ . فَذَلِكَ مَثْوَاهُ حَتَّى يَبْلى جَسَدُهُ ، وَ يَصيرَ رُفَاتاً رَميماً [ 1 ] .
[ 16 ] حَتَّى إِذَا بَلَغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ، وَ الأَمْرُ مَقَاديرَهُ ، وَ أُلْحِقَ آخِرُ الْخَلْقِ بِأَوَّلِهِ ، وَ جَاءَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا يُريدُهُ مِنْ تَجْدِيدِ خَلْقِهِ [ 2 ] ، أَمَادَ [ 3 ] السَّمَاءَ فَفَتَقَهَا [ 4 ] ، وَ فَطَرَهَا ، وَ أَفْزَعَ مَنْ فيهَا ، وَ بَقِيَ مَلاَئِكَتُهَا قَائِمَةً عَلى أَرْجَائِهَا .
ثُمَّ وَصَلَ الأَمْرُ إِلَى الأَرَضينَ ، وَ الْخَلْقُ رُفَاتٌ لاَ يَشْعُرُونَ [ 5 ] ، وَ أَرَجَّ [ 6 ] الأَرْضَ وَ أَرْجَفَهَا بِهِمْ ،
وَ زَلْزَلَهَا عَلَيْهِمْ [ 7 ] ، وَ قَلَعَ جِبَالَهَا مِنْ أُصُولِهَا [ 8 ] وَ نَسَفَهَا وَ سَيَّرَهَا [ 9 ] ، وَ دَكَّ بَعْضُهَا بَعْضاً مِنْ هَيْبَةِ جَلاَلَتِهِ ، وَ مَخُوفِ سَطْوَتِهِ ، ثُمَّ كَانَتْ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ ، قَدْ دُكَّتْ هِيَ وَ أَرْضُهَا دَكَّةً وَاحِدَةً [ 10 ] .
وَ أَخْرَجَ مَنْ فيهَا فَجَدَّدَهُمْ بَعْدَ إِخْلاَقِهِمْ [ 11 ] ، وَ جَمَعَهُمْ بَعْدَ تَفْريقِهِمْ [ 12 ] .
ثُمَّ مَيَّزَهُمْ لِمَا يُريدُ مِنْ تَوْقيفِهِمْ [ 13 ] ، وَ مَسْأَلَتِهِمْ [ 14 ] عَنْ خَفَايَا الأَعْمَالِ ، وَ خَبَايَا الأَفْعَالِ .
فَمَنْ أَحْسَنَ مِنْهُمْ يُجْزيهِ بِأَعْمَالِهِ وَ إِحْسَانِهِ ، وَ مَنْ أَسَاءَ مِنْهُمْ يُجْزيهِ بِإِسَاءَتِهِ .
ثُمَّ مَيَّزَهُمْ [ 15 ] وَ جَعَلَهُمْ فَريقَيْنِ :
[ 16 ] من : حتّى إذا إلى : و فطرها . و من : و أرجّ . إلى : فيقضى ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 109 .
[ 1 ] ورد في العقد الفريد لابن عبد ربه ج 4 ص 168 . و نهج السعادة للمحمودي ج 2 ص 653 . باختلاف يسير .
[ 2 ] إعادته . ورد في نهج السعادة للمحمودي ج 2 ص 653 .
[ 3 ] أمار . ورد في هامش نسخة ابن المؤدب ص 91 . و هامش نسخة الآملي ص 87 . و نسخة العطاردي ص 125 عن نسخة .
[ 4 ] ورد في نهج السعادة للمحمودي ج 2 ص 653 .
[ 5 ] ورد في المصدر السابق . و العقد الفريد لابن عبد ربه ج 4 ص 169 .
[ 6 ] فرجّ . ورد في نهج السعادة للمحمودي ج 2 ص 654 .
[ 7 ] ورد في المصدر السابق . و العقد الفريد لابن عبد ربه ج 4 ص 169 .
[ 8 ] ورد في نهج السعادة للمحمودي ج 2 ص 654 .
[ 9 ] ورد في المصدر السابق .
[ 10 ] ورد في المصدر السابق .
[ 11 ] على أخلاقهم . ورد في متن شرح ابن ميثم ج 3 ص 67 . و متن بهج الصباغة ج 8 ص 554 . و ورد أخلاقهم في نسخة ابن المؤدب ص 91 . و نسخة عبده ص 263 .
[ 12 ] تفرّقهم . ورد في نسخة نصيري ص 63 . و نسخة عبده ص 263 . و نسخة الصالح ص 162 .
[ 13 ] ورد في نهج السعادة للمحمودي ج 2 ص 654 .
[ 14 ] مساءلتهم . ورد في نسخة العام 400 ص 125 . و نسخة ابن المؤدب ص 91 . و نسخة نصيري ص 63 . و نسخة الآملي ص 88 . و نسخة ابن أبي المحاسن ص 127 . و نسخة الأسترابادي ص 141 . و نسخة العطاردي ص 125 .
[ 15 ] ورد في نهج السعادة للمحمودي ج 2 ص 653 .
[ 113 ]
أَنْعَمَ عَلى هؤُلاَءِ وَ انْتَقَمَ [ 1 ] مِنْ هؤُلاَءِ [ 2 ] .
فَأَمَّا أَهْلُ الطَّاعَةِ فَأَثَابَهُمْ بِجِوَارِهِ ، وَ خَلَّدَهُمْ في دَارٍهِ ، فَعَيْشٌ رَغَدٌ ، وَ مُجَاوَرَةُ رَبٍّ كَريمٍ ،
وَ مُرَافَقَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ [ 3 ] ، حَيْثُ لاَ يَظْعَنُ النُزَّالُ ، وَ لاَ تَتَغَيَّرُ بِهِمُ الْحَالُ ، وَ لاَ تَنُوبُهُمُ الأَفْزَاعُ [ 4 ] ، وَ لاَ تَنَالُهُمُ الأَسْقَامُ ، وَ لاَ تَعْرِضُ لَهُمُ الأَخْطَارُ ، وَ لاَ تُشْخِصُهُمُ الأَسْفَارُ .
وَ أَمَّا أَهْلُ الْمَعْصِيَةِ فَأَنْزَلَهُمْ شَرَّ دَارٍ ، وَ خَلَّدَهُمْ فِي النَّارِ [ 5 ] ، وَ غَلَّ الأَيْديَ إِلَى الأَعْنَاقِ ، وَ قَرَنَ النَّوَاصِيَ بِالأَقْدَامِ ، وَ أَلْبَسَهُمْ سَرَابيلَ الْقَطِرَانِ ، وَ مُقَطَّعَاتِ النّيرَانِ . في عَذَابٍ قَدِ اشْتَدَّ حَرُّهُ ، وَ بَابٍ قَدْ أُطْبِقَ عَلى أَهْلِهِ ، في نَارٍ لَهَا كَلَبٌ وَ لَجَبٌ [ 6 ] ، وَ لَهَبٌ سَاطِعٌ ، وَ قَصيفٌ هَائِلٌ ، لاَ يَظْعَنُ مُقيمُهَا ، وَ لاَ يُفَادى أَسيرُهَا ، وَ لاَ تُفْصَمُ كُبُولُهَا .
لاَ مُدَّةَ لِلدَّارِ فَتَفْنى ، وَ لاَ أَجَلَ لِلْقَوْمِ فَيُقْضى .
فَهَلْ سَمِعْتُمْ بِمِثْلِ هذَا الثَّوَابِ وَ العِقَابِ ؟ .
مَا لِلنَّاسِ مِنْ هَوْلٍ نَامَ طَالِبُهُ ، وَ أَدْرَكَهُ هَارِبُهُ ، أَوْ تَشَاغَلَ عَنْهُ بِغَيْرِهِ .
تَشَاغَلَ أَهْلُ الدُّنْيَا بِدُنْيَاهُمْ ، وَ تَشَاغَلَ أَهْلُ الآخِرَةِ بِأُخْرَاهُمْ .
فَأَمَّا أَهْلُ الدُّنْيَا فَأَتْعَبُوا أَبْدَانَهُمْ ، وَ دَنَّسُوا أَعْرَاضَهُمْ ، وَ خَرَجُوا عَنْ دِيَارِهِمْ في طَاعَةِ مَخْلُوقٍ مِثْلَهِمْ ، تَعَبَّدُوا لَهُ ، وَ طَلَبُوا مَا في يَدِهِ ، وَ أَذْعَنُوا لَهُ ، وَ وَطِئُوا عَقِبَهُ ، فَصَارَ أَحَدُهُمْ يَرْجُو عَبْداً مِثْلَهُ ، لاَ يَرْجُو اللَّهَ وَحْدَهُ [ 7 ] .
[ 8 ] يَدَّعي ، بِزَعْمِهِ ، أَنَّهُ يَرْجُو اللَّهَ .
كَذَبَ وَ الْعَظيمِ .
مَا بَالُهُ لاَ يَتَبَيَّنُ رَجَاؤُهُ في عَمَلِهِ ؟ .
فَكُلُّ مَنْ رَجَا عُرِفَ رَجَاؤُهُ في عَمَلِهِ ، وَ كُلُّ رَجَاءٍ إِلاَّ رَجَاءَ اللَّهِ تَعَالى فَإِنَّهُ مَدْخُولٌ ، وَ كُلُّ خَوْفٍ
[ 8 ] من : يدّعي إلى : لا يعطي الرّبّ ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 160 .
[ 1 ] سخط . ورد في نسخة نصيري ص 63 .
[ 2 ] أولاء . ورد في نسخة العام 400 الموجودة في المكتبة الظاهرية ص 125 . و نسخة الآملي ص 88 .
[ 3 ] ورد في العقد الفريد لابن عبد ربه ج 4 ص 169 . و نهج السعادة للمحمودي ج 2 ص 655 . باختلاف يسير .
[ 4 ] الفجائع . ورد في نهج السعادة للمحمودي ج 2 ص 654 .
[ 5 ] ورد في المصدر السابق ص 655 . و العقد الفريد لابن عبد ربه ج 4 ص 169 .
[ 6 ] جلب . ورد في نسخة ابن أبي المحاسن ص 128 . و نسخة الآملي ص 88 . و نسخة العطاردي ص 125 عن شرح الكيذري .
[ 7 ] ورد في نهج السعادة للمحمودي ج 2 ص 655 .
[ 114 ]
مُحَقَّقٌ إِلاَّ خَوْفَ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَعْلُولٌ .
يَرْجُو اللَّهَ فِي الْكَبيرِ ، وَ يَرْجُو الْعِبَادَ فِي الصَّغيرِ ، وَ يُعْطِي الْعَبْدَ مَا لاَ يُعْطِي الرَّبَّ ، وَ يَخَافُ الْعَبيدَ فِي الرَّبِّ ، وَ لاَ يَخَافُ فِي الْعَبيدِ الرَّبَّ [ 1 ] .
[ 9 ] فَمَا بَالُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ [ 2 ] يُقَصَّرُ بِهِ عَمَّا يُصْنَعُ بِعِبَادِهِ [ 3 ] ؟ أَتَخَافُ أَنْ تَكُونَ في رَجَائِكَ لَهُ كَاذِباً ، أَوْ تَكُونَ لاَ تَرَاهُ لِلرَّجَاءِ مَوْضِعاً ؟ .
وَ كَذَلِكَ إِنْ هُوَ خَافَ عَبْداً مِنْ عَبيدِهِ ، أَعْطَاهُ مِنْ خَوْفِهِ مَا لاَ يُعْطي رَبَّهُ ، فَجَعَلَ خَوْفَهُ مِنَ الْعِبَادِ نَقْداً ، وَ خَوْفَهُ مِنْ خَالِقِهِمْ [ 4 ] ضِمَاراً [ 5 ] وَ وَعْداً .
وَ كَذَلِكَ مَنْ عَظُمَتِ الدُّنْيَا في عَيْنِهِ ، وَ كَبُرَ مَوْقِعُهَا في قَلْبِهِ ، آثَرَهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالى ، فَانْقَطَعَ إِلَيْهَا وَ صَارَ عَبْداً لَهَا .
وَ أَمَّا صَاحِبُ الطَّاعَةِ فَاتَّبَعَ أَثَرَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ سَلَكَ مَنَاهِجَهُ [ 6 ] .
وَ لَقَدْ كَانَ في رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ كَافٍ لَكَ فِي الأُسْوَةِ [ الْ ] حَسَنَةِ [ 7 ] ، وَ دَليلٌ لَكَ عَلى ذَمِّ الدُّنْيَا وَ عَيْبِهَا ، وَ كَثْرَةِ مَخَازِيهَا وَ مَسَاويهَا ، إِذْ قُبِضَتْ عَنْهُ أَطْرَافُهَا ، وَ وُطِئَتْ لِغَيْرِهِ أَكْنَافُهَا ، وَ فُطِمَ عَنْ رَضَاعِهَا ، وَ زُوِيَ عَنْ زَخَارِفِهَا .
[ 10 ] وَ [ قَدْ ] عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ زَوَاهَا عَنْهُ اخْتِيَاراً ، وَ بَسَطَهَا لِغَيْرِهِ احْتِقَاراً [ 8 ] .
[ 9 ] من : فما بال إلى : زخارفها ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 160 .
[ 10 ] من : و علم إلى : احتقارا ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 109 .
[ 1 ] ورد في غرر الحكم للآمدي ج 2 ص 877 .
[ 2 ] سبحانه . ورد في نسخة نصيري ص 88 .
[ 3 ] به لعباده . ورد في نسخة الصالح ص 226 . و ورد لعباده في متن منهاج البراعة ج 9 ص 356 . و متن بهج الصباغة ج 11 ص 25 . و متن مصادر نهج البلاغة ج 2 ص 367 . و نسخة العطاردي ص 184 .
[ 4 ] خالقه . ورد في نسخة الأسترابادي ص 216 . و نسخة العطاردي ص 184 . و نسخة الصالح ص 226 .
[ 5 ] ضمانا . ورد في نسخة نصيري ص 88 .
[ 6 ] ورد في نهج السعادة للمحمودي ج 2 ص 656 .
[ 7 ] ورد في المصدر السابق ص 657 .
[ 8 ] اختبارا . ورد في دستور معالم الحكم للقضاعي ص 41 . و غرر الحكم للآمدي ج 2 ص 533 .
[ 115 ]
[ 10 ] وَ إِنْ شِئْتَ ثَنَّيْتُ بِمُوسى كَليمِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ [ 1 ] إِذْ [ 2 ] يَقُولُ : رَبِّ إِنّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقيرٌ [ 3 ] .
وَ اللَّهِ ، مَا سَأَلَهُ إِلاَّ خُبْزاً يَأْكُلُهُ ، لِأَنَّهُ كَانَ يَأكُلُ بَقْلَةَ الأَرْضِ .
وَ لَقَدْ كَانَتْ خُضْرَةُ الْبَقْلِ تُرى مِنْ شَفيفِ صِفَاقِ بَطْنِهِ ، لِهُزَالِهِ وَ تَشَذُّبِ لَحْمِهِ .
وَ إِنْ شِئْتَ ثَلَّثْتُ بِدَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ [ 4 ] صَاحِبِ الْمَزَاميرِ ، وَ قَارِئِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَلَقَدْ كَانَ يَعْمَلُ سَفَائِفَ الْخُوصِ بِيَدِهِ ، وَ يَقُولُ لِجُلَسَائِهِ : أَيُّكُمْ يَكْفيني بَيْعَهَا ، وَ يَأْكُلُ قُرْصَ الشَّعيرِ مِنْ ثَمَنِهَا .
وَ إِنْ شِئْتَ قُلْتُ في عيسَى بْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِمَا السَّلاَمِ [ 5 ] ، فَلَقَدْ كَانَ يَتَوَسَّدُ الْحَجَرَ ، وَ يَلْبَسُ الْخَشِنَ ، وَ يَأْكُلُ الْجَشِبَ .
وَ كَانَ إِدَامُهُ الْجُوعَ ، وَ سِرَاجُهُ بِاللَّيْلِ الْقَمَرَ ، وَ ظِلاَلُهُ فِي الشِّتَاءِ مَشَارِقَ الأرْضِ وَ مَغَارِبَهَا ،
وَ فَاكِهَتُهُ وَ رَيْحَانُهُ مَا تُنْبِتُ الأَرْضُ لِلْبَهَائِمِ .
وَ لَمْ تَكُنْ لَهُ زَوْجَةٌ تَفْتِنُهُ ، وَ لاَ وَلَدٌ يَحْزُنُهُ [ 6 ] ، وَ لاَ مَالٌ يَلْفِتُهُ [ 7 ] ، وَ لاَ طَمَعٌ يُذِلُّهُ ، دَابَّتُهُ رِجْلاَهُ ،
وَ خَادِمُهُ يَدَاهُ .
فَتَأَسَّ بِنَبِيِّكَ الأَطْيَبِ الأَطْهَرِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ [ وَ ] اسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ ، [ 11 ] حينَ حَقَّرَ الدُّنْيَا وَ صَغَّرَهَا ، وَ أَهْوَنَ بِهَا وَ هَوَّنَهَا ، فَإِنَّ فيهِ أُسْوَةً لِمَنْ تَأَسَّى ، وَ عَزَاءً لِمَنْ تَعَزَّى .
وَ أَحَبُّ الْعِبَادِ [ 8 ] إِلَى اللَّهِ تَعَالَى [ 9 ] الْمُتَأَسّي بِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ، وَ الْمُقْتَصُّ لأَثَرِهِ ،
[ 10 ] من : و إن شئت إلى : بسنّته . و من : فإنّ فيه أسوة إلى : بالعقوبة ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 160 .
[ 11 ] من : حين حقّر الدّنيا إلى : و هوّنها ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 109 .
[ 1 ] صلّى اللّه عليه و سلّم . ورد في نسخة نصيري ص 88 . و نسخة الآملي 133 . و نسخة ابن أبي المحاسن ص 190 .
و نسخة العطاردي ص 184 . و نسخة الصالح ص 226 .
[ 2 ] حيث . ورد في نسخة الآملي 133 . و متن شرح ابن أبي الحديد ج 9 ص 229 . و نسخة الصالح ص 226 . و نسخة العطاردي ص 185 عن شرح فيض الإسلام .
[ 3 ] القصص ، 24 .
[ 4 ] بداوود . . . الجنّة صلّى اللّه عليه و سلّم . ورد في نسخة الصالح ص 227 .
[ 5 ] صلّى اللّه عليه و سلّم . ورد في المصدر السابق . و نسخة نصيري ص 88 .
[ 6 ] يلفته . ورد في هامش نسخة نصيري ص 88 .
[ 7 ] يلهيه . ورد في المصدر السابق .
[ 8 ] عباد اللّه . ورد في نسخة نصيري ص 88 .
[ 9 ] ورد في غرر الحكم للآمدي ج 1 ص 186 .
[ 116 ]
قَضَمَ الدُّنْيَا قَضْماً ، وَ لَمْ يُعِرْهَا طَرْفاً ، أَهْضَمُ أَهْلِ الدُّنْيَا كَشْحاً ، وَ أَخْمَصُهُمْ مِنَ الدُّنْيَا بَطْناً .
عُرِضَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا بِمَفَاتيحِهَا وَ خَزَائِنِهَا ، لاَ يَنْقُصُهُ ذَلِكَ مِنْ حَظِّهِ مِنَ الآخِرَةِ [ 1 ] ، فَأَبى أَنْ يَقْبَلَهَا ، وَ عَلِمَ [ 2 ] أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالى أَبْغَضَ شَيْئاً فَأَبْغَضَهُ ، وَ حَقَّرَ شَيْئاً فَحَقَّرَهُ ، وَ صَغَّرَ شَيْئاً فَصَغَّرَهُ .
وَ لَوْ لَمْ يَكُنْ فينَا إِلاَّ حُبُّنَا مَا أَبْغَضَ اللَّهُ [ 3 ] ، وَ تَعْظيمُنَا مَا صَغَّرَ اللَّهُ [ 4 ] ، لَكَفى بِهِ شِقَاقاً للَّهِ ،
وَ مُحَادَّةً عَنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالى .
فَلَقَدْ كَانَ نَبِيُّنَا [ 5 ] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ يَأْكُلُ عَلَى الأَرْضِ ، وَ يَجْلِسُ جِلْسَةَ الْعَبْدِ ،
وَ يَخْصِفُ بِيَدِهِ نَعْلَهُ ، وَ يَرْقَعُ بِيَدِهِ ثَوْبَهُ ، وَ يَرْكَبُ الْحِمَارَ الْعَارِيَ وَ يُرْدِفُ خَلْفَهُ .
وَ يَكُونُ السِّتْرَ عَلى بَابِ بَيْتِهِ فَتَكُونُ فيهِ التَّصَاويرُ ، فَيَقُولُ : يَا فُلاَنَةُ ، لإِحْدى أَزْوَاجِهِ [ 6 ] ،
غَيِّبيهِ عَنّي [ 7 ] ، فَإِنّي إِذَا نَظَرْتُ إِلَيْهِ ذَكَرْتُ الدُّنْيَا وَ زَخَارِفَهَا [ 8 ] .
فَأَعْرَضَ عَنِ الدُّنْيَا بِقَلْبِهِ ، وَ أَمَاتَ ذِكْرَهَا مِنْ نَفْسِهِ ، وَ أَحَبَّ أَنْ تَغيبَ زينَتُهَا عَنْ عَيْنِهِ ، لِكَيْلاَ يَتَّخِذَ مِنْهَا رِيَاشاً ، وَ لاَ يَعْتَقِدَهَا قَرَاراً ، أَوْ [ 9 ] يَرْجُوَ فيهَا مُقَاماً ، فَأخْرَجَهَا مِنَ النَّفْسِ ، وَ أَشْخَصَهَا عَنِ الْقَلْبِ ، وَ غَيَّبَهَا عَنِ الْبَصَرِ .
وَ كَذَلِكَ مَنْ أَبْغَضَ شَيْئاً أَبْغَضَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ ، وَ أَنْ يُذْكَرَ عِنْدَهُ .
وَ لَقَدْ كَانَ في رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ مَا يَدُلُّكَ عَلى مَسَاوِئِ الدُّنْيَا وَ عُيُوبِهَا ،
إِذْ جَاعَ فيهَا مَعَ خَاصَّتِهِ ، وَ زُوِيَتْ عَنْهُ زَخَارِفُهَا مَعَ عَظيمِ زُلْفَتِهِ .
فَلْيَنْظُرْ نَاظِرٌ بِعَقْلِهِ ، أَكْرَمَ اللَّهُ تَعَالى مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ بِذَلِكَ أَمْ أَهَانَهُ ؟ .
[ 1 ] ورد في دستور معالم الحكم للقضاعي ص 41 .
[ 2 ] لعلمه . ورد في المصدر السابق .
[ 3 ] و رسوله . ورد في نسخة عبده ص 344 . و نسخة الصالح ص 228 . و نسخة العطاردي ص 186 عن شرح فيض الإسلام .
[ 4 ] و رسوله . ورد في المصادر السابقة .
[ 5 ] رسول اللّه . ورد في نسخة نصيري ص 89 . و نسخة الأسترابادي ص 218 .
[ 6 ] عائشة . ورد في نهج السعادة للمحمودي ج 2 ص 657 .
[ 7 ] عن عيني . ورد في نسخة نصيري ص 89 .
[ 8 ] زخرفها . ورد في المصدر السابق .
[ 9 ] و لا . ورد في المصدر السابق . و نسخة العام 400 ص 193 . و نسخة الآملي ص 134 . و نسخة ابن أبي المحاسن ص 191 .
و نسخة الأسترابادي ص 219 . و نسخة العطاردي ص 186 . و نسخة الصالح ص 228 .
[ 117 ]
فَإِنْ قَالَ : أَهَانَهُ ، فَقَدْ كَذَبَ وَ اللَّهِ الْعَظيمِ ، وَ أَتى بِالإِفْكِ الْعَظيمِ .
وَ إِنْ قَالَ : أَكْرَمَهُ ، فَلْيَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهَانَ غَيْرَهُ حَيْثُ [ 1 ] بَسَطَ الدُّنْيَا لَهُ ، وَ زَوَاهَا عَنْ أَقْرَبِ النَّاسِ مِنْهُ وَ أَعَزِّهِمْ عَلَيْهِ [ 2 ] .
فَتَاَسَّى مُتَأَسٍّ بِنَبِيِّهِ ، وَ اقْتَصَّ أَثَرَهُ ، وَ وَلَجَ مَوْلِجَهُ ، وَ إِلاَّ فَلاَ يَأْمَنِ الْهَلَكَةَ [ 3 ] .
فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ عَلَماً لِلسَّاعَةِ ، وَ مُبَشِّراً بِالْجَنَّةِ ، وَ مُنْذِراً بِالْعُقُوبَةِ .
[ 6 ] بَلَّغَ عَنْ رَبِّهِ مُعْذِراً ، وَ نَصَحَ لأُمَّتِهِ مُنْذِراً ، وَ دَعَا إِلَى الْجَنَّةِ مُبَشِّراً ، وَ خَوَّفَ مِنَ النَّارِ مُحَذِّراً .
[ 7 ] خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا خَميصاً ، وَ وَرَدَ الآخِرَةَ سَليماً .
لَمْ يَضَعْ حَجَراً عَلى حَجَرٍ ، وَ لاَ لَبِنَةَ عَلى لَبِنَةٍ [ 4 ] ، حَتَّى مَضى لِسَبيلِهِ ، وَ أَجَابَ دَاعِيَ رَبِّهِ .
فَمَا أَعْظَمَ مِنَّةَ اللَّهِ عِنْدَنَا حينَ [ 5 ] أَنْعَمَ عَلَيْنَا بِهِ سَلَفَاً نَتَّبِعُهُ ، وَ قَائِداً نَطَأُ عَقِبَهُ .
وَ الْحَمْدُ للَّهِ الَّذي أَكْرَمَنَا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ، أَرْسَلَهُ رَحْمَةً وَ حُجَّةً ، فَجَلَّتْ وَ وَصَلَتْ إِلَيْنَا نِعَمُهُ بِنِعْمَةٍ أَسْبَغَهَا عَلَيْنَا ، فَبَلَّغَ رِسَالاَتِ رَبِّهِ ، وَ نَاصَحَ لأُمَّتِهِ مُنْذِراً وَ دَاعِياً .
فَمَا أَعْظَمَ النِّعْمَةَ عَلَيْنَا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ .
فَبِهِ هَدَانَا اللَّهُ مِنَ الضَّلاَلَةِ ، وَ اسْتَنْقَذَنَا بِهِ مِنْ جَمَرَاتِ النَّارِ ، وَ بَصَّرَنَا بِهِ مِنَ الْعَمى ، وَ عَلَّمَنَا بِهِ بَعْدَ الْجَهَالَةِ ، وَ أَعَزَّنَا بِهِ فِي خَلَّتِنَا ، وَ كَثَّرَنَا بِهِ في قِلَّتِنَا ، وَ رَفَعَ بِهِ خَسيسَنَا ، وَ نَحْنُ بَعْدُ نَرْجُو شَفَاعَتَهُ .
وَ اللَّهُ أَوْجَبَ حَقَّهُ عَلَيْنَا فَأَمَرَنَا بِالصَّلاَةِ عَلَيْهِ ، فَصَلُّوا عَلَيْهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ .
فلمّا فرغ عليه السلام من الصلاة قام إليه رجل فقال :
يا أمير المؤمنين قد عظّمت اللّه فلم تأل في تعظيمه ، و حمدته فلم تأل في تحميده ، و حثثت الأمة و زهّدت و رغّبت .
[ 6 ] من : بلّغ إلى : محذّرا ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 109 .
[ 7 ] من : خرج إلى : عقبه ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 160 .
[ 1 ] حين . ورد في نسخة نصيري ص 89 .
[ 2 ] ورد في تذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي ص 111 .
[ 3 ] يأمننّ هلكته . ورد في نهج السعادة للمحمودي ج 2 ص 657 .
[ 4 ] ورد في تذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي ص 111 .
[ 5 ] حيث . ورد في نسخة نصيري ص 89 .
[ 118 ]
فقال عليه السلام : [ 1 ] .
[ 11 ] نَحْنُ ، أَهْلُ الْبَيْتِ [ 2 ] ، شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ ، وَ مَحَطُّ الرِّسَالَةِ ، وَ مُخْتَلَفُ الْمَلاَئِكَةِ ، وَ مَعَادِنُ الْعِلْمِ ،
وَ مَوَاطِنُ الْحِلْمِ ، وَ مَصَابيحُ الظُّلَمِ [ 3 ] ، وَ يَنَابيعُ الْحِكَمِ .
نَحْنُ أَصْحَابُ رَايَاتِ بَدْرٍ ، لاَ يَنْصُرُنَا إِلاَّ مُؤْمِنٌ ، وَ لاَ يَخْذُلُنَا إِلاَّ مُنَافِقٌ .
مَنْ نَصَرَنَا نَصَرَهُ اللَّهُ ، وَ مَنْ خَذَلَنَا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَ الآخِرَةِ .
وَ قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ أَقْوَاماً بَايَعُوني وَ في قُلُوبِهِمُ الْغَدْرُ .
أَلاَ وَ إِنّي لَسْتُ أُقَاتِلُ إِلاَّ مَارِقاً يَمْرُقُ مِنْ دينِهِ ، وَ نَاكِثاً بِبَيْعَتِهِ يُريدُ الْمُلْكَ لِنَفْسِهِ ، يَبيعُ دينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا قَليلٍ ، وَ إِنَّمَا يُقَاتِلُ مَعَنَا مَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَ سَعى لَهَا سَعْيَهَا .
أَلاَ إِنَّ [ 4 ] نَاصِرَنَا وَ مُحِبَّنَا يَنْتَظِرُ في كُلِّ صَبَاحٍ وَ مَسَاءٍ [ 5 ] الرَّحْمَةَ مِنَ اللَّهِ [ 6 ] ، وَ إِنَّ [ 7 ] خَاذِلَنَا [ 8 ] وَ مُبْغِضَنَا يَنْتَظِرُ السَّطْوَةَ [ 9 ] مِنَ اللَّهِ كُلَّ صَبَاحٍ وَ مَسَاءٍ .
فَلْيُبَشَّرْ وَلِيُّنَا بِالأَرْبَاحِ الْوَافِرَةِ ، وَ الْجَنَّةِ الْعَالِيَةِ ، وَ لْيَنْتَظِرْ عَدُوُّنَا النَّقْمَةَ فِي الدُّنْيَا وَ الآخِرَةِ [ 10 ] .