خطبة له عليه السلام ( 8 ) في توحيد اللّه تعالى

و يذكر فيها عجيب خلق الطّاووس و الهمجة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ [ 12 ] اَلْحَمْدُ للَّهِ خَالِقِ الْعِبَادِ ، وَ سَاطِحِ الْمِهَادِ ، وَ مُسيلِ الْوِهَادِ ، وَ مُخْصِبِ النِّجَادِ .

[ 11 ] من : نحن إلى : الحكم . و من : ناصرنا إلى : السّطوة ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 109 .

[ 12 ] من : الحمد إلى : فيحوى ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 163 .

[ 1 ] ورد في نهج السعادة للمحمودي ج 2 ص 657 .

[ 2 ] ورد في بصائر الدرجات للصفّار ص 72 .

[ 3 ] ورد في نهج السعادة للمحمودي ج 2 ص 657 . و غرر الحكم للآمدي ج 2 ص 799 .

[ 4 ] ورد في المصدرين السابقين .

[ 5 ] ورد في المصدرين السابقين .

[ 6 ] ورد في المصدرين السابقين .

[ 7 ] ورد في المصدرين السابقين .

[ 8 ] عدوّنا . ورد في أكثر نسخ النهج .

[ 9 ] اللّعنة . ورد في نسخة العام 400 الموجودة في المكتبة الظاهرية ص 126 .

[ 10 ] ورد في نهج السعادة للمحمودي ج 2 ص 659 .

[ 119 ]

لَيْسَ لِأَوَّلِيَّتِهِ ابْتِدَاءٌ ، وَ لاَ لأَزَلِيَّتِهِ انْقِضَاءٌ .

هُوَ الأَوَّلُ لَمْ يَزَلْ ، وَ الْبَاقي بِلاَ أَجَلٍ .

خَرَّتْ لَهُ الْجِبَاهُ ، وَ وَحَّدَتْهُ الشِّفَاهُ .

حَدَّ الأَشْيَاءَ عِنْدَ خَلْقِهِ لَهَا إِبَانَةً لَهُ مِنْ شَبَهِهَا .

لاَ تُقَدِّرُهُ الأَوْهَامُ بِالْحُدُودِ وَ الْحَرَكَاتِ ، وَ لاَ بِالْجَوَارِحِ وَ الأَدَوَاتِ .

لاَ يُقَالُ لَهُ : « مَتى ؟ » ، وَ لاَ يُضْرَبُ لَهُ أَمَدٌ بِ « حَتَّى » اَلظَّاهِرُ لاَ يُقَالُ : « مِمَّا ؟ » [ 1 ] ، وَ الْبَاطِنُ لاَ يُقَالُ : « فيمَا ؟ » ، وَ لاَ يَزَالُ « مَهْمَا » ، وَ لاَ مُمَازِجٌ مَعَ « مَا » ، وَ لاَ حَالٌّ بِ « مَا » ، وَ لاَ خِيَالٌ وَهْماً [ 2 ] .

لاَ شَبَحٌ فَيَتَقَضَّى [ 3 ] ، وَ لاَ جِسْمٌ فَيَتَجَزَّى ، وَ لاَ بِذي غَايَةٍ فَيُتَنَاهى [ 4 ] ، وَ لاَ مَحْجُوبٌ فَيُحْوى ، وَ لاَ مُحْدَثٌ فَيُتَصَرَّفُ ، وَ لاَ مُسْتَتِرٌ فَيُتَكَشَّفُ .

كَانَ وَ لاَ أَمَاكِنَ تَحْمِلُهُ أَكْنَافُهَا ، وَ لاَ حَمَلَةَ تَرْفَعُهُ بِقُوَّتِهَا ، وَ لاَ كَانَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فَيُقَالُ : حَادثٌ ،

بَلْ حَارَتِ الأَوْهَامُ أَنْ تُكَيِّفَ الْمُكَيِّفَ لِلأَشْيَاءِ ، وَ مَنْ لَمْ يَزَلْ بِلاَ مَكَانٍ ، وَ لاَ يَزُولُ بِاخْتِلاَفِ الأَزْمَانِ ،

وَ لاَ يَغْلِبُهُ شَأْنٌ بَعْدَ شَأْنٍ .

اَلْبَعيدُ مِنْ حَدْسِ الْقُلُوبِ ، الْمُتَعَالي عَنِ الأَشْيَاءِ وَ الضُّرُوبِ ، الْوِتْرُ ، عَلاَّمُ الْغُيُوبِ .

الْمَعْرُوفُ بِغَيْرِ كَيْفِيَّةٍ ، فَمَعَانِي الْخَلْقِ عَنْهُ مَنْفِيَّةٌ ، وَ سَرَائِرُهُمْ عَلَيْهِ غَيْرُ خَفِيَّةٍ .

وَ لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ ، وَ لاَ تُحيطُ بِهِ الأَفْكَارُ ، وَ لاَ تُقَدِّرُهُ الْعُقُولُ ، وَ لاَ تَقَعُ عَلَيْهِ الأَوْهَامُ .

فَكُلُّ مَا قَدَّرَهُ عَقْلٌ أَوْ عُرِفَ لَهُ مِثْلٌ فَهُوَ مَحْدُودٌ .

وَ كَيْفَ يُوصَفُ بِالأَشْبَاحِ ، وَ يُنْعَتُ بِالأَلْسُنِ الْفِصَاحِ ، مَنْ لَمْ يَحْلُلْ فِي الأَشْيَاءِ فَيُقَالُ : هُوَ فيهَا كَائِنٌ ، وَ لَمْ يَنْأَ عَنْهَا فَيُقَالُ : هُوَ عَنْهَا بَائِنٌ ؟ [ 5 ] .

[ 6 ] لَمْ يَقْرُبْ مِنَ الأَشْيَاءِ بِالْتِصَاقٍ ، وَ لَمْ يَبْعُدْ عَنْهَا بِافْتِرَاقٍ ، بَلْ هُوَ فِي الأَشْيَاءِ بِلاَ كَيْفِيَّةٍ ،

[ 6 ] من : لم يقرب إلى : بافتراق ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 163 .

[ 1 ] هو الأوّل بلا بدي‏ء « ممّا » . ورد في نهج السعادة للمحمودي ج 1 ص 539 . و نهج البلاغة الثاني الحائري ص 26 .

[ 2 ] ورد في المصدرين السابقين . و كنز العمال ج 1 ص 408 . و مصباح البلاغة ج 1 ص 67 عن حلية الأولياء . باختلاف يسير .

[ 3 ] فيتقصّى . ورد في نسخة الآملي ص 137 . و نسخة الصالح ص 232 . و ورد فيتقضّى . في نسخة نصيري ص 91 .

[ 4 ] ورد في نهج السعادة للمحمودي ج 1 ص 540 . و نهج البلاغة الثاني للحائري ص 26 .

[ 5 ] ورد في غرر الحكم ج 2 ص 602 . و كنز العمال ج 1 ص 408 . و نهج السعادة ج 1 ص 540 . و نهج البلاغة الثاني ص 26 .

و مصباح البلاغة ج 1 ص 68 عن حلية الأولياء . باختلاف يسير .

[ 120 ]

وَ هُوَ أَقْرَبُ إِلَيْنَا مِنْ حَبْلِ الْوَريدِ ، وَ أَبْعَدُ مِنَ الشَّبَهِ مِنْ كُلِّ بَعيدٍ [ 1 ] .

[ 12 ] وَ لاَ يَخْفى عَلَيْهِ مِنْ عِبَادِهِ شُخُوصُ لَحْظَةٍ ، وَ لاَ كُرُورُ [ 2 ] لَفْظَةٍ ، وَ لاَ ازْدِلاَفُ رَبْوَةٍ [ 3 ] ، وَ لاَ انْبِسَاطُ خُطْوَةٍ ، في لَيْلٍ دَاجٍ ، وَ لاَ غَسَقٍ سَاجٍ ، يَتَفَيَّأُ عَلَيْهِ الْقَمَرُ الْمُنيرُ ، وَ تَعْقُبُهُ الشَّمْسُ ذَاتُ النُّورِ ، فِي الأُفُولِ وَ الْكُرُورِ ، وَ تَقَلُّبِ [ 4 ] الأَزْمِنَةِ وَ الدُّهُورِ ، مِنْ إِقْبَالِ لَيْلٍ مُقْبِلٍ ، وَ إِدْبَارِ نَهَارٍ مُدْبِرٍ .

قَبْلَ كُلِّ غَايَةٍ وَ مُدَّةٍ ، وَ كُلِّ إِحْصَاءٍ وَ عِدَّةٍ .

تَعَالى عَمَّا يَنْحَلُهُ الْمُحَدِّدُونَ [ 5 ] مِنْ صِفَاتِ الأَقْدَارِ ، وَ نِهَايَاتِ الأَقْطَارِ ، وَ تَأَثُّلِ الْمَسَاكِنِ ،

وَ تَمَكُّنِ الأَمَاكِنِ .

[ 13 ] وَ الْحَمْدُ للَّهِ الْكَائِنِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ كُرْسِيٌّ أَوْ عَرْشٌ ، أَوْ سَمَاءٌ أَوْ أَرْضٌ ، أَوْ جَانٌّ أَوْ إِنْسٌ .

لاَ يُدْرَكُ بِوَهْمٍ ، وَ لاَ يُقَدَّرُ بِفَهْمٍ ، فَهُوَ الْعَالِمُ بِكُلِّ مَكَانٍ ، وَ [ في ] كُلِّ حينٍ وَ أَوَانٍ ، وَ كُلِّ نِهَايَةٍ وَ مُدَّةٍ [ 6 ] ،

فَالأَمَدُ [ 7 ] لِخَلْقِهِ مَضْروُبٌ ، وَ الْحَدُّ إِلى غَيْرِهِ مَنْسُوبٌ .

لَمْ يَخْلُقِ الأَشْيَاءَ مِنْ أُصُولٍ أَزَلِيَّةٍ ، وَ لاَ مِنْ أَوَائِلَ كَانَتْ مَعَهُ [ 8 ] بَدِيَّةٍ ، بَلْ خَلَقَ مَا خَلَقَ فَأَتْقَنَ خَلْقَهُ وَ [ 9 ] أَقَامَ حَدَّهُ ، وَ صَوَّرَ مَا صَوَّرَ فَأَحْسَنَ صُورَتَهُ .

فَسُبْحَانَ مَنْ تَوَحَّدَ في عُلُوِّهِ ، فَ [ 10 ] لَيْسَ لِشَيْ‏ءٍ مِنْهُ امْتِنَاعٌ ، وَ لاَ لَهُ بِطَاعَةِ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ [ 11 ]

[ 12 ] من : و لا يخفى إلى : الأماكن . و من : فالحدّ لخلقه مضروب و إلى غيره منسوب إلى : صورته . و من : ليس لشي‏ء إلى : السّفلى ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 163 .

[ 13 ] من : و الحمد إلى : بفهم ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 182 .

[ 1 ] ورد في كنز العمال ج 1 ص 408 . و نهج البلاغة الثاني ص 26 . و مصباح البلاغة ج 1 ص 68 عن حلية الأولياء .

[ 2 ] كون . ورد في نسخة نصيري ص 91 .

[ 3 ] رتوة . ورد في نسخة العطاردي ص 190 عن شرح الكيذري ، و عن شرح الراوندي .

[ 4 ] تقليب . ورد في نسخة العام 400 ص 198 . و نسخة ابن المؤدب ص 140 . و نسخة الآملي ص 137 . و نسخة ابن أبي المحاسن ص 195 . و نسخة الأسترابادي ص 224 . و نسخة العطاردي ص 190 عن نسخة موجودة في مكتبة ممتاز العلماء في لكنهور الهند . و عن نسخة موجودة في مكتبة جامعة عليكره الهند . و عن نسخة موجودة في مكتبة مدرسة نواب في مدينة مشهد .

[ 5 ] المحدودون . ورد في نسخة العام 400 الموجودة في المكتبة الظاهرية ص 198 .

[ 6 ] ورد في كنز العمال للهندي ج 1 ص 409 . و مصباح البلاغة للميرجهاني ج 1 ص 68 عن حلية الأولياء .

[ 7 ] ورد في مصباح البلاغة ج 2 ص 113 عن مجموعة ورّام . وود قبله في كنز العمال ج 1 ص 409 . عن حلية الأولياء لأبي نعيم .

[ 8 ] ورد في كنز العمال للهندي ج 1 ص 409 . عن حلية الأولياء لأبي نعيم .

[ 9 ] ورد في نهج البلاغة الثاني للحائري ص 27 .

[ 10 ] ورد في نهج البلاغة الثاني ص 27 . و ورد فأقام خلقه . في كنز العمال ج 1 ص 409 . عن الحلية لأبي نعيم .

[ 11 ] ورد في نهج البلاغة الثاني للحائري ص 27 و ورد في نسخ نهج البلاغة شي‏ء .

[ 121 ]

انْتِفَاعٌ .

عِلْمُهُ بِالأَمْوَاتِ الْمَاضينَ كَعِلْمِهِ بِالأَحْيَاءِ الْبَاقينَ ، وَ عِلْمُهُ بِمَا فِي السَّمَواتِ الْعُلى كَعِلْمِهِ بِمَا فِي الأَرَضَينَ السُّفْلى .

إِجَابَتُهُ لِلدَّاعينَ سَريعَةٌ ، وَ الْمَلاَئِكَةُ لَهُ فِي السَّموَاتِ وَ الأَرْضينَ مُطيعَةٌ [ 1 ] .

[ 8 ] وَ لاَ يَشْغَلُهُ سَائِلٌ ، وَ لاَ يَنْقُصُهُ نَائِلٌ .

وَ لاَ يُنْظَرُ [ 2 ] بِعَيْنٍ ، وَ لاَ يُحَدُّ بِ « أَيْنٍ » ، وَ لاَ يُوصَفُ بِالأَزْوَاجِ ، وَ لاَ يُخْلَقُ بِعِلاَجٍ ، وَ لاَ يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ ، وَ لاَ يُقَاسُ بِالنَّاسِ .

اَلَّذي كَلَّمَ مُوسى تَكْليماً ، وَ أَرَاهُ مِنْ آيَاتِهِ عَظيماً ، بِلاَ جَوَارِحَ وَ لاَ أَدَوَاتٍ ، وَ لاَ نُطْقٍ [ 3 ] وَ لاَ لَهَوَاتٍ .

سُبْحَانَهُ وَ تَعَالى عَنِ الصِّفَاتِ .

فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ إِلهَ الْخَلْقِ مَحْدُودٌ ، فَقَدْ جَهِلَ الْخَالِقَ الْمَعْبُودَ ، وَ مَنْ ذَكَرَ أَنَّ الأَمَاكِنَ بِهِ تُحيطُ لَزِمَتْهُ الْحَيْرَةُ وَ التَّخْليطُ [ 4 ] .

أَيُّهَا الْمَخْلُوقُ السَّوِيُّ ، وَ الْمُنْشَأُ الْمَرْعِيُّ ، في ظُلُمَاتِ الأَرْحَامِ ، وَ مُضَاعَفَاتِ الأَسْتَارِ ، بُدِئْتَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طينٍ 1 ، وَ وُضِعْتَ في قَرَارٍ مَكينٍ إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ 2 ، وَ أَجَلٍ مَقْسُومٍ .

تَمُورُ في بَطْنِ أُمِّكَ جَنيناً ، لاَ تُحيرُ دُعَاءً ، وَ لاَ تَسْمَعُ نِدَاءً .

ثُمَّ أُخْرِجْتَ مِنْ مَقَرِّكَ إِلى دَارٍ لَمْ تَشْهَدْهَا ، وَ لَمْ تَعْرِفْ سُبُلَ مَنَافِعِهَا .

فَمَنْ هَدَاكَ لاجْتِرَارِ الْغِذَاءِ مِنْ ثَدْيِ أُمِّكَ ، وَ عَرَّفَكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ مَوَاضِعَ طَلِبَتِكَ [ 7 ] وَ إِرَادَتِكَ ؟ .

[ 8 ] من : و لا يشغله إلى : لهوات . و من : أيّها المخلوق إلى : أبعد ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 163 .

[ 1 ] ورد في كنز العمال للهندي ج 1 ص 409 . عن الحلية لأبي نعيم . و نهج البلاغة الثاني للحائري ص 27 .

[ 2 ] يبصر . ورد في نسخة الآملي ص 159 . و هامش نسخة نصيري ص 105 . و نسخة عبده ص 389 . و نسخة العطاردي ص 217 عن نسخة موجودة في مكتبة مدرسة نواب في مدينة مشهد . و عن نسخة موجودة في مكتبة ممتاز العلماء في لكنهور الهند .

[ 3 ] شفة . ورد في كنز العمال للهندي ج 1 ص 409 . عن الحلية لأبي نعيم . و نهج البلاغة الثاني للحائري ص 27 .

[ 4 ] ورد في المصدرين السابقين .

-----------
( 1 ) المؤمنون ، 12 .

-----------
( 2 ) المرسلات ، 21 و 22 .

[ 7 ] طلبك . ورد في نسخة ابن المؤدب ص 141 . و نسخة نصيري ص 91 . و نسخة الآملي ص 138 . و نسخة ابن أبي المحاسن ص 196 . و نسخة الأسترابادي ص 225 . و نسخة عبده 352 . و نسخة الصالح ص 234 .

[ 122 ]

هَيْهَاتَ ، إِنَّ مَنْ يَعْجَزُ عَنْ صِفَاتِ ذِي الْهَيْئَةِ وَ الأَدَوَاتِ ، فَهُوَ عَنْ صِفَاتِ خَالِقِهِ أَعْجَزُ ، وَ مِنْ تَنَاوُلِهِ بِحُدُودِ الْمَخْلُوقينَ أَبْعَدُ .

[ 9 ] وَ كَانَ مِنِ اقْتِدَارِ جَبَرُوتِهِ ، وَ بَديعِ لَطَائِفِ [ 1 ] صَنْعَتِهِ ، أَنْ جَعَلَ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ [ 2 ] الزَّاخِرِ ،

الْمُتَرَاكِمِ الْمُتَقَاصِفِ ، يَبَساً جَامِداً ، ثُمَّ فَطَرَ مِنْهُ أَطْبَاقاً ، فَفَتَقَهَا سَبْعَ سَموَاتٍ بَعْدَ ارْتِتَاقِهَا ،

فَاسْتَمْسَكَتْ بِأَمْرِهِ ، وَ قَامَتْ عَلى حَدِّهِ . وَ أَرْسى أَرْضاً يَحْمِلُهَا الأَخْضَرُ الْمُثْعَنْجِرُ ، وَ الْقَمْقَامُ الْمُسَخَّرُ ، قَدْ ذَلَّ لأَمْرِهِ ، وَ أَذْعَنَ لِهَيْبَتِهِ ، وَ وَقَفَ الْجَاري مِنْهُ لِخَشْيَتِهِ .

وَ جَبَلَ [ 3 ] جَلاَميدَهَا وَ نُشُوزَ مُتُونِهَا ، وَ أَطْوَادَهَا ، فَأَرْسَاهَا في مَرَاسيهَا ، وَ أَلْزَمَهَا قَرَارَاتِهَا ،

فَمَضَتْ رُؤُوسُهَا فِي الْهَوَاءِ ، وَ رَسَتْ [ 4 ] أُصُولُهَا فِي الْمَاءِ ، فَأَنْهَدَ جِبَالَهَا عَنْ سُهُولِهَا ، وَ أَسَاخَ قَوَاعِدَهَا في مُتُونِ أَقْطَارِهَا ، وَ مَوَاضِعِ أَنْصَابِهَا ، فَأَشْهَقَ قِلاَلَهَا ، وَ أَطَالَ أَنْشَازَهَا ، وَ جَعَلَهَا لِلأَرْضِ عِمَاداً ، وَ أَرَّزَهَا فيهَا أَوْتَاداً ، فَسَكَنَتْ عَلى حَرَكَتِهَا [ 5 ] ، مِنْ أَنْ تَميدَ بِأَهْلِهَا ، أَوْ تَسيخَ بِحِمْلِهَا [ 6 ] ، أَوْ تَزُولَ عَنْ مَوَاضِعِهَا [ 7 ] .

فَسُبْحَانَ مَنْ أَمْسَكَهَا بَعْدَ مَوَجَانِ مِيَاهِهَا ، وَ أَجْمَدَهَا بَعْدَ رُطُوبَةِ أَكْنَافِهَا ، فَجَعَلَهَا لِخَلْقِهِ مِهَاداً ، وَ بَسَطَهَا لَهُمْ فِرَاشاً ، فَوْقَ بَحْرٍ لُجِّيٍّ ، رَاكِدٍ لاَ يَجْري ، وَ قَائِمٍ لاَ يَسْري ، تُكَرْكِرُهُ الرِّيَاحُ الْعَوَاصِفُ ، وَ تَمْخَضُهُ الْغَمَامُ الذَّوَارِفُ . إِنَّ في ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى 1 .

[ ثُمَّ ] [ 10 ] ابْتَدَعَهُمْ خَلْقاً عَجيباً مِنْ حَيَوَانٍ وَ مَوَاتٍ ، وَ سَاكِنٍ وَ ذي حَرَكَاتٍ ، وَ أَقَامَ مِنَ شَوَاهِدِ الْبَيِّنَاتِ ، عَلى لَطيفِ صَنْعَتِهِ ، وَ عَظيمِ قُدْرَتِهِ ، مَا انْقَادَتْ لَهُ الْعُقُولُ مُعْتَرِفَةً بِهِ ، وَ مُسَلِّمَةً لَهُ ، وَ نَعَقَتْ في أَسْمَاعِنَا دَلاَئِلُهُ عَلى وَحْدَانِيَّتِهِ ، وَ مَا ذَرَأَ مِنْ مُخْتَلَفِ صُوَرِ الأَطْيَارِ الَّتي أَسْكَنَهَا أَخَاديدَ الأَرْضِ ، وَ خُرُوقَ فِجَاجِهَا ، وَ رَوَاسِيَ أَعْلاَمِهَا ، مِنْ ذَوَاتِ أَجْنِحَةٍ مُخْتَلِفَةٍ ، وَ هَيْئَاتٍ مُتَبَايِنَةٍ ، مُصَرَّفَةٍ

[ 9 ] من : و كان إلى : لمن يخشى ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 211 .

[ 10 ] من : إبتدعهم إلى : الأبرار برحمته ( آخر الخطبة ) ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 165 .

[ 1 ] لطيف . ورد في نسخة نصيري ص 137 .

[ 2 ] اليمّ . ورد في نسخة العام 400 ص 295 . و نسخة ابن المؤدب ص 209 . و نسخة الآملي ص 183 .

[ 3 ] جلد . ورد في نسخة العام 400 الموجودة في المكتبة الظاهرية ص 295 .

[ 4 ] رسبت . ورد في المصدر السابق . و نسخة ابن المؤدب ص 209 . و نسخة نصيري ص 137 .

[ 5 ] حركاتها . ورد في نسخة الجيلاني الموجودة في مكتبة الإمام الرضا عليه السلام في مدينة مشهد .

[ 6 ] بحملتها . ورد في نسخة الأسترابادي ص 342 .

[ 7 ] موضعها . ورد في نسخة العطاردي ص 247 .

-----------
( 1 ) النازعات ، 26 .

[ 123 ]

في زِمَامِ التَّسْخيرِ ، وَ مُرَفْرِفَةٍ بِأَجْنِحَتِهَا في مَخَارِقِ الْجَوِّ الْمُنْفَسِحِ ، وَ الْفَضَاءِ الْمُنْفَرِجِ .

كَوَّنَهَا ، بَعْدَ إِذْ لَمْ تَكُنْ ، في عَجَائِبِ صُوَرٍ ظَاهِرَةٍ ، وَ رَكَّبَهَا في حِقَاقِ مَفَاصِلَ مُحْتَجِبَةٍ ، وَ مَنَعَ بَعْضَهَا بِعَبَالَةِ خَلْقِهِ أَنْ يَسْمُوَ فِي الْهَوَاءِ [ 1 ] خُفُوفاً ، وَ جَعَلَهُ يَدِفُّ دَفيفاً ، وَ نَسَقَهَا عَلَى اخْتِلاَفِهَا فِي الأَصَابِيغِ بِلَطيفِ قُدْرَتِهِ ، وَ دَقيقِ صَنْعَتِهِ .

فَمِنْهَا مَغْمُوسٌ في قَالَبِ لَوْنٍ لاَ يَشُوبُهُ غَيْرُ لَوْنِ مَا غُمِسَ فيهِ .

وَ مِنْهَا مَغْمُوسٌ في لَوْنِ صِبْغٍ قَدْ طُوِّقَ [ 2 ] بِخِلاَفِ مَا صُبِغَ بِهِ .

وَ مِنْ أَعْجَبِهَا خَلْقاً الطَّاوُوسُ ، الَّذي أَقَامَهُ في أَحْكَمِ تَعْديدٍ [ 3 ] ، وَ نَضَّدَ أَلْوَانَهُ في أحْسَنِ تَنْضيدٍ ، بِجَنَاحٍ أَشْرَجَ قَصَبَهُ ، وَ ذَنَبٍ أَطَالَ مَسْحَبَهُ .

إِذَا دَرَجَ إِلَى الأُنْثى نَشَرَهُ مِنْ طَيِّهِ ، وَ سَمَا بِهِ مُطِلاً [ 4 ] عَلى رَأْسِهِ ، كَأَنَّهُ قِلْعُ دَارِيٍّ عَنَجَهُ نُوتِيُّهُ ،

يَخْتَالُ بِأَلْوَانِهِ ، وَ يَميسُ [ 5 ] بِزَيَفَانِهِ ، يُُفْضِي كَإِفْضَاءِ الدّيكَةِ ، وَ يَؤُرُّ بِمَلاَقِحِهِ أَرَّ الْفُحُولِ الْمُغْتَلِمَةِ لِلضِّرَابِ .

أُحيلُكَ مِنْ ذلِكَ عَلى مُعَايَنَةٍ ، لاَ كَمَنْ يُحيلُ عَلى ضَعيفِ إِسْنَادِهِ [ 6 ] .

وَ لَوْ كَانَ كَزَعْمِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ يُلْقِحُ بِدَمْعَةٍ تَسْفَحُهَا [ 7 ] مَدَامِعُهُ ، فَتَقِفُ في ضَفَّتَي [ 8 ] جُفُونِهِ ،

وَ أَنَّ أُنْثَاهُ تَطْعَمُ ذَلِكَ ، ثُمَّ تَبيضُ لاَ مِنْ لِقَاحِ فَحْلٍ سِوَى الدَّمْعِ الْمُنْبَجِسِ [ 9 ] ، لَمَا كَانَ ذَلِكَ بِأَعْجَبَ مِنْ مُطَاعَمَةِ الْغُرَابِ ، تَخَالُ قَصَبَهُ مَدَارِيَ مِنْ فِضَّةٍ ، وَ مَا أُنْبِتَ عَلَيْهَا مِنْ عَجيبِ دَارَاتِهِ وَ شُمُوسِهِ ،

[ 1 ] السّماء . ورد في نسخة الآملي ص 140 . و متن شرح ابن ميثم ج 3 ص 304 . و نسخة العطاردي ص 194 عن نسخة موجودة في مكتبة مدرسة نواب في مدينة مشهد . و عن نسخة موجودة في مكتبة ممتاز العلماء في لكنهور الهند . و متن منهاج البراعة ج 10 ص 41 . و نسخة عبده ص 355 . و متن مصادر نهج البلاغة ج 2 ص 390 .

[ 2 ] طرّق . ورد في نسخة الأسترابادي ص 229 . و ورد فرّق في نسخة .

[ 3 ] تعديل . ورد في نسخة ابن المؤدب ص 143 . و نسخة نصيري ص 93 . و نسخة الآملي ص 140 . و نسخة ابن أبي المحاسن ص 199 . و نسخة الأسترابادي ص 229 . و متن منهاج البراعة ج 10 ص 42 . و نسخة عبده ص 355 . و نسخة الصالح ص 236 .

و نسخة العطاردي ص 194 .

[ 4 ] مظلا . ورد في متن منهاج البراعة ج 10 ص 42 . و متن بهج الصباغة ج 12 ص 160 . و نسخة العطاردي ص 194 .

[ 5 ] يميش . ورد في نسخة العام 400 الموجودة في المكتبة الظاهرية ص 202 .

[ 6 ] ضعيف إسناده . ورد في نسخة الصالح ص 236 .

[ 7 ] تنشجها . ورد في نسخة ابن المؤدب ص 144 . و متن منهاج البراعة ج 10 ص 42 . و ورد تسحّها في نسخة نصيري ص 93 . و ورد تنسجها في نسخة العطاردي ص 194 .

[ 8 ] فتقف ضفّتي . ورد في نسخة ابن المؤدب ص 144 . و نسخة نصيري ص 93 . و نسخة الآملي 140 . و نسخة ابن أبي المحاسن ص 199 .

[ 9 ] المتبجّس . ورد في نسخة الآملي 140 . و متن منهاج البراعة ج 10 ص 42 .

[ 124 ]

خَالِصَ الْعِقْيَانِ ، وَ فِلَذَ الزِّبَرْجَدِ .

فَإِنْ شَبَّهْتَهُ بِمَا أَنْبَتَتِ الأَرْضُ قُلْتَ : جَنِيٌّ جُنِيَ مِنْ زَهْرَةِ كُلِّ رَبيعٍ ، وَ إِنْ ضَاهَيْتَهُ بِالْمَلاَبِسِ فَهُوَ كَمَوْشِيِّ الْحُلَلِ ، أَوْ كَمُونِقِ عَصْبِ الْيَمَنِ ، وَ إِنْ شَاكَلْتَهُ بِالْحُلِيِّ فَهُوَ كَفُصُوصٍ ذَاتِ أَلْوَانٍ قَدْ نُطِّقَتْ بِاللُّجَيْنِ [ 1 ] الْمُكَلَّلِ .

يَمْشي مَشْيَ الْمَرِحِ الْمُخْتَالِ ، وَ يَتَصَفَّحُ ذَنَبَهُ وَ جَنَاحَيْهِ ، فَيُقَهْقِهُ ضَاحِكاً لِجَمَالِ سِرْبَالِهِ ،

وَ أَصَابيغِ وِشَاحِهِ .

فَإِذَا رَمى بِبَصَرِهِ إِلى قَوَائِمِهَ زَقَا مُعْوِلاً بِصَوْتٍ يَكَادُ يُبينُ عَنِ اسْتِغَاثَتِهِ ، وَ يَشْهَدُ بِصَادِقِ تَوَجُّعِهِ ، لأَنَّ قَوَائِمَهُ حُمْشٌ كَقَوَائِمِ الدِّيَكَةِ الْخِلاَسِيَّةِ ، وَ قَدْ نَجَمَتْ مِنْ ظُنْبُوبِ سَاقِهِ صيصِيَةٌ [ 2 ] خَفِيَّةٌ .

وَ لَهُ في مَوْضِعِ الْعُرْفِ قُنْزُعَةٌ خَضْرَاءُ مُوَشَّاةٌ ، وَ مَخْرَجُ عُنُقِهِ كَالإِبْريقِ ، وَ مَغْرِزُهَا إِلى حَيْثُ بَطْنُهُ [ 3 ] كَصِبْغِ الْوَسِمَةِ [ 4 ] الْيَمَانِيَّةِ ، أَوْ كَحَريرَةٍ مُلْبَسَةٍ مِرْآةً ذَاتَ صِقَالٍ ، وَ كَأَنَّهُ مُتَلَفِّعٌ [ 5 ] بِمِعْجَرٍ أَسْحَمَ .

إِلاَّ أَنَّهُ يُخَيَّلُ ، لِكَثْرَةِ مَائِهِ وَ شِدَّةِ بَريقِهِ ، أَنَّ الْخُضْرَةَ النَّاضِرَةَ مُمْتَزِجَةٌ بِهِ .

وَ مَعَ فَتْقِ سَمْعِهِ خَطٌّ كَمُسْتَدَقِّ الْقَلَمِ في لَوْنِ الأُقْحُوانِ ، أَبْيَضٌ يَقَقٌ ، فَهُوَ بِبَيَاضِهِ في سَوَادِ مَا هُنَالِكَ يَأْتَلِقُ .

وَ قَلَّ صِبْغٌ إِلاَّ وَ قَدْ أَخَذَ مِنْهُ بِقِسْطٍ ، وَ عَلاَهُ بِكَثْرَةِ صِقَالِهِ وَ بَريقِهِ ، وَ بَصيصِ ديبَاجِهِ وَ رَوْنَقِهِ ،

فَهُوَ كَالأَزَاهيرِ الْمَبْثُوثَةِ ، لَمْ تُرَبِّهَا أَمْطَارُ رَبيعٍ ، وَ لاَ شُمُوسُ قَيْظٍ .

وَ قَدْ يَنْحَسِرُ مِنْ ريشِهِ ، وَ يَعْرى مِنْ لِبَاسِهِ ، فَيَسْقُطُ تَتْرى ، وَ يَنْبُتُ تِبَاعاً ، فَيَنْحَتُّ مِنْ قَصَبِهِ انْحِتَاتَ أَوْرَاقِ الأَغْصَانِ ، ثُمَّ يَتَلاَحَقُ نَامِياً حَتَّى يَعُودَ كَهَيْئَتِهِ قَبْلَ سُقُوطِهِ ، لاَ يُخَالِفُ سَالِفَ [ 6 ]

[ 1 ] في اللّجين . ورد في نسخة ابن المؤدب ص 144 . و نسخة نصيري ص 93 .

[ 2 ] ضئضئة . ورد في نسخة الإسترابادي ص 230 .

[ 3 ] جنب بطنه . ورد في المصدر السابق .

[ 4 ] الوشمة . ورد في

[ 5 ] متقنّع . ورد في هامش نسخة نصيري ص 93 . و نسخة العطاردي ص 195 عن نسخة موجودة في مكتبة ممتاز العلماء في لكنهور الهند ،

[ 6 ] سائر . ورد في نسخة الآملي 142 . و نسخة ابن أبي المحاسن ص 201 .

[ 125 ]

أَلْوَانِهِ ، وَ لاَ يَقَعُ لَوْنٌ في غَيْرِ مَكَانِهِ .

وَ إِذَا تَصَفَّحْتَ شَعْرَةً مِنْ شَعَرَاتِ قَصَبِهِ أَرَتْكَ تَارَةً حُمْرَةً وَرْدِيَّةً ، وَ تَارَةً خُضْرَةً زَبَرْجَدِيَّةً ،

وَ أَحْيَاناً صُفْرَةً عَسْجَدِيَّةً .

فَكَيْفَ تَصِلُ إِلى صِفَةِ هذَا عَمَائِقُ الْفِطَنِ ، أَوْ تَبْلُغُهُ قَرَائِحُ الْعُقُولِ ، أَوْ تَسْتَنْظِمُ وَصْفَهُ أَقْوَالُ الْوَاصِفينَ ، وَ أَقَلُّ أَجْزَائِهِ قَدْ أَعْجَزَ الأَوْهَامَ أَنْ تُدْرِكَهُ ، وَ الأَلْسِنَةَ أَنْ تَصِفَهُ .

فَسُبْحَانَ الَّذي بَهَرَ الْعُقُولَ عَنْ وَصْفِ خَلْقٍ جَلاَّهُ لِلْعُيُونِ ، فَأَدْرَكَتْهُ مَحْدُوداً مُكَوَّناً ، وَ مُؤَلَّفاً مُلَوَّناً ، وَ أَعْجَزَ الأَلْسُنَ عَنْ تَلْخيصِ صِفَتِهِ ، وَ قَعَدَ بِهَا عَنْ تَأْدِيَةِ نَعْتِهِ .

وَ سُبْحَانَ مَنْ أَدْمَجَ قَوَائِمَ الذَّرَّةِ ، وَ الْهَمَجَةِ إِلى مَا فَوْقِهِمَا مِنْ خَلْقِ الْحيتَانِ وَ الْفِيَلَةِ ، وَ وَأى‏ عَلى نَفْسِهِ أَنْ لاَ يَضْطَرِبَ شَبَحٌ مِمَّا أَوْلَجَ فيهِ الرُّوحَ ، إِلاَّ وَ جَعَلَ الْحِمَامَ مَوْعِدَهُ ، وَ الْفَنَاءَ غَايَتَهُ .

[ 3 ] فَلَوْ رَمَيْتَ بِبَصَرِ قَلْبِكَ نَحْوَ مَا يُوصَفُ لَكَ مِنْهَا لَعَزَفَتْ نَفْسُكَ عَنْ بَدَائِعِ مَا أُخْرِجَ إِلَى الدُّنْيَا مِنْ شَهَوَاتِهَا وَ لَذَّاتِهَا ، وَ زَخَارِفِ مَنَاظِرِهَا ، وَ لَذَهِلَتْ بِالْفِكْرِ فِي اصْطِفَاقِ [ 1 ] أَشْجَارٍ غُيِّبَتْ عُرُوقُهَا في كُتْبَانِ الْمِسْكِ عَلى سَوَاحِلِ أَنْهَارِهَا ، وَ في تَعْليقِ كَبَائِسِ اللُّؤْلُؤِ الرَّطْبِ في عَسَاليجِهَا وَ أَفْنَانِهَا ، وَ طُلُوعِ تِلْكَ الثِّمَارِ مُخْتَلِفَةً في غُلَفِ أَكْمَامِهَا ، تُجْنى مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ فَتَأْتي عَلى مُنْيَةِ مُجْتَنيهَا ، وَ يُطَافُ عَلى نُزَّالِهَا في أَفْنِيَةِ قُصُورِهَا بِالأَعْسَالِ الْمُصَفَّقَةِ ، وَ الْخُمُورِ الْمُرَوَّقَةِ .

قَوْمٌ لَمْ تَزَلِ الْكَرَامَةُ تَتَمَادى بِهِمْ ، حَتَّى حَلُّوَا دَارَ الْقَرَارِ ، وَ أَمِنُوا نُقْلَةَ الأَسْفَارِ .

فَلَوْ شَغَلْتَ قَلْبَكَ ، أَيُّهَا الْمُسْتَمِعُ ، بِالْوُصُولِ إِلى مَا يَهْجُمُ عَلَيْكَ مِنْ تِلْكَ الْمَنَاظِرِ الْمُونِقَةِ ،

لَزَهَقَتْ نَفْسُكَ شَوْقاً إِلَيْهَا ، وَ لَتَحَمَّلْتَ مِنْ مَجْلِسي هذَا إِلى مُجَاوَرَةِ أَهْلِ الْقُبُورِ اسْتِعْجَالاً بِهَا .

جَعَلَنَا اللَّهُ وَ إِيَّاكُمْ مِمَّنْ يَسْعى [ 2 ] بِقَلْبِهِ إِلى مَنَازِلِ الأَبْرَارِ بِرَحْمَتِهِ .

[ 3 ] يلاحظ انقطاع بين المقطعين يصرح به الشريف الرضي رضوان اللّه عليه بقوله : منها في صفة الجنة . لكننا لم نعثر على الفقرة الفاصلة في المصادر التي راجعناها رغم التفحص الدقيق . نسأل اللّه تعالى أن يوفقنا للعثور عليه ، لنلحقه بالطبعات القادمة .

[ 1 ] اصطفاف . ورد في متن شرح ابن أبي الحديد ( طبعة دار الأندلس ) ج 2 ص 487 . و هامش مصادر نهج البلاغة ج 2 ص 398 .

[ 2 ] سعى . ورد في نسخة الآملي 143 . و نسخة ابن أبي المحاسن ص 202 . و متن منهاج البراعة ج 10 ص 64 . و نسخة عبده ص 361 .

[ 126 ]