خطبة له عليه السلام ( 5 ) في توحيد اللّه تعالى و التزهيد في الدنيا

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحْمنِ الْرَّحيِم [ 7 ] اَلْحَمْدُ للَّهِ الْوَاصِلِ الْحَمْدَ بِالنِّعَمِ ، وَ النِّعَمَ بِالشُّكْرِ .

نَحْمَدُهُ عَلى آلائِهِ كَمَا نَحْمَدُهُ عَلى بَلاَئِهِ ، وَ نَسْتَعينُهُ عَلى هذِهِ النُّفُوسِ الْبِطَاءِ عَمَّا أُمِرَتْ بِهِ ، السِّرَاعِ إِلى مَا نُهِيَتْ عَنْهُ ، وَ نَسْتَغْفِرُهُ مِمَّا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُهُ ، وَ أَحْصَاهُ كِتَابُهُ : عِلْمٌ غَيْرُ قَاصِرٍ ،

وَ كِتَابٌ غَيْرُ مُغَادِرٍ ، وَ نُؤْمِنُ بِهِ إِيمَانَ مَنْ عَايَنَ الْغُيُوبَ ، وَ وَقَفَ عَلَى الْمَوْعُودِ ، إيمَاناً نَفى إِخْلاَصُهُ الشِّرْكَ ، وَ يَقينُهُ الشَّكَّ .

وَ نَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ ، وَ أَنَّ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ ، شَهَادَتَيْنِ تُصْعِدَانِ الْقَوْلَ ، وَ تَرْفَعَانِ الْعَمَلَ ، لاَ يَخِفُّ ميزَانٌ تُوضَعَانِ فيهِ ، وَ لاَ يَثْقُلُ ميزَانٌ تُرْفَعَانِ مِنْهُ [ 1 ] .

أُوصيكُمْ ، عِبَادَ اللَّهِ ، بِتَقْوَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ [ 2 ] الَّتي هِيَ الزَّادُ ، وَ بِهَا الْمَعَادُ [ 3 ] : زَادٌ مُبَلِّغٌ [ 4 ] وَ مَعَادٌ [ 5 ] مُنْجِحٌ ، دَعَا إِلَيْهَا أَسْمَعُ دَاعٍ ، وَ وَعَاهَا خَيْرُ وَاعٍ ، فَأَسْمَعَ دَاعيهَا ، وَ فَازَ وَاعيهَا .

عِبَادَ اللَّهِ ، إِنَّ تَقْوَى اللَّهِ حَمَتْ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ مَحَارِمَهُ ، وَ أَلْزَمَتْ قُلُوبَهُمْ مَخَافَتَهُ ، حَتَّى أَسْهَرَتْ لَيَالِيَهُمْ ، وَ أَظْمَأَتْ هَوَاجِرَهُمْ ، فَأَخَذُوا الرَّاحَةَ بِالنَّصَبِ ، وَ الرَّيَّ بِالظَّمَأِ ، وَ اسْتَقْرَبُوا الأَجَلَ ، فَبَادَرُوا الْعَمَلَ ، وَ كَذَّبُوا الأَمَلَ ، فَلاَحَظُوا الأَجَلَ . [ أُولئِكَ ] طُوبى لَهُمْ وَ حسْنُ مَآبٍ [ 6 ] .

[ 7 ] من : الحمد إلى : يترك ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 114 .

[ 1 ] عنه . ورد في نسخة الآملي ص 93 . و نسخة الأسترابادي ص 151 . و نسخة العطاردي ص 132 عن نسخة موجودة في مكتبة نواب في مدينة مشهد . و نسخة عبده ص 273 . و نسخة الصالح ص 169 .

[ 2 ] ورد في غرر الحكم للآمدي ج 1 ص 247 .

[ 3 ] المعاذ . ورد في نسخة الآملي ص 93 . و نسخة ابن أبي المحاسن ص 135 . و نسخة الأسترابادي ص 151 . و نسخة العطاردي ص 132 . و نسخة الصالح ص 169 .

[ 4 ] مبلغ . ورد في نسخة نصيري ص 50 . و نسخة الصالح ص 169 .

[ 5 ] معاذ . ورد في نسخة الآملي ص 93 . و نسخة العطاردي ص 132 . و نسخة الصالح ص 169 .

[ 6 ] ورد في نثر الدرّ للآبي ج 1 ص 348 .

[ 101 ]

ثُمَّ إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ فَنَاءٍ وَ عَنَاءٍ ، وَ غِيَرٍ وَ عِبَرٍ ، فَمِنَ الْفَنَاءِ [ 1 ] أَنَّ الدَّهْرَ مُوتِرٌ [ 2 ] قَوْسَهُ ، مُفَوِّقٌ نَبْلَهُ [ 3 ] ، لاَ تُخْطِئُ سِهَامُهُ ، وَ لاَ تُؤْسى جِرَاحُهُ ، يَرْمِي الْحَيَّ بِالْمَوْتِ ، وَ الشَّبَابَ بِالْهَرَمِ [ 4 ] ، وَ الصَّحيحَ بِالسَّقَمِ ، وَ النَّاجِيَ بِالْعَطَبِ ، آكِلٌ لاَ يَشْبَعُ ، وَ شَارِبٌ لاَ يَنْقَعُ .

وَ مِنَ الْعَنَاءِ [ 5 ] أَنَّ الْمَرْءَ يَجْمَعُ مَا لاَ يَأْكُلُ ، وَ يَبْني مَا لاَ يَسْكُنُ ، ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَه وَ تَعَالى لاَ مَالاً حَمَلَ ، وَ لاَ بِنَاءً نَقَلَ .

وَ مِنْ غِيَرِهَا أَنَّكَ تَرَى الْمَرْحُومَ مَغْبُوطاً ، وَ الْمَغْبُوطَ مَرْحُوماً ، لَيْسَ ذَلِكَ إِلاَّ نَعيماً زَلَّ ، وَ بُؤْساً نَزَلَ .

وَ مِنْ عِبَرِهَا أَنَّ الْمَرْءَ يُشْرِفُ عَلى أَمَلِهِ فَيَقْتَطِعُهُ [ 6 ] حُضُورُ [ 7 ] أَجَلِهِ ، فَلاَ أَمَلٌ يُدْرَكُ ، وَ لاَ مُؤَمَّلٌ يُتْرَكُ .

[ 12 ] كَمْ مِنْ مُسْتَدْرَجٍ بِالاِحْسَانِ إِلَيْهِ ، وَ كَمْ مِنْ [ 8 ] مَغْرُورٍ بِالسِّتْرِ عَلَيْهِ ، وَ كَمْ مِنْ [ 9 ] مَفْتُونٍ بِحُسْنِ الْقَوْلِ فيهِ .

وَ مَا ابْتَلَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَحَداً بِمِثْلِ الإِمْلاَءِ لَهُ .

أَ لَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ إِنَّمَا نُمْلي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً [ 10 ] .

[ 13 ] فَسُبْحَانَ اللَّهِ ، مَا أَعَزَّ [ 11 ] سُرُورَهَا ، وَ أَظْمَأَ رَيَّهَا ، وَ أَضْحى فَيْئَهَا ، لاَ جَاءٍ يُرَدُّ ، وَ لاَ مَاضٍ يَرْتَدُّ .

[ 12 ] من : كم من إلى : الإملاء له ورد في حكم الشريف الرضي تحت الرقم 116 و تكرر تحت الرقم 260 .

[ 13 ] من : فسبحان إلى : مسلمون ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 114 .

[ 1 ] فنائها . ورد في أمالي الطوسي ص 456 و ص 506 . و تحف العقول للحرّاني ص 156 .

[ 2 ] موتّر . ورد في نسخة نصيري ص 50 . و نسخة الآملي ص 93 . و نسخة ابن أبي المحاسن ص 136 .

[ 3 ] ورد في دستور معالم الحكم للقضاعي ص 33 . و أمالي الطوسي ص 456 و ص 506 . و تحف العقول للحرّاني ص 156 .

[ 4 ] ورد في دستور معالم الحكم للقضاعي ص 33 .

[ 5 ] عنائها . ورد أمالي الطوسي ص 456 و ص 506 . و تحف العقول للحرّاني ص 156 .

[ 6 ] فيقطعه . ورد في نسخة نصيري ص 50 . و نسخة عبده ص 274 .

[ 7 ] فيختطفه من دونه . ورد في أمالي الطوسي ص 456 و ص 506 . و تحف العقول للحرّاني ص 157 .

[ 8 ] ورد في غرر الحكم للآمدي ج 2 ص 550 .

[ 9 ] ورد في المصدر السابق .

[ 10 ] آل عمران ، 178 . و الفقرة وردت في تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 206 .

[ 11 ] أغرّ . ورد في نسخة ابن المؤدب ص 98 . و نسخة الآملي ص 94 . و نسخة ابن أبي المحاسن ص 136 و نسخة الأسترابادي ص 152 . و نسخة عبده ص 274 .

[ 102 ]

وَ سُبْحَانَ اللَّهِ ، مَا أَقْرَبَ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ لِلِحَاقِهِ بِهِ ، وَ أَبْعَدَ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ لاِنْقِطَاعِهِ عَنْهُ .

[ عِبَادَ اللَّهِ ، ] إِنَّهُ لَيْسَ شَيْ‏ءٌ بِشَرٍّ مِنَ الشَّرِّ إِلاَّ عِقَابُهُ ، وَ لَيْسَ شَيْ‏ءٌ بِخَيْرٍ مِنَ الْخَيْرِ إِلاَّ ثَوَابُهُ ،

وَ كُلُّ شَيْ‏ءٍ مِنَ الدُّنْيَا سَمَاعُهُ أَعْظَمُ مِنْ عَيَانِهِ ، وَ كُلُّ شَيْ‏ءٍ مِنَ الآخِرَةِ عَيَانُهُ أَعْظَمُ مِنْ سَمَاعِهِ .

فَلْيَكْفِكُمْ مِنَ الْعَيَانِ السَّمَاعُ ، وَ مِنَ الْغَيْبِ الْخَبَرُ .

وَ اعْلَمُوا أَنَّ مَا نَقَصَ مِنَ الدُّنْيَا وَ زَادَ فِي الآخِرَةِ خَيْرٌ مِمَّا نَقَصَ مِنَ الآخِرَةِ وَ زَادَ فِي الدُّنْيَا ،

فَكَمْ مِنْ مَنْقُوصٍ رَابِحٍ ، وَ مَزيدٍ خَاسِرٍ .

[ عِبَادَ اللَّهِ ، ] إِنَّ الَّذي أُمِرْتُمْ بِهِ أَوْسَعُ مِنَ الَّذي نُهيتُمْ عَنْهُ ، وَ مَا أُحِلَّ لَكُمْ أَكْثَرُ مِمَّا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ، فَذَرُوا مَا قَلَّ لِمَا كَثُرَ ، وَ مَا ضَاقَ لِمَا اتَّسَعَ .

قَدَ تُكُفِّلَ لَكُمْ بِالرِّزْقِ وَ أُمِرْتُمْ بِالْعَمَلِ ، فَلاَ يَكُونَنَّ الْمَضْمُونُ لَكُمْ طَلَبُهُ أَوْلى بِكُمْ مِنَ الْمَفْرُوضِ عَلَيْكُمْ عَمَلُهُ ، مَعَ أَنَّهُ ، وَ اللَّهِ ، لَقَدِ اعْتَرَضَ الشَّكُّ ، وَ دَخِلَ الْيَقينُ ، حَتَّى كَأَنَّ الَّذي ضُمِنَ لَكُمْ قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُم ، وَ كَأَنَّ الَّذي فُرِضَ عَلَيْكُمْ قَدْ وُضِعَ عَنْكُمْ .

فَبَادِرُوا الْعَمَلَ ، وَ قَصِّرُوا الأَمَلَ [ 1 ] ، وَ خَافُوا بَغْتَةَ الأَجَلِ ، فَإِنَّهُ لاَ يُرْجى مِنْ رَجْعَةِ الْعُمُرِ مَا يُرْجى مِنْ رَجْعَةِ الرِّزْقِ .

مَا فَاتَ الْيَوْمَ مِنَ الرِّزْقِ رُجِيَ غَداً زِيَادَتُهُ ، وَ مَا فَاتَ أَمْسِ مِنَ الْعُمُرِ لَمْ يُرْجَ الْيَوْمَ رَجْعَتُهُ .

اَلرَّجَاءُ مَعَ الْجَائي ، وَ الْيَأْسُ مَعَ الْمَاضي ، فَ اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ، وَ اسْعَوْا في مَرْضَاتِهِ ،

وَ احْذَرُوا مَا حَذَّرَكُمْ مِنْ أَليمِ عَذَابِهِ [ 2 ] ، وَ لاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ 1 .

[ 1 ] ورد في غرر الحكم للآمدي ج 2 ص 544 .

[ 2 ] ورد في المصدر السابق ج 1 ص 134 .

-----------
( 1 ) آل عمران ، 102 .

[ 103 ]