و تجمع هذه الخطبة من أصول العلم ما لا تجمعه خطبة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ [ 11 ] اَلْحَمْدُ للَّهِ الَّذي بَطَنَ [ 1 ] خَفِيَّاتِ الأُمُورِ ، وَ دَلَّتْ [ 2 ] عَلَيْهِ أَعْلاَمُ الظُّهُورِ ، وَ امْتَنَعَ عَلى عَيْنِ الْبَصيرِ [ 3 ] ، فَلاَ عَيْنُ مَنْ لَمْ يَرَهُ تُنْكِرُهُ ، وَ لاَ قَلْبُ مَنْ أَثْبَتَهُ يُبْصِرُهُ [ 4 ] .
سَبَقَ [ 5 ] فِي الْعُلُوِّ فَلاَ شَيْءَ أَعْلى مِنْهُ ، وَ قَرُبَ فِي الدُّنُوِّ فَلاَ شَيْءَ أَقْرَبُ مِنْهُ ، فَلاَ اسْتِعْلاَؤُهُ بَاعَدَهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ ، وَ لاَ قُرْبُهُ سَاوَاهُمْ [ 6 ] فِي الْمَكَانِ بِهِ .
لَمْ يُطْلِعِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ [ 7 ] الْعُقُولَ عَلى تَحْدِيدِ صِفَتِهِ ، وَ لَمْ يَحْجُبْهَا عَنْ وَاجِبِ مَعْرِفَتِهِ ، فَهُوَ الَّذي تَشْهَدُ لَهُ أَعْلاَمُ الْوُجُودِ عَلى إِقْرَارِ قَلْبِ ذِي [ 8 ] الْجُحُودِ .
تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الْمُشَبِّهُونَ بِهِ وَ الْجَاحِدُونَ لَهُ عُلُوّاً كَبيراً .
إِنَّ أَوَّلَ عِبَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مَعْرِفَتُهُ ، وَ أَصْلُ مَعْرِفَتِهِ تَوْحيدُهُ ، وَ نِظَامُ تَوْحيدِهِ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ ، لِشَهَادَةِ الْعُقُولِ أَنَّ كُلَّ صِفَةٍ وَ مَوْصُوفٍ [ 9 ] مَخْلُوقٌ ، وَ شَهَادَةِ كُلِّ مَخْلُوقٍ أَنَّ لَهُ خَالِقاً لَيْسَ بِصِفَةٍ وَ لاَ مَوْصُوفٍ [ 10 ] ، وَ شَهَادَةِ كُلِّ صِفَةٍ وَ مَوْصُوفٍ بِالاِقْتِرَانِ ، وَ شَهَادَةِ الاِقْتِرَانِ بِالْحُدُوثِ ،
[ 11 ] من : الحمد للّه إلى : كبيرا ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 49 .
[ 1 ] فطن . ورد في نسخة العطاردي ص 53 عن نسخة موجودة في مدرسة نواب في مدينة مشهد . و عن شرح الكيذري .
[ 2 ] ذلّت . ورد في
[ 3 ] على الأبصار . ورد في نسخة نصيري ص 18 .
[ 4 ] فلا قلب من لم يره ينكره ، و لا عين من أثبته تبصره . ورد في نسخة الآملي ص 37 . و متن شرح ابن أبي الحديد ( طبعة دار الأندلس ) ج 2 ص 292 . و متن مصادر نهج البلاغة ج 2 ص 18 .
[ 5 ] سمق . ورد في نسخة نصيري ص 18 .
[ 6 ] سوّاهم . ورد في المصدر السابق .
[ 7 ] ورد في غرر الحكم للآمدي ج 2 ص 600 .
[ 8 ] قلوب ذوي . ورد في
[ 9 ] كلّ محدود . ورد في التوحيد للصدوق ص 37 .
[ 10 ] غير مخلوق . ورد في عيون الأخبار لابن قتيبة ج 1 ص 149 .
[ 93 ]
وَ شَهَادَةِ الْحُدُوثِ بِالاِمْتِنَاعِ مِنَ الأَزَلِ الْمُمْتَنِعِ مِنْ الْحُدُوثِ [ 1 ] .
فَلَيْسَ اللَّهَ عَرَفَ مَنْ عَرَّفَ ذَاتَهُ [ 2 ] ، وَ [ 3 ] [ 11 ] مَا وَحَّدَهُ وَ لاَ بِهِ صَدَّقَ [ 4 ] مَنْ كَيَّفَهُ ، وَ لاَ حَقيقَتَهُ أَصَابَ مَنْ مَثَّلَهُ [ 5 ] ، وَ لاَ إِيَّاهُ عَنى مَنْ شَبَّهَهُ [ وَ ] حَدَّهُ ، وَ لاَ لَهُ وَحَّدَ مَنِ اكْتَنَهَهُ ، وَ لاَ بِهِ آمَنَ مَنْ نَهَّاهُ ،
وَ لاَ لَهُ تَذَلَّلَ مَنْ بَعَّضَهُ [ 6 ] ، وَ لاَ صَمَدَهُ [ 7 ] مَنْ أَشَارَ إِلَيْهِ وَ تَوَهَّمَهُ .
كُلُّ مَعْرُوفٍ بِنَفْسِهِ مَصْنُوعٌ ، وَ كُلُّ قَائِمٍ في سِوَاهُ مَعْلُولٌ [ 8 ] .
شَائِي الأَشْيَاءَ لاَ بِهِمَّةٍ ، دَرَّاكٌ لاَ بِخَديعَةٍ ، فِي الأَشْيَاءِ كُلِّهَا غَيْرَ مُتَمَازِجٍ بِهَا ، وَ لاَ بَايِنٍ مِنْهَا .
بِصُنْعِ اللَّهِ يُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ ، وَ بِالْعُقُولِ تُعْتَقَدُ مَعْرِفَتُهُ ، وَ بِالْفِكْرَةِ تَثْبُتُ حُجَّتُهُ ، وَ بِآيَاتِهِ احْتَجَّ عَلى خَلْقِهِ .
خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْخَلْقَ فَعَلَّقَ حِجَاباً بَيْنَهُ وَ بَيْنَهُمْ ، فَمُبَايَنَتُهُ إِيَّاهُمْ مُفَارَقَتُهُ إِنِّيَّتَهُمْ ، وَ إِيدَاؤُهُ إِيَّاهُمْ شَاهِدُ عَلى أَنْ لاَ أَدَاةَ فيهِ ، لِشَهَادَةِ الأَدَوَاتِ بِفَاقَةِ الْمُؤَدَّيْنَ ، وَ ابْتِدَاؤُهُ إِيَّاهُمْ دَليلٌ عَلى أَنْ لاَ ابْتِدَاءَ لَهُ ، لِعَجْزِ كُلِّ مُبْتَدَإٍ مِنْهُمْ عَنْ إِبْدَاءِ غَيْرِهِ .
أَسْمَاؤُهُ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالى تَعْبيرٌ ، وَ أَفْعَالُهُ تَفْهيمٌ ، وَ ذَاتُهُ حَقيقَةٌ ، وَ كُنْهُهُ تَفْرِقَةٌ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ خَلْقِهِ .
قَدْ جَهِلَ اللَّهَ تَعَالى مَنِ اسْتَوْصَفَهُ [ 9 ] ، وَ تَعَدَّاهُ مَنْ مَثَّلَهُ [ 10 ] ، وَ أَخْطَأَهُ مَنِ اكْتَنَهَهُ .
فَمَنْ قَالَ : « أَيْنَ ؟ » فَقَدْ بَوَّأَهُ ، وَ مَنْ قَالَ : « فيمَ ؟ » فَقَدْ ضَمَّنَهُ ، وَ مَنْ قَالَ : « إِلامَ ؟ » فَقَدْ نَهَّاهُ ، وَ مَنْ
[ 11 ] من : ما وحّده إلى : معلول ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 186 .
[ 1 ] و الممتنع من الحدث هو القديم في الأزل . ورد في التوحيد للصدوق ص 37 .
[ 2 ] فليس اللّه من عرف بالتّشبيه ذاته . ورد في عيون أخبار الرضا للصدوق ج 1 ص 149 .
[ 3 ] ورد في عيون أخبار الرضا ج 1 ص 149 . و التوحيد ص 37 . و الإحتجاج ص 200 . و تحف العقول ص 49 . و نهج السعادة ج 3 ص 43 . باختلاف بين المصادر .
[ 4 ] ورد في التوحيد للصدوق ص 35 . و تحف العقول للحرّاني ص 49 . و نهج السعادة للمحمودي ج 3 ص 43 .
[ 5 ] و لا أصاب حقيقته من مثّل به . ورد في نسخة
[ 6 ] ورد في تحف العقول للحرّاني ص 49 . و نهج السعادة للمحمودي ج 3 ص 43 .
[ 7 ] صمّده . ورد في نسخة العام 400 الموجودة في المكتبة الظاهرية ص 239 . و نسخة نصيري ص 111 .
[ 8 ] كلّ قائم بغيره مصنوع ، و كلّ موجود في سواه معلول . ورد في نهج السعادة للمحمودي ج 3 ص 45 .
[ 9 ] من حدّه . ورد في التوحيد للصدوق ص 37 .
[ 10 ] من اشتمله . ورد في المصدر السابق .
[ 94 ]
قَالَ : « لِمَ ؟ » فَقَدْ عَلَّلَهُ ، وَ مَنْ قَالَ : « كَيْفَ ؟ » فَقَدْ شَبَّهَهُ ، وَ مَنْ قَالَ : « مَتى ؟ » [ 1 ] فَقَدْ وَقَّتَهُ ، وَ مَنْ قَالَ :
« حَتَّى » فَقَدْ غَيَّاهُ ، وَ مَنْ غَيَّاهُ فَقَدْ جَزَّأَهُ ، وَ مَنْ جَزَّأَهُ فَقَدْ وَصَفَهُ ، وَ مَنْ وَصَفَهُ فَقَدْ أَلْحَدَ فيهِ ، وَ مَنْ بَعَّضَهُ فَقَدْ عَدَلَ عَنْهُ .
لاَ يَتَغَيَّرُ اللَّهُ تَعَالى بِتَغْييرِ الْمَخْلُوقِ ، كَمَا لاَ يَتَحَدَّدُ بِتَحْديدِ الْمَحْدُودِ [ 2 ] .
أَحَدٌ لاَ بِتَأُويلِ عَدَدٍ ، صَمَدٌ لاَ بِتَبْعيضِ بَدَدٍ ، بَاطِنٌ لاَ بِمُدَاخَلَةٍ ، ظَاهِرٌ لاَ بِتَأْويلِ الْمُبَاشَرَةِ ، مُتَجَلٍّ لاَ بِاسْتِهْلاَلِ رُؤْيَةٍ [ 3 ] ، [ 10 ] فَاعِلٌ لاَ بِاضْطِرَابِ آلَةٍ [ 4 ] ، مُقَدِّرٌ لاَ بِجَوْلِ فِكْرَةٍ ، غَنِيٌّ لاَ بِاسْتِفَادَةٍ ، مُدَبِّرٌ لاَ بِحَرَكَةٍ ، مُريدٌ لاَ بِعَزيمَةٍ ، مُدْرِكٌ لاَ بَحَاسَّةٍ ، سَميعٌ لاَ بِآلَةٍ ، بَصيرٌ لاَ بِأَدَاةٍ ، قَريبٌ لاَ بِمُدَانَاةٍ ، بَعيدٌ لاَ بِمَسَافَةٍ ، لَطيفٌ لاَ بِتَجَسُّمٍ ، مَوْجُودٌ لاَ بَعْدَ عَدَمٍ .
لاَ تَحْويهِ [ 5 ] الأَمَاكِنُ ، وَ لاَ تَصْحَبُهُ الأَوْقَاتُ ، وَ لاَ تَرْفِدُهُ [ 6 ] الأَدَوَاتُ ، وَ لاَ تَحُدُّهُ الصِّفَاتُ ، وَ لاَ تَأْخُذُهُ السِّنَاتُ .
ثَبَتَ لَهُ مَعْنَى الرُّبُوبِيَّةِ إِذْ لاَ مَرْبُوبٌ ، وَ حَقيقَةُ الأُلُوهِيَّةِ إِذْ لاَ مَأْلُوهٌ ، وَ مَعْنَى الْعِلْمِ إِذْ لاَ مَعْلُومٌ ،
وَ مَعْنَى الْخَالِقِ إِذْ لاَ مَخْلُوقٌ ، وَ تَأْويلُ السَّمْعِ إِذْ لاَ مَسْمُوعٌ ، وَ وُجُوبُ الْقُدْرَةِ إِذْ لاَ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ [ 7 ] .
[ 11 ] سَبَقَ الأَوْقَاتَ كَوْنُهُ ، وَ الْعَدَمَ وُجُودُهُ ، وَ الاِبْتِدَاءَ أَزَلُهُ [ 8 ] .
بِتَشْعيرِهِ الْمَشَاعِرَ عُرِفَ أَنْ لاَ مَشْعَرَ لَهُ ، وَ بِتَجْهيرِهِ الْجَوَاهِرَ عُرِفَ أَنْ لاَ جَوْهَرَ لَهُ ، وَ بِإِنْشَائِهِ الْبَرَايَا عُرِفَ أَنْ لاَ مَنْشَأَ لَهُ ، وَ بِخَلْقِهِ الأَشْيَاءَ [ عُرِفَ ] أَنْ لاَ شَبَهَ لَهُ [ 9 ] ، وَ بِمُضَادَّتِهِ بَيْنَ الأُمُورِ
[ 10 ] من : فاعل إلى : باستفادة . و من : لا تصحبه إلى : الأدوات . و من : سبق إلى : لا مشعر له . و من : و بمضادّته إلى : متدانياتها ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 186 .
[ 11 ] من : فاعل إلى : باستفادة . و من : لا تصحبه إلى : الأدوات . و من : سبق إلى : لا مشعر له . و من : و بمضادّته إلى : متدانياتها ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 186 .
[ 1 ] و من قال : « إذ » . ورد في تحف العقول للحرّاني ص 49 . و نهج السعادة للمحمودي ج 3 ص 43 .
[ 2 ] لا يتغيّر اللّه بتغيّر المخلوق ، و لا يتحدّد بتحدّد المحدود . ورد في التوحيد للصدوق ص 37 .
[ 3 ] ورد في المصدر السابق . و تحف العقول للحرّاني ص 50 . و نهج السعادة للمحمودي ج 3 ص 48 .
[ 4 ] حركة . ورد في تحف العقول للحرّاني ص 50 . و نهج السعادة للمحمودي ج 3 ص 48 .
[ 5 ] لا تضمّنه . ورد في المصدرين السابقين . و التوحيد ص 37 . و عيون أخبار الرضا ج 1 ص 149 . و الفقرات وردت في تحف العقول ص 50 . و نهج السعادة ج 3 ص 48 . باختلاف بين المصادر .
[ 6 ] تردفه . ورد في نسخة ابن أبي المحاسن ص 239 . و ورد تقيّده في نهج السعادة للمحمودي ج 3 ص 49 .
[ 7 ] ورد في تحف العقول للحرّاني ص 50 . و نهج السعادة للمحمودي ج 3 ص 49 .
[ 8 ] أوّله . ورد في
[ 9 ] ورد في عيون أخبار الرضا ج 1 ص 149 . و التوحيد ص 37 . و تحف العقول ص 50 . و منهاج البراعة ج 10 ص 271 . و نهج السعادة ج 3 ص 48 .
[ 95 ]
الْمُتَضَادَّةِ [ 1 ] عُرِفَ أَنْ لاَ ضِدَّ لَهُ ، وَ بِمُقَارَنَتِهِ بَيْنَ الأَشْيَاءِ الْمُقْتَرِنَةِ [ 2 ] عُرِفَ أَنْ لاَ قَرين لَهُ .
ضَادَّ النُّورَ بِالظُّلْمَةِ ، وَ الْوُضُوحَ بِالْبُهْمَةِ ، وَ الْجُمُودَ [ 3 ] بِالْبَلَلِ ، وَ الْخَشِنَ بِاللّينِ [ 4 ] ، وَ الْحَرُورَ [ 5 ] بِالصَّرْدِ ، مُؤَلِّفٌ بَيْنَ مُتَعَادِيَاتِهَا ، مُقَارِنٌ [ 6 ] بَيْنَ مُتَبَايِنَاتِهَا ، مُقَرِّبٌ بَيْنَ مُتَبَاعِدَاتِهَا ، مُفَرِّقٌ بَيْنَ مُتَدَانِيَاتِهَا .
دَالَّةٌ بِتَفْريقِهَا عَلى مُفَرِّقِهَا ، وَ بِتَأْليفِهَا عَلى مُؤَلِّفِهَا ، وَ ذلِكَ قَوْلُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ 1 .
شَاهِدَةٌ بِغَرَائِزِهَا أَنْ لاَ غَريزَةَ لِمُغْرِزِهَا ، دَالَّةٌ بِتَفَاوُتِهَا أَنْ لاَ تَفَاوُتَ في مُفَاوِتِهَا ، مُخْبِرَةٌ بِتَوْقيتِهَا أَنْ لاَ وَقْتَ لِمُوَقِّتِهَا ، حَجَبَ بَعْضَهَا عَنْ بَعْضٍ لِيُعْلَمَ أَنْ لاَ حِجَابَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَهَا .
جَعَلَهَا سُبْحَانَهُ دَلاَئِلَ عَلى رُبُوبِيَّتِهِ ، وَ شَوَاهِدَ عَلى غَيْبَتِهِ ، وَ نَوَاطِقَ عَلى حِكْمَتِهِ ، إِذْ يَنْطِقُ تَكَوُّنُهُنَّ عَلى حَدَثِهِنَّ ، وَ يُخْبِرْنَ بِوُجُودِهِنَّ عَنْ عَدَمِهِنَّ ، وَ يُنْبِئْنَ بِتَنَقُّلِهِنَّ عَنْ زَوَالِهِنَّ ، وَ يُعْلِنَّ بِأُفُولِهِنَّ أَنْ لاَ أُفُولَ لِخَالِقِهِنَّ .
لَيْسَ مُذْ خَلَقَ الْخَلْقَ اسْتَحَقَّ اسْمَ الْخَالِقِ ، وَ لاَ بِإِحْدَاثِهِ الْبَرَايَا اسْتَحَقَّ اسْمَ الْبَارِئِ [ 8 ] .
فَرَّقَهَا لاَ مِنْ شَيْءٍ ، وَ أَلَّفَهَا لاَ بِشَيْءٍ ، وَ قَدَّرَهَا لاَ بِاهْتِمَامٍ .
لاَ تَقَعُ الأَوْهَامُ عَلى كُنْهِهِ ، وَ لاَ تُحيطُ الأَفْهَامُ بِذَاتِهِ [ 9 ] .
[ 11 ] لاَ يُشْمَلُ بِحَدٍّ ، وَ لاَ يُحْسَبُ بِعَدٍّ ، وَ لاَ تُوَقِّتُهُ « مَتى » ، وَ لاَ تُغَيِّبُهُ « مُذْ » ، وَ لاَ تُدْنيهِ « قَدْ » ، وَ لاَ تَحْجُبُهُ « لَعَلَّ » ، وَ لاَ تُقَارِنُهُ « مَعَ » ، وَ لاَ تَشْتَمِلُهُ « هُوَ » [ 10 ] .
[ 11 ] من : لا يشمل إلى : يحسب بعدّ ورد في خطب الشريف الرضي تحت الرقم 186 .
[ 1 ] ورد في الإرشاد للمفيد ص 119 .
[ 2 ] ورد في المصدر السابق .
[ 3 ] اليبس . ورد في منهاج البراعة للخوئي ج 10 ص 271 .
[ 4 ] ورد في المصدر السابق .
[ 5 ] الحرور . ورد في نسخة العام 400 ص 239 . و نسخة ابن أبي المحاسن ص 239 . و نسخة عبده ص 403 .
[ 6 ] مقارب . ورد في
-----------
( 1 ) الذاريات ، 49 .
[ 8 ] و لا من حيث أحدث استعاد معنى المحدث . ورد في التوحيد للصدوق ص 37 .
[ 9 ] ورد في عيون أخبار الرضا ج 1 ص 149 . و التوحيد ص 37 . و تحف العقول ص 50 . و منهاج البراعة ج 10 ص 271 . و نهج السعادة ج 3 ص 50 . باختلاف بين المصادر .
[ 10 ] « حين » . ورد في عيون أخبار الرضا للصدوق ج 1 ص 149 . و الفقرة وردت في المصادر السابقة . باختلاف يسير .
[ 96 ]
[ 8 ] وَ إِنَّمَا تَحُدُّ الأَدَوَاتُ أَنْفُسَهَا ، وَ تُشيرُ الآلاَتُ إِلى نَظَائِرِهَا ، وَ فِي الأَشْيَاءِ تُوجَدُ أَفْعَالُهَا ،
وَ عَنِ الْفَاقَةِ تُخْبِرُ الأَدَوَاتُ ، وَ عَنِ الضِّدِّ يُخْبِرُ التَّضَادُّ ، وَ إِلى شِبْهِهِ يَؤُولُ الشَّبيهُ ، وَ مَعَ الأَحْدَاثِ أَوْقَاتُهَا ، وَ بِالأَسْمَاءِ تَفْتَرِقُ صِفَاتُهَا ، وَ مِنْهَا فَصَلَتْ قَرَائِنُهَا ، وَ إِلَيْهَا آلَتْ أَحْدَاثُهَا [ 1 ] .
مَنَعَتْهَا « مُنْذُ » الْقِدْمَةَ [ 2 ] ، وَ حَمَتْهَا « قَدُ » الأَزَلِيَّةَ ، وَ جَنَّبَتْهَا « لَوْ لاَ » التَّكْمِلَةَ [ 3 ] .
فَرَّقَ بَيْنَ قَبْلٍ وَ بَعْدٍ لِيُعْلَمَ أَنْ لاَ قَبْلَ لَهُ وَ لاَ بَعْدَ .
إِفْتَرَقَتْ فَدَلَّتْ عَلى مُفَرَّقِهَا ، وَ تَبَايَنَتْ فَأَعْرَبَتْ عَنْ مُبَايِنِهَا [ 4 ] .
بِهَا تَجَلَّى صَانِعُهَا لِلْعُقُولِ ، وَ بِهَا احْتَجَبَ عَنِ الرُّؤْيَةِ وَ [ 5 ] امْتَنَعَ عَنْ نَظَرِ الْعُيُونِ ، وَ إِلَيْهَا تَحَاكَمَ الأَوْهَامُ ، وَ فيهَا أُثْبِتَتِ الْعِبْرَةُ ، وَ مِنْهَا أُنيطَ الدَّليلُ ، وَ بِالْعُقُولِ يُعْتَقَدُ التَّصْديقُ بِاللَّهِ ، وَ بِالاِقْرَارِ يَكُونُ الإيمَانُ بِهِ .
لاَ دينَ إِلاَّ بِمَعْرِفَةٍ ، وَ لاَ مَعْرِفَةَ إِلاَّ بِتَصْديقٍ ، وَ لاَ تَصْديقَ إِلاَّ بِتَجْريدِ التَّوْحيدِ ، وَ لاَ تَوْحيدَ إِلاَّ بِالاِخْلاَصِ ، وَ لاَ إِخْلاَصَ مَعَ التَّشْبيهِ ، وَ لاَ نَفْيَ مَعَ إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ ، وَ لاَ تَجْريدَ إِلاَّ بِاسْتِقْصَاءِ النَّفْي كُلِّهِ .
لِأَنَّ إِثْبَاتَ بَعْضِ التَّشْبيهِ يُوجِبُ الْكُلَّ ، وَ لاَ يُسْتَوْجَبُ كُلُّ التَّوْحيدِ بِبَعْضِ النَّفْي دُونَ الْكُلِّ ،
وَ الإِقْرَارُ نَفْيُ الإِنْكَارِ ، وَ لاَ يُنَالُ الاِخْلاَصُ بِشَيْءٍ مِنَ الاِنْكَارِ .
كُلُّ مَا فِي الْخَلْقِ مِنْ أَثَرٍ لاَ يُوجَدُ في خَالِقِهِ ، وَ كُلُّ مَا يُمْكِنُ فيهِ يَمْتَنِعُ في صَانِعِهِ [ 6 ] .
لاَ يَجْري عَلَيْهِ السُّكُونُ وَ الْحَرَكَةُ ، وَ لاَ يُمْكِنُ فيهِ التَّجْزِئَةُ وَ لاَ الاِتِّصَالُ [ 7 ] .
وَ كَيْفَ يَجْري عَلَيْهِ مَا هُوَ أَجْرَاهُ ، وَ يَعُودُ فيهِ مَا هُوَ أَبْدَاهُ ، وَ يَحْدُثُ فيهِ مَا هُوَ أَحْدَثَهُ ؟ .
إِذاً لَتَفَاوَتَتْ ذَاتُهُ ، وَ لَتَجَزَّأَ كُنْهُهُ ، وَ لامْتَنَعَ مِنَ الأَزَلِ مَعْنَاهُ ، وَ لَمَا كَانَ لِلأَزَلِ مَعْنىً إِلاَّ مَعْنَى
[ 8 ] من : و إنّما إلى : نظائرها . و من : منعتها إلى : العيون . و من : لا يجري إلى : معناه ورد في خطب الرضي تحت الرقم 186 .
[ 1 ] ورد في عيون أخبار الرضا ج 1 ص 149 . و التوحيد ص 37 . و تحف العقول ص 50 . و نهج السعادة ج 3 ص 50 . باختلاف يسير .
[ 2 ] القدميّة . ورد في نسخة الجيلاني الموجودة في مكتبة الإمام الرضا ( ع ) في مدينة مشهد . و نسخة عبده ص 403 .
[ 3 ] نفت عنها « لو لا » الجبريّة . ورد في تحف العقول للحرّاني ص 51 . و نهج السعادة للمحمودي ج 3 ص 52 .
[ 4 ] ورد في المصدرين السابقين . و منهاج البراعة للخوئي ج 10 ص 271 .
[ 5 ] ورد في تحف العقول للحرّاني ص 51 . و نهج السعادة للمحمودي ج 3 ص 52 .
[ 6 ] ورد في المصدرين السابقين .
[ 7 ] ورد في المصدرين السابقين .
[ 97 ]
الْحَدَثِ ، وَ لاَ لِلْبَارِئِ مَعْنىً إِلاَّ مَعْنَى الْمَبْرُوءِ [ 1 ] ، [ 6 ] وَ لَكَانَ لَهُ وَرَاءٌ إِذْ [ 2 ] وُجِدَ لَهُ أَمَامٌ ، وَ لالْتَمَسَ التَّمَامَ إِذْ [ 2 ] لَزِمَهُ النُّقْصَانُ .
وَ كَيْفَ يَسْتَحِقُّ اسْمَ الأَزَلِ مَنْ لاَ يَمْتَنِعُ مِنَ الْحَدَثِ ، وَ كَيْفَ يَسْتَأْهِلُ الدَّوَامَ مَنْ تَنْقُلُهُ الأَحْوَالُ وَ الأَعْوَامُ ، وَ كَيْفَ يُنْشِئُ الأَشْيَاءَ مَنْ لاَ يَمْتَنِعُ مِنَ الإِنْشَاءِ ؟ [ 3 ] .
وَ إِذاً لَقَامَتْ آيَةُ الْمَصْنُوعِ فيهِ ، وَ لَتَحَوَّلَ دَليلاً بَعْدَ أَنْ كَانَ مَدْلُولاً عَلَيْهِ ، وَ لاقْتَرَنَتْ صِفَاتُهُ بِصِفَاتِ مَا دُونِهِ ، لَيْسَ في مَجَالِ الْقَوْلِ حُجَّةٌ ، وَ لاَ فِي الْمَسْأَلَةِ عَنْهُ جَوَابٌ [ 4 ] .
خَرَجَ بِسُلْطَانِ الاِمْتِنَاعِ مِنْ أَنْ يُؤَثِّرَ فيهِ مَا يُؤَثِّرُ في غَيْرِهِ .
اَلَّذي لاَ يَحُولُ وَ لاَ يَزُولُ ، وَ لاَ يَجُوزُ عَلَيْهِ الأُفُولُ .
لَمْ يَلِدْ فَيَكُونَ مَوْلُوداً ، وَ لَمْ يُولَدْ فَيَصيرَ مَحْدُوداً ، جَلَّ عَنِ اتِّخَاذِ الأَبْنَاءِ ، وَ طَهُرَ عَنْ مُلاَمَسَةِ النِّسَاءِ .
لاَ تَنَالُهُ الأَوْهَامُ فَتُقَدِّرَهُ ، وَ لاَ تَتَوَهَّمُهُ الْفِطَنُ فَتُصَوِّرَهُ ، وَ لاَ تُدْرِكُهُ الْحَوَاسُّ فَتَحُسَّهُ ، وَ لاَ تَلْمِسُهُ الأَيْدي فَتَمَسَّهُ ، وَ لاَ يَتَغَيَّرُ بِحَالٍ ، وَ لاَ يَتَبَدَّلُ فِي الأَحْوَالِ ، وَ لاَ تُبْليهِ اللَّيَالي وَ الأَيَّامُ ، وَ لاَ يُغَيِّرُهُ الضِّيَاءُ وَ الظَّلاَمُ ، وَ لاَ يُوصَفُ بِشَيْءٍ مِنَ الأَجْزَاءِ ، وَ لاَ بِالْجَوَارِحِ وَ الأَعْضَاءِ ، وَ لاَ بِعَرَضٍ مِنَ الأَعْرَاضِ ، وَ لاَ بِالْغَيْرِيَّةِ وَ الأَبْعَاضِ .
وَ لاَ يُقَالُ : لَهُ حَدٌّ وَ لاَ نِهَايَةٌ ، وَ لاَ انْقِطَاعٌ وَ لاَ غَايَةٌ ، وَ لاَ أَنَّ الأَشْيَاءَ تَحْويهِ فَتُقِلَّهُ أَوْ تُهْويهِ ، أَوْ أَنَّ شَيْئاً يَحْمِلُهُ فَيُميلَهُ أَوْ يُعَدِّلَهُ .
لَيْسَ فِي الأَشْيَاءِ بِوَالِجٍ ، وَ لاَ عَنْهَا بِخَارِجٍ .
يُخْبِرُ لاَ بِلِسَانٍ ، وَ لَهَوَاتٍ ، وَ يَسْمَعُ لاَ بِخُرُوقٍ وَ أَدَوَاتٍ ، يَقُولُ وَ لاَ يَتَلَفَّظُ [ 5 ] وَ يَحْفَظُ وَ لاَ يَتَحَفَّظُ ،
وَ يُريدُ وَ لاَ يُضْمِرُ ، وَ يُحِبُّ وَ يَرْضى مِنْ غَيْرِ رِقَّةٍ ، وَ يُبْغِضُ وَ يَغْضَبُ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ .
[ 6 ] من : و لكان إلى : النّقصان . و من : و إذا لقامت إلى : مدلولا عليه . و من : خرج بسلطان إلى : عزّ و قدرة ورد في خطب الرضي تحت الرقم 186 .
[ 1 ] ورد في عيون أخبار الرضا ج 1 ص 149 . و التوحيد ص 37 . و تحف العقول ص 50 . و نهج السعادة ج 3 ص 50 . باختلاف يسير .
[ 2 ] إذا . ورد في نسخة نصيري ص 111 . و نسخة الأسترابادي ص 274 .
[ 3 ] ورد في عيون أخبار الرضا ج 1 ص 149 . و التوحيد ص 37 . و تحف العقول ص 50 . و نهج السعادة ج 3 ص 50 . باختلاف يسير .
[ 4 ] ورد في المصادر السابقة . باختلاف يسير .
[ 5 ] يلفظ . ورد في نسخة العام 400 ص 241 . و نسخة الآملي ص 208 . و نسخة ابن أبي المحاسن ص 240 . و نسخة الأسترابادي ص 275 . و نسخة عبده ص 404 . و نسخة الصالح ص 274 .
[ 98 ]
يَقُولُ لِمَا أَرَادَ كَوْنَهُ : « كُنْ » فَيَكُونُ ، لاَ بِصَوْتٍ يُقْرَعُ ، وَ لاَ بِنِدَاءٍ يُسْمَعُ ، وَ إِنَّمَا كَلاَمُهُ سُبْحَانَهُ فِعْلٌ مِنْهُ أَنْشَأَهُ وَ مَثَّلَهُ ، لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ كَائِناً ، وَ لَوْ كَانَ قَديماً لَكَانَ إِلهاً ثَانِياً .
لاَ يُقَالُ : « كَانَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ » ، فَتَجْري عَلَيْهِ الصِّفَاتُ الْمُحْدَثَاتُ ، وَ لاَ يَكُونُ بَيْنَهَا وَ بَيْنَهُ [ 1 ] فَصْلٌ ، وَ لاَ لَهُ عَلَيْهَا فَضْلٌ ، فَيَسْتَوِيَ الصَّانِعُ وَ الْمَصْنُوعُ ، وَ يَتَكَافَأَ الْمُبْتَدَعُ وَ الْبَديعُ .
خَلَقَ الْخَلاَئِقَ عَلى غَيْرِ مِثَالٍ خَلاَ مِنْ غَيْرِهِ ، وَ لَمْ يَسْتَعِنْ عَلى خَلْقِهَا بِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ .
وَ أَنْشَأَ الأَرْضَ فَأَمْسَكَهَا مِنْ غَيْرِ اشْتِغَالٍ ، وَ أَرْسَاهَا عَلى غَيْرِ قَرَارٍ ، وَ أَقَامَهَا بِغَيْرِ قَوَائِمَ ،
وَ رَفَعَهَا بَغَيْرِ دَعَائِمَ ، وَ حَصَّنَهَا مِنَ الأَوَدِ وَ الاِعْوِجَاجِ ، وَ مَنَعَهَا مِنَ التَّهَافُتِ وَ الاِنْفِرَاجِ .
أَرْسى أَوْتَادَهَا ، وَ ضَرَبَ أَسْدَادَهَا ، وَ اسْتَفَاضَ عُيُونَهَا ، وَ خَدَّ أَوْدِيَتَهَا ، فَلَمْ يَهِنْ مَا بَنَاهُ ، وَ لاَ ضَعُفَ مَا قَوَّاهُ .
هُوَ الظَّاهِرُ عَلَيْهَا بِسُلْطَانِهِ وَ عَظَمَتِهِ ، وَ هُوَ الْبَاطِنُ لَهَا بِعِلْمِهِ وَ مَعْرِفَتِهِ ، وَ الْعَالي عَلى كُلِّ شَيْءٍ مِنْهَا بِجَلاَلِهِ وَ عِزَّتِهِ .
لاَ يُعْجِزُهُ شَيْءٌ مِنْهَا [ 2 ] فَيَطْلُبَهُ [ 3 ] ، وَ لاَ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ فَيَغْلِبَهُ ، وَ لاَ يَفُوتُهُ السَّريعُ مِنْهَا فَيَسْبِقَهُ ،
وَ لاَ يَحْتَاجُ إِلى ذي مَالٍ فَيَرْزُقَهُ .
خَضَعَتِ الأَشْيَاءُ لَهُ ، وَ ذَلَّتْ [ 4 ] مُسْتَكينَةً لِعَظَمَتِهِ ، لاَ تَسْتَطيعُ الْهَرَبَ مِنْ سُلْطَانِهِ إِلى غَيْرِهِ فَتَمْتَنِعَ مِنْ نَفْعِهِ وَ ضَرِّهِ ، وَ لاَ كُفْؤٌ لَهُ فَيُكَافِئَهُ ، وَ لاَ نَظيرٌ لَهُ فَيُسَاوِيَهُ .
هُوَ الْمُفْني لَهَا بَعْدَ وُجُودِهَا ، حَتَّى يَصيرَ مَوْجُودُهَا كَمَفْقُودِهَا .
وَ لَيْسَ فَنَاءُ الدُّنْيَا بَعْدَ ابْتِدَاعِهَا بِأَعْجَبَ مِنْ إِنْشَائِهَا وَ اخْتِرَاعِهَا .
وَ كَيْفَ وَ لَوِ اجْتَمَعَ جَميعُ حَيَوَانِهَا ، مِنْ طَيْرِهَا وَ بَهَائِمِهَا ، وَ مَا كَانَ مِنْ مُرَاحِهَا وَ سَائِمِهَا ،
وَ أَصْنَافِ أَسْنَاخِهَا [ 5 ] وَ أَجْنَاسِهَا ، وَ مُتَبَلَّدَةِ أُمَمِهَا وَ أَكْيَاسِهَا ، عَلى إِحْدَاثِ بَعُوضَةٍ ، مَا قَدَرَتْ عَلى إِحْدَاثِهَا ، وَ لاَ عَرَفَتْ كَيْفَ السَّبيلُ إِلى إيجَادِهَا ، وَ لَتَحَيَّرَتْ عُقُولُهَا في عِلْمِ ذَلِكَ وَ تَاهَتْ ، وَ عَجِزَتْ قُواهَا وَ تَنَاهَتْ ، وَ رَجَعَتْ خَاسِئَةً حَسيرَةً ، عَارِفَةً بِأَنَّهَا مَقْهُورَةٌ في إِبْدَائِهَا ، مُقِرَّةً بِالْعَجْزِ عَنْ
[ 1 ] بينه و بينها . ورد في نسخة ابن المؤدب ص 171 . و نسخة نصيري 112 . و هامش نسخة الآملي ص 208 .
[ 2 ] منها شيء . ورد في نسخة نصيري 112 .
[ 3 ] طلبه . ورد في نسخة ابن المؤدب ص 171 . و نسخة نصيري 112 . و نسخة الآملي ص 208 . و نسخة الجيلاني . و نسخة الأسترابادي ص 276 .
[ 4 ] فذلّت . ورد في نسخة ابن أبي المحاسن ص 241 .
[ 5 ] أشباحها . ورد في نسخة ابن المؤدب ص 171 . و نسخة نصيري 112 . و نسخة الآملي ص 209 .
[ 99 ]
إِنْشَائِهَا ، مُذْعِنَةً بِالضَّعْفِ عَنْ إِفْنَائِهَا .
وَ إِنَّ اللَّهَ [ 1 ] سُبْحَانَهُ يَعُودُ بَعْدَ فَنَاءِ الدُّنْيَا وَحْدَهُ وَ لاَ شَيْءَ مَعَهُ ، كَمَا كَانَ قَبْلَ ابْتِدَائِهَا كَذَلِكَ يَكُونُ بَعْدَ فَنَائِهَا ، بِلاَ وَقْتٍ وَ لاَ مَكَانٍ ، وَ لاَ حينٍ وَ لاَ زَمَانٍ .
عُدِمَتْ عِنْدَ ذَلِكَ الآجَالُ وَ الأَوْقَاتُ ، وَ زَالَتِ السِّنُونَ وَ السَّاعَاتُ ، فَلاَ شَيْءَ إِلاَّ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ، الَّذي إِلَيْهِ مَصيرُ جَميعِ الأُمُورِ .
بِلاَ قُدْرَةٍ مِنْهَا كَانَ ابْتِدَاءُ خَلْقِهَا ، وَ بِغَيْرِ امْتِنَاعٍ مِنْهَا كَانَ فَنَاؤُهَا ، وَ لَوْ قَدَرَتْ عَلَى الاِمْتِنَاعِ لَدَامَ بَقَاؤُهَا .
لَمْ يَتَكَأَّدْهُ [ 2 ] صُنْعُ شَيْءٍ مِنْهَا إِذْ صَنَعَهُ ، وَ لَمْ يَؤُدْهُ مِنْهَا خَلْقُ مَا خَلَقَهُ وَ بَرَأَهُ [ 3 ] .
وَ لَمْ يُكَوِّنْهَا لِتَشْديدِ سُلْطَانٍ ، وَ لاَ لِخَوْفٍ مِنْ زَوَالٍ وَ نُقْصَانٍ ، وَ لاَ لِلاِسْتِعَانَةِ بِهَا عَلى نِدٍّ مُكَاثِرٍ ، وَ لاَ لِلاِحْتِرَازِ بِهَا مِنْ ضِدٍّ مُثَاوِرٍ ، وَ لاَ لِلاِزْدِيَادِ بِهَا في مُلْكِهِ ، وَ لاَ لِمُكَاثَرَةِ شَريكٍ في شِرْكِهِ ،
وَ لاَ لِوَحْشَةٍ كَانَتْ مِنْهُ فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَأْنِسَ إِلَيْهَا .
ثُمَّ هُوَ يُفْنيهَا بَعْدَ تَكْوينِهَا ، لاَ لِسَأْمٍ دَخَلَ عَلَيْهِ في [ 4 ] تَصْريفِهَا وَ تَدْبيرِهَا ، وَ لاَ لِرَاحَةٍ وَاصِلَةٍ إِلَيْهِ ، وَ لاَ لِثِقَلِ شَيْءٍ مِنْهَا عَلَيْهِ .
لاَ يُمِلُّهُ طُولُ بَقَائِهَا فَيَدْعُوهُ إِلى سُرْعَةِ إِفْنَائِهَا ، وَ لكِنَّهُ سُبْحَانَهُ دَبَّرَهَا بِلُطْفِهِ ، وَ أَمْسَكَهَا بِأَمْرِهِ ، وَ أَتْقَنَهَا بِقُدْرَتِهِ . ثُمَّ يُعيدُهَا بَعْدَ الْفَنَاءِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ مِنْهُ إِلَيْهَا ، وَ لاَ لاسْتِعَانَةٍ بِشَيْءٍ مِنْهَا عَلَيْهَا ، وَ لاَ لانْصِرَافٍ مِنْ حَالِ وَحْشَةٍ إِلى حَالِ اسْتِئْنَاسٍ ، وَ لاَ مِنْ حَالِ جَهْلٍ وَ عَمىً إِلى حَالِ عِلْمٍ وَ الْتِمَاسٍ ، وَ لاَ مِنْ فَقْرٍ وَ حَاجَةٍ إِلى غِنىً وَ كَثْرَةٍ ، وَ لاَ مِنْ ذُلٍّ وَ ضَعَةٍ إِلى عِزٍّ وَ قُدْرَةٍ .
لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ الْعَلِيُّ الْعَظيمُ . كَذَبَ الْعَادِلُونَ بِاللَّهِ وَ ضَلُّوا ضَلاَلاً بَعيداً ، وَ خَسِرُوا خُسْرَاناً مُبيناً .
وَ صَلَّى اللَّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَ أَهْلِ بَيْتِهِ الطَّاهِرينَ [ 5 ] .
[ 1 ] إنّه . ورد في نسخة العام 400 الموجودة في المكتبة الظاهرية ص 243 . و نسخة ابن المؤدب ص 171 . و نسخة نصيري 112 .
و نسخة الآملي ص 209 . و نسخة ابن أبي المحاسن ص 242 .
[ 2 ] يتكاءده . ورد في نسخة عبده ص 407 . و نسخة الصالح ص 276 . و نسخة العطاردي ص 279 .
[ 3 ] ما برأه و خلقه . ورد في نسخة العام 400 ص 243 . و نسخة ابن المؤدب ص 172 . و نسخة نصيري 113 . و نسخة الآملي ص 209 . و نسخة ابن أبي المحاسن ص 243 . و نسخة العطاردي ص 279 . و ورد ما خلقه إذ برأه . في متن بهج الصباغة ج 1 ص 211 .
[ 4 ] من . ورد في نسخة نصيري 113 .
[ 5 ] ورد في عيون أخبار الرضا للصدوق ج 1 ص 149 .
[ 100 ]