الجوهرة في نسب الامام علي وآله

البري


[ 1 ]

الجوهرة في نسب الامام علي وآله


[ 3 ]

الجوهرة في نسب الإمام علي وآله تأليف محمد بن أبي بكر الانصاري التاهساني المعروف بالبري تحقيق الدكتور محمد التونجي أستاذ الأدب العباسي والمقارن المساعد وكيل كلية الآداب للشؤون العلمية بجامعة حلب الناشر مكتبة النوري دمشق


ليتو غراف الكرماني قم: عشقعلى الطبعة الأولى حقوق الطبع محفوظة للمؤلف والناشر 1402 ه‍ - 1982 م طبع واخراج: مؤسسة الأعلم للمطبوعات بيروت - لبنان ص. ب: 7120. تلفن: 242205 ليتو غراف الكرماني قم: عشقعلى

[ 5 ]

كلمة عجلى بسم الله الرحمن الرحيم نسخة فريدة في العالم، نادرة ومهمة، جديرة بالدراسة والطلاع، هي " الجوهرة في نسب النبي وأصحابه العشرة " للكاتب الأندلسي " محمد بن أبي بكر بن عبد الله بن موسى الأنصاري التلمساني بالبري ". ومع اننا ذكرنا مدى أهمية الكتاب، فإننا نعلن أسفنا حيال هذا المؤلف المجهول، الذي عانى الكثير حتى انهى كتابه في الرواية والتراجم أكبر عناء. وكل ما نعرفه أنه ألف كتابه وانتهى منه سنة 645 ه‍، وهو من سكان جزيرة منورقة في الأندلس، عاش في أواسط القرن السابع الهجري، وأهدى كتابه الى أمير الجزيزة الصغيرة " سعيد بن حكم بن عمر بن حكم القرشي أبو عثمان ". وسبب ضياع ترجمة هذا الكاتب في نظرنا يرجع إلى انه عاش في مرحلة كان العرب فيها ضعفاء، وإلى عاش في جزيرة صغيرة نائية لا يؤبه لها في الأندلس، فعثرنا في كتاب كشف الظنون على اسم لهذا الكتاب، ولكن


[ 6 ]

لمؤلف آخر هو " كمال الدين عبد الرحمن بن محمد الأنباري " المتوفى سنة 577 ه‍. وهذا مخالف لسنة تأليف الجوهرة المسجل في ختامها، وللخط المغربي الصعب الذي لا يجيد المشارقة رسمه، ثم إن الكتاب بخط، مؤلفه، وهي نسخته الخاصة. وقد رأينا ان نطبع الفصل الخاص بالأمام علي وآله نظرا الى أهميته وانفصاله وتفصيله في نسبه ونسب أبناه السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام. على ان أنشعل بعد ذلك بتحقيق الجوهرة الكاملة عن النسخة الوحيدة والفريدة. ولا نبعي من أعمالنا هذه سوى مرضاة الله. حلب: 18 / 10 / 80 المحقق


[ 7 ]

أمير المؤمنين أبو الحسن علي بن أبي طالب ابن عبد المطلب، ابن عم رسول الله صل الله عليه وسلم، القريب القرابة. وهو أول بالنبي عليه السلام من الصبيان. قيل إنه أسلم وهو ابن ثلاث عشرة سنة، روى ذلك نافع عن ابن عمر. وقيل إنه أسلم، وهو ابن عشر سنين، قاله ابن اسحاق. وذكر أبو زيد عمر بن شبه قال: نا سريج بن النعمان قال: نا الفرات بن السائب عن ميمون بن مهران، عن ابن عمر فقال: أسلم علي بن أبي طالب وهو ابن ثلاث عشرة، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين، وهذا أصلح ما قيل في ذلك. وقد روي عن ابن عمر من وجهين جيدين. وروى شعبة عن سلمة بن كهيل عن حبة العرني (1) قال: سمعت عليا يقول: أنا أول من صلى مع رسول الله صل الله عليه وسلم. وقال


(1) هو حبة بن جوين ثم العرني، أبو قدامة. كوفي من أصحاب علي. روى حديث غدير خم، وكان يومئذ مشركا. أسد الغابة 1 / 363 (*)

[ 8 ]

زيد بن أرقم (1): أول من آمن بالله بعد رسول الله صل الله عليه وسلم علي بن أبي طالب. وعن أنس بن مالك قال: استنبئ النبي عليه السلام يوم الاثنين، وصلى علي يوم الثلاثلاء. وروى سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل، عن أبي صادق، عن حنش بن المعتمر (2)، عن عليم الكندي، عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أولكم ورودا علي الحوض أولكم إسلاما علي بن أبي طالب ". وحدث عبد العزيز بن محمد الدراوردي قال: حدثنى عمر مولى غفرة قال: سئل محمد بن كعب القرظي (2) عن أول من أسلم علي أو أبو بكر. قال: سبحان الله علي أولهما إسلاما !. وعن معاذة بنت عبد الله العدوية (3) قالت: سمعت علي بن أبي طالب


(1) هو زيد بن أرقم بن زيد بن قيس بن النعمان الأنصاري الخزرجي، أبو سعيد. صحابي غزا مع رسول الله سبع عشرة غزوة، وقد استصغره يوم أحد، وكان يتيما في حجر عبد الله بن رواحة، وسار معه في غزوة مؤتة. روى سبعين حديثا. نزل الكوفة وتوفي بها سنة ست وخمسين، وقيل سته ثمان وستين. تهذيب الأسماء: 1 / 199 (2) ذكر حنش بن المعتمر في الصحابة، ولا يصح حديثه. ذكر أبن الأثير ذلك في أسد الغابة: 2 / 55 (3) منسوب الى بني قريظه الطائفة اليهودية المعروفة. وهو تابعي جليل، أبو حمزة. كان أبوه من سبي قريظة. سكن محمد الكوفة ثم عاد إلى المدينة. وقد ولد في حياة رسول الله. وسمع ابن عباس وزيد بن أرقم ومعاوية. وروى عن كثير من الصحابة، وروى عنه آخرون. توفي سنة 108 ه‍، وقيل بعد ذلك. تهذيب الأسماء: 1 / 90 (4) تكن معاذة أم الصهباء. وهي امراة فاضلة من العالمات بالحديث من أهل البصرة. روت عن علي وعائشة. وروى عنها عاصم جماعة. توفيت سنة 83 ه‍. رغبة الأمل: 8 / 184 (*)

[ 9 ]

على منبر البصرة وهو يقول: " أنا الصديق الأكبر، آمنت قبل ان يؤمن أبو بكر، وأسلمت قبل أن يسلم ". وروى ابراهيم بن سعيد الزهري عن ابن اسحاق، قال: حدثني يحيى بن أبي الأشعث، عن اسماعيل بن إياس بن عفيف الكندي، عن أبيه، عن جده، قال: كنت امرا تاجرا. فقدمت الحج، فأتيت العباس بن عبد المطلب لأبتاع منه بعض التجارة، وكان امرا تاجرا. فوالله إني لعنده إذ خرج رجل من خباء في بيت، فنظر إلى الشمس، فلما رآها قد مالت قام يصلي. قال: ثم خرجت امرأة من ذلك الخباء الذي خرج منه ذلك الرجل، فقامت خلقه تصلي. ثم خرج غلام حين راهق الحلم من ذلك الخباء، فقام معه يصلي. فقلت للعباس: من هذا يا عباس ؟ قال: هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن أخي. قلت: من هذه المرأة ؟ قال: هذه امرأته خديجة بنت خويلد. قلت: من هذا الفتى ؟ قال: علي بن أبي طالب ابن عمه. قلت: ما هذا الذي يصنع ؟ قال: يصلي. وهو يزعم أنه نبي، ولم يتبعه على أمره إلا امرأته وابن عمه هذا الغالم. وهو يزعم أنه ستفتح عليه إمره إلا امرأته وابن عمه هذا الغلام. وهو يزعم أنه ستفتح عليه كنوز كسرى وقيصر. فكان عفيف يقول، وقد أسلم بعد ذلك، وقد حسن إسلامه: لو كان الله رزقني الإسلام يومئذ بعد ذلك، وقد حسن إسلامه: لو كان الله رزقيي الإسلام يومئذ فأكون ثانيا مع على. وقال مجاهد بن جبر أبو الحجاج (1): كان من نعمة الله


(1) مجاهد بن جبر أبو الحجاج المكي، مولى بني مخزوم. تابعي من أهل مكة. أخذ التفسير عن ابن عباس، وتنقل في اساره ثم استقر في الكوفة. مات وهو ساجد سنة 104. انفرد أبو زكرياء النووي الأسماء في أن جعل أباه " جبيرا " بالتصغير، وهذا ما لم يرد في المخطوطة وفي أغلب المراجع. طبقات الفقهاء: 45

[ 10 ]

تعالى على علي بن أبي طالب، ومما صنع الله تعالى له، وأراد به من الخير أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة. وكان أبو طالب ذا عيال كثير. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس عمه، وكان من أيسر بني هاشم: " يا عباس إن أخاك أبا طالب كثير العيال، وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأرمة. فانطلق بنا إليه، فلنحفف من عياله. آخذ من بنيه رجلا، وتأخذ أنت رجلا، فنكفهما عنه ". قال العباس: نعم. فانطلقا حتى أتيا أبا طالب: فقالا له: إنا نريد ان نخفف عنك من عيالك، حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه. فقال لهما أبو طالب: إذا تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما. فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا فضمه إليه. وأخذ العباس جعفرا فضمه إليه. فلم يزل علي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعثه الله نبيا، فأتبعه علي، وآمن به وصدقه. ولم يزل جعفر العباس حتى أسلم علي، وآمن به وصدقه. ولم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم واستغنى عنه. وذكر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام كان إذا حضرته الصلاة خرج إلى شعاب مكة، وخرج معه علي ابن أبي طالب مستخفيا من عمه أبي طالب ومن جميع أعمامه وسائر قومه، فيصليان الصلوات فيها. فإذا أمسيا رجعا فمكثا كذلك ما شاء الله تعالى أن بمكثا. ثم إن أبا طالب عثر عليهما يوما، وهما يصليان. فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بن أخي، هذا الدين الذي أراك تدين به ؟ قال: " أي عم، هذا دين الله ودين ملائكته ودين رسله ودين أبينا ابراهيم ". أو كما قال صلى الله عليه


[ 11 ]

وسلم: " بعثني الله به رسولا إلى العباد. وأنت أي عم أحق من بذلك له النصيحة، ودعوته إلى الهدى، وأحق من أجابني إليه، وأعانني عليه "، أو كما قال. فقال أبو طالب: أي ابن أخي، إني لا أستطيع ان افارق دين آبائي وما كانوا عليه، ولكن والله لا يخلص إليك بشئ تكرهه ما بقيت. وقال لعلي بن أبي طالب: أي بني، ما هذا الدين الذي أنت عليه ؟ فقال: يا أبت، آمنت برسول الله صلى الله عليه وسلم، وصدقته بما جاء به، وصليت معه لله تعالى، وأتبعته. فزعموا أنه قال له: أما إنه لم يدعك إلا إلى خير فالزمه. وروى سلمة بن كهيل عن حبة بن جوين قال: سمعت عليا رضي الله عنه يقول: " لقد عبدت الله قبل ان يعبده أحد من هذه الأمامة خمس سنين ". ولما دبرت قريش في دار الندوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة بيسير ما دبرت، وأرادؤا المكر به، ومعهم إبليس في صورة شيخ نجدي، أتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه. قال: فلما كانت عتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ينام، فيثبون عليه. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانهم قال لعلي بن أبي طالب: " نم على فراشي، وتسج بردي هذا الحضرمي الأخضر، فنم فيه فإنه لن يخلص إليك شئ تكرهه منهم. قال محمد بن كعب القرظي: اجتمعوا له وفيهم أبو جهل


[ 12 ]

بن هشام فقال، وهم على بابه: إن محمدا يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره كنتم ملوك العرب والعجم، ثم بعثتم من بعد موتكم، فجعلت لكم جنان كجنان الأردن، وإن لم تفعلوا كان لكم فيه ذبح، ثم بعثتم من بعد موتكم، فجعلت لك نار تحرقون فيها. قال: وخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ حفنة من تراب في يده ثم قال: " نعم، أنا أقول ذلك، أنت أحدهم ". وأخذ الله تعالى على أبصارهم عنه، فلا يرونه. فجعل ينثو (1) ذلك التراب على رؤوسهم، وهو يتلو هؤلاء الآيات من يس: (يس، والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين). إلى قوله تعالى: (وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون) (2). حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الآيات، ولم يبق منهم رجل إلا وقد وضع على رأسه ترابا. ثم انصرف إلى حيث أراد. فأتاهم آت ممن لم يكن معهم، فقال: ما تنتظرون ها هنا ؟ قالوا: محمد. قال: خيبكم الله، قد والله خرج عليكم محمد، ثم ما ترك منكم رجلا إلا وقد وضع على رأسه ترابا، وانطلق لحاجته. أفما ترون ما بكم ؟ قال: فوضع كل رجل منهم يده على رأسه، فإذا عليه تراب. ثم جعلوا يطلعون فيرون عليا على الفراش متسجيا ببرد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيقولون: والله إن هذا لمحمد نائما، عليه برده. قال: فلم يبرحوا كذلك حتى اصبحوا. فقام علي عن الفراش. فقالوا: والله لقد كان صدقنا الذي كان حدثنا. وكان مما انزل الله تعالى من القرآن في ذلك اليوم، وما


(1) ينئو التراب: يفرقه. (2) سورة يس: 36 / الاية: 1 - 10

[ 13 ]

كانوا اجمعوا له من المكر بالنبي عليه السلام: (وإذ يمكر بك الذين گفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك. ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين) (1). ولما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة أقام علي بمكة ثلاث ليال وأيامها حتى أدى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا فرغ منها لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل معه على كلثوم بن هدم الأوسي (2). وأجمع رواة الآثار على آن عليا صلى القبلتين، وهاجر، وشهد بدرا والحديبية وسائر المشاهد، وأنه أبلى ببدر وبأحد والخندق وخيبر بلاء عظيما، وأنه أغنى في تلك المشاهد، وقام فيها المقام الكريم. وكان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده في مواطن كثيرة. وكان يوم بدر بيده على اختلاف في ذلك. ولما قتل مصعب بن عمير (3) يوم أحد، وكان اللواء بيده


(1) سورة الأنفال: 8 / الآية: 29. (2) ذكر ابن الأثير أنه ابن هرم بن امرئ القيس بنى الحارث.. ابن أوس الأنصاري الأوسي، بينما ضبطه مؤلف الجوهرة بالدال الساكنة. كان يسكن قباء ويعرف بصاحب رسول الله. وكان شيخا كبيرا، أسلم قبل وصول رسول الله إلى المدينة. وهو الذي نزل عليه رسول الله بقباء. وأقام عنده أربعة أيام، ثم خرج الى أبي أيوب الأنصاري. قيل إنه أول من مات من صحابة رسول الله بعد قدومه المدينة، ولم يدوك شيئا من مشاهده. وقيل توفي قبل بدر بيسير. أسد الغابة: 4 / 253 (3) مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف، أبو عبد الله. من فضلاء الصحابة وخارهم، ومن السابقين إلى الإسلام. أسلم ورسول الله في دار الأرقم. وكتم إسلامه خوقا من أمه وأبيه. وحين علما به حبساه إلى أن هاجر الى الحبشة، بعثه رسول = (*)

[ 14 ]

دفعه رسول الله صلى الله وسلم عليه وسلم إلى علي: وشهد بدرا وهو ابن خمس وعشرين سنة، قاله ابن اسحاق. وذكر ابن السراج في تاريخه عن مقسم، عن ابن عباس قال: دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية يوم بدر إلى علي، وهو ابن عشرين سنة. ولم يتخلف عن مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم مذ قدم إلى المدينة إلا في غزوة تبوك، خلفه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم على عياله، وقال له: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي ". وروي قوله عليه السلام لعلي: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى " جماعة من الصحابة، وهو من أثبت الآثار وأصحها. رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم: سعد بن أبي وقاص، وطرق حديث سعد فيه كثيرة جدا، وقد ذكرها ابن أبي خيثمة (1) وغيره. ورواه جابر بن عبد الله، وأسماء بنت عميس (2)، وابن عباس، وأبو سعيد


= الله مع الاثني عشر أهل العقبة الثانية ليفقه أهل المدينة ويقرئهم القرآن. وهو أول من جمع الجمعة بالمدينة. أسلم على يديه سعد بن معاذ. شهد بدرا واستشهد بأحد وكان عمره أربعين سنة. وزوجه حمنة بنت جحش. تهذيب الأسماء: 1 / 97 (1) اسمه أحمد بن زهير بن حرب النسائي ثم البغدادي، أبو بكر. وهو مؤرخ من حفاظ الحديث ومن رواة الآدب. مولده ووفاته ببغداد (189 - 279) الأعلام: 1 / 123 (2) أسماء بنت عميس، امرأة أبي بكر، وأمها هند بنت عوف. كانت تحت جعفر بن أبي طالب، وهاجرت معه إلى أرض الحبشة، ثم قتل عنها يوم مؤتة، فتزوجها أبو بكر، فصات عنها ثم تزوجها على. وولدت لجعفر عند الله ومحمدا وعونا. وولدت لأبي بكر (*)

[ 15 ]

الخدري، وأم سلمة. الترمذي: حدثنا القاسم بن دينار الكوفي: نا أبو نعيم، عن عبد السلام بن حرب، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى ". قال: هذا حديث حسن صحيح. الترمذي: حدثنا محمود بن غيلان: نا أبو أحمد الزبيري: نا شريك عن عبد الله بن محمود بن غيلان: نا أبو أحمد الزبيري: نا شريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي " وحدت يحيى بن معين (1) قال: نا مروان بن معاوية الفزاري، عن موسى الجهني، عن فاطمة بنت علي قالت: سمعت أسماء بنت عميس تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى، الا


= محمدا، وولدت لعلي يحيى. وروى عنها بعض الصحابة كعمر وأبي موسى الأشعري وابن عباس. وهي أخت ميمونة زوج النبي أسلمت قبل دخول رسول الله دار الأرقم بمكة، وبايعت رسول الله. توفيت نحو 40 ه‍. تهذيب الأسماء: 1 / 330 (1) يحيى بن معين بن عون بن زياد، أبو زكرياء، مولى بني مرة غطفان. أصله من الأنبار، وإمام الحديث في زمانه. كان إماما ربانيا عالما حافظا ثبتا. يقول عنه ابن حنبل: كل حديث لا يعرفه يحى ليس بحديث. توفي بالمدينة وغسل على السرير الذي غسل عليه رسول الله، ودفن بالبقيع، ورثاه الشعراء سنة 234، وله من العمر سبع وسبعون سنة. تهذيب الأسماء: 1 / 159 (*)

[ 16 ]

أنه ليس بعدي نبي ". وتزوج علي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفر في العام الثاني من الهجرة، وابتنى بها في ذي الحجة من آخر العام. وروي أنه مهرها درعه، إذ لم يكن له في ذلك الوقت صفراء ولا بيضاء. وقيل إن عليا رحمه الله، تزوج فاطمة على أربع مئة وثمانين درهما. فأمره النبي عليه السلام أن يجعل ثلثها في الطيب. وقيل إن عليا قدم الدرع من اجل الدخول بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه بذلك. وكان سنها يوم تزوجها خمس عشرة سنة وخمسة اشهر ونصفا. وكانت سن علي، رحمه الله، يومئذ إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر. وقالت عائشة، رضي الله عنها: ما رأيت أحدا كان اشبة برسول الله صلى الله عليه وسلم كلاما وحديثا من فاطمة ابنتة. وكان يحبها حبا شديدا. وكانت إذا دخلت عليه قام إليها، وقبل بين عينيها ورحب بها وأجلسها في مجلسه. كما كانت تصنع هي به صلى الله عليه وسلم. وقال ابن السراج محمد بن اسحاق بن ابراهيم أبو العباس: حدثنا محمد بن حميد: نا سلمة عن ابن اسحاق، عن يحيى بن عباد، عن أبيه، عن عائشة، قالت: ما رأيت أحدا أصدق لهجة من فاطمة. إلا ان يكون الذي ولدها صلى الله عليه وسلم. وذكر ابن السراج أيضا: نا محمد بن عبد الأعلى قال: نا عبد الرزاق عن معمر، عن قتاده، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حسبك من تساء العالمين مريم


[ 17 ]

بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية امرأة فرعون ". وروى عبد الرحمن بن أبي نعم عن أبي سعيد الخدري قال: قال النبي عليه السلام: " فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، إلا ما كان من مريم بنت عمران ". وذكر ابن السراج قال: نا محمد بن الصباح قال: نا علي ابن هاشم عن كثير النواء عن عمران بن حصين ان النبي صلى الله عليه وسلم عاد فاطمة، وهي مريضة فقال لها: " كيف تجدينك يا بنية ؟ " قالت: إني وجعة، وإنه ليزيدني أني ما لي طعام آكله. فقال: يا بنية، أما ترضين إنك سيدة نساء العالمين ؟ فقالت: يا أبت، فأين مريم بنت عمران ؟ قال: " تلك سيدة نساء العالمين ؟ فقالت: يا أبت، فأين مريم بنت عمران ؟ قال: " تلك سيدة نساء عالمها، وأنت سيدة نساء عالمك. أما والله، لقد زوجتك سيدا في الدنيا والآخرة ". ابن السراج بسنده عن جميح بن عمير قال: دخلت على عائشة فسئلت: أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت: فاطمة. قلت: فمن الرجال ؟ قالت: زوجها، إن كان ما علمتة صواما قواما. مسلم: حدثني زهير بن حرب قال: نا يعقوب بن ابراهيم قال: نا أبي عن أبيه ان عروة بن الزبير حدثه أن عائشة، رضوان الله عليها، حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا فاطمة ابنته، رضي الله عنها، فسارها، فبكت. ثم سارها، فضحكت. فقالت عائشة: فقلت لفاطمة: ما هذا الذي سارك به رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكيت، ثم سارك به فضحكت ؟


[ 18 ]

قالت: سارني فأخبرني بموته فبكيت. ثم سارني فأخبرني أني أول من يتبعه من أهله فضحكت. وتوفيت فاطمة بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبعين ليلة. قاله ابن بريدة عن أبيه. وقال عمرو بن دينار: توفيت فاطمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بثمانية أشهر. وقيل: توفيت بعده بستة اشهر، وهو قول اكثر أصحاب التواريخ والأثار، وقاله مسلم في الصحيح، وقال ذلك محمد بن علي أبو جعفر الباقر وابن هشام. وقال محمد بم عمر الواقدي: حدثنا معمر عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قال: وأخبرنا ابن جريح عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أن فاطمة توفيت بعد النبي عليه السلام بسته أشهر. قال: محمد بن عمرو: هو الثبت عندنا. وقال المدائني: ماتت فاطمة ليلة الثلاثاء خلون من شهر رمضان، سنة إحدى عشرة، وهي ابنة تسع وعسرين سنة. ولدت قبل النبوة بخمس سنين، وصلى عليها العباس. وقال عبد الله ابن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب: بلغت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين سنة. وقيل: صلى عليها علي، وهو الذي غسلها مع أسماء بنت عميس، ودفنت ليلا. ودخل قبرها العباس وعلي والفضل وهي أول من غطي نعشها من النساء في الإسلام. إذ حكت لها أسماء بنت عميس ما يصنع للمرأة إذا ماتت بأرض الحبشة، فأمرتها أن تصنع ذلك لها. وكذلك صنع بزينب بنت جحش زوج النبي عليه السلام. ولم يخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بنية غيرها.


[ 19 ]

ويروى أن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، لما رأى فاطمة، رضي الله عنها، مسبجاة بثوبها بكى حتى رثي له. ثم قال: لكل اجتماع من خليلين فرقه * وإن دون الممات قليل وإن افتقادي واحدا بعد واحد * دليل على أن لا يدوم خليل " طويل " وولدت فاطمة لعلي رضي الله عنهما: الحسن، والحسين، ومحسنا درج صغيرا، وأم كلثوم الكبرى أم زيد بن عمر بن الخطاب (1)، وقد تقدم ذكرها، وزينب الكبرى وكانت عند عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (2)، فولدت له جعفرا الأكبر، وعليا، وعونا الأكبر، وعباسا، أم كلثوم.


(1) ولدت أم كلثوم قبل وفاة رسول الله، وخطبها عمر بن الخطاب إلى أبيها علي، فقال له إنها صغيرة. فقال عمر: زوجنيها يا أبا الحسن، فإني أرصد من كرامتها ما لا يرصده أحد. فتزوجها على مهر أربعين ألفا. فولدت له زيد بن عمر الأكبر ورقيه. توفيت أم كلثوم وابنها زيد في وقت واحد، وصلى عليهما عبد الله بن عمر. أسد الغابة: 5 / 614 (2) جعفر أكبر من أخيه علي بعشر سنين. كان آية الكرم وغاية النجدة. لقبه ذو الجناحين، لأنه قطعت يداه في حرب مؤته، وقال لرسول الله إن الله أبدله بيديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث شاء. (*)

[ 20 ]

الحسن بن علي رضي الله عنهما. ولدت فاطمة الحسن للنصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة قبل وقعة أحد بشهر، هذا أصح ما قيل في ذلك إن شاء الله. وعق عنه (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم سابعه بكبش، رأسه، وأمر أن يتصدق بزنته فضة. مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه أنه قال: وزنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شعر حسن وحسين وزينب وأم كلثوم فتصدقت بزنة ذلك فضة. مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه أنه قال: وزنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شعر حسن وحسين وزينب وأم كلثوم، فتصدقت بزتة ذلك فضة. وقال ابن الجارود: حدثنا أبو بكر محمد بن اسحاق


(1) عق بكبش: القعة: شعر كل مولود لأنه يشق الجلد. والعقيقة الجلد. والعقيقة: اشاة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه عند حلق شعره. ومن عادة العرب أن يزنوا شعر الطفل فضة أو ذهبا ويوزعوه. (*)

[ 21 ]

الصاغاني قال: نا محمد بن عمر القصباني قال: نا عبد الوارث عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا، عن الحسن كبشا وعن الحسين كبشا. محمد بن اسحاق أبو بكر الصاغاني شيخ ابن الجارود خرج عنه مسلم. قال ابن أبي حاتم: سمعت منه مع أبي وهو ثبت صودق. وكان الحسن من المشبهين برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك قثم بن العباس وجعفر بن أبي طالب. الترمذي بسنده عن علي قال: الحسن أشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الصدر ألى الرأس، والحسين أشبه النبي صلى الله عليه وسلم ما كان أسفل من ذلك. الترمذي: نا محمد بن يحيى، نا عبد الرزق عن معمر عن الزهري، عن أنس بن مالك قال: لم يكن منهم أحد أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم من الحسن بن علي. قال: هذا حديث حسن صحيح. وقال: نا محمد بن بشار، نا يحيى بن سعيد عن اسماعيل بن أبي خالد، عن أبي جحيفة، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الحسن بن علي يشبهه. هذا حديث حسن صحيح. قال النبي صلى الله عليه وسلم: " حسن مني وحسين من علي ". وقال عليه السلام: " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما ". وقال صلى الله عليه وسلم في الجنة، وأبوهما خير منهما ". وقال صلى الله عليه وسلم في الحسن: " إن أبني هذا سيد. وسيصلح الله على يده بين فئتين عظيمتين من المسلمين ". وفي حديث آخر أن " ابني هذا سيد، وعسى الله أن يبقيه حتى يصلح به بين فئتين عظيمين من المسليمن ". رواه جماعة من الصباحة. وفي حديث أبي بكرة


[ 22 ]

في ذلك: " وإنه ريحانتي من الدنيا ". ولا أسود ممن سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدا. وتصارع الحسن والحسين يوما بين يدي البي صلى الله عليه وسلم، فجعل عليه السلام يقول: " إيه يا حسن، إيه يا حسن ". فقالت له فاطمة: يا رسول الله، أتحرض الكبير على الصغير ؟ فقال: " يا فاطمة، هذا جبريل يقول يا حسين، إيه يا حسين ". وكان معاوية، وهو خليفة، إذا دخل عليه الحسن يعظمه ويجله ويجلسه معه على سريره، ويقول له: يا أبا محمد، كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأيتك لشبهك به. وحق لمعاوية أن يصنع به هذا الصنع الجميل، وما هو أعز منه وأكرم، ففعل رسول الله عليه وسلم به أكبر وأعظم. روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد في صلاة من الصلوات، فركب الحسن على ظهره، فأطال السجود. قال بعض الصحابة: فرفعت رأسي من السجود، لأنظر ما شأن رسول الله. فرأيت الحسن على ظهره، فرجعت إلى السجود. فلما قضى صلى الله عليه وسلم الصلاة قيل: يا رسول الله، إنك سجدت سجدة في هذه الصلاة فأطلتها. فقال: " إن البني استرحليي فكرهت أن إعجله ". وحدث أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي في مصنفه قال: نا محمد بن عبد العزيز بن غزوان، وهو ابن أبي رزمة قال: نا الفضل بن موسى عن حسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فجأة


[ 23 ]

الحسن والحسين، عليهما قميصان أحمران، يعثران فيهما. فنزل النبي صلى الله عليه وسلم فقطع كلامة، فحملها فيها. فنزل المنبر. ثم قال: " صدق الله: (أموالكم وأولادكم فتنة) رأيت هذين يعثران في قميصهما، فلم أصبر حتى قطعت كلامي فحملتهما ". وخرج هذا الحديث الترمذي عن الحسن بن حريث عن علي بن حسين بن واقد، عن أبيه. وخرجه أيضا الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في كتاب: " رياضة المتعلمين ". فقال: حدثنا محمد بن أحمد بن حمدان: نا الحسن بن سفيان: نا أبو بكر بن أبي شيبة: نا زيد بن حباب عن حسين بن واقد. ومدار هذا الحديث على حسين بن واقد، عن عبد الله بن بريدة. مسلم: عن أبي هريرة أن الأقرع بن حابس (1) أبصر النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن بن علي رضي الله عنه فقال: إن لي عشرة من الولد، ما قبلت واحدا منهم !. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنه من لا يرحم لا يرحم ". مسلم: حدثنا أبن أبي عمر قال: نا سفيان عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن أبي هريرة قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من النهار لا يكلمني ولا أكلمه حتى جاء سوق بني قينقاع، ثم انصرف حتى أتى خباء فاطمة. فقال: " أثم لكع، أثم لكع ؟ " يعني حسنا. فظننا أنه


(1) هو الأقرع بن حابس بن عقال بن محمد... بن زيد مناة التيمي. شهد مع رسول الله فتح مكة وحنينا وحصار الطائف. وشهد مع خالد فتح العراق والأنبار. اسمه فراس، ولقب الأقرع بقرع كان في رأسه. وكان شريفا في الجاهلية والإسلام. تهذيب الأسماء: 1 / 125 (*)

[ 24 ]

إنما تحسبه أمه لأن تغسله وتلبسه سخابا (1). فلم يلبث أن جاء يسعى حتى اعتنق كل واحد منهما صاحبه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم إني أحبه فأحبه، وأحبب من يحبه ". وخرج هذا الحديث البخاري. مسلم: حدثني عبد الله بن الرومي اليمامي وعباس بن عبد العظيم العنبري قالا: نا النضر بن محمد قال: نا عكرمة، وهو ابن عمار قال: نا إياس عن أبيه قال: لقد قدت بنبي الله صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين على بغلته الشهباء. حتى إذا أدخلتهم حجرة النبي صلى الله عليه [ وسلم ] هذا قدامه وهذا خلفه. إياس الذي روى عنه عكرمة بن عمار هذا الحديث هو إياس بن سلمة بن الأكوع الأسلمي، وأبوه سلمة من كبار الصحابة. شهد بيعة الرضوان، ويظهر منه في غزوة ذي قرد الفعل الكريم والغناء العظيم. وقد ذكرتهما قبل في " أسلم " من خزاعة. الترمذي: حدثنا محمد بن بشار: نا أبو عامر العقدي: نا رمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حامل الحسن بن علي عل عاتقه. فقال رجل: نعم المركب ركبت يا غلام. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ونعم الراكب هو ". وقال: حدثنا محمد بن بشار: نا محمد بن جعفر: نا شعبة عن عدي بن ثابت قال: سمعت البراء بن عازب يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم واضعا الحسن بن علي على عاتقه، وهو يقول: " اللهم إني أحبه فأحبه ". وخرج مسلم هذا


(1) السخاب: القلادة. (*)

[ 25 ]

الحديث بسنده ونصه. الترمذي: عن أسامة بن زيد قال: طرقت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في بعض الحاجة. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مشتمل على شئ لا أدري ما هو. فلما فرغت من حاجتي قلت: ما هذا الذي أنت مشتمل عليه ؟ فكشفه، فإذا حسن وحسين عليهما السلام على وركيه. فقال: " هذان ابناي وابنا ابنتي. اللهم اني أحبهما ". وحفظ الحسن عن النبي صلى الله عليه أحاديث، وروها عنه. منها حديث الدعاء في القنوت. ومنها: " إنا آل محمد لا تجل لنا الصدقة ". وكان الحسن رضي الله عنه محبا في النساء، كثير النكاح، كثير الطلاق. وكان علي يستحبي من أصهار الحسن، فخطب الناس، وقال: إن حسنا مطلاق فلا تنكحوه. فقام إليه رجل من همدان، فقال: يا أمير المؤمنين: والله لننكحنه فيمسك من شاء ويطلق من شاء. فقال علي، وقد سر بقول الهمداني: لهمدان أخلاق ودين يزينهم * وبأس إذا لاقوا وحسن كلام فلو كنت بوابا على باب جنة * لقلت لهمدان: ادخلوا بسلام وكان علي، رضي الله عنه، محبا في همدان. وقال يوم الجمل في بطن منهم، وهم بنو ربيعة بن مالك بن معاوية بن صعب بن دومان بن بكيل بن جشم بن خيوان بن نوف بن همدان: " لو تمت عدتهم ألفا لعبد الله حق عبادته ". وكان إذا رآهم تمثل بقول الشاعر: ناديت همدان والأبواب مغلقة * ومثل همدان سنى فتحه الباب


[ 26 ]

كالهندواني ثم تفلل مضاربه * وجه جميل وقلب غير وجاب وولي الحسن بعد موت علي عليهما السلام لسبع بقين من شهر رمضان سنة أربعين، وصالح معاوية في شهر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين. وقد قيل: في جمادي الأولى من هذه السنة، ويسمى عام صلحه مع معاوية " عام الجماعة ". فكانت خلافته ستة أشهر، تمت بها ثلاثون سنة للخلافة. روى " سفينة " (1) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تعود ملكا ". ولما بويع الحسن سار إلى معاوية بجنود العراق، وسار إليه معاوية بأهل الشام، فالتقوا بموضع يقال له: " مسكن " (2) بأرض الكوفة، فأصلحوا. وسلم السحن إليه الخلافة. واشترط عليه شروطا، منها أن يذهب ما بين أهل العراق وبين أهل الشام من الذحول (3) والضغائن، وأن يكون له الأمر من بهده. فرضي معاوية كل ما اشترط عليه الحسن، وكاد يطير فرحا.


(1) سفينة: مولى رسول الله، وهذا لقبه، واسمه " مهران " وقيل غير ذلك، وكنيته أبو عبد الرحمن، لقبه، رسول الله سفينة. كان يسكن بطن نخلة، وهو من مولدي العرب، وقيل: من أبناء فارس. خدم النبي عشر سنين، وروى أربعة عشر حديثا. تهذيب السماء: 1 / 226 (2) مسكن: موضع قريب من أوانا على نهر دجيل. كانت فيه الوقعة بين عبد الملك بن مروان ومصعب بن الزيبر سنة 72 ه‍، فقتل مصعب. وقبره هناك معروف. معجم البلدان: مادة مسكن. (3) الذحول: مفردها الذحول وهو الثأر. تقول: لي عند هم ذحول أي ثارات.

[ 27 ]

البخاري: نا عبد الله بن محمد: نا سفيان عن أبي موسى قال: سمعت الحسن يقول: استقبل والله الحسن بن علي معاوية ابن أبي سفيان بكتائب أمثال الجبال. فقال عمرو بن العاص: إني لأرى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها. فقال له معاوية: وكان والله خير الرجلين. أي عمرو، إن قتل هؤلاء هؤلاء وهؤلاء هؤلاء من لي بأمور الناس ؟ من لي بنسائهم ؟ من لي بضيعتهم ؟ فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس: عبد الرحمن بن سمرة وعبد الله ابن عامر. فقال: إذهبا إلى هذا الرجل، فأعرضا عليه، وقولا له، واطلبا إليه. فأتياه، فدخلا عليه، فتكلما. وقالا له: وطلبا إليه. فقال لهم (كذا) الحسن ابن علي: " " إنا بنو عبد المطلب، قد أصبنا من هذا المال، وإن هذه الأمة قد عاثت في دمائها ". قالا له: فإنه يعرض عليك كذا وكذا، ويطلب إليك ويسألك. قال: فمن لي بهذا ؟ قالا: نحن لك به. فما سألهما شيئا إلا قالا: نحن لك به. فصالحه. فقال الحسن: ولقد سمعت أبا بكرة يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه، وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخري، ويقول: " إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ". قال البخاري: قال لي علي بن عبد الله: إنما ثبت عندنا سماع الحسن من أبي بكرة بهذا الحديث. وحدث أحمد بن زهير، وهو أبو بكر بن أبي خيثمة قال:


[ 28 ]

نا هارون بن معروف: نا ضمرة، عن ابن شوذب قال: لما قتل علي سار الحسن فيمن معه من أهل الحجاز والعراق. وسار معاوية في أهل الشام قال: فالتقوا. فكره الحسن القتال، وبايع معاوية على أن يجعل العهد للحسن من بهده. قال: فكان أصحاب الحسن يقولون له: يا عار المؤمنين. فيقول: العار خير من النار. ودخل على الحسن بعض شيعة أبيه الناصحين له فقال: السلام عليك يا مذل المؤمنين، بايعت معاوية ومعك أربعون ألف سيف من أهل العراق. فقال: اجلس يا بن فلان، لا تقل كذلك. إن أبي عهد إلي أنه لا بد لمعاوية أن يلي هذا الأمر. فلو قاتلناه بالشجر والحصى والجندل لم ينفعنا ذلك. وقد سبق القضاء والقدر بولايته. ولما خرج ذلك الرجل من عند الحسن دخل على الحسين فقال: امدد يدك نبايعك. فقال له الحسين: أما ما دام أبو محمد حيا فلا: وكان الحسن يكنى أبا محمد، والحسين يكنى أبا عبد الله. وذكر أبو عمر بن عبد البر في كتاب " الصحابة " فقال: نا خلف بن قاسم قال: نا عبد الله بن عمر بن اسحاق بن معمر قال: نا أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين قال: حدثني عمرو بن خالد مرارا قال: حدثني زهير بن معاوية الجعفي قال: حدثني أبو روق الهمداني أن أبا الغريف حدثهم قال: كنا في مقدمة الحسن بن علي اثني عشر الفا بمسكن مستميتين، تقطر أسافنا من الجد والحرص على قتال أهل الشام، وعلينا أبو العمر طه


[ 29 ]

فلما جاءنا صلح الحسن بن علي كانما كسرت ظهورنا من الغيظ والحزن. فلما جاء الحسن الكوفة جاءه شيخ يكنى أبا عامر شفيق بن ليلى. فقال: السلام عليك يا مذل المؤمنين. فقال: لا تقل يا أبا عامر، فإني لم أذل المؤمنين، ولكني كرهت أن أقتلهم في طلب الملك. وحدث ابن وهب قال: أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: لما دخل معاوية الكوفة حين سلم إليه الأمر الحسن ابن علي كلم عمرو بن العاصي معاوية أن يأمر الحسن بن علي فيخطب الناس، فكره ذلك معاوية وقال: لا حاجة بنا إلى ذلك. قال عمرو: ولكني أريد ذلك ليبدو عيه، فإنه لا يدري هذه الأمور ما هي. ولم يزل بعاوية حتى أمر الحسن يخطب. وقال له: قم يا حسن، فكلم الناس فيما جرى بيننا. فقام الحسن، فتشهد وحمد الله وأثنى عليه وقال في بديهته: " أما بعد أيها الناس، فإن الله هذاكم بأولنا، وحقن دماءكم بآخرنا. وإن لهذا الأمر مدة، والدنيا دول. وإن الله عز وجل يقول: (وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون، إنه يعلم الجهر من القول، ويعلم ما تكتمون، وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين) (1) فلما قالها. قال له معاويد: إجلس فجلس. ثم قام معاوية فخطب الناس. ثم قال لعمرو: هذا من رأيك. وروى مجالد بن سعيد عن الشعبي قال: لما جرى الصلح


[ 30 ]

بين الحسن بن علي وبين معاوية. قال له معاوية: قم فاخطب الناس واذكر ما كنت فيه. فقام الحسن، فخطب. فقال " الحمد لله الذي هدى بنا أولكم، وحقن بنا دماء آخركم. ألا إن أكيس الكيس التقى، أعجز العجز الفجور. وإن هذا الأمر الذي الختلف فيه أنا ومعاوية. إما أن يكون كان أحق به مني، وإما أن يكون حقي، فتركته لله ولصلاح أمة محمد صلى الله عليه وسلم وحقن دمائهم. قال: ثم التفت إلى معاوية فقال: وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ". ثم نزل فقال عمرو لمعاوية: ما أردت إلا هذا. ومات الحسن، رضى الله عنه، مسموما (1). يقال إن أمرأته " جعدة " بنت الأشعث بن قيس سمته. دس إليها معاوية أن تمسه. فإذا مات أعطاها أربعين ألفا، وزوجها من يزيد. فلما مات الحسن وفى لها بالمال وقال لها:... حاجة هذا ما صنعت بابن فاطمة، فكيف تصنع بابن معاوية ؟ فخسرت وما ربحت. وهذا أمر لا يعلمه إلا الله، ويحاشى معاوية منه. وقيل: إن يزيد دس إلى جعدة بذلك. وقد ذكر الخبرين أصحاب التواريخ. وحدث قاسم بن اصبغ البياني قال: نا عبد الله بن روح نا عثمان بن عمر بن فارس قال: نا ابن عون، عن عمير بن اسحاق قال: كنا عند الحسن بن علي فدخل المخرج المخرج ثم خرج فقال: سقيت السم مرارا، وما سقيت مثل هذه المرة. ولقد


(1) انظر تفصيل موته في " المختصر في أخبار البشر: 1 / 182 " وفي تجارب السلف: 52.

[ 31 ]

لفظت طائفة من كبدي، فرأيتني أقلبها بعود معي. فقال له الحسين: أي أخي، من سقاك ؟ فقال: وما تريد إليه ؟ أتريد أن تقتله ؟ قال: نعم. قال: لئن كان الذي أظن فالله أشد بقمة. ولئن كان غيره فما أريد يقتل بي برئ. ولما ورد البريد بموته على معاوية أتى ابن عباس معاوية فقال له: يا بن عباس، احتسب الحسن، لا يحزنك الله ولا يسوؤك. فقال: أما ما أبقاك الله لي يا أمير المؤمنين فلا يحزنني الله ولا يسوؤني. فأعطاه على كلمته ألف وعروضا وأشياء. وقال له: خذها واقسمها على أهلك. وذكر أنه لما بلغ معاوية موت الحسن كبر، وكبر من كان في مجلسه معه. وسمعت فاختة بنت قرظة زوجة التكبير. فلما دخل عليها قالت له: يا أمير المؤمنين: إني سمعت تكبيرا عاليا في مجلسك، فما الخبر ؟ فقال لها: مات الحسن. فبكت وقالت: إنا لله وإنا إليه راجعون. سيد المسلمين وابن رسول الله تكبر على موته ؟ فقال لها معاوية: إنه والله كنا قلت فأقلي لومي ويحك. ودخل عليه ابن عباس عشية يوم هذه القصة فقال: يابن عباس أسمعت بموت الحسن، فبكى ابن عباس وقال: قد ما زاد موته في عمرك. ولقد وافاه أجله، وقد زكا قوله وعمله، وصار إلى ما أعد الله له من الكرامة في دار القامة مع جده الرسول وأمه البتول وأبيه النفاع في الله الضرار، وعمه ذي الجناحين الطيار. ولئن رزئنا بفقده، فلقد من هو خير


[ 32 ]

منه، محمد صلى الله عليه وسلم.. كانت وفاة الحسن بالمدينة في شهر ربيع الأول سنة تسع وأربعين، وهو يومئذ ابن سبع وأربعين سنة. ودفن بالبقيع الى جنب أمه فاطمة رضي الله عنها وعن بنيها أجمعين. وصلى عليه سعيد بن العاصي والد عمرو الأشدق، وكان يومئذ أميرا على المدينة. قدمه الحسين للصلاة عليه، وقال: هي السنة، ولولا أنها سنة ما قدمتك. وكان أوصى أن يدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن تكون فتنة تثير قتالا، فإن كانت فادفنوني بالبقيع. فلما جئ بسريره إلى المسجد منعهم مروان من الدخول وقال: والله لا يدفن أمير المؤمنين عثمان في البقيع وتدفنون الحسن مع رسول الله. وتنازعوا حتى دخلت بنو هاشم مع الحسين في السلاح وبنو أمية مع مروان كذلك. فأصلح الناس، وأبو هريرة بينهم. وقال أبو هريرة: والله إن هذا لظلم، يمنع الحسن أن يدفع مع جده. ثم ناشد الله الحسين وقال: يا أبا عبد الله، أليس قد قال الحسن: ادفنوني بالبقيع إن كانت فتنة تثير قتالا ؟ ولم يزل به حتى سكن غضبه ورضي، ودفن الحسن بالبقيع، رضي الله عنهما. ولما توفي الحسن عليه السلام أدخله قبره الحسين ومحمد ابن الحنيفة وعبيد الله بن عباس. ثم وقف على قبره وقد اغرورقت عيناه فقال: " رحمة الله عليك أبا محمد. فلئن عزت حياتك لقد هدت وفاتك. ولنعم الروح روح تضمنه بدنك، ولنعم الجسد جسد تضمنه كفنك، ولنعم الكفن كفن تضمنه لحدك.


[ 33 ]

وكيف لا تكون كذلك وأنت جلف التقى ؟ وجدك النبي المصطفى وأبوك علي المرتضي، وأمك فاطمة الزهرا، وعمك جعفر الطيار في جنة المأوى ؟ غذتك أكف الحق، وربيت في حجر الاسلام، ورضعت ثدي الايمان. فطبت حيا وميتا. فلئن كانت الأنفس غير طيبة بفراقك فإنها غير شاكة أنه قد خير لك، وإنك وأخاك سيدا شباب أهل الجنة. فعليك السلام منا ". وكان الحسن والحسين رضي الله عنهما من أجواد الاسلام، ولهما ولعبيد الله بن جعفر بن عباس ولسعيد بن العاصي أخبار مأثورة، عزيزة الوجود في المبرزين في الجود. وولد الحسن بن علي الحسن، أمه خولة بنت منظور بن زبان الفزارية وعمرا أمه ثقفية، وابنه محمد بن عمرو وروى عن جابر بن عبد الله حديث: " ليس من البر أن تصوموا في السفر ". خرجه مسلم. والحسين الأثر م لأم ولد، وطلحة وأمة أم السحاق بنت طلحة بن عبيد الله. فأما السحن بن الحسن بن علي فولد: عبد الله، والحسن، وابراهيم، ومحمدا، وجعفرا، وداود. وكان عبد الله ابن حسن بن حسن بن حسن يكنى أبا محمد، وكان خيرا ورؤي يوما يمسح على خفيه. فقيل له: تمسح ؟ قال: نعم، قد مسح عمر بن الخطاب. ومن جعل عمر بينه وبين الله فقد استوثق وروي ان عمر بن عبد العزيز وجه إلى عبد الله بن الحسن ابن حسن: إذا كانت لك حاجة فاكتب بها رقعة، فإني استحبي من الله ان يراك على بابي.


[ 34 ]

ومن ولد عبد الله بن حسن: ابراهيم، ومحمد، وإدريس. فأما ابراهيم ومحمد فكانت لهما فطنة وذكاء في صغرهما، وكانا من أهل البلاغة واللسن في كبرهما. الأصمعي: عن بعض شيوخه الثقات، عن عبد الله بن طاووس (1) قال: أقبلت إلى عبد الله بن الحسن، فأدخلني بيتا، قد نجد بالرهاوي (2) وكل فرشة شريفة. قال فبسطت نطعي (3) وجلست عليه، وأبناه محمد وابراهيم صبيان يلعبان. فلما نظا إلي قال احدهما لصاحبه: ميم. قال الآخر: جيم. فقلت أنا: نون واو نون. فاستغرقا ضحكا، وخرجا إلى أبيهما، فأخبراه فتبسم. توفي عبد الله بن طاووس في خلافة أبي العباس السفاح، وروي عنه الحديث وكان من الثقات، وأكثر روايته عن أبيه. وأبوه طاووس: كان من أصحاب ابن عباس. وتوفي بمكة سنة ست ومئة قبل التروية (4) بيوم، وصلى عليه هشام بن عبد


عبد الله بن طاووس بن كيسان الهمداني. من شيوخ الأصمعي، ومن عباد أهل اليمن وفقائهم المشهورين، ومن رجال الحديث الثقات. توفي سنة 132 ه‍. الأعلام: 4 / 227 (2) الرهاوي: منسوب إلى بلدة الرها في بلاد الروم (أصلها أوذية)، وإلى رهاة قبيلة من مذحج، والأول هو المطلوب هنا. (معجم البلدان) (3) النطع: بساط من الجلد. (4) التروية: يوم قبل يوم عرفة، وهو الثامن من ذي الحجة. سمي به لأن الحجاج يترون فيه من الماء، وينهضون إلى منى ولا ماء بها، فيتزودون ريهم من الماء أي يسقون ويستقون. (اللسان) (*)

[ 35 ]

الملك. وهو طاووس بن كيسان مولى لأهل اليمن. وأمه مولاة لحمير. وكان يكنى إبا عبد الرحمن. وخرج عنه الأئمة مالك والبخاري ومسلم والترمذي. غيرهم. وخرج محمد وابراهيم على أبي جعفر المنصور، وغلبا على المدينة ومكة والبصرة. فبعث إليهما، فقتل محمد بالمدينة، وقتل ابراهيم بباخمرا (1)، على ستة عشر فرسخا من الكوفة. وأما ادريس بن عبد الله (2) أخوهما فهو الذي صار إلى أرض البرير بالمغرب هاربا في خلافة هارون الرشيد. وولد إدريس الأصغر. ترك أمه حاملا به حين سم، وخبره مشهور. ومن ولد إدريس بن إدريس الشرفاء بالمغرب والأمراء بقرطبة ومالقة وسبتة، وذلك بعد النقراض دولة المنصور محمد بن أبي عامر المعافري (3) ودولة ولديه.


(1) باخمرا: موضع بين الكوفة وواسط، وهو إلى الكوفة أقرب. بها كانت الوقعة بين أصحاب أبي جعفر المنصور وابراهيم بن عبد الله بن حسن. فقتل ابراهيم هناك، وقبره إلى الآن يزار. (معجم البلدان) (2) هو ادريس بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب، مؤسس دولة الأدارسة في المغرب واليه نسبتها. انهزم من العباسيين بعد قتل الحسين بن علي في المدينة فنزل في مصر فالمغرب الأقصى سنة 172. واستطاع أن يجمع البرير تحت إمرته. وتم له الأمر في نفس العام. وعظم أمره واتسع ملكه حتى سنة 177 حيث مات مسموما. الاستقصا: 1 / 67 (3) هو محمد بن عبد الله بن عامر بن محمد أبي عامر المعارفي القحطاني. أمير الأندلس في دولة المؤيد الأموي، وأحد الشجعان الدهاة. عهد إليه بوكالة، السيد صبح (أم هشام المؤيد) فولي النظر في أموالها وضياغها وعظمنت مكانته عندها، ثم أضيف إليه عدة وظائف. ودامت له الإمرة ستا وعشرين سنة، غزا فيها بلاد الافرنج ستا وخمسين غزوة. ومات في احدى غزواته في مدينة سالم، ولا يزال قبره معروفا فيها سنة 392 ه‍. (*)

[ 36 ]

وأم عبد الله بن حسن بن حسن فاطمة بنت الحسين بن علي، أخت سكينة. وكانت أجمل من سكينة. وكان الحسين رضي الله عنه أرى ابن أخيه الحسن بن الحسن ابنتيه سكينة في سحن أبي جعفر، وأخوته معه، وهم: حسن وداود وابراهيم. ومن ولد ابراهيم بن حسن ابن طباطبا (1)، وهو محمد بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن حسن بن حسن، وهو صاحب أبي السرايا الشيباني (2). وخرج ابن طباطبا على المأمون عبد الله بن الرشيد بالكوفة سنة تسع وتسعين ومئة. وهي السنة الثانية من خلاقة المأمون. وبويع للمأمون عند قتل المخلوع أخيه الثانية محمد الأمين ليلا ببغداد، وهو بخراسان لخمس بقين من المحرم سنة ثمان وتسعين ومئة. وتولى قتل المخلوع طاهر بن


(1) ابن طباطبا: من ولد بن أبي طالب: أمير علوي ثاثر ومن أئمة الزيدية. مال إليه الناس في المدينة فاستتر. دخل الكوفة يستعرض رأي الناس فيه. قم لقي أبا لسرابا واتفقا على إعلان الثورة ضد العباسيين. لكن توفي سنة 199 وعمره ست وعشرون إثر مرض أو سم. الطبري: 10 / 227 (2) أبو السرابا: هو السري بن منصور الشيباني، من أحفاد هانئ الشيباني ومن الأمراء العصاميين. كان كثير الطموح، فاتصل بهرثمة بن أعين أيام الفتنة بن الأمين والمأمون. لقبه ابن طباطبا في الرقة واتقق معه على الثورة وبايعه. فاستوليا على الكوفة، وسير الجيوش الى البصرة. ثم استفحل أمره فملك واسرا والمدائن. قتله الحسن بن سهل، وأرسل رأسه إلى المأمون، ونصبت جثته على جسر بغداد سنة 200 ه‍. الطبري: 10 / 227 (*)

[ 37 ]

الحسين ذو اليمينين (1). ومن موالى الحسن بن علي رضي الله عنهما الحسن بن سعد: روى عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. مسلم: حدثنا شيبان بن فروخ قال: نا مهدي بن ميمون قال: نا محمد ابن عبد الله بن أبي يعقوب عن الحسن بن سعد مولى الحسن بن علي عن عبد الله بن جعفر قال: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفه، فأسرني حديثا لا آخذ به احتراس الناس (؟). وأبو أسامة حماد بن أسامة: المحدث الثقة، مولى الحسن ابن سعد هذا. فهو مولى مولى. توفي أبو أسامة بالكوفة سنة تسع ومئتين وهو ابن ثمانين سنة.


(1) طاهر بن الحسين بن مصعب الخزاعي أبو الطيب. من كبار الوزراء والقواد أدبا وحكمة وشجاعة. وهو الذي وطد الملك للمأمون العباسي. وكانت لأبيه منزلة عند الرشيد. ولما مات الرشيد وولي الأمين، كان المأمون في مرو. فانتدب طاهرا للزحف الى بغداد فهاجمها، وظفر بالأمين فقتله سنة 198، وعقد البيعة للمأمون. فولاه شرطة بغداد. ثم ولاه خراسان سنة 205. وجد عليه المأمون لقتله أخاه. وأحسن طاهر بهذا فقطع الخطبة عن المأمون. قتله أحد غلمانه سنة 207 وفيات الأعيان (*)

[ 38 ]

الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهما السلام ولد الحسين في شعبان سنة أربع من الهجرة. ويكنى أبا عبد الله. وعلقت فاطمة بالحسين بعد وضعها الحسن بخمسين يوما. قاله الواقدي. وكان الحسن رضي الله عنه من الفقهاء العالمين بالكتاب والسنة. وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: " من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه ". هكذا حدث به العمري عن الزهري، عن علي بن حسين، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وروى ابراهيم بن سعد عن ابن اسحاق، عن الزهري، عن سنان بن أبي سنان الدؤلي عن حسين بن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا في ابن صائد: " اختلفتم وأنا بين أظهركم وأنتم بعدي أشد اختلافا ". وحديث: " من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه، هو ثلث الإسلام ". ورواه أيضا أبو هريرة. وروى سفيان بن عينية (1) عن عبد الله بن شريك عن بشر


(1) سفيان بن عيينة، أبو أحمد. وهو تابعي، اتفقوا على إمامته وجلالته. قال: فرأت القرآن وأنا أبن سبع سنين. ولد سنة 107، وتوفي سنة 198 ه‍. تهذيب الأسماء: 1 / 225 (*)

[ 39 ]

ابن غالب قا ل: سمعت ابن الزيبر وهو يسأل حسين بن علي: يا أبا عبد الله، ما تقول في فكاك الأسير، على من هو ؟ قال: على القوم الذين أعانهم. وربما قال: قاتل معهم " قال سفيان: يعني يقاتل مع أهل الذمة فيفك من جزيتهم. قال: وسمعته يقول: يا أبا عبد الله متى يجب عطاء الصبي ؟ قال: إذا استملى وجب عطاؤه ورزقه. وسأله عن الشرب قائما، فذعا بلقحة (1) له فحلبت وشرب قائما، وناوله. وكان يعلق الشاة المصلية (2) فيطعمنا منها، ونحن نمشي معه. وكان كثيرة الصلاة والصيام والحج. حج رضي الله عنه عشرين حجة، ماشيا. قال ذلك مصعب بن عبد الله الزبيري. وكان رضي الله عنه متواضعا. مر على قوم من الماكين، وكان راكبا، فسلم عليهم، وهم قد وضعوا كسرا بالأرض، وهم يأكلون. فقالوا: هلم يا بن رسول الله، فنزل عن دابته وقال: إن الله لا يحب المستكبرين، ثم جلس وأكل معهم. فلما فرغوا قال: إنكم دعوتموني فأجبتكم. وإني أدعوكم إلى منزلي، فأجابوه. فلما دخلوا منزلة وجلسوا قال: يا رباب، هات ما كنت تدخرين. ومن مناقبه ما ذكر الترمذي بسنده عن يعلى بن مرة (3) قال:


(1) اللقكة (بكسر القاف): النافة الحلوب الغزيزة اللبن. (2) الشاة المصيلة: المشوية. (3) يعلى بن مرة بن وهب بن جابر بن عناب بن مالك. شهد مع النبي صلح الحديبية، وبايع بيعة الرضوان، وشهد خيبر والفتح وهوازن والطائف. ثم كان من أصحاب علي. سكن الكوفة، وقيل البصرة. أسد الغابة: 5 / 130 (*)

[ 40 ]

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حسين مني وأنا من حسين. أحب الله من أحب حسينا. حسين سبط (1) من الأسباط ". وقال أبو هريرة: أبصرت عيناي هاتان، وسمعت أذناي رسول الله صلى الله عيله وسلم، وهو آخذ بكفي حسين، وقدماه على قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: " ترع عين بقة " (2). قال: فرقي الغلام حتى وضع قدميه على صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " افتح فاك ". ثم قبله، ثم قال: " اللهم أحبه، فإني أحبه ". الترمذي: حدثنا عقبة بن مكرم العمي: نا وهب بن جرير ابن حازم: نا أبي عن محمد بن أبي يعقوب، عن عبد الرحمن ابن أبي نعم أن رجلا من أهل العراق سأل ابن عمر عن ذم البعوض يصيب الثوب. فقال ابن عمر: انظروا الى هذا، يسأل عن ذم البعوض، وقد قتلوا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم ! وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا ". ولما مات معاوية، وبويع يزيد ابنه وصل البريد ببيعة يزيد *. (هامش) * (1) السبط: ولد الولد. ويغلب على ولد البنت، مقابل الحفيد الذي هو ولد الا (2) ترقص الأمهات العربيات أولادهم وهن يغنين بهذه الجملة. وأصل الجملة " حزقة حزقة، ترق عين بقة ". قيل: بقة اسم حصن، ولعله الذي كان به جذيمة الأبرش على شاطئ الفرات. والمراد بهذه الجملة: اعل عين بقة. وقيل: إنها تشبه طفلها بالبقية لصغر جثته. وقد استخدم رسول الله هذا القول مداعبا حفيده. لسان العرب " بقق " (*)


[ 41 ]

إلى المدينة، وأمر الوليد بن عتبة بن أبي سفيان بأخذ الحسين بالبيعة. فأرسل إليه ليلا، وأقرأه كتاب يزيد وطلبه بالبيعة، فقال: مثلي لا يبايع سرا، فإذا كان في غد بايعت علانية. فلما هم بالخروج قال مروان بن الحكم للوليد، وكان حاضرا معه في مجلسه لتدبير أمر بيعة يزيد: يا لها من غلطة، ما رأيت لها مثلا. تترك الأمر مستقبلا، وتطلبه مستدبرا ؟ فقال له: فما ترى أنت ؟ قال: تأخذه بالبيعة، فإن أبي ضربت عنقه. فسمعه الحسين فسل سيفه، وهم أن يضرب مروان، ثم قال له: يا بن الزرقاء، أمثلك يأمر بقتل مثلي ؟ وكان الحسين قد دعا بمواليه وأهل بيته، فأقعدهم على الباب حين دخل وقال لهم: إن ارتفع صوتي فاقتحموا علي الدار، وإلا فمكانكم حتى أخرج إليكم. وحين خرج الحسين عن الوليد ارتحل من ليلته إلى مكة. وقيل: إنه ارتحل نهارا. وكان عبد الله بن الزبير قد خرج من أول هذه الليلة إلى مكة هاربا بعدما اجتمع مع الحسين مخافة أن يؤخذ بالبيعة ليزيد، وهرب معه أخوه جعفر بن الزبير. ومضيا على طريق " الفروغ "، وهي طريق غير الجادة، خوفا من الطلب، فلم يقدر عليهما. فلما قدم الحسين مكة كتب إليه سليمان بن صرد الخزاعي (1) والمسيب بن نجبة الفزاري وغيرهما من رجال أبيه وشيعته من


(1) سليمان بن صرد، أبو مطرف. روى عن رسول الله خمسة عشر حديثا. نزل الكوفة، وكان خيرا فاضلا صاحب عبادة. وكان له قدر وشرف في قومه. قتل في رأس العين بالجزيرة سنة 65، وهو ابن ثلاث وتسعين سنة، وكان أميرا على الجيش. تهذيب الأسماء: 1 / 234 (*)

[ 42 ]

الكوفة: " هلم إلينا يا بن رسول الله، فأنت أحق بالخلافة من يزيد الخمور "، وكتبوا بيعتهم. فلما أراد الخروج من مكة جاءه عبد الله بن عمر فقال: إلى أين تسير يا أبا عبد الله ؟ قال: هذه بيعة أهل العراق وكتبهم قد أتتني. قال: أتسير إلى قوم قتلوا أباك، وخذلوا أخاك، وكانت طاعتهم لهما أكثر مما لك الآن ؟ وجعل عبد الله يثبطه عن الخروج. فلما أبى عليه اعتنقه وقال: أستودعك الله من قتيل. وبعث الحسين من مكة إلى الكوفة ابن عمه مسلم بن عقيل ليصحح بيعته بها، ويأخذ العهود له من أهلها. فقتل بعد خطب (؟) طويل. قتله عبيد الله بن زياد، وقتل معه هانئ بن عروة المرادي (1). وقيل إن الوالي كان على المدينة عند بيعة يزيد بن معوية خالد بن الحكم أخو مروان. ثم عزل وولاها عثمان بن محمد بن أبي سفيان. وهو الذي قال: لما خرج الحسين عن المدينة، ولم يبايع، اركبوا كل بعير بين السماء والأرض، فاطلبوه. فطلبوه فلم يدرك. وخرج الحسين من مكة إلى العراق فلقيه الفرزدق في الطريق، فسأله عن أمر الناس فقال: يا بن رسول الله، القلوب معك والسيوف عليك، والنصر من السماء. وخرج عبيد الله بن زياد من الكوفة بجيشه إلى الحسين، وعلى مقدمته عمر بن سعد


(1) هو هانئ بن عروة بن الفضفاض بن عمران أحد سادات الكوفة وأشرافها. كان في البده من خواص علي، ثم كان من قواد معاوية. قتله ابن زياد لأنه امتنع عن تسليمه مسلم بن عقيل رسول الحسين الى الكوفة، وصيله في سوق الكوفة سنة 60 ه‍. الكامل: 4 / 10 - 15 (*)

[ 43 ]

ابن أبي وقاص. وكان مسلم بن عقيل لما قدم ليقتل بين يدي عبيد الله بن زياد، وقد أثخن جراحا، نظر هل يرى أحدا من قريش ؟ فرأى عمر بن سعد، فقال: ادن مني. فدنا منه عمر، فقال: أنت أقرب الناس إلي في السبب. فإن أردت أن تفور بشرف الدارين فابعث إلى حسين ليرجع من الطريق، فإني تركته ومن معه، وهم تشعون إنسانا على الخروج من مكة، وإنهم الآن في الطريق، واكتب إليه بما أصابني. فلما انصرف عنه عمر بن سعد قال لابن زياد: أتدري ما قال لي مسلم ؟ قال: اكتم على ابن عمك. قال: الأمر أعظم من ذلك. قال: اكتم على ابن عمك. فلما أكثر على ابن زياد فيها قال له مسلم، قال له: قل. قال: أخبرني أن حسينا خرج في أهله وقرابته ومن اتبعه من الناس إلى الكوفة. قال له ابن زياد: أما إذ أخبرتني فوالله لا خرج لقتاله غيرك. أما والله لو أسر إلي كما أسر إليك لرددتهم. ويحك ما حفظت وصية ابن عمك حين رآك لها أهلا ؟. ثم التقوا مع الحسين بكربلاء: وهو موضع علي الفرات. فأتاه عمر بن سعد فقال: ما هذا المسير يا أبا عبد الله ؟ قال: سرت إلى قوم غروني بكتبهم، ولا مرد للفضاء. وإني أسأل منكم إحدى ثلاث خلال: إما أن تتركوني أرجع من حيث جئث. وإما أن تخلوا بيني وبين الطريق إلى الأعاجم، أقاتل فيهم حتى أموت، وإما أن أسير إلى يزيد فأضع يدي في يده. فأخبر عمر ابن سعد بذلك عبيد الله بن زياد، فقال: لا أعطيه واحدة من الثلاث. ولكن ينزل على حكمي. فأخبر عمر بن سعد بذلك


[ 44 ]

الحسين فقال: أأنزل على حكم ابن مرجانة الدعي ؟ الموت والله عندي دون ذلك أشهى وأحلى. ومرجانة: أم عبيد الله، وهي أمة. ولما أبي عبيد الله أن يعطي الحسين واحدة من الخلال الثلاث التي طلب، قالت طائفة من عسكر عبيد الله. يعرض عليكم ابن بنت رسول الله واحدة من ثلاث خلال فلم تسعفوه بها ! لقد خاب سعيكم، وشقي من يتبعكم. فانصرفوا إلى الحسين، فقتلوا معه، رضي الله عنهم ورحمهم، وأبلى الحسين في ذلك اليوم بلاء عظيما، وقتل من عسكر عبيد الله أشقياء كثيرة، حتى قتل، رضوان الله عليه. وقتل معه من ولده وولد أخيه الحسن وولد عمه عقيل جماعة لم ينشأ في الاسلام مثلهم. وروي فطر عن منذر الثوري عن إبن الحنيفة قال: قتل مع الحسين بن علي سبعة عشر رجلا، كلهم من ولد فاطمة. وقتل، رضي الله عنه، يوم عاشوراء، سنة إحدى وستين، وهو ابن ثمان وخمسين سنة. واختلف فيمن قتله، فقيل: شمر ابن ذي الجوشن الضبابي، لعنه الله. وهو القائل لعبيد الله بن زياد: أوقر ركابي فضة وذهبا * إلي قتلت الملك المحجبا خير عباد الله أما وأبا * وخيرهم إذ ينسبون نسبا وقال مصعب الزبيري: الذي ولى قتل الحسين بن علي سنان بن أبي سنان النخعي، لا رحمه الله. وهو جد شريك بن


[ 45 ]

عبد الله القاضي. ويصدق ذلك قول الشاعر: وأي رزية عدلت حسينا * غداة تبيره (1) كفا سنان ولما أدخل أهله على يزيد بن معاوية بالشام، وهم في حال سيئة، وكانوا على الأقتاب (2)، لم يوطا في طريقهم إليه. قالت له أم كلثوم بنت علي من غير فاطمة: يا يزيد، بنات رسول الله سبايا أذلة ! ! فقال: بل كرام أعزة. وبكى، وأمر بإدخالهم إلى حرمه. وجعل بين يدي يزيد على بن الحسين الأصغر، وهو زين العابدين. وكان علي الأكبر قتل مع الحسين مع جملة من قتل من بنيه وبني أخيه الحسن وبني عمه عقيل. فقرا يزيد: " ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير " (3). فقال: لا تقل ذلك يا يزيد، ولكن قل: " ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في انفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها، إن ذلك على الله يسير " (4). واستشار يزيد أهل الشام في من بقي من ولد الحسين وولد أخيه الصغار. فقال له بعض الأشقياء منهم: لا تتخذ من كلب سوء جروا يا أمير المؤمنين. فقال له النعمان بن بشير: اصنع بهم يا أمير المؤمينين ما كان يصنع بهم رسول الله صلى الله عليه


(1) تبيره: تهلكه، من البوار بمعني الهلاك. (2) القتب: الرحل، جمعها الأقتاب. (3) الشورى رقم: 42 / الآية: 30 (4) الحديد: 57 / الآية: 22

[ 46 ]

وسلم لو رآهم على هذه الحال. فأمر بإنزالهم وإكرامهم. ثم قال: لو كان بيهم وبين من عض بظر إمه نسب، يعني ابن زياد ما قتلهم، ثم ضرب عليهم القباب بعدما أدخلوا الحمام، وأمال عليهم المطبخ، وتساهم، واخرج لهم جوائز كثيرة، وبعث معهم من ردهم إلى المدينة. وأتي يزيد برأس الحسين عليه السلام. فلما وضع بين يديه جعل ينكت أسنانه بقضيب كان في يده ويقول: كان أبو عبد الله صبيحا. فقال له النعمان بن بشير: ارفع يدك يا يزيد عن فم طالما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبله. قال: فاستحيا يزيد، وأمر برفع الرأس. وما روي (1) بعد قتل الحسين من العبر في يقظة ومنام روي عن رواة صحائح الآثار والأخبار. الترمذي بسنده، عن أم سلمة قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم - تعني في المنام - وعلى رأسه ولحيته التراب. فقالت: ما لك يا رسول الله ؟ قال: شهدت قتل الحسين آنفا. وحدث أبو بكر بن أبي شيبة قال: نا حماد بن سلمة قال: نا عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يرى النائم نصف النهار، وهو أشعث أغبر، في يده قارورة فيها دم. فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما هذا ؟ قال: " هذا دم الحسين، لم أزل التفطه منذ اليوم "، فوجد قد قتل في ذلك اليوم. وبكى الناس الحسين، فأكثروا وأحسنوا. قالت الرباب بنت امرئ القيس


(1) رسمت في الأصل كذا (رئ)، ولعلها كما ذكرنا. (*)

[ 47 ]

الكلبية (1)، ترثي زوجها الحسين بن علي رضي الله عنهما: إن الذي كان نورا يستضاء به * بكربلاء قتيلا غير مدفون سبط النبي جزاك الله صالحة * عنا وجنبت خسران الموازين قد كنت لي جبلا صعبا الوذ به * وكنت تصحبنا بالرحم والدين من لليتامى ومن للسائلين * يقي ويأوي إليه كل مسكين ؟ وقال سليمان بن قنة الخزاعي (2)، وأجاد فيما قال: مررت على أبيات آل محمد * فلم أر من أمثالها حيث حلت فلا يبعد الله البيوت وأهلها * وإن أصبحت منهم برغمي تخلت وكانوا رجاء ثم عادوا رزية * لقد عظمت تلك الرزايا وجلت وإن قتيل الطف (3) من آل هاشم * أذل رقابا من قريش فذلت ألم تر أن الأرض أضحت مريضة * لفقد حسين، والبلاد اقشعرت وقد أعولت تبكي السماء لفقده * وأنجمها ناحت عليه وصلت كذا قال أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب: عن سلميان ابن قنة إنه خزاعي. وقال المبرد في الكامل: هو من تيم بن مرة


(1) الرباب بنت المرئ القيس بن عدي، زوجة الحسين الشهيد كانت معه في وقعة كربلاء، ولما قتل جئ مع السبايا الى الشام، ثم عادت الى المدينة، فخطبها بعض الأشراف من قريش فأبت. وبقيت بعد الحسين لم يظلها سقف حتى بليت وماتت كمدا سنة 62 ه‍. وكانت شاعرة. الأعلام: 3 / 36 (2) ابن الآثير: 4 / 91 لم يذكر اسمه، فقد وضع نقاطا لفراغ في الأصل ثم ذكر: التيمي تيم مرة. وسليمان هذا رجل من بني تيم بن مرة بن كعب، وكان منقطعا الى بني هاشم. انظر الكامل لاختلاف الروايات والانفراد ببعض الأبيات. وانظر رغبة الآمل: 3 / 43 لسبب ذاته. (3) الطف: أرض من ناحية الكوفة، فيها كان مقتل الحسين. (*)

[ 48 ]

ابن كعب بن لؤي. وكان منقطعا إلى بني هاشم. وقال ابن قتيبة في " المعارف ": سليمان بن قنة هو منسوب إلى أمه. وهو مولى لتيم قريش. وكان مع روايته الحديث شاعرا. وهو القائل: وقد يحرم الله الفتى وهو عاقل * ويعطي الفتى... (1) وليس عاقلا " طويل " وهذا البيت، زعموا لا يدرى قائله: أترجو أمة قتلت حسينا * شفاعة جده يوم الحساب ؟ " وافر " ولبعض المحسنين المجيدين يرثي الحسين رضي الله عنه: أمرر على جدث الحسي‍ * - ن وقل لا عظمه الزكية يا اعظما ال زلت من * وطفاء ساكبة روية وإذا مررت بقبره * فأطل به، وقف المطية وابك المطهر للمط * - هر والمطهرة التقية كبكاء معولة أتت * يوما لواحدها منية " م. الكامل " وقال بعض من وقذ (2) رزء الحسين فؤاده، وألف الحزن


(1) فراغ في الأصل. (2) وقذ: صرع، وهو وقيذ. (*)

[ 49 ]

على مصابه الجلل واعتاده. نفعه الله بما قاله، ومن عثرات الذنوب أقاله: أيا رزء الرضى الزاكي حسين * أسلت مع الدموع لنا نجيعا " وافر " ببقعة كربلاء أريت سبطا * لخير المرسلين لقى صريعا رزينا ابن البتول وأي رزء * جليل قد أرى خطبا شنيعا أثار لنا اكتئابا وانتحابا * وأجج لفحه منا الضلوعا وكم من أجله صبر تولى * وكم عين له هجرت هجوعا وكم قلب به أضحى مرواعا * ونفس فارقت جلدا وروعا فيما صبري على بلوى حسين * ألا ودع فؤادا لي جزوعا وما عاف الأسى والوجد مثلي * عليه ولا الكابة والخشوعا دهاه ابن الدعي بشر ناس * فجذوا الأصل منه والفروغا لقد خسروا بما اكتسبوا فمن ذا * يكون لهم إذا بعثوا شفيعا هم وتروا شفيع الخلق في ابن * لديه كان محفوظا رفيعا فلا سقت الغوادي قبر رجس * زنيم (1) للغرور غدا مطيعا تحم في بني المختار قسرا * وأجرى من دمائهم ربيعا وعن ماء الفرات حمى كراما * لراعي حقوقهم إضحى مضيعا أتى في الذكر ذكرهم بقدس * فكن يا من تلاه له مذيعا وولد الحسين، رضي الله عنه، عليا الأكبر: أمه مرة بنت عروة بن مسعود الثفقي. كذا قال محمد بن شبل في روايته كتاب " المعارف " عن موسى بن جميل، عن ابن قتيبة مؤلفه. وفي


(1) الرنيم: اللئيم. (*)

[ 50 ]

رواية غير ابن شبل: هي بنت مرة بن عروة بن مسعود، وقتل مع أبيه الحسين. وولد عليا الأصغر، لأم ولد، وفاطمة: أمها أم اسحاق بنت طلحة بن عبيد الله، وسكينة: أمها الرباب بنت امرئ القيس الكليبة، وفيها كان الحسين يقول: لعمرك إنني لاحب دارا * تحل به سكينة والرباب " وافر " فأما علي الأصغر فليس للحسين عقب إلا منه، وهو زين العابدين. وكان أفضل بني هاشم بعد علي والحسين، وأمه فارسية، معروفة النسب، واسمها سلافة بنت يزدجرد بن شهريار ابن كسرى انو شيروان بن قباد. وكانت سلافة من خيرات النساء. ويقال إنها عمة أم يزيد الناقص (1) أو اختها. وكان علي بن الحسين من أبر الناس بأمه سلافة. وكان لا يأكل معها في صحفة واحدة، فسئل عن ذلك فقال: أكره أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها، فأكون قدعققتها. وكان يقال له ابن الخيرتين لقول فخيرته من العرب قريش، ومن العجم فارس. وخلف على سلافة بعد الحسين بن علي زبيد مولاه.


(1) هو زيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان ولد في دمشق ومات فيها سنة 126 ه‍. ثار على ابن عمه الوليد لسوء سيرته، وقتل الوليد. فير ان يزيد مات بالطاعون أو بالسم، كان من أهل الورع والصلاح. يقال له الناقص، لأنه انقص من أعطيات الجند التي زادها سلقه. الكامل 5 / 115 (*)

[ 51 ]

فولدت له عبد الله بن زبيد. فهو أخو علي بن حسين لأمه. وروي أن علي بن حسين زوج أمه من مولاه، وأعتق جارية له وتزوجها. فكتب إليه عبد الملك بعيره بذلك، فكتب إليه علي: " قد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة. قد أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي (1) وتزوجها، وأعتق زيد بن حارثة وزوجة بنت عمته زينب بنت جحش ". وتوفي علي بن الحسين بالمدينة، وهو أبن ثمان وخمسين سنة، سنة أربع وتسعين. وكان يكنى أبا الحسن. ودفن بالبقيع، وكان خيرا فاضلا قال الزهري: ما رأيت قرشيا أفضل منه. وقال يحيى بن سعيد الأنصاري: علي بن حسين أفضل هاشمي رأيت بالمدينة. وكان، رضي الله عنه، من أهل العلم. وكان معظما عند خلفاء بني أمية. وأشهر ولد علي بن الحسين: محمد وعلي وزيد. فأما محمد فهو الباقر: وأمه أم عبد الله بنت الحسن بن علي. وقيل له: الباقر، لأنه بقر العلم، أي شقه، وكان من الفقهاء. لقي جابر بن عبد الله وأنس بن مالك وغيرهما ممن تأخر موته من شباب الصحابة. ومات بالمدينة سنة سبع عشرة ومثة، وهو ابن ثمان وخمسين سنة. وقال المدائني: مات وهو ابن ثلاث وستين.


(1) هي صفية بن حيى بن أخطب أم المؤمنين عن بني النضير سباها رسول الله عام خيبر سنة 7 ه‍. اعتقها وتزوجها ولما تبلغ السابعة عشرة، وجعل اعتقها صداقها. روت عشرة أحاديث. توفيت سنة 50 ه‍. وابن قتيبة ذكر انها توفيت سنة 36 ودفنت بالبقيع. تهذيب الأسماء: 1 / 349 (*)

[ 52 ]

وأخوه شقيقه علي بن علي بن الحسين، كان يلقب الإفطس وأعقب. ومن عقبه حسين بن حسن بن علي بن علي بن علي بن الحسين: خرج على المأمون بمكة سنة تسع وتسعين ومئة. وقيل لمحمد بن علي بن الحسين عليهم السلام: من أزهد الناس ؟ قال: من لا يبالي في يد من كانت الدنيا. ومن العجب أن يشغل الرجل نفسه بشئ التدبير فيه إلى غيره. وكان رضي الله عنه يقول: أدب الله محمدا صلى الله عليه وسلم أحسن الأدب، فقال: خذ العفو، وأمر بالعرف، وأعرض عن الجاهلين. فلما وعى عن الله عز وجل ما أمره قال: (وإنك لعلى خلق عظيم) (1). فلما قبل منه ما فوض إليه قال: (وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا) (2). وقال رضي الله عنه: " إن الله رضي الآباء للابناء، فحذرهم منهم، ولم يرض الأبناء للآباء، فإوصاهم بهم. وإن شر الأبناء من دعاه التقصير إلى العقوق. وإن شر الأباء من دعاه البر إلى الإفراط. وولد محمد الباقر جعفرا وهو الصادق: ولده أبو بكر الصديق، رضي الله عنه مرتين: أمه فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، وأمهما أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر. وكان من ساكني المدينة، وبها مات في خلاقه أبي جعفر في قول المدائني والواقدي. قال الواقدي: لما خرج محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن بالمدينة على أبي جعفر هرب جعفر


(1) سورة القلم: 68 / الآية: 4 (2) سورة الحشر: 59 / الآية: 7

[ 53 ]

ابن محمد إلى ماله بالفرع. فلم يزل هنالك مقيما متنحيا عما كانوا فيه، حتى قتل محمد. فلما قتل محمد واطمأن الناس وأمنوا رجع إلى المدينة، فلم يزل بها حتى توفي سنة ثمان وأربعين ومئة. وهو يومئذ ابن احدى وسبعين سنة. وكان فاضلا، وتكذب عليه الشيعة كثيرا. وكان من شيوخ مالك وسفيان الثوري. ولمالك عنه في الموطأ تسعة أحاديث، منها خمسة متصلة مسندة، أصلها حديث واحد، وهو حديث جابر الطويل في الحج، والأربعة منقطعة وكان يكنى أبا عبد الله. وكان أبو يعظمه ويعرف له حق القرابة والطاعة. وأراده مرة بسوء لأمر باطل قرف به، فصرفه الله عنه. وعلم أبو جعفر براءته وصدقه وإخلاصه ونصحه، رضي الله عنه وعن آبائه. وولد جعفر موسى. وولد موسى عليا وهو الرضا، وهو مولى معروف الكرخي الزاهد. وحدث الرضا علي بن موسى عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن..... وبايع المأمون لعلي الرضى بولاية العهد بعده بخراسان. وأمر الناس بلباس الخضرة ولبس السواد. فلما بلغ أهل بغداد ما فعل من رد الأمر إلى آل أبي طالب بايعوا عمه ابراهيم بن المهدي، وهو الذي كان يقال له: ابن شكلة. وخبره مع المأمون مشهور. وكان إسود حسن الصوت بالغناء. ومات الرضا بخراسان، فصرف المأمون عن الطالبيين الأمر، ورجع هو وأهل دولته إلى لبس السواد. وأما زيد بن علي بن الحسين فكان يكنى أبا الحسين، وأمه


[ 54 ]

سندية. وكان بعيد الهمة، شريف النفس، سديد القول، بليغ المنطق. حدث شبابة بن سوار الفزاري قال: حدثيي.... ابن أبي الصباح الكوفي، عن أبي سلمة يحيى بن دينار، عن أبي المطهر الوراق قال: بينما زيد بن علي في بعض أزقة الكوفة إذ بصر به رجل من الشيعة، فدعاه إلى منزله فأحضره طعاما. فتسامعت به الشيعة، فدخلوا عليه حتى غص المجلس منهم. فأكلوا معه، ثم استسقى فقالوا: أي شراب نسقيك يا بن رسول الله ؟ قال: أصلبه وأشده. فأتوه بعس (1) من نبيذ، فشرب. ودار العس عليهم فشربوا. ثم قالوا: يا بن رسول الله، لو حدثنا في هذا النبيذ بحديث رويته عن أبيك، عن جدك، فإن العلماء يختلفون فيه. قال زيد: حدثني أبي عن جدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لتركبن طبقة بني اسرائيل القذة بالقذة (2)، والنعل بانعل. ألا وإن الله ابتلى بني اسرائيل بنهر طالوت (3)، أحل منه الغرفة والغرفتين، وحرم منه الري. وقد ابتلاكم بهذا النبيذ، أحل منه القليل، حرم منه الكثير ". فكان أهل الكوفة يسمون النبيذ نهر طالوت. شبابة بن سوار: راوي هذا الخبر هو مولى لفزارة من أهل بغداد من أبناء أهل خراسان. وتحول إلى المدائن، فنزل بها، ثم خرج إلى مكة فأقام بها حتى مات. وورى مسلم في صحيحه عن ابن أبي شيبة أبي بكر، عن شبابة وعن زهير بن حرب عنه،


(1) العس: القدح أو الإناء الكبير. (2) القذة: الأذن من الإنسان والفرس. (3) - نهر طالوت: اسم موضع. وطالوت الاسم جاء ذكره في القرآن الكريم في سورة القرة الآية: 247. أصل اسمه " شاول " الملك في التوراة. (*)

[ 55 ]

وعن حجاج بن الشاعر ومحمد بن رافع واسحاق بن ابراهيم الحنظلي. وهو بان زاهويه عنه. ويروي شابة عن شعبة وسليمان بن المغيرة وورقاء بن عمر وغيرهم من الثقات. ولزيد بن علي مع ابن شهاب الزهري خبر طريف. رأى الزهري في منامه كأنه مدفون في قبر، وكفه خارجة من القبر، مخضوبة بالحناء. فسئل عن ذلك بن المسيب، فقال: هذا رجل صالح، يصيب دما خطا. فاستعمل الزهري على صدقات بني عذرة. فاستعمل مولى للصلت بن عبد الله بن الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب، ساعيا. فخان، فضربه الزهري بعصا، فأصاب جرحا كان بظهره قد برأ. فانتقص عليه عند ضربته إراه فمات منه. فجزع الزهري وندم، وقال: لا أقرب امرأة، ولا يظلني سقف بيت. وضل متخفيا منفردا عن الناس. فمر به زيد بن علي بن الحسين ففال: يا بن شهاب، أتق الله، فوالله ما أخاف أن تعجز عنك رحمة الله، ولكني أخاف أن يوبقك إلى أهل الرجل بديته، والرجع إلى أهلك ومنزلك. فكان الزهري يقول: زيد بن علي أعظم الناس علي منة. ودخل زيد على هشام بن عبد الملك وهو خليفة. فقال له هشام: بلغني انك تدعي الخلافة، وأنت ابن أمة ففال له: إن الله وضع بالإسلام النقيصة، ورفع به الخسيسة. هذا اسماعيل أمه هاجر، وهي أمة، وأخرج الله من صلبه سيد ولد آدم محمدا (ص) وهذا اسحاق بن حرة أخرج الله من صلبه من مسخة قردة وخنازير. فأسمعه هشام ماكره. فخرج مغضبا وهو يقول: ما


[ 56 ]

أحب أحد الحياة إلا ذل. قال مولاه: فلما سمعت هذا الكلام منه علمت أنه سيخرج. فخرج على هشام بالكوفة، واجتمع عليه عسكر كبير. وحارب فبعث إليه يوسف بن عمرو الثقفي عامل هشام على العراق جيشا، فرمي بسهم فمات، وصلب. صلبه يوسف بن عمر بالكناسة، وذلك سنة اثنتين وعشرين ومئة. وإليه تنسب الزيدية: وهم أقل الرافضة غلوا. غير إنهم يرون الخروج مع كل من خرج. فولد زيد بن علي يحيى وعيسى وحسينا. فأما يحيى فقتل بخراسان بالجوزجان منها، زمن نصر بن سيار. وقدم برأسه إلى الشام على الوليد بن يزيد الماجن. وأم يحيى ريطة بنت أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنيفة. وأما عيسى بن زيد فخرج علي أبي جعفر المنصور بعد قتل أبي مسلم، واستيلائه على ملك العراقين والشام والحجاز وخراسان ومصر واليمن. وقاتله فيما بين الكوفة وبغداد، ولقيه في جموع كثيرة، نحو من عشرين ومئة الف. فأقام أياما يقاتله في كل يوم، حتى هم أبو جعفر بالهزيمة، وركب فرسه لذلك. ثم جعل يشجع الناس، ويعدهم العطايا الواسعة والصلات العظيمة، فقاتلوا. ثم إن أبا جعفر غلبته عينه، وهو على فرسه. فنام، فرأى في نومه كأنه يمد، وتسمر يداه ورجلاه على الأرض. فاستيقظ، فدعا عبارا كان معه. فأخبره بما رأى. فقال له: أبشر يا أمير المؤمنين، فإن سلطانك ثابت، وسيليه بعدك جماعة من ولدك. وهذا الرجل منزم. فما كان بأسرع أن نظر المنصور إلى عيسى بن زيد منهزما.


[ 57 ]

وأما حسين بن زيد: فعمي. وكانت ابنته ميمونة عند المهدي. وكان له ولد. وولد علي من غير فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهما، محمدا، وهو ابن الحنفية، وأبا بكر وعثمان والعباس وجعفرا وعبد الله وابراهيم. وقتل هؤلاء الستة مع الحسين رضي الله عنه عنهم. وعبيد الله قتله المختار، ولا عقب له. ويحيى: وأمه أسماء بنت عميس. وعمر: وأمه تغليبه. وكان خالد بن الوليد سباها في الردة، فاشتراها علي. وحمل عنه الحديث. روى عن عمر بن الخطاب، وكان له عقب بالمدينة. ومن ولده محمد. وأمه أسماء بنت عقيل بن أبي طالب. ومن ولد محمد بن عمر أبو الطاهر أحمد بن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب. حدث عن ابن أبي فديك، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله بن عباس قال: سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " اللهم ارحم خلفائي ". قيل: يا رسول الله، ومن خلفاؤك ؟ قال: " الذين يأتون من بدي، يروون أحاديثي وسنتي ويعلمونها الناس. خرج هذا الحديث أبو نعيم الحافظ الاصبهاني في " الرياضة " عن أبي حصين محمد بن الحسين بن حبيب القاضي، عن أبي الطاهر، مرفوع النسب، عن أبن أبي فديك. وأعقب العباس بن علي ترك ولدين: عبيد الله، أمه لبابة بنت عبيد الله بن العباس. وحسنا لأم ولد. وأم العباس


[ 58 ]

وأخويه جعفر وعبيد الله أم البنين بنت حرام الوحيدية. وليس لجعفر عقب. وأم عبيد الله وأبي بكر ابني علي: ليلى بنت مسعود بن خالد النهشلي. وأما أبو القاسم محمد بن علي ابن الحنفية فأمه من سبي بني حنيفة، اشترها علي، وأتخذها أم ولد. فولدت له محمدا فأنجبت. واسمها خولة بنت إياس بن جعفر جان الصفا (1). ويقال: بل كانت أمة لبني حنيفة، سندية سوداء. ولم تكن من أنفسهم. وإنما صالحهم خالد بن وليد على الرقيق، ولم يصالحهم على أنفسهم. وكان شجاعا أيدا فصيحا عالما بالكتاب والسنة. وللشيعة فيه أقاويل، يكذبون عليه فيها، وينكروها أهل السنة، ويحاشى عنها، رضي الله عنه. وكان يفضل أبا بكر وعمر، ويثني على عثمان رضي الله عنهم وعنه. وكان ابن الزبير قد حبس محمد بن الحنيفة في خمسة عشر رجلا من بني هاشم، فقال: لتبايعن، أو لأحرقنكم. فأبوا البيعة. وكان السجن الذي حبسهم فيه يدعى سجن عارم. وفي ذلك يقول كثير، يخاطب ابن الزبير: تخبر من لاقيت انك عائذ * بل العائذ المحبوس في سجن عارم " طويل "


(1) الحنيفة أمه، وهي خولة بنت أياس بن جعفر بن قيس بن مسلم بن ثعلبة بن يربوع. يكنى بأمه وأبيه جميعا. ولهذا بشترط أن ينون (علي)، ويكتب (ابن الحنيفة) بالألف، ويكون أعرابه اعراب محمد، لأنه وصف لمحمد لا لعلي، كما ذكرنا. تهذيب الأسماء: 1 / 88 (*)

[ 59 ]

وصي النبي المصطفى وابن عمه * وفكاك أعناق وقاضي مغارم أراد أبن وصي النبي. والعرب تقيم المضاف إليه في هذا الباب مقام المضاف، كما قال الآخر: صبحن من كاظمة الخص الخرب يحملن عباس بن عبد الملك " رجز " يريد ابن عباس. وكان ابن الزبير يدعى العائذ، لأنه عاذ بالبيت. وكان يدعى المحل، لأحلاله القتال في الحرم. وفي ذلك يقول رجل في رملة بنت الزبير: ألا من لقلب معنى غزل * بقتل المحلة أخت المحل ؟ " متقارب " وكان عبد الله بن الزبير يظهر البغض لابن الحنيفة إلى بغض أهله. وكان يحسده على أيده. ويقال إن عليا استطال درعا: فقال: لينعض منها كذا وكذا حلقة. فقبض محمد بن الحنيفة على ذيلها بإحدى يديه، وبالاخرى على فضلها، ثم جذبها فقطعها من الموضع الذي حد أبوه. فكان ابن الزبير إذا حدث بهذا غضب واعتراه له أفكل (1). ومات محمد بن الحنيفة بالطائف سنة إحدى وثمانين، وهو يومئذ ابن خمص وستين سنة. وروي عنه أنه قال: " الحسن والحسين خير مني، وأنا أعلم بحديث أبي منهما ". وولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر. وروى فطر عن منذر الئوري عن محمد بن


(1) أفكل: رعدة (هنا)، وهو مفكول. (*)

[ 60 ]

الحنيفة، قال: قال لي علي: قلت: يا رسول الله إن ولد لي من بعدك ولد اسميه باسمك وأكنيه بكنيتك ؟ قال: " نعم ". أخرج هذا الحديث الترمذي عن محمد بن بشار، عن يحيى بن سعيد القطان عن فطر. وأشهر ولد محمد بن الحنيفة. عبد الله أبو هاشم، والحسن أبو محمد، وروي عنهما الحديث. مالك عن ابن شهاب، عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي بن أبي طالب، عن أبيهما، عن علي بن علي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الانسية. قال عمرو بن دينار: ما رأيت أحدا أعلم بما اختلف فيه من الحسن بن محمد ما كان زهريكم هذا إلا غلاما من غلمانه، يعني أبن شهاب. ومات زمن عمر بن عبد العزيز. وأما أبو هاشم أخوه فكان عظيم القدر. وكانت الشيعة تتولاه، فحضرته الوقاة بالشام، فأوصى إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، وقال له: أنت صاحب هذا الأمر، وهو في ولدك. ودفع إليه كتبه، وصرف الشيعة إليه. وليس لأبي هاشم عقب. وبنات علي رضي الله عنه من غير فاطمة كن عند ولد عقيل وولد العباس، وعند جعدة بن هبيرة المخزومي، وعند سعيد بن الأسود بن أبي البختري القرشي الاسدي. واسم أبي البختري: العاصي بن هشام بن الحرث بن أسد. وهو قتيل المجذر بن ذياد (1) يوم بدر. وقد ذكرت خبره في بني أسد من قريش.


(1) اسمه صحيح بالذال، وهو صحابي بدري، استشهاد ببدر. (*)

[ 61 ]

ومن موالي آل علي رضي الله عنه عنهم يحيى بن أبي كثير: روى عنه الأوزاعي. قال أيوب السختياني: ما بقي على الأرض مثل يحيى بن أبي كثير. ومات يحيى سنة تسع وعشرين ومئة. وروى عنه ابنه عبد الله بن يحيى وغيره الحديث.


[ 62 ]

فضائل علي ومواعظه ووصاياه رضي الله عنه مسلم: حدثنا محمد بن المثنى وان بشار قالا: نا محمد ابن جعفر قال: نا شعبة عن الحكم عن مصعب بن سعد عن سعد ابن أبي وقاص قال: " خلف رسول الله صلى الله عنه وسلم علي ابن أبي طالب في غزوة تبوك، فقال: يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان ؟ فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟ غير أنه لا نبي بعدي ". الترمذي: حدثنا واصل بن عبد الأعلى، نا محمد بن فضيل عن عبد الله بن عبد الرحمن أبي النصر عن المساور الحميري عن أمه، قال: " دخلت على أم سلمة فسمعتها تقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحب عليا منافق، ولا يبغضه مؤمن ". مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: نا وكيع وأبو معاوية عن الأعمش. وحدثنا يحيى بن يحي واللفظ له، قال: نا أبو معاوية عن الأعمش، عن عدي بن ثابت عن زر بن حبيش قال: قال علي رضي الله عنه: " والذي فلق الحبة وبرأ النسمة


[ 63 ]

إنه لعهد النبي الأمي إلي ألا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق. " الترمذي: حدثنا سفيان بن وكيع، نا عبيد الله بن موسى عن عيسى بن عمر عن السدي عن أنس بن مالك قال: كان عند النبي صلى الله عليه وسلم طير فقال: " اللهم إئتني بأحب خلقك إليك، يأكل معي هذا الطير ". فجاء علي، فأكل معه. قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، لا نعرفه من حديث السدي إلا من هذا الوجه. وقد روي من غير وجه عن أنس. الترمذي: حدثنا اسماعيل بن موسى الفزاري ابن بنت السدي، نا شريك عن أبي ربيعة عن ابن بريدة عن أبيه، قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله أمرني بحب أربعة ". قيل: يا رسول الله سمهم. قال: " علي منهم "، يقول ذلك ثلاثا: " وأبو ذر والمقداد وسلمان أمرني بحبهم، وأخبرني أنه يحبهم ". قال: هذا حديث حسن غريب. الترمذي: حدثنا اسماعيل بن موسى، نا شريك عن أبي اسحاق عن حبشي بن جنادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " علي مني وأنا من علي، ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي. النسائي: أخبرنا محمد بن يحي بن عبد الله النيسابوري، وأحمد ابن عثمان بن حكيم قالا: نا عمرو بن طلحة قال: نا أسباط عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس أن عليا كان يقول: " والله إني لأخو رسول الله صلى الله عليه وسلم وولية. " ولم آخى رسول


[ 64 ]

الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين بمكة ثم آخى بين المهاجرين والأنصار بالمدينة قال: " في كل واحدة منهما لعلي، أنت أخي في الدنيا والآخرة ". الترمذي: حدثنا يوسف بن موسى القطان البغدادي، نا علي بن قادم، نا علي بن صالح بن حي عن حكيم عن بشير عن جميع بن عمير التيمي عن ابن عمر قال: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، فجاء علي تدمع عيناه، فقال: يا رسول الله أخيت بين أصحابك، ولم تؤاخ بيني وبين أحد. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنت أخي في الدنيا والآخرة ". وحدث أبو بكر بن أبي شيبة قال: نا عبد الله بن نمير عن حجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: " أنت أخي وصاحبي ". وقال: حدثنا عبد الله بن نمير عن الحارث بن حصيرة قال حدثني أبو سليمان الجهني يعني: زيد بن وهب قال: سمعت عليا يقول على المنبر: " أنا عبد الله وأخو رسوله، لم يقلها أحد قبلي، ولا يقولها بعدي إلا كذاب مفتر ". وروى أبو داود الطيالسي قال: نا أبو عوانة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: " أنت ولي كل مؤمن بعدي ". وقال خزيمة بن خازم: حدثني أبو جعفر المنصور قال: حدثني أبي محمد بن علي بن عبد الله بن عباس قال: حدثني أبي علي بن عبد الله


[ 65 ]

قال: حدثني أبي عبد الله بن عباس قال: كنت أنا. أبي العباس بن عبد المطلب جالسين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ دخل علي بن أبي طالب فسلم، فرد عليه رسول الله صلى الله عليه. وسلم، وبش به، وقام إليه واعتنقه، وقبل بين عينيه، وأجلسه عن يمينه فقال العباس: يا رسول الله صلى الله، أتحب هذا ؟ فقال النبي عليه السلام: " يا عم رسول الله والله لله أشد حباله مني إن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه، وجعل ذريتي في صلب هذا ". وروى أبو نعيم الاصبهاني في " رياضة المتعلمين " عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يا علي إن الله أمرني أن أدينك ولا أقصيك، وأعلمك ولا أجفوك ". وذكر البخاري في قصة الحديبية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: " أنت مني وأنا منك ". الترمذي: حدثنا قتيبة: نا محمد بن سليمان الاصبهاني عن يحي بن عبيد، عن عطاء بن أبي رباح، عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " (1) في بيت أم سلمة. فدعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة وحسنا وحسينا، فجللهم بكساء، وعلي خلف ظهره. ثم قال: " اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ". قالت أم سلمة: وأنا معهم يا نبي الله ؟ قال: " أنت على مكانك وأنت إلى خير ".


(1) سورة الأحزاب: 33 / الآية: 33. (*)

[ 66 ]

الطبري: حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء ومحمد بن عمر ابن هياج قالا: نا يحي بن عبد الرحمن الأزدي قال: نا ابراهيم ابن يوسف، عن أبيه عن أبي اسحاق عن البراء بن عازب قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام، فكنت فيمن سار معه، فأقام عليهم ستة أشهر لا يجيبونه (1) إلى شئ. فبعث النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، وأمره أن يقفل خالدا ومن اتبعه إلا من أراد البقاء مع علي فيتزكه. قال البراء: فكنت في من عقب مع علي فلما انتهينا إلى وائل اليمن بلغ القوم الخبر فجمعوا له، فصلى علي الفجر. فلما فرغ صفنا صفا واحدا، ثم تقدم بين أيدينا فحمد الله وأثني عيله، ثم قرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأسلمت همدان كلها في يوم واحد. وكتب بذلك علي إلى رسول الله فلما قرأ كتابه خر ساجدا، ثم جلس فقال: " السلام على همدان، السلام على همدان ". وتابع أهل اليمن على الإسلام. وقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم: " يا علي ألا أعلمك كلمات إذا قلتهم غفر الله لك، مع أنك مغفور لك ؟ " قلت: بلى. قال: " قل: لا إله إلا الله الحليم العليم، لا إله إلا الله العلي العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب العرش الكريم ". وقال صلى الله عليه وسلم: " من أحب عليا فقد أحبني، ومن أبغض عليا فقد أبغضني، ومن آذى عليا فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله ".


(1) في الأصل: لا يحبيبوه. (*)

[ 67 ]

وقال له صلى الله عليه وسلم: " يهلك فيك رجلان: محب مطر وكذاب مفتر ". وقال له: " تفترق فيك أمتي كما افترقت بنو اسرائيل في عيسى ". وروى بريدة بن الحصيب (1) وأبو هريرة والبراء بن عازب وزيد ابن أرقم وجابر بن عبد الله الأنصاري، كل واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم غدير خم (2): " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ". ورواية جابر لهذا الحديث بالسند أذكرها: حدث أبو سعيد عبد الله بن سعيد الأشجع قال: نا المطلب بن زياد عن عبد الله بن محمد بن عقيل قال: كنا عند جابر بن عبد الله في بيته، وعلي بن الحسين ومحمد بن الحنيفة وأبو جعفر، فدخل رجل من أهل العراق فقال: أنشدك بالله إلا حدثني ما رأيت وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: كنا بالجحفة (3) بغدير خم، وثم ناس كثير من


(1) ابن الحصيب، أبو عبد الله، ويقال: أبو الحصيب صحابي سكن المدينة ثم البصرة ثم مرو وتوفي بها سنة 62. وهو من توفي من الصحابة بخراسان. روى 164 حديثا عن رسول الله. أسلم قبل بدر ولم يشهدها. وقيل أسمها بعدها. تهذيب الأسماء: 1 / 133 (2) غدير خم: خم واد بين مكة والمدينة قريب من الجحفة فيه غدير، عنده خطب رسول الله. (3) الجحفة: قرية كبيرة على طريق المدينة من مكة. كان اسمها " مهيعة " وإنما سمت الجحفة لأن السيل الجتحفها، وحمل أهلها في بعض الأعوام. دعا النبي (ص) ربه أن ينقل وباء المدينة إلى الجحفة، فرأى في منامه أن الحمى انتقلت إلى الحجفة في صورة امرأة ثاثرة الرأس. معجم البلدان

[ 68 ]

جهينة ومزينة وغفار، فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من خباء أو فسطاط، فأشار بيده ثلاثا، فأخذ بيد علي فقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه ". عبد الله بن محمد بن عقيل راوي هذا الحديث عن جابر. قتل أبوه محمد مع الحسين، وجده عقيل هو عقيل بن أبي طالب. وكان عبد الله بن محمد بن عقيل فقيها يروى عنه. وكان أحول، وأمه وأم أخويه: القاسم وعبد الرحمن زينب الصغرى بنت على بن أبي طالب. وروى أبو العباس سهل بن سعد وبريدة الأسملي وأبو سعيد الخدري وعبد الله بن عمر وعمران بن حصين، كلهم بمعني واحد عن النب = صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم خيبر: " لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ليس بفرار، يفتح الله على يديه ". ثم دعا بعلي وهو أرمد، فتفل في عينيه وأعطاه الراية، ففتح الله عليه. وروى هذا الحديث أيضا أبو هريرة وسعد بن أبي وقاص وسلمة بن الأكوع. مسلم: حدثنا قتيبة بن سعد قال: نا يعقوب، يعني ابن عبد الرحمن القاري عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: " لأعطين هذه الراية رجلا يحب الله ورسوله، يفتح الله على يديه ". قال عمر بن الخطاب: ما أحبيت الإمارة إلا يومئذ. قال: فتساورت (1) لها رجاء أن أدعى لها. قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، فأعطاه إياها وقال:


(1) تساورت: علوت ووثبت. (*)

[ 69 ]

" امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك ". قال: فسار علي شيئا ثم وفق ولم يلفت، فصخ برسول الله: على ماذا أقاتل الناس ؟ قال: " قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله ". الترمذي: حدثنا قتيبة: نا حاتم بن اسماعيل عن بكير بن مسمار عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: أمر معاوية ابن أبي سفيان سعدا قال: ما منعك أن تسب أبا تراب ؟ قال أما ما (1) ذكرت ثالثا قالهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه، لأن تكون لي واحدة منهم أحب إلي من حمر النعم. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي، وخلفه في بعض مغازيه، فقال له علي: يا رسول الله تخلفني على النساء والصبيان ! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما ترضى أما تكون منى بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبوءة بعدي ". وسمعته يقول يوم خيبر: " لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله ". قال: فتطاولنا لها فقال: ادع لي عليا، فأتاه وبه رمد، فبصق في عينيه، فدفع الراية إليه، ففتح الله عليه. وأنزلت هذه الآية: " تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم... " الآية (2) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال: " اللهم هؤلاء أهلي ". قال أبو عيسى: هذا


(1) ما: (هنا) مصدرية ظرفية. (2) وتمام الآية: ".. ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم، ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ". آل عمران: 61 (*)

[ 70 ]

حديث حسن صحيح غريب. وقال ابن اسحاق: حدثني بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي عن أبيه سفيان عن سلمة بن عمرو بن الأكوع قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق برايته إلى بعض حصون عمر بن الخطاب، فقاتل ثم رجع، ولم يكن فتح وقد وجهد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، يفتح على يدية، ليس بفرار ". قال: يقول سلمة: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وهو أرمد فتفل في عينيه ثم قال: خد هذه الراية، فامض بها حتى يفتح الله عليك ". فسمضى والله بها يأيح (1) يهرول هرولة، وإنا لخلفه نتبع أثره حتى ركز رايته في رضم (2) من حجارة الحصن، فاطلع إليه يهودي من رأس الحصن، فقال: من أنت ؟ قال: أنا علي بن أبي طالب. قال: يقول اليهودي: علوتم علينا وما أنزلت على موسى، أو كما قال. فما رجع حتى فتح الله على يديه. قال ابن اسحاق: وحدثني عبد الله بن حسن عن بعض أهله عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خرجنا مع علي بن أبي طالب حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم برايته يوم خيبر. فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله، فقاتلهم، فضربه رجل من يهود، فطرح ترسه من يده. فتناول


(1) يأنح: يوافق. (2) الرضم: الصخور العظيمة، يرضم بعضها فوق بعض الأبنية، واحدتها رضمة. (*)

[ 71 ]

علي بابا كان عند الحصن، فترس به عن نفسه. فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه، ثم ألقاه من يده حين فرغ. فلقد رأيتني في نفر معي سبعة أنا منهم، نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه. وبعثه رسول الله صلى الله وسلم إلى اليمن وهو شاب ليقضي بينهم فقال: يا رسول الله، إني لا أدري ما القضاء. فضرب رسول الله صلى عليه وسمل بيده صدره وقال: " اللهم اهد قلبه، وسدد لسانه ". قال علي: فوالله ما شكلت بعدها في قضاء بين الثنين. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنا مدينة العلم وعلي بابها. فمن أراد العلم فليأته من بابه ". وقال صلى الله عليه وسلم: " إن تولوا أبا بكر تجدوه ضعيفا في بدنه، قويا في دينه. وإن تولوا عمر تجدوه قويا في بدنه قويا في دينه. وإن تولوا عليا - ولن تفعلوا - تجدوه هاديا مهديا، فيسلك بكم المطي لله وحرامه معه ". وقال صلى الله عليه وسلم: " أقضاكم علي، وأفرضكم زيد بن ثابت، وأعلمكم.... (1) جبل وما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر. ولكل أمة حكيم، وحكيم هذه الأمة أبو الدرداء ". وروى ابن عباس عن عمر: أقضانا علي، وأقرؤنا أبي (2). وعن علقمة عن عبد الله قال: كنا نتحدث أن أقضى


(1) بياض في الأصل. (2) يعني أبي بن كعب بن قيس. كناه النبي أبا المنذر. شهد بدرا والمشاهد كلها مع النبي (ص)، وروى عنه 164 حديثا. روي أن رسول الله قال: " أقرا أمتي أبي بن كعب ". وهو أحد الأربعة الذين أمر رسول الله أن يؤخذ القرآن عنهم. توفي بالمدينة سنة 30 في خلافة عثمان، وقيل غير ذلك. تهذيب الأسماء: 1 / 111 (*)

[ 72 ]

أهل المدينة علي بن أبي طالب. وعن سعيد بن وهب قال: قال عبد الله: أعلم أهل المدينة بالفرائض ابن أبي طالب. وحدث أحمد بن زهير قال: نا عبيد الله بن عمر القواريري: نا مؤمل بن إسماعيل: حدثنا سفيان الثوري عن يحيى بن سعيد بن المسيب قال: كان عمر يتعود بالله من معظلة ليس لها أبو حسن. وقال في المجنونة التي أمر عمر برجمها، وفي التي وضعت لستة أشهر، فأراد عم رجمها فقال له علي: إن الله يقول: " وحمله وفصاله ثلاثون شهرا (1) "، الحديث. وقال له: إن الله رفع الغلم (2) عن المجنون، الحديث. فكان عمر يقول: " لولا علي هلك عمر ". وقالت عائشة: من أفتاكم بصوم عاشوراء ؟ قالوا: علي. قالت: أما إنه أعلم الناس بالسنة. وروي سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كنا إذا أتانا الثبت عن علي له نعدل هب. وروى جويبر عن الضحاك بن مزاحم عن عبد الله بن عباس. قال: والله لقد أعطي علي بن أبي طالب تسعة أعشار العلم، وأيم الله شاركهم في العشر العاشر. وسأل شريح بن هانئ عائشة أم المؤمنين عن المسح على الخفين فقالت: إثت عليا فسله. وروى عبد الرحمن بن أذينة عن أبيه بن مسلمة العبدي قال: إتيت عمر بن الخطاب فسألته: من أين أعتمر ؟ قال: إثت عليا فسله... وذكر الحديث.


(1) سورة الأحقاف: 46 / الأية: 15. (2) الغلم: الانقياد للشهوة. (*)

[ 73 ]

مالك بن ثور بن زيد الديلي أن عمر بن الخطاب استشار في الخمر يشربها الرجل. فقال له علي بن ابي طالب: نرى ان تجلده ثمانين فإنه شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، أو كمال قال: فجلد عمر في الخمر ثمانين. البخاري: حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب: نا خالد بن الحارث: نا سفيان: حدثنا أبو حصين: سمعت عمر بن سعد النخعي يقول: سمعت علي بن أبي طالب يقول: ما كنت لأقيم لو مات ودينه (1): وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسنه. وروى معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن المطلب بن عبد الله بن خطل قال: قال رسول الله صلى الله عيله وسلم لوفد يقيف حين جاؤوه: " لتسلمن أو لأبعثن رجلا مني ". أو كما قال: " مثل نفسي فليضربن أعناقكم أو ليسبين ذراريكم، وليأخذن أموالكم ". قال عمرو: فوالله ما تمنيت الإمارة إلا يومئذ، وجعلت أنصب صدري له رجاء أن يقول: هو هذا. قال: فالتفت إلى علي، فأخذ بيده ثم قال: " هو هذا، هو هذا ". وروى عمار الدهني عن أبي الزبير عن جابر قال: ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغض علي بن أبي طالب. وعن يزيد أبي زياد عن اسحاق بن كعب بن عجرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " علي مخشوشن في ذات الله ". وعن خذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ولوا عليا


(1) وديته: أعطيت وليه ديته، من الدية والودي. (*)

[ 74 ]

فهاديا مهديا ". وسأل رجل الحسن بن أبي الحسن البصري عن علي بن أبي طالب فقال: كان علي والله سهما صائبا من مرامي الله على عدوه، ورباني هذ الأمة، وذا فضلها وذا سابقتها وذا قرابتها من رسول الله، لم يكن بالنؤومة عن أمر الله، ولا بالملومة في دين الله ولا بالسروقة لمال الله، أعطى القرآن عزائمه، ففاز منه برياض مونقة ذلك علي بن أبي طالب يا لكع. وكان معاوية رحمه الله يكتب فيما ينزل به ليسأل له علي بن أبي طالب عن ذلك. فلما بلغه قتله قال: ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب. فقال له عتبه أخوه: لا يسمع هذا منك أهل الشام. قال: دعني عنك. وروى معمر بن وهب بن عبد الله عن أبي الطفيل قال: شهدت عليا يخطب، وهو يقول: سلوني، فوالله لا تسألوني عن شئ إلا أخبرتكم. وسلوني عن كتاب الله فوالله ما من أية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل. وخطب يوما بالكوفة فقال: سلوني قبل أن تفقدوني، فإن بين جنبي علما جما. فقام إليه عبد الله بن الكواء فقال: يا أمير المؤمنين، ما " الذاريات ذروا، والحاملات وقرا، والجاريات يسرا، فالمسقمات أمرا " ؟ (1) فقال: ويحك سل تفقها ولا تسل تعنتا، الذرايات ذروا: الرياح. والحملات وقرأ: السحاب. والجاريات يسرا: السفن. والمقسمات أمرا: الملائكة.


1 - سورة الذاريات 51 / 2 - 4. (*)

[ 75 ]

وقام إليه ابن الكواء يوما آخر، وهو يخطب فقال: ما السواد الذي في القمر ؟ فقال له: قاتلك الله، سل تفقها ولا تسل تعنتا، ألا سألت عن شئ ينفعك في أمر دنياك وأخرتك ؟ ثم قال: محو الليل. ودخل ضرار بن ضمرة الصدائي، وكان من أصحاب ألوية علي بصفين على معاوية بعد موت علي. فقال له: يا ضرار صف لي عليا. فقال: إعفني يا أمير المؤمنين. قال: لتصفنه. قال: أما إذا لا بد من وصفه فكان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فضلا، ويحك عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويسنانس بالليل ووحشته. وكان غزير العبرة، طويل الفكرة، يقلب كفه، ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن. كان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، وينبئنا إذا استنبأناه. ونحن والله مع تقريبه إيانا، وقربه منا لا نكاد نكلمه لهيبته، ولا نبتديه لعظمته. يعظم أهل الدين، ويقرب المساكين. لا يطمع القوري في بالطله، ولا يأيس الضعيف من عدله. وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه، ولا يأيس الضعيف من عدله. وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، قابضا على لحيته يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا غري غيري إلي تعرضت أم إلي تشوقت. هيهات قد بتنك (1) ثلاثا لا رجعة فيها، فعمرك قصير، وخطرك قليل حقير. آه من قلة الزاد وبعد


(1) بنتك: قطعتك. (*)

[ 76 ]

السفر، ووحشة الطريق. فبكى معاوية وقال: رحم الله أبا حسن، كان والله كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار ؟ قال: حزن من ديح واحد.. الطريق المستقيم، مآقي لا ترقى لها دمعة، ولا تنقضي لها حسرة. قال المبرد: وحدث ابن عائشة (1) في إسناد ذكره أن عليا رحمه الله انتهى إليه أن خيلا لمعاوية وردت الأنبار، فقتلوا عاملا له يقال له حسان بن حسان. فخرج مغضبا، يجر ثوبه حتى أتى النخيلة، واتبعه الناس، فرقي رباوة من الأرض. فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على محمد نبيه صلى الله عليه وسلم. ثم قال: " أما بعد فأن الجهاد باب من أبواب الجنة، فمن تركه رغبة عنه البسه الله الذل، وسيما (2) الخسف، وديث بالصغار. وقد دعوتكم إلى حرب هؤلاء القوم ليلا ونهارا، وسرا وإعلانا. وقلت لكم: اغزوهم من قبل أن يغزوكم. فوالذي نفسي بيده ما عزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا. فتخاذلتم وتواكلتم، وثقل عليكم قولي، واتخذ تموه وراءكم ظهريا حتى شنت عليكم الغارات.


(1) ابن عائشة: هو عبد الله بن حفص بن عمر التيمي.. نسب إلى عائشة بنت طلحة. كان عالما بالعربية وأيام الناس. مات سنة 228. رغبة الأمل: 1 / 104 (2) سيما: علامة للخير أو للشر. (*)

[ 77 ]

هذا أخو غامد، قد وردت خيله الأنبار، وقتلوا حسان بن حسان، ورجالا كثيرا منهم ونساء. والذي نفسي بيده لقد بلغني أنه كان يدخل على المرأة المهلمة والمعاهدة (1) فتنزع أحجالهما ورعثهما (2). ثم انصرفوا موفورين، لم يكلم أحد منهم كلما. فلوا أن امرأ مسلما مات من دون هذا أسفا ما كان فيه عتدي ملوما، بل كان به جديرا. يا عجبا كل العجب من تضافر هؤلاء القوم على باطلهم،، وفشلكم عن حقكم (3). إذا قلت لكم: اغزوهم في الشتاء. قلتم: هذا أوان قر وصر. وإن قلت لكم: اغزوهم في الصيف. قلتم: هذه حمارة القيظ، أنظرنا ينصرم الحر عنا. فإذا كنتم من الحر والبرد تفرون فأنتم والله من السيف أفر. يا أشباه الرجال ولا رجال، ويا (طغام الأحلام) (4) ويا عقول ربات الحجال. والله لقد أفسدتم علي رأيي بالقصيان. ولقد ملأتم جوفي غيظا، حتى قالت قريش: ابن أبي طالب شجاع، ولكن لا رأي له في الرحب. لله درهم ! ومن ذا يكون أعلم بها مني، وأشد لها مراسا ! فوالله لقد نهضت فيها، وما بلغت العرشين. لقد نيفت اليوم على الستين. ولكن لا رأي لمن لا يطاع ". يقولها ثلاثا. فقام إليه رجل. ومعه أخوه (5)


(1) المعاهدة: المرأة الذمية ذات العهد. (2) الأحجال: الخلاخيل. الرعث: الأقراط. مفردها رعثة، وجمعها رعاث، وجمع جمعها رعث. (3) اسقط المؤلف سطرين من أصل الخطبة. (4) اضافة من رغبة الآمل: 1 / 106، لبياض ف = الأصل. (5) الرجل وأخوه يعرفان بابني عفيف من الأنصار. والصحيح أن الأول هو جندب بن عفيف، والآخر ابن أخيه عبد الرحمن. (*)

[ 78 ]

فقال: يا أمير المؤمنين أنا وأخي هذا كما قال الله: " رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي " (1) فمرنا بأمرك. فوالله لننتهين إليه. ولو حال بيننا وبينه جمر الغضا وشوك القتاد (2). فدعا لهما بخير. ثم قال: وأين تقعان مما أريد ؟ ثم نزل. قوله: ديث بالصغار، تأويله ذلل. يقال: بعير مديث أي مذلل. وقوله: في عقر دارهم، العقر: الأصل. وقوله: شنت عليكم الغارات، معناه صبت. يقال شننت الماء على رأسه أي صببته. وقوله: هذا أخو غامد، هو رجل مشهور من أصحاب معاوية، من بني نصر بن غامد بن نصر بن الأزد بن الغوث. وفي هذه القبيلة يقول القائل: ألا أتاها على نأيها * بما فضحت قومها غامد تمنيتم مئتي فارس * فردكم فارس واحد " متقارب " والاحجال: الخلاخيل، واحدها، حجل. ويقال للصيد: حجل، لأنه يقع في ذلك الموضع. وقوله: ورعثهما: الواحدة رعثة، وجمعها رعاث، وجمع الجمع رعث، وهي الشنوف قال المؤلف، غفر الله له: ابن عائشة الراوي لهذا الخبر هو عبد الله بن محمد بن حفص التيمي، تيم قريش. ويكنى أبا


(1) سورة المائدة: 5 / الآية: 5 - 25. (2) الغضا: شجر من الآثل. خشبه من أصلب الخشب، وجمرة يبقى زمنا، مفردها الغضاة. القتاد: شجر صلب له شوك كالإبر. (*)

[ 79 ]

عبد الرحمن. ويقال لأبيه أيضا: ابن عائشة. توفي بالبصرة سنة ثمان وعشرين ومئتين. والرجال الغامدي / الذي لم يسم اسمه " سفيان بن عوف ". وكان من أصحاب الطوائف لمعاوية. وقال المبرد في غامد هو غامد بن نصر بن الأزد ابن الغوث. وقال القاضي أبو القاسم صاعد بن محمد صاعد الطليطلي، رحمة الله، في " مختصر النسب " به: غامد بن عبد الله بن كعب بن الحرث بن كعب بن عبد الله بن نصر بن الأزد. وروي أن عليا، رضي الله عنه، خطب الله عنه، خطب الناس، فحمد الله، وأثنى عليه، وصلى على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قال: " أما بعد، فإني أحذركم الدنيا، فأنها خضرة، حلوة، حفت بالشهوات، وحسنت بالعاجلة، وعمرت بالأمال، وزينت بالغرور، لا يدوم خيرها، ولا تؤمن فجائها ولا تعدو وإذا تاهت أمنية أهل الرغبة فيها، والرضى عنها، أن تكون كما قال الله عز وجل: " كماء أنزلناه من السماء، فاختلط به نبات الأرض، فأصبح هشيما نذروه الرياح. وكان الله على كل شئ مقتدرا " (1)، مع أن أمرا لم يكن منها في حبرة إلا أعقبته بعدها عبرة. ولم يبق من سرائها بطنا إلا منحته من ضرائها ظهرا، ولم تطبه منها ديمة رخاء إلا هتنت عليه مزنة بلاء حري إذا هي أصبحت لك منتظرة أن تمسي لك متنكرة، مع أن وراء ذلك سكرات الموت وزفراته، وهول المطلع، والوقوف بين يدي الملك العدل (ليجري الذين أساؤوا بما عملوا) ويجزي الذين أحسنوا بالحسني) (2).


(1) سورة الكهف: 18 / الآية: 45. (2) سورة النجم: 53 / الآية: 31 (*)

[ 80 ]

وخطب رضي الله عنه فقال: (ألا إن الدنيا قد أدبرتب وآذنت بوداع، والآخرة قد أقبلت وآذنت باطلاع. ألا وإن المضمار اليوم، والسباق غدا. ألا وإن السبقة الجنة، والغاية النار. ألا وإنكم في مهل من ورائه أجل، تحته عجل. فمن عمل في أيام مهله قبل حضور أجله نفعه عمله، ولم يضره أمله. ومن لم يعمل في أيام مهله قبل حضور أجله ضره أمله وساءه عمله). وخطب رضي الله عنه يوما فقال: (أيها الناس، اتقوا الله الذي إن قلتم سمع، وإن أضمرتم علم. وبادروا الموت الذي إن هريتم أدرككم، وإن أقمتم أخذكم). وخطب رضي الله عنه، فقال: (إن التقوى يوم القيامة مطايا ذلل ركبتها أهلها، وأعطوها أزمتها. فسارت حتى أتت ظلا ظليلا. فنزلوا، فتحدثوا. ففتحت لهم أبواب الجنة، ففاح عليهم زهرتها ونعيمها. وقيل: ادخلوها بسلام آمنين. ألا وإن الخطايا خيل شمس، حمل عليها أهلها، ونزع لجمها، فحمحمت بهم، حتى ألقتهم في النار). وخطب، رضي الله عنه، فقال: (ألا وإن الامل يسهي العقل، ويورث الحسرة. ألا فاعزفوا عن الأمل كأشد ما أنتم عن شئ عازفون (1)... غرر، وصاحبه معنى مغرور. فافزعوا إلى قوام دينكم بالجد في أموركم، فإني


(1) بياض في الأصل (*)

[ 81 ]

لم أر كالجنة نام طالبها، ولا كالنار نام هاربها. فتزودوا في الدنيا ما تحوزون به أنفسكم في الاخرة، واعلموا خيرا تحزوا به خيرا يوم يفوز بالخير من يقدمه). وكتب رضي الله عنه إلى عثمان بن حنيف الانصاري الأوسي حين استعمله على البصرة: (أما بعد، فقد بلغني أن بعض قطان البصرة دعاك إلى مأدبة، فأسرعت. وكرت عليكم الجفان، فكرعت، فأكلت أكل يتيم نهم، أو ضبع قرم (1). وما خلتك تأكل طعام قوم عائلهم مجفو، وغنيهم مدعو. واعملوا أن إمامكم قد اكتفى بطمرته (2)، يسد فورة جوعه بقرصته، ولا يطعم الفلدة إلا في سنة أضحيته. ولن تقدروا على ذلك، فأعتينوني بورع واجتهاد. فمتاع الدنيا صائر إلى نفاد. والله ما أدخرت من دنياكم تبرا، ولا أخذت من أقطارها شبرا. وإن قوتي فيها لبعض قوت أتان دبرة، ولهي عندي أهون من عصفة مقرة (3) (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين، لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا، والعاقبة للمتقين) (4). ولو شئت لا هتديت إلى هذا العسل المصفى ولباب البر المربى حين ينضجه وقوده. هيهات أن يغرني معقوده. ولعل يتيما في المدينة يتضور من سغبة، أبيت مبطانا، وحولي بطون غرثى (5) ؟ إذا يخصمني في القيمة دهم (6) من ذكر وأنثى، وكان


(1) ضبغ قرم: مشتاق الى اللحم. (2) الطمر: الثوب البالي. (3) مقرة: كاسرة. مقر عنقه: ضربها بالعصا حتى تكسر العظم. (4) سورة القصص: 28 / الآية: 83 (5) غرثى: جائعة (6) الرهم: العدد الكثير. (*)

[ 82 ]

بقائلكم يقول: إذا كان هذا قوت أمير المؤمنين فقد قعد به العجز عن مبارزة الشجعان ومنازعة الاقران، ألم تسمعوا الله يقول: (فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله، وما ضعفوا وما استكانوا. والله يحب الصابرين) ؟ والله ما اقتلعت باب خيبر بقود جسدانية ولا بحركة غذائية، لكني أيدت بقوة ملكوتية. وأنا من أحمد كالضوء من الضوء. والله لو تظاهرت العرب على قتالي ما باليت، ولو أمكنتني من رقابها ما بغيت: (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) (1). إليك عني يا دنيا، حبلك عل يغار بك (2)، بثثت لي الحبالة (3) فأنسللت من مخالبك، ورأيت آثار مصائدك، فاجتبت العبور في مراحضك. أين القرون التي أقنيتها بزخار فك، وفي حبائلك أوقعتها ومتالفك. والله لو كنت شخصا مرثياه أو طللا حسينا لأقمت عليك حدود الله في عباد أسلمتهم مإلى التلف، وأوردتهم موارد الهلكة والاسف. قيهات هيهات. من وطئ رحضك (4) زلق، ومن شرب من مائك شرق. والاسالم منك قليل، وعزيزك وإن عظم حقير ذليل. فاغربي عني، فو الله لا ألين لك فتخذعيني، ولا أنقاد لك فتذليني أتغزيني ؟ بأن أنام على القباطي (5) من اليمن، وأتمرغ


(1) سورة آل عمران: 3 / الآية: 146 (1) سورة الشعراء: 26 / الآية: 227. (2) مثل يضرب في تخلية الشئ ونقض اليد عنه. الغارب: الكاهل أو بين الظهر والعنق. (3) الحيالة: المصيدة. المستقصى: 2 / 56 (4) الرحيض: الثوب المغسول. وثوب رحض: غسل حتى خلق. (5) القباطي: ثياب كتان بيض رقاق تعمل بمصر، وهي منسوبة الى القبط على غير قياس. مفردها قبطية. (*)

[ 83 ]

في مفروش من منقوش الارمن، وأغذو نفسا حلوها ومرها، لتسمن، إذا أكون كابل ترعى وتبعر. والله لاروضن نفسي. رياضة تهش إلى قوتها إذا عنه نفرت، وتقنع بمحها مأدوما إذا هي أفطرت، لعلها تنال نعيما، وملكا كبيرا جسيما والسلام). وعن أبي حمزة الثمالي، عن عبد الرحمن بن جندب، عن كميل بن زياد النخعي قال: أخذ علي بن أبي طالب بيدي، فأخرجني إلى ناحية الجبان. فلما أصخر تنفس الصعداء ثم قال: (يا كميل، إن هذه القلوب أو عية فخيرها أوعاها. يا كميل احفظ عني ما أقول: الناس ثلاثة، عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع. لكل ناعق أتباع يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق. يا كميل، العلم خير من المال. العلم يحرسك، وأنت تحرس المال. والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق. يا كميل محبة العالم دين يدان به يكسبه الطاعة في حياته وجميل الاحدوثد بعد وفاته، ومنفعة المال تزول بزواله. والعلم حاكم والمال حاكم والمال محكوم عليه. يا كميل، مات خزان المال، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة. ثم قال: ها إن ها هنا علما - و. شار إلى صدره - لو أصبت له حملة، بلى أصبته، لقنا (1) غير مأمون. يستعمل آلة الدين في طلب الدنيا، ويستظهر بحجج الله على أوليائه، وبنعم الله على معاصيه، أو مناقدا لحملة العلم، لا بصيرة له أنحائه. يقدح الشك في قلبه بأول ناعق من شبهة، ألا لا ذا ولا ذاك. فمن هو منهوم


(1) اللقن: الذكي العاقل أو السريع الفهم. (*)

[ 84 ]

باللذات، سلس القياد إلى الشهوات، ومغرم بالجمع والادخار، وليس من دعاة الدين أقرب شبها به الأنعام، كذلك يموت العلم بموت حامليه). ثم قال: (اللهم لا تخلو الأرض من قائم بحجة إما ظاهرا مستورا، وإما خافيا مغمورا، لئلا تبطل حجج الله وميثاقه. وكم وأين أولئك الاقلون عددا، والأعظمون قدرا، بهم يحفظ الله حججه حتى يودعها في أشباههم، هجم بهم العلم على حقائق الامور. فباشروا روح اليقين، واستلانوا ما استوعر المترفون، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، صحبوا الدنيا بأبدان، أرواحها معلقة بامحل الأعلى. يا كميل، أولئك خلفاء الله في أرضه، والدعاة إلى دينه. هاه هاه شوقا إليهم وإشلى رؤيتهم، واستغفر الله لنا ولهم.). وعن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن سعيد بن المسيب، عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، قال: (إن من حق العالم أن لا تكثر عليه السؤال، ولا تعنته في الجواب. ولا تلح عليه إذا كسل، ولا تأخذ بثبوته إذا نهض، ولا تشير إليه بيدك، ولا تفشي له سرا. ولا تغابن عنده أحدا، ولا تطلبن عثرته، فإن زل انتظرت أويته، وقبلت معذرته، وأن تؤثره، وتعظمه لله، ولا تمشي أمامه. وإن كانت له حاجة سبقت القوم إلى خدمته. ولا تتبرمن من طول صحبته، فإنما هو بمنزلة النخلة، تنتظر ما سقط عليك منها منفعة. وإذا جئت فسلم على القوم، وخصة بالتحية، واحفظه شاهدا وغائبا. وليكن ذلك


[ 85 ]

كله لله، فإن العالم أعظم أجرا من الصائم القام المجاهد في سبيل الله تعالى. وإذا مات العالم انثلمت في الاسلام ثلمة إلى يوم القيامة، لا يسدها إلا خلف مثله. وطالب العلم تشيعه الملائكة من السماء). وقال رضي الله عنه: (رحم الله عبدا سمع فوعى، ودعي إلى الرشاد فدنا، وأخذ بحجزد هدى فنجا، وراقب ربه وخاف ذنبه، وقدم خالصا، وعمل صالحا، واكتسب مدخورا، واجتنب محظورا، وكابر هواه، وكذب مناه، وحذر أجلا، ودأب عملا. وجعل الصبر رغبة حياته، والتقى جنة وفاته). وقال لرجال من أصحابه: (كيف انتم ؟ نرجو ونخاف. قال علي: من رجا شيئا طلبه. ومن خاف شيئا هرب منه. وما أدري ما خوف رجل عرضت له شهوة فلم يتركها لما يخاف، وما أدري ما رجاء رجل نزل به بلاء فلم يصبر عليه لما يرجو). وقال، رضي الله عنه: (يأتي على الناس زمان لا يقرب فيه، إلا الماحل، ولا يظرف فيه إلا الفاجر، ولا يضعف فيه إلا المصنف. يتخذون الفئ مغنما، والصدقة مغرما، وصلة الرحم منا والعبادة، استطالة على الناس. فعند ذلك يكون سلطان النساء، ومشاورة الإماء، وإمارة الصبيان). وقال له رضي الله عنه، قائل:


[ 86 ]

(أين كان ربك قبل أن يخلق السماء والأرض ؟ قال: يا أعرابي، أين سؤال عن مكان، وكان الله ولا مكان ؟). وقال: (سيأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه. مساجدهم يومئذ عامرة، وهي خراب من الهدى علما، وهم شر من تحت أديم السماء، منهم خرجت الفتنة، وفيهم تعود). وقال، رضي الله عنه: (لا يزال الدين والدنيا قائمان ما دام العلماء يستعملون ما علموا، والجهال يستكثرون ما لم يعلموا، والاغنياء لا يبخلون بما خولوا، والفقراء لا يبيعون آخرتهم بدنياهم). وقال، رضي الله عنه: (قطيعة العاقل تعدل صلة الجاهل). وقال: (من سعادة المرء خمسة أشياء: أن تكون زوجته موافقة، وأولاده ابرارا، وإخوانه أتقياء، وجيرانه صالحين، وزرقه في بلده). ويروى أن عليا، رضي الله عنه، لما زرجع من صفين، فدخل أوائل الكوفة، إذا هو بقبر. قال: (قبر من هذا ؟) قالوا: قبر خباب بن الأرث (1). فوقف عليه وقال: (رحم الله)


(1) خباب بن الأرث، أبو عبد الله وقيل أبو أحمد وهو ابن جندلة بن خزيمة بن كعب بن سعد بن زيد مناة. عربي لحقه سباء في الجاهلية، فبيع بمكة. وقيل: هو حليف بني زهرة، وقيل: هو مولى أم أنمار بنت سباع الخزاعية. وكان من السابقين إلى الاسلام، وممن تعذب في الله تعالى. وكان سادس ستة في الإسلام. شهد مع النبي بدرا والمشاهد كلها. توفي بالكوفة في خلافة علي سنة 37، وكان عمره ثلاثا وسبعين سنة. تهذيب الأسماء: 1 / 175 (*)

[ 87 ]

خبابا، أسلم راغبا، وهاجر طائعا، وعاش مجاهدا، وابتلي في جسمه أحوالا. ولن يضيع الله أجر من أحسن عملا). ثم مضى فإذا أقبر، فجاء حتى وقف عليها، فقال: (السلام عليكم أهل الديار الموحشة، والمحال المقفرة. أنتم لنا سلف، ونحن لكم تبع، وبكم عما قليل لا حقون. اللهم اغفر لنا ولهم، وتجاوز عنا وعنهم. طوبي لمن ذكر المعاد، وعمل للحساب، وقنع بالكفاف، ورضي عن الله تعالى). ثم قال: (يا أهل القبور، أما الأزواج فقد نكحت، وأما الدار فقد سكنت، وأما الأموال فقد قسمت. فهذا خبر ما عندنا، فما خبر ما عندكم ؟) ثم التفت إلى أصحابه فقال: (أما إنهم، لو تكلموا لقالوا: وجدنا خير الزاد التقوى). وقال الزبير بن بكار: أوصى علي، رضي الله عنه، ابنه الحسن فقال: يا بني، أوصيك بتقوى الله تعالى في الغيب والشهادة وكلمة الحق في الرضى والغضب، والقصد، في الغنى والفقر والعدل على الصديق والعدو، والعمل في النشاط والكسل، والرضى عن الله عز وجل في الشدة والرخاء. يا بني، ما شر بعده الجنة بشر، ولا خير بعده النار بخير. وكل نعيم دون الجنة حقير. وكل بلاء دون النار عافية. إعلم يا بني، إن من أبصر عيب نفسه شغل عنعيب غيره. من رضي بقسم الله تعالى لم يحزن على ما فاته. ومن سال سيف بغي قتل به. ومن حفر لأخيه بيرا وقع فيها. ومن هتك حجاب أخيه انكشفت


[ 88 ]

عورات بيته. ومن نسي خطيئته استعظم خطيئة غيره. ومن أعجب برأيه ضل. ومن استغنى بعقله زل. ومت تكبر على النسا ذل. ومن خالط الأنذال أحتقر. ومن دخل مداخل السوء اتهم. ومن جالس العلماء وقر. ومن مزح استخف به. ومن أكثر من شئ عرف به. ومن كثر كلامه كثر خطؤه، وقل حياؤه، ومن قل حياؤه قل ورعه. ومن قل ورعه مات قلبه. ومن مات قلبه دخل النار. يا بني، الأدب خير ميراث. وحسن الخلق خير قرين. يا بني العافية عشرة اجزاء، تسعة منها في الصمت، إلا عن ذكر الله عز وجل، وواحدة في ترك مجالسة السفهاء. يا بني زينة الفقر الصبر، وزينة الغنى الشكر. يا بني لا شرف أعلى من الإسلام، ولا كرم أعز من التقوى، ولا شفيع أنجح من التوبة. ولا لباس أجمل من العافية. والحرص مفتاح المقت، ومطية للنصب. التدبر قبل العمل يؤمنك الندم. بئس الزاد للمعاد العدوان على العباد. طوبى لمن أخلص لله عز وجل علمه وعمله وحبه ويغضه وأخذه وتركه وكلامه وصمته وقوله وفعله. وعن عبد الملك بن هارون بن غعنترة، عن أبيه، عن جده قال: أتى رجل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال: أخبرني عن القدر. قال: (طريق مظلم فلا تسلكه. قال: أخبرني عن القدر. قال: (بحر عميق فلا تلجه). قال: أخبرني عن القدر. قال: (سر الله، فلا تكلفه). قال: ثم ولى الرجل غير بعيد ثم رجع، فقال لعلي: في المشئية الأولى أقوم وأقعد وأقبض وأبسط. فقال له علي رضي الله عنه: (إني سائلك عن ثلاث خصال، ولن يجعل الله عز وجل لك ولا لمن ذكر المشيئة مخرجا. أخبرني: أخلفك الله لما شاء، أو لما شئت ؟).


[ 89 ]

قال: بل لما شاء. قال: (أخبرني أفتجئ يوم القيامة كما شاء أو كما شئت ؟). قال: بل كما شاء. قال: (فليس لك من المشيئة شئ). وكان علي، رضي الله عنه، يسير في الفئ بسيرة أبي بكر الصديق في القسم. وإذا ورد عليه مال لم يبق من شيئا إلا قسمه، ولا يترك في بيت المال منه إلا ما يعجز عن قسمه في يومه ذلك. ويقول: (يا دنيا غري غيري). ولم يكن يستأثر بشئ من الفئ، ولا يخص به حميما ولا قريبا. ولا يخص بالولايات إلا أهل الديانات والأمانات. وإذا بلغه عن أحدهم جناية كتب إليه: (قد جاءتكم موعظة من ربكم، فأوفوا الكيل والميزان بالقسط، ولا تبخسوا الناس أشياءهم، ولا تعثوا في الأرض مفسدين. بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين. وما أنا عليكم بحفيظ. إذا أتاك كتابي هذا فاحتفظ بما في يديك من عملنا حتى نبعث إلبيك من يتسلمه منك). ثم يرفع طرفه إلى السماء فيقول: (اللهم إنك تعلم إني لم آمرهم بظلم خلقك ولا بترك حقك). وعن الأجلح بن عبد الله الكندي، عن أبي المغيرة عبد الله ابن أبي الهذيل قال: رأيت عليا خرج وعليه قميص غليظ رازي. إذا مد كم قميصه بلغ إلى الظفر، وإذا أرسله صار لى نصف الساعد. وحدث الحر بن جرموز عن أبيه قال: رأيت علي بن أبي


[ 90 ]

طالب يخرج من مسجد الكوفة وعليه قطريتان (1)، متزر بالواحدة، مرتد بالأخرى، وإزاره إلى نصف الساق، وهو يطوف في الاسواق، ومعه درة، يأمرهم بتقوى الله، وصدق الحديث، وحسن البيع، والوفاء بالكيل والميزان. وعن مجمع التيمي أبي حمزة أن عليا قسم ما في بيت المال بين المسلمين، ثم أمر به فكنس، ثم صلى فيه رجاء أن يشهد له يوم القيامة. وحدث سفيان بن عيينة قال: نا عاصم بن كليب عن أبيه قال: قدم على علي مال من اصبهان، فقسمه سبعة أسباع، ووجد فيه رغيفا فقسمه سبع كسر، وجعل على كل جزء كسرة. ثم أقرع بينهم أيهم يعطى أولا. وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن أبي حيان التيمي قال: رأيت علي بن أبي طالب على المنبر يقول: (من يشتري مني سيفي هذا ؟ فلو كان عندي ثمن إزار ما بعته). فقام إليه رجل فقال: أنا أسلفك ثم إزار. وروى وكيع عن علي بن صالح، عن عطاء قال: رأيت على علي قميص كرابيس (2) غير غسيل. وقال أبو نيزر: جاءني علي بن أبي طالب، وأنا أقوم بضيعة


القطرية: ضرب من البرود. وفي الحديث أنه عليه السلام كان متوشحا بثوت قطري. والبرود القطرية حمر لها أعلام، فيها بعض الخشونة. منسوبة إلى (قطر) فخففوا وكسروا القاف للنسبة، فقالوا: قطري والأصل: قطري. (2) كرابيس: مفردها كرباس وهو الثوب الخشن (فارسية). (*)

[ 91 ]

عين نيزر والبغيبغة (1)، فقال لي: (هل عندك من طعام ؟). فقلت: طعام لا أرضاه لأمير المأمنين، قرع من قرع الضيعة بإهالة سنخة (2). فقال: (علي به). فقام إلى الربيع، وهو جدول، فغسل يده، ثم أصاب من ذلك شيئا، ثم رجع إلى الربيع فغسل يديه بالرمل حتى أنقاهما، ثم ضم (يديه) (3) كل واحدة منهما إلى أختها، وشرب بهما حسا (4) من الربيع ثم قال: (يا أبا نيزر، إن الأكف أنظف الآنية). ثم مسح ندى ذلك الماء على بطنه، وقال: (من أدخله بطنه النار فأبعده الله). ثم أخذ المعمول وانحدر في العين فجعل يضرب، وأبطأ عليه الماء، فخرج وقد تفضج (5) جبينه عرقا. فانتكف العرق عن جبينه، ثم أخذ المعول وعاد إلى العين، فأقبل يضرب فيها، وجعل يهمهم، فأنثالث كأنها عنق جزور، فخرج مسرعا. فقال: (أشهد (الله) أنها صدقه. علي بدواة وصحيفة). قال: فعجلت بهما، فكتب: (بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما تصدق به عبد الله علي أمير المؤمنين. تصدق بالضيعتين


(1) ضيعتان لعلي بن أبي طالب. روى يونس أن أبا نيزر الذي تنسب إليه العين هو مولى علي (رضي)، وكان ابنا النجاشي، اشتراه علي من تاجر في مكة وأعتقه مكافأة بما صنع أبوه مع المسلمين المهاجرين. رووا أن عليا أوصى بهما لمواليه وذا غلط لأنه وقف الضيعتين لسنتين من خلافته كما جاء في المتن. (2) الإهالة: ما أذيب من الشحم والألية أو هي كل دهن يؤتدم به. سنخة: متغيرة الريح. (3) الاضافة من معجم البلدان في (عين أبي نيزر)، وانظر تفصيل الحكاية فيه. (4) حسا: مفردها حسوة وهي الشربة مل ء الفم. (5) في معجم البلدان: تنضخ. وربما جازت: تفضخ. (*)

[ 92 ]

المعروفتين بعين أبي نيزر والبغيبغة على فقراء أهل المدينة وابن السبيل، ليقي الله بهما وجهه حر النار يوم القيامة، لا تباعا ولا توهبا حتى يرثهما الله، وهو خير الوارثين، إلا أن يحتاج إليهما الحسن والحسين، فهما طلق (1) لهما، وليس لأحد غيرهما). قا ل: فركب الحسين دين، فحمل إليه معاوية بعين أبي نيزر مئتي ألف دينار، فأبى أن يبيع. وقال: إنما تصدق بها أبي ليقي الله بهما وجهه حر النار. ولست بائعهما بشئ. كان أبو نيزر من أبناء ملوك الأعاجم. وقيل إنه من ولد النجاشي، وهو الصحيح. فرغب في الإسلام صغيرا. فأتى رسو الله صلى الله عليه وسلم، وكان معه في بيوته. فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم صار مع فاطمة وولدها عليهم السلام.


(1) طلق: حلال. (*)

[ 93 ]

وأخباره رضي الله عنه في تقشفه في لباسه، وفي طعمه، أشهر من هذا كله، ولا يحيط بسيره وفضائله كتاب وحدث حفص بن غياث: نا الثوري، عن أبي قيس الأودي قال: أدركت الناس وهم ثلاث طبقات: أهل دين يحبون عليها، وأهل دنيا يحبون معاوية، وخوراج. وقال أحمد بن حنبل وأسماعيل بن اسحاق القاضي: لم يرو في فضائل أحد من الصحابة بالأسانيد ما روي في فضائل علي بن أبي طالب. وكذلك قال أحمد بن شعيب بن علي أبو عبد الرحمن النسائي رحمه الله. وقال هارون بن اسحاق: سمعت يحيى بن معين يقول: من قال: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وعرف لعلي سابقته وفضله، فهو صاحب سنة. ومن قال: أبو بكر وعمر وعلي وعثمان، وعرف لعثمان سابقته وفضله فهو صاحب سنة. وكان يحيى بن معين يقول: أبو بكر وعمر وعلي وعثمان. ووقف جماعة من أئمة أهل السنة في علي وعثمان، فلم يفضلوا واحدا منهما على صاحبه، منهم: مالك بن أنس، ويحيى بن سعيد القطان. وأكثر أهل اسنة على تقديم أبي بكر


[ 94 ]

في الفضل على عمر، وتقديم عمر على عثمان، وتقديم عثمان على علي. وقد كان بنو أمية ينالون منه وينتقصونه، فما زاده الله بذلك إلا سموا وعلوا ومحبة عند العلماء. وذكر الطبري قال: نا محمد ابن عبيد المحاربي قال: نا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه قال: قيل لسهل بن سعد (1) إن أمير المدينة يريد أن يبعث إليك تسب عليا عند المنبر. قال: أقول ماذا ؟ قال: تقول: أبا تراب. فقال: والله ما سماه ذلك. إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: قلت: وكيف ذلك يا أبا العباس ؟ قال: دخل علي على فاطمة، ثم خرج من عندها، فأضطجع في صحن المسجد، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على فاطمة، فقال: أين أبن عمك ؟ قالت: هو ذلك مضطجعا في المسجد. قال: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجده قد سقط رداؤه عن ظهره، وخلص التراب إلى ظهره. فجعل يمسح التراب عن ظهره، ويقول: (اجلس أبا تراب، فوالله ما سماه به إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم). ما كان اسم أحب إليه منه. وروى ابن وهب عن حفص بن ميسرة عن عامر بن عبد الله بن الزبير أنه سمع ابنا له يتنقص عليا، فقال: يا بني إياك والعودة


سهل بن سعد الساعدي أبو العباس وقيل أبو يحي. صحابي. كان اسمه حزنا فسماه النبي سهلا. شهد قضاء رسو الله في المتلاعنين. كان له يوم وفاة النبي (ص) خمس عشرة سنة، وتوفي بالمدينة سنة ثمان وثمانين، وقيل إحدى وتسعين. قال ابن سعد: هو آخر من مات من أصحاب النبي، ليس فيه خلاف. روى 188 حديثا. تهذيب الأسماء 1 / 238 (*)

[ 95 ]

الى ذلك، فإن بني مروان شتموه ستين سنة، فلم يزده الله بذلك إلا رفعة، وإن الدين لم يبن شيئا، فهدمته الدنيا. وإن الدنيا لم تبن شيئا إلا عادت على ما بنت فهدمته. وحدث محمد بن اسحاق السراج: نا محمد بن أحمد بن أبي خلف قال: حدثني حصين بن عمر عن مخارق وعن طارق قال: جاء ناس إلى ابن عباس فقالوا: جئناك نسألك. فقال: سلوا جاء ناس إلى ابن عباس فقالوا: أي رجل كان أبو بكر ؟ قال: كان خيرا كله، أو قال: كالخير كله على حدة كانت فيه. قالوا: فأي رجل كان عمر ؟ قال: كان كالطير الحذر الذي يظن أن له في كل طريق شركا. قالوا: فأي رجل كان عثمان ؟ قال: رجل ألهته نومته عن يقظته. قالوا: فأي رجل كان علي ؟ قال: كان قد ملئ جوفه حكما وعلما وبأسا ونجدة مع قرابته من روسل الله صلى الله وسلم وكان يظن أن لا يمد يده إلى شئ إلا ناله، فما مد يده إلى شئ فناله. قال ابن السارج: وأخبرنا محمد بن الصباح قال: نا عبد العزيز الدراوردي عن عمر مولى غفرة عن محمد بن كعب عن عبد الله بن عمر قال: قال عمر لأهل الشورى: لله درهم إن ولوها الأصيلع، يعني علينا. كيف يحملهم على الحق، ولو كان السيف على عنقه. فقلت: أيعلم ذلك ولا يوليه ؟ قال: إنه قال: إن لم أستخلف وأتركهم، فقد تركهم من هو خير مني. وقال الشعبي: قال لي علقمة: تدري ما مثل علي في هذه الأمة ؟ قلت: وما مثله ؟ قال: مثل عيسى بن مريم، أحبه قوم حتى هلكوا في بغضه


[ 96 ]

وحدث شبابة بن سوار: نا أبو بكر الهذلي عن الحسن قال: لما قدم علي رضي الله عنه البصرة قام إليه ابن الكواء وقيس بن عباد فقالا له: ألا تخبرنا عن مسيرك هذا الذي سرت فيه تتولى على هذه الأمة، تضرب بعضهم ببعض، أعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم عهده إليك ؟ فحدثنا فأنت الموثوق المأمون على ما سمعت. فقا: أما أن يكون عندي عهد من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فلا والله. وإن كنت من أول من صدقه، فلا أكون أول من كذب عليه. ولو كان عندي من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك عهد ما تركت أخا بني تيم بن مرة وعمر بن الخطاب يقومان على منبره، ولقاتلتهما بيدي ولو لم أجد إلا بردي هذا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتل قتلا، ولم يمت فجاءة. مكث في مرضه أياما وليالي، يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة، فيأمر أبا بكر فيصلي بالناس، وهو يرى مكاني، ثم يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة، فيأمر أبا بكر فيصلي بالناس وهو يرى مكاني. ولقد أرادت امرأة من نسائه أن تصرفه عن أبي بكر فأبي عليها وغضب، وقال: أنتن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فيصلي بالناس. فلما قبض الله عز وجل نبيه نظرنا في أمورنا، فاخترنا لدنيانا من رضيه النبي صلى الله عليه وسلم لديننا. وكانت الصلاة أصل الإسلام، وقوام الدين. فبايعنا أبا بكر، وكان ذلك أهلا، لم يختلف عليه منا اثنان. ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم نقطع منه البراءة، فأديت إلى أبي بكر حقه، وعرفت له طاعته، وغزوت معه في جنوده. وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا


[ 97 ]

أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي. فلما قبض، رضي الله عنه، ولاها عمر، فأخذها بسنة صاحبه، وما يعرف من أمره. فبايعنا عمر، لم يختلف عليه منا اثنان، ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم نقطع منه البراءة. فأديت إلى عمر حقه، وعرفت له طاعته، وغزوت معه في جيوشه. فكنت أخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي. فلما قبض ذكرت في نفسي قرابتي وسابقتي وفضلي، وأنا أظن أن لا يعدل بي، ولكن خشي أن لا يعمل الخليفة بعده ذنبا إلا لحقه في قبره، فأخرج نفسه وولده. ولو كانت محاباة منه لآثر بها ولده، فبرئ منها إلى رهط من قريش، أنا أحدهم. فلما اجتمع الرهط تذكرت في نفسي قرابتي وسالفتي وفضلي، وأنا أظن أن لا يعدلوا بي. فأخذ عبد الرحمن مواثيقنا على أن نسمع ونطيع لمن ولاه الله أمرنا. ثم أخذ بيد عثمان، فضرب بيده على يده. فنظرت في أمري فإذا طاعتي قد سبقت بيعتي، وإذا ميثاقي قد أخذ لغيري. فبايعنا عثمان، فأديت إليه حقه، وعرفت له طاعته، وغزوت معه في جيوشه. فكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزوا إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي. فلما أصيب نظرت في أموري، فإذا الخليفتان اللذان أخذاها بعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهما بالصلاة قد مضيا، وهذا الذي أخذله ميثاقي قد أصيب فبايعني أهل الحرمين وأهل هذين المصرين.


[ 98 ]

وبويع لعلي، رضي الله عنه، بالخلافة يوم قتل عثمان، رحمه الله، واجتمع على بيعته المهاجرون والأنصار، وتخلف عن بيعته منهم نفر، فلم يهجهم، ولم يكرههم. وسئل عنهم، فقال: (أولئك قوم قعدوا عن الحق ولم يقوموا مع الباطل). وفي رواية اخرى: (أولئك قوم خذلوا الحق، ولم يبصروا الباطل). وتخلف عن بيعته أيضا معاوية ومن معه في جماعة أهل الشام. فكان منهم في صفين بعد الجمل ما قد كان تغمد الله جميعهم بالغفران. وقتل مع علي في صفين أبو اليقظان عمار بن ياسر بن عامر بن مالك ابن كنانة بن قيس بن الحصين بن لوذين. ويقال: لوذيم: بن ثعلبة بن عوف بن حارثة بن عامر بن يام بن عنس العنسي المذحجي. وعنس بالنون أخو مراد، وأبوهما مالك بن أدد، وهو جماع مذحج. وكان ياسر أبو عمار قدم مكة من اليمن. فخالف أبا حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. فزوجه أبو حذيفة أمة له يقال لها سمية بنت خياط، فولدت له عمارا، فأعتقه أبو حذيفة. فمن ها هنا هو عمار مولى لبني مخزوم، وأبوه عربي كما ذكر. وكان عمار وأمه سمية وأبوه ياسر ممن عذب في الله. ثم أعطاهم عمار ما أرادوا بلسانه. واطمأن بالإيمان قلبه، فنزلت فيه: (إلا من أكره، وقلبه مطمئن بالإيمان) (1). وهذا مما اجتمع عليه أهل التفسير. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر بهم، وهم يعذبون، فيقول لهم: (صبرا يا آل ياسر، صبرا


(1) سورة الأنعام: / 6 الآية: 122. (*)

[ 99 ]

يا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة. اللهم اغفر لآل ياسر، وقد فعلت). وأمه سمية فيما روى سفيان وشعبة وجرير عن منصور، عن مجاهد بن جبر، أول شهيد استشهد في الإسلام. وروى أبو رزين عن عبد الله بن مسعود قال: إن أبا جهل طعن بحربة في فخذ سمية، أم عمار حتى بلغت فرجها، فماتت. فقال عمار: يا رسول الله، بلغ منا العذاب كل مبلغ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صبرا أبا اليقظان، اللهم لا تعذب من آل ياسر أحدا بالنار). وقال مجاهد: أول من أظهر الإسلام رسول الله وأبو بكر وبلال وصهيب وخباب وعمار وسمية أم عمار. وهاجر عمار إلى أرض الحبشة، وصلى القبلتين، وهو من المهاجرين الأولين. ثم شهد بدرا والمشاهد كلها، وأبلى ببدر بلاء حسنا. ثم شهد اليمامة فأبلى فيها. يضا، ويومئذ قطعت أذنه. ذكر الواقدي: حدثنا عبد الله بن نافع عن أبيه، عن عبد الله بن عمر قال: رأيت عمار بن ياسر يوم اليمامة على صخرة، وقد اشرف يصيح: (يا معشر المسلمين أمن الجنة تفرون ؟ أنا عمار بن ياسر، هلموا إلي). وأنا أنظر إلى أذنه، قد قطعت، فهي تذبذب، وهو يقاتل أشد القتال. وكان، فيما ذكر الواقدي: طويلا، أشهل، بعيدا ما بين المنكبين. وقال ابراهيم بن سعيد، بلغنا أن عمار بن ياسر قال: كنت تربا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة، ولم يكن أحد أقرب به سنا مني. وروي عن ابن عباس في قول الله عز وجل: (أو من كان


[ 100 ]

ميتا فأحييناه، وجعلنا له نورا يمشي به في الناس) (1)، قال: هو عمار بن ياسر (كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) (2)، قال: أبو جهل بن هشام. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن عمارا ملئ إيمانا إلى مشاشته) (3). وروى مسروق عن عائشة قالت: ما من أحد من أصحاب محمد أشاء أن أقول فيه إلا قلت، إلا عمار بن ياسر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن عمار ياسر حشي ما بين أخمص قدميه إلى شحمة أذنه إيمانا). وعن خالد بن الوليد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أبغض عمارا أغضه الله). قال خالد: فما زلت أحبه من يومئذ: (تقتل عمارا الفئة الباغية). وعن أبي عبد الرحمن السلمي قال: شهدت مع علي، رحمه الله، صفين، فرأيت عمار بن ياسر لا يأخذ في جهة، ولا واد من أودية صفين إلا رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يتبعونه، كأنه علم لهم. وسمعت عمارا يقول يومئذ لهاشم بن عتبة: يا هاشم، تقدم الجنة تحت الأبارقة (4): اليوم ألقى الأحبة محمدا وحزبه. والله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق، وأنهم على الباطل.


(1) تتمة الآية السابقة. (2) الاضافة من معجم البلدان. (3) المشاشة (هنا): ما أشرف من عظم المنكب. (4) روى الطبري في: 5 / 41 أنه قال: الجنة تحت ظلال السيوف. (*)

[ 101 ]

وروي أن عليا قال بعد مصاب عمار بصفين: (إن امرأ من المسلمين لم يعظم عليه قتل ابن ياسر، وتدخل عليه به المصيبة الموجعة لغير رشيد. رحم الله عمارا يوم أسلم، ورحم الله عمارا يوم قتل، ورحم الله عمارا يوم يبعث حيا. لقد رأيت عمارا، وما يذكر من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أربعة إلا كان رابعا، ولا خمسة إلا كان خامسا. وما كان أحد من قدماء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يشك أن عمارا قد وجبت له الجنة في غير موطن، ولا اثنين. فهنيئا لعمار الجنة. ولقد قيل إن عمارا مع الحق، والحق مع عمار. يدور عمار مع الحق أينما دار، وقاتل عمار في النار. وعن الصقعب بن زهير عن عبد الله بن جنادة أبي رملة أن سفيان بن عوف حدثه بمكة، والتقيا في الحج. فقال: إني لعند معاوية إذ أتي برأس عمار بن ياسر (1)، فقال عبد الله بن عمر وبن العاصي: بشر قاتل عمار بالنار. فقال معاوية، وضرب على صدره: أبطلت، ففيم نحن إذا ؟ فقال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (تقتل عمارا الفئة الباغية). فقال معاوية: صدقت، إنك لا تعرف تأويل هذا المنطق، نحن نبغي قتلة ابن عفان حتى ننقى (2) بدمه. وعهد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آخر شربة يشربها من الدنيا شربة لبن. فاستسقى يوم صفين. فأتته امرأة طويلة اليدين بإناء فيه ضياح (3) من لبن. فقال عمار حين شربه: الحمد لله، الجنة تحت الأسنة. ثم قاتل حتى قتل.


(1) انظر تفصيل مقتله في الطبري: 5 / 38 (2) ننقى: ننظف. (3) الضياح: اللبن المزوج بالماء. (*)

[ 102 ]

وكانت سن عمار يوم قتل نيفا على تسعين سنة. قتله أبو الغادية الفزاري، واحتز رأسه ابن جزء السكسكي. ودفنه علي في ثيابه، ولم يغسله. وروى أهل الكوفة أنه صلى عليه. وهو مذهبهم في الشهداء أنهم لا يغسلون، ولكنهم يصلى عليهم. وكانت صفين في ربيع الآخر سنة سبع وثلاثين. ولما أجهد أهل الشام القتال بصفين، وسئموا منه، وخافوا الفناء رفعوا المصاحف على أسنة الرماح، وقالوا: بيننا وبينكم كتاب الله. وعن علي بن أبي طالب قال: (جاء عمار يستأذن على النبي صلى الله عليه وسلم يوما، فعرف صوته، فقال: مرحبا بالطيب المطيب، إنذنوا له). وقال عبد الرحمن بن أبزى (1): شهدنا مع علي صفين في ثمان مئة ممن بايع بيعة الرضوان، قتل منا ثلاثة وستون، منهم عمار بن ياسر. وتواترت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تثتل عمارا الفئة الباغية). وهو حديث ثابت صحيح، أخبر فيه عليه السلام بما يكون بعده من مغيبات الأمور، و هو من بواهر معجزاته صلى الله عليه وسلم. وروى هذا الحديث جماعة من الصحابة مشهورون، وهم: عثمان بن عفان، وأبو هريرة، وأبي بن كعب، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وعمر وبن العاصي، وابنه عبد الله بنعمر، وخزيمة بن ثابت الأنصاري ذو


(1) عبد الرحمن بن أبزي صحابي خزاع 0، مولى نافع بن الحارث. سكن الكوفة، واستعمله علي على خراسان. وأكثر رواياته عن عمر وأبي بن كعب. روى اثني عشر حديثا، وروى عنه ابناه سعيد وعبد الله وغيرهما. تهذيب الأسماء 1 / 293 (*)

[ 103 ]

الشهادتين. قال محمد بن عمارة بن خزيمة بن ثابت: ما زال جدي خزيمة كافا سلاحه يوم صفين. فلما قتل عمار سل سيفه، فقاتل حتى قتل. وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (تقتل عمارا الفئة الباغية). وروته أم سلمة رضي الله عنها. مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: نا إسماعيل بن ابراهيم، عن ابن عون، عن الحسن، عن أمه، عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بذلك عمرو ابن العاصي. فقال أهل العراق لعلي: يا أمير المؤمنين، بيننا وبينهم كتاب الله نحاكمهم إليه. فقال: (إنها مكيدة منهم، فناجزوهم حتى يرجعوا إلى أمر الله وحكمه). فأبوا عليه. وحكم أهل العراق أبا موسى الأشعري، وحكم أهل الشام عمر وبن العاصي. وكان علي قال لأهل العراق: (حكموا عبد الله بن عباس). فقالوا: لا والله، لا يجتمع في الحكم مضريان. فلما اجتمع أبو موسى وعمرو مكر عمروا بأبي موسى. ولما كان من أمر الحكمين ما كان خرجت الخوارج على علي، فكفروه، وكفروا كل من معه، إذ رضي بالتحكيم، وقالوا له: حكمت الرجال في دين الله، والله يقول: (إن الحكم إلا لله). ثم اجتمعوا، وشقوا عصا المسلمين، ونصبوا راية الخلاف، وسفكوا الدماء، وقطعوا السبل، وقتلوا عبد الله بن خباب بن الأرت ذبحا. وقيل إنهم ضربوا عنقه، وبقروا بطن امرأته، وهي حبلى، أبعدهم الله. وخباب: أبوه من خيار الصحابة، شهد بدرا، وكان من المعذبين في الله بمكة في أول الإسلام. وهو من بني سعد بن


[ 104 ]

مناة بن تميم. وكان أصابه سباء، فبيع بمكة، فاشترته أم أنمار الخزاعية، وهي أم أبي 0 نيار سباع بن عبد العزى الخزاعي الغبشاني، حليف بني زهرة، فأعتقته. وكانت أم سباع ختانة بمكة. ولولدها سباع قال حمزة يوم أحد: هلم إلي يا بن مقطعة البظور. وحين التقيا ضربه حمزة فقتله. وانضم خباب إلى سباع، واد عن حلف بني زهرة بهذا السبب. وكان خباب رجلا قينا. وكان بظهره برص. الواقدي قال: كان خباب يكنى أبا عبد الله. ومات بالكوفة سنة سبع وثلاثين، وهو ابن ثلاث وستين أو ثلاث وسبعين. وهو أول من قبره علي بالكوفة، وصلى عليه منصرفه من صفين، وله عقب.


[ 105 ]

كيفية قتل الخوارج عبد الله بن خباب قال أبو بكر محمد بن الحسين الآجري (1) في كتاب (الشريعة) له: حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال: نا شيبان بن فزوخ قال: نا سليمان بن المغيرة، عن شيبان بن هلال، عن رجل كان مع الخوارج، ثم فارقهم. وحدثنا جدي وأبو خيثمة زهير بن حرب قالا: نا اسماعيل بن ابراهيم عن أيوب، عن حميد بن هلال، عن رجل منعبد القيس كان مع الخوارج ثم فارقهم، قال: دخلوا قرية، فخرج عبد الله بن خباب يجر رداءه. فقالوا: لم ترع ؟ مرتين. فقال: والله لقد رعتموني. قالوا: أ أنت عبد الله بن خباب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: نعم. قالوا: فهل سمعت من أبيك حديثا حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثناه ؟ قال: سمعته يقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي. قال: فإن أدركتها


(1) هو محمد بن الحسين بن عبد الله الحافظ أبو بكر البغدادي الآجري المحدث الشافعي. توفي بمكة سنة 360. وآخر من قرى بغداد. له تصانيف عديدة (*)

[ 106 ]

فكن عبد الله المقتول. قال أيوب: ولا أعلمه إلا قال: ولا تكن عبد الله القاتل قالوا: أ أنت سمعت هذا من أبيك يحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: نعم. فقدموه على ضفة النهر، فضربوا عنقه، فسال دمه كأنه شراك ما أمذ فر، يعني: ما اختلط بالماء الدم، وبقروا أم ولده عما في بطنها. وقال المبرد في الكامل: إن الخوارج قالوا لعبد الله بن خباب: ما تقول في أبي بكر وعمر ؟ فأثنى خيرا. فقالوا له: فما تقول في علي قبل التحكيم ؟ وفي عثمان ست سنين ؟ فأثنى خيرا. فقالوا له: فما تقول في علي قبل التحيكم ؟ وفي عثمان ست وقال المبرد في الكامل: إن الخوارج قالوا لعبد الله بن خباب: ما تقول في أبي بكر وعمر ؟ أثنى خيرا. فقالوا له: فما تقول في علي قبل التحكيم ؟ وفي عثمان ست سنين ؟ فأثنى خيرا. قالوا: فما تقول في الحكومة والتحكيم ؟ قال: أقول: إن عليا أعلم بالله منكم وأشد توقيا لدينه، وأنفذ بصيرة. قالوا: إنك لست تتبع الهدى، إنما تتبع الرجال على أسمائها. ثم قربوه إلى شاطئ النهر فذبحوه، فامذفر دمه، أي جرى مستطيلا على ذقنه. وساموا رجلا نصرانيا بنخلة، فقال: هي لكم. فقالوا: ما كنا لنأخذها إلا بثمن. فقال: ما أعجب هذا ! تقتلون مث عبد الله بن خباب، ولا تقبلون منا نخلة إلا بثمن ؟ وكان قتل عبد الله


[ 107 ]

ابن خباب بقرية يقال لها (كسكر) (1). فبهذا السبب استحل علي قتالهم، واستئضالهم بالقتل.


(1) كسكر: كروة واسعة ينسب إليها الفراريج الكسكرية قرب البصرة من سقي النهروان. معجم البلدان (كسكر) (*)

[ 108 ]

قتل علي الخوارج وخرج إليهم رضي الله عنه بمن معه، ورام رجعتهم، فأبوا الا القتال. وكان علي أرسل إليهم عبد الله بن عباس، فاجتمع معهم واحتج عليهم بحجج من كتاب الله عز وجل، ومن فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وفعل أبي بكر وعمر حتى قطعهم. ولم يجدوا جوابا لما قال: فقال بعضهم لبعض: دعوه عنكم ولا تجيبوه، فلن تطيقوا مخاصمة ابن عباس، إنه من القوم الذين قال الله تعالى فيهم: (بل هم خصمون) (1). وقال جل ثناؤه: (وتنذر بهقوما لدا) (2). وكان فيهم من تبينله الحق. فرجع معه منهم من حروراء ألفان إليالحق. وصدقوا ابن عباس فيما قال، ولزموا عليها. وأما الباقون فمكثوا على ضلالهم وعنادهم، وهم أهل النهروان، وكانوا ستة آلاف. فقتل منهم علي بالنهروان ألفين وثماني مئة في أصح الأقاويل. وقتل معهم رئيسهم عبد الله بن وهب (3) ذو


(1) سورة الزخرف: 43 / الآية: 58. (2) سورة مريم: 19 / 97. (3) عبد الله بن وهب الراسبي من الأئمة الاباضية. كان ذا علم ورأي وفصاحة. أدرك النبي (ص) وشهد فتوح العراق مع سعد بن أبي وقاص. ثم كان مع علي في حروبة. ولما وقع التحكيم أنكر جماعة فيهم الراسبي. فاجتمعوان بالنهروان (*)

[ 109 ]

الثفنات الراسبي من بني راسب بن مالك بن ميدعان بن مالك بن نصر بن الأزد بن الغوث. ثم جمعوا لعلي، ولم يقتل من عسكر علي غير تسعة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر عليا خبرهم، وأنه يقتلهم. وآية ذلك أن أحدهم إدحدى عضديه مثل ثدي المرأة. فلما قتلهم علي أمر بتفتيش المخدج اليد، فلم يوجد، فتغير وجه علي، وقال: (والله ما كذبت ولا كذبت، فتشوه). ففتشوه فوجوده في وهذة من الأرض بين القتلى. فلما رآه علي كبر وحمد الله تعالى. وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخدري قال: بيما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يقسم قسما أتاه ذو الخويصرة، رجل من بني تميم فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إعدل. قال: (ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل ! قد خبت وخسرت إن لم أعدل). قال: (ويليك، ومن يعدل إذا لم أعدل ! قد خبت وخسرت إن لم أعدل). فقال عمر: يا رسول الله، إئذن لي فيه أضرب عنقه. فقال له: (دعه، فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع ضلاتهم، وصيامه مع صيامهم. يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شئ، ثم ينظر إلى قذذه (1) فلا يوجد فيه شئ ثم ينظر إلى رصافة (2) فلا يوجد فيه،


(بين بغداد وواسط)، وأقروه عليهم، فقاتلوا عليا. وقتل الراسبي في هذه المعركة سنة 38 الكامل: 2 / 119 (1) القذة: الأذن. (2) الرصاف: عظام الجنب. (*)

[ 110 ]

ثم ينظر إلى نضه - وهو قدحه - فلا يوجد فيه شئ. قد سظسبق الفرث والدم. آيتهم رجل أسود، إحدى عضديه مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة تدردر (1)، يخروجون على حين فرقة من الناس). قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم، وأنا معه. فأمر بذلك الرجل فالتمس في القتلى، فأتي به، حتى نظرت إليه على نعت النبي صلى الله عليه وسلم الذي نعته. وعن يزيد بن أبي زياد قال: سألت سعيد بن جبير عن أصحاب النهر فقال: حدثني مسروق قال: سألتني عائشة، رضي الله عنها [ و ] عنهم، فقالت: لم أره. ولكن شهد عندي من قد رآه. قالت: فإذا قدمت الأرض فاكتب إلي بشهادة نفر قد رأوه. قال: فجئت، والناس أسباع. قال: فكلمت من كل سبع عشرة ممن قد رآه. قال: فقلت: كل هؤلاء عدل رضى. فقالت: قاتل الله فلانا، فإنه كتب إلي أنه أصابه بمصر. قال يزيد: وحدثني من سمع عائشة، ورحمها الله، تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنهم شرار أمتي يقتلهم خيار أمتى). وحدث قطن بن عبد الله الحدايني قال: حدثني أبي قال: نا أبو غالب قال: كنت في مسجد دمشق فجاؤوا بسبعين رأسا من


(1) البضعة: القطعة. تدردر: تمزمز وترجرح أي تجئ وتذهب. والأصل: تتدرد، فحذفت إحدى التاءين تخفيفا. (*)

[ 111 ]

رؤوس الخوارج، فنصبت على درج المسجد. فجاء أبو أمامة، فنظر إليها فقال: كلاب جهنم شر قتلى قتلوا تحت ظلل السماء. ومن قتلوا خير قتلى تحت ظلل السماء، وبكى ونظر إلي. قال فقال: يا أبا غالب، إنك ببلد هؤلاء به كثير. قال: قلت: نعم. قال: أعاذك الله منهم. ثم قال: أتقرأ القرآن ؟ قلت: نعم. قال: (هو الذي أنزل علكى الكتاب منه آيات محكمات، هن أم الكتاب، وأخر متشابهات) إلى قوله: (والراسخون في العلم يقولون: آمنا به) (1). قال: قلت: يا أبا أمامة إني رأيتك تغر غرت لهم عيناك. قال: رحمة لهم إنهم كانوا من أهل الإسلام، فخرجوا من الإسلام. فقال له رجل: يا أبا أمامة، أمن رأيك تقوله أو شئ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: إني إذا لجرئ، لقد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة وا مرتين ولا ثلاث ولا أربع حتى عد سبع مرات. أبو غالب راوي هذا الحديث عن أبي أمامة اسمه حزور: روى عنه أزهر بن صالح وابن عيينة، وحماد بن زيد. ذكره مسلم صاحب الصحيح في كتاب (الكنى). وأبو أمامة: هو حدي بن عجلان الباهلي صاحب النبي عليه السلام. وروى الاعمش عن ابن ابي اوفى عن النبي (ص) قال (الخوارج كلاب النار). و قال عليه السلام فيهم (طوبى لمن قتلهم أو قتلوه).


سورة آل عمران 3: 3 / الآية: 7. (*)

[ 112 ]

خبر مقتل علي رضي الله عنه ذكر عمر بن شبة عن الضحاك بن مخلد أبي عاصم النبيل وموسى بن اسماعيل أنه سمع أباه يقول: جاء عبد الرحمن ان ملجم يستحمل عليا فحمله. ثم قال: أريد حباءه: أريد حباءه ويريد قتلي * عذيري من خليلي من مراد (1) (وافر) أما إن هذا قاتلي. قيله له: فما يمنعك منه ؟ قال: (إنه لم يقتلني بعد). وأتي علي فقيل له: إن ابن ملجم يسم سيفه ويقول: إنه سيفتك فتكة تحدث بها العرب. فبعث فيه وقال له: (لم تسم سيفك ؟) فقال: لعدوي وعدوك. فخلى عنه، وقال: (ما قتلني بعد). وكان سبب قتل ابن ملجم لعلي أنه خطب امرأة من بني


(1) يروى أن عليا كان يتمثل، إذا رأى ابن ملجم، ببيت عمر وبن معد يكرب في قيس ابن مكشوح المرادي. غير أن المبرد رواه هكذا: أريد حباءه ويريد قتلي * عزيرك من خليسلك من مراد رغبة الآمل: 7 / 124 (*)

[ 113 ]

عجل بن لجيم يقال لها قطام. وقال المبرد: إنها قطام. وقال المبرد: إنها قطام بنت علقمة بن تيم الرباب. وكانت ترى رأي الخوارج. وكان علي قد قتل أباها وإخوتها بالنهروان. فلما تعاقد الخوارج على قتل علي وعمر وبن العاصي ومعاوية بن أبي سفيان خرج منهم ثلاثة نفر لذلك. وكان عبد الرحمن بن ملجم المرادي حليفا لهم من تجوب، وقيل: (من السكون من كندة. وقيل من حمير هو الذي اشترط قتل علي منهم. والثاني الحجاج بن عبد الله: وهو البرك التميمي الصريمي (1). اشترط قتل معاوية. والثالث زاذويه: مولى بني العنب ربن عمر وبن تميم. اشترط قتل عمر و ابن العاصي. وتواعدوا أن يكون ذلك في ليلة واحدة، وهي ليلة سبع عشرة، وقيل: ثمان عشرة، وقيل: ليلة تسع عشرة من رمضان. فدخل ابن ملجم، لعنه الله، الكوفة عازما على ذلك، واشترى لذلك سيفا بألف، وسقاه السم فيما زعموا حتى لفظه. وكان في خلال ذلك يأتي عليا، ويستحمله فيحمله. إلى أن وقعت عينه على قطام. وكانت امرأة رائعة جميلة، فأعجبته، وكانت معتكفة في المسجد الأعظم بالكوفة، ووقعت بنفسه فخطبها، فقالت: قد آليت أن لا أتزوج إلا على مهر لا أريد سواه. فقال: وما هو ؟ قالت: ثلاثة آلاف وعبد وقينة وقتل علي ابن أبي طالب. فقال: والله لقد قصدت لتقل علي بن أبي طالب


(1) الحجاج بن عبد الله من بني سعد بن زيد مناة، ثائر من أهل البصرة. كان أول من عارض في التحكيم، فقال: لا حكم إلا لله. وخرج على الفريقين. ثم كان أحد الذين اتفقوا على قتل علي ومعاوية وعمر و. قتل سنة 40 ه‍ -. الكامل: 3 / 157 (*)

[ 114 ]

والفتك به، وما أقدمني إلى هذا المصر غير ذلك. ولكن لما رأيتك آثرت تزويجك. فقالت: ليس إلا الذي قلت. فقال لها: وما يغعنيك أو يغني منك قتل علي، وأنا أعلم أني إن قتلته لم أفت ؟ فقالت، إن قتلته ونجوت فهو الذي أردت تبلغ شفاء نفسي، ويهنيك العيش معي. وإن قتلت فما عند الله خير من الدنيا وما فيها. فقال لها: لك ما اشترطت. وفي تزوج ابن ملجم لقطام، وما دار بينهما في قتل علي يقول شاعر الخوارج: ولم أر مهر ساقه ذو سماحة * كمهر قطام من فصيح وأعجم ثلاثة آلاف وعبد وقينة * وضرب علي بالحسان المصمم (خفيف) وقيل: إن عدو الله بن ملجم جلس مع شيب بن بجرة الأشجعي بعد محاورة كانت بينهما في قاتل علي قبالة السدة التي يخرج منها علي إلى المسجد. فخرج علي إلى صلاة الصبح فبدره شبيب (1) فضربه فأخطأه، وضربه عبد الرحمن بن ملجم على رأسه وقال: الحكم لله يا علي لا لك ولا لأصحابك. فقال علي: (فزت ورب الكعبة. لا يفوتنكم الكلب). فشد عليه الناس من كل ناحية. فلما هم الناس به حمل عليهم سيفه، رغبة الآمل: 7 / 126 (*)


[ 115 ]

فأفرجوا له، فتلقاه المغيرة بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب (1) بقطفة، فرقى بها عليه واحتمله، وضرب به الأرض، وقعد على صدره، وانتزع سيفه، وكان أيدا. ثم حمل ابن ملجم، وحبس حتى مات علي، رحمه الله، فقتل لا رحمه الله، ورحم الله عليها والمغيرة. وقال عبد الله بن حبيب أبو عبد الرحمن السلمي: أتيت الحسن بن علي في قصر أبيه، وكان يقرأ علي، وذلك في اليوم الذي قتل فيه علي. فقال لي إنه سمع أباه في ذلك السحر يقول له: (يا بني، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة في نومة نمتها. فقلت: يا رسول الله ماذا لقيت من امتك من الأود ؟ فقال: أمدع الله عليهم. فقال: اللهم أبدئلني بهم خيرا منهم، وأبدلهم بن من هو شر مني). ثم انتبه، وجاء مؤذنه بالصلاة. فخرج فاعتوره الرجلان. فأما أحدهما فوقعت ضرتبه في الطاق. وأما الآخر فضربه في رأسه. وذلك في صبيحة يوم الجمعة لسبع عشرة من رمضان، صبيحة بدر. وروى أبو رؤوف عبد الله بن مالك قال: جمع الأطباء إلى علي رضي الله عنه يوم جرح، وكان أبصرهم بالطب أثير بن عمر والسكوني: وكان يقال له: أثير بن عمريا، وكان صاحب


(1) المغيرة... قرشي هاشمي. ولد على عهد رسول الله بمكة قبل الهجرة، وقيل: لم يدرك حياة رسول الله إلا ست سنين، يكنى أبا يحي. أوصى علي أن يتزوج أمامة بعده، فتزوجها. وهو الذي ألقى القطيفة على ابن ملجم لما ضرب عليا، وكان شديد القوة شهد مع علي صفين، وكان قاضيا في خلافة عثمان. روى عن النبي حديثا واحدا. أسد الغابة: 4 / 408 (*)

[ 116 ]

كرسي، يتطبب. وهو الذي تنسب إليه صحراء أثير (1) فأخذ أثير رثة شاة، فتتبع عرقا منها، فاستخرجه وأدخله في جراحة علي، ثم نفخ العرق فاستخرجه نفإذا عليه بياض، وإذا الضربة قد وصلت إلى أم رأسه. فقال: يا أمير المؤمنين، أعهد عهدك، فإنك ميت. وفي ذلك يقول عمران بن حطان الخارجي (2): يا ضربد من تقي ما أراد بها * إلا لبيلغ من ذي العرش رضوانا إني لأذكره حينا فأحسبه * أوفى البيرية عند الله (3) ميزانا (بسيط) كذب أبعده الله، وقال بكر بن حماد التاهرتي مناقضا له: قل لابن ملجم والأقدار غالبة: * هدمت ويلك للإسلام أركانا قتلت أفضل من يمشي عدم قدم * وأول الناس إسلاما وإيمانا وأعلم الناس بالقرآن ثم بما * أسن الرسول لنا شرعا وتبيانا صهر النبي ومولاه وناصره * أضحت مناقبه نورا وبرهانا وكان منه على رغم الحسود له * مكان هارون من موسى بن عمرانا وكان في الحرب سيفا صارما ذكرا * ليثا إذا لقي الأقران أقرانا


(1) أثير: يقول ياقوت: كأنه تصغير أثر. وصحراء أثير بالكوفة. ينسب إليها أثير بن عمر والسكوني الطبيب الكوفي. ويعرف بابن عمر يا. قال عبد الله بن مالك: جمع الأطباء لعلي لما ضربه ابن ملجم، وكان أبصرهم بالطب أثير. معجم البلدان (أثير) (2): عمارن بن حطان بن ظبيان السدوسي الشيباني أبو سماك. رأس القعدة من المصفرية وخطيبهم وشاعرهم. كان قبل ذلك من رجال العلم والحديث من أهل البصرة. طلبه الحجاج فهرب إلى الشام ثم إلى عمان. ومات هناك سنة 84 ه‍ -. الاصابة، رقم: 6877 (3) ورد البيتان في رغبة الآمل: 7 / 84، مع اختلاف في الرواية. (*)

[ 117 ]

ذكرت قاتله والدمع منحدر * فقلت: سبحان رب العرش سبحانا إني لأحسبه ما كان من بشر * يخشى المعاد ولكن كان شيطانا أشقى مراد إذا عدت قبائلها * وأخسر الناس عند الله ميزانا كعاقر الناقة الأولى التي جلبت * على ثمود بأرض الحجر خسرانا قد كان يخرهم أن سوف يخضبها * قبل المنية أزمانا فازمانا فلا عفا الله عنه ما تحمله * ولا سقى قبر عمران بن حطانا لقوله في شقي ظل مختبلا * ونال ما ناله ظلما وعدونا يا ضربة من تقي ما أراد بها * إلا ليبلغ من ذي اتلعرش رضوانا بل ضربة من شقي أوزدته لظى * مخلدا قد أتى الرحمن غضبانا (بسيط) وروى ابن الهادي عن عثمان بن صهيب، عن أبيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: (من أشقى الأولين ؟) قال: الذي عقر الناقة. قال: (صدقت. فمن أشقى الآخرين ؟). قال:: لا أدري. قال: (الذي يضربك على هذه). يعني لحيته. وكان علي، رضي الله عنه، كثيرا ما يقول: ما يمنع أشقاها، أو: ما ينتظر أشقاها أن يخضب هذه من دم هذا - ويشير إلى لحيته ورأسه - خضاب دم لا خضاب عطر ولا عبير. وذكر النسائي من حديث عمار بن ياسر عن النبي عليه السلام أنه قال لعلي: (أشقى الناس الذي عقر الناقة، والذي يضربك على هذا - ووضع يده على رأسه - حتى يخضب هذه - يعني لحيته -). وذكره الطبري وغيره، وذكره ابن اسحاق في (السير) عن عمار في غزوة ذي العشيرة.


[ 118 ]

وروى الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن ثعلبة الحماني، سمع علي بن أبي طالب يقول: (والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لتخضبن هذه من دم هذا) يعني رأسه. وقال بكر بن حماد التاهرتي (1)، رحمه الله: وهز علي بالعقراقين لحية * مصيبتها جلت على كل مسلم فقال: سيأتيها من الله حادث * ويخضبها أشقى البرية بالدم فباكره بالسيف شلت يمينه * لشؤم قطام عند ذاك ابن ملجم فيا ضربة من خاسر ضل سعيه * تبوأ منها مقعدا في جهنم ففاز أمير المؤمنين بحظه * وإن طرقت فيه الخطوب بمعظم ألا إنما الدنيا بلاء وفتنة * حلاوتها شيبت بصاب (2) وعلقم (طويل) وقال أبو زبيد الطائي (3): إن الكرام على ما كان من خلق * رهط أمرئ ضاره للدين مختار


(1) بكر بن حماد بن سمك الزناتي أبو عبد الرحمن التاهرتي. شاعر عالم بالحديث ورجاله. من أفاضل المغرب. ولد بتاهرت بالجزائر ونسب إليها. ورحل إلى البصرة سنة 217 ثم إلى القيروان ثم عاد إلى تاهرت فتوفي فيها سنة 296 ه‍ -: البيان المغرب: 1 / 153 (2) الصاب: شجر مر إذا اعتصر خرج كهيئة اللبن. (3) أبو زبيد: شاعر جاهلي أدرك الاسلام، ولكن ظل على نصرانيته. وكان من المعمرين. يقال: بلغ من العمر مئة وخمسين سنة. وكان نديم الوليد بن عقبة ويشربان معا. ولما عين الوليد على الرقة تبعه أبو زبيد. ومات فدفن على البليخ. الشعر والشعراء: 1 / 219 (*)

[ 119 ]

طب بصير بأضغان (1) الرجال ولم * يعدل بحبر رسول الله أحبار وقطرة قطرت إذ حان موعدها * وكل شئ له وقت ومقدار حتى تنصلها في مسجد طهر * على إمام هدي إن معشر جاروا حمت ليدخل جنات أبو حسن * وأوجبت بعده للقاتل النار (بسيط) وقال الكميت: والوصي الذي أمال التجوب‍ * ي به عرش أمه لانهدام قتلوا يوم ذاك إذ قتلوه * حكما لا كغابر الحكام الإمام الزكي والفارس المع‍ * - لم تحت العجاج غير (2) الكهام راعيا كان مسجحا ففقدنا * ه، وفقد المسيم هلك (3) السوام (خفيف) وكان قتادة، رحمه الله، يقول: قتل علي رضي الله عنه على غير مال احتجنه (4)، ولا دنيا أصابها. وذكر أن ابن ملجم لما ضرب عليا، رضي الله عنه، أدخل منزله فأعتزته غشية، ثم أفاق. فدعا الحسن والحسين فقال: (أوصيكما بتقوى الله تعالى، والرغبة في الآخرة، والزهد في الدنيا. لا تأسفا على شئ فاتكما منها. اعملا الخير، وكونا للظالم خصما، وللمظلوم عونا). ثم دعا محمدا فقال: (أما سمعت بما أوصيت به


(1) الطب: الحاذق. الضغن: الحقد والعداوة. الخبر: العالم. (2) الكهام: الكليل البطئ. (3) السوام: الماشية والإبل. (4) احتجن المال: ضمه إلى نفسه واحتواه. (*)

[ 120 ]

أخويك ؟) قال: بلى. قال: (فإني أوصيك به. وعليك ببر أخويك، وتوقيرهما، ومعرفة فضلهما. ولا تقطع أمرا دونهما). ثم أقبل عليهما فقال: (أوصيكما به خيرا، فإنه سيفكما وابن أبيكمما. وأنتما تعلمان أن أباه كان يحبه فأحباه). ولما أدخل أبن ملجم، عدو الله، على علي، رضي الله عنه، قال له الذين أدخلوه: يا عدو الله، لا بأس على أمير المؤمنين. قال: فعلام تبكي إذا، أم كلثوم ؟ والله لقد ضربته ضربة لو كانت بأهل منى لوسعتهم. ولقد سقيت سيفي السم حتى لفظه، وما كان ليخونني. ولما مثل بين يدي علي قال: (إحبسوه، وأحسنوا إساره. فإن أعش فسأرى فيه رأيي في العفو أو القصاص. وإن أمت فقتل نفس بنفس، ولا تمثلوا به). ولما دفن علي رضي الله عنه أراد الحسن أن يقتل عدو الله ابن ملجم بضربة واحدة. فقال عبد الله بن جعفر: كلا والله حتى أذيقه العذاب الأليم. فقطعه عضوا عضوا حتى مات، لعنه الله. وروي أن البرك الصريمي وزاذويه فارقا ابن ملجم من الكوفة على ما تعاقدوا عليه. فذهب البرك إلى الشام إلى معاوية للفتك به، فضربه على أليته، وهو في الصلاة. فأمر به، فحبس، وأراد قتله، فقال له البرك: لا تجعل واحبسني فإن في هذه الليلة قتل علي. فقال: ويلك، وما يدريك ؟ قال: إنا تواعدنا ثلاثة لقتل علي وقتلك وقتل عمر وبن العاصي، فإن وجدت الأمر على خلاف ما قلت لك فأضرب عنقي. فوصل


[ 121 ]

الخبر إلى معاوية بقتل علي، كما ذكر البرك فأطلقه بعدما قطع يده ورجله، ثم قتله بعد ذلك زياد بن سمية بالكوفة. ودعا معاوية بالطبيب فقال له: إن الضربة مسمومة فأختر إحدى خصلتين، إما أن تصبر على الكي، وإما أن أسقيك شربة تقطع عنك الولد. فقال: لا صبر لي على النار، ولي في يزيد وعبد الله كفاية. فسقاه الشربة، فلم يولد له بعدها. وذهب زاذويه إلى مصر للفتك بعمرو بن العاصي. فدخل المسجد فضرب خارجة بن حذاقة السهمي (1)، حين كبر للصلاة، فقتله. فقبض عليه الناس بعد جولة. وكان عمر وبن العاصي مريضا يشتكي بطنه. فقدم خارجة ليصلي بالناس. فلما أدخل الخارجي على عمر و، ورأى الناس يسلمون عليه بالإمرة قال: أو ما قتلت عمرا ؟ قاوا: ألا إنما قتلت خارجة. فقال: أردت عمرا وأراد الله خارجة. فأمر به عمر و، فقتل. وفي عمر ووخارجة يقول الكتاتب الأديب أبو محمد عبد المجيد بن عبدون الأندلسي البطليوسي (2) من قصيدة:


(1) هو خارجة بن حذافة بن غانم من بني كعب. صحابي من الشجان كان يعد بألف فارس. أمر به عمر بن الخطاب عمر وبن العاص، فشهد معه فتح مضر وولي شرطته. قتله عمر وبن بكر الذي انتدب لقتل عمر وبن العاص. قتل سنة 40 ه‍. الاصابة: 1 / 399 (2) أديب الاندلس في عصره وذو الوزارتين. مولده ووفاته في يابرة. استوزره بنو الأفطس إلى انتها دولتهم سنة 485 وانتقل بعدهم إلى خدمة المرابطين. وكان كاتبا مترسلا عالما بالتاريخ والحديث. توفي سنة 529 ه‍. الأعلام: 4 / 293 (*)

[ 122 ]

وليتها إذا فدت عمرا بخارجة * فدت عليا بمن شاءت من البشر (بسيط) ومات علي، رضي الله عنه، ليلة إحدى وعشرين من رمضان سنة أربعين. ودفن في قصر الإمارة بالكوفة عند مسجد الجماعة. وصلى عليه الحسن، هذا قول أبي اليقظان. وقال الواقدي: دفن ليلا وعمي قبره. وروي عن أبي جعفر محمد بن علي أن قبر علي جهل موضعه. وكانت ولايته خمس سنين إلا ثلاثة أشهر، قال ابن قتيبة في (المعارف) (1). وقالت عائشة، رحمها الله، لما بلغها قتل علي: لتصنع العرب ما شاءت، فليس أحد ينهاها. وقال الحسن صبيحة ليلة دفن علي في المسجد الأعظم: (أيها الناس، إنكم فقدتم رجلا لم يسبقه الأولون، ولا يدركه الآخرون. كان إذا شهد الحرب اكتنفه جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره. لم يترك إلا ثمان مئة درهم أو سبع مئة درهم فضلت من عطائه، كان يعدها لخادم يشتريها لأهله. وقال الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب يرثي عليا رضي الله عنه: ما كنت أحسب أن الأمر منصرف * عن هاشم ثم منها عن أبي الحسن أليس أول من صلى لقبلته * وأعلم الناس بالقرآن والسنن ؟ (بسيط)


(1) كتاب المعارف مطبوع عدة طبعات. (*)

[ 123 ]

وقالت أم الهيثم بنت العريان المخعية (1) ترثيه: ألا يا عين ويحك أسعدينا * ألا تبكي أمير المأمنينا ؟ تبكي أم كلثوم عليه * بعبرتها وقد رأت اليقينا ألا قل للخوارج حيث كانوا * فلا قرت عيون الشامتينا أفي شهر الصيام فعتمونا * بخير الناس طرا أجمعينا ؟ قتلتم خير من ركب المطايا * وذللها، ومن ركب السفينا ومن لبس النعال ومن حذاها * ومن قرأ المثاني والمئينا لقد علمت قريش حيث كانت * بأنك خيرها حسبا ودينا إذا استقبلت وجه أبي حسين * رأيت النور فوق الناظرينا وكنا قبل مقتله بخير * نرى مولى رسول الله فينا يقيم الحق لا يرتاب فيه * ويعدل في العدا والأقربينا وليس بكاتم علما لديه * ولم يخلق من المتجبرينا كأن الناس إذ فقدوا عليا * نعام حار في بلد سنينا فلا تشمت معاوية بن صخر * فإن بقية الخلفاء فينا (وافر) قاضي علي: شريح. كاتبه: عبيد الله بن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. حاجبه: قنبر مولاه. نعته: كان رضي الله عنه عظيم العينين، أدعجهما، عظيم (البطن) (2)، عريض المنكبين، حسن الوجه، أغيد، كأن عنقه


(1) شاعرة. ذكر المبرد أن اسمها أم العريان. وانظر رغبة الآمل: 7 / 183 لاختلاف الروايات. (2) ساقط من الأصل، والاضافة من تاريخ الخلفاء: 156. (*)

[ 124 ]

إبريق فضد، آدم شديد الأدمة، أصلع ليس في رأسه شعر إلا من خلفه، لا يتبين عضده من ساعديه، قد أدمجت إدماجا، شديد الساعد واليد. إذا. مسك بذراعه رجل أمسك بنفسه، فلم يستطع أن يتنفس. ظإذا مشى إلى الحرب هرول ثبت الجنان، قويا، شجاعا، منصورا عل يمن لاقاه، أبيض الرأس واللحية، لا يغير شيبه. ورأته أمرأة بالكوفة فقالت: من هذا الذي كأنه كسر ثم جبر ؟. عمره: خمس وستون، وقيل: ثلاث وستون، قاله أبو نعيم الفضل بن دكين وغيره. وقيل: ثمان وخمسون، قاله أبو جعفر محمد بن علي. واختلفت عنه الرواية في ذلك. رضي الله عن علي وعن آله الأكرمين الطاهرين المنتخبين، آمين.