المعنى

قال سيدنا الرضى عليه الرحمة في كتاب خصائص أمير المؤمنين عليه السلام في شرح هذه الكلمات . و قال : تخففوا تلحقوا . قال الشريف الرضي ابو الحسن

[ 74 ]

رضي الله عنه . ما اقل هذه الكلمة و اكثر نفعها ، و أعظم قدرها ، و ابعد غورها و اسطع نورها ، و بعد هذه الكلمة قوله عليه السلام . فخلفكم الساعة تحدوكم ،

و انما ينتظر بأولكم آخركم .

قال عليه السلام : « فان الغاية أمامكم ، و أن ورائكم الساعة تحدوكم » الغاية :

انتهاء الشي‏ء ، و العلة التي يقع لأجلها الشي‏ء ، و بناء على ما ذكرنا فالمقصود من الغاية هنا : الموت كما في الحديث : ( الموت غاية المخلوقين ) او المقصود الجنة و النار ، و الثواب و العقاب ، او الآخرة بصورة عامة ، و لا شك أن هذه الاشياء كلها أمام كل احد .

و أما المقصود من الساعة هنا فهو قيام القيامة كما في تفسير الآيات التي ذكرت فيها الساعة كقوله تعالى : أ فأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب اللَّه أو تأتيهم الساعة بغتة و هم لا يشعرون و يا ايها الناس اتقوا ربكم ان زلزلة الساعة شي‏ء عظيم و لا يزال الذين كفروا في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة و يوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون و يوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة و حتى اذا جائتهم الساعة بغتة و قال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل : بلى و ربي لتأتينكم و يوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب و إليه يرد علم الساعة و أ لا ان الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد و اذا قيل : ان وعد اللّه حق و الساعة لا ريب فيها . قلتم : ما ندري ما الساعة ؟ إن نظن إلا ظنا و للَّه ملك السموات و الأرض و يوم تقوم الساعة يخسر المبطلون و اقتربت الساعة و انشق القمر و بل الساعة موعدهم و الساعة أدهى و امر .

الى غير ذلك من الآيات التي ذكرت فيها الساعة ، كما عليه المفسرون أضف الى ذلك الاخبار و الأحاديث التي تعبّر عن القيامة بالساعة .

[ 75 ]

و يمكن أن نقول : ان المراد بالساعة هو الزمان ، و قد ورد إسناد الحداء الى الزمان ، كما في بعض كلمات الامام عليه السلام : و ان غائبا يحدوه الجديدان الليل و النهار لحريّ بسرعة الأوبة .

و انما الكلام في كلمة : ( ورائكم ) فان الظاهر من الوراء هو الخلف ،

و لهذا وقع الشراح في حيرة و إشتباه و مخمصة ، فتارة استدلوا ببعض الايات الكريمة التي فيها ذكر الوراء ، كقوله تعالى : و من ورائهم جهنم ، و كان ورائهم ملك ياخذ كل سفينة غصباً فقد ورد في تفسير الآيتين الشريفتين أن المقصود من الوراء هنا . القدام و الأمام .

كل ذلك لتوضيح و بيان ان الآخرة في الأمام فلا ينبغي بل لا يصح التعبير به ب ( ورائكم ) و اقول : سبحان اللّه ، و ما الحاجة الى اطالة الكلام هنا ،

و التشبث بالأقوال النادرة المخالفة لظاهر كلام امير المؤمنين عليه السلام ، فان الوراء هنا : بمعنى الخلف ، و المعنى صحيح ، لأن القيامة تأتي بعدنا ، فتكون ورائنا ، فيتم المعنى بلا تكلف و تعسف .

و كيف كان : فان القيامة تحدو بالناس اي تبعثهم و تسوقهم الى الآخرة كالحادي يحدو الابل ، و يغني لها لتسير الى مقصدها ،

و اما قوله عليه السلام : « تخفّفوا تلحقوا » فان المسافر اذا كان ثقيل الحمل كثير المتاع يتأخر عن السابقين المتقدمين ، فاذا أراد أن يلحقهم لا بدّ له أن يطرح زائد متاعه ليخف رحله ، فيلتحق بصحبه كما قال الشاعر :

القى العمامة كي يخفف رحله
و الزاد حتى نعله ألقاها

فكذلك الانسان اذا كان مشغول الفكر بالدنيا و ما فيها يثقل حمله ، فلا يستطيع أن يلحق بأولياء اللّه الذين كانوا لا يملكون اكثر من قوت يومهم ، و كانوا

[ 76 ]

الليل في قيام ، و النهار في صيام الذين ما حازوا من هذه الارض الوسيعة شبرا ،

و لا جمعوا و ادّخروا من مال الدنيا فضة و تبرا ، و كانت أفكارهم مشغولة بتلك الدار الاخرة ، و جهودهم مبذولة لتحصيل المنازل و المقامات العالية الفاخرة لا يهتمون بالمأكل و الملبس و المسكن ، و انما همّهم انقاذ أنفسهم ، و هم العقلاء حقا ، لأن حياة الدنيا تنقضى ، فلا لذة تبقى ، و كل نعيم فيها يفنى ، و الاخرة هي الحياة التي لا انقضاء لها و لا انقطاع ، بل هي حياة دائمة مستمرة متصلة ، لا زوال فيها و لا فناء .

و الى هنا تم الكلام عن الخطبة الحادية و العشرون

[ 77 ]