المعنى

قد ذكرنا في الجزء الأول مقطوعة من هذه الخطبة في ص 227 ، و ذكرنا أن هذه الخطبة وردت بطرق كثيرة ، بزيادة و نقصان ، و ذكرنا ايضا بعض تلك الصور ، و نقلنا : أن امير المؤمنين عليه السلام خطب بهذه الخطبة في المدينة عند ما تحقق مسيره الى البصرة كما ذكره الكليني ره و لكن ابا مخنف ذكر هذه الخطبة مع زيادة و نقصان قال : لما رجعت رسل امير المؤمنين عليه السلام من عند طلحة و الزبير و عائشة يؤذنونه بالحرب قام ،

فحمد اللّه تعالى . . . الخ فيمكن انه نقول : انه عليه السلام خطب بهذه الخطبة في البصرة . و ذكر ابو مخنف ايضا عن زيد بن صوحان قال : شهدت عليا عليه السلام بذي قار ،

و هو معمّم بعمامة سوداء ، ملتف بساج يخطب فقال في خطبته : الحمد للّه . . . الى آخر الخطبة .

[ 79 ]

و لكن الاصح عندي أنه عليه السلام خطب بها في البصرة بعد اتمام الحجة على طلحة و الزبير . بدليل قوله : « و من العجب بعثهم إلي أن ابرز للطعان » لانهم ما هدّدوا أمير المؤمنين بالحرب الا في البصرة و اللّه العالم .

و الآن نذكر الخطبتين اللتين ذكرهما ابو مخنف بما فيهما من الاختلاف ، فنقول قال ابو مخنف : حدثنا مسافر بن عفيف بن ابي الاخنس قال : لما رجعت رسل أمير المؤمنين عليه السلام من عند طلحة و الزبير يؤذنونه بالحرب ، قام فحمد اللّه و اثنى عليه ، و صلى على رسوله صلى عليه ثم قال :

ايها الناس : إني قد راقبت هؤلاء القوم كي يرعووا ، و يرجعوا ، و وبختهم بنكثهم بيعتهم فلم يستحيوا ، و قد بعثوا إلي : ان ابرز للطعان و أن اصبر للجلاد ،

و انما تمنّيك نفسك أماني الباطل ، و تعدك الغرور .

أ لا هبلتهم الهبول ، لقد كنت و ما اهدد بالحرب ، و لا ارهب بالضرب ، و لقد نصف القارة من راماها ، فليرعوا و ليبرقوا ، فقد رأوني قديما ، و عرفوا نكايتي فكيف رأوني ؟

أنا أبو الحسن الذي فللت حدّ المشركين ، و فرقّت جماعتهم ، و بذلك القلب القى عدوي اليوم ، و إني لعلى ما وعدني ربي من النصر و التأييد ، و على يقين من امر ربي و في غير شبهة من ديني .

ايها الناس : ان الموت لا يفوته المقيم ، و لا يعجزه الهارب ، ليس من الموت محيد و لا محيص ، لم يقتل مات ، ان افضل الموت القتل ، و الذي نفس علي بيده الف ضربة بالسيف أهون من موتة واحدة على الفراش اللهم إن طلحة نكث بيعتي و ألبّ على عثمان حتى قتله ، ثم عهضني و رماني ،

اللهم فلا تمهله ، اللهم : إن الزبير قطع رحمي ، و نكث بيعتي ، و ظاهر على عدوي ،

فاكفنيه اليوم بما شئت . ثم نزل

[ 80 ]

و اما الرواية التي ذكرها ابو مخنف ، فهي : عن زيد بن صوحان قال : شهدت عليا عليه السلام بذي قار ، و هو معمّم بعمّامة سوداء ، ملتف بساج ، يخطب فقال :

الحمد للّه على كل أمر و حال ، في الغد و الآصال ، و اشهد ان لا إله إلا اللّه ،

و ان محمدا عبده و رسوله ، إبتعثه رحمة للعباد ، و حياة للبلاد ، حين امتلأت الأرض فتنة ، و اضطرب حبلها ، و عبد الشيطان في اكنافها ، و اشتمل عدو اللّه ابليس على عقائد اهلها ، فكان محمد بن عبد اللّه بن المطلب الذي أطفأ اللّه به نيرانها ، و أخمد به شرارها ، و نزع به اوتارها ، و اقام به ميلها ، إمام الهدى ، و النبي المصطفى صلى اللّه عليه و آله ، فلقد صدع بما امر به ، و بلغ رسالات ربه ، أصلح اللّه به ذات البين ، و أمّن به السبل ، و حقن به الدماء ، و ألف به بين ذوي الضغائن الواغرة في الصدور ، حتى أتاه اليقين ،

ثم قبضه اللّه حميدا ، ثم استخلف الناس أبا بكر ، فلم يأل جهده ، ثم استخلف ابو بكر عمر ، فلم يأل جهده ، ثم استخلف الناس عثمان فنال منكم و نلتم منه ، حتى اذا كان من امره ما كان ، أتيتموني ، لتبايعوني ، فقلت : لا حاجة لي في ذلك . و دخلت منزلي ، فاستخرجتموني ، فقبضت يدي فبسطتموها ،

و تداككتم عليّ حتى ظننت أنكم قاتلي ، و أن بعضكم قاتل بعض ، فبايعتموني و أنا غير مسرور بذلك و لا جذل ، و قد علم اللّه سبحانه : أني كنت كارها للحكومة بين أمة محمد صلى اللّه عليه و آله ، و لقد سمعته صلى اللّه عليه و آله يقول :

ما من وال يلي شيئا من أمر أمتي إلا أتي به يوم القيامة مغلولة يداه الى عنقه ،

على رؤوس الخلائق ، ثم ينشر كتابه ، فان كان عادلا نجى ،

حتى اجتمع عليّ ملؤكم ، و بايعني طلحه و الزبير و انا أعرف الغدر في أوجههما ،

و النكث في أعينها ، ثم استأذناني في العمرة ، فأعلمتهما : أن ليس العمرة يريدان

[ 81 ]

فسارا إمكه و استخفّا عائشة و خدعاها ، و شخص معهما أبناء الطلقاء ، فقدموا البصرة ، فقتلوا بها المسلمين و فعلوا المنكر و يا عجبا لاستقامتهما لأبي بكر و عمر ، و بغيهما عليّ ، و هما يعلمان أني لست دون أحدهما ، و لو شئت أن أقول لقلت ، و لقد كان معاوية كتب إليهما من الشام كتابا يخدعهما فيه ، فكتماه عني ، و خرجا يوهمان الطغام : أنهما يطلبان بدم عثمان ،

و اللّه ما أنكرا عليّ منكرا ، و لا جعلوا بيني و بينهم نصفا ، و إن دم عثمان لمغصوب بهما ، و مطلوب منهما يا خيبة الداعي : إلى م دعا ؟ و بما ذا أجيب ؟ و اللّه أنهما لعلى ضلالة صمّاء ،

و جهالة عمياء ، و أن الشيطان قد ذمّر لهما حزبه ، و استجلب منهما خيله و رجله ،

ليعيد الجور إلى أوطانه ، و الباطل إلى نصابه .

ثم رفع عليه السلام يديه و قال : اللهم : إن طلحة و الزبير قطعانى و ظلماني ،

و البّا عليّ ، و نكثا بيعتي ، فأحلل ما عقدا ، و انكث ما أبرما ، و لا تغفر لهما ابدا ، و أرهما المسائة فيما عملا و أملا .

فقام اليه الأشتر فقال : الحمد للّه الذي منّ علينا فأفضل ، و أحسن إلينا فأجمل قد سمعنا كلامك يا أمير المؤمنين ، و لقد أصبت ، و وفقت ، و أنت إبن عم نبينا و صهره و وصيه ، و اول مصدق به و مصل معه ، شهدت مشاهده كلها ، و كان لك الفضل فيها على جميع الامة ، فمن اتبعك أصاب حظه ، و استبشر بفلجه ،

و من عصاك و رغب عنك فإلى أمه الهاوية لعمري يا أمير المؤمنين : ما أمر طلحة و الزبير و عائشة علينا بمخيل ، و لقد دخل الرجلان فيما دخلا ، و فارقا على غير حدث أحدثت ، و لا جور صنعت ،

[ 82 ]

فان زعما أنهما يطلبان بدم عثمان فليقيدا من أنفسهما ، فانهما أول من ألب عليه ،

و أغرى الناس به ، و أشهد اللّه لئن لم يدخلا فيما خرجا منه لنلحقنهما بعثمان ،

فإن سيوفنا على عواتقنا ، و قلوبنا في صدورنا ، نحن اليوم كما كنا أمس . ثم قعد .

أقول : ذكر ابن ميثم ره هذه الخطبة بصورة أخرى ، و هي أحسن الصور و أوجهها ، و قد ذكرناها في الجزء الأول ، لان سيدنا الرضي جامع نهج البلاغة ذكر شيئا من هذه الخطبة فيما تقدم ، كما أشار إلى ذلك في مقدمة الكتاب حيث قال ره :

« و ربما جاء في أثناء هذا لاختيار اللفظ المردد ، و المعنى المكرر ، و العذر في في ذلك : أن روايات كلامه عليه السلام تختلف إختلافا شديدا ، فربما اتفق الكلام المختار من رواية فنقل على وجهه ، ثم وجد بعد ذلك في رواية اخرى موضوعا غير وضعه الاول ، إما بزيادة مختارة ، او بلفظ أحسن عبارة ، فتقضى الحال أن يعاد ، إستظهارا للاختيار ، و غيرة على عقائل الكلام ، و ربما بعد العهد ايضا فاختير أولا ، فأعيد بعضه سهوا و نسيانا ، لا قصدا و اعتمادا . . . الخ » و الآن نشرح في شرح الخطبة : قال عليه السلام : « أ لا و ان الشيطان قد ذمر حزبه ، و استجلب جلبه » لا شك : أن كل فتنة تحدث بين المسلمين ، أو فساد لا بد و أنها تكون من وساوس الشيطان و إغوائه ، كما أقسم ابليس لرب العزة سبحانه ، حيث قال : فوعزتك لاغوينهم اجمعين ، إلا عبادك منهم المخلصين كذلك نهضة طلحة و الزبير و عائشة ما كانت إلا بتحريك من الشيطان المغوي و إضلال منه ، و قد بلغ الى ما اراد من إغوائه الناس و إلقائهم في التهلكة ،

و إيصالهم الى عذاب جهنم ، و أي ذنب أعظم بعد الشرك باللّه من الخروج على إمام الزمان ، الذي وجبت طاعته على جميع الناس ؟ و اي ظلم اكبر من شق عصا المسلمين و أراقة دماء الوف من الناس ؟

[ 83 ]

و حاصل الكلام : أن اصحاب الجمل ، بل و كل فرقة تظاهرت على اهل بيت العصمة و الرسالة في كل عصر و مصر ، بل كل شخص شهر سيفه في وجههم ، و اطال لسانه في طعنهم ، او اجال قلمه مسّا بكرامتهم و قداستهم كما نرى و نشاهد نظائرهم من ذوي الاقلام المسمومة المأجورة في بعض البلاد الاسلامية كل هؤلاء من عملاء الشيطان ، و خيله و رجله الذين يميت الشيطان بهم الحق ، و يحيي بهم الباطل ، و يموّه على الناس الحق و الحقيقة ، فويل لهم مما كتبت أيديهم و ويل لهم مما يكسبون . و لا يقصد الشيطان من إغواء الناس إلا تضعيف جانب الحق ،

و تقوية الباطل و أهله .

« و اللّه ما أنكروا عليّ منكرا ، و لا جعلوا بيني و بينهم نصفا » المنكر هنا : القبيح و الحرام . و ما انكروا عليّ اي ما عابوني على شي‏ء قبيح و عمل حرام . و لا جعلوا بيني و بينهم احدا يحكم بالانصاف ، او ما عاملوني بالانصاف و العدالة ، و بيان ذلك : « و إنهم ليطلبون حقا هم تركوه ، و دما هم سفكوه » ستعرف ايها القارى‏ء عن قريب ان عليا عليه السلام كان بريئا من دم عثمان ، و انه كان بمعزل عن قتله ، و ما كان مباشرا و لا مسببا ، و ستعرف ايضا ان عائشة و طلحة و الزبير هم الذين اججوا نار الثورة و اثاروا الفتنة على عثمان حتى قتلوه ، و هم الذين سبّبوا قتل عثمان و هيجوا الناس عليه ، و قد عرفت شيئا من الموضوع في الجزء الاول من الكتاب فيقول امير المؤمنين عليه السلام : إن الطلب بثار عثمان إن كان حقا يجب عليهم ان يقتصوا من انفسهم ، و يجعلوا أنفسهم عند اختيار ورثة عثمان ، لانهم خذلوه و قتلوه بالتسبيب ، و لكنهم تركوا انفسهم و جاؤوا يطلبون ذلك الحق المتروك من غيرهم

[ 84 ]

و دما هم سفكوه . هذا تصريح منه عليه السلام بارتكاب هؤلاء ، قتل عثمان ،

و بأنهم سفكوه دمه عمدا ، إما مباشرة أو تسبيبا ، ثم تنازل عليه السلام ، و فرض فرضا محالا كما يقال : فرض المحال غير محال فقال : سلمنا أني كنت شريكهم في القتل ، فوقعت الجريمة بالشركة ، أ فلا يجب المطالبة بالدم من جميع المشتركين ؟

فقال : « و لئن كنت شريكهم فيه فان التبعة لهم لنصيبهم منه » لأنه على كلا التقديرين لا يجوز عقلا للقاتل ان يطلب الثأر ، سبحان الله ، و ممن يطلب الثأر و هو القاتل ؟ فقال عليه السلام : لئن كنت شريكهم وجب عليهم أن يبدئوا بأنفسهم ، ثم يطالبوا الشريك . هذا بناء على الفرض الأول .

« و لئن كانوا ولوه دوني فما التبعة إلا عندهم أي إذا كانوا قتلوه وحدهم ،

و لم اشاركهم في قتله فالتبعة المسؤلية عليهم و حدهم ، و هم المخصوصون بالجريمة ،

و هذا على الفرض الثاني ، و على كلا الفرضين لا يجوز لعائشة و طلحة و الزبير أن يطلبوا ثار عثمان من أمير المؤمنين عليه السلام و من غير امير المؤمنين ، اضف إلى ذلك : أن الطلب بالدم هو حق لولي المقتول لا للأجنبي ، و لم تكن أية قرابة بين عثمان و بين هؤلاء الثلاثة بالرغم من أن أولاد عثمان كانوا في قيد الحياة يومذاك .

ثم قال عليه السلام : « و ان اعظم حجتهم لعلى انفسهم » الحجة هنا ما يحتج به الانسان . اي هذه المطالبة المطالبة بدم عثمان ضررها عائد عليهم ،

لأن الحجة قد قامت على ارتكابهم قتل عثمان ، كما اعترف و اقره كل واحد منهم بارتكابه قتل عثمان بالتسبيب ، كما مر في الجزء الأول من الكتاب .

ثم قال عليه السلام : « يرتضعون اما قد فطمت ، و يحيون بدعة قد اميتت » لهاتين الجملتين ثلاث احتمالات :

[ 85 ]

الاحتمال الأول : انهم يطلبون شيئا بعد فوات وقته ، كما ان الطفل يطالب باللبن من امه بعد الفطام ، أي بعد إنقضاء ايام الرضاع .

الاحتمال الثاني : اشارة الى عادات اهل الجاهلية ، حيث انهم كانوا يثيرون الحروب و الفتن بحجة المطالبة بالثار ، يقول عليه السلام : ان تلك العادات زالت و اضمحلت بوجود الاسلام ، و ان الله تعالى جعل لولي المقتول قتل ظلما و عمدا .

الاحتمال الثالث : ان هذه التهمة التي توجهت الى امير المؤمنين من هؤلاء انما كانت نتيجة منع الامام اياهم من أن يأخذا من بيت مال المسلمين اكثر من استحقاقهم ، و لأنه لم يفضلهم على غيرهم ، كما كان عثمان يعطيهم العطايا الجزيلة من بيت مال المسلمين ، فاستعار عليه السلام للخلافة لفظة ( الام ) فبيت المال لبنها ،

و المسلمون اولادها المرتضعون .

و خلاصة القول : ان هؤلاء يطلبون العطايا الجزيلة و الصلات الباهظة من خلافتي التي لا تفضل احدا من المسلمين على غيرهم .

و الجملة الثانية يحيون بدعة قد اميتت ، تفسير الجملة الاولى : يرتضعون اما قد فطمت فالمقصود من البدعة اما المطالبة بالثار كما قلنا ، أو التفضيل في العطية كما ذكرنا ، و احياء البدعة : اعادتها و العمل بها ، و اماتتها : تركها .

« يا خيبة الداعي من دعا ؟ و الى م اجيب ؟ » الخيبة : الحرمان و الخسران و فوات الظفر بالمطلوب ، كأنه عليه السلام ينسب دعائهم أي دعوتهم الى الخيبة ،

و الداعي : احد الثلثة : طلحة أو الزبير او عائشة أو جميعهم ، يقول عليه السلام ان الذي دعا بطلب دم عثمان ، و اثار الفتنة كتبت له الخيبة ، فلا يصل الى مراده و مطلوبه ، و ذكر هذا الكلام على سبيل التعجب و التحقير ، و معناه : تحقير الذين اجابوه و تحقير امرهم الذي نهضوا له .

[ 86 ]

« و اني لراض بحجة اللّه عليهم و علمه فيهم » أي انا ارضى بقيام البيّنة و البرهان على انهم ارتكبوا الجريمة دوني ، فان كان هذا الأمر خفي على الناس فهو غير خفي على اللّه تعالى ، و اللّه يعلم حقائق الأمور ، و يعرف القاتل من البرى‏ء و لعل المقصود من الحجة هنا هذه الآية الشريفة : فأن بغت احديها على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيئي الى امر اللّه فهذه الآية كافية بجواز قتالهم بل وجوبه ، أضف الى ذلك أمر النبي الأقدس صلى اللّه عليه و آله حيث قال : يا علي ستقاتل بعدي الناكثين و القاسطين و المارقين .

« فأن أبوا أعطيتهم حدّ السيف » أي ان امتنعوا عن اطاعتي و الملازمة على بيعتي مع قيام تلك الحجة قاتلتهم بالسيف ، و حاربتهم امتثالا لأمر اللّه تعالى ،

و طلبا لمرضاته ( و كفى به شافيا من الباطل ، و ناصرا للحق ) شبّه عليه السلام الباطل بالمرض و العلة ، و شبه الحق بالمظلوم . فقال : كفى بالسيف أن يشفى العلة اي الباطل ، و ينصر الحق و يؤيده .

« و من العجب بعثهم إليّ : أن ابرز للطعان ، و ان أصبر للجلاد » يتعجب الأمام عليه السلام من افعال هؤلاء و أقوالهم ، و تهديدهم اياه ، و حق له ان يتعجب من انذارهم الأنزع البطين قتّال العرب ، ان يستعد للمحاربة و السيف ،

لأن هؤلاء قد عرفوا شجاعة الامام و بأسه ، و علموا حروبه و غزواته ، و مواقفه و مواطنه ، و هو الذي دخل الحرب و هو لم يبلغ العشرين من العمر ، و كان يوم ذاك في حوالي الستين ، و هو الذي كان يخوض غمرات الحرب ، و بيده صحيفة يقطر منها الموت ، فترى الروؤس تطير و الايدي تسقط ، و الأرض ترتوي و تختضب من الدماء .

أ فلا يتعجب أمير المؤمنين عليه السلام من تهديد هؤلاء إياه و هو هو و هم هم ؟

[ 87 ]

ثم دعا عليهم فقال : « هبلتهم الهبول لقد كنت و ما اهدّد بالحرب و لا أرهب بالضرب » أي ثكلتهم امهاتهم ما زلت أنا غير مهدد بالحرب ، و غير خائف من الضرب ، لأن التهديد هو الانذار بالمخاوف ، و كيف اخاف من الحرب او الشهادة في سبيل اللّه ؟ و انا افضل الضربة بألف سيف على الموت في الفراش .

« و إني لعلى بينة من ربي و غير شبهة من ديني » لأن من كان على بصيرة من امر دينه بأن يعلم حكم القتال ، و يعرف حكم من يجوز قتاله و من لا يجوز قتاله ،

لا يخاف و لا يتزلزل من التهديد ، لأنه إما يغلب او يقتل ، و على كلا التقديرين له الفلج و الفلاح ، فيعطى اجر المجاهد المحتسب ، الناصر لدين اللّه ، و ان استشهد يعطى مضافا إلى ما مر أجر الشهيد ، و ليس عمل برّ خير من الشهادة .

انتهت الخطبة الثانية و العشرون