الصفحة اللاحقةhttp://www.alhassanain.com/arabic/all/maktabeh-aqaed/al-imameh/index.htmlالصفحة السابقة

شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام)للتراث و الفكر الإسلامي

 

صفحة 11

(وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) (1) .

وقبلها: (إِنْ تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ) ، أي ولا يخبرك بالأمر مخبر مثل خبير به أخبرك ، وهو الله سبحانه ، فأنّه الخبير به على الحقيقة دون سائر المخبرين ، والمراد به : الإخبار عن حال آلهتهم ونفي ما يدّعون (2) .

وطبّقها الإمام (عليه السّلام) في آخر كلام له على نفسه الشّريفة وأنّه الخبير المخبِر أصحابه وغيرهم من أيّ إنسان غافل بحالات ترد عليهم وما يئول إليه الأمر ، حيث قال (عليه السّلام) : (... فَأَفِقْ أَيُّهَا السَّامِعُ مِنْ سَكْرَتِكَ ... وضَعْ فَخْرَكَ واحْطُطْ كِبْرَكَ ، واذْكُرْ قَبْرَكَ فَإِنَّ عَلَيْهِ مَمَرَّكَ ، وكَمَا تَدِينُ تُدَانُ ، وكَمَا تَزْرَعُ تَحْصُدُ ... فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ أَيُّهَا الْمُسْتَمِعُ والْجِدَّ الْجِدَّ أَيُّهَا الْغَافِلُ : (وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) ) (3) ، ومثل الآية قولهم: (على الخبير سقطت) .

(سأل حارثة بن عبد العزيز العامري مالك بن حني العامري ـ وكانت بينهما منافرة ـ عن أوّل من قرعت له العصا ؟ فقال: (على الخبير سقطت وبالحليم أحطت) وهو أوّل من قاله . ويسأل الحسينُ بن عليّ (عليهما السّلام) الفرزدق عن أهل الكوفة ، فقال: (على الخبير سقطت ، قلوب الناس معك وأسيافهم مع بني أميّة ... والأمر ينزل بعد الأمر من السّماء) ، يضرب للعالم بالأمر ، قال ربيعة الأسدي :

ـــــــــــــــــ

(1) سورة فاطر الآية 14.

(2) تفسير الصافي 2 : 458.

(3) النّهج 9 : 158 الخطبة 153.


صفحة 12

 وسائلةٍ تُسائلُ عن أَبيها = فقلت لها وَقَعْتِ على الخَبيرِ

رأيتُ أَباكِ وقد أَطْلى ومالت = عليه القَشْعَمان مِن النُّسورِ ) (1)

والآية فيها من البلاغة ما لا يملكها المثل السائر .. وكذا سائر آيات الأمثال القرآنية.

ــــــــــــــــــــ

(1) المستقصي 2 : 164 ، والقشعمان: الذّكر منها ، ومثل المثل: على الجازي هبطت . انظر: مجمع الأمثال 2 : 36 حرف العين.


صفحة 13

(وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) (1) .

تمثّل (عليه السّلام) بها في آخر خطبة له في ذمّ أهل العراق:

(أَمَّا بَعْدُ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ فَإِنَّمَا أَنْتُمْ كَالْمَرْأَةِ الْحَامِلِ حَمَلَتْ فَلَمَّا أَتَمَّتْ أَمْلَصَتْ .. ولَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تَقُولُونَ : عَلِيٌّ يَكْذِبُ ! قَاتَلَكُمُ اللَّهُ تَعَالَى ! فَعَلَى مَنْ أَكْذِبُ أَعَلَى اللَّهِ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ ... كَلا واللَّهِ ، لَكِنَّهَا لَهْجَةٌ غِبْتُمْ عَنْهَا ولَمْ تَكُونُوا مِنْ أَهْلِهَا ، وَيْلُ أُمِّهِ (2) كَيْلاً بِغَيْرِ ثَمَنٍ لَو كَانَ لَهُ وِعَاءٌ ، (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ))(3) .

تهديداً لهم بما يصيبهم من بني أمية والحجاج وأضراب هؤلاء من ظلم وتقتيل حيث استحقوا ذلك من جرّاء خلافهم على الإمام (عليه السّلام) ، فضرب لهم مثلاً بالمرأة الحامل وقد تمّ شهورها وأوشكت أن تضع أجهضت نفسها فسقط الجنين ميتاً ، وكذلك حالهم ؛ لعدم استقامتهم على دين الإسلام ، كيف وهم يحملون لإمامهم العداء وفحش القول حتى نسبوا إليه الكذب والبهتان ؟!

يقول (عليه السّلام) لهم : كيف أكون كاذباً وأنا أوّل من آمن بالله والرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ؟! ولكنّكم ـ يا أهل العراق ـ أنتم غبتم عن اللهجة الصادقة وفقدتموها فنسبتم ذلك إليّ ، وإنّما كلتُ لكم المعارف ومكارم الأخلاق كيلاً بلا عوض ، لا أطلب عليها أجراً ، لو كان لها وعاء من صدور نقيّة وقلوب طاهرة ، وستعلمون نبأ كلّ ذلك وجزاء عملكم تجاه ما عانيتُ .. أمر محتّم .

ومن المناسبة الشديدة لما هو عليه (عليه السّلام) ما جاء قبل

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) سورة ص الآية 88.

(2) ذكرناه في الأمثال السائرة.

(3) النهج 6 : 127 ط 70.


صفحة 14

الآية: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ) ، قد شابهت حالةُ الإمامِ النبيَّ (ص) مع القوم تماماً.


صفحة 15

5 ـ (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى) (1) .

تمثّل بها الإمام (عليه السّلام) لمن اعتبر من خلق السماوات والأرض وخشي من الله تعالى في خطبة له بهذا الصدد:

(وكَانَ مِنِ اقْتِدَارِ جَبَرُوتِهِ ، وبَدِيعِ لَطَائِفِ صَنْعَتِهِ ، أَنْ جَعَلَ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ الزَّاخِرِ الْمُتَرَاكِمِ الْمُتَقَاصِفِ يَبَساً جَامِداً ، ثُمَّ فَطَرَ مِنْهُ أَطْبَاقاً فَفَتَقَهَا سَبْعَ سَمَاوَاتٍ بَعْدَ ارْتِتَاقِهَا ... فَسُبْحَانَ مَنْ أَمْسَكَهَا بَعْدَ مَوَجَانِ مِيَاهِهَا وأَجْمَدَهَا بَعْدَ رُطُوبَةِ أَكْنَافِهَا ... (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى) ) (2) .

والآية نزلت في فرعون ومن شاكله في دعواه الباطلة حيث حكى عنه : (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى)(3) .

ومن ذلك يظهر وجه الفرق لمورد الآية وما يقصده الإمام (عليه السّلام) ، ولكنّ الذي يجمع بينهما الناحية المشتركة المسبّبة لخشية المعتبر إذا نظر بعين الاعتبار إلى فرعون وما حلّ به من النكال خاف أن يكون كما كان ، كما أنه لو تفكّر في هذا الصنع العجيب الذي تحار فيه العقول ، وهو إيجاد السماوات والأرض من الماء الذي جعل كلّ شيء حيّ منه ، أتته الخشية الموجبة للقيام بالعبوديّة له تعالى . فالمشار إليه بكلمة (ذَلِكَ) في الآية شيء وفي كلام الإمام (عليه السّلام) شيء ، والجامع بينهما إيراث الخوف والخشية ؛ وهو الغرض من التمثيل بالآية ، كما أنّ الاعتبار بهذا أو بذاك والتفكير فيهما العلة المشتركة في تحقيق

ـــــــــــــــ

(1) سورة النازعات الآية 26.

(2) النهج 11 : 51 ط 204.

(3) سورة النازعات الآية 24 ـ 25.


صفحة 16

الغرض المنشود ، ومن هنا ساغ التمثيل للجميع إذا روعيت العلّة المحقّقة للغرض في ذلك.


صفحة 17

الأمثال السائرة ، وغير السائرة

الموزّعة على أبواب الحروف :

باب الهمزة :

 


صفحة 18


صفحة 19

الهمزة مع الألف :

1 ـ آخرُ الدّواء الكيّ (1) .

تمثّل به (عليه السّلام) في كتاب له جواباً لقوم سألوه عقاب من أجلب على عثمان بعد ما بويع : (يَا إِخْوَتَاهْ إِنِّي لَسْتُ أَجْهَلُ مَا تَعْلَمُونَ ... وسَأُمْسِكُ الأمْرَ مَا اسْتَمْسَكَ ، وإِذَا لَمْ أَجِدْ بُدّاً فَـ "آخِرُ الدَّوَاءِ الْكَيُّ" ) .

(لأنه إنّما يقدم عليه بعد أن لا ينفع كلّ دواء ... أي إذا أعضل وأبى قبول كلّ دواء حُسم بالكيّ) (2) ، وقيل : (آخر الدواء الكيّ) . وردّ أنّه من غلط العامّة إذ الكيّ ليس من الداء ليكون آخره ، قيل : أوّل من قال المثل لقمان بن عاد في قصّة امرأة غازلت رجلاً تزعمه أخاها حتى لقى لقمان زوجها ـ اسمه هانئ ـ يسوق إبله ويقول:

روحي إلى الحيّ فإنّ نفسي = رهينة فيهم بخير عرس

حسّانة المقلة ذات أنس = لا يشتري اليوم لها بأمس

فهتف به لقمان : يا هانئ ! وقال:

يا ذا البجاد (3) الحلكة (4) = والزوجة المشتركة

عشّ رويداً إبلكه = لست لمن ليس لكه

قال هانئ : نور نور لله أبوك ؟ قال لقمان : عليّ التنوير وعليك التغيير ، مررت بها تغازل رجلاً زعمته أخاها . قال : فما الرأي ؟ قال : أن تقلب الظهر

ــــــــــــــــــ

(1) النهج: 9 : 291 ط 169.

(2) المستقصي 1 : 3.

(3) البجاد: الكساء.

(4) الحلك: الأسود.


صفحة 20

بطناً حتى يستبين لك الأمر . قال : أعالجها بكيّة توردها المنيّة . قال: (آخر الدواء الكيّ) ، يضرب فيمن يستعمل في أوّل ما يجب استعماله في آخره وفي إعمال المخاشنة مع العدوّ إذا لم يجدِ معه اللين والمداراة (1) .

صدقت القصّة أم لا فإنّه يساعده الاعتبار.

ـــــــــــــــــ

(1) المستقصي 1 : 53 [نقلٌ بتلخيص] .

 

الصفحة اللاحقةhttp://www.alhassanain.com/arabic/all/maktabeh-aqaed/al-imameh/index.htmlالصفحة السابقة