الصفحة اللاحقةhttp://www.alhassanain.com/arabic/all/maktabeh-aqaed/al-imameh/index.htmlالصفحة السابقة

شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام)للتراث و الفكر الإسلامي

 

صفحة 161

الواو مَعَ الحاء

57 ـ وَحَسبُكَ دَاءً أَن تَبيتَ بِبِطْنَةٍ = وَحَولُكَ أكبادٌ تَحِنُّ إِلى القِدِّ (1) .

من أبيات منسوبة‌ إلى حاتم الطائي تمثّل به الإمام (عليه السّلام) في كتاب له إلى عثمان بن حنيف عامله على البصرة عندما بلغه أنّه دعى إلى مأدبة فأجاب إليها .

وفي لفظ المعتزلي بدل (وحسبك) (كفى بك عاراً أن تبيت ببطنة).

وأوّلها:

أَيا اِبنَةَ عَبدِ اللَهِ وَاِبنَةَ مالِكٍ  =  وَيا اِبنَةَ ذي الجدين وَالفَرَسِ الوَردِ

إِذا ما صَنَعتِ الزادِ فَاِلتَمِسي لَهُ  =  أَكيلاً فَإِنّي لَستُ آكِلَهُ وَحدي

قصّياً بعيداً أو قريباً فإنّني  =  أخاف مذ مات الأحاديث من بعدي

كفى بك عاراً دَاءً أَن تَبيتَ بِبِطْنَةٍ = وَحَولُكَ أكبادٌ تَحِنُّ إِلى القِدِّ

وَإِنّي لَعَبدُ الضَيفِ ما دامَ نازلاً  =  وَما من خلالي غيرها من شيمَةِ العَبدِ (2)

ليس أمير المؤمنين (عليه السّلام) ليحذّر الناس عن شيء وهو يأتي به ككثير من الوعّاظ والآمرين بالمعروف منهم ، ويأمر بشيء ويتركه ، فإذا هو يندّد عن البطنة بقوله :

(وَحَسبُكَ دَاءً أَن تَبيتَ بِبِطْنَةٍ = وَحَولُكَ أكبادٌ تَحِنُّ إِلى القِدِّ)

لم تكن صفته ذلك . يقول (عليه السّلام) :

(أَوأَبِيتَ مِبْطَاناً وحَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى وأَكْبَادٌ حَرَّى ؟!) .

كان (عليه السّلام) يطوى الليل طوياً بالبكاء والعبادة لله تعالى وغشْيَته من خشية الله (عزّ وجلّ) في الليالي في حديقة بني النجار . وقوله (عليه السّلام): (آهِ آهِ مِنْ قِلَّةِ الزَّادِ وبُعْدِ السَّفَرِ ... ) معروفة . وهو

ـــــــــــــــــ

(1) النهج 16 : 286 ، 28/ك.

(2) شرح النهج 16 : 288.


صفحة 162

القائل في نفس الخطبة المعنيّة : (وإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ ، ومِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ) أي قرصان يفطر عليهما لا ثالث لهما . والطمر : الثوب الخلق البالي من إزار ورداء يستر بهما جسده الشريف . أيا مَنْ نصبتَ نفسك رأساً على الناس انظر إلى إمام الرؤساء ! إلى لبسته وطعمته ، إلى محبّته وشفقته ، إلى زهده وعبادته.


صفحة 163

الواو مَعَ الدّال

58 ـ وَدَعْ عَنْكَ نَهْباً صيحَ في حُجَراتِهِ (1) .

من كلام له (عليه السّلام) لبعض أصحابه وقد سأله كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحقّ به ؟! فقال (عليه السّلام):

(يَا أَخَا بَنِي أَسَدٍ ، إِنَّكَ لَقَلِقُ الْوَضِينِ ، تُرْسِلُ فِي غَيْرِ سَدَدٍ . ولَكَ بَعْدُ ذِمَامَةُ الصِّهْرِ وحَقُّ الْمَسْأَلَةِ ، وقَدِ اسْتَعْلَمْتَ فَاعْلَمْ :

أَمَّا الِاسْتِبْدَادُ عَلَيْنَا بِهَذَا الْمَقَامِ ونَحْنُ الأعْلَوْنَ نَسَباً والأشَدُّونَ بِالرَّسُولِ (صلَّى الله عليه وآله) نَوْطاً ، فَإِنَّهَا كَانَتْ أَثَرَةً شَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ وسَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ آخَرِينَ والْحَكَمُ اللَّهُ والْمَعْوَدُ إِلَيْهِ الْقِيَامَةُ .

ودَعْ عَنْكَ نَهْباً صِيحَ فِي حَجَرَاتِهِ  = ولَكِنْ حَدِيثاً مَا حَدِيثُ الرَّوَاحِلِ)

قال المعتزلي :

(وأمّا البيت ، فهو لامرئ القيس بن حجر الكندي . ورُوى أنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) لم يستشهد إلاّ بصدره فقط وأتمّه الرواة) (2) .

(قيل : إنّ امرئ القيس امتدح بالبيت جارية بن مرّ الثعلي بعد أن تحوّل إليه من جوار خالد بن سدوس النهباني . في حينها نهب بعض بني جديلة إبل امرئ القيس ، وأراد أن يسترجعها منهم خالد وهو على رواحل امرئ القيس فنهبوها أيضاً) (3) .

أقول :

ظاهر كلامه (عليه السّلام) : (ولَكَ بَعْدُ ذِمَامَةُ الصِّهْرِ) أنّ السائل من بني أسد ، وكانت مصاهرة منه (عليه السّلام) معهم . فما أنكره

ـــــــــــــــــــ

(1) النهج 9 : 241 ، 163/كلام.

(2) شرح النهج 9 : 243.

(3) رسالة الإسلام 124 (عدد 7 ـ 8).


صفحة 164

المعتزلي ـ ردّاً على القطب الراوندي ـ في غير محلّه ، فراجع (1).

يريد (عليه السّلام) من التمثل بالبيت المذكور : أنّ نهب هؤلاء القوم لحقوقنا الثابتة كنهب الآبال مع أنّ الناهب راكب على رواحل منهوبة ، وحال القوم كذلك !! قد غصبوا حقّ الخلافة وبعدها يعاملون معه (عليه السّلام) من لا حقّ له مذكور في الدهور . ولا غرو في ذلك فإنّ شأن الدّهر ذلك.

ــــــــــــــــ

(1) شرح النهج 9 : 242.


صفحة 165

الواو مَعَ القاف

59 ـ وَقَدْ يَستَفيدُ الظِنَّةَ المتَنَصِّحُ (1) .

تمثّل به (عليه السّلام) في أثناء جوابه لكتاب معاوية :

(ومَا كُنْتُ لِأَعْتَذِرَ مِنْ أَنِّي كُنْتُ أَنْقِمُ عَلَيْهِ أَحْدَاثاً . فَإِنْ كَانَ الذَّنْبُ إِلَيْهِ إِرْشَادِي وهِدَايَتِي لَهُ ، فَرُبَّ مَلُومٍ لا ذَنْبَ لَهُ .

........................  =  "وقَدْ يَسْتَفِيدُ الظِّنَّةَ الْمُتَنَصِّحُ") .

وهذه الفقرة ذكرناها عند المثل: (رُبَّ مَلُومٍ لا ذَنْبَ لَهُ) والإعادة لأجل ربط المثل الجاري ، وهو من (الطويل) .

قال بعض : صدره: (وكم سقتُ في آثاركم من نصيحةٍ) . والظّنة : التهمة . والمتنصّح : المبالغ في النصح لمن لا ينتصَّح . وربما كان مأخوذاً من قولهم : (سقطتَ من النصيحةِ‌‍ على الظَّنَّةَ) (2) ومعناها : أنّ المتنصّح قد تأتيه التهمة بسبب إخلاصه النصيحة‌ إلى من لا ينتصح بها (3).

أقول :

لقد قضى الناصح ما عليه من أداء رسالته ، ويكون السامع مخاطباً بقوله تعالى: (وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لاَ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) (4).

وقد جاء في "الأمثال النبويّة" : (إنّ الدّين النصيحة) بتمام معنى الكلمة . من نصح قوليّ وعمليّ للخالق (عزّ وجلّ) والخَلق وأمير المؤمنين (عليه السّلام) نصح الخلائق ، سواء كانوا في زمانه أو الأزمنة المتأخّرة إلى يوم القيامة ، ببلوغ كتابه الذي بعد كلام الخالق تعالى وفوق كلام المخلوق . وليس هو

ــــــــــــــــ

(1) النهج 15 : 183 ، 28/ك.

(2) المستقصي 3 : 119.

(3) رسالة الإسلام 125 (عدد 7 ـ 8).

(4) سورة الأعراف الآية 79.


صفحة 166

إلاّ شرحاً وتفسيراً له .

ثم التعبير باستفادة الظّنة ، وهي التهمة ، لأجل حصولها في سبيل الله تعالى . فكلّ ما أتى المؤمن في طريق أداء الرسالة عدّ من الفوائد وإن كان بظاهره من نوع الأذى والأمر المكروه ، ويتحقّق فيه قوله تعالى : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)(1) . وعليه ، فلا وجه لحمله على المجاز أو التهكّم .. وقد شرحنا باقي الفقرة فيما تقدّم فراجع (2) .

ـــــــــــــــــ

(1) سورة البقرة الآية 216.

(2) تحت رقم : المثل 11 ، ص 45 .


صفحة 167

الواو مَعَ الياء

60 ـ وَيْلَ أُمِّهِ (1) .

هذه الكلمة استعملها الإمام (عليه السّلام) في كلام له (عليه السّلام) في ذمّ أهل العراق ، أوّله:

(أَمَّا بَعْدُ ، يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ ... ولَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تَقُولُونَ عَلِيٌّ يَكْذِبُ ! قَاتَلَكُمُ اللَّهُ تَعَالَى !! فَعَلَى مَنْ أَكْذِبُ أَعَلَى اللَّهِ ؟! فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ . أَمْ عَلَى نَبِيِّهِ ؟! فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَهُ . كَلا واللَّهِ ، لَكِنَّهَا لَهْجَةٌ غِبْتُمْ عَنْهَا ولَمْ تَكُونُوا مِنْ أَهْلِهَا . "وَيْلُ أُمِّهِ" كَيْلاً بِغَيْرِ ثَمَنٍ لَو كَانَ لَهُ وِعَاءٌ .. ولَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) .

إنّما أثبتنا أكثر كلامه (عليه السّلام) لربط الكلمة به.

قال المعتزلي في شرحها: (وَيْلُُمِّه : الضمير راجع إلى ما دلّ عليه معنى الكلام من العلم ؛ لأنّه لمّا ذكر اللهجة وشهوده إيّاها وغيبوبتهم عنها دلّ ذلك على علم له خصّه به الرسول (عليه السّلام) ، فقال: (ويلمّه) ، وهذه الكلمة تقال للتعجّب والاستعظام ، يقال : (ويلمّه فارساً) ، وتكتب موصولة كما هي بهذه الصورة ، وأصله (وَيْلُ أُمِّهِ) مرادهم التعظيم والمدح وإن كان اللفظ موضوعاً لضدّ ذلك كقوله (عليه الصلاة والسلام) : (فاظْفَرْ بذاتِ الدِّين ترُبَتْ يدُاك) (2) ، وكقولهم لرجل يصفونه ويفرّطونه: (لا أباً له) (3) .

جاءت كلمة (ويل أمّه) في قصّة جذيمة مع الزباء ومولاه قصير ، أشرنا (4) إلى إجمالها عند المثل (لو كان يطاع لقصير أمر) ، وفيها أنْ نَصَحَ قصير

ـــــــــــــــــ

(1) النهج 6 : 127 ، 70/ك.

(2) أثبتناه في حرف التاء من الأمثال النبويّة.

(3) شرح النهج 6 : 133.

(4) راجع : ص 120 .


صفحة 168

جذيمة فلقيته الخيول والكتائب فحالت بينه وبين العصا (والعصا فرس جذيمة) فركبها قصير ونظر إليه جذيمة على متن العصا مولِّياً ، قال: (ويل أمّه حزماً على متن العصا) فذهبت مثلاً ... (1) والقصّة طويلة اختصرناها لموضع المثل.

ـــــــــــــــــ

(1) مجمع الأمثال 1 : 234 حرف الخاء .


صفحة 169


صفحة 170

 

الصفحة اللاحقةالصفحة السابقة