صفحة 161 الواو مَعَ الحاء 57 ـ وَحَسبُكَ دَاءً أَن تَبيتَ بِبِطْنَةٍ = وَحَولُكَ أكبادٌ تَحِنُّ إِلى القِدِّ (1) . من أبيات منسوبة إلى حاتم الطائي تمثّل به الإمام (عليه السّلام) في كتاب له إلى عثمان بن حنيف عامله على البصرة عندما بلغه أنّه دعى إلى مأدبة فأجاب إليها . وفي لفظ المعتزلي بدل (وحسبك) (كفى بك عاراً أن تبيت ببطنة). وأوّلها: أَيا اِبنَةَ عَبدِ اللَهِ وَاِبنَةَ مالِكٍ = وَيا اِبنَةَ ذي الجدين وَالفَرَسِ الوَردِ إِذا ما صَنَعتِ الزادِ فَاِلتَمِسي لَهُ = أَكيلاً فَإِنّي لَستُ آكِلَهُ وَحدي قصّياً بعيداً أو قريباً فإنّني = أخاف مذ مات الأحاديث من بعدي كفى بك عاراً دَاءً أَن تَبيتَ بِبِطْنَةٍ = وَحَولُكَ أكبادٌ تَحِنُّ إِلى القِدِّ وَإِنّي لَعَبدُ الضَيفِ ما دامَ نازلاً = وَما من خلالي غيرها من شيمَةِ العَبدِ (2) ليس أمير المؤمنين (عليه السّلام) ليحذّر الناس عن شيء وهو يأتي به ككثير من الوعّاظ والآمرين بالمعروف منهم ، ويأمر بشيء ويتركه ، فإذا هو يندّد عن البطنة بقوله : (وَحَسبُكَ دَاءً أَن تَبيتَ بِبِطْنَةٍ = وَحَولُكَ أكبادٌ تَحِنُّ إِلى القِدِّ) لم تكن صفته ذلك . يقول (عليه السّلام) : (أَوأَبِيتَ مِبْطَاناً وحَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى وأَكْبَادٌ حَرَّى ؟!) . كان (عليه السّلام) يطوى الليل طوياً بالبكاء والعبادة لله تعالى وغشْيَته من خشية الله (عزّ وجلّ) في الليالي في حديقة بني النجار . وقوله (عليه السّلام): (آهِ آهِ مِنْ قِلَّةِ الزَّادِ وبُعْدِ السَّفَرِ ... ) معروفة . وهو ـــــــــــــــــ (1) النهج 16 : 286 ، 28/ك. (2) شرح النهج 16 : 288. صفحة 162 القائل في نفس الخطبة المعنيّة : (وإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ ، ومِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ) أي قرصان يفطر عليهما لا ثالث لهما . والطمر : الثوب الخلق البالي من إزار ورداء يستر بهما جسده الشريف . أيا مَنْ نصبتَ نفسك رأساً على الناس انظر إلى إمام الرؤساء ! إلى لبسته وطعمته ، إلى محبّته وشفقته ، إلى زهده وعبادته. صفحة 163 الواو مَعَ الدّال 58 ـ وَدَعْ عَنْكَ نَهْباً صيحَ في حُجَراتِهِ (1) . من كلام له (عليه السّلام) لبعض أصحابه وقد سأله كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحقّ به ؟! فقال (عليه السّلام): (يَا أَخَا بَنِي أَسَدٍ ، إِنَّكَ لَقَلِقُ الْوَضِينِ ، تُرْسِلُ فِي غَيْرِ سَدَدٍ . ولَكَ بَعْدُ ذِمَامَةُ الصِّهْرِ وحَقُّ الْمَسْأَلَةِ ، وقَدِ اسْتَعْلَمْتَ فَاعْلَمْ : أَمَّا الِاسْتِبْدَادُ عَلَيْنَا بِهَذَا الْمَقَامِ ونَحْنُ الأعْلَوْنَ نَسَباً والأشَدُّونَ بِالرَّسُولِ (صلَّى الله عليه وآله) نَوْطاً ، فَإِنَّهَا كَانَتْ أَثَرَةً شَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ وسَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ آخَرِينَ والْحَكَمُ اللَّهُ والْمَعْوَدُ إِلَيْهِ الْقِيَامَةُ . ودَعْ عَنْكَ نَهْباً صِيحَ فِي حَجَرَاتِهِ = ولَكِنْ حَدِيثاً مَا حَدِيثُ الرَّوَاحِلِ) قال المعتزلي : (وأمّا البيت ، فهو لامرئ القيس بن حجر الكندي . ورُوى أنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) لم يستشهد إلاّ بصدره فقط وأتمّه الرواة) (2) . (قيل : إنّ امرئ القيس امتدح بالبيت جارية بن مرّ الثعلي بعد أن تحوّل إليه من جوار خالد بن سدوس النهباني . في حينها نهب بعض بني جديلة إبل امرئ القيس ، وأراد أن يسترجعها منهم خالد وهو على رواحل امرئ القيس فنهبوها أيضاً) (3) . أقول : ظاهر كلامه (عليه السّلام) : (ولَكَ بَعْدُ ذِمَامَةُ الصِّهْرِ) أنّ السائل من بني أسد ، وكانت مصاهرة منه (عليه السّلام) معهم . فما أنكره ـــــــــــــــــــ (1) النهج 9 : 241 ، 163/كلام. (2) شرح النهج 9 : 243. (3) رسالة الإسلام 124 (عدد 7 ـ 8). صفحة 164 المعتزلي ـ ردّاً على القطب الراوندي ـ في غير محلّه ، فراجع (1). يريد (عليه السّلام) من التمثل بالبيت المذكور : أنّ نهب هؤلاء القوم لحقوقنا الثابتة كنهب الآبال مع أنّ الناهب راكب على رواحل منهوبة ، وحال القوم كذلك !! قد غصبوا حقّ الخلافة وبعدها يعاملون معه (عليه السّلام) من لا حقّ له مذكور في الدهور . ولا غرو في ذلك فإنّ شأن الدّهر ذلك. ــــــــــــــــ (1) شرح النهج 9 : 242. صفحة 165 الواو مَعَ القاف 59 ـ وَقَدْ يَستَفيدُ الظِنَّةَ المتَنَصِّحُ (1) . تمثّل به (عليه السّلام) في أثناء جوابه لكتاب معاوية : (ومَا كُنْتُ لِأَعْتَذِرَ مِنْ أَنِّي كُنْتُ أَنْقِمُ عَلَيْهِ أَحْدَاثاً . فَإِنْ كَانَ الذَّنْبُ إِلَيْهِ إِرْشَادِي وهِدَايَتِي لَهُ ، فَرُبَّ مَلُومٍ لا ذَنْبَ لَهُ . ........................ = "وقَدْ يَسْتَفِيدُ الظِّنَّةَ الْمُتَنَصِّحُ") . وهذه الفقرة ذكرناها عند المثل: (رُبَّ مَلُومٍ لا ذَنْبَ لَهُ) والإعادة لأجل ربط المثل الجاري ، وهو من (الطويل) . قال بعض : صدره: (وكم سقتُ في آثاركم من نصيحةٍ) . والظّنة : التهمة . والمتنصّح : المبالغ في النصح لمن لا ينتصَّح . وربما كان مأخوذاً من قولهم : (سقطتَ من النصيحةِ على الظَّنَّةَ) (2) ومعناها : أنّ المتنصّح قد تأتيه التهمة بسبب إخلاصه النصيحة إلى من لا ينتصح بها (3). أقول : لقد قضى الناصح ما عليه من أداء رسالته ، ويكون السامع مخاطباً بقوله تعالى: (وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لاَ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) (4). وقد جاء في "الأمثال النبويّة" : (إنّ الدّين النصيحة) بتمام معنى الكلمة . من نصح قوليّ وعمليّ للخالق (عزّ وجلّ) والخَلق وأمير المؤمنين (عليه السّلام) نصح الخلائق ، سواء كانوا في زمانه أو الأزمنة المتأخّرة إلى يوم القيامة ، ببلوغ كتابه الذي بعد كلام الخالق تعالى وفوق كلام المخلوق . وليس هو ــــــــــــــــ (1) النهج 15 : 183 ، 28/ك. (2) المستقصي 3 : 119. (3) رسالة الإسلام 125 (عدد 7 ـ 8). (4) سورة الأعراف الآية 79. صفحة 166 إلاّ شرحاً وتفسيراً له . ثم التعبير باستفادة الظّنة ، وهي التهمة ، لأجل حصولها في سبيل الله تعالى . فكلّ ما أتى المؤمن في طريق أداء الرسالة عدّ من الفوائد وإن كان بظاهره من نوع الأذى والأمر المكروه ، ويتحقّق فيه قوله تعالى : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)(1) . وعليه ، فلا وجه لحمله على المجاز أو التهكّم .. وقد شرحنا باقي الفقرة فيما تقدّم فراجع (2) . ـــــــــــــــــ (1) سورة البقرة الآية 216. (2) تحت رقم : المثل 11 ، ص 45 . صفحة 167 الواو مَعَ الياء 60 ـ وَيْلَ أُمِّهِ (1) . هذه الكلمة استعملها الإمام (عليه السّلام) في كلام له (عليه السّلام) في ذمّ أهل العراق ، أوّله: (أَمَّا بَعْدُ ، يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ ... ولَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تَقُولُونَ عَلِيٌّ يَكْذِبُ ! قَاتَلَكُمُ اللَّهُ تَعَالَى !! فَعَلَى مَنْ أَكْذِبُ أَعَلَى اللَّهِ ؟! فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ . أَمْ عَلَى نَبِيِّهِ ؟! فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَهُ . كَلا واللَّهِ ، لَكِنَّهَا لَهْجَةٌ غِبْتُمْ عَنْهَا ولَمْ تَكُونُوا مِنْ أَهْلِهَا . "وَيْلُ أُمِّهِ" كَيْلاً بِغَيْرِ ثَمَنٍ لَو كَانَ لَهُ وِعَاءٌ .. ولَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) . إنّما أثبتنا أكثر كلامه (عليه السّلام) لربط الكلمة به. قال المعتزلي في شرحها: (وَيْلُُمِّه : الضمير راجع إلى ما دلّ عليه معنى الكلام من العلم ؛ لأنّه لمّا ذكر اللهجة وشهوده إيّاها وغيبوبتهم عنها دلّ ذلك على علم له خصّه به الرسول (عليه السّلام) ، فقال: (ويلمّه) ، وهذه الكلمة تقال للتعجّب والاستعظام ، يقال : (ويلمّه فارساً) ، وتكتب موصولة كما هي بهذه الصورة ، وأصله (وَيْلُ أُمِّهِ) مرادهم التعظيم والمدح وإن كان اللفظ موضوعاً لضدّ ذلك كقوله (عليه الصلاة والسلام) : (فاظْفَرْ بذاتِ الدِّين ترُبَتْ يدُاك) (2) ، وكقولهم لرجل يصفونه ويفرّطونه: (لا أباً له) (3) . جاءت كلمة (ويل أمّه) في قصّة جذيمة مع الزباء ومولاه قصير ، أشرنا (4) إلى إجمالها عند المثل (لو كان يطاع لقصير أمر) ، وفيها أنْ نَصَحَ قصير ـــــــــــــــــ (1) النهج 6 : 127 ، 70/ك. (2) أثبتناه في حرف التاء من الأمثال النبويّة. (3) شرح النهج 6 : 133. (4) راجع : ص 120 . صفحة 168 جذيمة فلقيته الخيول والكتائب فحالت بينه وبين العصا (والعصا فرس جذيمة) فركبها قصير ونظر إليه جذيمة على متن العصا مولِّياً ، قال: (ويل أمّه حزماً على متن العصا) فذهبت مثلاً ... (1) والقصّة طويلة اختصرناها لموضع المثل. ـــــــــــــــــ (1) مجمع الأمثال 1 : 234 حرف الخاء . صفحة 169 صفحة 170 |