في نهج البلاغة محمّد الغروي
الطبعة الأولى حقوق الطبع محفوظة للمؤلّف 1401هـ الناشر انتشارات فيروزآبادي قم
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمد خاتم النبيّين ، ووصيّه عليّ أمير المؤمنين ، وآلهما المعصومين. سبقت دراسة موضوعيّة منّا حول الأمثال المرويّة عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، ونحن إذ ندرس (الأمثال في نهج البلاغة) نخصّص الموضوع هنا من معطياتها السائرة ونترك التفصيل إلى كتاب (الأمثال العلويّة).
شهر رمضان المبارك/ 1400هـ . قم المقدسة محمد الغروي الأمثالُ تنقسم الأمثال إلى : ـ مثل : سائر . ـ ومثل : قياسي . والسائر : ما قالته العرب في مناسبات ثم جرى على الألسن يتمثّل به إذا وجد شيء يشارك تلك المناسبات . والقياسي : هو تصوير يخلقه المصوّر لتوضيح فكرة عن طريق تشبيه يسمّيه البلاغيّون (التمثيل المركب) ، أو إبداع يجمع بذلك بين جمال التصوير وما ينشده المتمثّل من أغراض. بوسعنا أن نصنّف الأمثال في نهج البلاغة إلى : ـ قرآنيّة ، وسائرة ، وقياسيّة . وإلى : ـ نثريّة وشعريّة . وإلى : ـ جاهليّة وإسلاميّة ومخضرمة . ... وإلى سواها من صنوف . فوائد الأمثال قد استوفينا الكثير منها في مقدّمة (الأمثال النبويّة) و(البصائر) ، وكذلك تعاريف القوم لها فلا نعيد . ثم الكتب المؤلّفة في (الأمثال العلويّة) و(الأمثال في نهج البلاغة) منها كما يلي: 100 حكمة ومثل ، غرر الحكم ودرر الكلم للآمدي ، حكم ابن دريد ، أمثال منسوبة إلى الجاحظ ، حكم الإمام علي (مجلة المشرق/ ج 5/ بيروت) ، شذرات الأدب للشيخ الرئيس ، نثر اللآلئ (مجموعة ثانية من فلايشر) ، كلمات علي بن أبي طالب شرح الشيخ محمد عبده ، أقوال أمير المؤمنين ـ علي بخاري ، صد كلمة مولاي متقيان ترجمة روليم يول إلى الإنجليزية ، ألف كلمة مجردة من شرح ابن أبي الحديد على نهج البلاغة ... وبغية الوقوف على مخطوطات ومطبوعات هذه المؤلفات يرجع إلى الجزء الأول من (تاريخ الأدب العربي) تأليف بروكلمان تحت عنوان (أمثال سيدنا علي) كما في رسالة الإسلام عدد 7 ـ 8 (1388هـ) الأزهر 1968م. صفحة 5 في كلام الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) آيات قرآنيّة مثليّة من نوع ما اصطلح عليه بـ (الأمثال المكنيّة) ، توفّرتْ فيها الشروط التي وضعها أرسطو لتحديد (المثل) من الإيجاز ، وإصابة الغرض وغيرهما من شروط (1) ، وقد وُجد في كلامه (عليه السّلام) نيف وعشرون موضعاً تمثّل بآية قرآنية ومزَجها مزجاً متناسباً بين أبعاضه إذا نظر من لا يعلم الوحي يحسبها منه ، فانظر إلى قوله (عليه السّلام): (... فَإِنْ تَرْتَفِعْ عَنَّا وعَنْهُمْ مِحَنُ الْبَلْوَى احْمِلْهُمْ مِنَ الْحَقِّ عَلَى مَحْضِهِ وإِنْ تَكُنِ الأُخْرَى (فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)(2))(3) . وهكذا في كلام أهل البيت (عليهم السّلام): (وما عشت أراك الدهر عجباً ، (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ) (4) ليت شعري إلى أيّ إسناد استندوا ، وعلى أيّ عماد اعتمدوا ... (لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) (5) و(بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) (6) ) (7) . وفي ذلك بلاغ وأداء للرسالة ، وإلفات للأنظار أنّ القرآن الكريم هو المصدر لكلّ بيان وشاهد صدق عليه ، (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً)(8) وأنه أحسن الحديث ، (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً) (9) . ــــــــــــــــ (1) رسالة الإسلام 113 عدد (7 ـ 8). (2) سورة فاطر الآية 8. (3) النهج 9 : 241 ط 163. (4) سورة الرعد الآية 5. (5) سورة الحج الآية 13. (6) سورة الكهف الآية 50. (7) الاحتجاج 1 : 148 من خطبة الزهراء (عليها السّلام). (8) سورة النساء الآية122. (9) سورة الزمر الآية 23. صفحة 6 ونحن نذكر خمس آيات من نيف وعشرون مقتصرين على بيان بعض وجهات النظر منها وبعدها نأتي على نبذة من أمثال سائرة ، وغير سائرة ، إن شاء الله تعالى. صفحة 7 1 ـ (عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ) (1) . وقبلها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ). ختم الإمام علي (عليه السّلام) بها خطبة له أوّلها : (لا يَشْغَلُهُ شَأْنٌ ولا يُغَيِّرُهُ زَمَانٌ ... ولَو أَنَّ النَّاسَ حِينَ تَنْزِلُ بِهِمُ النِّقَمُ وتَزُولُ عَنْهُمُ النِّعَمُ فَزِعُوا إِلَى رَبِّهِمْ بِصِدْقٍ مِنْ نِيَّاتِهِمْ ووَلَهٍ مِنْ قُلُوبِهِمْ لَرَدَّ عَلَيْهِمْ كُلَّ شَارِدٍ ، وأَصْلَحَ لَهُمْ كُلَّ فَاسِدٍ ... ولَئِنْ رُدَّ عَلَيْكُمْ أَمْرُكُمْ إِنَّكُمْ لَسُعَدَاءُ ومَا عَلَيَّ إِلاَّ الْجُهْدُ ولَو أَشَاءُ أَنْ أَقُولَ لَقُلْتُ : (عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ) )(2). تمثّل بالآية (عليه السّلام) الدالّة على سعة عفوه تعالى عما يزاوله الناس من ظلم أنفسهم ومعصيته على ما صدر من أصحابه من خلاف عليه إن عادوا عن غيّهم فإنّ الله عفّو عما سلف من ذلك ، وأنّ العباد إذا تابوا لردّ عليهم كلّ ما فات منهم ولسعدوا برجوعهم إلى الله تعالى ، وكذلك أصحابه يشير إلى عفوه (عليه السّلام) عما سلف منهم لأنّ عفوه من عفو الله تعالى. زعم بعض أنّه (عليه السّلام) يريد العفو عمّن منعه الخلافة بتمثّله بالآية (3) ، وهو مردود ؛ لأنّ الخلافة منصب إلهيّ ليس من قبيل الحق ـــــــــــــــــ (1) سورة المائدة: الآية 95. (2) النهج 10 : 58 ـ 61 ـ ط 179. (3) المصدر. صفحة 8 القابل للإسقاط والعفو ، بل من نوع الحكم غير القابل لذلك . على أنّ العفو عما سلف له شرط هو عدم الإصرار على العصيان وعدم العود إليه ، لقوله تعالى: (وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ)(1) (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ)(2) (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ)(3) إذ مع الإصرار لم ينفع الاستغفار ، ولا وجه له شرعاً وعقلاً ، ومن المعلوم أنّ غصب الخلافة قد كان من أشدّ التعمّد من غير ندم منهم . ــــــــــــــــ (1) سورة المائدة الآية 95. (2) سورة الأنفال الآية 38. (3) سورة البقرة الآية 275. صفحة 9 2ـ (وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) (1) . وقبلها: (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ) , نزلت في قوم لوط لأجل عمل اللواط ، أمطرت عليهم حجارة سجّيل ، وهو طين متحجّر ، معرّب من : (سنگ گل) عذاب كلّ لائط ، بل كلّ ظالم هو معرض حجر يسقط عليه من ساعة إلى ساعة (2) . تمثّل بها الإمام (عليه السّلام) وطبّقها على معاوية وعشيرته من أخيه وخاله وجدّه وأبيه ومن حذا حذوه في كتاب له ، وهو من محاسن الكتب جواباً لكتاب لمعاوية : (... وأَنَا مُرْقِلٌ نَحْوَكَ فِي جَحْفَلٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ والأنْصَارِ والتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ ، شَدِيدٍ زِحَامُهُمْ ، سَاطِعٍ قَتَامُهُمْ ، مُتَسَرْبِلِينَ سَرَابِيلَ الْمَوْتِ ، أَحَبُّ اللِّقَاءِ إِلَيْهِمْ لِقَاءُ رَبِّهِمْ ، وقَدْ صَحِبَتْهُمْ ذُرِّيَّةٌ بَدْرِيَّةٌ وسُيُوفٌ هَاشِمِيَّةٌ ، قَدْ عَرَفْتَ مَوَاقِعَ نِصَالِهَا فِي أَخِيكَ وخَالِكَ وجَدِّكَ وأَهْلِكَ (وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) ) (3) . ومعاوية رأس الظلم والطغيان وكذا كلّ من ينتسب إليه . والإمام (عليه السّلام) إذ تمثّل بالآية لهؤلاء الظالمين ، معاوية وأذنابه ، أعاد الضمير فيها ـ أي ضمير و(هِيَ) ـ إلى السيوف الهاشميّة المذكورة في كلامه (عليه السّلام) وفي الآية عائدة إلى الحجارة وهي مضرب التمثيل الذي يقصده ، فإرجاع الضمير وإن كان في الآية إلى الحجارة ــــــــــــــــــ (1) سورة هود الآية 83. (2) تفسير الصافي 1 : 805. (3) النهج: 15 : 181 ـ 184 ك 28. صفحة 10 وفي كلامه (عليه السّلام) إلى السيوف الهاشميّة ، لكن يشترك فيهما كلّ ظالم مهما كان نوعه ، وهما عذاب ونقمة للظالمين بأسرهم ، ولَكَ أن تتمثّل بالآية في غير الحجارة والسيف إذا أصبتَ ما تقصده ، شأن المثل أينما حلّ ونزل ، مع رعاية الناحية المشتركة بين أموره وما من أجله مثّل.
|