فهرس الكتاب

مكتبة الإمام أميرالمؤمنين (ع)

 

 

الخليفة في الاسلام

وأما هو " أبو بكر " في الاسلام فلم نعهد له نبوغ في علم، أو تقدم في جهاد ، أو تبرز في الأخلاق، أو تهالك في العبادة، أو ثبات علي مبدء .

 

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تفسير الشوكاني 2: 71.

 

/ صفحة 103 /

أما نبوغه في علم التفسير فلم يؤثر عنه في هذا العلم شئ يحفل به، فدونك كتب التفسير والحديث فلا تكاد تجد فيها عنه ما يروى غلة صاد، أو ينجع طلبة طالب.

 نعم: يروى عنه أنه شارك صاحبه - عمر بن الخطاب - في عدم المعرفة لمعنى الأب(1) الذي عرفه كل عربي صميم حتى أعراب البادية، وليس من البدع أن يعرفه حتى الساقة من الناس فإنه لا يعدوه أن يكون لدة بقية الكلمات العربية التي لا تزال العرب تلهج بها في كل حل ومرتحل، ولا هو الدخيل(2) حتى يعذر فيه الجاهل به ، ولا من شواذ الكلم التي قلما تتعاطاه الجامعة العربية حتى يشذ عرفانه عن بعضهم .

 وإن تعجب فعجب إعتذار من جنح إليه(3) بأنه كان يلتزم الحايطة في تفسير القرآن، ولذلك تورع عن الافاضة في معنى الأب لكن عرف من عرف أن الحايطة إنما تجب في بيان مغازي القرآن الكريم وتعيين إرادته، وتبيين مجمله، وتأويل متشابهه ، وما يجري مجرى ذلك مما يحظر في الدين التسرع إليه من دون تثبت وتوقيف، وأما معاني ألفاظه العربية للعريق في لغة الضاد فأي حائطة تضرب على يده عن أن يفهمها و هو يعرفها بطبعه وجبلته .

 وهب أن الرجل لم يحط خبرا بلغة قومه فهلا تروى في الذكر الحكيم في ذيل الآية الكريمة من قوله سبحانه: متاعا لكم ولأنعامكم.

 بيانا للفاكهة والأب ؟ ليعلم أنه سبحانه وتعالى امتن على الناس بالفاكهة ليأكلوها، وبالأب لترعاه أنعامهم، فتلك فاكهة، وهذا العشب.

 أخرج أبو القاسم البغوي عن ابن أبي مليكه قال: سئل أبو بكر عن آية فقال: أي أرض تسعني ؟ أو أي سماء تظلني ؟ إذا قلت في كتاب الله ما لم يرد الله ؟ وأخرج أبو عبيدة عن إبراهيم التيمي قال: سئل أبو بكر عن قوله تعالى

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في قوله تعالى في سورة عبس: فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا .

 (2) أما ما زعمه ابن حجر في فتح الباري من أن الكلمة من الدخيل ولذلك لم يعرفها الخليفتان فقد مر الجواب عنه في الجزء السادس ص 100 ط 2 .

 (3) نظراء القرطبي والسيوطي.

 

/ صفحة 104 /

(وفاكهة وأبا) ؟ فقال: أي سماء تظلني ؟ أو أي أرض تقلني ؟ إن قلت في كتاب الله ما لا أعلم ؟ .

 وفي لفظ القرطبي: أي سماء تظلني ؟ وأي أرض تقلني، وأين أذهب ؟ وكيف أصنع ؟ إذا قلت في حرف من كتاب الله بغير ما أراد تبارك وتعالى .

 ذكره القرطبي في تفسيره 1 ص 29، ابن تيمية في مقدمة أصول التفسير ص 30 ، الزمخشري في الكشاف 3 ص 253، ابن كثير في تفسيره 1 ص 5 وصححه في ص 6 ، ابن القيم في أعلام الموقعين ص 29 وصححه، الخازن في تفسيره 4 ص 374، النسفي في تفسيره هامش الرازي 8 ص 389، السيوطي في الدر المنثور 6 ص 317 نقلا عن أبي عبيد في فضائله وعبد بن حميد، ابن حجر في فتح الباري 13 ص 230 وأو عز إليه ابن جزي الكلبي في تفسيره 4 ص 180 .

 

الكلالة

وتجد الخليفة على شاكلة صنوه في عدم العلم بالكلالة النازلة في آية الصيف آخر سورة النساء: يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك. الآية .

 أخرج أئمة الحديث بإسناد صحيح رجاله ثقات عن الشعبي قال: سئل أبو بكر رضي الله عنه عن الكلالة ؟ فقال: إني سأقول فيها برأيي فإن يك صوابا فمن الله وإن يك خطأ فمني ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان منه، أراه ما خلا الولد والوالد، فلما استخلف عمر رضي الله عنه قال: إني لأستحيي الله أن أرد شيئا قاله أبو بكر .

 أخرجه سعد بن منصور، عبد الرزاق، ابن أبي شيبة، الدارمي في سننه 2 ص 365، وابن جرير الطبري في تفسيره 6 ص 30 ابن المنذر، البيهقي في السنن الكبرى 6 ص 223، وحكى عنهم السيوطي في الجامع الكبير كما في ترتيبه 6 ص 20، وذكره ابن كثير في تفسيره 1 ص 260، والخازن في تفسيره 1 ص 367، وابن القيم في أعلام الموقعين ص 29 .

 قال الأميني: هذا رأيه الثاني وكان أو لا يرى أن الكلالة من لا ولد له خاصة ،

 

/ صفحة 105 /

وكان يشاركه في رأيه هذا عمر بن الخطاب ثم رجعا عنه إلى ما سمعت(1) ثم اختلفا فيها، قال ابن عباس كنت آخر الناس عهدا بعمر بن الخطاب قال: اختلفت أنا وأبو بكر في الكلالة والقول ما قلت(2) وفي صحيحة البيهقي والحاكم والذهبي وابن كثير(3) عن ابن عباس قال: كنت آخر الناس عهدا بعمر فسمعته يقول: القول ما قلت قلت: وما قلت ؟ قال : قلت: الكلالة ما لا ولد له .

 هذا القول كان من عمر لما طعن بعد قوله لما استخلف: إني لأستحيي أن أخالف فيه أبا بكر كما مر وبعد قوله: أتى علي زمان لا أدري ما الكلالة وإذا الكلالة من لا أب له ولا ولد(4) وبعده هذه كلها قال ما قال وهو على ما يقول بصير .

 أنا لا أدري أين ولت تلك الحائطة التي التزمها الخليفة الأول في معنى الأب لتلك الحدة والشدة ؟ وأي سماء أظلته ؟ وأي أرض أقلته ؟ وأين ذهب ؟ وكيف صنع لما قال في دين الله برأي لا يعرف غيه من رشده، ولا يعلمه أمن الله أم منه ومن الشيطان ؟ وكيف خفيت عليه آية الصيف ؟ وقد رأى النبي صلى الله عليه وآله فيها الكفاية في عرفان الكلالة كما مر ج 6: 127 ط 2، وكيف عزب عنه قوله تعالى: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ؟ ولم لم يسأل ولم يتعلم ولم يعبأ بأهل الذكر وهو يعرفه لا محالة ؟ فكأن الأحكام ليست بتوقيفية، وكأنها منوطة بالحظ والنصيب ولكل إنسان ما رأى، ولو صدقت هذه الأحلام فيسع لكل امرء أن يفتي برأيه فيما يسأل عنه من الكتاب والسنة ويقول: إن كان صوابا فمن الله، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان .

 نعم هذا الافتاء بالرأي يفتقر إلى جرأة على الله وعلى رسوله، وتلك لا تتأتى لأي أحد فتخص لا محالة بجماعة دون أخرى، وكأن هذا هو معنى الاجتهاد عند القوم لا استنباط الأحكام من أدلتها التفصيلية من الكتاب والسنة.

 ومن هنا يرون نظراء

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تفسير القرطبي 5 ص 77 .

 (2) تفسير ابن كثير 1 ص 595 .

 (3) المستدرك للحاكم 2 ص 304 وصححه السنن الكبرى للبيهقي 6 ص 225 تلخيص - المستدرك للذهبي وأقر تصحيح الحاكم، تفسير ابن كثير 1 ص 595 وذكر تصحيح الحاكم وأقره .

 (4) السنن الكبرى 6 ص 224 .

 

/ صفحة 106 /

عبد الرحمن بن ملجم قاتل مولانا أمير المؤمنين(1) .

 وأبي الغادية قاتل الصحابي العظيم عمار بن ياسر سلام الله عليه(2) .

 ومعاوية بن أبي سفيان قاتل آلاف من الأبرياء والأزكياء(3) .

 وعمرو بن النابغة، العاصي ابن العاصي(4) .

 وخالد بن الوليد قاتل مالك ظلما والزاني بامرأته(5) .

 وطلحة والزبير(6) الخارجين على الإمام الحق الثابت إمامته بالنص والاختيار .

 م - ويزيد الخمور والفجور صاحب الطامات والصحائف السوداء ](7) .

مجتهدين في دين الله متأولين في تلكم الآراء الشاذة عن حكم الاسلام وشرعة الحق، مأجورين في تلك المظالم العادية.

 وقال ابن حجر في الإصابة 4 ص 151: والظن بالصحابة في تلك الحروب أنهم كانوا فيها متأولين وللمجتهد المخطئ أجر، وإذا ثبت هذا في حق آحاد الناس فثبوته للصحابة بالطريق الأولى. ا ه‍ .

 مرحبا مرحبا بهذا الدين، وبخ وبخ ما أكثر المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، حتى أصبحت غوغاء الشام، وطغام الأمة، وحثالة الأعراب، وأجلاف الأحزاب، و أبناء الطلقاء مجتهدين متأولين .

 وزه زه بأولئك المتحلين بابراد الاجتهاد جراثيم الفساد، قتلة صفوة الأبرار المهاجمين على ناموس الاسلام وقدس صاحب الرسالة، الخارجين عن طوع الكتاب والسنة، الفئة الباغية الطاغية، المدربين بالشر والفساد وبغض العترة الطاهرة تحت راية الطليق ابن الطليق اللعين ابن اللعين بلسان النبي الأعظم(8) صدق رسول الله

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع الجزء الأول من كتابنا هذا ص 323 ط 2 .

 (2) راجع الجزء الأول من الكتاب ص 328 ط 2 .

 (3) الفصل لابن حزم 4 ص 89، تاريخ ابن كثير 7: 279 .

 (4) تاريخ ابن كثير 7 ص 283 .

 (5) تأريخ ابن كثير 6 ص 223، روضة المناظر لابن شحنة هامش الكامل 7 ص 167 ، وسيأتي تفصيله .

 (6) التمهيد للباقلاني ص 232 .

 (7) تاريخ ابن كثير 8: 223 .

 (8) راجع الجزء الثالث من الكتاب ص 251، 252 ط 2.

 

/ صفحة 107 /

صلى الله عليه وآله في قوله: آفة الدين ثلاثة: فقيه فاجر.

 وإمام جائر، ومجتهد جاهل(1) .

 وحسب الاسلام عارا وشنارا أولئك الأعلام أصحاب هذه الآراء المضلة والأقلام المسمومة التي تنزه ساحة المجرمين عن دنس الفجور والنفاق، وتجعل المحسن والمسيئ والمبطل والمحق، والطيب والخبيث، عكمي بعير، وتضل الأمة عن رشدها بأمثال هذه الكلم التافهة، والدعاوي الفارغة، والآراء الساقطة وتصغر في عين المجتمع الديني تلكم الجنايات العظيمة على الله وعلى رسوله وكتابه وسنته وخليفته وعترته و مواليهم.

 كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا.

 فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره .

 وأول من فتح باب التأويل والاجتهاد، وقدس ساحة المجرمين بذينك، وحابى رجال الجرايم والمعرات بهما هو الخليفة الأول، فقد نزه بهذا العذر المفتعل ذيل خالد ابن الوليد عن دنس آثامه الخطيرة ودرأ عنه الحد بذلك كما سنوقفك على تفصيله إنشاء الله تعالى .

 هذا نموذج من تقدم الخليفة في علم التفسير على قلة ما روي عنه في ذلك قال الحافظ جلال الدين السيوطي في " الاتقان " 2 ص 328 .

 إشتهر بالتفسير من الصحابة عشرة: الخلفاء الأربعة. وابن مسعود. وابن عباس . وأبي بن كعب. وزيد بن ثابت. وأبو موسى الأشعري. وعبد الله بن الزبير.

 أما الخلفاء فأكثر من روي عنه منهم علي بن أبي طالب، والرواية عن الثلاثة نزرة جدا، وكان السبب في ذلك تقدم وفاتهم كما أن هو السبب في قلة رواية أبي بكر رضي الله عنه للحديث، و لا أحفظ عن أبي بكر رضي الله عنه في التفسير إلا آثارا قليلة جدا لا تكاد تجاوز العشرة .

 وأما علي فروي عنه الكثير، وقد روى معمر عن وهب بن عبد الله عن أبي الطفيل : شهدت عليا يخطب وهو يقول: سلوني فوالله لا تسألون عن شئ إلا أخبرتكم، و سلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار، أم في سهل أم في جبل .

 وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود قال: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كنز العمال 5 ص 212.

 

 

/ صفحة 108 /

ما منها حرف إلا وله ظهر وبطن وإن علي بن أبي طالب عنده منه الظاهر والباطن .

 وأخرج أيضا من طريق أبي بكر بن عياش عن نصير بن سليمان الأحمسي عن أبيه عن علي قال: والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيم أنزلت وأين أنزلت إن ربي وهب لي قلبا عقولا ولسانا سؤولا. ا ه‍ .

 قال الأميني: ما هذا التهافت في كلام السيوطي هذا ؟ ألا مسائل الرجل عن أن الذي لم يجد له هو نفسه وهو ذلك المتتبع الضليع عشرة أحاديث في علم التفسير كيف عده ممن اشتهر بالتفسير من الصحابة ؟ نعم راقه أن لا يفرق بينه وبين مولانا أمير المؤمنين وقد روى فيه ما روى ذاهلا عن قوله تعالى، هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون .

 

تقدم الخليفة في السنة

أما تقدمه في السنة فكل ما أثبته عنه إمام الحنابلة أحمد في المسند 1 ص 2 - 14 ثمانون حديثا، ويربو المتكرر منها على العشرين، فلم يصف منها إلا ما يقرب الستين حديثا وقد التقط ما في مسنده من أكثر من سبعمائة وخمسين ألف حديث، وكان يحفظ ألف ألف حديث(1) .

 وجمع ابن كثير بعد جهود جبارة أحاديثه في اثنين وسبعين حديثا وسمى مجموعه : مسند الصديق(2) .

 واستدرك ما جمعه ابن كثير جلال الدين السيوطي بعد تصعيد وتصويب ومع تضلع وإحاطة بالحديث، فأنهى أحاديثه إلى مائة وأربعة، وذكرها برمتها في تاريخ الخلفاء ص 59 - 64 .

 وقد يروى أن له مائة واثنان وأربعون حديثا اتفق الشيخان على ستة أحاديث منها.

 وانفرد البخاري بأحد عشر، ومسلم بواحد(3) .

 وفي وسع الباحث المناقشة في غير واحد من تلك الأحاديث سندا أو متنا، فإن

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) طبقات الحفاظ للذهبي 2 ص 17، ترجمة أحمد في آخر الجزء الأول من مسنده .

(2) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 64 .

(3) شرح رياض الصالحين للصديقي 2: 23.

 

/ صفحة 109 /

من جملتها ما ليس بحديث وإنما هو قول قاله كقوله: للحسن السبط سلام الله عليه: بأبي شبيه بالنبي ليس شبيها بعلي .

 وقوله: شاور رسول الله في أمر الحرب .

 وقوله: إن رسول الله صلى الله عليه وآله أهدى جملا لأبي جهل .

 ومنها ما هو محكوم عليه بالوضع، أو يخالف الكتاب والسنة، ويكذبه العقل والمنطق والطبيعة مثل قوله :

1 - لو لم أبعث فيكم لبعث عمر .

 2 - وقوله: ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر .

 3 - وقوله: إن الميت ينضح عليه الحميم ببكاء الحي .

 4 - وقوله: إنما حر جهنم على أمتي مثل الحمام ، أما الأول فله عدة طرق لا يصح شئ منها.

 الطريق الأول لابن عدي وفي إسناده :

1 - زكريا بن يحيى الوكار، أحد الكذابين الكبار مرت ترجمته في سلسلة الكذابين في الجزء الخامس ص 230 ط 2 .

 2 - بشر بن بكر. قال الأزدي منكر الحديث ولا يعرف، لسان الميزان 2 ص 20 3 - أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني.

 قال أحمد: ضعيف كان عيسى بن يونس لا يرضاه وعن أبي داود عن أحمد: إنه ليس بشئ وقال أبو حاتم: سألت ابن معين عنه فضعفه.

 وقال أبو زرعة: ضعيف منكر الحديث.

 وقال أبو حاتم : ضعيف الحديث طرقه لصوص فأخذوا متاعه فاختلط(1) وقال الجوزقاني: ليس بالقوي .

 وقال النسائي: ضعيف وقال أبو سعد: كان كثير الحديث ضعيفا.

 وقال الدار قطني : متروك(2) .

 الطريق الثاني لابن عدي أيضا وفي إسناده :

1 - مصعب بن سعيد أبو خيثمة المصيصي. قال ابن عدي: يحدث عن الثقات

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قال الأميني: لو لم يكن لاختلاط الرجل آية غير حديثه هذا لكفى وحسبه .

 (2) تهذيب التهذيب 12 ص 29.

 

/ صفحة 110 /

بالمناكير ويصحف. وقال: والضعف على رواياته بين. وقال ابن حبان: كان مدلسا وقال صالح جزرة: شيخ ضرير لا يدري ما يقول. وذكر الذهبي له أحاديث فقال: ما هذه إلا مناكير وبلايا(1) .

 2 - عبد الله بن واقد. قال ابن عدي والجوزقاني والنسائي: متروك الحديث و قال غيرهما: ليس بشئ. وقال الأزدي: عنده مناكير. وقال أحمد: أظنه كان يدلس. وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث لا يحدث عنه. وقال البخاري: تركوه منكر الحديث: وقال ابن حبان: وقع المناكير في حديثه فلا يجوز الاحتجاج بخبره. وقال صالح جزرة: ضعيف مهين.

 وقال أبو أحمد الحاكم: حديثه ليس بالقائم(2) .

 3 - مشرح بن عاهان. قال ابن عدي وابن حبان: لا يحتج به. وقال غيرهما : يروي عن عقبة مناكير لا يتابع عليهما. وقال آخرون: الصواب ترك ما انفرد به(3) أورده بهذين الطريقين ابن الجوزي في الموضوعات فقال: هذان حديثان لا يصحان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما الأول، فإن زكريا بن يحيى كان من الكذابين .

 قال ابن عدي، كان يضع الحديث. وأما الثاني: فقال أحمد ويحيى: عبد الله بن واقد ليس بشئ.

 وقال النسائي: متروك: وقال ابن حبان: انقلبت على مشرح صحائفه فبطل الاحتجاج به. ا ه‍ .

 الطريق الثالث لأبي العباس الزوزني في كتاب شجرة العقل بلفظ: لو لم أبعث لبعثت يا عمر !.

 وفي إسناده :

1 - عبد الله بن واقد. وقد مر في الطريق الثاني .

 2 - راشد بن سعد بن الحمصي، ذكر الحاكم أن الدار قطني ضعفه، وكذا ضعفه ابن حزم، وذكر البخاري أنه شهد صفين مع معاوية(4) فالرجل من الفئة الباغية بنص من النبي الأعظم، وذكره الصغاني فقال: موضوع.

 كما في كشف

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ميزان الاعتدال 3: 173، لسان الميزان 6: 44 .

(2) تهذيب التهذيب 6 ص 66، ميزان الاعتدال 2 ص 84، لسان الميزان 3 ص 374 . اللئالي المصنوعة 1 ص 302 .

(3) اللئالي المصنوعة 1: 302، ميزان الاعتدال 3: 172 .

(4) تهذيب التهذيب 3 ص 226.

 

/ صفحة 111 /

الخفاء 2 ص 163 الطريق الرابع للديلمي عن أبي هريرة بلفظ: لو لم أبعث فيكم لبعث عمر.

 أيد الله عمر بملكين يوفقانه ويسددانه، فإذا أخطأ صرفاه حتى يكون صوابا .

 في إسناده إسحاق بن نجيح الملطي أبو صالح الأزدي. قال أحمد: من أكذب الناس. وقال ابن معين: كذاب عدو الله رجل سوء خبيث. كان ببغداد قوم يضعون الحديث منهم إسحاق الملطي. وقال ابن أبي مريم عنه: من المعروفين بالكذب ووضع الحديث. وقال علي بن المديني: ليس بشئ وضعفه، روى عجائب. وقال عمر بن علي : كذاب كان يضع الحديث. وقال الجوزقاني: غير ثقة ولا من أوعية الأمانة. وقال : كذاب وضاع لا يجوز قبول خبره ولا الاحتجاج بحديثه ويجب بيان أمره. وقال الجهضمي والبخاري: منكر الحديث. وقال السنائي: كذاب متروك الحديث. وقال : ابن عدي: أحاديثه موضوعات وضعها هو وعامة ما أتى عن ابن جريج بكل منكر ووضعه عليه، وهو بين الأمر في الضعفاء، وهو ممن يضع الحديث. وقال ابن حبان: دجال من الدجاجلة يضع الحديث صراحا. وقال البرقي: نسب إلى الكذب. وقال أبو سعيد النقاش: مشهور بوضع الحديث. وقال: وقال ابن طاهر: دجال كذاب. وقال ابن الجوزي: أجمعوا على أنه كان يضع الحديث(1) .

 قال الديلمي بعد ذكر الحديث بالطريق المذكور: وتابعه راشد بن سعد عن المقدام بن معدي كرب عن أبي بكر الصديق والله أعلم .

 قال الأميني: عرفت في الطريق الثالث ضعف راشد، وإنما الصغاني حكم على حديثه هذا بالوضع، وأقره العجلوني وزيفه في كشف الخفاء 2 ص 154، 163 وذكره السيوطي في اللئالي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة 1 ص 302 غير أنه عده بهذا الطريق الوعر في تاريخ الخلفاء عن أحاديث أبي بكر، ولا تخفى عليه تراجم هؤلاء الرجال أمثال إسحاق الملطي، نعم راقه أن يكثر عدد أحاديث الخليفة ولو بمثل هذا وقد حذف الأسانيد منها حتى لا يقف القارئ على ما فيها من الوضع والاختلاق والله من ورائه حسيب .

 

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مرت المصادر في الجزء الخامس ص 218 ط 2.

 

/ صفحة 112 /

أما الحديث الثاني : فأخرجه الحاكم في المستدرك 3 ص 90 بإسناده عن عبد الله بن داود الواسطي التمار عن عبد الرحمن ابن أخي محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه قال: قال عمر بن الخطاب ذات يوم لأبي بكر الصديق رضي الله عنهما: يا خير الناس بعد رسول الله ! فقال أبو بكر: أما إنك إن قلت ذلك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر .

 عقبه الذهبي في تلخيص المستدرك فقال: قلت عبد الله ضعفوه، وعبد الرحمن متكلم فيه، والحديث شبه موضوع.

 وقال في ميزان الاعتدال 2 ص 123: رواه عبد الله ابن داود التمار وهو هالك، عن عبد الرحمن بن أخي محمد المنكدر لا يكاد يعرف ، ولا يتابع على حديثه، وقال الترمذي: ليس إسناده بذلك .

 قال الأميني: أما عبد الله بن داود التمار فقال البخاري: فيه نظر.

 وقال أبو حاتم ليس بقوي، في حديثه مناكير، وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالمتين عندهم، وقال النسائي: ضعيف.

 وقال ابن حبان: منكر الحديث جدا يروي المناكير عن المشاهير لا يجوز الاحتجاج بروايته.

 وقال الدارقطني: ضعيف(1) .

 وأما عبد الرحمن فقال يحيى بن معين: ما أعرف عبد الرحمن فقرأه إبراهيم بن الجنيد الحديث فقال يحيي: ما أعرف عبد الرحمن.

 وأنكر الحديث ولم يعرفه(2) .

 جاء العلامة الحريفيش في القرن الثامن وأتى في كتابه الروض الفائق ص 388 .

 بحديث مختلق في فضيلة مولانا أمير المؤمنين وأبي بكر وجعل هذه الرواية في فضل أبي بكر عن لسان علي عليه السلام قال روى أبو هريرة: أن أبا بكر الصديق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما قدما يوما إلى حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علي لأبي بكر رضي الله عنهما: تقدم فكن أول قارع يقرع الباب وألح عليه، فقال أبو بكر: تقدم أنت يا علي فقال علي: ما كنت بالذي يتقدم على رجل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حقه: ما طلعت الشمس ولا غربت من بعدي على رجل أفضل من أبي بكر

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تهذيب التهذيب 4 ص 200 .

 (2) لسان الميزان 3 ص 448.

 

/ صفحة 113 /

الصديق. فقال أبو بكر: ما كنت بالذي يتقدم على رجل قال في حقه رسول الله صلى الله عليه وآله أعطيت خير النساء لخير الرجال. إلى آخره وفيه مناقب ست لأبي بكر على لسان علي وكذلك لعلي على لسان أبي بكر لم يذكر السيوطي شيئا منها في عد أحاديث أبي بكر مع اهتمامه بإكثار عددها وذلك لبداهة الكذب فيه، وركة لفظه، ووضوح الاختلاق في معانيه وألفاظه، وظهور التهافت بين جمله كما ترى.

 نعم لكل من الوضاعين في وضع الحديث ذوق، ولكل واحد منهم طريقة وسليقة، وليس أمرهم سلكي .

 أما الحديث الثالث: فمن المنكر الواضح وهو لدة ما سبق عن عمر في الجزء السادس صفحة 162 ط 2 من قوله: إن الميت يعذب ببكاء الحي.

 وقد أنكرته عليه عائشة، وهو مخالف للكتاب المجيد حيث يقول: ولا تزر وازرة وزر أخرى، وأمثالها وقد فصلنا القول فيه تفصيلا في الجزء السابق فراجع ص 159 167 ط 2 .

 ومخالف للعدل فإن تعذيب أي أحد لما اجترحه غيره من سيئة - بعد تسليم كون البكاء عليه سيئة - يرفضه ناموس العدل الآلهي، وتلفظه العقول السليمة، ويتوجه إلى قائله اللوم من كل ذي مسكة، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا .

 أما الحديث الرابع: إنما حر جهنم على أمتي مثل الحمام:

 فإنه أشبه شئ بمخاريق المعتوهين، أو من يريد تحطيما من عظمة أمر المولى سبحانه، أو إغراء لبسطاء الأمة على اقتحام الجرائر بحسبان أن حر الجحيم الشديد الذي أوقده المنتقم الجبار للعصاة عامة لا يصيب هذه الأمة وإنما هو للأمم السابقة ومن لم يعتنق الاسلام من الموجودين، وأنت إذا تأملت في نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة(1) التي وقودها الناس والحجارة(2) يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم(3) إذا الجحيم سعرت(4) وبرزت الجحيم لمن يرى(5) ترمي بشرر كالقصر كأنه جمالة صفر(6) كلا إنها لظى نزاعة للشوى(7) يوم يسحبون

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سورة الهمزة آية 7.

(2) سورة البقرة آية 24 .

 (3) سورة التوبة آية 35.

(4) سورة التكوير آية 12 .

(5) سورة النازعات آية 36.

(6) سورة المرسلات آية 33 .

 (7) سورة المعارج آية 15 .

 

 

/ صفحة 114 /

في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر(1) وما إدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر لواحة للبشر عليها تسعة عشر(2) قالوا ما سلككم في سقر ؟ قالوا: لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين(3) إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم(4).

أو تأملت فيما هدد به المولى سبحانه المتثاقلين عن النفر للجهاد في الحر بقوله : قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون(5) ومن يأكل أموال اليتامى بقوله: إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا(6) إلى كثير من أمثال هذه لا ترتاب في أن الأمم كلها بالنسبة إليها شرع سواء، بل إن توجيه تلكم الخطابات إلى الأمة المرحومة المعنية بالتهذيب وإيقافها عن المعصية بالتهديد أولى من توجيهها إلى الأمم البائدة التي جرى عليها ما جرى من عاقبة طاعة، أو مغبة عصيان، فذهبوا رهائن أعمالهم، وبه يتم اللطف، وتحسن التربية، وهو الذي كان يبكي الصالح، ويفجع المتقين، ويدر عبرات الأولياء، ويجعل سيدهم أمير المؤمنين يتململ في جنح الليل البهيم تململ السليم قابضا على لحيته، يبكي بكاء الحزين وهو يقول: يا ربنا ! يا ربنا ! - يتضرع إليه - ثم يقول للدنيا: إلي تغررت ؟ إلي تشوقت ؟ هيهات هيهات، غري غيري قد بتتك ثلاثا ، فعمرك قصير، ومجلسك حقير، وخطرك يسير، آه آه من قلة الزاد، وبعد السفر ووحشة الطريق(7) .

 ثم أي مشابهة بين ذلك اللهب المصطلم وبين الحمام الذي لا يكون الحر فيه إلا صحيا تزاح به الأوساخ، وتعرق به الأبدان وترفع به الأتعاب، وترتاح به الأجسام ؟ وهل يهدد بمثله عصاة البشر الذي خلق ظلوما جهولا جموحا، البشر الذي هذا عقله ورشده وحديثه ؟

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سورة القمر آية 48.

(2) سورة المدثر آية 29 .

 (3) سورة المدثر آية 45.

(4) سورة الدخان آية 46 .

 (5) سورة التوبة آية 81.

(6) سورة النساء آية 10 .

 (7) حلية الأولياء 1 ص 85، الاستيعاب 2 ص 463، الرياض النضرة 2 ص 212، ، زهر الآداب للقيرواني 1 ص 38، تذكرة السبط ص 270، مطالب السؤول ص 33، إتحاف الشبراوي ص 7.

 

/ صفحة 115 /

 

غاية جهد الباحث

هذه غاية جهد الباحث عن علم الخليفة بالسنة وهذه سعة إطلاعه عليها، فنحن إذا قسنا مجموع ما ورد عن الخليفة من الصحيح والموضوع في التفسير والأحكام والفوائد من المائة وأربعة حديثا أو المائة واثنين وأربعين حديثا إلى ما جاء عن النبي الأقدس من السنة الشريفة لتجدها كقطرة من بحر لجي، لا تقام بها قائمة للاسلام، ولا تدعم بها أي دعامة للدين، ولا تروى بها غلة صاد، ولا تنحل بها عقدة أية مشكلة.

 هذا أبو هريرة، وأنس بن مالك، وعبد الله عمر، وعبد الله بن العباس، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن مسعود، و و و يروون آلافا من السنة النبوية فقد أخرج تقي ابن مخلد في مسنده من حديث أبي هريرة فحسب خمسة آلاف وثلثمائة حديث وكسرا(1) وأبو هريرة لم يصحب النبي إلا ثلاث سنين .

 وهذا أحمد بن الفرات كتب ألف ألف وخمسمائة ألف حديث، وانتخب منها ثلاثمائة ألف في التفسير والأحكام والفوائد: " خلاصة التهذيب ص 9 " وهذا حرمة بن يحيى أبو حفص المصري صاحب الشافعي يروي عن طريق ابن وهب فحسب مائة ألف حديث.

 " خلاصة التهذيب ص 63 " وهذا أبو بكر الباغندي يجيب عن ثلثمائة ألف مسألة في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله " تاريخ الطبري 3 ص 210 " .

 وهذا الحافظ روح بن عبادة القيسي له أكثر من مائة ألف حديث.

 " ميزان الاعتدال 1 ص 342 " وهذا الحافظ مسلم صاحب الصحيح عنده ثلاثمائة ألف حديث مسموعة.

 " طبقات الحفاظ 2 ص 151 " .

 وهذا الحافظ أبو محمد عبدان الأهوازي يحفظ مائة ألف حديث " تاريخ ابن عساكر 7 ص 288 " وهذا الحافظ أبو بكر ابن الأنباري يحفظ ثلاثمائة ألف بيت شاهد في القرآن

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الإصابة 4 ص 205.

 

/ صفحة 116 /

وكان يحفظ مائة وعشرين تفسيرا بأسانيدها(شذرات الذهب 2 ص 316) .

 وهذا الحافظ أبو زرعة حفظ مائة ألف حديث كما يحفظ الانسان قل هو الله أحد، ويقال: سبعمائة ألف حديث(تاريخ ابن كثير 11 ص 37، تهذيب التهذيب 7 ص 33) .

 وهذا الحافظ ابن عقدة يجيب في ثلاثمائة ألف حديث من حديث أهل البيت عليهم السلام وبني هاشم حدث بها عنه الدارقطني(تذكرة الحفاظ 2 ص 56) .

 وهذا الحافظ أبو العباس أحمد بن منصور الشيرازي كتب عن الطبراني ثلاثمائة ألف حديث(تذكرة الحفاظ 3 ص 122) .

 وهذا الحافظ أبو داود السجستاني كتب عن النبي صلى الله عليه وآله خمسمائة ألف حديث (تذكرة الحفاظ 2 ص 154) .

 وهذا عبد الله بن إمام الحنابلة أحمد سمع من أبيه مائة ألف وبضعة أحاديث طبقات الحفاظ 2 ص 214) .

 وهذا ثعلب البغدادي سمع من القواريري مائة ألف حديث [ طبقات الحفاظ 2 ص 214 ] .

 وهذا أبو داود الطيالسي يملي من حفظه مائة ألف حديث(شذرات الذهب 2 ص 12) .

 وهذا أبو بكر الجعابي يحفظ أربعمائة ألف حديث بأسانيد ها ومتونها ويذاكر ستمائة ألف حديث، ويحفظ من المراسيل والمقاطيع والخطابات قريبا من ذلك(تاريخ ابن كثير 11 ص 261) .

 وهذا إمام الحنابلة أحمد عنده أكثر من سبعمائة وخمسين ألفا(راجع آخر الجزء الأول من مسنده) .

 وهذا الحافظ أبو عبد الله الختلي يحدث من حفظه بخمسين ألف حديث(تاريخ ابن كثير 11 ص 217) .

 وهذا يحيى بن يمان العجلي يحفظ عن سفيان أربعة آلاف حديث في التفسير فقط(تاريخ الطبري 14 ص 121) .

 

 

/ صفحة 117 /

وهذا الحافظ ابن أبي عاصم يملي من ظهر قلبه خمسين ألف حديث بعد ما ذهبت كتبه(تذكرة الحفاظ 2 ص 194) .

 وهذا الحافظ أبو قلابة عبد الملك حدث من حفظه ستين ألف حديث(طبقات الحفاظ 2 ص 143) .

 وهذا أبو العباس السراج كتب لمالك سبعين ألف مسألة(تاريخ بغداد 1 ص 251) .

 وهذا الحافظ ابن راهويه يملي سبعين ألف حديث من حفظه(تاريخ ابن عساكر 2 ص 413) .

 وهذا الحافظ إسحاق الحنظلي يحفظ سبعين ألف حديث(تاريخ الخطيب 6 ص 352) .

 وهذا إسحاق بن بهلول التنوخي يحدث من حفظه خمسين ألف حديث(تاريخ الخطيب 6 ص 368) .

 وهذا محمد بن عيسى الطباع كان يحفظ نحوا من أربعين ألف حديث(تاريخ بغداد 2 ص 396) .

 وهذا الحافظ ابن شاهين يكتب من حفظه بعد ما ذهبت كتبه عشرين أو ثلاثين ألف حديث(تاريخ بغداد 11 ص 268) .

 وهذا الحافظ يزيد بن هارون يحفظ أربعة وعشرين ألف حديث بإسنادها (شذرات الذهب 2 ص 16) .

 فهلم معي نرى أن إسلاما هذه سعة نطاق علمه، وكثرة طقوسه وسننه، وغزارة فنونه وعلومه، ونبيا هذا حديثه وسنته، وهذا ودايعه المصلحة لأمته، وهذا شأن الأعلام أمناء ودايع العلم والدين، وهذه سيرة حفظة السنة الشريفة، كيف يجب أن يتحلى خليفة ذلك النبي الأقدس بأبراد علوم الكتاب والسنة ؟ وكيف يحق أن يكون حاملا بأعباء علوم مستخلفه ومعالمه، وراثا مآثره وآثاره ؟ أفهل يقتصر منه بمائة وأربعة حديثا ؟ أو تقبل الأمة المسكينة أو تجديها هذه الكمية اليسيرة من ذلك الحوش الحايش ؟ أو يسد ذلك الفراغ، ويمثل تلك العلوم الاسلامية الجمة من هذا شأنه وشعاره، وهذه سيرته وسنته، وهذا علمه وحديثه ؟ أو يتلقى

 

/ صفحة 118 /

بالقبول عذر المدافع عن الخليفة بأن قلة حديثه لقصر مدة خلافته ؟ أي صلة بين قصر العمر بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقلة الرواية ؟ فإن رواة الأحاديث على العهد النبوي ما كان حجر عليها، ولم يكن عقال في ألسن أولئك الصحابة الأولين، ولا على الأفواه أوكية عن بث العلم من الكتاب والسنة طيلة حياة النبي الأقدس، ولم يكن المكثرون من الرواية قصروا أحاديثهم على ما بعد أيامه صلى الله عليه وآله وسلم، فقلة حديث الرجل إن هي إلا لقلة تلقيه، وقصر حفظه، إنما الإناء ينضح بما فيه والأوعية إذا طفحت فاضت .

 ثم أنى يسوغ للخليفة ؟ أن تثقله أعباء الخلافة، وتعييه معضلات المسائل و ويتترس بمثل قوله: أي سماء تظلني. إلخ.

 أو قوله: سأقول فيها برأيي.

 أو يخطب بعد أيام قلائل من خلافته وقد أهرجته المواقف، ويتطلب الفوز منها بقوله: لوددت أن هذا كفانيه غيري، ولئن أخذ ولئن أخذتموني بسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم لا أطيقها، إن كان لمعصوما من الشيطان، وإن كان لينزل عليه الوحي من السماء(1) .

 أو بقوله: أما والله ما أنا بخيركم، ولقد كنت لمقامي هذا كارها، ولوددت أن فيكم من يكفيني، أفتظنون أني أعمل فيكم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ إذن لا أقوم بها إن رسول الله كان يعصم بالوحي، وكان معه ملك، وإن لي شيطانا يعتريني، فإذا غضبت فاجتنبوني أن لا أوثر في أشعاركم وأبشاركم، ألا فراعوني فإن استقمت فأعينوني وإن زغت فقوموني وفي لفظ ابن سعيد: ألا وإنما أنا بشر ولست بخير من أحد منكم فراعوني، فإذا رأيتموني استقمت فاتبعوني، وإن رأيتموني غضبت فاجتنبوني لا أوثر في أشعاركم وأبشاركم(2) أو بقوله: إني وليت عليكم ولست بخيركم، فإن رأيتموني على الحق فأعينوني وإن رأيتموني على الباطل فسددوني(3) .

 

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مسند أحمد 1 ص 14، الرياض النضرة 1 ص 177، كنز العمال 3 ص 126 .

 (2) طبقات ابن سعد 3 ص 151، الإمامة والسياسة 1 ص 16، تاريخ الطبري 3 ص 210 ، الصفوة 1 ص 99، شرح نهج البلاغة: 3 ص 8، ج 4: 167. كنز العمال 3 ص 126 .

 (3) طبقات ابن سعد 3 ص 139، المجتنى لابن دريد ص 27، عيون الأخبار لابن قتيبة 2 ص 234، تاريخ الطبري 3 ص 203، سيرة ابن هشام 4 ص 340، تهذيب الكامل 1 ص 6 ، العقد الفريد 2 ص 158، إعجاز القرآن ص 115، الرياض النضرة 1 ص 167، 177، تاريخ ابن كثير ص 247 وصححه، شرح ابن أبي الحديد 1 ص 134، تاريخ الخلفاء السيوطي ص 47، 48 السيرة الحلبية 3 ص 388.

 

/ صفحة 119 /

وفي لفظ ابن الجوزي في الصفوة 1، 98: قد وليت أمركم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن زغت فقوموني .

 وهل الخليفة حري بأن ترعاه أمته ورعيته فتعينه وتسدده وتقومه عند الخطل والزيغ ؟ وكيف لا يؤاخذ الخليفة بالسنة وهو وارث علم النبي وحامل سنته وقد أكمل الله دينه وأوحى إلى نبيه ما تحتاج إليه أمته، وبلغ صلى الله عليه وآله كل ما جاء به حتى حق له أن ينهى عن الرأي والقياس في دين الله، أو يقول: ما تركت شيئا مما أمركم الله به إلا وقد أمرتكم به، ولا تركت شيئا مما نهاكم عنه إلا وقد نهيتكم عنه(1) .

 وقد فتح الخليفة لقصر باعه في علوم الكتاب والسنة باب القول بالرأي بمصراعيه بعد ما سده النبي الأعظم على أمته، ولم تكن عند الخليفة مندوحة سواه ، قال ابن سعد في الطبقات، وأبو عمر في كتاب العلم 2: 51، وابن القيم في أعلام الموقعين ص 19، إن أبا بكر نزلت به قضية فلم يجد في كتاب الله منها أصلا، ولا في السنة أثرا، فاجتهد رأيه ثم قال: هذا رأيي فإن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني واستغفر الله.

 " وذكره السيوطي في تاريخ الخلفاء عن ابن سعد ص 71 " .

 وقال ميمون بن مهران: كان أبو بكر إذ ورد عليه الخصم فإن وجد في الكتاب أو علم من رسول الله ما يقضي بينهم قضى به، فإن أعياه خرج فسأل المسلمين وقال : أتاني كذا وكذا فهل علمتم أن رسول الله قضى في ذلك بقضاء ؟ فربما اجتمع إليه النفر كلهم يذكر من رسول الله فيه قضاءا، فيقول أبو بكر: الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ نبينا، فإن أعياه أن يجد فيه سنة من رسول الله جمع رؤس الناس و خيارهم فاستشارهم فإذا اجتمع رأيهم على أمر قضى به(2) .

 هكذا كان شأن الخليفة في القضاء، وهذا مبلغ علمه، وهذه سيرته في العمل بالرأي المجرد وقد قال عمر بن الخطاب: أصبح أهل الرأي أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أن يعوها، وتفلتت منهم أن يرووها فاشتقوا الرأي، أيها الناس إن الرأي إن كان من

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كتاب العلم لأبي عمر، وفي مختصره ص 222 .

 (2) سنن الدارمي 1 ص 58، وأخرجه البغوي كما في الصواعق ص 10.

 

/ صفحة 120 /

رسول الله مصيبا لأن الله كان يريه، وإنما هو منا الظن والتكلف(1) .

 ثم ما المسوغ لمن سد فراغ النبي وأشغل منصته أن يسأل الناس عن السنة الشريفة ، ويأخذها ممن هو خليفة عليه ؟ ولماذا خالف سيرته هذه لما سئل عن الأب والكلالة و ترك سؤال الصحابة واستشارتهم فأفتى برأيه ما أفتى وقال بحريته ما قال .

 وفيما اتفق لأبي بكر من القضايا غير ما مر مع قلته غنية وكفاية في عرفان مبلغ علمه وإليك منها :

 

- 1 -

رأي الخليفة في الجدة

عن قبيصة بن ذؤيب قال: جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه تسأله عن ميراثها فقال لها أبو بكر: ما لك في كتاب الله شئ وما علمت لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فارجعي حتى أسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس.

 فقال أبو بكر: هل معك غيرك ؟ فقام محمد بن مسلمة الأنصاري فقال مثل ما قال المغيرة فأنفذه لها أبو بكر رضي الله عنه. الحديث(2) .

 فانظر إلى ما عزب عنه علم الخليفة في مسألة تكثر بها البلوى ويطرد الحكم فيها، حتى اضطرته الحاجة إلى الركون إلى رواية مثل المغيرة أزنى ثقيف وأكذب الأمة(3) وكان من تغييره للسنة ولعبه بها أنه صلى صلاة العيد يوم عرفة مخافة أن يعزل سنة أربعين(4) وكان ينال من أمير المؤمنين عليه السلام كلما رقى صهوة المنبر(5) .

 

- 2 -

رأي الخليفة في الجدتين

عن القاسم بن محمد أنه قال: أتت الجدتان إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كتاب العلم لأبي عمر 2: 134، وفي مختصره ص 185، أعلام الموقعين ص 19 .

 (2) موطأ مالك 1 ص 335، سنن الدارمي 2 ص 359، سنن أبي داود 2 ص 17، سنن ابن ماجة 3 ص 163، مسند أحمد 4 ص 224، سنن البيهقي 6 ص 234، بداية المجتهد 2 ص 344 ، مصابيح السنة 2 ص 22 .

 (3) راج الجزء السادس من كتابنا هذا ص 141 ط 2 .

 (4) الأغاني 14 ص 142 .

 (5) مر في الجزء السادس ص 143، 144 ط 2.

 

/ صفحة 121 /

فأراد أن يجعل السدس للتي من قبل الأم فقال له رجل من الأنصار: أما إنك تترك التي لو ماتتا وهو حي كان إياها يرث، فجعل أبو بكر السدس بينهما .

 

*(لفظ آخر) *

إن جدتين أتتا أبا بكر الصديق رضي الله عنه أم الأم وأم الأب فأعطى الميراث أم الأم دون أم الأب فقال له عبد الرحمن بن سهيل - سهل - أخو بني حارثة: يا خليفة رسول الله ! لقد أعطيت التي لو أنها ماتت لم يرثها.

 فجعله أبو بكر بينهما يعني السدس .

 راجع موطأ مالك 1 ص 335، سنن البيهقي 1 ص 235، بداية المجتهد 2 ص 344، الاستيعاب 2 ص 400، الإصابة 2 ص 402 وقال: رجاله ثقات، كنز العمال 6 ص 6 نقلا عن مالك، وسعيد بن منصور، وعبد الرزاق، والدارقطني، والبيهقي .

 قال الأميني: أو لا تعجب عن جهل الرجل بحكم إرث الجدتين، وسرعة انقلابه عما ارتآه أو لا بنقد رجل من الأنصار أو أخي بني حارثة ؟ وكان ذلك النقد يستدعي حرمان الجدة من قبل الأم لكنه شركهما في الميراث واتخذته الفقهاء مصدرا لحكمهم، وأصل الحكم مأخوذ من رواية المغيرة المخصوصة بالجدة الواحدة فانظر واعتبر .

 وأما رأي الرجل الأنصاري في الجدة الذي زحزح الخليفة عن حكمه فلم يكن أخذا بالكتاب والسنة بل كان مخالفا لهما وفقا لقول الشاعر :

بنـــونا بنـــوا أبناءنا وبناتنا * بنوهن أبناء الرجال الأباعد

فخص القوم به قول الله تعالى: يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين (1) لعقب الأبناء دون من عقبته البنات، وذهبوا إلى عدم شمول أحكام الأولاد في الفروض وغيرها على وليد بنت الرجل محتجين بقول الشاعر .

 قال ابن كثير في تفسيره 2 ص 155: قالوا: إذا أعطى الرجل بنيه أو وقف عليهم فإنه يختص بذلك بنوه لصلبه وبنو بنيه واحتجوا بقول الشاعر :

بنـــونا بنـــوا أبناءنا وبناتنا * بنوهن أبناء الرجال الأباعد

ا ه‍ .

وقال البغدادي في خزانة الأدب 1 ص 300: هذا البيت لا يعرف قائله مع

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سورة النساء آية: 11.

 

 

/ صفحة 122 /

شهرته في كتب النحاة وغيرهم.

 قال العيني: هذا البيت استشهد به النحاة على جواز تقديم الخبر، والفرضيون على دخول أبناء الأبناء في الميراث، وإن الانتساب إلى الآباء ، والفقهاء كذلك في الوصية، وأهل المعاني والبيان في التشبيه، ولم أر أحدا منهم عزاه إلى قائله .

 وقال: رأيت في شرح الكرماني في شواهد شرح الكافية للخبيصي(1) أنه قال : هذا البيت قائله أبو فراس همام الفرزدق ابن غالب(2) ثم ترجمه والله أعلم بحقيقة الحال. ا ه‍ .

 سبحانك اللهم ما أجرأهم على هذا الرأي - السياسي - في دين الله لإخراج آل الله عن نبوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ ما قيمة قول الشاعر تجاه قول الله تعالى: قل تعالوا ندع أبنائنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم ؟(3) فهو نص صريح على أن الحسنين السبطين ابني النبي الأقدس .

 وقد سمى الله سبحانه أسباط نوح ذرية له وليست الذرية إلا ولد الرجل كما في القاموس 2 ص 34 فقال سبحانه: ومن ذريته داود وسليمان إلى قوله: ويحيى وعيسى(4) فعد عيسى من ذريه نوح وهو ابن بنته مريم .

 قال الرازي في تفسيره 2 ص 488: هذه الآية " يعني آية قل تعالوا " دالة على أن الحسن والحسين عليهما السلام كانا ابني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعد أن يدعو أبناءه فدعا الحسن والحسين فوجب أن يكونا ابنيه، ومما يؤكد هذا قوله تعالى في سورة الأنعام: ومن ذريته داود وسليمان - إلى قوله -: وزكريا ويحيى وعيسى، ومعلوم أن عيسى إنما انتسب إلى إبراهيم عليه السلام بالأم لا الأب فثبت أن ابن البنت قد يسمى ابنا والله أعلم .

 وقال القرطبي في تفسيره 4 ص 104: فيها " يعني آية تعالوا " دليل على أن

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شمس الدين أبو بكر الخبيصي أسمى شرحه بالمرشح.

(2) نسبه صاحب جامع الشاهد إلى عمر في صفحة 91 فقال: هو من أبيات لعمر ابن الخطاب. وهذا أقرب إلى ما يشاهد فيه من الالمام بالسياسة .

(3) سورة آل عمران آية 61 .

(4) سورة الأنعام آية 84، 85.

 

/ صفحة 123 /

أبناء البنات يسمون أبناءا. وقال في ج 7 ص 31. عد عسيى من ذرية إبراهيم و إنما هو ابن البنت، فأولاد فاطمة رضي الله عنها ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبهذا تمسك من رأى: أن ولد البنات يدخلون في اسم الولد.

 قال أبو حنيفة والشافعي: من وقف وقفا على ولده وولد ولده أنه يدخل فيه ولد ولده وولد بناته ما تناسلوا.

 وكذلك إذا أوصى لقرابته يدخل فيه ولد البنت، والقرابة عند أبي حنيفة كل ذي رحم محرم .

 إلى أن قال : وقال مالك: لا يدخل في ذلك ولد البنات، وقد تقدم نحو هذا عن الشافعي ج 4 ص 104 - والحجة لهما قوله سبحانه -: يوصيكم الله في أولادكم.

 فلم يعقل المسلمون(1) من ظاهر الآية إلا ولد الصلب وولد الابن خاصة.

 إلى أن قال: وقال ابن القصار.

 وحجة من أدخل البنات في الأقارب قوله عليه السلام للحسن بن علي: إن ابني هذا سيد.

 ولا نعلم أحدا يمتنع أن يقول في ولد البنات لأنهم ولد لأبي أمهم.

 و المعنى يقتضي ذلك لأن الولد مشتق من التولد وهم متولدون عن أبي أمهم لا محالة ، والتولد من جهة الأم كالتولد من جهة الأب، وقد دل القرآن على ذلك، قال الله تعالى: ومن ذريته داود وسليمان.

إلى قوله: من الصالحين فجعل عيسى من ذريته وهو ابن بنته. ا ه‍ .

 وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده عن أبي حرب بن الأسود قال: أرسل الحجاج ، إلى يحيى بن يعمر فقال: بلغني أنك تزعم أن الحسن والحسين من ذرية النبي صلى الله عليه وآله تجده في كتاب ؟ وقد قرأته من أوله إلى آخره فلم أجده.

 قال: أليس تقرأ سورة الأنعام: ومن ذريته داود وسليمان.

 حتى بلغ: ويحيى وعيسى ؟ قال بلى .

 قال: أليس عيسى من ذرية إبراهيم وليس له أب ؟ قال: صدقت.

 فلهذا إذا أوصى الرجل لذريته أو وقف على ذريته أو وهبهم دخل أولاد البنات فيهم. الخ.

 تفسير ابن كثير 2 ص 155 .

 فبعد كون ذرية الرجل ولده على الإطلاق ودخل فيهم أولاد البنا ت لا ينبغي

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذه فرية على المسلمين وحاشاهم أن يعقلوا من الآية خلاف ظاهرها من دون أي دليل صارف.

 

/ صفحة 124 /

التفكيك في الأحكام عندئذ بين الذرية والأولاد، ولا يسع لأي أحد أن يرى أبناء البنات أبناء الرجال الأباعد خارجين عن ولد الرجل على الحقيقة، ويصح له مع ذلك عدهم عن ذريته وليست إلا ولد الرجل .

 ويشهد على لغة القرآن المجيد وأن ولد البنت ابن أبيها على الحقيقة قول رسول الله صلى الله عليه وآله: أخبرني جبريل: إن ابني هذا - يعني الحسين - يقتل.

 وفي لفظ: إن أمتي ستقتل ابني هذا .

1 ـ طبقات ابن سعد، مستدرك الحاكم 3: 177، أعلام النبوة للماوردي: 83، ذخاير العقبى : 148، الصواعق: 115 .

 2 - وقوله: إبني هذا يقتل بأرض من العراق .

 دلائل النبوة لأبي نعيم 3، 202، ذخاير العقبى ص 146 .

 3 - وقوله للحسن السبط: ابني هذا سيد.

 المستدرك 3: 175، أعلام الماوردي ص 83، تفسير ابن كثير 3: 155 .

 4 - وقوله لعلي: أنت أخي وأبو ولدي ذخاير العقبى ص 66 .

 5 - وقوله: إن جبريل أخبرني أن الله عز وجل قتل بدم يحيى بن زكريا سبعين ألفا وهو قاتل بدم ولدك الحسين سبعين ألفا ، ذخاير العقبى ص 150 6 - وقوله: المهدي من ولدي وجهه كالكوكب الدري .

 ذخاير العقبى ص 136 .

 7 - هذان ابناي من أحبهما فقد أحبني: " الحسن والحسين " المستدرك 3: 166، تاريخ ابن عساكر 4: 204 كنز العمال 6: 221 .

 8 - وقوله لفاطمة الصديقة: ادعي لي إبني . تاريخ ابن عساكر 4: 316 .

 9 ـ وقوله لأنس: ادع لي إبني . تاريخ ابن كثير 8: 205 .

 10 - وقوله ادعوا إبني. فأتى الحسن بن علي .

 ذخاير العقبى ص 122 .

11 - وقوله: أللهم إن هذا إبني - الحسن - وأنا أحبه فأحبه وأحب من يحبه . تاريخ ابن عساكر 4: 203 .

 

 

/ صفحة 125 /

12 - وقوله لعلي: أي شئ سميت إبني ؟ قال: ما كنت لأسبقك بذلك، فقال : وما أنا السابق ربي فهبط جبريل فقال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول لك: علي منك بمنزلة هارون من موسى لكن لا نبي بعدك، فسم ابنك هذا باسم ولد هارون . ذخاير العقبى ص 120 .

 13 - وقوله: أروني إبني ما سميتموه.

 قاله لما ولد الحسن، وفي ولادة الحسين ، وكذلك في ولادة محسن بن علي .

 المستدرك 3: 180، كنز العمال 7: 107، 108 عن الدار قطني، وأحمد، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن حبان، والدولابي، والبيهقي، والحاكم، والخطيب .

 14 - وقوله: اطلبوا ابني. لما ضل الحسن والحسين ، كنز العمال 7: 108 .

15 - وقوله: إبني هذين ريحانتي من الدنيا. يعني الحسنين . الصواعق، 114، كنز العمال 6: 220، ج 7: 109 .

 16 وقوله: إبني إرتحلني . أخرجه أحمد. والبغوي. والطبراني. والحاكم. والبيهقي. وسعيد بن منصور. وابن عساكر في تاريخه 4: 317، وابن كثير في تاريخه 8: 36، وراجع كنز العمال 6: 222 ، و ج 7: 109 .

 17 - وقوله: هاتوا إبني أعوذهما بما عوذ به إبراهيم إبنيه . تاريخ ابن عساكر 4: 209 .

 18 - وقوله لأنس: ويحك يا أنس دع إبني وثمرة فؤادي - يعني الحسن - كنز العمال 6: 222 .

 19 - وقوله: إبناي هذان: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة . الصواعق لابن حجر ص 114 .

 20 - وقوله في علي: هذا أخي وابن عمي وصهري وأبو ولدي . كنز العمال 6: 154 .

 21 - وقوله: سميت إبني هذين باسم ابني هارون شبر وشبير . الصواعق ص 115 كنز العمال 6: 222 .

 22 - وقوله: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث

 

/ صفحة 126 /

رجلا من ولدي إسمه كاسمي. فقال سلمان: من أي ولدك يا رسول الله ! قال: من ولدي هذا. وضرب بيده على الحسين . ذخاير العقبى ص 136 .

 23 - وقول الحسن السبط سلام الله عليه في خطبة له: أنا الحسن بن علي، و أنا ابن النبي، وأنا ابن البشير، وأنا ابن النذير، وأنا ابن الداعي إلى الله بإذنه والسراج المنير .

 المستدرك 3: 172، ذخاير العقبى ص 138 140، شرح ابن أبي الحديد 4: 11 ، مجمع الزوائد 9: 146، إتحاف الشبراوي ص 5 .

 24 - وقوله لأبي بكر وهو في منبر جده الأقدس: إنزل عن مجلس أبي فقال أبو بكر: صدقت إنه مجلس أبيك.

 وفي لفظ: إنزل عن منبر أبي. فقال أبو بكر: منبر أبيك لا منبر أبي .

 الرياض النضرة 1، 139 شرح ابن أبي الحديد 2: 17، الصواعق ص 108، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 54، كنز العمال 3: 132 .

 25 - وقوله في وصيته: ادفنوني عند أبي - يعني المصطفى - . إتحاف الشبراوي ص 11 .

 26 - وقول الحسين السبط عليه السلام لعمر: إنزل عن منبر أبي. فقال عمر: منبر أبيك لا منبر أبي، من أمرك بهذا ؟ تاريخ ابن عساكر 4: 321 .

 27 - وقول ابن عباس: هذان - الحسن والحسين - ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله . تاريخ ابن عساكر 4: 212، 322 .

 28 - وقول زهير بن قين مخاطبا الحسين عليه السلام: قد سمعنا يا بن رسول الله مقالتك . جمهرة خطب العرب 2: 40 .

 29 - وقول الإمام السبط الحسن الزكي كما في الإتحاف للشبراوي 49 :

خيـــــرة الله من الخلق أبي * بعد جدي وأنا ابن الخيرتين

فضة قد صيغت من ذهـــــب * فـــــأنا الفضة ابن الذهبين

30 - وقوله كما في الإتحاف ص 57 :

أنا ابـــــن الذي قد تعلمون مكانه * وليس على الحق المبين طحاء

 

/ صفحة 127 /

أليس رسول الله جدي ووالدي * أنا البـدر إن حل النجوم خفاء

31 - وقول الفرزدق في مدح الإمام السجاد علي بن الحسين عليهما السلام :

هـــذا ابن خير عباد الله كلهم * هذا التقي النقي الطاهر العلم

32 - وقول ابن بشر في زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام يمدحه :

إذا نزل ابن المصطفى بطن تلعة * نفى جدبها واخضر بالنبت عودها

وزيد ربيع النـــاس في كل شتوة * إذا أخلـــــفت أبراقهــــا ورعودها

33 - وقول أبي عاصم ابن حمزة الأسلمي يمدح الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام كما في زهر الآداب للحصري القيرواني 1 ص 80 :

ستأتي مدحتي الحسن بن زيد * وتشهـــــد لي بصفيــن القبور

قبــــور لم تزل مذ غاب عنها * أبـــــو حــسن تعاديها الدهور

قبـــــور لـــــو بأحمد أو علي * يلـــــوذ مجـيرها حمي المجير

همـا أبواك من وضعا فضعه * وأنـــــت بـرفع من رفعا جدير

34 - وقول إبراهيم بن علي بن هرمه لما نصحه الحسن بن زيد المذكور كما في زهر الآداب 1 ص 81 .

نهاني ابن الرسول عن المدام * وأدبـــــني بـــــآداب الـــكـــــرام

35 - وقول أبي تمام الطائي(1) .

فعـــلتم بأبناء النبي ورهطه * أفاعيل أدناها الخيانة والغدر

36 - وقول دعبل الخزاعي :

فكيف ومن أنى بطالب زلفة * إلى الله بعد الصوم والصلوات ؟

سواحب أبناء النبي ورهطه * وبغـــض بني الزرقاء والعبلات

37 - وقوله :

ألم يحـــــزنك أن بني زياد * أصابوا بالتراث بني النبي

38 - وقول الحماني :

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع فيما يلي من الأبيات تراجم شعرائها في أجزاء كتابنا هذا.

 

/ صفحة 128 /

قوم لماء المعالي في وجوههم * عــنــــد التكرم تصويب وتصعيد

يدعـون أحمد إن عد الفخار أبا * والعـــود ينسب في أفناءه العود

39 - وقول التنوخي :

من ابن رسول الله وابن وصيه * إلى مدخل في عقبة الدين ناصب

40 - وقول الزاهي :

بنوا المصطفى تفنون بالسيف عنوة * ويسلمـــــني طيـــف الهجوع فأهجع

41 - وقول الناشي :

بنـــــي أحمــد قلبي بكم يتقطع * بمثل مصابي فيكم ليس يسمع

42 - وقول الصاحب بن عباد :

ما لعـــــلي العلي أشباه * ولا والذي لا إله إلا هـو

مبناه مبني النبي تعرفه * وابناه عند التفاخر إبناه

43 - وقوله :

أيجز رأس ابن النبي وفي الورى * حـــــي أمـــــام ركــــابه لم يقتل ؟

44 - وقوله :

بمحمد ووصيه وابنيهما * وبعــابد وبباقرين وكاظم

45 - وقوله :

بمحمد ووصيه وابنيهما * الطـــاهرين وسيد العباد

46 - وقول الصوري :

فلهذا أبناء أحمد أبناء * عــلي طـــــرايد الآفاق

47 - وقول مهيار الديلمي :

بأي حـــــكم بنوه يتبعــــونكم * وفخركم أنكم صحب له تبع ؟

48 - وقوله :

فيوم السقيفة يا بن النبي * طـــــرق يـومك في كربلا

49 - وقول ابن جابر :

جعلوا لأبناء الرسول علامة * إن العلامة شأن من لم يشهر

 

/ صفحة 129 /

50 - وقال الشبراوي :

يا بـــــن الرســول بأمك الزهر البتول * وجـــــدك المـــــأمول عـــــنــــــد الناس

وغدوت في الأشراف يا بن المصطفى * كالعـــــقل أو كـــــالروح أو كــــالرأس

فما المبرر عندئذ للخليفة في صفحه عما في كتاب الله وسنة نبيه وتلقيه بالقبول قول الأنصاري الشاذ عن الكتاب والسنة ؟ وما عذر فقيه أو حافظ إتخذ رأي الأنصاري دينا محتجا بقول شاعر لم يعرف بعد، وبين يديه القرآن والحديث والأدب ؟

 

- 3 -

رأي الخليفة في قطع السارق

عن صفية بنت أبي عبيد: أن رجلا سرق على عهد أبي بكر رضي الله عنه مقطوعة يده ورجله فأراد أبو بكر رضي الله عنه أن يقطع رجله ويدع يده يستطيب بها ويتطهر بها، وينتفع بها، فقال عمر: لا والذي نفسي بيده لتقطعن يده الأخرى.

 فأمر به أبو بكر رضي الله عنه فقطعت يده .

 وعن القاسم بن محمد: أن أبا بكر رضي الله عنه أراد أن يقطع رجلا بعد اليد والرجل فقال عمر رضي الله عنه: السنة اليد(1) .

 إن من موارد الحيرة أن الخليفة لا يعلم حد السارق الذي هو من أهم ما تجب عليه معرفته لحفظ الأمن العام، وتهدأة الحالة، وقطع جرثومة الفساد، ومن المحير أيضا تسرعه إلى الحكم قبل ما عزي إليه فيما مر ص 119 من الرجوع إلى الكتاب والسنة ثم الاستعلام من الصحابة ثم المشورة .

 ثم إن الذي سدده في هذا القضية لم نسي الحكم أبان خلافته فأراد عين ما أراده صاحبه.

 راجع الجزء السادس ص 136 ط 2 .

 

- 4 -

رأي الخليفة في الجد

عن ابن عباس وعثمان وأبي سعيد وابن الزبير قالوا: إن أبا بكر جعل الجد

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سنن البيهقي 8 ص 273، 274.

 

/ صفحة 130 /

أبا(1) يعنون أنه كان يعجب الأخوة بالجد ولم يشرك بينهما كما أن الأب يحجب الأخوة والأخوات .

 قال الأميني: لم يكن رأي الخليفة هذا متخذا من الكتاب والسنة، ولم يكن يعمل به أحد من الصحابة طيلة حياته، وما اتفق لجد يرث في أيامه حتى يؤيد رأيه ويقال: إن أحدا من الصحابة لم يخالف أبا بكر في حياته في رأيه هذا كما قاله البخاري والقرطبي(2) وأول جد كان في الاسلام فأراد أن يأخذ المال كله مال ابن ابنه دون إخوته هو عمر بن الخطاب فأتاه علي وزيد فقالا: ليس لك ذلك إنما كنت كأحد الأخوين، وقد فصلنا القول فيه في الجزء السادس ص 215 - 218 ط 2 فأول رجل خالف الخليفة في الجد هو خليفته بعده، وقد اتفق علي وعمر وعثمان وعبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وابن مسعود على خلاف الخليفة على توريث الأخوة مع الجد (3) وهو قول مالك والأوزاعي وأبي يوسف ومحمد والشافعي وابن أبي ليلي(4) .

 وافتعل القوم للخليفة عذرا بأنه كان يرى الجد أبا لمكان قوله تعالى: ملة أبيكم إبراهيم.

 وقوله: يا بني آدم بتقرير إطلاق الأب على الجد على الحقيقة.

 و لا يخفي على أي أحد أن صحة هذا الإطلاق لا توجب اتحاد الأب والجد في جميع الأحكام، ألا ترى إن صحة إطلاق الأم على الجدة على الحقيقة وقولهم في تعريف الجدة: إنها الأم العليا(5) لا تستدعي الاشتراك في النصيب فيرون مع هذه للجدة السدس بالاتفاق.

 وفريضة الأم هي الثلث بالكتاب والسنة .

 على أن الصحابة الأولين لم يكن عندهم أي إيعاز إلى هذا العذر المنحوت ، ولو كانت لرأي الخليفة قيمة وكرامة لأباحه أحد منهم، وفاه به عندما خالف علي وزيد عمر بن الخطاب ونهياه عن إعمال هذا الرأي .

 

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) صحيح البخاري باب ميراث الجد، سنن الدارمي 2 ص 352، أحكام القرآن للجصاص 1 ص 94، سنن البيهقي 6 ص 246 تأريخ الخلفاء للسيوطي ص 65 .

(2) راجع صحيح البخاري باب ميراث الجد. وتفسير القرطبي 5 ص 68 .

(3) صحيح البخاري باب ميراث الجد. سنن الدارمي 2 ص 354، بداية المجتهد 2 ص 340 .

(4) أحكام القرآن للجصاص 1 ص 94، تفسير القرطبي 5 ص 68 .

(5) تفسير القرطبي 5 ص 68.

 

/ صفحة 131 /

بل فيما رواه الدارمي عن الحسن من أن الجد قد مضت سنته، وأن أبا بكر جعل الجد أبا، ولكن الناس تخيروا(1) إيعاز إلى أن السنة في الجد ماضية ثابتة وقد خالفها الخليفة، وتخير الناس فخالفوه وعملوا بالسنة الشريفة .

 

- 5 -

رأي الخليفة في تولية المفضول

قال الحلبي في السيرة النبوية 3 ص 386: إن أبا بكر رضي الله عنه كان يرى جواز تولية المفضول على من هو أفضل منه وهو الحق عند أهل السنة لأنه قد يكون أقدر من الأفضل على القيام بمصالح الدين، وأعرف بتدبير الأمر، وما فيه انتظام حال الرعية .

 أجاب الحلبي بهذا عن تقديم أبي بكر عمر بن الخطاب وأبا عبيدة الجراح على نفسه في الخلافة وقوله: بايعوا أي الرجلين إن شئتم ، وقال الباقلاني في التمهيد ص 195 عند الجواب عن قول أبي بكر: وليتكم و لست بخيركم: يمكن أن يكون قد اعتقد أن في الأمة أفضل منه إلا أن الكلمة عليه أجمع والأمة بنظره أصلح، لكي يدلهم على جواز إمامة المفضول عن عارض يمنع من نصب الفاضل، ولهذا قال للأنصار وغيرهم: قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أحدهما: عمر بن الخطاب وأبا عبيدة الجراح، وهو يعلم أن أبا عبيدة دونه و دون عثمان وعلي في الفضل، غير أنه قد رأى أن الكلمة تجتمع عليه، وتنحسم الفتنة بنظره.

 وهذا أيضا مما لا جواب لهم عنه .

 قال الأميني: الذي نرتأيه في الخلافة أنها إمرة إلهية كالنبوة، وإن كان الرسول خص بالتشريع والوحي الإلهي، وشأن الخليفة التبليغ والبيان، وتفصيل المجمل.

 وتفسير المعضل، وتطبيق الكلمات بمصاديقها، والقتال دون التأويل(2) كما

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سنن الدارمي 2 ص 353 .

 (2) وبهذا عرف النبي صلى الله عليه وآله مولانا أمير المؤمنين بقوله: إن فيكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله قال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله ؟ ! قال: لا قال عمر : أنا هو يا رسول الله ؟ ! قال: لا ولكن خاصف النعل، وكان أعطى عليا نعله يخصفها.

 أخرجه جمع من الحفاظ وصححه الحاكم والذهبي والهيثمي كما يأتي تفصيله.

 

/ صفحة 132 /

يقاتل النبي دون التنزيل، وإظهار ما لم يتسن للنبي الإشادة به إما لتأخر ظرفه، أو لعدم تهيأ النفوس له، أو لغير ذلك من العلل، فكل منهما داخل في اللطف الإلهي الواجب عليه بمعنى تقريب العباد إلى الطاعة وتبعيدهم عن المعصية، ولذلك خلقهم و استعبدهم وعلمهم ما لم يعلموا، فلم يدع البشر كالبهائم ليأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل .

 ولكن خلقهم ليعرفوه، وليمكنهم من الحصول على مرضاته، وسهل لهم الطريق إلى ذلك ببعث الرسل، وإنزال الكتب، وتواصل الوحي في الفينة بعد الفينة، وبما أن أي نبي لم ينط عمره بمنصرم الدنيا، ولا قدر له البقاء مع الأبد، وللشرايع ظروف مديدة ، كما أن للشريعة الخاتمة أمد لا منتهى له، فإذا مات الرسول ولشريعته إحدى المدتين وفي كل منهما نفوس لم تكمل بعد، وأحكام لم تبلغ وإن كانت مشرعة، وأخرى لم تأت ظروفها، ومواليد قدر تأخير تكوينها، ليس من المعقول بعد أن تترك الأمة سدى والحالة هذه، والناس كلهم في شمول ذلك اللطف والواجب عليه سبحانه شرع سواء، فيجب عليه جلت عظمته أن يقيض لهم من يكمل الشريعة ببيانه، ويزيح شبه الملحدين ببرهانه، ويجلو ظلم الجهل بعرفانه، ويدرع عن الدين عادية أعدائه بسيفه وسنانه، ويقيم الأمت والعوج بيده ولسانه .

 ومهما كان للمولى جلت مننه عناية بعبيده، وقد ألزم نفسه بإسداء البر إليهم ، وأن لا يوليهم إلا الخير والسعادة، فعليه أن يختار لهم من ينوء بذلك العبأ الثقيل ويمثل مخلفه الرسول في الوظايف كلها، فينص عليه بلسان ذلك النبي المبعوث ولا يجوز أن يخلي سربهم، ويتركهم سدى، ألا ترى أن عبد الله بن عمر قال لأبيه: إن الناس يتحدثون أنك غير مستخلف، ولو كان لك راعي إبل أو راعي غنم ثم جاء وترك رعيته رأيت أن قد فرط - لرأيت أن قد ضيع - ورعية الناس أشد من رعية الإبل والغنم، ماذا تقول لله عز وجل إذ لقيته ولم تستخلف على عباده ؟(1) وقالت عائشة لابن عمر: يا بني أبلغ سلامي وقل له: لا تدع أمه محمد بلا

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سنن البيهقي 8 ص 149 عن صحيح مسلم، سيرة عمر لابن الجوزي ص 190، الرياض النضرة 2 ص 74، حلية الأولياء 1 ص 44، فتح الباري 13: 175 عن مسلم.

 

/ صفحة 133 /

راع، إستخلف عليهم ولا تدعهم بعدك هملا، فإني أخشى عليهم الفتنة(1) فترك الناس مهملين فيه خشية الفتنة عليهم .

 وقال عبد الله بن عمر لأبيه: لو استخلفت ؟ قال: من ؟ قال: تجتهد فإنك لست لهم برب، تجتهد، أرأيت لو أنك بعثت إلى قيم أرضك ألم تكن تحب أن يستخلف مكانه حتى يرجع إلى الأرض ؟ قال: بلى.

 قال: أرأيت لو بعثت إلى راعي غنمك ألم تكن تحب أن يستخلف رجلا حتى يرجع ؟(2) .

 م وهذا معاوية بن أبي سفيان يتمسك بهذا الحكم العقلي المسلم في استخلاف يزيد ويقول: إني أرهب أن أدع أمة محمد بعدي كالضان لا راعي لها ](3) .

 ليت شعري هذا الدليل العقلي المتسالم عليه لم أهملته الأمة في استخلاف النبي الأعظم واتهمته بالصفح عنه ؟ أنا لا أدري .

 ولا يجوز أيضا توكل الأمر إلى أفراد الأمة، أو إلى أهل الحل والعقد منهم لأن مما أوجبه العقل السليم أن يكون الإمام مكتنفا بشرايط بعضها من النفسيات - الخفية الملكات التي لا يعلمها إلا العالم بالسرائر(4) كالعصمة والقداسة والروحية ، والنزاهة النفسية لتبعده عن الأهواء والشهوات، والعلم الذي لا يضل معه في شئ من الأحكام إلى كثير من الأوصاف التي تقوم بها النفس، ولا يظهر في الخارج منها إلا جزئيات من المستصعب الحكم باستقرائها على ثبوت كلياتها، وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون.(سورة القصص 69) والله يعلم حيث يجعل رسالته .

 فالأمة المنكفئ علمها عن الغيوب لا يمكنها تشخيص من تحلى بتلك الصفات فالغالب على خيرتها الخطأ، فإذا كان نبي كموسى على نبينا وآله وعليه السلام تكون وليدة اختياره من الآلاف المؤلفة سبعين رجلا، وإنهم لما بلغوا الميقات قالوا: أرنا الله جهرة ؟ فما ظنك بأفراد عاديين واختيارهم، وأناس ماديين وانتخابهم، وما عساهم أن ينتخبوا غير أمثالهم ممن هو وإياهم سواسية كأسنان المشط في الحاجة إلى المسدد ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الإمامة والسياسة 1 ص 22 .

(2) طبقات ابن سعد 3 ص 249 .

(3) تاريخ الطبري 6: 170، الإمامة والسياسة 1: 151 .

(4) وقد أشبعنا القول في البرهنة على لزوم هذه الملكات الفاضلة في الإمامة في غير هذا المورد.

 

/ صفحة 134 /

وليس من المأمون أن يقع انتخابهم على عائث، أو يكون التيائهم بمشاغب، أو يكون انثيالهم وراء من يسر على الأمة حسوا في ارتغاء(1) أو يقع اختيارهم على جاهل يرتبك في الأحكام فيرتكب العظام، ويأتي بالجرائم، ويقترف المآثم وهو لا يعلم، أو يعلم ولا يكترث لأن يقول زورا، ويحكم غرورا، فيفسدوا من حيث أرادوا أن يصلحوا، و يقعوا في الهلكة وهم لا يشعرون، كما وقعت أمثال ذلك في البيعة لمعاوية ويزيد وخلفاء الأمويين .

 فعلى البارئ الرؤف الذي يكره كل ذلك في خلقه أن لا يجعل لأحد من خلقه الخيرة فيها وقد خلقه ظلوما جهولا(2) ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير(3)، و ربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة في الأمر(4) وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا.(الأحزاب 36) .

وقد أخبر به النبي الأعظم من أول يومه يوم عرض نفسه على القبائل فبلغ بني عامر بن صعصعة ودعاهم إلى الله فقال.

 له قائلهم: أرأيت إن نحن تابعناك على أمرك ثم أظهرك الله على من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك ؟ قال: إن الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء(5) .

 أني تسوغ أن تكون للخلق خيرة في الأمر مع شيوع الغايات والأغراض والدعاوي والميول والشهوات في الناس حول الانتخاب، مع اختلاف الأنظار وتضارب الآراء والمعتقدات في تحليل نفسيات الرجال والشخصيات البارزة، مع كثرة الأحزاب والفرق والأقوام والطوائف المتشاكسة، مع شقاق القومية والطائفية والشعوبية الذايع الشايع في المسكين ابن آدم من أول يومه .

 

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مثل يضرب لم يظهر أمرا ويريد غيره - تاج العروس. 1 ص 153 .

 (2) راجع الأحزاب: 72 .

 (3) سورة الملك آية 14 .

 (4) سورة القصص آية 67 .

 (5) سيرة ابن هشام 2 ص 32، الروض الأنف 1 ص 264، بهجة المحافل لعماد الدين العامري 1 : 128، السيرة الحلبية 2 ص 3، سيرة زيني دحلان 1 ص 302 هامش الحلبية، حياة محمد لهيكل ص 152.

 

/ صفحة 135 /

وقد اقترن الانتخاب من بد بدءه بالتحارش والتلاكم والتكالم والتشازر و التصاخب والتخاصم حتى قدت برود يمانية(1) ووقع البرح براحا(2) وكم بالانتخاب هتكت حرمات ؟ وأهينت مقدسات، وأضيعت حقايق، ودحض الحق الثابت، و دحس الصالح العالم، واختل الوئام، وأقلق السلام، وسفحت دماء زكية، و تشلشلت أشلاء الاسلام الصحيح، فجاء يطمع في الأمر من لا خلاق له من سوقي بردي، أو مبرطش ألهاه الصفق بالأسواق، أو بزاز يحمل بني أبيه على رقاب الناس ، أو حفار قبور لا يعرف عرضه من طوله، أو طليق غاشم، أو خمار سكير، أو مستهتر مشاغب، من الذين اتخذوا عباد الله خولا، ومال الله نحلا، وكتاب الله دغلا . ودين الله حولا .

 ومقتضى هذا البيان الضافي أن يكون الخليفة أفضل الخليفة أجمع في أمته لأنه لو كان في وقته من يماثله في الفضيلة أو من ينيف عليه استلزم تعيينه الترجيح بلا مرجح أو التطفيف في كفة الرجحان .

 على أن الإمام لو قصر في شئ من تلك الصفات لأمكن حصول حاجته إلى المورد الذي نبأ عنه علمه، أو تضائلت عنه بصيرته، أو ضعفت عنه منته، فعندئذ الطامة الكبرى من الفتيا المجردة، والرأي لا عن دليل، أو الأخذ عمن يسدده، وفي الأول العيث والفشل، وفي الثاني سقوط المكانة، وقد أخذ في الإمام مثل النبي أن يكون بحيث يطاع، وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله(3) وقرنت طاعة الإمام بطاعة الله ورسوله في قوله تعالى: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم(4) وذلك ليمكنه إقامة الحدود الإلهية، ودحض الأباطيل وربما تسربت الشبهة عن جهله إلى نفس الدعوة وحقيقة الدين إن كان عميده الداعي إليه يقصر عن الدفاع عنه وإزاحة الشكوك المتوجهة إليه .

 فكل هذا يستدعي كماله في الصفات الكمالية كلها فيفضل على الأمة جمعاء .

 

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مثل يضرب في شدة الخصومة، أي تخاصموا حتى تشاقوا الثياب الغالية .

 (2) البرح: الشدة والأذى والشر، والبراح: الصر / ح البين .

 (3) سورة النساء آية: 64 .

 (4) سورة النساء آية 59.

 

/ صفحة 136 /

قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون(1) قل هل يستوي الأعمى والبصير، أم هل تستوي الظلمات والنور(2) أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فمالكم كيف تحكمون(3) .