فهرس الكتاب

مكتبة الإمام أميرالمؤمنين (ع)

 

/ صفحة 300 /

خلق عظيم، والآخر يحمل منها بين جنبيه ما عرفناك حديثه .

 ونحن إن أخذنا ما جاء به القوم من قضايا الملكات فالبون بينهما شاسع أيضا، فالنبي الأقدس مثلا عندهم كما مر كان يكشف في الملأ عن ركبتيه وعن فخذيه و عما هو بينهما وبين سرته ولم يكن يبالي .

 وعثمان إن كان ليكون في البيت والباب عليه مغلق، فما يضع عنه الثوب ليفيض عليه الماء، يمنعه الحياء أن يقيم صلبه، كما مر في حديث الحسن ص 287 .

 وإن فرضت المشاكلة من جانب الأخذ بالدين والعمل بما فيه من أفعال أو تروك ؟ قالتباين بينهما ظاهر وأي تباين، ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون، ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا ؟ (1) هذا رسول التوحيد أسلم وجهه لله وهو محسن، يعبد ربه مخلصا له الدين تحت راية لا إله إلا الله، وقرط أذنه قوله تعالى: قل الله ثم ذرهم، وورد لسانه: وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت .

 وأما عثمان فهو أسير هوى مروان ومعاوية وسعيد ومن شاكلهم من أبناء بيته، يسير مع ميولهم وشهواتهم، حتى قال مولانا أمير المؤمنين: ما رضيت من مروان ولا رضي منك إلا بتحويلك عن دينك وعقلك، وإن مثلك مثل جمل الظعينة سار حيث يسار به (2) قدم ربه وقد خلط عملا صالحا وآخر سيئا، كسب سيئة وأحاطت به خطيئته .

 إيه إيه يا نبي العظمة أنزلك الدهر ثم أنزلك حتى جعلك كفو عثمان بعد ما اختارك ربك واصطفاك من بريته وجعلك لسان صدق نبيا، هذا جزاءك من أمتك جزاء سنمار، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .

(لفت نظر) :

وضعت يد الأمانة الخائنة على ودائع الاسلام المقدس هذه الرواية تجاه ما صح عن النبي الأقدس في صنوه الطاهر أمير المؤمنين في حديث طويل عن ابن عباس من قوله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: أنت وليي في الدنيا والآخرة .

 أخرجه أحمد في مسنده 1: 331 بإسناد صحيح رجاله كلهم ثقات كما مر الايعاز

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) سورة الزمر: 28 .

 (2) راجع ما مر في هذا الجزء ص 174 .

 

/ صفحة 301 /

إليه في الجزء الأول ص 50، وفي الجزء الثالث ص 195 ط 2، رجاله:

1 - يحيى بن حماد أبو بكر البصري، أحد رجال الصحيحين، وثقه ابن سعد و أبو حاتم وابن حبان والعجلي .

 2 - أبو عوانة الوضاح اليشكري، من رجال الصحيحين وثقه أبو زرعة وأبو حاتم وأحمد وابن حبان وابن سعد والعجلي وابن شاهين . وقال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه ثقة ثبت حجة .

 3 - أبو بلج يحيى بن سليم الواسطي . وثقه ابن معين وابن سعد والنسائي و الدار قطني وابن حبان وأبو الفتح الأزدي .

 4 - عمرو بن ميمون أبو عبد الله الكوفي، أدرك الجاهلية ولم يلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم وثقه العجلي وابن معين والنسائي وغيرهم . عن ابن عباس . وأخرجه جمع من الحفاظ وذكره غير واحد من المؤلفين ومنهم .

 1 - الحافظ أبو عبد الرحمن النسائي المتوفى 303 في الخصائص ص 7 .

 2 ـ الحافظ أبو القاسم الطبراني المتوفى 360 كما في الفرايد والمجمع وغيرهما.

3 – الحافظ أبو يعلى النيسابوري المتوفى 374 كما في البداية والنهاية .

 4 - الحافظ أبو عبد الله الحاكم المتوفى 405 في المستدرك 3: 132 وصححه .

5 - الحافظ أبو بكر البيهقي المتوفى 458 كما في المناقب للخوارزمي .

 6 - أخطب خوارزم أبو المؤيد المتوفى 568 في المناقب ص 75 .

 7 - الحافظ أبو القاسم ابن عساكر المتوفى 571 في الأربعين الطوال والموافقات .

8 - الحافظ أبو عبد الله الكنجي المتوفى 658 في كفاية الطالب ص 115 .

 9 - الحافظ المحب الطبري المتوفى 694 في الرياض النضرة 2: 203، ذخائر العقبى ص 87 .

 10 - شيخ الاسلام الحموئي المتوفى 722 في فرائد السمطين .

 11 - الحافظ ابن كثير الدمشقي المتوفى 774 في البداية والنهاية 7: 337 .

 12 - الحافظ أبو الحسن الهيثمي المتوفى 807 في مجمع الزوائد 9: 108 وصححه من طريق أحمد .

 

/ صفحة 302 /

13 - الحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى 852 في الإصابة 2: 509 .

 14 - أبو حامد محمود الصالحاني كما في (توضيح الدلائل) لشهاب الدين أحمد .

 15 - السيد شهاب الدين أحمد في (توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل) .

16 - الشيخ أحمد بن الفضل باكثير المتوفى 1042 في وسيلة المآل .

 17 - ميرزا محمد البدخشاني المتوفى 1123 في نزل الأبرار ص 16 ومفتاح النجا .

18 - شاه ولي الله الهندي المتوفى 1126 في إزالة الخفا 2: 261 .

 19 - الأمير محمد بن إسماعيل اليمني الصنعاني في الروضة الندية .

 20 - المولوي ولي الله الهند المتوفى 1270 في مرآة المؤمنين .

 وغيرهم هذا ما صح عن النبي الأعظم من قوله: أنت وليي في الدنيا والآخرة .

 فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم .

 12 - أخرج البزار من طريق خارجة بن مصعب عن عبد الله بن عبيد الحميري البصري عن أبيه قال: كنت عند عثمان حين حصر فقال: هاهنا طلحة ؟ فقال طلحة: نعم .

 فقال: أنشدتك الله أما علمت أنا كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه فأخذت بيد فلان، وأخذ فلان بيد فلان، حتى أخذ كل رجل بيد صاحبه وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي وقال: هذا جليسي في الدنيا ووليي في الآخرة ؟ قال: أللهم نعم . وذكره ابن حجر في فتح الباري 5 . 315 عن ابن منده من طريق عبيد الحميري المذكور ساكتا عما في إسناده من العلة، كأنه ليس هو الذي حكى تلكم الآراء الواردة في جرح خارجة بن مصعب عن الحفاظ وأئمة الجرح والتعديل قال في تهذيب التهذيب 3: 78 قال الأثرم عن أحمد: لا يكتب حديثه . وقال عبد الله بن أحمد: نهاني أبي أن أكتب عنه شيئا من الحديث . وقال الدوري ومعاوية وعباس عن ابن نمير: ليس بثقة، ليس بشئ، كذاب، ضعيف . وقال ابن معين: ليس بشئ . وقال يحيى بن يحيى: يدلس وقال النسائي: متروك الأحاديث، ليس بثقة، ضعيف . وقال ابن سعد: إتقى الناس حديثه فتركوه . وقال ابن خراش وأبو أحمد: متروك الحديث . وقال الدار قطني: ضعيف . وقال يعقوب: ضعيف الحديث عند جميع أصحابنا . وقال ابن المديني: هو عندنا ضعيف .

 

/ صفحة 303 /

وقال أبو داود: ضعيف ليس بشئ .

 وقال ابن حبان: وقع في حديثه الموضوعات عن الاثبات لا يجوز الاحتجاج بخبره .

 وذكره ابن الجارود والعقيلي وابن السكن وأبو زرعة وأبو العرب وغيرهم في الضعفاء .

 وقال السيوطي في اللئالي 1: 317: قال ابن حبان: خارجة يدلس عن الكذابين ووقع في حديثه الموضوعات .

 ولعلنا أوقفناك على مقياس صحيح في أمثال هذه الرواية في ذيل الروايتين اللتين تشبهانها قبيل هذا، فإنك إذن لا تجد مقيلا لها من الصحة والاعتبار نظرا إلى متنها قبل أن تقف على ضعف إسنادها، فدعها ومر بها كريما، وذر الوضاعين في غلوائهم يرمون القول على عواهنه ولو كان طلحة سمع هذه المزعمة منه صلى الله عليه وآله وسلم واعتراف بها يوم الحصار في ملأ الصحابة لما كان يأخذ بخناق الرجل ويشدد عليه، وما كان يثير عليه نقع الفتن حتى يورده مورد المنية، ولم يك يمنع عنه إيصال الماء إليه، ولم يرض بإنهاء أمره إلى القتل الذريع، ولم يرضه دفنه في مقابر اليهود .

 لو كان طلحة يعرف شيئا من هذه الرواية لما استسهل ركوب ذلك المركب الصعب الجموح وهو صحابي عادل أحد العشرة المبشرة كما يحسبون .

13 - أخرج ابن ماجة في سننه 1: 53 عن أبي مروان محمد بن عثمان الأموي العثماني عن أبيه عثمان بن خالد حفيد عثمان بن عفان عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن الأعرج عن أبي هريرة: إن النبي صلى الله عليه وسلم لقي عثمان عند باب المسجد فقال: يا عثمان ! هذا جبريل أخبرني إن الله قد زوجك أم كلثوم بمثل صداق رقية على مثل صحبتها . ورواه ابن عساكر كما في تاريخ ابن كثير 7: 211 .

 قال الأميني: أسلفنا فيما مر صفحة 290 أن محمد بن عثمان يخطئ ويخالف و يروي عن أبيه مناكير، وإن أباه ليس بثقة وأحاديثه غير محفوظة، وأنه حدث بأحاديث موضوعة لا يجوز الاحتجاج به، ومر في صفحة 295 أن عبد الرحمن بن أبي الزناد: ليس ممن يحتج به أصحاب الحديث وأنه ضعيف مضطرب الحديث لا يحتج بحديثه وعليك بمراجعة ما فصلناه في الجزء الثامن ص 231 - 234 ط 2 .

 

/ صفحة 304 /

14 - أخرج ابن عدي قال: حدثنا محمد بن داود بن دينار حدثنا أحمد بن محمد ابن حباب البصري حدثنا عمرو بن فائد البصري عن موسى بن سيار البصري عن الحسن البصري عن أنس مرفوعا: إن لله تعالى سيفا مغمودا في غمده ما دام عثمان بن عفان حيا، فإذا قتل جرد ذلك السيف فلم يغمد إلى يوم القيامة . ورواه ابن عساكر بالإسناد .

 قال السيوطي في اللئالي 1: 316: موضوع آفته عمرو بن فائد وشيخه كذاب أيضا .

 قال الأميني: ألا تعجب من السيوطي ؟ يحكم هاهنا على الرواية بالوضع ويكذب راويه ويذكرها في تاريخ الخلفاء ص 110 في عد فضائل عثمان ويقتصر على قوله: تفرد به عمرو بن فائد وله مناكير .

 نعم هكذا يموهون على الحقايق ويغرون الناس بالجهل، كان على الرجل أن يلغيها عن سياق عد الفضائل - التي من طبعها أن يحتج بها - بعد ما رآها موضوعة رواها كذاب عن كذاب، غير أنه لو اقتصر على ما يحتج به في باب الفضائل، وألغى ما لا يصح منها سندا أو متنا، لما يجد هو وغيره فضيلة قط لعثمان، وهذا مما لا يروقه هو ولا يحبذه قومه .

 وللدار قطني، وابن المديني، والعقيلي، وابن عدي، والنسائي، والذهبي، كلمات في جرح عمرو بن فائد وبطلان حديثه . راجع لسان الميزان 4: 372 .

 وليحيى القطان، وأبي حاتم، وابن عدي، وابن معين، والذهبي، أقوال في تفنيد موسى ابن سيار البصري وتكذيبه وبطلان حديثه . راجع ميزان الاعتدال 3: 211، ولسان الميزان 6: 120 .

 وفي الاسناد محمد بن داود الفارسي، قال الذهبي في الميزان 3: 54: من شيوخ ابن عدي ذكره فقال: كان يكذب .

 وذكرا بن حجر في اللسان 5: 161 حديثا في فضل علي أمير المؤمنين فقال: هو من وضع محمد بن داود بن دينار .

 هذا شأن هذه المكذوبة غير أن أناسا من الغالين في الفضائل كالسيوطي و القرماني (1) وأحمد زيني دحلان (2) اتخذوها حجة عند ذكرهم فضائل عثمان مرسلين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في أخبار الدول هامش الكامل لابن أثير 1: 214 .

(2) في الفتوحات الإسلامية 2: 498 .

 

/ صفحة 305 /

إياها إرسال المسلم شأنهم في الموضوعات المفتعلة في الثناء على رجالاتهم.

15 - وأخرج الحاكم في المستدرك 3: 103 من طريق أحمد بن كامل القاضي عن أحمد بن محمد بن عبد الحميد الجعفي عن الفضل بن جبير الوراق عن خالد بن عبد الله الطحان المزني عن عطاء بن السائب عن سعد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت قاعدا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ أقبل عثمان بن عفان رضي الله عنه فلما دنا منه قال: يا عثمان ! تقتل وأنت تقرأ سورة البقرة فتقع قطرة من دمك على " فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم " وتبعث يوم القيامة أميرا على كل مخذول يغبطك أهل الشرق والغرب، وتشفع في عدد ربيعة ومضر .

 قال الأميني: سكت الحاكم عن صحة الحديث وأنصف الذهبي فقال في تلخيصه: كذب بحت، وفي الاسناد أحمد بن محمد بن عبد الحميد الجعفي وهو المتهم به . ا ه‍ .

 وشيخ الجعفي أيضا لا يتابع على حديثه كما قاله العقيلي وحكاه عنه الذهبي في الميزان وابن حجر في لسانه 4: 438 .

 إن مما يقضى منه العجب أن أحدا من الصحابة العدول لم يسمع هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كأن المجلس الذي ألقى صلى الله عليه وآله وسلم فيه هذه الكلمة كان خلوا عنهم جميعا ومن العجيب أيضا أنه لم يروه أحد منهم لصاحبه - إن كان سمعه أحد - حتى تتداوله الألسن فعسى أن يكون رادعا عن التجمهر على عثمان والاتفاق على نبذه والجرأة على قتله، نعم: لم يسمعه أحد منه صلى الله عليه وآله وسلم عدا ابن عباس الذي كان صبيا في عهد النبوة لم يبلغ الحلم وقد توفي صلى الله عليه وآله وسلم وابن عباس ابن ثلاثة عشر سنة كما قاله الواقدي و الزبير وصححه أبو عمر في " الاستيعاب " أو عشر سنين كما روي عن ابن عباس نفسه من وجوه (1) أو أكثر منها، وربما يشك في أنه هل كان يحسن التحمل عندئذ أو لا ؟ ولعله هو أيضا كان شاكا في تحمله هذا الحديث حيث جاءته استغاثة عثمان (2) وهو يخطب الحاج يوم عرفة فتلاها نافع بن طريف فلما أتمها مضى ابن عباس في خطبته غير مكترث لاستغاثة الخليفة وهو بين الناب والمخلب، على حين أنه كان منصوبا من قبله لإمارة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) راجع مسند أحمد 1: 253، الاستيعاب 1: 372 .

 (2) راجع ما مضى في هذا الجزء صفحة 134، 192 .

 

/ صفحة 306 /

الحاج، فلم يعرض لشئ من شأنه ولا للزوم الدفاع عنه، وما ذلك إلا لاصفاقه مع المجهزين عليه في الرأي وإلا لكان من واجبه الحث على الذب عنه، وبيان وجوب إغاثته، وملأ سمعه هذا الحديث الذي عزي إليه وملأ فيه روايته - وحاشاه عن راويته - وكأن الحضرة النبوية نصب عينيه يتلقى فيه الرواية، وهو الذي يقتضيه عدله وتقواه .

 وهناك شاهد آخر لعدم إخباته إلى مضمون هذه الرواية وهو إنه لما بعثه عثمان أميرا على الحاج لقيته عائشة في بعض المنازل فقالت له: يا ابن عباس ! إن الله قد آتاك عقلا وفهما وبيانا فإياك أن ترد الناس عن هذا الطاغية (1) تعني عثمان، فلم يبد ابن عباس لها تجاه تلك الشدة تجهما ولا قولا لينا كمن يوافقها على النزعة، كما رد عليها في حثها على عدم التخذيل عن طلحة وجنوحها إلى توليه الأمر، فلو كان ابن عباس يعرف في شأن عثمان شيئا من هذه الرواية لرواه لها واتخذه مستندا في الدفاع عنه، فجامع القول إن الحبر لم يسمع مما تقول عليه شيئا، وإنما هو من مواليد العهد الأموي بعد عهد ابن عباس .

 وليس من المستسهل الكشف عن إمارة المخذولين يوم القيامة، كما أن من المستصعب جدا عرفان أعيانهم وأشخاصهم، أفيهم أولئك الصفوة الأبرار من الصحابة والتابعين أمثال أبي ذر وعمار وابن مسعود ومالك الأشتر وزيد وصعصعة ابني صوحان وكعب بن عبدة وعامر بن قيس وآخرين من صلحاء المدينة والكوفة والبصرة الذين خذلهم عثمان وأبناء بيته ؟ .

 ولعل في المخذولين الحكم ومروان وآلهما وعبد الله بن أبي سرح وأبا سفيان وولده وأضرابهم الذين خذلهم الاسلام وآواهم عثمان وعزرهم وسلطهم على صلحاء الأمة من الصحابة الأولين والتابعين لهم بإحسان .

 ونحن على يقين من أن الشفاعة المزعومة التي لا تصدقها سيرة عثمان ولا تساعدها البرهنة ويضادها نداء الكتاب الكريم إن حققت تدنس ساحة الجنة المقدسة بإدخال عثمان أرجاس آل أمية فيها كما يعرب عنه قوله الثابت المذكور في الجزء الثامن ص 291 ط 2: لو أن بيدي مفاتيح الجنة لأعطيتها بني أمية حتى يدخلوا من عند آخرهم .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) راجع ما مر في هذا الجزء صفحة 78 .

 

/ صفحة 307 /

16 - أخرج الحاكم المستدرك 3: 103 عن عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم العدل (1) عن يحيى بن أبي طالب عن بشار بن موسى الخفاف البصري عن الحاطبي عبد الرحمن (2) بن محمد عن أبيه عن جده قال: لما كان يوم الجمل خرجت أنظر في القتلى قال: فقام علي والحسن بن علي وعمار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر وزيد بن صوحان يدورون في القتلى قال: فأبصر الحسن بن علي قتيلا مكبوبا على وجهه فقلبه على قفاه ثم صرخ ثم قال: إنا لله وإنا إليه راجعون فرخ قريش والله .

 فقال أبوه: من هو يا بني قال: محمد بن طلحة بن عبيد الله .

 فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، أما والله لقد كان شابا صالحا ثم قعد كئيبا حزينا فقال له الحسن: يا أبت ! قد كنت أنهاك عن هذا المسير فغلبك على رأيك فلان وفلان .

 قال: قد كان ذاك يا بني ! ولوددت أني مت قبل هذا بعشرين سنة .

 قال محمد بن حاطب: فقمت فقلت: يا أمير المؤمنين ! إنا قادمون المدينة والناس سائلونا عن عثمان فإذا نقول فيه ؟ قال: فتكلم عمار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر فقاما وقالا فقال لهما علي: يا عمار ويا محمد ! تقولان: إن عثمان استأثر وأساء الأثرة وعاقبتم والله فأسأتم العقوبة، وستقدمون على حكم عدل يحكم بينكم ثم قال: يا محمد بن حاطب ! إذا قدمت المدينة وسئلت عن عثمان فقل: كان والله من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين وعلى الله فليتوكل المؤمنون .

 قال الأميني: سكت الحاكم عما في إسناد هذه الأكذوبة من العلل ولم يصححه ولم ينبس فيه بكلمة غمز ولا تصحيح، واكتفى الذهبي فيه بقوله: بشار بن موسى واه: ونحن نقول: عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم .

 قال الدار قطني فيه لين، وذكره بذلك الخطيب البغدادي في تاريخه 9: 414 .

 ويحيى بن أبي طالب قال فيه موسى بن هارون: أشهد أنه يكذب عني . وقال مسلمة بن قاسم: تكلم فيه الناس . " لسان الميزان 6: 262 " .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) كذا في النسخ والصحيح: المعدل .

 (2) كذا في النسخ والصحيح: عبد الرحمن بن عثمان بن محمد .

 

/ صفحة 308 /

وبشار بن موسى البصري، قال ابن معين: ليس بثقة . وقال: إنه من الدجالين . وقال أبو حفص: ضعيف الحديث.

 وقال البخاري: منكر الحديث وقد رأيته وكتبت عنه وتركت حديثه . وقال أبو داود: ضعيف . وقال النسائي: ليس بثقة . وقال أبو زرعة: ضعيف . وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم . وذكر عند الفضل بن سهل فأساء القول فيه (1) .

 وعبد الرحمن الحاطبي ضعفه أبو حاتم الرازي كما في ميزان الاعتدال للذهبي .

 ووالده عثمان لم أقف على ثناء عليه في معاجم التراجم .

 فأي عبرة بما يرويه أو يرتأيه أمثال هؤلاء الدجالين ؟ على أن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام كان على بصيرة من مسيره إلى حروبه كلها ومنقلبه عنها وفي جميع ما ارتكبه فيها أو تركه، وكل ذلك كان بأمر من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعهد منه إليه عليه السلام، وقد عد ذلك من فضائله، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يحث أصحابه على مناصرته يومئذ كما مر تفصيله في الجزء الثالث ص 188 - 195 ط 2 وكان صلى الله عليه وآله ويلم يقول: سيكون بعدي قوم يقاتلون عليا على الله جهادهم فمن لم يستطع جهادهم بيده فبلسانه، فمن لم يستطع بلسانه فبقلبه، ليس وراء ذلك بشئ (2) .

 وكان أبو أيوب الأنصاري وغيره من الصحابة يقول: عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نقاتل مع علي الناكثين (3) .

 وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحذر أم المؤمنين عايشة عن ذلك التبرج تبرج الجاهلية الأولى ويقول لها: يا حميراء ! كأني بك تنبحك كلاب الحوأب تقاتلين عليا وأنت له ظالمة (4) وقد صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم كما مر في ج 3 ص 191 ط 2 قوله للزبير: إنك تقاتل عليا وأنت ظالم له .

 فكان مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه مندفعا إلى ما ناء به من أعباء تلكم الحروب بالأمر النبوي، ولم يكن قط قد غلب على رأيه فلان وفلان، ولم يكن الإمام المجتبى المعصوم عن كل زلة وهفوة بالذي ينهى أباه عما أمر به جده الذي لا ينطق

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) تاريخ الخطيب 7: 119، تهذيب التهذيب 1: 144 .

 (2) راجع الجزء الثالث ص 190 ط 2 .

 (3) راجع الجزء الثالث ص 192، 95 1 ط 2 .

 (4) راجع الجزء الثالث ص 189 ط 2 .

 

/ صفحة 309 /

عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، ولا أمير المؤمنين عليه السلام بالذي يندم على ما نهض به من قم جذور الفساد وقلع جذومه، ولو سوغنا عليه الندم في هذه لسوغنا عليه فيما قتله في مغازي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من أشياع الكفر وزبانية الشرك والالحاد، فإذ كان سلام الله عليه في المقامين جميعا منبعثا بباعث إلهي ومصلحة دينية من استئصال شأفة العيث وقطع جراثيم الالحاد، فلا يطرق ساحته المقدسة الندم في أي من الحالين .

 وأي صلاح في محمد بن طلحة ؟ وقد شهر سيفه يحارب إمام المسلمين وقد أمر بنصرته والجهاد معه، فحاله حال أبيه في الزيغ والنكوص عن السنن اللاحب .

 هذه حقيقة الأمر لكن مهملجة الخلاف الوضاعين شاءوا أن يختلقوا ما يبرر أعمال الواثبين مع الهودج فقالوا، ولكن أين ؟ وأنى ؟

 وكيف يصح عن مولانا أمير المؤمنين ما اختلقوا عليه من قوله لمحمد بن حاطب ؟ وقد صدر عنه من فعل وقول قبل هذا الموقف وبعده ما يعرب عن رأيه في عثمان، ولا يصدق الخبر الخبر، راجع ما مر في هذا الجزء ص 69 - 77، وفي الجزء الثامن ص 287، 298، 300، 301 ط 2، وفي الجزء السابع ص 81 ط 2 .

 وهل تساعد سيرة الرجل أن يراه أمير المؤمنين من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا . الآية .

 وهي التي أركبته النهابير، وسقته كأس المنية، وكانت تخالف الكتاب والسنة، والصحابة الأولون وفي مقدمهم سيدنا الإمام عليه السلام كانوا مطبقين عن النكير والنقمة عليها، ولأجلها تمخضت البلاد عليه، وهي التي أقعدت الصحابة عن نصرته والذب عنه، وهي التي زحزحت الأمة الصالحة عن تجهيزه وتكفينه والصلاة عليه، وهي التي دفنته في مقابر اليهود بعد ما بقي جثمانه في مزبلة أياما وليالي تمر به عواصف الذل والهوان والملا الديني ينظر إليه من كثب، والناس قد بايع أمير المؤمنين عليا عليه السلام وبيده مقاليد الأمور يسمع قوله ويطاع، وهو الذي يتحمس لأمر ما، يراه الناس هينا وهو عنده عظيم، فيعاتب أصحابه ويقول في خطبته له: لقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة فينتزع حجلها وقلبها وقلائدها ورعاثها (1) ما تمتنع منه إلا بالاسترجاع والاسترحام ثم انصرفوا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) القلب: السوار. الرعاث جمع رعثة بالفتح: القرط .

 

/ صفحة 310 /

وافرين، ما نال رجلا منهم كلهم، ولا أريق لهم دم، فلو أن امرء مسلما مات من بعد هذا أسفا ما كان به ملوما بل كان به عندي جديرا (1) هذا أمير المؤمنين وهذا مبلغ غيرته على الاسلام وأهله ولكن:

وابـن عفان حوله لم يجهز          ه ولا كـــــف عنه كف أذاها

لســت أدري أكان ذلك مقتا          من علي ؟ أم عفة ونزاها؟

فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله . ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق .

 17 - أخرج ابن أبي الدنيا من طريق فرج بن فضالة الدمشقي عن مروان بن أبي أمية عن عبد الله بن سلام قال: أتيت عثمان لأسلم عليه وهو محصور فدخلت عليه فقال: مرحبا بأخي، مرحبا بأخي، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة في هذه الخوخة - قال: و خوخة في البيت - فقال: يا عثمان ! حصروك ؟ قلت: نعم .

 قال: عطشوك ؟ قلت: نعم، فأدلى دلوا فيه ماء فشربت حتى رويت حتى أني لأجد برده بين ثديي وبين كتفي وقال لي: إن شئت نصرت عليهم، وإن شئت أفطرت عندنا، فاخترت أن أفطر عنده، فقتل ذلك اليوم (2) .

 قال الأميني: هذه السفسطة من آفات فرج بن فضالة الدمشقي قال أحمد: يحدث عن الثقات أحاديث مناكير .

 وقال ابن معين: ضعيف الحديث . وقال ابن المديني: ضعيف لا أحدث عنه . وقال البخاري ومسلم: منكر الحديث.

 وقال النسائي: ضعيف وقال أبو حاتم: لا يحتج به . وقال أبو أحمد: حديثه ليس بالقائم . وقال الدار قطني: ضعيف الحديث .

 وذكر البرقاني حديثا للدار قطني من طريق فرج بن فضالة فقال: الدار قطني: هذا باطل . فقال البرقاني: من جهة الفرج ؟ قال: نعم . وقال عبد الرحمن ابن مهدي: حدث بأحاديث منكرة مقلوبة . وقال الساجي: ضعيف الحديث .

 وقال الخطيب: لا يغتر أحد بالحكاية المروية في توثيقه عن ابن مهدي فإنها من رواية سليمان بن أحمد وهو الواسطي وهو كذاب، وقد قال البخاري: تركه ابن مهدي . و

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) نهج البلاغة 1: 69 .

 (2) الأنساب للبلاذري 5: 82، تاريخ ابن كثير 7: 182، الرياض النضرة 2: 127 .

 

/ صفحة 311 /

قال ابن حبان: فرج بن فضالة يقلب الأسانيد ويلزق المتون الواهية بالأسانيد الصحيحة لا يحل الاحتجاج به .

 وقال الحاكم: هو ممن لا يحتج به (1) .

 هذا فرج بن فضالة وأما شيخه مروان فلست أدري أي هي بن بي هو (2) لم أقف في المعاجم على ترجمته ولم أجد له ذكرا لا في مشايخ ابن فضالة ولا فيمن يروي عن ابن سلام، ولعله لم يولد بعدوكم في سلسلة أسانيد الفضائل أمثاله من أناس لا تعرفهم أم الدنيا، وما صورهم فلم التصوير، وإنما اختلق أسمائهم الغلو في الفضائل .

 ولست أدري هل أسر عثمان بهذه المكرمة إلى ابن سلام فحسب ؟ أو أخبر بها هو أو ابن سلام جمهور الصحابة فوجدوها رؤيا لا تنهض للحجة، أو بلغتهم حينما مس الحزام الطبيين، وبلغ السيل الزبى، واتسع الخرق على الراقع، حينما فاتت الخليفة نهزة الحجاج، وتمت عليه الحجة وأصبح محجوجا، والأمة مجتمعة على مقته، و قطع أصول حياته وهي لا تجتمع على خطأ .

 وفي الرواية موقع نظر أيضا من ناحية صوم عثمان عند من أرخ قتله بثاني أيام التشريق - كما في رواية أبي عثمان النهدي في أنساب البلاذري 5: 86، وقد رواه الواقدي أيضا، واختاره المبرد في " الكامل " 2: 241، وذكره أبو عمر في " الاستيعاب " 2: 477، وابن الجوزي في صفة الصفوة 1: 117، وابن حجر الهيثمي في الصواعق ص 66، والعسقلاني في تهذيب التهذيب 7: 141، والسيوطي في تاريخ الخلفاء ص 109 والديار بكري في تاريخ الخميس 2: 258، 264، ومن مؤلفي اليوم الأستاذ علي فكري في أحسن القصص 3: 164 وذلك أن الصوم في أيام التشريق محظور عند القوم، و هو قول أبي حنيفة والشافعي وعند مالك لغير المتمتع (3) وقال ابن العماد الحنبلي في الشذرات 1: 41: قوله: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: وتفطر عندنا .

 معناه أول شئ تستعمله على الريق يكون عندنا لا أنه فطر صائم إذ لم يكن يومئذ صائما، فإن يوم قتله كان ثاني أيام التشريق ولا يجوز صومه . ا ه‍ .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تهذيب التهذيب 8: 260 - 262 .

(2) يقال: هي بن بي . أو: هيان بن بيان . أي مجهول لا يعرف هو ولا أبوه .

(3) المحلى لابن حزم 7: 28، نيل الأوطار 4: 353 .

 

/ صفحة 312 /

وهذا التأويل يخالف ما أثنى به المؤرخون على عثمان من إنه كان يوم قتله صائما، وهو من المتسالم عليه عند القوم سلفا وخلفا حتى اليوم كما ذكره الأستاذ علي فكري في أحسن القصص 3: 164 .

 ويضاد أيضا صريح ما أخرجه ابن كثير في تاريخه 7: 182 من طريق ابن عمر عن عثمان قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال: يا عثمان ! أفطر عندنا .

 فأصبح صائما وقتل من يومه .

 وكذلك لا يلتئم هو وما أخرجه الهيثم بن كليب بالإسناد عن نائلة بنت الفرافصة " امرأة عثمان " قالت: لما حصر عثمان ظل اليوم الذي كان فيه قتله صائما، فلما كان عند إفطاره سألهم الماء العذب فأبوا عليه، وقالوا: دونك ذلك الركي - وركي في الدار الذي يلقى فيه النتن - قالت: فلم يفطر فرأيت جارا على أحاجير متواصلة - وذلك في السحر - فسألت الماء العذب .

 فأعطوني كوزا من ماء فأتيته فقلت: هذا ماء عذب أتيتك به، قالت: فنظر فإذا الفجر قد طلع فقال: إني أصبحت صائما، قالت فقلت: ومن أين ولم أر أحدا أتاك بطعام ولا شراب ؟ فقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع علي من هذا السقف ومعه دلو من ماء فقال: اشرب يا عثمان ! فشربت حتى رويت ثم قال: ازدد فشربت حتى نهلت، ثم قال: أما إن القوم سينكرون عليك فإن قاتلتهم ظفرت، وإن تركتهم أفطرت عندنا .

 قالت: فدخلوا عليه من يومه فقتلوه (1) .

 نعم: إن الحديثين لا يعول عليهما أيضا لما في إسنادهما من داعية إلى الأرجاء يبغض أهل بيت نبيه، ومن مجهول منكر لا يعرف، ومن متحامل على أمير المؤمنين من الفئة الباغية، فالحديثان كرواية ابن أبي الدنيا باطلان، وما ذهب إليه القوم من أن الرجل كان يوم قتله صائما منقبة مفتعلة لا تصح لاستنادهم فيها إلى تلكم الأباطيل التي اختلقتها يد الغلو في الفضائل .

 18 - أخرج الحاكم وابن عساكر وغيرهما من طريق محمد بن يونس الكديمي أبي العباس البصري، عن هارون بن إسماعيل الخزاز أبي الحسن البصري، عن قرة ابن خالد السدوسي البصري، قال: سمع الحسن البصري عن قيس بن عباد البصري قال: شهدت عليا رضي الله عنه يوم الجمل يقول كذا: أللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) تاريخ ابن كثير البداية والنهاية 7: 183 .

 

/ صفحة 313 /

ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان وأنكرت نفسي وأرادوني على البيعة فقلت: والله إني لاستحيي من الله أن أبايع قوما قتلوا رجلا قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ألا أستحيي ممن تستحيي منه الملائكة .

 وإني لاستحيي من الله أن أبايع وعثمان قتيل على الأرض لم يدفن بعد، فانصرفوا فلما دفن رجع الناس إلي فسألوني البيعة فقلت: أللهم إني مشفق لما أقدم عليه ثم جاءت عزيمة فبايعت فلقد قالوا: يا أمير المؤمنين ! فكأنما صدع قلبي، فقلت: أللهم خذ مني لعثمان حتى ترضى . وفي لفظ ابن كثير: فلما قالوا: أمير المؤمنين . كان صدع قلبي وأمسكت (1).

 قال الأميني: ألا تعجب من الحاكم يذكر مثل هذه الأضحوكة ويعدها مما استدرك به على الصحيحين ويمر بما فيها من اللغو كريما، ولعل الذهبي عرف بطلانها غير أنه لما وجدها في منقبة عثمان سكت عنها نهائيا ولم يلخصها ولم ينبس فيها ببنت شفة، ويدخر ما في علبة علمه أو في كنانة جهله إلى تزييف حديث " أنا مدينة العلم وعلي بابها " وأمثاله من الصحيح الوارد في فضائل مولانا أمير المؤمنين فيجابهها بكل جلبة ولغط، ولا تقصر عن أشواطهما خطى ابن كثير في تاريخه فيستند إليها مستدلا على ما يرومه من دحض الحق وترصيف الباطل، ونحن أسلفنا في الجزء الخامس ص 266 ط 2 في سلسلة الكذابين والوضاعين نزرا من أقوال الحافظ في جرح محمد بن يونس الكديمي وأنه كان يضع الحديث على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد وضع أكثر من ألف حديث وهاهنا نبسط القول فيها: قال الآجري: سمعت أبا داود ابن الأشعث يتكلم في محمد بن سنان وفي محمد بن يونس يطلق فيهما الكذب .

 وقال ابن التمار: ما أظهر أبو داود السجستاني تكذيب أحد إلا في رجلين: الكديمي وغلام خليل .

 وقال أبو سهل القطان: كان موسى بن هارون ينهي الناس عن السماع من الكديمي ويقول: قد تقرب إلي بأني كتبت عن أبيك في مجلس محمد بن القاسم الأسدي وما حدث أبي قط عن محمد بن القاسم الأسدي .

 و عن موسى بن هارون أنه كان يقول وهو متعلق بأستار الكعبة -: أللهم إني أشهدك أن الكديمي كذاب يضع الحديث. وقال الشاذ كوني: الكديمي وأخو الكديمي وابن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) مستدرك الحاكم 3: 103، تاريخ ابن كثير 7: 193 .

 

/ صفحة 314 /

الكديمي بيت الكذب .

 وقال أبو بكر الهاشمي: كنا يوما عند القاسم المطرز وكان يقرأ علينا مسند أبي هريرة فمر في كتابه حديث عن الكديمي فامتنع عن قراءته فقام إليه محمد بن عبد الجبار - وكان قد أكثر عن الكديمي - فقال: أيها الشيخ أحب أن تقرأه فأبى وقال: أنا أحاسبه بين يدي الله يوم القيامة وأقول: إن هذا كان يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى العلماء .

 وقال الدار قطني: الكديمي يتهم بوضع الحديث وقال: ما أحسن القول فيه إلا من لم يخبر حاله .

 وقال ابن حبان: كان يضع الحديث لعله قد وضع على الثقات أكثر من ألف حديث .

 وقال ابن عدي: قد اتهم بالوضع وادعى الرواية عمن لم يرهم، ترك عامة مشايخنا الرواية عنه، ومن حدث عنه نسبه إلى جده لئلا يعرف (1) وقال ابن عدي أيضا: روى الكديمي عن أبي هريرة عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر حديثا باطلا، وكان مع وضعه الحديث وادعائه ما لم يسمع علق لنفسه شيوخا .

 وكان ابن صاعد وعبد الله بن محمد لا يمتنعان من الرواية عن كل ضعيف كتبا عنه إلا عن الكديمي فإنهما كانا لا يرويان عنه لكثرة مناكيره، ولو ذكرت كلما أنكر عليه وادعائه ووضعه لطال ذلك .

 وقال الحاكم أبو أحمد: الكديمي ذاهب الحديث تركه ابن صاعد وابن عقدة وسمع منه خزيمة ولم يحدث عنه، وقد حفظ فيه سوء القول عن غير واحد من أئمة الحديث (2) .

 وذكر السيوطي في اللئالي المصنوعة عدة أحاديث في شتى الأبحاث من طريق الكديمي فحكى فيها عن الحفاظ الحكم بوضعها وقولهم: إن آفتها الكديمي وإنه كذاب وضاع .

 وكأنه نسي كل ما ذكر هنالك فأورد هذه الأكذوبة في تاريخ الخلفاء ص 110 محذوفة الاسناد وقال: أخرجه الحاكم وصححه .

 ألم تكن تلك الأقوال الجارحة في الكديمي نصب عينه عند عد فضائل عثمان ؟ أم أن فضائل الرجل لها حساب آخر يسوغ الغلو فيها كل كذب واختلاق ؟ على أن الحاكم سكت عن هذه الأكذوبة ولم يصححها فنسبة التصحيح إليه لمحض إخراجه إياها في مستدرك الصحيحين وإلا فلا صراحة فيه بالتصحيح .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) كما أن الحاكم يعرفه بالقرشي ولم يذكر نسبته إلى الكديم لئلا يعرف .

 (2) راجع تهذيب التهذيب 9: 539، والمصادر التي مرت في ج 5: 266 ط 2 .

 

/ صفحة 315 /

وبعد هذه كلها فإن المعلوم من نظرية مولانا أمير المؤمنين في عثمان كآراء بقية الصحابة فيه يفند نسبة هذه الأقاويل المختلقة إليه، أليس من المضحك ما ينسب إليه صلوات الله عليه من قول: ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان .

 .

 الخ ؟ ليته عليه السلام بدل هذه الكلمة كان يخطو خطوة في التحفظ على حرمة الرجل وكرامته، ويأمر ولده وذويه بتجهيزه وتكفينه والصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين، وليته كان يقيم له مأتما ويأبنه ويذكره بالخير بعد ما تسنم منصة الخلافة، أو كان يحضر عند تربته ويقوم على قبره ويقرأ له الفاتحة ويأتي بسنة الله التي جاءت في زيارة قبور المسلمين، وأي مسلم لم تكن له معاظم واجبة المراعاة (1) .

 وليته كان يسكت عنه يوم قام به وقعد (2) وقال على رؤس الاشهاد: قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع، إلى أن انتكث فتله، وأجهز عليه عمله، وكبت به بطنته .

 وقال في اليوم الثاني من بيعته في خطبة له: ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان، وكل مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال، فإن الحق القديم لا يبطله شئ ولو وجدته قد تزوج به النساء، وفرق في البلدان، لرددته إلى حاله .. الخ .

 وليته كان لم يجابهه بقوله: ما رضيت من مروان ولا رضي منك إلا بتحرفك عن دينك وعقلك، وإن مثلك مثل الظعينة سار حيث سار به .

 وليته كان لم يكتب إلى المصريين بقوله: إلى القوم الذين غضبوا لله حين عصي في أرضه وذهب بحقه، فضرب الجور سرادقه على البر والفاجر، والمقيم الظاعن، فلا معروف يستراح إليه، ولا منكر يتناهى عنه .

 وليته كان لم يقل: ما أحببت قتله ولا كرهته، ولا أمرت به ولا نهيت عنه .

 أو كان لم يقل: ما أمرت ولا نهيت، ولا سرني ولا ساءني .

 وليته كان لم يخطب بقوله: من نصره لا يستطيع أن يقول: خذله من أنا خير منه، ومن خذله لا يستطيع أن يقول: نصره من هو خير مني .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) بقال له: معاظم واجبة المراعاة . أي حقوقا مستعظمة .

 (2) يقال: قام به وقعد: أي نشر عنه أخبار السوء .

 

/ صفحة 316 /

وليته كان لم ينفر أصحابه إلى قتال طالبي دم عثمان بقوله على صهوة المنبر: يا أبناء المهاجرين انفروا إلى من يقاتل على دم حمال الخطايا .. الخ .

 وليته لما قال له حبيب وشرحبيل: أتشهد أن عثمان قتل مظلوما .

 كان لم يجب بقوله: لا أقول بذلك (1) وليته وليته ..

 والعجب كل العجب من قول علي صلوات الله عليه " فلما قالوا: أمير المؤمنين صدع قلبي " لماذا صدع قلبه صلوات الله عليه ولم تكن لهذه التسمية جدة ؟ وإنما سماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك وحكاه عن الله تعالى وعن جبرئيل عليه السلام وما صدع قلبه يوم ذاك، فعلي من أول يومه هو أمير المؤمنين بنص من الصادع الأمين، وما أنزل الله آية فيها يا أيها الذين آمنوا إلا وعلي رأسها وأميرها (2) .

 19 - أخرج ابن سعد في الطبقات 3: 47 ط ليدن عن محمد بن عمر عن عمرو بن عبد الله بن عنبسة بن عمرو بن عثمان عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن ابن لبيبة قال: إن عثمان بن عفان لما حصر أشرف عليهم من كوة في الطمار فقال: أفيكم طلحة ؟ قالوا: نعم .

 قال: أنشدك الله هل تعلم أنه لما آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار آخى بينه وبين نفسه ؟ فقال طلحة: أللهم نعم .

 فقيل لطلحة في ذلك فقال: نشدني وأمر رأيته ألا أشهد به ؟ رجال الاسناد:

1 - محمد بن عمر . هو الواقدي، راجع ترجمته في ميزان الاعتدال 3: 110 .

 2 - عمرو بن عبد الله الأموي حفيد عثمان، لم أجد له ذكرا في المعاجم، ولعل فيه تدليس .

 3 - محمد بن عبد الله الأموي حفيد عثمان، قال البخاري: عنده عجائب، وقال ابن الجارود: لا يكاد يتابع على حديثه . وقال النسائي مرة: ثقة . وأخرى: ليس بالقوي . راجع تهذيب التهذيب 9: 268 .

 4 - ابن لبيبة ويقال: ابن أبي لبيبة محمد بن عبد الرحمن .

 قال ابن معين: ليس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) راجع ما مر في ج 7: 81، و ج 8: 287، و ج 9: 69، 70، 72، 74، 172، 174 .

 (2) راجع ما أسلفناه في الجزء الثامن ص 87، 89 ط 2 .

 

/ صفحة 317 /

حديثه بشئ .

 وقال الدار قطني: ضعيف .

 وقال آخر ليس: بالقوي (1) على أن ابن لبيبة لم يشهد حصر عثمان ولم يرو عن صحابي فحديثه عن عثمان وعلي وسعد مرسل، يروي عن سعيد بن المسيب وعبد الله بن عمرو بن عثمان وطبقتهما، فالرواية مرسلة، وابن سعد جد عليم بأن مثل هذه المفتعلة لا يخفى بطلانه على أي أحد سواء أرسله أو أسنده .

 وهلا يعلم مفتعل هذه الأضحوكة أن أئمة الحديث وحفاظه ورجال التاريخ أصفقت على أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يتخذ لنفسه أخا يوم المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار إلا ابن عمه علي بن أبي طالب ؟ وهذا الذي يقتضيه الاعتبار بعد ما نص الكتاب العزيز على أن عليا سلام الله عليه نفس النبي الأقدس .

 وإنهما من أهل بيت أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وإن ولاية علي مقرونة بولاية الله ورسوله (2) .

 وبعد ما ثبت أنه سلام الله عليه صنو النبي الأعظم في الفضائل، وشاكلته في النفسيات، ورديفه في الملكات الفاضلة، ونظيره من أمته كما جاء عنه صلى الله عليه وآله سلم (3) وهو منه صلى الله عليه وآله بمنزله رأسه من بدنه نصا منه صلى الله عليه وآله وسلم (4) وهو منه صلى الله عليه وآله وسلم بمنزلته من ربه كما ورد عن أبي بكر مرفوعا (5) وهما من شجرة واحدة وساير الناس من شجر شتى كما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم (6) وهو الذي ثبت فيه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: أنت مني وأنا منك (7) وهو الذي أنزله صلى الله عليه وآله وسلم من نفسه بمنزلة هارون من موسى ولم يستثن له مما اختصه الله به إلا النبوة (8) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) ميزان الاعتدال 3: 89، تهذيب التهذيب 9: 301 .

 (2) راجع ما مر في ج 2: 47، و ج 3: 156 167 ط 2 .

 (3) الرياض النضرة 2: 164 .

 (4) تاريخ الخطيب البغدادي 7: 12، الرياض النضرة 2: 162، مصباح الظلام للدمياطي 2: 56 .

 (5) الرياض النضرة 2: 163 .

 (6) سيوافيك حديثه إنشاء الله تعالى بألفاظه ومصادره .

 (7) صحيح البخاري كتاب المناقب 5: 219، مسند أحمد 5: 204، 356، صحيح الترمذي في المناقب 2، 213، خصائص النسائي ص 20، 24، 36، تاريخ الخطيب 4: 140، و راجع ما مضى في الجزء السادس 338 - 350 ط 2 .

 (8) حديث المنزلة أخرجه أئمة الحديث بطرق صحيحة في الصحاح والمسانيد .

 

/ صفحة 318 /

لقد أدينا البحث عن حديث المؤاخاة حقه في الجزء الثالث ص 112 - 125 وذكرنا هنالك خمسين حديثا مما وقفنا عليه من أحاديث الاخاء الثابت بين النبي الأعظم و أخيه أمير المؤمنين، وقد صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم قوله: أنت أخي في الدنيا والآخرة .

 من طريق عمر وأنس وابن أبي أو في وابن عباس ومحدوج بن زيد الذهلي وجابر بن عبد الله و عامر بن ربيعة وأبي ذر وغيرهم .

 إنما فدحت هذه المأثرة أهل الأهواء كبقية مآثر الإمام صلوات الله عليه فوضعوا تجاها أكذوبة في أبي بكر وأنه هو أخو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (1) وأخرى في عثمان و إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آخى بينه وبين نفسه .

 وثالثة في علي عليه السلام إن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بينه وبين عثمان (2) ورواة السوء يعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آخى بين أبي بكر و بين عمر في المؤاخاة الأولى بمكة (3) وبينه وبين خارجة بن زيد الأنصاري في المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار بالمدينة (4) وآخر بين عثمان وبين عبد الرحمن بن عوف في المؤاخاة بمكة (5) وبينه وبين أوس بن ثابت يوم المؤاخاة بالمدينة .

 (6) فعثمان قط لا ينشد بالمكذوب، وطلحة لا يدعي رؤية ما لم يره، ولا يشهد بخلاف ما شاهده وعاينه، إن كانا من عدول الصحابة صدقا، ومن المبشرين بالجنة حقا، وأنت تعرف حكم هذه الدعاوي من الصحيح الثابت عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام أنه كان يقول: أنا عبد الله وأخو رسوله لا يقولها أحد غيري إلا كذاب .

 قال ابن كثير في تاريخه 7: 335: وقد جاء من غير وجه .

 وقال ابن حجر: رويناه من وجوه (7) و

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع ج 3 من كتابنا هذا ص 111، والإصابة 1: 35 وضعفه .

(2) الرياض النضرة 1: 17 .

 (3) راجع تاريخ ابن عساكر 6: 90، أسد الغابة 2: 221، عيون الأثر 1: 199، الرياض النضرة 1: 15، 17، فتح الباري 7: 217 .

 (4) راجع سيرة ابن هشام 2: 124، تاريخ ابن كثير 3: 226، عيون الأثر 1: 201، الرياض النضرة 1: 16، فتح الباري 7: 216، 218 .

 (5) راجع تاريخ ابن عساكر 6: 90، عيون الأثر 1: 199، الرياض النضرة 1: 15، 17، فتح الباري 7: 218 .

 (6) راجع سيرة ابن هشام 2: 125، تاريخ ابن كثير 3: 227، عيون الأثر 1: 201، الرياض النضرة 1: 61 .

 (7) تهذيب التهذيب 7: 337، وراجع ج 3 من كتابنا هذا ص 121 .

 

/ صفحة 319 /

كان قول أمير المؤمنين هذا أخذا بما قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قوله: أنت أخي وأنا أخوك فإن ناكرك أحد - وفي لفظ فإن حاجك - أحد فقل: أنا عبد الله وأخو رسول الله لا يدعيها بعدك إلا كذاب (1) .

 وأول من فتح باب التجري بمصراعيه على هذه الفضيلة الرابية هو عمر بن الخطاب يوم قادوا صاحب الفضيلة إلى البيعة كما يقاد الجمل المخشوش، وقال: إن أنا لم أفعل فمه ؟ قالوا: إذن والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك .

 قال: إذن تقتلون عبد الله وأخا رسوله .

 قال عمر: أما عبد الله فنعم وأما أخو رسوله فلا (2) .

 أنا لست أخدش العواطف بالأعراب عن حكم إنكار عمر الأخوة الثابتة بتلكم النصوص الصريحة الأكيدة وقد سمعها هو من الصادع الكريم في ذلك اليوم المشهود غير أني جد عليم بأن حجاج مولانا أمير المؤمنين كان أخذا بما مر قبيل هذا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قوله: فإن ناكرك أحد فقل: أنا عبد الله وأخو رسول الله .

 وهل قرع هذا سمع عمر أيضا وجابهه مع ذلك بالشدة في النكير عليه ؟ أنا لا أدري، فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم، وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا، وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين " المائدة 42 " .

 20 - أخرج ابن عدي من طريق مصعب بن سعيد المصيصي عن عيسى بن يونس عن وائل بن داود عن البهي عن الزبير رضي الله عنه مرفوعا: لا يقتل قرشي بعد اليوم صبرا إلا قاتل عثمان فإن لم يفعلوا فابشروا بذبح مثل ذبح الشاة .

 قال الأميني: ذكره الذهبي في الميزان 3: 173 مع حديثين من طريق مصعب ابن سعيد فقال: ما هذه إلا مناكير وبلايا .

 وقال ابن عدي: يحدث مصعب عن الثقات بالمناكير ويصحف وهو حراني (3) نزل المعصيصة (4) وله غير ما ذكر والضعف على رواياته بين .

 وقال ابن حبان: كان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) راجع ما أسلفناه في الجزء الثالث ص 115 ط 2 .

 (2) راجع ما مضى في الجزء السابع ص 78 .

 (3) حران: قرية من قرى حلب .

 (4) مدينة على شاطئ جيحان من تغور الشام بين انطاكية وبلاد الروم .

 

/ صفحة 320 /

مدلسا . وقال صالح بن جزرة: شيخ ضرير لا يدري ما يقول (1) .

 وفي الاسناد عيسى بن يونس قال الدار قطني: مجهول .

 والبهي هو عبد الله أبو محمد مولى مصعب بن الزبير ولا يصح روايته عن الزبير بل يروي عن عبد الله بن الزبير، وقال أبو حاتم في العلل: لا يحتج بالبهي وهو مضطرب الحديث .

 21 - أخرج أبو نعيم في حلية الأولياء 1: 57 من طريق حامد بن آدم المروزي عن عبد الله بن المبارك عن سفيان عن عثمان بن غياث البصري عن أبي عثمان النهدي عن أبي موسى الأشعري قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حائط من تلك الحوائط إذ جاء رجل فاستفتح الباب فقال: افتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه . فإذا هو عثمان فأخبرته فقال: الله المستعان .

 قال الأميني: هلا يعرف أبو نعيم مفتعل هذه الأكذوبة حامد بن آدم ؟ أو يعرفه بعجره وبجره غير أن الغلو في الفضائل يسوغ له ولقومه رواية كل كذب مختلق في فضائل المستخلفين بالانتخاب الدستوري الذي لم تره عين الدنيا صحيحا قط .

 أنى يخفى على مثل أبي نعيم أن حامد بن آدم كذبه الجوزجاني وابن عدي، وعده أحمد بن علي السليماني فيمن اشتهر بوضع الحديث .

 وقال أبو داود السبخي: قلت لابن معين: عندنا شيخ يقال له: حامد بن آدم .. الخ .

 فقال: هذا كذاب لعنه الله (2) .

 على أن عثمان لو كان مبشرا بالجنة ومصدقا بوعد النبي الأقدس لما كان في نفسه خيفة من أن يكون هو ذلك الملحد بمكة الذي أخبر صلى الله عليه وآله وسلم بأن عليه عذاب نصف أهل الأرض كما مر فصحيحة أحمد .

 وأعجب من هذا مهزأة جاء بها الخطيب ألا وهي: 22 - أخرج الخطيب البغدادي في تاريخه 8: 157 من طريق الحسين بن حميد ابن موسى العكي قال: حدثنا حماد بن المبارك البغدادي قال: حدثنا إسماعيل بن أمية عن ابن جريج عن عطاء عن جابر قال: ما صعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر قط إلا قال: عثمان في الجنة .

 قال: قال الدار قطني: كذا قال حماد بن المبارك عن عبد الله بن ميمون عن إسماعيل بن أمية عن ابن جريج، وهذا الحديث إنما يعرف من رواية إسماعيل بن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) لسان الميزان 6: 43 .

 (2) ميزان الاعتدال 1: 208، لسان الميزان 2: 163 .

 

/ صفحة 321 /

يحيى بن عبيد الله التيمي عن ابن جريج والله أعلم . وقال الذهبي في الميزان 1: 281: خبر غير صحيح . راجع لسان الميزان 2: 353 .

 قال الأميني: لا تعجب من الخطيب يذكر مثل هذه السفسطة بهذا الاسناد الوعر ولم ينبس ببنت شفة، ولم يعرب عن حال رجاله عادته في فضائل كل من أعماه حبه وأصمه، وأنت تجد نقضه وإبرامه، وجرحه وتعديله، وتصويبه وتصعيده في مناقب آل الله صلوات الله عليهم .

 أيخفى على مثل الخطيب قول مسلمة بن قاسم في الحسين العكي: إنه مجهول ؟ أم لا يهمه وجود حماد بن المبارك في الاسناد ؟ وهو المجهول الذي لا يعرف (1) أم عزب عنه قول البخاري في عبد الله بن ميمون: إنه ذاهب الحديث ؟ وقول أبي زرعة: إنه واهي الحديث ؟ وقول أبي حاتم والترمذي: إنه منكر الحديث ؟ وقول ابن عدي: إن عامة ما يرويه لا يتابع عليه ؟ وقول النسائي: إنه ضعيف ؟ وقول أبي حاتم أيضا: يروي عن الاثبات الملزقات، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد ؟ وقول الحاكم: إنه يروي أحاديث موضوعة ؟ وقول أبي نعيم: إنه روى المناكير ؟ (2) أم لا يروق الخطيب الجرح في إسماعيل بن أمية العبشمي الأموي وهو ابن عم عثمان وقد جاء بالرواية مختلقة في ابن عمه الخليفة ؟ أم لا ينبهه ما حكاه عن الدار قطني إلى أن إسماعيل لا يروي عن ابن جريج ؟ وإنما الراوي إسماعيل بن يحيى التيمي .

 أم أراد حفظ سمعة الصديق أبي بكر في حفيده إسماعيل بن يحيى التيمي (3) والستر على قول صالح بن جزرة فيه: إنه كان يضع الحديث .

وقول الأزدي: إنه ركن من أركان الكذب لا تحل الرواية عنه . وقول أبي علي النيسابوري والدار قطني والحاكم إنه كذاب . وقول الحاكم: روى أحاديث موضوعة . وقول الدار قطني: إنه كان يكذب على مالك والثوري وغيرهما . وقول ابن حبان: إنه كان يروي الموضوعات عن الثقات لا تحل الرواية عنه بحال ؟ (4)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) ميزان الاعتدال 1: 281، لسان الميزان 2: 353 .

 (2) تهذيب التهذيب 6: 49 .

 (3) إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله بن طلحة بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي قحافة .

 (4) ميزان الاعتدال 1: 117، لسان الميزان 1: 442 .

 

/ صفحة 322 /

نعم: هذه كلها بين يدي الخطيب غير أن الغلو في الفضائل أبكمه فبكم (1) وذكر الذهبي هذه الرواية في " ميزان الاعتدال " في ترجمة حماد بن المبارك، وقال: خبر غير صحيح .

 ولو كان لهذا الخيال مقيل من الصحة لاستدعى أن يكون ما اختلق فيه من كون عثمان في الجنة أهم ما صدع به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من المعارف والأحكام والحكم فإنا لم نجد ولا وجد واجد شيئا منها يهتم صلى الله عليه وآله وسلم له هذا الاهتمام ويصدع به على كل منبر صعده، نعم كان يكرر بعض ما يصدع به في عدة مقامات للكشف عن أهميته غير أنها مما تعده الأنامل، حتى أن الصلاة التي هي عماد الدين لم يكررها هذا التكرار الممل .

 وليت شعري هل كون عثمان في الجنة من أصول الدين وأسس الاسلام التي لا تتم الشريعة إلا بها فطفق صلى الله عليه وآله وسلم يبالغ في تبليغه هذه المبالغة في كل حين ؟ فهل هو حكم شرعي ؟ أو حكمة بالغة ؟ أو ملكة فاضلة ؟ أو ناموس إلهي يستحق هذا التأكيد والاصرار ؟ ثم لو كان عثمان من المؤمنين لكفاه تبشير الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة الجمة لهم بالجنة، فما الحاجة إلى هذا التهالك في تخصيصه بالذكر تهالكا لم يشاهد له نظير في شئ مما بلغه صلى الله عليه وآله وسلم عن ربه ؟ على أنه لو كان صلى الله عليه وآله وسلم مرتكبا ذلك لوجب أن يسمعه منه جميع الصحابة حتى من حظي بالإصاخة إلى قيله ولو مرة واحدة طليلة حياته، ووجب أن يتواتر الحديث منه صلى الله عليه واله وسلم فلا يختص بعزوه المختلق جابر، ولم يك يسنده عنه أناس دجالون، وإن من أهم تلكم المنابر منبر يوم الغدير وقد حضره مائة ألف أو يزيدون، فهل سمع أحد من أحدهم من الأعالي والساقة يحدث أنه صلى الله عليه وآله وسلم هتف عليه بأن عثمان في الجنة ؟ و هذه خطب النبي الأعظم هل تجد في شئ منها عما تقولوه حسيسا أو تسمع منه ركزا ؟ وهل هؤلاء الصحابة البالغون مئات الألوف الذين سمعوا هذا المقال ووعوه تركوه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) بكم بكامة: سكت تعمدا .

 

/ صفحة 323 /

وراء ظهورهم يوم الدار ؟ يوم قالوا له: والله أحل الله دمك (1) يوم كتبوا إليه يدعونه إلى التوبة وحاجوه وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يمسكون عنه أبدا حتى يقتلوه (2) يوم سلم عليهم فما سمع أحدا من الناس يرد عليه، وكان فيهم من عمد الصحابة من فيهم (3) يوم رفعت أمهم عقيرتها وهي تقول: اقتلوا نعثلا قتله الله فقد كفر، إلى أيام قصصنا عليك حوادثها، أو أنهم كلهم نسوه فنالوا من الرجل ما نالوا ؟ وهل حصل لهم مذكر من عند أنفسهم فلم يوافقوه على السماع ؟ أو لم يعيروا له أذنا مصغية ؟ هذا وهم عدول، وإن ممن سمع بطبع الحال هاتيك الكلمة نفس عثمان فلماذا كان يخاف من القفول إلى مكة حذار أن يكون هو الذي سمع فيه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما مر من أنه يلحد بمكة رجل عليه عذاب نصف أهل الأرض ؟ 23 - ذكر ابن كثير في تاريخه عند عد مناقب عثمان عن إسماعيل بن عبد الملك عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعا يديه حتى يبدو ضبعيه إلا لعثمان بن عفان إذا دعا له .

 قال الأميني: حذف ابن كثير وغيره ممن ذكر هذه المهزأة إسنادها وأرسلوها إرسال المسلم ذاهلين عن أن في ذكر إسماعيل بن عبد الملك كفاية من عرفان بقية رجاله قال ابن عمار وأبو داود: ضعيف .

 وقال ابن الجارود وابن معين والنسائي وأبو حاتم: ليس بالقوي .

 وقال عبد الرحمن بن مهدي: أضرب على حديثه .

 وقال الفلاس وأبو موسى: كان عبد الرحمن ويحيى لا يحدثان عنه .

 وقال ابن حبان: كان يقلب ما يروي (4) وأنا لا أدري أن عائشة متى روت هذه الرواية، قبل تكفيرها الرجل وتأليب الناس عليه، ثم نسيتها ؟ وسرعان ما تنسى أم المؤمنين ما حفظته كما نسيت أقوال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لها في مناوئة أمير المؤمنين علي عليه السلام وعن كلاب الحوأب ونباحها، أم أنها روتها حين كانت تثير العواطف على عثمان وترهج عليه نقع الحروب حتى أوردته موارد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) تاريخ الخميس 2: 260 .

 (2) راجع ما مر في هذا الجزء ص 162 .

 (3) راجع ما أسلفنا في حديث طلحة بن عبيد الله ص 96 .

 (4) تهذيب التهذيب 1: 316 .