فهرس الكتاب

مكتبة الإمام أميرالمؤمنين (ع)

 

 

 / صفحة 110 /

في تمييز المنافقين - عن نفسه وينشده الله أمن القوم هو ؟ وهل ذكر في المنافقين ؟ وهل عده رسول الله منهم (1) والسائل جد عليم بأن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ، فهل يمكننا الجمع بين هذا السؤال المتسالم عليه وبين تلك البشارة ؟ لاها الله .

 وهل يتأتى الجمع بين تلك البشارة وبين ما صح عن عثمان من حديث (2) اعتذاره عن خروجه إلى مكة أيام حوصر بقوله: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يلحد بمكة رجل من قريش عليه نصف عذاب هذه الأمة من الإنس والجن فلن أكون ذلك الرجل ؟ فهل هذا مقال من وثق بإيمانه بالله وبرسوله واطمأن به وعمل صالحا ثم اهتدى فضلا عمن بشر بالجنة بلسان النبي الصادق الأمين ؟ .

 30 - أخرج البيهقي في الدلائل من حديث عبد الأعلى بن أبي المساور عن إبراهيم ابن محمد بن حاطب عن عبد الرحمن بن بجيد (3) عن زيد بن أرقم قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: انطلق حتى تأتي أبا بكر فتجده في داره جالسا محتبيا فقل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول: أبشر بالجنة ، ثم انطلق حتى تأتي الثنية فتلقى عمر راكبا على حمار تلوح صلعته فقل: إن رسول الله يقرأ عليك السلام ويقول: أبشر بالجنة ، ثم انصرف حتى تأتي عثمان فتجده في السوق يبيع ويبتاع فقل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول: أبشر بالجنة بعد بلاء شديد ، فذكر الحديث في ذهابه إليهم فوجد كلا منهم كما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكلا منهم يقول: أين رسول الله ؟ فيقول: في مكان كذا وكذا ، فيذهب إليه ، وإن عثمان لما رجع قال: يا رسول الله وأي بلاء يصيبني ؟ والذي بعثك بالحق ما تغيبت [ وفي لفظ: ما تغنيت ] ولا تمنيت ولا مسست ذكري بيميني منذ بايعتك ، فأي بلاء تصيبني ؟ فقال: هو ذاك .

 قال الأميني: إن الباحث في غنى عن عرفان رجال إسناد الرواية بعد وقوفه على ما أسلفناه في هذا الجزء ص 74 في ترجمة عبد الأعلى بن أبي المساور من أنه كذاب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) تاريخ ابن عساكر 4: 97 ، التمهيد للباقلاني ص 196 ، بهجة النفوس لابن أبي جمرة 4: 48 ، إحياء العلوم 1: 129 ، كنز العمال 7: 24 .

 (2) راجع ص 153 من الجزء التاسع ط 1 .

 (3) بالباء والجيم الموحدتين والدال المهملة كما في التقريب .

 

/ صفحة 111 /

خبيث دجال وضاع روى عن الأئمة آلاف أحاديث ما حدثوا بشئ منها ، ولا يعرف أحد أكثر وضعا منه ، وهو ممن يضرب المثل بكذبه .

 فمثل هذا الاسناد يوصف في مصطلح الفن بالوضع لا بالضعف كما وصفه البيهقي بذلك راجع فتح الباري 7: 29 .

 31 - أخرج ابن عساكر في تاريخه 4: 312 من طريق أبي عمرو الزاهد عن علي بن محمد الصائغ عن أبيه أنه قال: رأيت الحسين وقد وفد على معاوية زائرا فأتاه في يوم جمعة وهو قائم على المنبر خطيبا فقال له رجل من القوم: يا أمير المؤمنين ! ائذن للحسين يصعد المنبر ، فقال له: معاوية: ويلك دعني أفتخر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: سألتك بالله يا أبا عبد الله ! أليس أنا ابن بطحاء مكة ؟ فقال: أي والذي بعث جدي بالحق بشيرا ، ثم قال: سألتك بالله يا أبا عبد الله ! أليس أنا خال المؤمنين ؟ فقال أي والذي بعث جدي نبيا ، ثم قال: سألتك بالله يا أبا عبد الله ! أليس أنا كاتب الوحي ؟ فقال: أي والذي بعث جدي نذيرا ، ثم نزل معاوية وصعد الحسين بن علي فحمد الله بمحامد لم يحمده الأولون والآخرون بمثلها ، ثم قال: حدثني أبي عن جدي عن جبرئيل عن الله تعالى إن تحت قائمة كرسي العرش ورقة آس خضراء مكتوب عليها: لا إله إلا الله محمد رسول الله ، يا شيعة آل محمد لا يأتي أحدكم يوم القيامة يقول: لا إله إلا الله أدخله الله الجنة ، فقال له معاوية: سألتك بالله يا أبا عبد الله ! من شيعة آل محمد ؟ فقال: الذين لا يشتمون الشيخين أبا بكر وعمر ، ولا يشتمون عثمان ، ولا يشتمون أبي ، ولا يشتمونك يا معاوية .

 قال الأميني: قال ابن عساكر: هذا حديث منكر ، ولا أرى إسناده متصلا إلى الحسين .

 ونحن نقول: إنه كذب صراح وإسناده متفكك العرى واهي الحلقات ، أما أبو عمرو الزاهد فهو الكذاب صاحب الطامات والبلايا الذي ألف جزؤا في مناقب معاوية من الموضوعات كما أسلفناه في الجزء الخامس ص 226 توفي سنة 345 .

 وأما شيخه علي الصائغ فهو ضعيف جدا وصفه بهذا الخطيب في تاريخه 3: 222 ، وضعفه الدارقطني كما في لسان الميزان 2: 489 .

 وأما والده فهو مجهول لا يذكر بشئ وهو في طبقة من يروي عن مالك المتوفى سنة 179 .

 

/ صفحة 112 /

فأين وأنى رأى سيدنا الحسين عليه السلام المستشهد سنة 61 ؟ وكيف أدرك معاوية الذي هلك سنة 60 ؟ وهل كانت الرؤية والادراك طيف خيال أو يقظة ؟ ثم لو صدقنا الأحلام فإن مقتضى هذه الأسطورة أن لا يكون معاوية من شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله الذين يدخلهم الله الجنة لأنه كان يقنت بلعن علي أمير المؤمنين عليه السلام وولديه الإمامين سيدي شباب أهل الجنة ، إلى جماعة من الصلحاء الأبرار ، وحسبه ذلك مخزاة ، وهذا الأمر فيه وفي الطغام من بني أبيه المقتصين أثره وأتباعه المتبعين له على ذلك شرع سواسيه .

 ومن مقتضياتها أيضا خروج مولانا أمير المؤمنين عليه السلام عن أولئك الزمرة المرحومة لأنه كان يقنت باللعن على معاوية وحثالة من زبانيته . كبرت كلمة تخرج من أفواههم .

 ولازم هذا التلفيق إخراج من نال من عثمان فضلا عمن أجهز عليه وقتله عن شيعة آل محمد وهم أعيان الصحابة ووجوه المهاجرين والأنصار العدول كلهم عند القوم فضلا عن التشيع فحسب ، وهل يجسر على هذا التحامل أحد ؟ ففي قصارى القول أن أصدق كلمة حول هذه المهزأة إنه حديث زور لا مقيل له من الصحة ولا يسوغ الاعتماد عليه .

 32 - روى الخطيب عن أحمد بن محمد بن أبي بكر الأشناني عن محمد بن يعقوب الأصم عن السري بن يحيى عن شعيب بن إبراهيم عن سيف بن عمر عن وائل بن داود عن يزيد (1) البهي عن الزبير مرفوعا: أللهم إنك باركت لأمتي في صحابتي فلا تسلبهم البركة ، وبارك لأصحابي في أبي بكر فلا تسلبه البركة ، وأجمعهم عليه ، ولا تنشر أمره ، أللهم وأعز عمر بن الخطاب ، وصبر عثمان بن عفان ، ووفق عليا ، واغفر لطلحة ، وثبت الزبير ، وسلم سعدا ، ووقر عبد الرحمن ، وألحق بي السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان .

 قال الأميني: عقبه الخطيب بقوله: موضوع فيه ضعفاء أشدهم سيف وأوقفناك على ترجمة السري وشعيب وسيف من رجال الاسناد في الجزء الثامن ص 86 ، 143 ، 144 ، 335 ويكفي كل واحد منهم في اعتلال السند فضلا عن أن يجتمعوا .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) كذا والصحيح: عبد الله . هو مولى مصعب بن الزبير .

 

/ صفحة 113 /

33 - أخرج الخطيب قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار أنبأنا أبو طالب العشاري حدثنا أبو الحسن محمد بن عبد العزيز البردعي حدثنا أبو الحبيش طاهر بن الحسين الفقيه حدثنا صدقة بن هبيرة بن علي الموصلي حدثنا عمر بن الليث حدثنا محمد بن جعفر حدثنا علي بن محمد الطنافسي حدثنا موسى بن خلف حدثنا حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم بن أبي سعيد الخدري قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ هبط جبرئيل ، فقال السلام عليك يا محمد ! إن الله قد أتحفك بهذه السفرجلة فسبحت السفرجلة في كفه بأصناف اللغات فقلنا: تسبح هذه السفرجلة في كفك ؟ فقال: والذي بعثني بالحق لقد خلق الله تعالى في جنة عدن ألف ألف قصر ، في كل قصر ألف ألف مقصورة ، في كل مقصورة ألف ألف سرير ، على كل سرير حوراء ، تجري من تحت كل سرير أربعة أنهار ، على كل نهر ألف ألف شجرة ، في كل شجرة ألف ألف غصن ، في كل غصن ألف ألف سفرجلة ، تحت كل سفرجلة ألف ألف ورقة ، تحت كل ورقة ألف ألف ملك ، لكل ملك ألف ألف جناح ، تحت كل جناح ألف ألف رأس ، في كل رأس ألف ألف وجه ، في كل وجه ألف ألف فم ، في كل فم ألف ألف لسان ، تسبح الله بألف ألف لغة ، لا يشبه بعضها بعضا ، ثواب ذلك التسبيح لمحبي أبي بكر وعمر وعثمان وعلي .

 قال السيوطي في اللئالي 1: 388: موضوع ، صدقة يحدث عن المجاهيل ، ومحمد بن جعفر ترك أحمد التحديث عنه ، وموسى متروك .

 ونحن نقول: لعل رواية هذه السفسطة وأمثالها هي التي جعل المؤتمن الساجي سيئ الرأي في شيخ الخطيب المبارك بن عبد الجبار فرماه بالكذب وصرح بذلك كما في لسان الميزان 5: 10 وهي التي تعرفك بقية رجال الاسناد ، والعاقل قط لا يثق بمن تكون هذه روايته ، وإليك البيان .

 1 - أبو طالب العشاري محمد بن علي بن الفتح ، ذكر الذهبي له في الميزان أحاديث حكم بوضعها فقال: قبح الله من وضعه ، والعتب إنما هو على محدثي بغداد كيف تركوا العشاري يروي هذه الأباطيل .

 وقال بعد ذكر توثيق الخطيب إياه: ليس بحجة .

 راجع ميزان الاعتدال 2: 107 .

 2 - أبو الحسن البردعي .

 قال الخطيب في تاريخه 2: 253: كتبت عنه وكان فيه

/ صفحة 114 /

نظر ، مع أنه لم يخرج عنه من الحديث كبير شئ .

 3 - أبو الحبيش الفقيه . مجهول لا يعرف .

 4 - صدقة ، مجهول لا يذكر بخير ، ولا يعرف بجميل .

 5 - عمر بن الليث مجهول منكر .

 6 - محمد بن جعفر هو المدائني ، قال أحمد: سمعت منه ولكن لم أرو عنه قط ولا أحدث عنه بشئ أبدا ، وذكره العقيلي في الضعفاء وحكى قول أحمد ، وقال ابن قانع: ضعيف ، وقال ابن عبد البر: ليس هو بالقوي عندهم ، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه و لا يحتج به (1) .

7 - موسى بن خلف العمي البصري .

 قال الآجري: ليس بذاك القوي ، وعن ابن معين ضعيف .

 وقال ابن حبان: أكثر من مناكير . وقال الدارقطني: ليس بالقوي يعتبر به(2) .

8 - إبراهيم بن أبي سعيد الخدري ، لم يذكر لأبي سعيد ابن بهذا الاسم وأحسب أن الصحيح [ إبراهيم النخعي عن أبي سعيد الخدري ] والله العالم .

34 - أخرج النحاس في كتاب معاني القرآن قال: حدثنا أبو عبد الله أحمد بن علي بن سهل قال: حدثنا محمد بن حميد قال: حدثنا يحيى بن الضريس عن زهير بن معاوية عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال: إن أعرابيا قام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع والنبي صلى الله عليه وسلم واقف بعرفات على ناقته العضباء فقال: إني رجل مسلم فأخبرني عن هذه الآية: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ، أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب و يلبسون ثيابا خضرا من سندس واستبرق . الآية(3) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنت منهم ببعيد ولا هم ببعيد منك هم هؤلاء الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، فاعلم قومك إن هذه الآية نزلت فيهم .

 ذكره القرطبي في تفسيره 10: 398: وقد روينا جميع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) تهذيب التهذيب 9: 99 .

 (2) تهذيب التهذيب 10: 342 .

 (3) سورة الكهف: 30 ، 31 .

 

/ صفحة 115 /

ذلك بالاجازة ، والحمد لله .

 قال الأميني: ألا تعجب من رجل التفسير العظيم يروي بالاجازة مثل هذا الكذب الصراح بالإسناد لواهي ، ويحمد ربه على تحريفه لكلم عن مواضعه وتقوله على ربه وعلى رسوله صلى الله عليه وآله ؟ ؟ ! أعوذ بالله من الرواية بلا دراية .

 في الاسناد: أحمد بن علي بن سهل المروزي ترجمه الخطيب البغدادي في تاريخه 4: 303 .

 ولم يذكر كلمة في الثناء عليه كأنه لا يعرف منه إلا اسمه ، وذكره الذهبي في - الميزان وذكر له حديثا فقال: أورده ابن حزم وقال: أحمد مجهول(1) .

وفيه محمد بن حميد أبو عبد الله الرازي التميمي ، قال يعقوب بن شيبة: كثير المناكير وقال البخاري: في حديثه نظر ، وقال النسائي: ليس بثقة . وقال الجوزجاني: ردي المذهب غير ثقة .

 وقال فضلك الرازي: عندي عن ابن حميد خمسون ألفا لا أحدث عنه بحرف .

 وقال صالح الأسدي: كان كلما بلغه عن سفيان يحيله على مهران ، وما بلغه عن منصور يحيله على عمرو بن أبي قيس ، ثم قال: كل شيئ كان يحدثنا ابن حميد كنا نتهمه فيه .

 وقال في موضع آخر: كانت أحاديثه تزيد ، وما رأيت أحدا أجرأ على الله منه ، كان يأخذ أحاديث الناس فيقلب بعضه على بعض .

 وقال أيضا: ما رأيت أحدا أحذق بالكذب من رجلين: سليمان الشاذكوني ، ومحمد بن حميد كان يحفظ حديثه كله .

 وقال محمد بن عيسى الدامغاني: لما مات هارون بن المغيرة سألت محمد بن حميد أن يخرج إلي جميع ما سمع فأخرج إلي جزازات فأحصيت جميع ما فيه: ثلاثمائة ونيفا وستين حديثا .

 قال جعفر: وأخرج ابن حميد عن هارون بعد بضعة عشر ألف حديث .

 وقال أبو القاسم ابن أخي أبي زرعة: سألت أبا زرعة عن محمد بن حميد فأومى بإصبعه إلى فمه فقلت له: كان يكذب ؟ فقال برأسه: نعم .

 فقلت له: كان قد شاخ لعله كان يعمل عليه و يدلس عليه ، فقال: لا يا بني كان يتعمد ، وقال أبو نعيم بن عدي: سمعت أبا حاتم الرازي في منزله وعنده ابن خراش وجماعة من مشايخ أهل الري وحفاظهم فذكروا ابن حميد فأجمعوا على أنه ضعيف في الحديث جدا ، وأنه يحدث بما لم يسمعه ، وإنه يأخذ أحاديث أهل البصرة والكوفة فيحدث بها عن الرازيين . وقال أبو العباس ابن سعيد:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) لسان الميزان 1: 222 .

 

/ صفحة 116 /

سمعت داود بن يحيى يقول: سمعت ابن خراش يقول: ثنا ابن حميد وكان والله يكذب .

 وقال سعيد بن عمرو البرذعي: قلت لأبي حاتم: أصح ما صح عندك في محمد بن حميد الرازي أي شيئ هو ؟ فقال لي: كان بلغني عن شيخ من الخلقانيين: إن عنده كتابا عن أبي زهير فأتيته فنظرت فيه فإذا الكتاب ليس هو من حديث أبي زهير وهي من حديث علي بن مجاهد فأبى أن يرجع عنه فقمت وقلت لصاحبي: هذا كذاب لا يحسن أن يكذب .

 قال: ثم أتيت محمد بن حميد بعد ذاك فأخرج إلي ذلك الجزء بعينه فقلت لمحمد بن حميد: ممن سمعت هذا ؟ قال: من علي بن مجاهد ، فقرأه وقال فيه: ثنا علي ابن مجاهد فتحيرت فأتيت الشاب الذي كان معي فأخذت بيده فصرنا إلى ذلك الشيخ فسألناه عن الكتاب الذي أخرجه إلينا فقال: قد استعاره مني محمد بن حميد .

 وقال أبو حاتم: فبهذا استدللت على أنه كان يومي إلى أنه أمر مكشوف .

 وقال ابن خزيمة: لا يروى عنه ، وقال النسائي: ليس بشئ قال الكتاني: فقلت له: البتة ؟ قال: نعم .

 قلت: ما أخرجت له شيئا ؟ قال: لا .

 وقال في موضع آخر: كذاب وكذا قال ابن وارة ، وقال ابن حبان: ينفرد عن الثقات بالمقلوبات (1) .

 فمجمل القول في الرجل أنه كذاب مكثر والذي أثنى عليه فقد خفي عليه أمره أو كان ذلك قبل ظهور ما ظهر منه من سوء حاله ، قال أبو العباس بن سعيد: سمعت داود بن يحيى يقول: حدثنا عنه أبو حاتم قديما ثم تركه بآخره .

 وقال أبو حاتم الرازي سألني يحيى بن معين عن ابن حميد من قبل أن يظهر منه ما ظهر فقال أي شيئ ينقمون منه ؟ فقلت: يكون في كتابه شيئ فيقول: ليس هذا هكذا فيأخذ القلم فيغيره ، فقال: بئس هذه الخصلة .. إلخ .

 وقال أبو علي النيسابوري: قلت لابن خزيمة: لو حدث الأستاذ عن محمد بن حميد فإن أحمد قد أحسن الثناء عليه ، فقال: إنه لم يعرفه ولو عرفه كما عرفناه ما أثنى عليه أصلا .

 35 - أخرج ابن عساكر من طريق علي بن محمد بن شجاع الربعي عن عبد الوهاب الميداني الدمشقي عن محمد بن عبد الله بن ياسر عن محمد بن بكار عن محمد بن الوليد عن داود بن سليمان الشيباني عن حازم بن جبلة بن أبي نصرة عن أبيه عن جده عن أبي سعيد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) تهذيب التهذيب 9: 127 - 131 .

 

/ صفحة 117 /

الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر وعمر: والله إني لأحبكما بحب الله إياكما ، وإن الملائكة لتحبكما بحب الله لكما ، أحب الله من أحبكما وصل الله من وصلكما ، قطع الله من قطعكما ، وأبغض الله من أبغضكما في دنياكما وآخرتكما (1) .

 رجال الاسناد:

1 - عبد الوهاب الميداني . قال الذهبي نقلا عن الكتاني: كان فيه تساهل ، واتهم في لقي أبي علي بن هارون الأنصاري ، ميزان الاعتدال 2: 160 .

 2 - محمد بن عبد الله . في الميزان 3: 85: نكرة وحديثه [ يعني هذا الحديث ] منكر بمرة .

 3 - محمد بن بكار . نكرة لا يعرف ، قال ابن حزم: إنه مجهول . وقال الذهبي: صحيح إنه مجهول . راجع ميزان الاعتدال 3: 31 .

 4 - محمد بن الوليد . أحسبه ابن أبان القلانسي . كذاب كان يضع الحديث ومن أباطيله ما مر في هذا الجزء في فضيلة أبي بكر .

 5 - داود بن سليمان . قال الذهبي: قال الأزدي ضعيف جدا . الميزان 1: 318 .

 6 - خازم بن جبلة هو ووالده وجده مجاهيل لا يعرفون .

 36 - أخرج الأزدي عن محمد بن عمر الأنصاري عن كثير النواء عن زكريا مولى طلحة عن حسن بن المعتمر قال: سئل علي عن أبي بكر وعمر فقال: إنهما من الوفد السابقين إلى الله مع محمد ، ولقد سألهما موسى من ربه فأعطاهما محمدا (2) .

قال الأميني: قال الذهبي في الميزان 3: 113: خبر منكر: ضعفه الأزدي ، أقول: في الاسناد كثير النواء قال أبو حاتم: ضعيف الحديث ، بابه سعد (3) بن طريف ، و قال الجوزجاني: زائغ .

 وقال النسائي: ضعيف . وقال في موضع آخر: فيه نظر . وقال

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) لسان الميزان 2: 418 ، ج 5: 229 .

 (2) لسان الميزان 5: 321 .

 (3) سعد بن طريف مفرط في التشيع ضعيف الحديث جدا ، قال ابن حبان: كان يضع الحديث راجع تهذيب التهذيب 3: 473 .

 

/ صفحة 118 /

ابن عدي: كان غاليا في التشيع مفرطا فيه .

 وعن محمد بن بشر العبدي: لم يمت كثير النواء حتى رجع عن التشيع (1) .

 وزكريا مولى طلحة وشيخه مجهولان لا يعرفان ، هذا ما في الاسناد من العلل و ليس في رجاله ثقة ولا واحد ، ومتن الرواية أقوى شاهد على بطلانها .

 37 - أخرج أحمد في المسند 1: 193 بإسناده عن عبد الرحمن بن حميد عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أبو بكر في الجنة ، وعمر في الجنة ، و علي في الجنة ، وعثمان في الجنة ، وطلحة في الجنة ، والزبير في الجنة ، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة ، وسعد بن أبي وقاص في الجنة ، وسعيد بن زيد في الجنة ، وأبو عبيدة ابن الجراح في الجنة .

 وبهذا الاسناد أخرجه الترمذي في صحيحه 13: 182 ، 183 وعن عبد الرحمن بن حميد عن أبيه عن رسول الله نحوه . والبغوي في المصابيح 2: 277 .

 وأخرج أبو داود في سننه 2: 264 من طريق عبد الله بن ظالم المازني قال: سمعت سعيد بن زيد بن عمرو قال: لما قدم فلان الكوفة أقام فلان خطيبا فأخذ بيدي سعيد بن زيد فقال: ألا ترى إلى هذا الظالم ؟ فأشهد على التسعة أنهم في الجنة (فعدهم) قلت: ومن العاشر ؟ فتلكأ هنيئة ثم قال: أنا .

 وأخرج من طريق عبد الرحمن الأخينس أنه كان في المسجد فذكر رجل عليا عليه السلام فقام سعيد بن زيد فقال: أشهد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إني سمعته وهو يقول: عشرة في الجنة: النبي في الجنة ، وأبو بكر في الجنة ، وعمر في الجنة ، وعثمان في الجنة ، وعلي في الجنة ، وطلحة في الجنة ، والزبير بن العوام في الجنة ، وسعد بن مالك في الجنة ، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة ، ولو شئت لسميت العاشر قال: فقالوا: من هو ؟ فسكت قال: فقالوا: من هو ؟ فقال: هو سعيد بن زيد ، وبهذا الاسناد أخرجه الترمذي في جامعه 13: 183 ، 186 ، وابن الديبع في تيسير الوصول 3: 260 ، وذكره بالطريقين المحب الطبري في الرياض النضرة 1: 20 .

 قال الأميني: نحن لا نرى في هذه الرواية أهمية كبرى تدعم للعشرة المبشرة منقبة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) ميزان الاعتدال 2: 352 ، لسان الميزان 5: 321 ، تهذيب التهذيب 8: 411 .

 

/ صفحة 119 /

رابية تخص بهم دون المؤمنين بعد ما جاء من البشائر الصادقة في الكتاب العزيز لكل من آمن بالله وعملا صالحا وإنه في الجنة .

 وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار . البقرة 25

إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة . التوبة 111

إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم فأولئك أصحاب الجنة . هود 23

إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار . الحج 14

إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى . السجدة 19

ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة . النساء 124

ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة . غافر 40

ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار . الفتح 7

ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار . الطلاق 11

وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار . التوبة 72

وما أكثر من يدخل الجنة من أمة محمد صلى الله عليه وآله وقد صح عن الصادع الكريم: إن عليا وشيعته هم في الجنة ، وبشر صلى الله عليه وآله وسلم بذلك عليا عليه السلام (1) وصح عنه صلى الله عليه وآله قوله: آتاني جبريل فقال: بشر أمتك إنه من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ، قلت: يا جبريل وإن سرق وإن زنى ؟ قال: نعم .

 قلت: وإن سرق وإن زنى ؟ قال: نعم .

 قلت: وإن سرق وإن زنى ؟ قال: نعم وإن شرب الخمر (2) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) الغدير 3: 78 ، 79 ط 2 .

 (2) أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن حبان عن أبي ذر .

 

/ صفحة 120 /

وصح عنه صلى الله عليه وآله: أبشروا وبشروا من وراءكم: إنه من شهد أن لا إله إلا الله صادقا بها دخل الجنة (1) . وصح عنه صلى الله عليه وآله: والذي نفسي بيده لتدخلن الجنة كلكم إلا من أبى أو شرد على الله شراد البعير .

 قيل: يا رسول الله ! ومن أبى أن يدخل الجنة ؟ فقال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني دخل النار (2) وصح عن جابر .

 إنه سمع النبي صلى الله عليه وآله يقول: إني لأرجو أن يكون من تبعني من أمتي ربع أهل الجنة قال: فكبرنا ثم قال: أرجو أن يكونوا ثلث الناس .

 قال: فكبرنا ثم قال: أرجو أن يكونوا الشطر(3) . وصح عنه صلى الله عليه وآله: إن ربي وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب ثم يشفع كل ألف لسبعين ألفا  (4) إلى صحاح كثيرة لدة هذه .

 فهؤلاء العشرة المبشرة إن كانوا مؤمنين حقا آخذين بحجزة الكتاب والسنة فهم من آحاد أهل الجنة لا محالة كبقية من أسلم وجهه لله وهو محسن .

 وهنالك أناس من الصحابة غير هؤلاء العشرة خصوا بالبشارة بالجنة وبشروا بلسان النبي الأقدس صلى الله عليه وآله منهم عمار بن ياسر وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله عن جبرئيل عليه السلام قوله: بشره بالجنة حرمت النار على عمار .

 وقال صلى الله عليه وآله: دم عمار ولحمه حرام على النار تأكله أو تمسه .

 وصح عنه صلى الله عليه وآله قوله: أبشروا آل ياسر موعدكم الجنة .

 وصح عنه صلى الله عليه وآله: إن الجنة مشتاق إلى أربعة: علي بن أبي طالب ، وعمار بن ياسر ، وسلمان الفارسي ، والمقداد .

 وفي رواية: اشتاقت الجنة إلى ثلاثة إلى علي وعمار وبلال .

 (الغدير) 9 وجاء في زيد بن صوحان عدة أحاديث في إنه من أهل الجنة .

 (الغدير 9: 41) وصح من طريق مسلم في عبد الله بن سلام إنه من أهل الجنة .

 (صحيح مسلم 7: 160) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) أخرجه أحمد والطبراني من طريق أبي موسى الأشعري .

 (2) أخرجه الطبراني ورجاله رجال الصحيح كما في مجمع الزوايد 10: 70 .

 (3) أخرجه أحمد والبزار والطبراني ورجال البزار رجال الصحيح وكذلك أحد اسنادي أحمد (مجمع الزوايد 10: 403) .

 (4) راجع مجمع الزوايد 10: 405 - 411 .

 

/ صفحة 121 /

وقال صلى الله عليه وآله لعلي: كأن بك وأنت على حوضي تذود عنه الناس ، وإن عليه لأباريق مثل عدد نجوم السماء وإني وأنت والحسن والحسين وفاطمة وعقيل وجعفر في الجنة أخوانا على سرر متقابلين ، أنت معي وشيعتك في الجنة . (مجمع الزوائد 9: 173) .

وقال صلى الله عليه وآله لعلي: أنا أول أربعة يدخلون الجنة: أنا وأنت والحسن والحسين وذرارينا خلف ظهورنا ، وأزواجنا خلف ذرارينا ، وشيعتنا عن أيماننا وعن شمائلنا . (مجمع الزوائد 9: 174) .

وصح عنه صلى الله عليه وآله: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة . متفق على صحته .

 وجاء عنه صلى الله عليه وآله: الحسن والحسين جدهما في الجنة ، وأبوهما في الجنة ، و أمهما في الجنة ، وعمهما في الجنة ، وعمتهما في الجنة ، وخالاتهما في الجنة ، وهما في الجنة ، ومن أحبهما في الجنة ، أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط .

 وصح عنه صلى الله عليه وآله: إن جعفر بن أبي طالب في الجنة له جناحان يطير بهما حيث شاء . مجمع الزوائد 9 ص 272 .

 وصح عنه صلى الله عليه وآله في عمرو بن ثابت الأصيرم: إنه لمن أهل الجنة . المجمع 9: 363 .

 وروي عنه من قوله لعبد الله بن مسعود: أبشر بالجنة . أخرجه الطبراني في - الأوسط والكبير .

 وقال صلى الله عليه وآله: أنا سابق العرب إلى الجنة ، وصهيب سابق الروم إلى الجنة ، وبلال سابق الحبشة إلى الجنة ، وسلمان سابق الفرس إلى الجنة . أخرجه الطبراني وحسنه الهيثمي .

 وبشر صلى الله عليه وآله وسلم عمرو بن الجموح أنه يمشي برجليه صحيحة في الجنة وكانت رجله عرجاء .

 أخرجه أحمد ورجاله ثقات .

 وبشر صلى الله عليه وآله ثابت بن قيس بأنه يعيش حميدا ، ويقتل شهيدا ، ويدخله الله الجنة . المجمع 9 ص 322 .

 فما هذا المكاء والتصدية ، والتصعيد والتصويب حول رواية العشرة المبشرة وجعلها عنوان كل كرامة لأولئك الرجال واختصاصها بالعناية وإلحاقها بأسماء العشرة عند ذكرهم ، وقصر البشارة بالجنة على ذلك الرحط فحسب ، والصفح عما ثبت في غيرهم من -

/ صفحة 122 /

الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم ؟ ! فلماذا حصر التبشير بالعشرة ؟ وعد القول به من الاعتقاد اللازم كما ذكره أحمد إمام الحنابلة في كتاب له إلى مسدد بن مسرهد قال: وأن نشهد للعشرة أنهم في الجنة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن وأبو عبيدة فمن شهد له النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالجنة شهدنا له بالجنة ، ولا تتأتى أن تقول: فلان في الجنة وفلان في النار إلا العشرة الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وآله بالجنة [ جلاء العينين 118 ] لماذا هذه كلها ؟ لعلك تدري لماذا ، ونحن لا يفوتنا عرفان ذلك .

 ولنا حق النظر في الرواية من ناحيتي الاسناد والمتن .

 أما الاسناد فإنه كما ترى ينتهي إلى عبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد ولا يرويها غيرهما ، وطريق عبد الرحمن ينحصر بعبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن الزهري عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف تارة وعن رسول الله صلى الله عليه وآله أخرى ، وهذا إسناد باطل لا يتم نظرا إلى وفاة حميد بن عبد الرحمن فإنه لم يكن صحابيا وإنما هو تابعي لم يدرك عبد الرحمن بن عوف لأنه توفي سنة 105 (1) عن 73 عاما فهو وليد سنة 32 عام وفاة عبد الرحمن بن عوف أو بعده بسنة ، ولذلك يرى ابن حجر رواية حميد عن عمر وعثمان منقطعة قطعا (2) وعثمان قد توفي بعد عبد الرحمن بن عوف . فالاسناد هذا لا يصح .

 فيبقى طريق الرواية قصرا على سعيد بن زيد الذي عد نفسه من العشرة المبشرة ، وقد رواها في الكوفة ؟ ؟ معاوية كما مر النص على ذلك في صدر الحديث ، ولم تسمع هي منه إلى ذلك الدور المفعم بالهنابث ولا رويت عنه قبل ذلك ، فهلا مسائل هذا الصحابي عن سر إرجاء روايته هذه إلى ؟ معاوية وعدم ذكره إياها في تلكم السنين المتطاولة عهد الخلفاء الراشدين وكانوا هم وبقية الصحابة في أشد الحاجة إلى مثل هذه الرواية لتدعيم الحجة وحقن الدماء وحفظ الحرمات في تلكم الأيام الخالية المظلمة بالشقاق والخلاف ، فكأنها أوحيت إلى سعيد بن زيد فحسب يوم تسنم معاوية عرش الملك العضوض .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) كما اختاره أحمد ، والفلاس ، والحربي ، وابن أبي عاصم ، وابن خياط ، وابن سفيان ، وابن معين .

 (2) تهذيب التهذيب 3: 46 .

 

/ صفحة 123 /

وفي ظني الأكبر أن سعيد بن زيد لما كان لا يتحمل من مناوئي علي أمير المؤمنين عليه السلام الوقيعة فيه والتحامل عليه ، ويجابه بذلك من كان ولاه معاوية على الكوفة ، وكان قد تقاعس عن بيعة يزيد عندما استخلفه أبوه ، وأجاب مروان في ذلك بكلمة قارصة (1) أخذته الخيفة على نفسه من بوادر معاوية فاتخذ باختلاقه هذه الرواية ترسا يقيه عن الاتهام بحب علي عليه السلام ، وكان المتهم بتلك النزعة يوم ذاك يعاقب بألوان العذاب ويسجن وينكل به ويقتل تقتيلا ، فأرضي خليفة الوقت بإتحاف الجنة لمخالفي علي عليه السلام والمتقاعسين عن بيعته والخارجين عليه ، وجعل رؤسائهم في صف واحد لا يشاركهم غيرهم كأن الجنة خلقت لهم فحسب ، ولم يذكر معهم أحدا من موالي علي وشيعته وفيهم من فيهم من سادات أهل الجنة كسلمان وأبي ذر وعمار والمقداد ، فنال بذلك رضى الخليفة وكان يعطى لكل باطل مزيف قناطير مقنطرة من الذهب والفضة .

 ولولا الصارم المسلول في البين وكان هو الحاكم الفصل يوم ذاك لما كان يخفى على أي سعيد وشقي أن متن الرواية يأبى عن قبولها ، وأن عليا قط لا يجتمع في الجنة مع من خالفه وناوئه وآذاه والضدان لا يجتمعان ، وسيرة علي عليه السلام غير سيرة أولئك الرحط ، وقد تنازل عن الخلافة يوم الشورى حذرا عن اتباع سيرة الشيخين لما اشترط عليه في البيعة وأنكره بملأ فمه ، وبعدهما وقع ما وقع بينه وبين عثمان ، وما ساءه قتله ولم يشهد بأنه قتل مظلوما ، وصحت عنه خطبته الشقشقية ، ونادى في الملأ: ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان وكل مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال (1) وبعده حاربه الناكثان وقاتلاه وقتلا دون مناوئته ، فكيف تجمعهم وعليا الجنة ؟ أنا لا أدري .

 أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم ؟ كلا .

 نظرة في المتن ولنا في متن الرواية نظرات وتأملات يزحزحنا عن الاخبات إلى صحتها .

 هل عبد الرحمن بن عوف المعزو إليه الرواية وهو أحد العشرة المبشرة كان يعتقد بها ويصدقها ومع ذلك سل سيفه على علي يوم الشورى قائلا: بايع وإلا تقتل . وقال

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) تاريخ ابن عساكر 6: 128 .

 (2) راجع الجزء الثامن والتاسع من الغدير فيهما تفصيل ما أوعزنا إليه ههنا .

 

/ صفحة 124 /

لعلي عليه السلام بعد ما تمخضت البلاد على عثمان: إذا شئت فخذ سيفك وآخذ سيفي ، إنه قد خالف ما أعطاني .

 وآلى على نفسه أن لا يكلم عثمان في حياته أبدا . واستعاذ بالله من بيعته . وأوصى أن لا يصلي عليه عثمان . ومات وهو مهاجر إياه .

 وكان عثمان يقذفه بالنفاق ويعده منافقا (1) فهل تلائم هذه كلها مع صحة تلك الرواية وإذعان الرجلين بها ؟ .

 وهل أبو بكر وعمر المبشران بالجنة هما اللذان ماتت الصديقة بضعة المصطفى صلى الله عليه وآله وهي وجدى عليهما ؟ وهل هما اللذان قالت لهما: إني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ، ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه .

 وهل هما اللذان تقول أم السبطين فيهما شاكية نادبة باكية بأعلى صوتها: يا أبت ! يا رسول الله ! ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة .

 وهل هما اللذان نهبا تراث العترة وحق فيهما قول أمير المؤمنين عليه السلام: صبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى أرى تراثي نهبا .

 وهل أبو بكر هو الذي أوصت فاطمة سلام الله عليها أن لا يصلي عليها ، وأن لا يحضر جنازتها ، فلم يحضرها هو وصاحبه .

 وهل هو الذي قالت له كريمة النبي الأقدس الطاهرة المطهرة لأدعون عليك في كل صلاة أصليها .

 وهل هو الذي كشف عن بيت فاطمة وآذى رسول الله فيها (2) والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم .

 وهل وهل إلى أن ينقطع النفس وهل كان عمر يصدق هذه الرواية وكان عنده إلمام بها وهو يناشد مع ذلك حذيفة اليماني العالم بأسماء المنافقين ويسأله عن أنه هل هو منهم ؟ وهل سماه رسول الله صلى والله عليه وآله وسلم في زمرتهم ؟ (3) وهلا كان على يقين من هذه البشارة يوم نهى عن التكني بأبي عيسى أيام خلافته وقال له المغيرة: إن رسول الله صلى الله عليه وآله كناه بها فقال: إن النبي غفر له وإنا لا ندري ما يفعل بنا وغير كنيته وكناه أبا عبد الله (4) فكيف كان لم يدر ما يفعل به بعد تلكم البشارة إن صدقت ؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) راجع الجزء التاسع ص 87 ط 1 ، و 90 ط 2 .

 (2) مر تفصيل هذه كلها في الجزء السابع .

 (3) الغدير 6: 241 ط 2 .

 (4) راجع الغدير 6: 308 ط 2 .

 

/ صفحة 125 /

وهلا كان هو الذي قاد عليا كالجمل المخشوش إلى بيعة أبي بكر وهو يقول: بايع وإلا تقتل ؟ وهلا كان هو الذي أنكر إخوة علي مع رسول الله صلى الله عليه وآله يوم ذاك ، وهي ثابتة له بالسنة الصحيحة المتسالم عليها ؟ كما أنه أنكر من السنة شيئا كثيرا نبى عن الحصر .

 وهلا كان هو الذي أوصى بقتل من خالف البيعة يوم الشورى ؟ وهو جد عليم بأن المخالف الوحيد لذلك الانتخاب المزيف هو علي أمير المؤمنين " دع هذا " أو أحد غيره من العشرة المبشرة ؟ ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاءه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما .

 وهل كان عثمان يخبت إلى صحة هذه الرواية ويذعن بها وهو يقول بعد لمغيرة ابن شعبة لما كلفه أن يغادر المدينة إلى مكة حينما حوصر به: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يلحد بمكة رجل من قريش عليه نصف عذاب هذه الأمة فلن أكون ذلك الرجل ؟ (1) وكيف كان لم ير عليا أفضل من مروان ؟ ومروان ملعون بلسان رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام هو المبشر بالجنة .

 لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون .

 وهل طلحة والزبير هما اللذان قتلا عثمان وألبا عليه وكانا كما قال أمير المؤمنين عليه السلام أهون سيرهما فيه الوجيف ، وأرفق حدائهما العنيف ، فأجلبا عليه وضيقا خناقه ، وهما يريدان الأمر لأنفسهما ، وكانا أول من طعن وآخر من أمر حتى أراقا دمه (2) وهل هما اللذان عرفهما الإمام مولانا أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: كل منهما يرجو الأمر له ويعطف عليه دون صاحبه ، لا يمتان إلى الله بحبل ، ولا يمدان إليه بسبب ، كل واحد منهما حامل ضب لصاحبه ، وعما قليل يكشف قناعه به ؟ . إلى آخر ما مر في هذا الجزء ص 58 .

 وهل هما اللذان خرجا على إمام الوقت المفروضة عليهما طاعته ، ونكثا بيعته ، وأسعرا عليه نار البغي ، وقاتلاه وقتلا وهما أبين مصداق لقول رسول الله صلى الله عليه وآله: من

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) راجع الغدير 9: 152 ، 153 ط 2 .

 (2) راجع الغدير 9: 103 - 110 ط 2 .

 

/ صفحة 126 /

مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ؟ .

 وهل هما اللذان قادا جيوش النكث على قتال سيد العترة ، وأخرجا حبيسة رسول الله صلى الله عليه وآله من عقر دارها ، وترؤسا الناكثين الذين حث رسول الله صلى الله عليه وآله عليا والعدول من صحابته على قتالهم ، وحضهم على منابذتهم ؟ أفمن آذن نبي العظمة بحربه وقتاله ورآه من واجب الاسلام يعده صلى الله عيه وآله وسلم بعد من أهل الجنة ؟ إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم .

 وهل الزبير هذا هو الذي صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله قوله له: تحارب عليا و أنت ظالم ؟ فهل المحارب عليا وهو ظالم إياه مثواه الجنة ؟ ورسول الله يقول: أنا حرب لمن حاربه ، وسلم لمن سالمه كما جاء في الصحيح الثابت .

 فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب ، وما الله بغافل عما تعملون .

 وهل الزبير هو الذي قال فيه عمر: من يعذرني من أصحاب محمد لولا أني أمسك لفم هذا الشغب لأهلك أمة محمد صلى الله عليه وسلم (1) وقال له عمر يوم طعن: أما أنت يا زبير ! فوعق لقس مؤمن الرضا ، كافر الغضب ، يوما إنسان ، ويوما شيطان ، ولعلها لو أفضت إليك ظلت يومك تلاطم بالبطحاء على مد من شعير ، أفرأيت إن أفضت إليك فليت شعري من يكون للناس يوم تكون شيطانا ؟ ومن يكون يوم تغضب ؟ أما وما كان الله ليجمع لك أمر هذه الأمة وأنت على هذه الصفة (2) .

 وقال له أيضا: أما أنت يا زبير فوالله ما لان قلبك يوما ولا ليلة ، وما زلت جلفا جافيا (3) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) راجع الغدير 9: 366 .

 (2) شرح ابن أبي الحديد 1: 62 .

 (3) شرح ابن أبي الحديد 3: 170 .

 

/ صفحة 127 /

وهل طلحة هذا هو الذي قتل عثمان ، وحال بينه وبين الماء ، ومنعه عن أن يدفن في جبانة المسلمين ، وقتله مروان أخذا بثار عثمان ، وهما بعد من العشرة المبشرة ؟ غفرانك اللهم وإليك المصير .

 وهل طلحة هذا هو الذي أقام علي أمير المؤمنين عليه السلام عليه الحجة يوم الجمل باستنشاده إياه حديث الولاية [ من كنت مولاه فعلي مولاه ] فاعتذر بما اعتذر من نسيانه الحديث ، لكنه لم يرتدع بعد عن غيه بمناصرة أمير المؤمنين مع بيعته إياه ، ولا فوض الحق إلى أهله حتى أتى عليه سهم مروان فجرعته منيته وهو الخارج على إمام وقته ! أفهل ترى الإمام والخارج عليه كلا منهما في الجنة ؟ وهل طلحة هذا هو الذي نزل فيه قوله تعالى: وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا ، إن ذلكم كان عند الله عظيما ؟ (الأحزاب 53) نزلت الآية الشريفة لما قال طلحة: أيحجبنا محمد عن بنات عمنا ، ويتزوج نساءنا من بعدنا ؟ فإن حدث به حدث لنزوجن نساءه من بعده .

 وقال: إن مات رسول الله صلى الله عليه وسلم لتزوجت عائشة وهي بنت عمي فبلغ ذلك رسول الله فتأذى به فنزلت .

 أقبل عليه عمر يوم طعن وقال له: أقول أم أسكت ؟ قال: قل فإنك لا تقول من الخير شيئا .

 قال: أما إني أعرفك منذ أصيبت إصبعك يوم أحد والبا بالذي حدث لك ، ولقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ساخطا عليك بالكلمة التي قلتها يوم نزلت آية الحجاب .

 قال أبو عثمان الجاحظ: إن طلحة لما أنزلت آية الحجاب قال بمحضر ممن نقل عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ما الذي يغنيه حجابهن اليوم فسيموت غدا فننكحهن .

 قال أبو عثمان: لو قال لعمر قائل: أنت قلت: إن رسول الله صلى الله عليه وآله مات وهو راض عن الستة فكيف تقول الآن لطلحة: إنه مات عليه السلام ساخطا عليك للكلمة التي قلتها لكان قد رماه بمشاقصه ، ولكن من الذي كان يجسر على عمر أن يقول له ما دون هذا فكيف هذا ؟ (1) راجع تفسير القرطبي 14: 228 ، فيض القدير 4 .

 290 ، تفسير ابن كثير 3: 506 ، تفسير البغوي 5: 225 ، تفسير الخازن 5: 225 ، تفسير الآلوسي 22: 74 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) شرح ابن أبي الحديد 1: 62 ، ج 3: 170 .

 

/ صفحة 128 /

وهل سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرة كان مذعنا بالرواية وصدقها وهو القائل لما سئل عن عثمان ومن قتله ومن تولى كبره: إني أخبرك أنه قتل بسيف سلته عائشة وصقله طلحة وسمه ابن أبي طالب ، وسكت الزبير وأشار بيده ، وأمسكنا نحن ولو شئنا دفعناه عنه ؟ فهل هذه كلها تجتمع مع التصديق بتلك الرواية ؟ سبحان الذي جمع في جنته الظالم والمظلوم ، والقاتل والمقتول ، والخليفة والخارجين عليه ، إن هي إلا اختلاق .

 وهل تصدق في سعد هذه الرواية وهو المتخلف عن بيعة إمام وقته والمتقاعس عن نصرته بعد ما تمت بيعته وأجمعت عليها الأمة وأصفقت عليها البدريون والمهاجرون والأنصار ، وحقت كلمة العذاب على من نزعها من ربقته ؟ أفهل نزل في سعد كتاب من الله أخرجه عن محكمات الاسلام وبشر له بالجنة ؟ .

 وهل يترآى لك من ثنايا التاريخ وراء صحائف أعمال أبي عبيدة الجراح (حفار القبور بالمدينة) ما يأهله لهذه البشارة ؟ ويدعم له ما يستحق به للذكر من الفضيلة غير ما قام به يوم السقيفة من دحضه ولاية الله الكبرى ، وتركاضه وراء الانتخاب الدستوري واقتحامه في تلكم البوائق التي عم شومها الاسلام ، وهدت قوائم الوئام والسلام ، وجرت الويلات على أمة محمد صلى الله عليه وآله حتى اليوم ، وهتكت حرمة المصطفى في ظلم ابنته بضعة لحمه وفلذة كبده ، واضطهاد خليفته ، واهتضام أخيه علم الهدى ؟ فكأنها كانت كلها قربات فأوجبت لابن الجراح الجنة .

 أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ؟ ساء ما يحكمون .

 

 نبأ يصك المسامع

وجاء بعد لأي من عمر الدهر من لم ير في الرواية فضيلة رابية تخص العشرة نظرا إلى أن البشارة بالجنة كما سمعت تعم المؤمنين جمعاء ولا تنحصر بقوم منهم دون آخرين ، ووجد فيها مع ذلك نقصا من ناحية خلوها عن ذكر عائشة أم المؤمنين فصبها في قالب يروقه وصور لها صورة مكبرة تخص بأولئك العشرة ولا يشاركهم فيها أحد ، وأسند إلى أبي ذر الغفاري أنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزل عائشة فقال: يا عائشة !

/ صفحة 129 /

ألا أبشرك ؟ قالت: بلى يا رسول الله ! قال: أبوك في الجنة ورفيقه إبراهيم .

 وعمر في الجنة ورفيقه نوح . وعثمان في الجنة ورفيقه أنا . وعلي في الجنة ورفيقه يحيى بن زكريا . وطلحة في الجنة ورفيقه داود . والزبير في الجنة ورفيقه إسماعيل وسعد بن أبي وقاص في الجنة ورفيقه سليمان بن داود . وسعيد بن زيد في الجنة ورفيقه موسى بن عمران . وعبد الرحمن بن عوف في الجنة ورفيقه عيسى بن مريم . وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة ورفيقه إدريس عليه السلام . ثم قال: يا عائشة أنا سيد المرسلين وأبوك أفضل الصديقين وأنت أم المؤمنين(1) .

ليت لهذه الرواية إسنادا معنعنا حتى نعرف واضعها ومختلقها على النبي الأقدس ، وليت مفتعلها يدري بأن الرفاقة بين اثنين تستدعي مشكالتهما في الخصال ، وتقتضيها الوحدة الجامعة من النفسيات والملكات ، فهل يسع لأي إنسان أن يقارن بين أولئك الأنبياء المعصومين وبين تسعة رحط كانوا في المدينة في شيئ مما يوجب الرفاقة ؟ وهل لبشر أن يفهم سر هذا التقسيم في كل نبي معصوم مع رفيقه الذي لا عصمة له ؟ ولعمر الحق أن هذا الانتخاب والاختيار في الرفاقة يضاهي الانتخاب في أصل الخلافة الذي كان لا عن جدارة وتأمل .

 ما عشت أراك الدهر عجبا .

 لماذا لم يكن عبد الله بن مسعود الذي صح عند القوم في الثناء عليه: إنه كان أشبه الناس هديا ودلا وسمتا بمحمد صلى الله عليه وآله (2) رفيق رسول الله صلى الله عليه وآله ويرافقه عثمان ؟ ولماذا لم يرافق عيسى بن مريم أبو ذر الثابت فيه: إنه أشبه الناس بعيسى بن مريم هديا وبرا وزهدا ونسكا وصدقا وجدا وخلقا وخلقا (3) ويرافقه عبد الرحمن بن عوف ؟ ولماذا رافق رسول صلى الله عليه وآله عثمان بن عفان ولا مشاكلة بينهما خلقا وخلقا وأصلا ومحتدا وسيرة وسريرة ، ولم يتخذ صلى الله عليه وآله جعفر بن أبي طالب رفيقا له وقد جاء عنه قوله له: يا حبيبي ! أشبه الناس بخلقي وخلقي ، وخلقت من الطينة التي خلقت منها ،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) الرياض النضرة 1: 20 وقال: أخرجه الملا في سيرته .

 (2) راجع " الغدير " 9: 9 ط 1 .

 (3) الغدير 8: 329 ، 321 ط 1 .

 

/ صفحة 130 /

وقوله صلى الله عليه وآله: أما أنت يا جعفر ؟ فأشبه خلقك خلقي ، وأشبه خلقك خلقي ، وأنت مني وشجرتي ؟ (1) ولماذا اختار رسول الله صلى الله عليه وآله لرفاقته عثمان ولم يرافق أبا بكر وقد صح عنه صلى الله عليه وآله عند القوم: لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر .

 وجاء عنه صلى الله عليه وآله - في مكذوبة - أنه كان يدعو ويقول: اللهم إنك جعلت أبا بكر رفيقي في الغار فاجعله رفيقي في الجنة ؟ (2) ولماذا لم يكن عثمان رفيق إبراهيم ، وقد جاء في مناقبه - المكذوبة - إنه شبيه إبراهيم كما مر في ج 9 ص 348 .

 ولماذا لم يكن عمر رفيق موسى ، وعثمان رفيق هارون ، وعلي بن أبي طالب رفيق رسول الله صلى الله عليه وآله أخذا بما مر من مكذوبة أنس مرفوعا: ما من نبي إلا وله نظير في أمتي ، فأبو بكر نظير إبراهيم ، وعمر نظير موسى ، وعثمان نظير هارون ، وعلي بن أبي طالب نظيري ؟ (3) نعم: عزب عن مفتعل الرواية ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله من قوله: يا علي أنت أخي وصاحبي ورفيقي في الجنة ، وهذه الرفاقة والصحبة والأخوة تقتضيها البرهنة الصادقة وتعاضدها المجانسة بين نبي العظمة وصنوه الطاهر في كل خلة ومأثرة ، وهي التي جمعتهما في آية التطهير ، وجعلتهما نفسا واحدة في الذكر الحكيم ، وقارنت بين ولايتيهما في محكم القرآن ، وكل تلكم الموضوعات نعرات الإحن ونفثات الأضغان اختلقت تجاه هذه المرفوعة في فضل مولانا سيد العترة أمير المؤمنين عليه السلام .

 وهلم معي نسائل أبا ذر المنتهي إليه إسناد الرواية وعائشة المخاطبة بها هل كانا على ثقة وتصديق بها ، وإنها صدرت من مصدر الوحي الإلهي الذي لا ينطق عن الهوى أم لا ؟ ولئن سألتهما فعلي الخبيرين سقطت ، وأبو ذر هو الذي ما أظلت الخضراء ، ولا أقلت الغبراء أصدق منه ، وإذا أنت قرأت حديث ما جرى بين عثمان وأبي ذر لوجدت سيد غفار في جانب جنب عن هذه الرواية ، ولما يحكم عقلك بأن يكون هو راويها

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) مجمع الزوايد 9: 272 ، 275 .

 (2) الغدير 9: 294 ط 1 .

 (3) راجع ما مر في هذا الجزء ص 75

/ صفحة 131 /

ونداء أبي ذر في الملأ الديني وقد تنغر على عثمان بعد يرن في أذن الدنيا ، وقوارص لمزه وهمزه إياه بعد تلوكه الأشداق في أندية الرجال ، وكلمه المأثورة الخالدة في صفحات التاريخ تضاد ما عزي إليه من الرواية ، وكل خطابه وعتابه إياه يعرب عن أن أبا ذر قط لم يؤمن بما اختلق عليه ولم يك يسمعه من الصادع الكريم ، وكان يحدث الناس غير مكترث لبوادر عثمان ما كان سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله من قوله: إذا كملت بنو أمية ثلاثين رجلا اتخذوا بلاد الله دولا ، وعباد الله خولا ، ودين الله دغلا .

 كان يحدث عثمان بذلك وعثمان يكذبه (1) ومن كذبه فقد كذب رسول الله صلى الله عليه وآله .

 ولم يكن أبو ذر شاذا عن الصحابة في رأيه السيئ ونقمته على عثمان ، بل نبأ المتجمهرين عليه من المهاجرين والأنصار والناقمين عليه من الحواضر الإسلامية ، و المجتمعين على وئده المحتجين عليه بالكتاب العزيز يعطينا خبرا بأن الرواية لا تصح عندهم ، ولا يصدقها رجل صدق منهم .

 وهل نسيتها أم المؤمنين المخاطبة بها ، أو تغاضت عنها يوم كانت تنادي في ملأ من الصحابة: اقتلوا نعثلا قتله الله ؟ ويوم قالت لمروان: وددت والله أنك وصاحبك هذا الذي يعنيك أمره في رجل كل واحد منكما رحا وأنكما في البحر .

 ويوم قالت: وددت والله أنه في غرارة من غرائري هذه وأني طوقت حمله حتى ألقيه في البحر ويوم قالت لابن عباس: إن الله قد آتاك عقلا وفهما وبيانا فإياك أن ترد الناس عن هذه الطاغية .

 ويوم أخرجت ثوب رسول الله وهي تقول: هذا ثوب رسول الله صلى الله عليه وآله لم يبل وعثمان قد أبلى سنته .

 ويوم قالت لما بلغها نعيه: أبعده الله ذلك بما قدمت يداه وما الله بظلام للعبيد .

 ويوم قالت: بعد لنعثل وسحقا (1) أيخبرك ضميرك الحر بأن صاحبة تلكم المواقف الهائلة كانت تصدق تلك الرواية وتؤمن بها وترى نعثلا رفيق رسول الله صلى الله عليه وآله في الجنة ؟ فاستعذ بالله من أن تكون من الجاهلين .

 38 - قال محمد بن آدم: رأيت بمكة أسقفا (2) يطوف بالكعبة فقلت له: ما الذي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع الغدير ج 9: 78 - 86 .

(2) الأسقف والأسقف: فوق القسيس ودون المطران والكلمة يونانية ج أساقفة وأساقف.

 

/ صفحة 132 /

نزعك عن دين آبائك ؟ قال: تبادلت خيرا منه .

 فقلت: وكيف ذلك ؟ قال: ركبت البحر فلما توسطناه انكسرت المركب فلم تزل الأمواج تدفعني حتى رمتني في جزيرة من جزائر البحر فيها أشجار كثيرة ولها ثمر أحلى من الشهد وألين من الزبد ، وفيها نهر عذب ، فحمدت الله على ذلك وقلت: آكل من هذا الثمر وأشرب من هذا النهر حتى يقضي الله بأمره ، فلما ذهب النهار خفت على نفسي من الوحش فطلعت على شجرة ونمت على غصن من أغصانها ، فلما كان في جوف الليل وإذا بدابة على وجه الأرض تسبح الله وتقول: لا إله إلا الله العزيز الجبار ، محمد رسول الله النبي المختار ، أبو بكر الصديق صاحبه في الغار ، عمر الفاروق فاتح الأمصار ، عثمان القتيل في الدار ، علي سيف الله على الكفار ، فعلى مبغضهم لعنة الله العزيز الجبار ، ومأواه النار ، وبئس القرار .

 ولم تزل تكرر هذه الكلمات إلى الفجر فلما طلع الفجر قالت: لا إله إلا الله الصادق الوعد والوعيد ، محمد رسول الله الهادي الرشيد ، أبو بكر ذو الرأي السديد .

 عمر بن الخطاب سور من حديد ، عثمان الفضيل الشهيد ، علي بن أبي طالب ذو البأس الشديد ، فعلى مبغضهم لعنة الرب المجيد .

 ثم أقبلت إلى البر فإذا رأسها رأس نعامة ، ووجها وجه إنسان وقوائمها قوائم بعير ، وذنبها ذنب سمكة ، فخشيت على نفسي الهلكة فهربت فنطقت بلسان فصيح فقالت: يا هذا قف وإلا تهلك .

 فوقفت فقالت: ما دينك ؟ فقلت: دين النصرانية .

 فقالت: ويلك ارجع إلى ابن الحنفية فقد حللت بفناء قوم من مسلمي الجن لا ينجو منهم إلا من كان مسلما ، فقلت: وكيف الاسلام ؟ قالت: تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، فقلتها ، فقالت: أتم إسلامك بالترحم على أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم .

 فقلت: ومن أتاكم بذلك ؟ قالت: قوم منا حضروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعوه يقول: إذا كان يوم القيامة تأتي الجنة فتنادي بلسان طلق فصيح: إلهي قد وعدتني أن تشيد أركاني .

 فيقول الجليل جل جلاله: قد شيدت أي رفعت أركانك بأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وزينتك بالحسن والحسين .

 ثم قالت الدابة: أتريد أن تقعد هاهنا أم الرجوع إلى أهلك ؟ فقلت: الرجوع إلى أهلي .

 فقالت: اصبر حتى تمر بك مركب فبينما نحن كذلك وإذا بمركب أقبلت تجري فأومأت إليها فرفعوا إلي زورقا فركبت فيه ثم جئت إليهم فوجدت المركب فيها اثنا عشر رجلا كلهم نصارى

/ صفحة 133 /

فقالوا: ما الذي جاء بك إلى ها هنا ؟ فقصصت عليهم قصتي فعجبوا عن آخرهم وأسلموا جميعا .

 مصباح الظلام للسيد محمد الجراداني 2: 30 .

 قال الأميني: ابن آدم راوي هذه الأغلوطة لا يعرفه الحفاظ رجال الجرح والتعديل في أولاد آدم ، وإنما عرفوه بالجهالة ، ولا أحسب أن آدم أبا البشر أيضا يعرف ابنه هذا ، ولا تدري الأمهات أي ابن بي هو ، والأسقف صاحب القصة وابن آدم هما صنوان في الجهالة لا يعرفهما آدمي .

 ونحن إن صدقنا متن الرواية ، وذهبنا إلى ما ذهب إليه مسلم الجن وأخبر به ولعنا مبغضي الخلفاء الأربعة ، ورأينا مأواهم النار ، فإلى من وجهنا القوارص عندئذ ؟ وأين تقع من سبابنا أمة كبيرة من الصحابة العدول أو عدول الصحابة الذين كان بينهم وبين أي من هؤلاء الأربعة عداء محتدم وبغضاء لاهبة ؟ أنا هنا في مشكلة لا تنحل لي .

 وعجبي من رعونة أولئك الرحط من النصاري الذين قبلوا من الأسقف دعواه المجردة وأذعنوا بها وصدقوه فيما جاء به عن وادي الجن ، وما كانوا مصدقين نبأ الرسول الأمين عن إله السماوات المحفوفة دعوته بألف من الدلائل والبينات ، والمتلوة بأنباء الكهنة والأساقفة والهتافات الكثيرة التي سجلها التاريخ ، كأنهم سحرهم سجع دابة الجن الموزون في ورد ليله وسحره ووجدوه آية الحق وشاهد الدعوى .

 39 - قال القرطبي في تفسيره 20: 180: قال أبي بن كعب: قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم والعصر ثم قلت: ما تفسيرها يا نبي الله ؟ قال: " والعصر " قسم من الله أقسم ربكم بآخر النهار " إن الانسان لفي خسر " أبو جهل " إلا الذين آمنوا " أبو بكر " وعملوا الصالحات " عمر " وتواصوا بالحق " عثمان " وتواصوا بالصبر " علي رضي الله عنهم أجمعين .

 وهكذا خطب ابن عباس على المنبر موقوفا عليه .

 وذكره المحب الطبري في رياضه النضرة 1: 34 ، والشربيني في تفسيره 4: 561 .

 قال الأميني: أيسوغ التقول على الله وعلى رسوله وتحريف الكلم عن مواضعه بمثل هذه المهزأة المرسلة ؟ وهل ينبغي لمؤلف في التفسير أو الحديث أن يسود بها صحيفته أو صحيفة تأليفه ؟ وهل لنا في مثل المقام أن نطالبه بالسند ونناقش فيه بالإرسال ؟ وهلا ما في متن الرواية ما يغنينا عن البحث عن رجال الاسناد إن كان له إسناد ؟ وهل

/ صفحة 134 /

يوجد في صحائف أعمال أولئك الرجال وسيرتهم الثابتة ، وفيما حفظه التاريخ الصحيح لهم ما يصدق هذا التلفيق ؟ نعم: نحن على يقين من أن الباحث يجد في غضون أجزاء كتابنا هذا شواهد كثيرة تتأتى له بها حصحصة الحق .

 وهل يصدق ذو مسكة أن يخطب بمثل هذه الأفيكة ابن عباس حبر الأمة ؟ ويدنس بها ساحة قدس صاحب الرسالة الخاتمة ؟ .

 على أن المأثور عن ابن عباس من طريق ابن مردويه في قوله تعالى: إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات أنه قال: ذكر عليا وسلمان (1) ويؤيده قوله الوارد في قوله تعالى: أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن يجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات .

 قال: نزلت في علي يوم بدر ، فالذين اجترحوا السيئات: عتبة وشيبة والوليد ، والذين آمنوا وعملوا الصالحات علي عليه السلام (2) .

 ومر في الجزء الثاني ص 52 ط 1 من طريق ابن عباس قوله: لما نزلت: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم البرية .

 قال صلى الله عليه وآله لعلي: هو أنت وشيعتك .

 فرواية أبي بن كعب اختلقت تجاه هذه الأخبار التي تساعدها العقل والمنطق والاعتبار .

 ولصراحة الكذب في فصول هذه السفسطة لم يذكرها أحد من المفسرين غير القرطبي والشربيني وهي بين أيديهم ، ولعل ابن حجر يوعز إلى بطلانها في فتح الباري 8: 392 بقوله: تنبيه ، لم أر في تفسير هذه السورة حديثا مرفوعا صحيحا .

 على أن الظاهر من سياق السورة أن الجمل التالية للذين آمنوا أوصاف لهم لا أنها إعراب عن أناس آخرين غير من هو المراد من الجملة الأولى .

 40 - أخرج الواحدي في أسباب النزول ص 207 عن عبد الرحمن بن حمدان العدل قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني محمد بن سليمان بن خالد الفحام قال: حدثنا علي بن هاشم عن كثير النواء قال: قلت لأبي جعفر: إن فلانا حدثني عن علي بن الحسين رضي الله عنهما: إن هذه الآية نزلت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الدر المنثور 6: 392 ومر في ج 2: 53 .

(2) تذكرة السبط ص 11 ، ومر في ج 2: 51 .

 

/ صفحة 135 /

في أبي بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم: ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين: قال: والله إنها لفيهم نزلت ، وفيهم (1) نزلت الآية ، قلت: وأي غل هو ؟ قال غل الجاهلية ، إن بني تيم وبني عدي وبني هاشم كان بينهم في الجاهلية فلما أسلم هؤلاء القوم وأجابوا أخذت أبا بكر الخاصرة فجعل علي رضي الله عنه يسخن يده فيضمخ (2) بها خاصرة أبي بكر فنزلت هذه الآية .

 قال الأميني: لا تدعم أي مأثرة بمثل هذا الاسناد المركب من مجهول كعبد الرحمن العدل ومحمد الفحام ، وممن خرف في آخر عمره (3) حتى كان لا يعرف شيئا مما يقرأ عليه كما قاله أبو الحسن بن الفرات (4) وحكى الخطيب البغدادي في تاريخه 4: 4 عن أبي عبد الله أحمد بن أحمد القصري قال: قدمت أنا وأخي من القصر إلى بغداد وأبو بكر [ أحمد بن جعفر ] بن مالك القطيعي حي وكان مقصودنا درس الفقه والفرايض ، فأردنا السماع من ابن مالك فقال لنا ابن اللبان الفرضي: لا تذهبوا إليه فإنه قد ضعف واختل ، ومنعت ابني السماع منه ، قال: فلم نذهب إليه . وذكره ابن حجر في اللسان 1: 145 ، وقال في ج 2: 237: إنه شيخ ليس بمتقن .

 ومن شيعي غال (5) وصفه بذلك الجوزجاني وابن حبان ، ولعل الدارقطني ضعفه لذلك ، وذكره ابن حبان في الضعفاء وإن ذكره في الثقات أيضا .

 وبعد هؤلاء كثير النواء الذي عرفناكه قبيل هذا صحيفة 117 ، وإنه ضعيف زائغ منكر الحديث ، بابه باب سعد بن طريف الذي كان يضع الحديث وكان شيعيا مفرطا ضعيفا جدا عند القوم .

 وفي تأويل قوله تعالى: ونزعنا في صدورهم من غل .

 الآية أحاديث تافهة عندهم أعجب من رواية الواحدي منها: قال الصفوري في نزهة المجالس 2: 217 ، قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) كذا في أسباب النزول . وفي الدر المنثور: وفيمن تنزل إلا فيهم ؟ .

 (2) في الدر المنثور: فيكوى .

 (3) هو أحمد بن جعفر بن مالك أبو بكر القطيعي .

 (4) ميزان الاعتدال 1: 41 .

 (5) هو علي بن هاشم .

 

/ صفحة 136 /

تعالى: ونزعنا ما في صدورهم من غل: أي من حقد وعداوة ، إذا كان يوم القيامة تنصب كراسي من ياقوت أحمر فيجلس أبو بكر على كرسي ، وعمر على كرسي ، وعثمان على كرسي ، ثم يأمر الله الكراسي فتطير بهم إلى تحت العرش ، فتسبل عليهم خيمة من ياقوتة بيضاء ، ثم يؤتى بأربع كاسات فأبو بكر يسقي عمر ، وعمر يسقي عثمان ، وعثمان يسقي عليا ، وعلي يسقي أبا بكر ، ثم يأمر الله جهنم أن تتمخض بأمواجها فتقذف الروافض على ساحلها فيكشف الله عن أبصارهم فينظرون إلى منازل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقولون: هؤلاء الذين أسعدهم الله ، وفي رواية: فيقولون: هؤلاء الذين سعد الناس بمتابعتهم وشقينا نحن بمخالفتهم ، ثم يردون إلى جهنم بحسرة وندامة .

 (ومنها)  من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: ونزعنا ما في صدورهم من غل قال: نزلت في عشرة: أبو بكر . وعمر: وعثمان . وعلي . وطلحة . والزبير . وسعد . و سعيد . وعبد الرحمن بن عوف . وعبد الله بن مسعود . ومن طريق النعمان بن بشير عن علي: ونزعنا ما في صدورهم من غل .

 قال: ذاك عثمان وطلحة والزبير وأنا .

 هكذا يحرفون الكلم عن مواضعه ، وهل من مسائل رواة هذه السفاسف عن الغل الذي نزع من صدور أولئك المذكورين متى نزع ؟ وإلى أين ذهب ؟ وهذا الحديث والتاريخ يعلماننا أن الغل المنتزع منهم بعد إسلامهم لم يزل مستقرا بينهم منذ يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وما وقع هناك من حوار وشجار ، إلى الحوادث الواقعة حول واقعة الدار ، إلى المحتشد الدامي يوم الجمل ، أو ليست هذه كلها منبعثة عن غل محتدم ، ووغر في الصدور ، وسخيمة في القلوب ، وبغضة مستثيرة ؟ أو ليس منها أن يستبيح الانسان دم صاحبه و هتك حرماته والوقيعة في عرضه ؟ فهل مع هذه كلها صحيح أنه نزع ما في صدورهم من غل ؟ والآيات المحرفة من هذا القبيل كثيرة جدا لو تجمع يأتي منها كتاب ضخم غير أنا لا يروقنا البحث عنها فإنه إطالة من غير جدوى فهي بأنفسها وما فيها من تهافت و تفاهة كافية في إبطالها ، وما عساني أن أقول في مثل ما رووه في قوله تعالى: وحملناه

/ صفحة 137 /

على ذات ألواح ودسر تجري بأعيننا: إن نوحا عليه السلام لما عمل السفينة جاءه جبريل عليه السلام بأربعة مسامر مكتوب على كل مسمار عين: عين عبد الله وهو أبو بكر .

 وعين عمر ، وعين عثمان ، وعين علي ، رضي الله عنهم فجرت السفينة ببركتهم (1) وللقوم في تحريف الكتاب معارك دامية منها وقعة سنة 317 ببغداد بين أصحاب أبي بكر المروزي الحنبلي ، وبين طائفة أخرى من العامة أيضا ، اختلفوا في تفسير قوله تعالى: عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا .

 فقالت الحنابلة يجلسه معه على الاتحاد .

 وقال الآخرون: المراد بذلك الشفاعة العظمى .

 فاقتتلوا بذلك وقتل بينهم قتلى " تاريخ ابن كثير 11: 162 " فخذ ما ذكرناه مقياسا لمئات خرافة من أمثاله تقولها على الله ألسنة الغلاة في الفضائل ، واتخذوا آيات الله هزوا ، وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق ، وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون .

منتهى المقال

هذه نماذج من أفائك الوضاعين في الفضائل حسبتها الأغرار حقائق فسودوا بها صحائف من التفسير والحديث والتاريخ ، وموهوا بها على الحقايق الراهنة وفككوا بها عرى الاسلام ، وشتتوا شمل الأمة وفرقوا صفوفها ، وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر ، أردنا بسردها أن نعطيك مقياسا لما حاولوه من المغالاة نكتفي بها عن غيرها ، وهناك مئات من أمثالها ضربنا الصفح عنها تنزها عن نبش المخاريق ونشر المخازي ، والباحث يجد شواهد صادقة على دعوانا في غضون (الرياض النضرة) علبة السفاسف والخرافات ، و " الصواعق المحرقة " عيبة الأفائك والأكاذيب ، و " السيرة الحلبية " المشحونة بالموضوعات ، و " نزهة المجالس " موسوعة الترهات والصحاصح ، و " مصباح الظلام " ديوان كل حديث مفترى ورواية مفتعلة ، إلى تآليف جمة من القديم والحديث ، فويل لهم مما كسبت أيديهم وويل لهم مما يكتبون ، فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون ، و ليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون ، والله يعلم أنهم لكاذبون .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) نزهة المجالس 2: 214 نقلا عن شوارد الملح .