فهرس الكتاب

مكتبة الإمام أميرالمؤمنين (ع)

 

 

الغدير

في الكتاب والسنة والأدب

كتاب ديني، علمي، فني، تاريخي، أدبى، أخلاقي

مبتكر في موضوعه فريد في بابه يبحث فيه عن حديث الغدير كتابا وسنة وأدباً

ويتضمن تراجم أمة كبيرة من رجالات لعلم والدين والأدب من الذين نظموا هذه الأثارة

من العلم وغيرهم

 

تأليف:

الحبر العلم الحجة المجاهد شيخنا الأكبر الشيخ

عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

 

الجزء الحادي عشر

 

 

 

/ صفحة ب /

كتاب كريم

تفضل به الشريف العلامة الحجة، حسنة الوقت، ومفخرة علماء العصر، السيد علي الفاني الأصفهاني، أحد أساتذة النجف الأشرف الفطاحل، دام فضله ومعاليه :

بسم الله الرحمن الرحيم

شيخنا العلامة المجاهد الكبير الحجة الأميني دام بقاءه ..

وبعد : فإن من أجلى ما تسالمت عليه العقول السليمة، إن لله تعالى حجج بالغة على خلقه في معارفه وأحكامه، كي لا يكون للناس على الله حجة بعدها، وغير خفي على من سبر هذا السفر المبارك الكريم الذي تقله يمناك الغدير من أوضح مصاديق تلكم الحجج، كيف لا ؟ وقدر بيتم في مهد العلم العلوي، ودرستم في مستوى الثقافة الدينية لدى باب مدينة علم الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله فلم تزل ابن بجدتها وأبا عذرها، من الله على المسلمين عامة وعلى شيعة آل الله خاصة بأن وفقكم للاحتجاج للحق الصراح، وتفنيد ما لفقته الأقلام المستأجرة والمناطق البذية مما تضمنته مدونات القوم بين دفتيها في القرون الماضية .

 وطويتم الكشح عما وصل إليكم وإلينا من سدنة الوحي، ومعادن أهل بيت النبي الطاهر ومقتفي آثارهم، حرصا على الارشاد الناجع، والحجاج السليم، وتحفظا على الوحدة الإسلامية، وتجنبا على إثارة الضغائن، وخدش العواطف .

 فسبحان من جللكم بتلك الخلعة الإلهية التي اختصصتم بها بين الأعلام الفطاحل الذين سبقوكم إلى النضال والحجاج دون الحق وبالغوا، وجدوا واجتهدوا، وأتعبوا أنفسهم في البحث والتنقيب، وكافحوا الباطل، وأتموا الحجة وبينوا المحجة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .

 نعم : لكم يا صاحب (الغدير) الفياض قدم السبق، فهنيئا لمن فاز به، واستقى من منهله، وبوركت لكم هذه الرتبة السامية والمنحة الراقية الخالدة التي تذكر مع الأبد وتشكر .

/ صفحة ج /

 أضف إلى ما ذكرنا ذلك الجمع الحافل للشوارد المنتثرة في الخبايا والخفايا، وترصيفها بهذا النسق الرائع، والبيان البديع، والنظم المنضد، والأسلوب المنسجم يعرف بذلك كله ما قاسيتم خلال أعوام متمادية دون الاطلاع على تلكم الدروس الراقية والاستدلال بها بوحدتك وانفرادك من دون أي عدة ولا عدد، متوكلا على الله الفرد الصمد، ومتوسلا بحجزة من عكفتم ببابه، مستمدا من قدسية جنابه (مولانا أمير المؤمنين عليه السلام) .

 نسأل الله أن ينصرك وينتصر بك، ويجعل صنيعك هذا علما باهرا ونورا زاهرا لمناهج الحق ومهيع الصراط المستقيم، أخذ المولى سبحانه بيدك، وشد أزرك، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

 15 شعبان المعظم 1357

الأحقر السيد علي الفاني الأصفهاني

 

/ صفحة د /

صحيفة بيضاء

تلقيناها من الشريف الأوحد، العلامة الحجة السيد ميرزا محمد علي القاضي الطباطبائي، لا زال مقباسا للعلم والأدب، ونبراسا للفضيلة والحسب .

بسم الله خير الأسماء

سماحة علامتنا الأكبر، مفخرة الطائفة، حجة الاسلام والمسلمين، آية الله الشيخ عبد الحسين الأميني المحترم، أدام الله ظله الوارف على رؤس المسلمين .

 أمامي الجزء العاشر من الأثر الخالد [الغدير] الطبعة الثانية ذلك الكتاب القيم الذي جاءت به يراعة شيخنا العلامة، ولم يؤلف نظيره في الاسلام حتى اليوم وبعد ما لفت نظري إليه وسبرته بنظرة التقدير والاعجاب اندفعت اندفاعا لا يشوبه سوى حب الحق وأهله، وإكبار حماة الدين وذادته، ولا يحدوني إليه إلا أداء الواجب الديني بأن أرفع إلى سماحتكم كلمتي هذه التي تعرب عن مبلغ ابتهاجي به، وعن بعض ما يكنه ضميري، ويطويه مكنوني من إبداء شعوري تجاه هذا الكتاب الكريم، مع اعترافي بعجزي عن أداء قليل من الشكر المحتم، غير أن ما لا يدرك كله لا يترك كله، فعملا بقاعدة الميسور أقدم إلى سماحتكم نزرا مما يعرب عن شعوري تجاه هذا الجهاد الدائب والنضال المتواصل مع علم متدفق، وفكر صائب، ورأي حصيف، وبيان رصين، وأسلوب رائع، ونظام فائق، وحجة قوية، وأدلة قويمة، وآيات واضحة، وحجج دامغة، وبراهين مفحمة، وثقافة عالية، ونزعة دينية بنقد نزيه، وسرد معجز، وتضلع من العلم .

 وإنما تخط بيمينك عن ولاء خالص لأهل البيت الطاهر الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وأوجب مودتهم على الناس جمعاء، وجعلها أجر الرسالة الخاتمة تخط وتؤلف مجاهرا بالدليل المقنع، صادعا بالحق الصراع، ولكم قوة الحجة، وجرأة الجنان، وربط الجاش، وسداد القول، ويد ناصعة في دحض الباطل، وإرحاض الشبهات، وإعلاء كلمة الحق .

/ صفحة هـ /

 لقد أتحفتم الأمة المسلمة، والملا العلمي المذهبي بهذه الصفحات الغراء، والسطور النيرة، والكلم الجامعة مع تأليف الأمة والدعوة إلى توحيد صفوفها بالتمسك بحبل ولاء العترة، والعروة الوثقى التي لا انفصام لها، ولا تؤخذكم في الله لومة لائم .

 وقد أظهرتم في هذا الجزء الممتع مخازي ابن آكلة الأكباد، عدو الاسلام ومبغضه، الذي عادت الخلافة الإسلامية بيده الأثيمة ملكا عضوضا، وقيصرية وكسروية، وكشفتم الستر عن خبيئة جرائمه، وأبنتم ما في صحيفة تاريخه السوداء من ضلال وبدع وأحداث وجرائر وموبقات، وأيم الله ما فضل الاسلام إلا برياسته، وما راج الجور والعدوان إلا بإمارته، وما ذلت رقاب الأمة الصالحة إلا بسلطته، وما انكفئ الدين إلا بهذا الماجن المهتوك، رجل البدع والأهواء .

 لقد أوضحتم سفاسف الرجل وبوائقه ونفاقه وتهاونه بأمر الله ونهيه، واحتقاره نواميس الدين وشرائعه وطقوسه وتعاليمه، وخدمتم أي خدمة لأهل بيت النبوة بالدفاع عنهم، والذب عن ناموسهم، وإفضاح عدوهم النابذ كتاب الله وراء ظهره، قاتل جدي الأعلى الإمام الزكي المجتبى ريحانة الرسول وسبطه المفدى، ولكم الحق العظيم على الأمة عامة وعلى البيت الحسني وأنا من أبنائه خاصة، جزاكم الله عن النبي وأهله خيرا .

 وأنى لنا يا شيخنا الأجل ! أداء حق هذه الموسوعة الكريمة وهي من حسنات جامعة العلم والدين الكبرى النجف الأشرف وقد صدرت بعناية صاحبها الأعظم وحامي حماها مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، ولاغرو إذن أيها العلامة الكبير إني منذ أن تلقيت مجلدات هذا الكتاب القيم، وسبرت صفحاته بتفكير وإمعان، ما عثرت على اشتباه أو سهو طفيف في سر التاريخ والشعر والترجمة والأثر، وهذا أمر لا يستهان به، وقلما يتفق هذا في الكتب الضخمة المشتملة على عدة مجلدات، وليس ذلك إلا بتأييد وعناية خاصة من الله تعالى بكم في هذا العمل البار الناجع، وقد عرفكم من عرفكم بهما، حفظكم الله علما للعلم والدين، وأحيى بكم الاسلام والمسلمين .

15 شعبان 1375

محمد علي القاضي الطباطبائي

/ صفحة و /

خطاب

تفضل به فضيلة الأستاذ الكبير علاء الدين خروفة خريج الأزهر بمصر، والحاكم في بعض المحاكم الشرعية في العراق :

بسم الله الرحمن الرحيم

سماحة العلامة الجليل الشيخ عبد الحسين الأميني حفظه الله وأطال بقاءه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

 وبعد : فأسأل الله سبحانه أن يصل إليكم كتابي هذا وأنتم في صحة جيدة وراحة تامة .

 أيها الأستاذ الأجل ! في غفلة من تحكم سلطان الدروس الأزهرية، وفي وقت لست أدري كيف سمح ؟ وكيف استطعت أن أتغلب عليه ؟ قرأت ستة أجزاء من كتابكم (الغدير) فاعترتني دهشة لم تزل آثارها بادية علي ولن تزال .

 إذ ما كنت أظن أن عصرنا هذا يجود بمحقق علامة يستطيع أن يجرد همة قعساء، وعزيمة لها مضاء السيف، فيدفع عن مذهبه سهاما مقرية وتهما متتابعة وجهت إليه منذ القدم .

 أجل : ما كنت أظن أن هذا العصر الذي طفت عليه المادة، واتسم بالسرعة في التأليف، والسطحية في البحث والتنقيب، ينهض فيه رجل كأنه أمة في نفسه، فيأتي بهذا السفر الجليل الذي لا تأتي بمثله عصبة مجتمعة من الأعلام الراسخين في العلم .

 حقا إن الاعجاب بالمجهود الذي بذلتموه في هذا الكتاب الفريد، وما حوى من تحقيق علمي رائع، وبحث في بطون الكتب، لا يزال آخذا من نفسي كل مأخذ، وإن هذا الاعجاب نفسه هو الذي يحدوني إلى أن أبدي لسماحتكم بعض الملاحظات، ولن ينقص ذلك من قيمة كتابكم ومن ألف فقد استهدف كما إني لا أريد أن أبخسه حقه، فصوت القرآن الكريم دائما يرن في أذني هاتفا [ولا تبخسوا الناس أشياءهم] ولقد

/ صفحة ز /

 سجلت تلك الملاحظات حين كنت أقرأ الكتاب في القاهرة على قصاصة من الورق، غير أني لا أدري أين نسيتها، إلا أنني أبادر فأذكر لكم إنها ليس لها كبير أثر، أو عظيم خطر، ما عدا واحدة لا زالت عالقة في ذهني، وهي : انكم قد عنونتم في الجزء السادس لوقائع كثيرة ب‍ [جهل عمر] والقصص التي رويتموها صحيحة غاية الصحة، وهي مدونة في كتب السنة، وقد مر علينا كثير منها، إلا أنني أرى أن العنوان كان فيه قسوة بالنسبة لشخصية تكون لها ملايين المسلمين احتراما وإجلالا .

 ولقد كان بي ظمأ شديد، وشغف زائد، وشوق لا يوصف لمعرفة فقه الشيعة وأصول مذهبهم، فلما قرأت تلك الأجزاء الستة من كتابكم ساعدتني على معرفة الحقائق التي كانت محورة في الكتب التي رددتم عليها في الجزء الثالث، وكانت تلك الأجزاء خير عون لي على كتابة مقالات انتصرت فيها للشيعة ورددت فيها على مجلة الأزهر، وقد نشرت في مجلة السعد التي تصدر بالقاهرة، وفي صحيفة الأهرام كبرى الصحف المصرية (1) وقد لقيت بعد نشرها بعض ما يلقاه كل منصف، وكل مدافع عن الحق، أو عامل على وحدة المسلمين .

 هذا ومنذ كان بودي أن اكتب إليكم من القاهرة مبديا إعجابي وتقديري غير أن زحمة الدروس حالت بيني وبين ذلك ولعل الأيام تسمح لنا بلقائكم والتعرف على شخصكم بعد أن استفدنا من علمكم الغزير .

 أدامكم الله سبحانه ذخرا للعلم، ووفقكم لما فيه خير المسلمين أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

 13 ربع الأول 1357

المخلص علاء الدين خروفة

من علماء الأزهر

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تعرف هذه الجمل الملأ العلمي الديني كاتبها علاء الدين بنفسياته الكريمة، وملكاته الفاضلة، وحريته في الرأي، وفكرته الصالحة في الدفاع عن الحق، وسعيه وراء الصالح العام، وراء العلم الناجع، وراء الدعوة إلى التوحيد الصدق والوحدة الحقة، ضد فئة من كتاب محدثين متسرعين .

/ صفحة ح /

مقال

أسداه إلينا فضيلة الأستاذ الخطيب البارع الشيخ محمد تيسير الشامي إمام الجماعة بدمشق في جامع سيدتنا رقية سلام الله عليها وعلى أبيها الطاهر .

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي من علينا إذ بعث فينا رسولا من أنفسنا يتلو علينا آياته، ويعلمنا الكتاب والحكمة، ويزكينا وإن كنا من قبل لفي ضلال مبين .

 وأشكره أن جعلنا من الذين استجابوا الله بالإيمان به، وللرسول بإجابة دعوته واتباع سنته، وجعلنا من أمة نبيه تدور مع الحق حيث ما دار، ووهب لنا من فضله علما ومعرفة واطلاعا لتصح شهادتنا على الناس، وحبانا بالتزكية ليكون الرسول شاهدا علينا .

 والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا ومولانا محمد وآله الذي جعله مولاه حريصا علينا، وصيره رؤوفا رحيما بنا، فجزاه الله تعالى بأفضل ما جازى نبيا عن أمته، الذي ترك فينا كتاب الله وعترته وأخبر بنجاة من تمسك بهما من أمته .

 ورضي الله تعالى عن الأصحاب والأحباب الذين نالوا شرف رؤيته واقتفاء سيرته، وعلى من اقتدى بهديهم وسار على نهجهم . آمين .

 وبعد : لما كان العلم خير ما يؤتاه المرء، وجل ما تصبوا إليه النفس، وكان التطلع والارتقاء لعلياه صعبا مضنيا، والاكتراع من مناهله خطرا مغريا، ويحتاج وارده لتوفيق إلهي أولا، وموافقة وأخذا بالأسباب ثانيا، ليميز بين الغث والثمين، والمستقيم والملتوي ويعرف الحق من غيره ليصح الأخذ ويسلم .

 لذلك كان المحتم على طالبه أن يبحث ويدقق ويميز ويقارن جميع ما وصل إليه، ويتشوق لما لم يصل إليه (منهومان لا يشبعان) ففي يوم من الأيام زارني أحدهم وأجال طرفه بمكتبتي الصغيرة فسئلني : هل يوجد لديك كتاب [الغدير] ؟ فأجبته بالسلب، وقد وقع في نفسي اقتناء هذا الكتاب بعد ما سمعت عنه من الاطناب وهو جدير إلى أن أتحفني المؤلف حفظه الله تعالى بنسخة منه، فنظرت الكتاب وتصفحته

/ صفحة ط /

 وسبرت غور ما فيه بقدر ما اتسع ذلك عندي وإذا بي أرى كتابا لا كالكتب، وعقل مؤلفه لا كالعقول، وأيم الله لقد أكبرت فيه كل شيئ : من سعة الاطلاع، وترتيب الأبواب لحسن الانتقاء، وفصل الخطاب .

 من قول متزن، وقلم سيال للتدقيق، ووضوح في العبارة، وصدق في المقال .

 من إصابة الكشف عن الحق بأوضح دليل لقوة في رد الخصم وإنارة السبيل .

 فإذا بي اردد قول الله تعالى : [ما شاء الله لا قوة إلا بالله] ورأيت لولا التيمن والبركة بتسمية الغدير لكان خليقا أن يسمى بالأبحر السبعة وهو جدير، لأني رأيت أن من أتاه يحسبه غديرا فيرغب في وروده فإذا خاضه يجده بحرا زاخرا فيستخرج منه لحما طريا وحلية يتحلى بها، ولكن لا يأمن سالكه على نفسه إلا إذا تمسك بسفينة النجاة لتقوده لشاطئ السلامة، ألا وهي : آل المصطفى وعترته، وهم أحد الثقلين المنشودين .

 فهنيئا لك يا من نالتك عناية الله وتوفيقه، فحباك هذا العلم الزاخر لتبز به المعاند والمكابر .

 وبارك في مجهودك، ونصبك وكلل مسعاك بالأجر والثواب، وجعلني وإياك ومن أحب من خدام سيدنا أبي تراب عليه السلام ونفع الله بغديرك قاريه، وكان الله تعالى لك ولمن آزرك فيه، والحمد لله أولا وآخرا .

20 ربيع الثاني 1375

محمد تيسير المخزومي

/ صفحة ي /

كتاب

تلقيناه من الأستاذ البحاثة صاحب التآليف الفخمة الناجعة، المسيحي المفضال يوسف أسعد داغر البيروتي

سيدي الأستاذ الفاضل المجتهد الكبير والحبر العلامة الحجة المجاهد عبد الحسين أحمد الأميني المحترم .

 تحية واحتراما وتجلة، وبعد : إنها لنعمة هبطت علي من علياء يوم جاءتني رسالتكم الكريمة تحدثني بنعمة الله فيكم، وقد كنت أعربت لفريق كريم من الأخوان في النجف الأشرف عما أحمله من تقدير لسيدي الإمام، ومن شوق شديد للتعرف إليه، فإذا بهم يبلغون الرسالة لسيدي الأستاذ وقد حملوها من أوصافهم ومكارم أخلاقهم ما جعل سيدي يتلطف بتوجيه رقيمه الكريم، مضيفا منة جديدة فوق ما له من منن سابغات .

 ولم يمضي سوى القليل على وصول كتابكم حتى جاء في البريد يحمل إلي ما تكرمتم من رسالة من نمير غديركم الصافي، فوصلني منه الأجزاء الستة الأولى 61 فتقبلتها بشئ من الاعجاب والاكبار لما يتمثل فيها من علم وجهد وتحقيق وتدقيق، وإني لأرجو أن تتموا عارفتكم هذه بالإيعاز لمن يلزم بإرسال الأجزاء الباقية مما ظهر من هذه الموسوعة التي تمثل أصلا من أصول البحث في تراثنا العلمي وثقافتنا الغالية .

 لا أستطيع هنا إلا أن أقول كلمة موجزة في هذا السفر العظيم مع إنه لم يتح لي بعد الوقت الكافي للنظر فيه مليا، ويقتضي تصفحه والتمضي فيه أكثر من نظرة عابرة ليخرج منه المرء برأي مركز مؤصل .

 إن كتابك (الغدير) يا سيدي ! جياش العباب، متلاطم الأمواج، جعلت منه موسوعة تدور حول الشعراء والكتاب الذين ذكروا في قصيدهم ونثرهم (الغدير) و قد استعرضتموهم قرنا فقرنا من قرون الاسلام حتى يومنا هذا، وعقدتم لهم تراجم فيها من شدة الأسر والربط ما لا يستغني عنه باحث أو مؤرخ أو أديب، مؤيدين إيرادكم لهم بالوافر من المصادر، بحيث يقع القارئ منها على ذخيرة قل أن أتيح مثلها لباحث من

/ صفحة ك /

 باحثي رجال العصر .

 وكنت قبل اطلاعي على كتابك هذا، يا سيدي ! وعلى ما فيه من وفرة المصادر وكثرة المراجع والأصول، أعتقد بشئ من الغرور بأنه قل بين المتأخرين من خدمة التاريخ الاسلامي والثقافة العربية من قاربني بكثرة الاستشهاد بمصادرهما، فإذا بي بعد أن وقع نظري على ما في سفينتكم من بحر علمكم أطرق بنظري إلى الأرض جسيا خجلا مأخوذا بما وجدت في (الغدير) ) من خصب وغنى وافر .

 نعم : هي لمحة أجلتها لماحا في (الغدير) ارتسمت معها على صفحات العين ما في غديركم من صفاء ورواء، وما في جنباته من نور ونور، فإذا به بهجة للعين، ومتعة للقلب، وغذاء للروح، يمثل كله في هذا الأثر الطيب الخالد، تتحفون به الثقافة العربية درة من دررها الغوالي .

 فوالله لو لم يكن للشيعة في القرن الرابع عشر الهجري غير السيد [الأميني] في [غديره] والمغفور له محسن [الامين] في [أعلامه] والعلامة الكبير الشيخ آغا بزرك في [ذريعته] لكفى من رجال الملة خدمة وهديا لقوم يعقلون .

 وهذا الكتاب فيما ظهر من أجزائه المتتالية لا يزال ينتظر من صبركم الجميل وبحر علمكم الزاخر ما يمضي به إلى الغاية، فتخرجون بالكتاب على الوجه الذي يرضى عنه موزع الأقدار، وطلاب التاريخ، والعلم الصحيح .

 فقد جددت في كتابك هذا وراء الحقيقة الناصعة، وبحثت في شعابه عما يكشف النقاب للراغب فيها لتبدو صبيحة الوجه، واضحة المعالم .

 هي كلمة سقتها على الطبيعة من لمحة خاطفة أجلتها في (الغدير) على أمل أن أتمكن فيما بعد أن أنظر فيه مليا بعد وصول الأجزاء الباقية التي أتوقع وصولها قريبا، وسأبعث لكم اعترافا بالفضل بما تيسر من مؤلفاتي، وهي لا تذكر بالنسبة لهذه المفخرة التي قلدتم بها جيد العربية .

 هذا وفيما أدعو لكم بالتوفيق ودوام نعمة الله فيكم، اقبلوا سيدي ! مع شكري الجزيل فائق احترامي .

 يوسف أسعد داغر

/ صفحة 1 /

الجزء الحادي عشر فيه بعد البحث عن جملة من مواقف معاوية المخزية

ومناقبه المختلقة، ومخاريق أمة أخرى، تراجم جمع

من أعلام الطائفة، ورجالات العلم، وصاغة القريض، وصيارفة الأدب،

تضمن فوائد تاريخية، وطرائف أدبية، وتحوي من الآثار

والمآثر نوادر هي الأوضاح والغرر في جبهة الدهر

 

/ صفحة 2 /

بسم الله الرحمن الرحيم

حمدا لك يا إله الخلق ! بك أستفتح وبك أستنجح، أنطقني بالهدى، وألهمني التقوى، ووفقني للتي هي أزكى، واستعملني بما هو أرضى، واسلك بي الطريقة المثلى، وسيرني في أقرب الطرق للوفود إليك، واجعلني على ولايتك وولاية نبيك نبي الرحمة وعترته الطاهرة المطهرة صلواتك عليهم أجمعين أموت وأحيى، وما توفيقي إلا بك عليك توكلت .

 الأميني

/ صفحة 3 /

يتبع الجزء العاشر

مواقف معاوية مع أبي محمد الحسن السبط عليه السلام

إن لابن آكلة الأكباد مع السبط المجتبى مواقف تقشعر منها الجلود، وتقف منها الشعور، وتندى منها جبهة الانسانية، ويلفظها الدين والحفاظ، وينبذها العدل و الاحسان، وينكرها كرم الأرومة وطيب المحتد، ارتكبها معاوية مستسهلا كل ذلك، مستهينا بأمر الدين والمروءة .

 من هو الحسن عليه السلام ؟ لا أقل من أن يكون هو سلام الله عليه أوحديا من المسلمين، وأحد حملة القرآن، وممن أسلم وجهه لله وهو محسن، يحمل بين أضالعه علوم الشريعة، ومغازي الكتاب والسنة، والملكات الفاضلة جمعاء، وهو القدوة والأسوة في مكارم الأخلاق، ومعالم الاسلام المقدس، فمن المحظور في الدين الحنيف النيل منه، والوقيعة فيه، وإيذائه، ومحاربته، على ما جاء لهذا النوع من المسلمين من الحدود في شريعة الله، فله ما للمسلمين وعليه ما عليهم .

 أضف إلى ذلك : إنه صحابي مبجل ليس في أعيان الصحابة بعد أبيه الطاهر من يماثله ويساجله، ودون مقامه الرفيع ما للصحابة عند القوم من العدالة والشأن الكبير، وأعظم فضائله : أنه ليس بين لابتي العالم من يستحق الإمامة والاقتداء به واحتذاء مثاله يومئذ غيره، لفضله وقرابته .

 فهو أولى صحابي ثبت له ما أثبتوه لهم من الأحكام، فلا يجوز

/ صفحة 4 /

منافرته والصد عنه، والإعراض عن آرائه وأقواله، وارتكاب مخالفته، وما يجلب الأذى إليه من السب له، والهتك لمقامه، واستصغار أمره .

 زد عليه : أنه سبط رسول الله وبضعته من كريمته سيدة نساء العالمين، لحمه من لحمه، ودمه من دمه .

 فيجب على معتنقي تلك النبوة الخاتمة حفظ صاحب الرسالة فيه، والحصول على مرضاته، وهو لا يرضى إلا بالحق الصراح والدين الخالص .

 وهو عليه السلام قبل هذه كلها أحد أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا .

 وهو أحد من أثنى عليهم الله بسورة هل أتى، الذين يطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا .

 وهو من ذوي قربى رسول الله صلى الله عليه وآله الذين أوجب الله مودتهم وجعلها أجر الرسالة .

 وهو أحد من باهل بهم رسول الله صلى الله عليه وآله نصارى نجران كما جاء في الذكر الحكيم .

 وهو أحد الثقلين اللذين خلفهما النبي الأعظم صلى الله عليه وآله بين أمته ليقتدى بهم و قال : ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا .

 وهو من أهل بيت مثلهم في الأمة مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق .

 وهو من الذين أوجب الله الصلاة عليهم في الفرائض، ومن لم يصل عليهم لا صلاة له .

 وهو أحد من خاطبهم النبي صلى الله عليه وآله بقوله : أنا حرب لمن حاربتم، وسلم لمن سالمتم .

 وهو أحد أهل خيمة خيمها رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : معشر المسلمين ! أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة، حرب لمن حاربهم، ولي لمن والاهم، لا يحبهم إلا سعيد الجد طيب المولد، ولا يبغضهم إلا شقي الجد ردئ الولادة .

 

/ صفحة 5 /

وهو أحد ريحانتي رسول الله صلى الله عليه وآله كان يشمهما ويضمهما إليه .

 وهو وأخوه الطاهر سيدا شباب أهل الجنة .

 وهو حبيب رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأمر بحبه قائلا : اللهم إني أحبه فأحبه، وأحب من يحبه .

 وهو أحد السبطين كان جدهما صلى الله عليه وآله يأخذهما على عاتقه ويقول : من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني .

 وهو أحد اللذين أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بيدهما فقال : من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة .

 وهو أحد ابني رسول الله كان يقول صلى الله عليه وآله : الحسن والحسين ابناي من أحبهما أحبني، ومن أحبني أحبه الله، ومن أحبه الله أدخله الجنة، ومن أبغضهما أبغضني ومن أبغضني أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله النار (1) هذا هو الإمام الحسن المجتبى عليه السلام وأما معاوية ابن آكلة الأكباد فهو صاحب تلك الصحيفة السوداء التي مرت عليك في الجزء العاشر ص 178 وأما جنايات معاوية على ذلك الإمام المطهر فقد سارت بها الركبان، وحفظ التاريخ له منها صحائف مشوهة المجلى، مسودة الهندام .

 فهو الذي باينه وحاربه وانتزع حقه الثابت له بالنص والجدارة، وخان عهوده التي اعترف بها عندما تنازل الإمام عليه السلام له بالصلح حقنا لدماء شيعته، وحرسا على كرامة أهل بيته، وصونا لشرفه الذي هو شرف الدين، وما كان يرمق إليه معاوية ويعلمه الإمام عليه السلام بعلمه الواسع من إن الطاغية ليس بالذي يقتله إن استحوذ عليه، لكنه يستبقيه ليمن بذلك عليه، ثم يطلق سراحه، و هو بين أنيابه ومخالبه، حق يقابل به ما سبق له ولأسلافه طواغيت قريش يوم الفتح، فملكهم رسول الله صلى الله عليه وآله أرقاء له، ثم من عليهم وأطلقهم، فسموا الطلقاء وبقي ذلك سبة عليهم إلى آخر الدهر، فراق داهية الأمويين أن تكون تلك الشية ملصقة ببني هاشم سبة عليهم، لكنه أكدت آماله، وأخفقت ظنونه، وفشل ما ارتآه بهذا الصلح

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذه الأحاديث تأتي بأسانيدها ومصادرها في مسند المناقب ومرسلها إنشاء الله .

 

/ صفحة 6 /

الذي كان من ولائده الإبقاء على شرف البيت الهاشمي، ودرأ العار عنهم، إلى نتايج مهمة، كل منها كان يلزم الإمام عليه السلام بالصلح على كل حال، وإن كان معاوية هو الخائن المائن في عهوده ومواثيقه، والكائد الغادر بإله وذمته، فعهد إليه أن لا يسب أباه على منابر المسلمين، وقد سبه وجعله سنة متبعة في الحواضر الإسلامية كلها .

 وعهد إليه أن لا يتعرض بشيعة أبيه الطاهر بسوء، وقد قتلهم تقتيلا، واستقرأهم في البلاد تحت كل حجر ومدر، فطنب عليهم الخوف في كل النواحي بحيث لو كان يقذف الشيعي باليهودية لكان أسلم له من انتسابه إلى أبي تراب سلام الله عليه .

 وعهد إليه أن لا يعهد إلى أحد بعده وكتب إليه سلام الله عليه : إن أنت أعرضت عما أنت فيه وبايعتني وفيت لك بما وعدت، وأجريت لك ما شرطت، وأكون في ذلك كما قال أعشى بني قيس :

وإن أحـــــد أســـــدى إليـك أمانة * فـــــأوف بهـــا تدعى إذا مت وافيا

ولا تحسد المولى إذا كان ذا غنى * ولا تجفـــه إن كان في المال فانيا

ثم الخلافة لك من بعدي، فأنت أولى الناس بها (1) ومع هذا عهد إلى جروه ذلك المستهتر الماجن بعد ما قتل الإمام السبط ليصفو له الجو .

 ولما تصالحا كتب به الحسن كتابا لمعاوية صورته :

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا ما صالح عليه الحسن بن علي رضي الله عنهما معاوية بن أبي سفيان، صالحه على أن يسلم إليه ولاية المسلمين، على أن يعمل فيها بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرة الخلفاء الراشدين المهديين، وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهدا، بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين، وعلى أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله تعالى في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم، وعلى أن أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم حيث كانوا، وعلى معاوية بن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح ابن أبي الحديد 4 : 13 .

 

/ صفحة 7 /

أبي سفيان بذلك عهد الله وميثاقه، وأن لا يبتغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين ولا لأحد من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم غائلة سرا وجهرا، ولا يخيف أحدا منهم في افق من الآفاق، أشهد عليه فلان ابن فلان وكفى بالله شهيدا (1) فلما استقر له الأمر ودخل الكوفة وخطب أهلها فقال : يا أهل الكوفة ! أتراني قاتلتكم على الصلاة والزكاة و الحج ؟ وقد علمت إنكم تصلون وتزكون وتحجون، ولكنني قاتلتكم لأتأمر عليكم وعلى رقابكم (إلى أن قال) : وكل شرط شرطته فتحت قدمي هاتين (2) وقال أبو إسحاق السبيعي : إن معاوية قال في خطبته بالنخيلة : ألا إن كل شئ أعطيته الحسن بن علي تحت قدمي هاتين لا أفي به (3) قال أبو إسحاق : وكان والله غدارا (4) .

 وكان الرجل ألد خصماء ذلك السبط المفدى، وقد خفر ذمته، واستهان بأمره واستصغره، وهو الإمام العظيم، وقطع رحمه، وما راعى فيه جده النبي العظيم، ولا أباه الوصي المقدم، ولا أمه الصديقة الطاهرة، ولا نفسه الكريمة التي اكتنفتها الفضائل والفواضل من شتى نواحيها، ولم ينظر فيه ذمة الاسلام، ولا حرمة الصحابة، ولا مقتضى القرابة، ولا نصوص رسول الله صلى الله عليه وآله فيه، ولعمر الحق لو كان مأمورا بقطعه وبغضه ومباينته لما وسعه أن يأتي بأكثر مما جاء به، وناء بعبأه، وباء بإثمه، فقد قنت بلعنه في صلواته التي تلعن صاحبها قال أبو الفرج : حدثني أبو عبيد محمد ابن أحمد قال : حدثني الفضل بن الحسن المصري قال : حدثني يحيى بن معين قال : حدثني أبو حفص اللبان عن عبد الرحمن بن شريك عن إسماعيل بن أبي خالد عن حبيب بن أبي ثابت قال : خطب معاوية بالكوفة حين دخلها والحسن والحسين جالسان تحت المنبر فذكر عليا فنال منه، ثم نال من الحسن، فقام الحسين ليرد عليه فأخذه الحسن بيده فأجلسه ثم قام فقال : أيها الذاكر عليا ! أنا الحسن وأبي علي، وأنت معاوية و

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الصواعق لابن حجر ص 81 .

 (2) راجع ما مر في الجزء العاشر ص 329 .

 (3) شرح ابن أبي الحديد 4 : 16 .

 (4) راجع ما أسلفناه في الجزء العاشر ص 262 .

 

/ صفحة 8 /

أبوك صخر، وأمي فاطمة وأمك هند، وجدي رسول الله وجدك عتبة بن ربيعة، و جدتي خديجة قتيلة، فلعن الله أخملنا ذكرا، وألأمنا حسبا، وشرنا قديما وحديثا، وأقدمنا كفرا ونفاقا .

 فقال طوائف من أهل المسجد : آمين .

 قال الفضل : قال يحيى بن معين : وأنا أقول : آمين .

 قال أبو الفرج : قال أبو عبيد قال الفضل : وأنا أقول : آمين، ويقول علي بن الحسين الاصفهاني : آمين .

 قلت : ويقول عبد الحميد بن أبي الحديد مصنف هذا الكتاب : آمين (1) قال الأميني : وأنا أقول : آمين .

 وآخر ما نفض به كنانة غدر الرجل أن دس إليه عليه السلام السم النقيع، فلقي ربه شهيدا مكمودا، وقد قطع السم أحشاؤه .

 قال ابن سعد في الطبقات : سمه معاوية مرارا، لأنه كان يقدم عليه الشام هو وأخوه الحسين .

 وقال الواقدي : إنه سقي سما ثم أفلت، ثم سقي فأفلت، ثم كانت الآخرة توفي فيها، فلما حضرته الوفاة قال الطبيب وهو يختلف إليه : هذا رجل قطع السم أمعائه، فقال الحسين : يا أبا محمد ! أخبرني من سقاك ؟ ! قال .

 ولم يا أخي ؟ قال : أقتله والله قبل أن أدفنك، وإن لا أقدر عليه أو يكون بأرض أتكلف الشخوص إليه .

 فقال : يا أخي ! إنما هذه الدنيا ليال فانية، دعه حتى التقي أنا وهو عند الله، وأبى أن يسميه .

 وقد سمعت بعض من يقول : كان معاوية قد تلطف لبعض خدمه أن يسقيه سما (2) .

 وقال المسعودي : لما سقي السم فقام لحاجة الانسان ثم رجع فقال : لقد سقيت السم عدة مرار فما سقيت مثل هذه، لقد لفظت طائفة من كبدي فرأيتني اقلبه بعود في يدي، فقال له الحسين : يا أخي ! من سقاك ؟ قال : وما تريد بذلك ؟ فإن كان الذي أظنه فالله حسيبه، وإن كان غيره فما أحب أن يؤخذ بي برئ، فلم يلبث بعد ذلك إلا ثلاثا حتى توفي رضي الله عنه .

 وذكر : أن امرأته جعدة بنت أشعث بن قيس الكندي سقته السم، وقد كان معاوية دس إليها إنك إن احتلت في قتل الحسن وجهت إليك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح ابن أبي الحديد 4 : 16 .

 (2) تاريخ ابن كثير 8 : 43 .

 

/ صفحة 9 /

بمائة ألف درهم، وزوجتك يزيد فكان ذلك الذي بعثها على سمه، فلما مات الحسن وفى لها معاوية بالمال وأرسل إليها : إنا نحب حياة يزيد ولولا ذلك لوفينا لك بتزويجه .

 وذكر : إن الحسن قال عند موته : لقد حاقت شربته، وبلغ أمنيته، والله ما وفى بما وعد، ولا صدق فيما قال .

 وفي فعل جعدة يقول النجاشي الشاعر وكان من شيعة علي في شعر طويل :

جعـــــدة بكيـــــه ولا تســـــــأمي * بعـــــد بكــاء المعول الثاكل (1)

لـــــم يسبـــــل الستـر على مثله * في الأرض من حاف ومن ناعل

كـــــان إذا شبـــــت لـــــه نـــاره * يــــــــــرفعها بالسند الغاتـل (2)

كيـــــــــما يــــــراها بائس مرمل * وفـــــــــرد قـــــــوم ليس بالآهل

يغـــــــــلي بنــــــئ اللحم حتى إذا * أنـــــــــضج لم يغـــــل على آكل

أعـــــــــني الـــــذي أسلمنا هلكه * للــزمن المستخرج الماحل (3)

قال أبو الفرج الاصبهاني : كان الحسن شرط على معاوية في شروط الصلح : أن لا يعهد إلى أحد بالخلافة بعده، وأن تكون الخلافة له من بعده، وأراد معاوية البيعة لابنه يزيد، فلم يكن شيئ أثقل عليه من أمر الحسن بن علي وسعد بن أبي وقاص فدس إليهما سما فماتا منه، أرسل إلى ابنة الأشعث إني مزوجك بيزيد ابني على أن تسم الحسن .

 وبعث إليها بمائة ألف درهم، فسوغها المال ولم يزوجها منه .

 مقاتل الطالبيين ص 29 .

 وحكاه عنه ابن أبي الحديد في شرح النهج 4 : 11، 17 من طرق مغيرة و أبي بكر بن حفص .

 وقال أبو الحسن المدائني : كانت وفاته في سنة 49 وكان مريضا أربعين يوما وكان سنه سبعا وأربعين سنة، دس إليه معاوية سما على يد جعدة بنت الأشعث زوجة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في تاريخ ابن كثير : بكاء حق ليس بالباطل .

 (2) في تاريخ ابن كثير : يرفعها بالنسب الماثل .

 (3) مروج الذهب 2 : 50 .

 

/ صفحة 10 /

الحسن، وقال لها : إن قتلتيه بالسم فلك مائة ألف، وأزوجك يزيد إبني .

 فلما مات وفى لها بالمال ولم يزوجها من يزيد، وقال : أخشى أن تصنعي بابني ما صنعت بابن رسول الله صلى الله عليه وآله [شرح ابن أبي الحديد 4 : 4] .

 وقال : كان الحصين بن المنذر الرقاشي يقول : والله ما وفى معاوية للحسن بشئ مما أعطاه، قتل حجرا وأصحاب حجر، وبايع لابنه يزيد، وسم الحسن .

 شرح ابن أبي الحديد 4 : 7 .

 وقال أبو عمر في الاستيعاب 1 : 141 : قال قتادة وأبو بكر بن حفص : سم الحسن بن علي، سمته امرئته بنت الأشعث بن قيس الكندي .

 وقالت طائفة : كان ذلك منها بتدسيس معاوية إليها وما بذل لها في ذلك وكان لها ضرائر فالله أعلم .

 ثم ذكر صدر ما رواه المسعودي .

 وقال سبط ابن الجوزي في التذكرة ص 121 : قال علماء السير منهم : ابن عبد البر سمته زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي .

 وقال السدي : دس إليها يزيد بن معاوية أن سمي الحسن وأتزوجك .

 فسمته فلما مات أرسلت إلى يزيد تسئله الوفاء بالوعد فقال : أنا والله ما أرضاك للحسن، أفنرضاك لأنفسنا ؟ وقال الشعبي : إنما دس إليها معاوية فقال : سمي الحسن وأزوجك يزيد وأعطيك مائة ألف درهم، فلما مات الحسن بعثت إلى معاوية تطلب إنجاز الوعد، فبعث إليها بالمال وقال : إني أحب يزيد، وأرجو حياته، ولولا ذلك لزوجتك إياه .

 وقال الشعبي : ومصداق هذا القول : إن الحسن كان يقول عند موته وقد بلغه ما صنع معاوية : لقد عملت شربته وبلغت أمنيته، والله لا يفي بما وعد، ولا يصدق فيما يقول .

 ثم حكى عن طبقات ابن سعد : إن معاوية سمه مرارا كما مر .

 وقال ابن عساكر في تاريخه 4 : 229 يقال : : إنه سقي السم مرارا كثيرا فأفلت منه ثم سقي المرة الأخيرة فلم يفلت منها .

 ويقال : إن معاوية قد تلطف لبعض خدمه أن يسقيه سما فسقاه فأثر فيه حتى كان يوضع تحته طست ويرفع نحوا من أربعين مرة .

 وروى محمد بن المرزبان : إن جعدة بنت الأشعث بن القيس كانت متزوجة بالحسن فدس

/ صفحة 11 /

إليها يزيد أن سمي الحسن وأنا أتزوجك ففعلت، فلما مات الحسن بعثت إلى يزيد تسأله الوفاء بالوعد فقال لها : إنا والله لم نرضك للحسن فكيف نرضاك لأنفسنا ؟ فقال كثير، ويروى إنه للنجاشي :

يا جعـــــدة ! ابكي ولا تسأمي * بكـــــــــاء حــق ليس بالباطل

لـــن تستري البيت على مثله * في الناس من حاف ولا ناعل

أعــــــني الـــذي أسلمه أهله * للـــــزمن المستخرج الماحل

كـــــــــان إذا شبـــــت له ناره * يـــــــــرفعها بالنســب الماثل

كيـــــــــما يـراها بائس مرمل * أو وفــــــــد قوم ليس بالآهل

يغـــــــــلي بنئ اللحـم حتى إذا * أنـــــــــضج لم يغل على آكل

وروى المزي في تهذيب الكمال في أسماء الرجال عن أم بكر بنت المسور قالت : سقي الحسن مرارا وفي الآخرة مات فإنه كان يختلف كبده، فلما مات أقام نساء بني هاشم عليه النوح شهرا .

 وفيه عن عبد الله بن الحسن : قد سمعت من يقول : كان معاوية قد تلطف لبعض خدمه أن يسقيه سما .

 وقال أبو عوانة عن مغيرة عن أم موسى : إن جعدة بنت الأشعث سقت الحسن السم فاشتكى منه أربعين يوما .

 وفي (مرئاة العجائب وأحاسن الأخبار الغرائب) (1) قيل : كان سبب موت الحسن ابن علي من سم سم به يقال : إن زوجته جعدة بنت الأسود بن قيس الكندي سقته إياه، ويذكر والله أعلم بحقيقة أمورهم : إن معاوية دس إليها بذلك على أن يوجه لها مائة ألف درهم ويزوجها من ابنه يزيد، فلما مات الحسن وفى لها معاوية بالمال وقال : إني أحب حياة يزيد .

 وذكروا : إن الحسن قال عند موته : لقد حاقت شربته والله لا وفاء لها بما وعد ولا صدق فيما قال .

 وفي سمه يقول رجل من الشيعة :

تعـــــــــرفكم لـك من سلوة * تفـــــــرج عنك قليل الحزن

بمــوت النبي وقتل الوصي * وقتل الحسين وسم الحسن

وقال الزمخشري في (ربيع الأبرار) في الباب الحادي والثمانين : جعل معاوية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تأليف الشيخ أبي عبد الله محمد بن عمر زين الدين .

 

/ صفحة 12 /

لجعدة بنت الأشعث امرأة الحسن مائة ألف درهم حتى سمته، ومكث شهرين وإنه يرفع من تحته طستا من دم وكان يقول : سقيت السم مرارا ما أصابني فيها ما أصابني في هذه المرة، لقد لفظت كبدي .

 وفي (حسن السريرة) (1) : لما كان سنة سبع وأربعين من الهجرة دس معاوية إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي زوجة الحسن بن علي أن تسقي الحسن السم ويوجه لها مائة ألف ويزوجها من ابنه يزيد .

 ففعلت ذلك .

 كان معاوية يرى أمر الإمام السبط عليه السلام حجر عثرة في سبيل أمنيته الخبيثة بيعة يزيد، ويجد نفسه في خطر من ناحيتين : عهده إليه عليه السلام في الصلح معه بأن لا يعهد إلى أحد من جانب، وجدارة أبي محمد الزكي ونداء الناس به من ناحية أخرى، فنجى نفسه عن هذه الورطة بسم الإمام عليه السلام، ولما بلغه نعيه غدا مستبشرا، وأظهر الفرح والسرور وسجد وسجد من كان معه .

 قال ابن قتيبة : لما مرض الحسن بن علي مرضه الذي مات فيه، كتب عامل المدينة إلى معاوية يخبره بشكاية الحسن، فكتب إليه معاوية : إن استطعت أن لا يمضي يوم بي يمر إلا يأتيني فيه خبره فأفعل .

 فلم يزل يكتب إليه بحاله حتى توفي فكتب إليه بذلك، فلما أتاه الخبر أظهر فرحا وسرورا حتى سجد وسجد من كان معه، فبلغ ذلك عبد الله ابن عباس وكان بالشام يومئذ فدخل على معاوية فلما جلس قال معاوية : يا ابن عباس هلك الحسن بن علي ؟ فقال ابن عباس : نعم هلك، إنا لله وإنا إليه راجعون .

 ترجيعا مكررا، وقد بلغني الذي أظهرت من الفرح والسرور لوفاته، أما والله ما سد جسده حفرتك، ولا زاد نقصان أجله في عمرك، ولقد مات وهو خير منك، ولئن أصبنا به لقد أصبنا بمن كان خيرا منه جده رسول الله صلى الله عليه وسلم فجبر الله مصيبته، وخلف علينا من بعده أحسن الخلافة .

 ثم شهق ابن عباس وبكى . الحديث (2) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ألفه الشيخ عبد القادر بن محمد بن الطبري ابن بنت محب الدين الطبري مؤلف الرياض النضرة .

 (2) الإمامة والسياسة 1 : 144 .

 

/ صفحة 13 /

وفي العقد الفريد 2 : 298 : لما بلغ معاوية موت الحسن بن علي خر ساجدا لله، ثم أرسل إلى ابن عباس وكان معه في الشام فعزاه، وهو مستبشر .

 وقال له : ابن كم سنة مات أبو محمد ؟ فقال له : سنه كان يسمع في قريش فالعجب من أن يجهله مثلك قال : بلغني إنه ترك أطفالا صغارا، قال : كل ما كان صغيرا يكبر، وإن طفلنا لكهل وإن صغيرنا لكبير، ثم قال : مالي أراك يا معاوية ! مستبشرا بموت الحسن بن علي ؟ فوالله لا ينسأ في أجلك، ولا يسد حفرتك، وما أقل بقائك وبقائنا بعده ؟ وذكره الراغب في المحاضرات 2 : 224 .

 وفي حياة الحيوان 1 : 58، وتاريخ الخميس 2 : 294، وفي ط : 328 : قال ابن خلكان : لما مرض الحسن كتب مروان بن الحكم إلى معاوية بذلك وكتب إليه معاوية : أن أقبل المطي إلي بخبر الحسن، فلما بلغ معاوية موته سمع تكبيرة من الخضراء فكبر أهل الشام لذلك التكبير فقالت فاختة بنت قريظة لمعاوية : أقر الله عينك، ما الذي كبرت لأجله ؟ فقال : مات الحسن .

 فقالت : أعلى موت ابن فاطمة تكبر ؟ فقال : ما كبرت شماتة بموته، ولكن استراح قلبي (1) .

 ودخل عليه ابن عباس فقال : يا ابن عباس ! هل تدري ما حدث في أهل بيتك ؟ قال : لا أدري ما حدث إلا أني أراك مستبشرا وقد بلغني تكبيرك، فقال : مات الحسن . فقال ابن عباس : رحم الله أبا محمد .

 ثلاثا، والله يا معاوية ! لا تسد حفرته حفرتك، ولا يزيد عمره في عمرك، ولئن كنا أصبنا بالحسن فلقد أصبنا بإمام المتقين وخاتم النبيين، فجبر الله تلك الصدعة وسكن تلك العبرة، وكان الخلف علينا من بعده . ا ه‍ .

وكان ابن هند جذلانا مستبشرا بموت الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قبل ولده الطاهر السبط، فبلغ الحسن عليه السلام وكتب إليه فيما كتب : قد بلغني أنك شمت بما لا يشمت به ذوو الحجى، وإنما مثلك في ذلك كما قال الأول:

وقل للذي يبقى خلاف الذي مضى * : تجهز لأخـــــرى مثلها فكأن قد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) إلى هاهنا ذكره الزمخشري أيضا في (ربيع الأبرار) في الباب الحادي والثمانين، و البدخشي في (نزل الأبرار) .

 

/ صفحة 14 /

وإنا ومن قـــــــد مات منا لكالذي * يروح فيمسي في المبيت ليقتدي

ولإرضاء معاوية منع ذلك الإمام الزكي عن أن يقوم ؟ أخوه الحسين السبط بإنجاز وصيته ويدفنه في حجرة أبيه الشريفة التي هي له، وهو أولى إنسان بالدفن فيها، قال ابن كثير في تاريخه 8 : 44 : فأبى مروان أن يدعه، ومروان يومئذ معزول يريد أن يرضي معاوية .

 وقال ابن عساكر 4 : 226 قال (مروان) : ما كنت لأدع ابن أبي تراب يدفن مع رسول الله، قد دفن عثمان بالبقيع، ومروان يومئذ معزول يريد أن يرضي معاوية بذلك، فلم يزل عدوا لبني هاشم حتى مات .

 ا ه‍ هذه نماذج من جنايات معاوية على ريحانة الرسول صلى الله عليه وآله ولعل فيما أنساه التاريخ أضعافها، وهل هناك مسائل ابن حرب عما اقترفه السبط المجتبى سلام الله عليه من ذنب استحق من جرائه هذه النكبات والعظائم ؟ وهل يسع ابن آكلة الأكباد أن يعد منه شيئا في الجواب ؟ غير أنه عليه السلام كان سبط محمد صلى الله عليه وآله وقد عطل دين آباء الرجل الذي فارقه كرها ولم يعتنق الاسلام إلا فرقا، وإنه شبل علي خليفة الله في أرضه بعد نبيه صلى الله عليه وآله وهو الذي مسح أسلافه الوثنيين بالسيف، وأثكلت أمهات البيت الأموي بأجريتهم، ولما ينقضي حزن معاوية على أولئك الطغمة حتى تشفى بأنواع الأذى التي صبها على الإمام المجتبى إلى أن اغتاله بالسم النقيع، ولم يملك نفسه حتى استبشر بموته، وسجد شكرا، وأنا لا أدري أللاته سجد أم لله سبحانه ؟ وإن لسان حاله كان ينشد ما تظاهر به مقول نغله يزيد :

قد قتـــــلت القرم من ساداتهم * وعـــــــــدلنا ميـل بدر فاعتدل

ليــــــــت أشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأسل

لعـــــــــبت هـــاشم بالملك فلا * خـــــــــبر جــاء ولا وحي نزل

وإنه بضعة الزهراء فاطمة الصديقة حبيبة رسول الله صلى الله عليه وآله ومنها نسله الذين ملأوا الدنيا أوضاحا وغررا من الحسب الوضاء، والشرف الباذخ، والدين الحنيف، كل ذلك ورغبات معاوية على الضد منها، وما تغنيه الآيات والنذر .

 وفي الذكر الحكيم : سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق

/ صفحة 15 /

، وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها، وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا، وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا، ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين . الأعراف : 146 .

 

* * *