بحار الأنوار

المجلد الرابع و الثلاثون

 

تأليف

العلامة المجلسي

 

 

بحارالأنوار ج : 34 ص : 3الجزء الرابع و الثلاثون

بحارالأنوار ج : 34 ص 5

 

 

الباب الحادي و الثّلاثون سائر ما جرى من الفتن من غارات أصحاب معاوية على أعمال أمير المؤمنين عليه السّلام و تثاقل أصحابه عن نصرته و فرار بعضهم إلى معاوية.  

الباب الثاني و الثّلاثون علّة عدم تغيير أمير المؤمنين عليه السّلام بعض البدع في زمانه.

الباب الثالث و الثّلاثون نوادر ما وقع في أيّام خلافته عليه السّلام و جوامع خطبه و نوادرها.

الباب الرابع و الثّلاثون الصحابة الذين كانوا على الحق و لم يفارقوا عليّا عليه السّلام، و ذكر بعض المخالفين و المنافقين.

 الباب الخامس و الثّلاثون باب النوادر.

 الباب السادس و الثّلاثون ذكر ما روي عنه عليه السّلام من الأشعار.

 

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 7

]الباب الحادي و الثلاثون[

 باب سائر ما جرى من الفتن من غارات أصحاب معاوية على أعماله عليه السلام و تثاقل أصحابه عن نصره و فرار بعضهم عنه إلى معاوية و شكايته عليه السلام عنهم و بعض النوادر

 قال عبد الحميد بن أبي الحديد إنّ قوما بصنعاء كانوا من شيعة عثمان، يعظمون قتله، لم يكن لهم نظام و لا رأس، فبايعوا لعلي عليه السلام على ما في أنفسهم، و عامل عليّ عليه السلام على صنعاء يومئذ عبيد اللّه بن العباس، و عامله على الجند سعيد بن نمران. فلمّا اختلف الناس على عليّ بالعراق، و قتل محمّد بن أبي بكر بمصر، و كثرت غارات أهل الشام، تكلّموا و دعوا إلى الطلب بدم عثمان، و منعوا الصّدقات، و أظهروا الخلاف. فكتب عبيد اللّه و سعيد ذلك إلى أمير المؤمنين، فلمّا وصل كتابهما ساء عليّا عليه السلام و أغضبه و كتب إليهما من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين إلى عبيد اللّه بن العبّاس و سعيد بن بحارالأنوار ج : 34 ص : 8نمران سلام اللّه عليكما، فإنّي أحمد إليكما اللّه الذي لا إله إلّا هو. أمّا بعد فإنّه أتاني كتابكما تذكران فيه خروج هذه الخارجة، و تعظّمان من شأنها صغيرا، و تكثران من عددها قليلا، و قد علمت أنّ ]نخب. خ[ أفئدتكما، و صغر أنفسكما، و تباب رأيكما، و سوء تدبيركما، هو الذي أفسد عليكما من لم يكن عليكما فاسدا، و جرّأ عليكما من كان عن لقائكما جبانا، فإذا قدم رسولي عليكما، فامضيا إلى القوم حتّى تقرءا عليهم كتابي إليهم، و تدعواهم إلى حظّهم و تقوى ربّهم، فإن أجابوا حمدنا اللّه و قبلناهم، و إن حاربوا استعنا باللّه عليهم و نابذناهم على سواء، إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ. فكتب عليه السلام إليهم من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين، إلى من شاقّ و غدر من أهل الجند و صنعاء أما بعد فإنّي أحمد إليكم اللّه الذي لا إله إلّا هو، الذي لا يعقّب له حكم، و لا يردّ له قضاء، وَ لا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ. ]أمّا بعد فقد. خ[ بلغني تحزّبكم و شقاقكم و إعراضكم عن دينكم، بعد الطاعة و إعطاء البيعة و الألفة، فسألت أهل الدين الخالص، و الورع الصّادق، و اللبّ الراجح، عن بدء مخرجكم، و ما نويتم به و ما أحمشكم له، فحدّثت عن ذلك بما لم أر لكم في شي‏ء منه عذرا مبينا، و لا مقالا جميلا، و لا حجّة ظاهرة، فإذا أتاكم رسولي فتفرّقوا و انصرفوا إلى رحالكم أعف عنكم، و اتقوا اللّه و ارجعوا إلى الطاعة، و أصفح عن جاهلكم، و أحفظ عن قاصيكم، و أقوم فيكم بالقسط، و أعمل فيكم بحكم الكتاب. فإن لم تفعلوا، فاستعدوا لقدوم جيش جمّ الفرسان، عظيم الأركان، يقصد لمن طغا و عصى فتطحنوا كطحن الرّحى فمن أحسن فَلِنَفْسِهِ، بحارالأنوار ج : 34 ص : 9وَ مَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَ ما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ. و إلّا فلا يحمد حامد إلّا ربه، و لا يلوم لائم إلّا نفسه، و السّلام عليكم و رحمة اللّه. و وجّه الكتاب مع رجل من همدان فقدم عليهم الكتاب فلم يجيبوه إلى خير، فرجع فأخبره عليه السلام. و كتبت تلك العصابة إلى معاوية يخبرونه بما جرى، و بطاعتهم ]له[. فلما قدم كتابهم، دعا معاوية بسر بن أرطاة العامري و يقال ابن أبي أرطاة و كان قاسي القلب، فظّا، سفّاكا للدماء، لا رأفة عنده و لا رحمة، و أمره أن يأخذ طريق الحجاز و المدينة و مكّة حتى ينتهي إلى اليمن، و قال له لا تنزل على بلد أهله على طاعة عليّ، إلّا بسطت عليهم لسانك، حتّى يروا أنّهم لا نجاء لهم و أنّك محيط بهم، ثم اكفف عنهم، و ادعهم إلى البيعة لي، فمن أبى فاقتله، و اقتل شيعة عليّ حيث كانوا. و في رواية أخرى، بعث بسرا في ثلاثة آلاف و قال سر حتّى تمرّ بالمدينة، فاطرد الناس، و أخف من مررت به، و انهب أموال كلّ من أصبت له مالا ممّن لم يكن في طاعتنا، فإذا دخلت المدينة فأرهم أنّك تريد أنفسهم، و أخبرهم أنّه لا براءة لهم عندك و لا عذر، حتى إذا ظنّوا أنّك موقع بهم، فاكفف عنهم، ثم سر حتّى تدخل مكّة، و لا تعرض فيها لأحد، و أرهب النّاس عنك فيما بين مكّة و المدينة، و اجعلها شردات، حتى تأتي صنعاء و الجند، فإنّ لنا بهما شيعة، و قد جاءني كتابهم.

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 10فسار بسر حتى أتى المدينة، و صعد المنبر و هدّدهم و أوعدهم، و بعد الشفاعة أخذ منهم البيعة لمعاوية، و جعل عليها أبا هريرة، و أحرق دورا كثيرة. و خرج إلى مكة، فلمّا قرب منها هرب قثم بن العبّاس عامل عليّ عليه السلام عليها، و دخلها بسر فشتم أهل مكة و أنّبهم، ثم خرج عنها و استعمل عليها شيبة بن عثمان، و أخذ فيها سليمان و داود ابني عبيد اللّه بن العبّاس فذبحهما، و قتل فيما بين مكة و المدينة رجالا و أخذ أموالا. ثم خرج من مكّة و كان يسير و يفسد في البلاد، حتى أتى صنعاء، و هرب منها عبيد اللّه و سعيد، فدخلها و قتل فيها ناسا كثيرا، و كان هكذا يفسد في البلاد. فندب عليّ عليه السلام أصحابه لبعث سريّة في أثر بسر فتثاقلوا، و أجابه جارية بن قدامة، فبعثه في ألفين، فشخص إلى البصرة، ثم أخذ طريق الحجاز حتى قدم يمن، و سأل عن بسر فقيل أخذ على بلاد بني تميم، فقال أخذ في ديار قوم يمنعون أنفسهم. و بلغ بسرا مسير جارية فانحدر إلى اليمامة، و أغذّ جارية السّير، ما يلتفت إلى مدينة مرّ بها، و لا أهل حصن، و لا يعرج على شي‏ء إلّا أن يرمل بعض أصحابه من الزاد، فيأمر أصحابه بمواساته. أو يسقط بعير رجل، أو تحفى دابّته، فيأمر أصحابه بأن يعقبوه، حتى انتهى إلى أرض اليمن، فهربت شيعة عثمان، حتى لحقوا بالجبال، و أتبعهم شيعة عليّ عليه السلام، و تداعت عليهم من كلّ جانب، و أصابوا منهم. و مر ]جارية[ نحو بسر، و بسر يفرّ من جهة إلى جهة، حتى أخرجه من أعمال عليّ عليه السلام كلّها. فلمّا فعل ذلك به، أقام جارية بحرس نحوا من شهر، حتى استراح و أراح أصحابه. و وثب الناس ببسر في طريقه لما انصرف من بين يدي جارية، لسوء بحارالأنوار ج : 34 ص : 11سيرته و فظاظته و ظلمه و غشمه. و أصاب بنو تميم ثقلا من ثقله في بلادهم. فلمّا رجع بسر إلى معاوية قال أحمد اللّه يا أمير المؤمنين، إنّي سرت في هذا الجيش أقتل عدوّك ذاهبا و جائيا، لم ينكب رجل منهم نكبة. فقال معاوية اللّه فعل ذلك لا أنت. و كان الذي قتل بسر في وجهه ذلك، ثلاثين ألفا، و حرّق قوما بالنار. قال و دعا عليّ عليه السلام على بسر فقال اللّهمّ إنّ بسرا باع دينه بالدّنيا، و انتهك محارمك، و كانت طاعة مخلوق فاجر، آثر عنده من طاعتك، اللّهمّ فلا تمته حتى تسلبه عقله، و لا توجب له رحمتك، و لا ساعة من النهار. اللّهمّ العن بسرا و عمرا و معاوية، و ليحلّ عليهم غضبك، و لتنزل بهم نقمتك، و ليصبهم بأسك و رجزك الذي لا تردّه عن القوم المجرمين. فلم يلبث بسر بعد ذلك إلّا يسيرا، حتى وسوس و ذهب عقله. و كان يهذي بالسّيف و يقول أعطوني سيفا أقتل به. لا يزال يردّد ذلك حتّى اتّخذ له سيفا من خشب، و كانوا يدنون منه المرفقة، فلا يزال يضربها حتى يغشى عليه، فلبث كذلك إلى أن مات.

بيان ]قال ابن الأثير[ في ]مادّة »نخب من«[ النهاية فيه »بئس العون على الدّين قلب نخيب، و بطن رغيب«. النخيب الجبان الّذي لا فؤاد له. و قيل الفاسد العقل. قوله عليه السلام »لا يعقب له حكم« تضمين لقوله تعالى لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ. و قال البيضاوي أي لا رادّ له. و حقيقته الذي يعقب الشي‏ء بالإبطال. بحارالأنوار ج : 34 ص : 12و منه قيل لصاحب الحقّ معقّب لأنّه يقفو غريمه للاقتضاء. انتهى. و أحمشت الرجل أغضبته. قوله عليه السلام »و أحفظ عن قاصيكم« أي أذبّ و أدفع عن حريم من بعد و غاب. قال في القاموس المحافظة الذّب عن المحارم. و الحفيظة الحميّة و الغضب. و قال قصى عنه بعد، فهو قصيّ و قاص. »و الشّردات« لم يذكر في اللغة هذا الجمع و الشرد التفريق. و في بعض النسخ »سروات« ]و هو[ جمع سراة. ]و هو[ الطريق، أي وسطه. كناية عن جعلها خرابا خالية عن أهلها. و قال في القاموس الجند بالتحريك بلد باليمن. و قال أرملوا، أي نفد زادهم. و قال الحفا رقّة القدم. و الخفّ و الحافر. حفي يحفى حفّا فهو حف و حاف. و قال أعقب زيد عمرا ركبا بالنوبة. و قال تداعى العدو أقبل. أقول و ذكر الثقفي في كتاب الغارات مفصّل القصص التي أوردناها محملة.

 و روي عن الوليد بن هشام، قال خرج بسر من مكّة، و استعمل عليها شيبة بن عثمان، ثم مضى يريد اليمن، فلمّا جاوز مكّة رجع قثم بن العبّاس إلى مكّة فغلب عليها. و كان بسر إذا قرب من منزل، تقدم رجل من أصحابه حتّى يأتي أهل الماء فيسلّم فيقول ما تقولون في هذا المقتول بالأمس عثمان فإن قالوا قتل بحارالأنوار ج : 34 ص : 13مظلوما. لم يعرض لهم. و إن قالوا كان مستوجبا للقتل. قال ضعوا السلاح فيهم. فلم يزل على ذلك حتّى دخل صنعاء. فهرب منه عبيد اللّه بن العبّاس، و كان واليا لعليّ عليه السلام عليها، و استخلف عمر بن أراكة فأخذه بسر، فضرب عنقه. و أخذ ابني عبيد اللّه فذبحهما على درج صنعاء، و ذبح في آثارهما مائة شيخ من أبناء فارس. و ذلك أنّ الغلامين كانا في منزل أمّ النعمان بنت بزرج، امرأة من الأبناء.

 و بإسناده عن الكلبي و لوط بن يحيى، أنّ ابن قيس قدم على عليّ عليه السلام فأخبره بخروج بسر، فندب ]عليّ عليه السلام[ الناس فتثاقلوا عنه، فقال أ تريدون أن أخرج بنفسي في كتيبة تتبع كتيبة في الفيافي و الجبال ذهب و اللّه منكم أولو النهى و الفضل، الذين كانوا يدعون فيجيبون، و يؤمرون فيطيعون، لقد هممت أن أخرج عنكم، فلا أطلب بنصركم ما اختلف الجديدان. فقام جارية بن قدامة فقال أنا أكفيكهم يا أمير المؤمنين، فقال ]له أمير المؤمنين عليه السلام[ أنت لعمري لميمون النقيبة، حسن النيّة، صالح العشيرة. و ندب معه ألفين، و قال بعضهم ألفا و أمره أن يأتي بالبصرة و يضمّ إليه مثلهم. فشخص جارية، و خرج معه ]علّي عليه السلام[ يشيّعه، فلمّا ودّعه قال اتّق اللّه الذي إليه تصير، و لا تحتقر مسلما و لا معاهدا، و لا تغصبنّ مالا و لا ولدا و لا دابّة، و إن حفيت و ترجّلت، و صلّ الصّلاة لوقتها. فقدم جارية البصرة، و ضمّ إليه مثل الذي معه، ثم أخذ طريق الحجاز حتّى قدم اليمن. و لم يغصب أحدا، و لم يقتل أحدا إلّا قوما ارتدّوا باليمن، فقتلهم و حرّقهم، و سأل عن طريق بسر، فقالوا أخذ على بلاد بني تميم، فقال أخذ في ديار قوم يمنعون أنفسهم. فانصرف جارية فأقام بحرس.

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 14 قال إبراهيم و من حديث الكوفيّين عن نمير بن وعلة عن أبي الودّاك قال قدم زرارة بن قيس فخبّر عليّا عليه السلام بالقدمة التي خرج فيها بسر، فصعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه، ثم قال أمّا بعد، أيّها الناس إنّ أوّل فرقتكم، و بدء نقصكم، ذهاب أولي النّهى و أهل الرأي منكم، الذين كانوا يلقون فيصدّقون، و يقولون فيعدلون، و يدعون فيجيبون، و أنا و اللّه قد دعوتكم عودا و بدءا و سرّا و جهارا و في اللّيل و النهار، و الغدوّ و الآصال، فما يزيدكم دعائي إلّا فرارا و إدبارا. أ ما تنفعكم العظة و الدعاء إلى الهدى و الحكمة و إنّي لعالم بما يصلحكم و يقيم أودكم، و لكني و اللّه لا أصلحكم بفساد نفسي، و لكن أمهلوني قليلا، فكأنّكم و اللّه بامرئ قد جاءكم، يحرمكم و يعذّبكم، فيعذّبه اللّه كما يعذّبكم. إنّ من ذلّ المسلمين و هلاك الدين، أنّ ابن أبي سفيان يدعو الأراذل و الأشرار فيجاب، و أدعوكم و أنتم الأفضلون الأخيار، و تدافعون، ما هذا بفعل المتّقين. إن بسر بن أبي أرطاة وجّه إلى الحجاز، و ما بسر لعنه اللّه لينتدب إليه منكم عصابة حتّى تردّوه عن سننه، فإنّما خرج في ستمائة أو يزيدون. قال فأسكت القوم مليّا لا ينطقون. فقال ما لكم مخرسون لا تكلّمون.

 فذكر عن الحارث بن حصيرة، عن مسافر بن عفيف، قال قام أبو بردة بن عوف الأزدي، فقال إن سرت يا أمير المؤمنين، سرنا معك فقال اللّهمّ ما لكم بحارالأنوار ج : 34 ص : 15ما سددتم لمقال الرشد ]أ[ في مثل هذا ينبغي لي أن أخرج إنّما يخرج في مثل هذا، رجل ممّن ترضون من فرسانكم و شجعانكم، و لا ينبغي لي أن أدع الجند و المصر و بيت المال و جباية الأرض و القضاء بين المسلمين و النظر في حقوق الناس، ثم أخرج في كتيبة أتبع أخرى في فلوات و شغف الجبال، هذا و اللّه الرأي السوء. و اللّه لو لا رجائي الشهادة عند لقائهم، لو قد حم لي لقاؤهم، لقرّبت ركابي، ثم لشخصت عنكم، فلا أطلبكم ما اختلف جنوب و شمال، فو اللّه إنّ فراقكم لراحة للنفس و البدن. فقام إليه جارية بن قدامة السعدي رحمه اللّه، فقال يا أمير المؤمنين، لا أعدمنا اللّه نفسك، و لا أرانا فراقك، إنا لهؤلاء القوم، فسرّحني إليهم. قال فتجهّز فإنّك ما علمت ميمون النقيبة. و قام إليه وهب بن مسعود الخثعمي فقال أنا أنتدب إليهم يا أمير المؤمنين، قال فانتدب بارك اللّه فيك. فنزل ]عليه السلام عن المنبر[ و دعا جارية فأمره أن يسير إلى البصرة. فخرج منها في ألفين، و ندب مع الخثعمي من الكوفة ألفين ]و[ قال لهما أخرجا في طلب بسر حتى تلحقاه، ]و[ أينما لحقتماه فناجزاه، فإذا التقيتما، فجارية على الناس. فخرجا في طلب بسر، و التقيا بأرض الحجاز، فذهبا في طلب بسر.

 و عن الحارث بن حصيرة، عن عبد الرحمن بن عبيد قال لمّا بلغ عليّا عليه السلام دخول بسر الحجاز، و قتله ابني عبيد اللّه بن العبّاس، و قتل عبد اللّه بن عبد المدان و مالك بن عبد اللّه، بعثني بكتاب في إثر جارية بن قدامة، قبل أن يبلغه أنّ بسرا ظهر على صنعاء و أخرج عبيد اللّه منها و ابن نمران، فخرجت بالكتاب حتى لحقت بجارية ففضّه فإذا فيه بحارالأنوار ج : 34 ص : 16أمّا بعد، فإنّي بعثتك في وجهك الذي وجّهت له، و قد أوصيتك بتقوى اللّه، و تقوى ربّنا جماع كلّ خير، و رأس كلّ أمر، و تركت أن أسمّي لك الأشياء بأعيانها، و إنّي أفسّرها حتى تعرفها، سر على بركة اللّه، حتى تلقى عدوّك، و لا تحتقر من خلق اللّه أحدا، و لا تسخرنّ بعيرا و لا حمارا، و إن ترجّلت و حبست، و لا تستأثرنّ على أهل المياه بمياههم، و لا تشربنّ من مياههم إلّا بطيب أنفسهم، و لا تسبي مسلما و لا مسلمة، و لا تظلم معاهدا و لا معاهدة، و صلّ الصلاة لوقتها، و اذكر اللّه باللّيل و النهار، و احملوا راجلكم، و تأسوا على ذات أيديكم و أغذ السير حتى تلحق بعدوّك فتجليهم عن بلاد اليمن و تردهم صاغرين إن شاء اللّه، و السّلام عليك و رحمة اللّه و بركاته.

 و عن فضيل بن خديج قال كان وائل بن حجر عند عليّ عليه السلام بالكوفة، و كان يرى رأي عثمان، فاستأذن عليّا عليه السلام ليذهب إلى بلاده، ثم يرجع إليه عن قريب، فخرج إلى بلاد قومه و كان عظيم الشأن فيهم، و كان الناس بها أحزابا، فشيعة ترى رأي عثمان، و أخرى ترى رأي عليّ عليه السلام. فكان وائل هناك، حتّى دخل بسر صنعاء، فكتب إليه أمّا بعد، فإن شيعة عثمان ببلادنا شطر أهلها، فاقدم علينا فإنّه ليس بحضرموت رجل يردّك عنها فأقبل إليها بسر بمن معه حتى دخلها، فزعم أنّ وائلا استقبل بسرا، فأعطاه عشرة آلاف، و أنّه كلّمه في حضرموت. فقال له ما تريد قال أريد أن أقتل ربع حضرموت. قال إن كنت تريد ذلك فاقتل عبد اللّه بن ثوابة لرجل فيهم، كان من المقاولة العظام. و كان له عدوا، في رأيه مخالفا. فجاءه بسر حتّى أحاط بحصنه، و كان بناء معجبا لم ير في ذلك الزمان بحارالأنوار ج : 34 ص : 17مثله، فدعاه إليه فنزل، و كان للقتل آمنا، فلمّا نزل، قال اضربوا عنقه. قال له أ تريد قتلي قال نعم. قال فدعني أتوضّأ و أصلّي ركعتين. قال افعل ما أحببت. فاغتسل و توضّأ، و لبس ثيابا بيضاء، و صلّى ركعتين، ثم قال اللّهم إنّك عالم بأمري. فقدّم فضرب عنقه و أخذ ماله. و بلغ عليّا عليه السلام، مظاهرة وائل بن حجر شيعة عثمان، على شيعته، و مكاتبته بسرا، فحبس ولديه عنده.

 و عن عبد الرحمن بن عبيد، أن جارية أغذّ السير في طلب بسر، ما يلتفت إلى مدينة مرّ بها، و لا أهل حصن، حتى انتهى إلى بلاد اليمن، فهربت شيعة عثمان فلحقوا بالجبال، و اتبعه عند ذلك شيعة عليّ و تداعت عليهم من كلّ جانب و أصابوا منهم. و خرج جارية في أثر القوم، و ترك المدائن أن يدخلها، و مضى نحو بسر. فمضى بسر من حضرموت حين بلغه أنّ الجيش ]قد[ أقبل و أخذ طريقا على الجوف، و ترك الطريق الذي أقبل منه. و بلغ ذلك جارية فاتّبعه حتّى أخرجه من اليمن كلّها، و واقعه في أرض الحجاز، فلمّا فعل ذلك به، أقام بحرس نحوا من شهر، حتى استراح و أراح أصحابه، و سأل عن بسر فقيل إنّه بمكّة فسار نحوه. و وثب الناس ببسر حين انصرف لسوء سيرته، و اجتنبه الناس بمياه الطريق، و فرّ الناس عنه لغشمه و ظلمه. و أقبل جارية حتى دخل مكّة، و خرج بسر منها يمضي قبل اليمامة، فقام جارية على منبر مكة، و قال بايعتم معاوية قالوا أكرهنا. قال أخاف أن يكونوا من الذين قال اللّه فيهم وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَ إِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ قوموا فبايعوا. قالوا لمن نبايع رحمك اللّه، و قد هلك أمير المؤمنين عليه السّلام، و لا ندري ما صنع الناس بعد قال و ما عسى بحارالأنوار ج : 34 ص : 18أن يصنعوا، إلّا أن يبايعوا للحسن بن عليّ، قوموا فبايعوا. ثم اجتمعت عليه شيعة عليّ فبايعوا. و خرج منها و دخل المدينة، و قد اصطلحوا على أبي هريرة يصلّي بالناس، فلمّا بلغهم مجي‏ء جارية، توارى أبو هريرة. فجاء جارية و صعد المنبر، و حمد اللّه و أثنى عليه، و ذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فصلّى عليه، ثم قال أيّها الناس إن عليّا عليه السلام يوم ولد و يوم توّفاه اللّه، و يوم يبعث حيّا، كان عبدا من عباد اللّه الصالحين، عاش بقدر، و مات بأجل. فلا يهنأ الشامتون، هلك سيّد المسلمين، و أفضل المهاجرين، و ابن عمّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله. أما و الذي لا إله إلّا هو، لو أعلم الشامت منكم، لتقرّبت إلى اللّه عزّ و جلّ بسفك دمه، و تعجيله إلى النار، قوموا فبايعوا الحسن بن عليّ. فقام الناس فبايعوا. و أقام يومه ذلك، ثم غدا منها منصرفا إلى الكوفة، و غدا أبو هريرة يصلّي بالناس، و رجع بسر فأخذ على طريق السماوة حتى أتى الشام. قال و أقبل جارية، حتى دخل على الحسن بن عليّ عليه السلام، فضرب على يده فبايعه و عزّاه. و قال ما يجلسك سر يرحمك اللّه إلى عدوّك قبل أن يسار إليك. فقال لو كان الناس كلّهم مثلك، سرت بهم.

 و عن القاسم بن الوليد، أنّ عبيد اللّه بن العبّاس، و سعيد بن نمران، قدما على عليّ عليه السلام، و كان عبيد اللّه عامله على صنعاء، و سعيد عامله على الجند، خرجا هاربين من بسر، و أصاب ]بسر[ ابني عبيد اللّه، لم يدركا الحنث، فقتلهما. قال و كان أمير المؤمنين يجلس كلّ يوم في موضع من المسجد الأعظم، يسبّح به بعد الغداة إلى طلوع الشمس، فلمّا طلعت، نهض إلى المنبر، فضرب بحارالأنوار ج : 34 ص : 19بإصبعيه على راحته و هو يقول ما هي إلّا الكوفة أقبضها و أبسطها ]ثمّ أنشد[

لعمر أبيك الخير يا عمرو أنّني على وضر من ذا الإناء قليل

و من حديث بعضهم إنّه قال إن لم تكوني إلّا أنت تهبّ أعاصيرك، فقبّحك اللّه. ثم قال أيّها الناس ألا إنّ بسرا قد أطلع اليمن و هذا عبيد اللّه بن العباس، و سعيد بن نمران، قدما عليّ هاربين، و لا أرى هؤلاء إلّا ظاهرين عليكم لاجتماعهم على باطلهم، و تفرّقكم عن حقّكم، و طاعتهم لإمامهم، و معصيتكم لإمامكم، و أداءهم الأمانة إلى صاحبهم، و خيانتكم إيّاي، ولّيت فلانا فخان و غدر، و احتمل في‏ء المسلمين إلى مكّة، و ولّيت فلانا فخان و غدر، و فعل مثلها، فصرت لا آتمنكم على علاقة سوط. و إن ندبتكم إلى السّير إلى عدوكم في الصّيف، قلتم أمهلنا ينسلخ الحرّ عنا، و إن ندبتكم في الشتاء، قلتم أمهلنا ينسلخ القرّ عنّا. اللّهم إنّي قد مللتهم و ملّوني، و سئمتهم و سئموني، فأبدلني بهم من هو خير لي منهم، و أبدلهم بي من هو شرّ لهم مني. اللّهم أمث قلوبهم ميث الملح في الماء.

 و عن عبد اللّه بن الحارث بن سليمان عن أبيه قال قال عليّ عليه السلام لا أرى هؤلاء القوم إلّا ظاهرين عليكم بتفرّقكم عن حقّكم، و اجتماعهم على باطلهم، فإذا كان عليكم إمام يعدل في الرعيّة، و يقسم بالسويّة، فاسمعوا له و أطيعوا فإنّ الناس لا يصلحهم إلّا إمام برّ أو فاجر. فإن كان برّا فللراعي و الرعيّة، و إن كان فاجرا عبد المؤمن ربّه فيها، و عمل فيها الفاجر إلى أجله. بحارالأنوار ج : 34 ص : 20]ألا[ و إنّكم ستعرضون بعدي على سبّي و البراءة منّي، فمن سبّني فهو في حلّ من سبّي، و لا يتبرأ مني، فإنّ ديني الإسلام.

 و عن أبي عبد الرحمن السّلمي، أنّ الناس تلاقوا و تلاوموا، و مشت الشيعة بعضها إلى بعض، و لقي أشراف الناس بعضهم بعضا، فدخلوا على عليّ عليه السلام، فقالوا يا أمير المؤمنين، اختر منّا رجلا، ثم ابعث معه إلى هذا الرجل جندا، حتى يكفيك أمره، و مرنا بأمرك فيما سوى ذلك، فإنّك لن ترى منّا شيئا تكرهه ما صحبتنا. قال فإنّي قد بعثت رجلا إلى هذا الرجل، لا يرجع أبدا حتى يقتل أحدهما صاحبه، أو ينفيه، و لكن استقيموا لي فيما آمركم به، و أدعوكم إليه من غزو الشام و أهله. فقام إليه سعيد بن قيس الهمداني، فقال يا أمير المؤمنين، و اللّه لو أمرتنا بالمسير إلى قسطنطينية، روميّة، مشاة، حفاة، على غير عطاء و لا قوة، ما خالفتك أنا و لا رجل من قومي. قال فصدقتم جزاكم اللّه خيرا. ثم قام زياد بن حفصة، و وعلة بن مخدوع ]و[ قالا نحن شيعتك يا أمير المؤمنين، التي لا تعصيك، و لا تخالفك، فقال أجل أنتم كذلك. فتجهّزوا إلى غزو الشام. فقال الناس سمعا و طاعة. فدعا ]أمير المؤمنين[ معقل بن قيس الرياحي، و سرّحه في حشر الناس من السواد إلى الكوفة، ]فخرج معقل لإنفاذ أمره عليه السلام، و امتثل ما أمره بحارالأنوار ج : 34 ص : 21به، ثم كرّ راجعا إلى الكوفة، و لم يصل إليها[ حتى أصيب أمير المؤمنين عليه السلام.

 قال و روي أنّه اجتمع ذات يوم بسر و عبيد اللّه بن العبّاس عند معاوية، فقال ابن عباس لمعاوية أنت أمرت هذا القاطع البعيد الرحم، القليل الرّحم بقتل ابني فقال معاوية ما أمرته و لا هويت. فغضب بسر، و رمى بسيفه و قال قلّدتني هذا السّيف، و قلت اخبط به الناس، حتى إذا بلغت من ذلك، قلت ما هويت، و لا أمرت. فقال معاوية خذ سيفك، إنّك لعاجز حين تلقي سيفك بين يدي رجل من بني عبد مناف، ]و[ قد قتلت ابنيه. فقال ابن عباس أراني كنت قاتله بهما فقال ابن لعبيد اللّه ما كنّا نقتل بهما إلّا يزيد و عبد اللّه ابني معاوية، فضحك معاوية و قال ما ذنب يزيد و عبد اللّه

بيان قال الجوهري النقيبة النفس. يقال فلان ميمون النقيبة، إذا كان مبارك النفس. ]و[ قال ابن السّكيت إذا كان ميمون الأمر، ينجح فيما حاول و يظفر. و قال ثعلب إذا كان ميمون المشورة. انتهى. و راغ الثعلب روغا ذهب يمنة و يسرة في سرعة و خديعة. و سخّره تسخيرا كلّفه عملا بلا أجرة و كذلك تسخره. و الإغذاذ في السير الإسراع. و تداعت الحيطان للخراب، أي تهادمت.

 و قال ابن أبي الحديد كتب عقيل بن أبي طالب إلى أخيه عليّ بحارالأنوار ج : 34 ص : 22عليه السلام، حين بلغه خذلان أهل الكوفة و تقاعدهم به لعبد اللّه عليّ أمير المؤمنين، من عقيل بن أبي طالب سلام اللّه عليك، فإنّي أحمد إليك اللّه الذي لا إله إلّا هو أمّا بعد، فإنّ اللّه جارك من كلّ سوء، و عاصمك من كلّ مكروه، و على كلّ حال. إنّي خرجت إلى مكّة معتمرا، فلقيت عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح، في نحو من أربعين شابا من أبناء الطلقاء، فعرفت المنكر في وجوههم. فقلت إلى أين يا أبناء الشانئين، أ بمعاوية تلحقون عداوة و اللّه منكم قديما، غير مستنكر، تريدون بها إطفاء نور اللّه، و تبديل أمره. فأسمعني القوم، و أسمعتهم. فلمّا قدمت مكّة، سمعت أهلها يتحدّثون أنّ الضحاك بن قيس، أغار على الحيرة، فاحتمل من أموالها ما شاء، ثم انكفأ راجعا سالما. فأفّ لحياة في دهر جرأ عليك الضحّاك، و ما الضحّاك فقع بقرقر، و قد توهّمت حيث بلغني ذلك، أنّ شيعتك و أنصارك خذلوك، فاكتب إليّ يا ابن أمّي برأيك، فإن كنت الموت تريد، تحمّلت إليك ببني أخيك و ولد أبيك، فعشنا معك ما عشت، و متنا معك إذا متّ، فو اللّه ما أحبّ أن أبقى في الدنيا بعدك فواقا، و أقسم بالأعزّ الأجلّ، أنّ عيشا نعيشه بعدك في الحياة، لغير هني‏ء و لا مري‏ء و لا نجيع و السّلام عليك و رحمة اللّه و بركاته. فكتب إليه أمير المؤمنين عليه السلام بحارالأنوار ج : 34 ص : 23 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين، إلى عقيل بن أبي طالب، سلام عليك، فإنّي أحمد إليك اللّه الذي لا إله إلّا هو أمّا بعد، كلأنا اللّه و إيّاك كلاءة من يخشاه بالغيب، إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. قد وصل إليّ كتابك مع عبد الرحمن بن عبيد الأزدي، تذكر فيه أنّك لقيت عبد اللّه ابن ]سعد بن[ أبي سرح، مقبلا من »قديد« في نحو من أربعين فارسا من أبناء الطلقاء، متوجّهين إلى جهة الغرب، و إن ابن أبي سرح، طال ما كاد اللّه و رسوله و كتابه، و صدّ عن سبيله و بغاها عوجا، فدع ابن أبي سرح، و دع عنك قريشا و خلّهم و تركاضهم في الضلال و تجوالهم في الشقاق. ألا و إنّ العرب قد اجتمعت على حرب أخيك اليوم، اجتماعها على حرب النّبي صلّى اللّه عليه و آله قبل اليوم، فأصبحوا قد جهلوا حقّه، و جحدوا فضله و بادءوه العداوة، و نصبوا له الحرب، و جهدوا عليه كلّ الجهد، و جرّوا إليه جيش الأحزاب. اللهم فاجز قريشا عنّي الجوازي فقد قطعت رحمي، و تظاهرت عليّ، و دفعتني عن حقّي، و سلبتني سلطان ابن أمّي، و سلّمت ذلك إلى من ليس مثلي في قرابتي من الرسول، و سابقتي في الإسلام، إلّا أن يدّعي مدّع ما لا أعرفه، و لا أظنّ اللّه يعرفه، و الحمد للّه على كل حال. و أمّا ما ذكرت من غارة الضحّاك على أهل الحيرة، فهو أقلّ و أذلّ من أن يلمّ بها، أو يدنو منها، و لكنّه قد كان أقبل في جريدة خيل، فأخذ على السماوة، حتى مر بواقصة و شراف و القطقطانة، فما والى ذلك الصّقع، فوجّهت إليه جندا كثيفا من المسلمين، فلمّا بلغه ذلك فرّ هاربا، فأتبعوه، فلحقوه ببعض الطريق، و قد أمعن، و كان ذلك حين طفلت الشمس للإياب، فتناوش القتال قليلا كلا و لا، فلم يصبر لوقع المشرفية، و ولّى هاربا، و قتل من أصحابه بضعة بحارالأنوار ج : 34 ص : 24عشر رجلا، بعد ما أخذ منه بالمخنق، فلأيا بلأي ما نجا. و أمّا ما سألتني أن أكتب إليك برأيي فيما أنا فيه فإنّ رأيي جهاد المحلّين حتى ألقى اللّه، لا يزيدني كثرة الناس معي عزّة، و لا تفرّقهم عنّي وحشة لأنّي محق، و اللّه مع المحقّ. و و اللّه ما أكره الموت على الحقّ، و ما الخير كلّه إلّا بعد الموت، لمن كان محقّا. و أمّا ما عرضت به مسيرك إليّ ببنيك و بني أبيك، فلا حاجة لي في ذلك، فأقم راشدا محمودا، فو اللّه ما أحبّ أن تهلكوا معي إن هلكت، و لا تحسبنّ ابن أمّك و إن أسلمه الناس متخشعا، و لا متضرّعا، إنّه لكما قال أخو بني سليم

فإن تسأليني كيف أنت فإنّني صبور على ريب الزّمان صليب‏يعزّ عليّ أن ترى بي كآبة فيشمت عاد أو يساء حبيب

 أقول روى السيّد رضي اللّه عنه في النهج، بعض هذا الكتاب هكذا فسرحت إليه جيشا كثيفا من المسلمين، فلمّا بلغه ذلك، شمّر هاربا، و نكص نادما. فلحقوه ببعض الطريق، و قد طفّلت الشمس للإياب، فاقتتلوا شيئا كلا و لا، فما كان إلّا كموقف ساعة، حتّى نجا جريضا، بعد ما أخذ منه بالمخنّق، و لم يبق منه غير الرّمق، فلأيا بلأي ما نجا. فدع عنك قريشا و تركاضهم في الضّلال، و تجوالهم في الشّقاق، و جماحهم في التّيه، فإنّهم قد أجمعوا على حربي، كإجماعهم على حرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قبلي. فجزت قريشا عنّي الجوازي فقد قطعوا رحمي، و سلبوني سلطان ابن أمّي. و أمّا ما سألت عنه من رأيي في القتال، فإنّ رأيي قتال المحلّين حتّى بحارالأنوار ج : 34 ص : 25ألقى اللّه، لا يزيدني كثرة الناس حولي عزّة، و لا تفرّقهم عنّي وحشة، و لا تحسبنّ ابن أبيك و لو أسلمه الناس متضرّعا متخشّعا، و لا مقرا للضّيم واهنا، و لا سلس الزّمام للقائد و لا وطئ الظّهر للرّاكب المقتعد، و لكنّه كما قال أخو بني سليم، ثمّ ذكر البيتين.

بيان قوله »فقع بقرقر« لعلّه خبر »إنّ«. و قوله »و ما الضحّاك« معترضة. و قال الجوهري الفقع ضرب من الكماة. و كذلك الفقع بالكسر. و يشبّه به الرّجل الذليل فيقال هو فقع قرقر لأنّ الدّوابّ تنجله بأرجلها. قال النابغة يهجو النعمان بن المنذر.

حدّثوني بني الشقيقة ما يمنع فقعا بقرقر أن يزولا

و قال القرقر القاع الأملس. و الفواق بالفتح و الضم ما بين الحلبتين من الوقت. و التركاض و التجوال بفتح التاء فيهما مبالغتان في الركض و الجولان. و الركض تحريك الرجل، و ركضت الفرس برجلي حثثته ليعدو، ثم كثر حتى قيل ركض الفرس إذا عدا. و الواو فيهما يشبه أن يكون بمعنى مع، و يحتمل العاطفة. و استعار لفظ الجماح، باعتبار كثرة خلافهم للحقّ، و حركاتهم في تيه الجهل، و الخروج عن طريق العدل، من قولهم جمح الفرس إذا اعتزّ راكبه و غلبه. و يحتمل أن يكون من جمح، بمعنى أسرع كما ذكره الجوهري. و قوله عليه السلام »فجزت قريشا عني الجوازي«، الجوازي جمع جازية، أي جزت قريشا عني بما صنعت كلّ خصلة من نكبة، أو شدّة، أو بحارالأنوار ج : 34 ص : 26مصيبة، أي جعل اللّه هذه الدّواهي كلّها، جزاء قريش بما صنعت. و قال ابن أبي الحديد »سلطان ابن أمّي« يعني به الخلافة، و ابن أمّه، هو رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، لأنّهما ابنا فاطمة بنت عمرو بن عمران بن مخزوم، أمّ عبد اللّه و أبي طالب، و لم يقل سلطان ابن أبي، لأنّ غير أبي طالب من الأعمام، تشركه في النسبة إلى عبد المطلب. و قال الراوندي يعني نفسه لأنّه ابن أمّ نفسه، و لا يخفى ما فيه. و قيل لأنّ فاطمة بنت أسد كانت تربّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين كفله أبو طالب، فهي كالأمّ له. و يحتمل أن يكون المراد »سلطان أخي« مجازا و مبالغة في تأكّد الأخوّة التي جرت بينه و بين النّبي صلّى اللّه عليه و آله، و إشارة إلى حديث المنزلة، و قوله تعالى حكاية عن هارون يا ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي و قد مرّ بعض ما يؤيّد هذا الوجه. و واقصة موضع بطريق الكوفة، و اسم مواضع أخرى. و شراف كقطام موضع و ماء لبني أسد أو جبل عال. و كغراب ماء. و القطاقط و القطقط و القطقطانة بضمّهما موضع الأصرة بالكوفة، كانت سجن النعمان بن المنذر. ]قوله عليه السلام[ »فما والى ذلك« أي قاربه. و يقال أمعن الفرس، أي تباعد في عدوه. و قال الجوهري تطفيل الشّمس ميلها للغروب. و الطفل بالتحريك بعد العصر إذا طفلت الشمس للغروب. و الإياب الرجوع، أي الرجوع إلى ما كانت عليه في اللّيلة التي قبلها. و قال الجوهري آبت الشمس لغة في غابت. و تفسير الراوندي بالزوال بعيد. و قال الجوهري المناوشة في القتال، و ذلك إذا تدانى الفريقان. و التناوش التناول. بحارالأنوار ج : 34 ص : 27قوله عليه السلام »شيئا كلا و لا« قال ابن أبي الحديد أي شيئا قليلا كلا شي‏ء. و موضع »كلا و لا«. نصب لأنّه صفة »شيئا«، و هي كلمة يقال لما يستقصر جدا. و المعروف عند أهل اللغة »كلا و ذا«، قال ابن هاني المغربي

و أسرع في العين من لحظة و أقصر في السمع من لا و ذا

و في شعر الكميت

كلا و كذا ]تغميضة ثم هجتم لدى حين أن كانوا إلى النوم أفقرا[

و قد رويت في نهج البلاغة كذلك، إلّا أن في أكثر النسخ »كلا و لا«، و من الناس من يرويها »كلا و لات«، و هي حرف أجري مجرى »ليس«، و لا يجي‏ء إلّا مع حين، إلّا أن يحذف في شعر. و من الرواة من يرويها »كلا و لأي«. و لأى. فعل معناه أبطأ. و قال ابن ميثم قوله عليه السلام »كلا و لا«، تشبيه بالقليل السّريع الفناء، و ذلك لأنّ »لا و لا« لفظان قصيران قليلان في المسموع، و استشهد بقول ابن هاني. أقول و يحتمل أن يكون المعنى شيئا كلا شي‏ء، و ليس بلا شي‏ء، أو يكون العطف للتأكيد. و الموقف هنا مصدر. و المشرفية بالفتح سيوف نسبت إلى مشارف، و هي قرى من أرض العرب. و في النهاية الجرض بالتحريك أن تبلغ الروح الحلق. و الإنسان جريض. و في الصّحاح الجرض بالتّحريك الرّيق يغصّ به، يقال جرض بريقه ابتلع ريقه على همّ و حزن بالجهد. و الجريض الغصّة. و مات فلان جريضا أي مغموما. و قال خنقه و أخنقه و خنّقه، و موضعه من العنق، مخنّق. يقال بلغ منه المخنّق، و أخذت بمخنّقه و خناقه أي حلقه. بحارالأنوار ج : 34 ص : 28و قال ابن ميثم »لأيا« مصدر، و العامل محذوف. و ما مصدرية في موضع الفاعل، و التقدير فلأى لأيا نجاؤه، أي عسر و أبطأ. و قوله »بلأي« أي مقرونا بلأي، أي شدّة بعد شدّة. و قال الكيدري »ما« زائدة. و تقدير الكلام فنجا لأيا، أي صاحب لأي، أي في حال كونه صاحب جهد و مشقّة متلبّسة بمثلها، أي نجا في حال تضاعف الشّدائد. و قال الراوندي نصب »لأيا« على الظرف. و تفيد ما الزائدة في الكلام إبهاما، أي بعد شدّة و إبطاء و نجا. قوله عليه السلام »قتال المحلّين« أي البغاة. قال الجوهري أحلّ، أي خرج إلى الحلّ، أو من ميثاق كان عليه، و منه قول زهير

]جعلنا القنان عن يمين و حزنه[ و كم بالقنان من محلّ و محرم

و قال أسلمه، أي خذله. قوله عليه السلام »و لا مقرّا للضّيم« أي راضيا بالظلم، صابرا عليه. و السلس السهل، اللين المنقاد. »و لا وطئ الظهر« أي متهيّئا للركوب. و مقتعد البعير راكبه. و الصّليب الشديد.

904-  أقول روى ابن أبي الحديد من كتاب الغارات لإبراهيم بن محمّد الثقفي، كما رأيته في أصل كتابه، روى بإسناده عن جندب الأزدي، عن أبيه قال أوّل غارة كانت بالعراق، غارة الضّحّاك بن قيس، بعد الحكمين، و قبل قتال النهروان و ذلك أنّ معاوية لمّا بلغه أنّ عليّا عليه السلام بعد واقعة بحارالأنوار ج : 34 ص : 29الحكمين، تحمّل إليه مقبلا هاله ذلك، فخرج من دمشق معسكرا، و بعث إلى كور الشام، فصاح بها ]فيها »خ ل«[ إنّ عليّا قد سار إليكم. و كتب إليهم نسخة واحدة، فقرئت على الناس أمّا بعد، فإنّا كنّا كتبنا بيننا و بين عليّ كتابا، و شرطنا فيه شروطا، و حكمنا رجلين يحكمان علينا و عليه بحكم الكتاب، لا يعدوانه، و جعلنا عهد اللّه و ميثاقه على من نكث العهد، و لم يمض الحكم، و إنّ حكمي الذي كنت حكّمته أثبتني، و إنّ حكمه خلعه، و قد أقبل إليكم ظالما، » فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ« تجهّزوا للحرب، بأحسن الجهاز، و أعدّوا آلة القتال، و أقبلوا خفافا و ثقالا و كسالى و نشاطا، يسّرنا اللّه و إيّاكم لصالح الأعمال. فاجتمع إليه ناس من كلّ كورة، و أرادوا المسير إلى صفّين، فاستشارهم فاختلفوا في ذلك، فمكثوا يجيلون الرأي يومين أو ثلاثة، حتى قدمت عليهم عيونهم، أنّ عليّا عليه السلام اختلف عليه أصحابه، ففارقته منه فرقة أنكرت أمر الحكومة، و أنّه قد رجع عنكم إليهم، فكبّر الناس سرورا لانصرافه عنهم، و ما ألقي من الخلاف بينهم. فلم يزل معاوية معسكرا في مكانه، حتّى جاء الخبر أنّ عليا عليه السلام، قد قتل أولئك الخوارج، و أنّه أراد بعد قتلهم أن يقبل إليه بالناس، و أنّهم استنظروه و دافعوه، فسرّ بذلك هو و من قبله من الناس. و عن عبد الرحمن بن مسعدة قال جاءنا كتاب عمارة بن عقبة بن أبي معيط من الكوفة، و نحن معسكرون مع معاوية نتخوّف أن يفرغ عليّ من خارجته، ثم يقبل إلينا، و كان في كتابه أمّا بعد فإنّ عليّا خرج عليه علية أصحابه و نسّاكهم، فخرج إليهم فقتلهم، و قد فسد عليه جنده و أهل مصره، و وقعت بينهم العداوة و تفرّقوا أشدّ الفرقة، فأحببت إعلامك. و السّلام. قال فقرأه ]معاوية[ على أخيه و على أبي الأعور، ثم نظر إلى أخيه الوليد بن عقبة و قال لقد رضي أخوك أن يكون لنا عينا. قال فضحك الوليد و قال بحارالأنوار ج : 34 ص : 30إنّ في ذلك أيضا لنفعا. فعند ذلك دعا معاوية الضحّاك بن قيس الفهري، و قال له سر حتى تمرّ بناحية الكوفة، و ترتفع عنها ما استطعت، فمن وجدته من الأعراب في طاعة عليّ، فأغر عليه، و إن وجدت له مسلحة أو خيلا فأغر عليهما، و إذا أصبحت في بلدة، فأمس في أخرى، و لا تقيمنّ لخيل بلغك عنها أنّها قد سرّحت إليك لتلقاها فتقاتلها. فسرحه فيما بين ثلاثة آلاف إلى أربعة آلاف. فأقبل الضّحاك لنهب الأموال، و قتل من لقي من الأعراب، حتّى مرّ بالثعلبيّة فأغار على الحاجّ، فأخذ أمتعتهم، ثم أقبل فلقي عمرو بن عميس بن مسعود الذهلي و هو ابن أخي عبد اللّه بن مسعود فقتله في طريق الحاجّ، عند القطقطانة، و قتل معه ناسا من أصحابه. فصعد أمير المؤمنين عليه السلام المنبر و قال يا أهل الكوفة اخرجوا إلى ]العبد[ الصالح عمرو بن عميس و إلى جيوش لكم قد أصيب منهم طرف، اخرجوا فقاتلوا عدوّكم، و امنعوا حريمكم إن كنتم فاعلين. فردّوا عليه ردّا ضعيفا و رأى منهم عجزا و فشلا فقال و اللّه لوددت أنّ لي بكل مائة منكم رجلا منهم، ويحكم اخرجوا معي، ثم فرّوا عنّي ما بدا لكم، فو اللّه ما أكره لقاء ربّي على نيّتي و بصيرتي، و في ذلك روح لي عظيم، و فرج من مناجاتكم و معاناتكم و مقاساتكم و مداراتكم، مثل ما تدارى البكار العمدة، و الثياب المتهتّرة، كلّما خيطت من جانب، تهتّكت على صاحبها من جانب آخر. ثم نزل، فخرج يمشي حتّى بلغ الغريّين، ثم دعا حجر بن عدي الكندي فعقد له راية على أربعة آلاف، فخرج حجر حتى مرّ بالسماوة و هي

بحارالأنوار ج : 34 ص : 31

أرض كلب، فلقي بها إمرأ القيس بن عدي بن أوس الكلبي، و هم أصهار الحسين بن عليّ عليه السلام، فكانوا أدلّاءه في الطريق، و على المياه، فلم يزل مغذّا في إثر الضحّاك، حتّى لقيه بناحية تدمر فواقعه فاقتتلوا ساعة، فقتل من أصحاب الضحّاك تسعة عشر رجلا، و قتل من أصحاب حجر رجلان، و حجز الليل بينهم، فمضى الضحّاك، فلما أصبحوا لم يجدوا له و لأصحابه أثرا، فكتب عقيل هذا الكتاب إليه عليه السلام في إثر هذه الواقعة.

 و قال ابن أبي الحديد أيضا ذكر صاحب كتاب الغارات، أن النعمان بن بشير قدم هو و أبو هريرة على عليّ عليه السلام من عند معاوية، بعد أبي مسلم الخولاني، يسألانه أن يدفع قتلة عثمان إلى معاوية، ليقيدهم بعثمان. و إنما أراد أن يشهدا له عليه أهل الشام بذلك، و أن يظهرا عذره، فلمّا أتياه عليه السلام، و أدّيا الرسالة، قال عليه السلام للنعمان حدّثني عنك أ أنت أهدى من قومك سبيلا يعني الأنصار. قال لا. قال فكلّ قومك قد اتّبعني، إلّا شذاذ منهم ثلاثة أو أربعة، فتكون أنت من الشّذّاذ فقال النعمان أصلحك اللّه، إنّما جئت لأكون معك، و قد طمعت أن يجري اللّه تعالى بينكما صلحا، فإذا كان غير ذلك رأيك، فإنّي ملازمك. فأقام النعمان، و لحق أبو هريرة بالشام. و فر النعمان بعد أشهر منه عليه السلام إلى الشام، فأخذه في الطريق مالك بن كعب الأرحبي، و كان عامل عليّ عليه السلام بعين التمر، فتضرّع و استشفع ]له قرظة عند مالك بن كعب[ حتى خلّى سبيله، و قدم على معاوية و خبّر بما لقي و لم يزل معه. فلمّا غزى الضحّاك بن قيس أرض العراق، بعث معاوية النعمان مع

بحارالأنوار ج : 34 ص : 32

ألفي رجل و أوصاه أن يتجنّب المدن و الجماعات، و أن لا يغير على مسلحة، و أن يعجلّ الرجوع، فأقبل النعمان حتّى دنا من عين التّمر و بها مالك، و مع مالك ألف رجل، و قد أذن لهم فرجعوا إلى الكوفة فلم يبق معه إلّا مائة أو نحوها، فكتب مالك إلى عليّ عليه السلام، فصعد عليه السلام المنبر، فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال يا أهل الكوفة المنسر من مناسر أهل الشام، إذا أظلّ عليكم انجحرتم في بيوتكم و أغلقتم أبوابكم، انجاز الضّبّة في جحرها، و الضبع في وجارها، الذليل و اللّه من نصرتموه، و من رمى بكم رمى بأفوق ناصل، أفّ لكم، لقد لقيت منكم ترحا و يحكم يوما أناجيكم، و يوما أناديكم، فلا أحرار عند النداء، و لا إخوان صدق عند اللّقاء، أنا و اللّه منيت بكم، صمّ لا تسمعون، بكم لا تعقلون، عمي لا تبصرون ف الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، ويحكم اخرجوا هداكم اللّه إلى مالك بن كعب أخيكم، فإنّ النّعمان بن بشير قد نزل به في جمع من أهل الشام ليس بالكثير، فانهضوا إلى إخوانكم لعلّ اللّه يقطع بكم من الكافرين طرفا. ثم نزل. فلم يخرجوا، فأرسل إلى وجوههم و كبرائهم، فأمرهم أن ينهضوا و يحثّوا الناس على المسير، فلم يصنعوا شيئا. و اجتمع منهم نفر يسير نحو ثلاثمائة أو دونها فقام عليه السلام فقال ألا إنّي منيت بمن لا يطيع إذا أمرت، و لا يجيب إذا دعوت، لا أبا لكم، ما تنتظرون بنصركم ربّكم أ ما دين يجمعكم و لا حميّة تحمشكم أقوم فيكم مستصرخا، و أناديكم متغوّثا، فلا تسمعون لي قولا، و لا تطيعون لي أمرا، حتى تكشف الأمور عن عواقب المساءة، فما يدرك بكم ثار، و لا يبلغ بكم مرام بحارالأنوار ج : 34 ص : 33دعوتكم إلى نصر إخوانكم فجرجرتم جرجرة الجمل الأسر، و تثاقلتم تثاقل النضو الأدبر، ثم خرج إليّ منكم جنيد متذائب كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَ هُمْ يَنْظُرُونَ. ثم نزل فدخل منزله. فقام عدي بن حاتم فقال هذا و اللّه الخذلان، ما على هذا بايعنا أمير المؤمنين عليه السلام. ]ثم دخل عليه فقال يا أمير المؤمنين[ إنّ معي من طي ألف رجل لا يعصوني، فإن شئت أن أسير بهم سرت. قال ما كنت لأعرّض قبيلة واحدة من قبائل العرب للناس، و لكن اخرج إلى النخيلة و عسكر بهم. فخرج ]عدي[ فعسكر و فرض عليّ عليه السلام لكلّ رجل منهم سبعمائة. فاجتمع إليه ألف فارس، عدا طيّا أصحاب عدي. و ورد عليه عليه السلام الخبر بهزيمة النعمان و نصرة مالك.

 و روى عبد اللّه بن جوزة الأزدي قال كنت مع مالك بن كعب حين نزل بنا النعمان، و هو في ألفين و ما نحن إلّا مائة فقال لنا قاتلوهم في القرية و اجعلوا الجدر في ظهوركم، و لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، و اعلموا أنّ اللّه تعالى ينصر العشرة على المائة، و المائة على الألف، و القليل على الكثير. ثم قال إنّ أقرب من هاهنا إلينا من شيعة أمير المؤمنين قرظة بن كعب، و مخنف بن سليم، فاركض إليهما فأعلمهما حالنا، و قل لهما فلينصرانا. فمررت بقرظة فاستصرخته، فقال إنّما أنا صاحب خراج، و ليس عندي من أغيثه به فمضيت إلى مخنف، فسرّح معي عبد الرحمن بن مخنف في خمسين رجلا، و قاتل مالك و أصحابه، النعمان و أصحابه إلى العصر، فأتيناه و قد كسر هو و أصحابه جفون سيوفهم، و استقبلوا الموت، فلو أبطأنا منهم هلكوا، فما هو إلّا أن رآنا أهل الشام و قد أقبلنا عليهم، أخذوا ينكصون عنهم و يرتفعون، و رآنا مالك و أصحابه، فشدّوا عليهم حتى دفعوهم عن القرية، فاستعرضناهم فصرعنا بحارالأنوار ج : 34 ص : 34منهم رجالا ثلاثة، فظنّ القوم أنّ لنا مددا، و حال الليل بيننا و بينهم، فانصرفوا إلى أرضهم. و كتب مالك إلى عليّ عليه السلام أمّا بعد، فإنّه نزل بنا النعمان بن بشير في جمع من أهل الشام كالظاهر علينا، و كان عظم أصحابي متفرّقين، و كنّا للذي كان منهم آمنين، فخرجنا إليهم رجالا مصلتين، فقاتلناهم حتى المساء، و استصرخنا مخنف بن سليم، فبعث إلينا رجالا من شيعة أمير المؤمنين و ولده، فنعم الفتى، و نعم الأنصار كانوا، فحملنا على عدوّنا و شددنا عليهم، فأنزل اللّه علينا نصره، و هزم عدوّه، و أعزّ جنده، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، و السلام على أمير المؤمنين، و رحمة اللّه و بركاته.

 و عن أبي الطّفيل قال، قال عليّ عليه السلام يا أهل الكوفة دخلت إليكم و ليس لي سوط إلّا الدرة، فرفعتموني إلى السوط، ثم رفعتموني إلى الحجارة، أو قال الحديد، ألبسكم اللّه شيعا، و أذاق بعضكم بأس بعض، فمن فاز بكم فقد فاز بالقدح الأخيب.

 و عن أبي صالح الحنفي قال رأيت عليّا عليه السلام يخطب، و قد وضع المصحف على رأسه، حتّى رأيت الورق يتقعقع على رأسه قال، فقال اللّهم قد منعوني ما فيه، فأعطني ما فيه، اللّهم قد أبغضتهم و أبغضوني، و مللتهم و ملّوني و حملوني على غير خلقي و طبيعتي و أخلاق لم تكن تعرف لي. اللّهم فأبدلني بهم خيرا منهم، و أبدلهم بي شرّا منّي. اللّهمّ أمث قلوبهم ميث الملح في الماء.

 و عن سعد بن إبراهيم عن ابن أبي رافع قال رأيت عليّا عليه السلام قد ازدحموا عليه حتّى أدموا رجله، فقال اللّهم قد كرهتهم و كرهوني، فأرحني منهم، و أرحهم مني.

 و روى محمّد بن فرات الجرمي، عن زيد بن عليّ عليه السلام قال بحارالأنوار ج : 34 ص : 35قال علي عليه السلام في هذه الخطبة أيّها النّاس إنّي دعوتكم إلى الحق فتولّيتم عنّي و ضربتكم بالدرّة فأعييتموني. أما إنّه سيليكم بعدي ولاة لا يرضون منكم بذلك حتى يعذّبونكم بالسياط و الحديد، فأمّا أنا فلا أعذبكم بهما، إنّه من عذّب الناس في الدّنيا عذّبه اللّه في الآخرة، و آية ذلك أن يأتيكم صاحب اليمن حتى يحلّ بين أظهركم، فيأخذ العمّال و عمّال العمّال رجل يقال له يوسف بن عمر، و يقوم عند ذلك رجل منّا أهل البيت فانصروه، فانه داع إلى الحق. قال فكان الناس يتحدّثون أنّ ذلك الرجل هو زيد ]عليه السلام[.

بيان أحمشته أي أغضبته. و المستصرخ المستنصر. و المتغوّث القائل وا غوثاه. و الثار الدّم و الطلب به، و قاتل حميمك. ذكره الفيروزآبادي. و الجرجرة صوت يردّده البعير في حنجرته، و أكثر ما يكون ذلك عند الإعياء و التّعب. و السرر داء يأخذ البعير في سرّته، يقال منه جمل أسرّ. و النضو البعير المهزول. و الأدبر الذي به دبر و هي القروح في ظهره. و الجنيد تصغير الجند. و قال السّيّد الرضيّ رضي اللّه عنه »متذائب« أي مضطرب، من قولهم تذاءبت الريح أي اضطرب هبوبها، و منه سمّي الذئب لاضطراب مشيه. أقول أورد السّيّد في النهج قوله عليه السلام »ألا إني منيت إلى قوله وَ هُمْ يَنْظُرُونَ«. بحارالأنوار ج : 34 ص : 36

 و قال ابن أبي الحديد نقلا من كتاب الغارات، لإبراهيم بن محمد الثقفي و وجدته في أصل كتابه أيضا روى بإسناده عن عمرو بن محصن أنّ معاوية لمّا أصاب محمّد بن أبي بكر بمصر، بعث عبد اللّه بن عامر الحضرمي إلى أهل البصرة ليدعوهم إلى نفسه، و إلى الطلب بدم عثمان، فلمّا أتاهم و قرأ عليهم كتاب معاوية اختلفوا، فبعضهم ردّوا، و أكثرهم قبلوا و أطاعوا. و كان الأمير يومئذ بالبصرة، زياد بن عبيد، قد استخلفه عبد اللّه بن العباس، و ذهب إلى عليّ عليه السلام يعزّيه عن محمد بن أبي بكر، فلمّا رأى زياد إقبال الناس على ابن الحضرمي، استجار من الأزد و نزل فيهم، و كتب إلى ابن عباس و أخبره بما جرى فرفع ابن عباس ذلك إلى عليّ عليه السلام، و شاع في الناس بالكوفة ما كان من ذلك، و اختلف أصحابه عليه السلام فيمن يبعثه إليهم حميّة فقال عليه السلام تناهوا أيّها الناس، و ليردعكم الإسلام و وقاره عن التباغي و التهاوي، و لتجتمع كلمتكم، و الزموا دين اللّه الذي لا يقبل من أحد غيره، و كلمة الإخلاص التي هي قوام الدين، و حجّة اللّه على الكافرين، وَ اذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا مشركين متباغضين متفرقين فألّف بينكم بالإسلام، فكثرتم و اجتمعتم و تحاببتم، فلا تتفرقوا بعد إذ اجتمعتم، و لا تباغضوا بعد إذ تحاببتم، و إذا رأيتم الناس و بينهم النائرة و قد تداعوا إلى العشائر و القبائل فاقصدوا لهامهم و وجوههم بسيوفكم، حتّى يفزعوا إلى اللّه و كتابه و سنّة نبيّه، فأمّا تلك الحمية فإنّها من خطوات الشياطين فانتهوا عنها لا أبا لكم تفلحوا و تنجحوا. 34  -3404-  بحارالأنوار ج : 34 ص : 37ثم قال ابن أبي الحديد و روى الواقدي أنّ عليّا عليه السلام استنفر بني تميم أيّاما، لينهض منهم إلى البصرة من يكفيه أمر ابن الحضرمي، و يردّ عادية بني تميم الذين أجاروه بها، فلم يجبه أحد فخطبهم و قال ليس من العجب أن ينصرني الأزد و يخذلني مضر. و أعجب من ذلك تقاعد تميم الكوفة بي، و خلاف تميم البصرة عليّ، و أن أستنجد بطائفة منهم ما يشخص إليّ أحد منها فيدعوهم إلى الرشاد، فإن أجابت و إلّا فالمنابذة و الحرب. فكأنّي أخاطب صما بكما لا يفقهون حوارا، و لا يجيبون نداء، كلّ ذلك جنبا عن البأس و حبّا للحياة. ]و[ لقد كنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم، نقتل آباءنا و أبناءنا و إخواننا و أعمامنا، ما يزيدنا ذلك إلّا إيمانا و تسليما، و مضيا على اللقم، و صبرا على مضض الألم، و جدّا في جهاد العدوّ. و لقد كان الرجل منّا و الآخر من عدوّنا يتصاولان تصاول الفحلين، يتخالسان أنفسهما أيّهما يسقي صاحبه كأس المنون، فمرّة لنا من عدوّنا و مرّة لعدوّنا منّا. فلمّا رأى اللّه صدقنا، أنزل بعدوّنا الكبت، و أنزل علينا النصر، حتى استقر الإسلام ملقيا جرانه، و متبوئا أوطانه. و لعمري لو كنّا نأتي ما أتيتم، ما قام للدين عمود، و لا اخضرّ للإيمان عود. و ايم اللّه لتحتلبنّها دما، و لتتبعنّها ندما. قال فقام إليه أعين بن ضبيعة المجاشعي، فقال أنا إن شاء اللّه أكفيك يا أمير المؤمنين هذا الخطب، فأتكفّل لك بقتل ابن الحضرميّ، أو إخراجه عن البصرة. فأمره بالتهيّؤ للشخوص، فشخص حتى قدم البصرة.

 رجعنا إلى رواية الثقفي، قال إبراهيم فلمّا قدمها دخل على زياد و هو بحارالأنوار ج : 34 ص : 38بالأهواز مقيم، فرحّب به و أجلسه إلى جانبه، فأخبره بما قال له عليّ عليه السلام، و إنّه ليكلّمه إذ جاءه كتاب من عليّ فيه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من عبد اللّه أمير المؤمنين، عليّ إلى زياد بن عبيد سلام عليك، أما بعد، فإنّي قد بعثت أعين بن ضبيعة ليفرّق قومه عن ابن الحضرميّ، فارقب ما يكون منه، فإن فعل و بلغ من ذلك ما يظنّ به، و كان في ذلك تفريق تلك الأوباش، فهو ما نحبّ، و إن ترامت الأمور بالقوم إلى الشقاق و العصيان، فانهد بمن أطاعك إلى من عصاك فجاهدهم، فإن ظفرت فهو ما ظننت، و إلّا فطاولهم و ماطلهم، فكأنّ كتائب المسلمين قد أظلّت عليك، فقتل اللّه الظالمين المفسدين، و نصر المؤمنين المحقّين و السلام. فلما قرأه زياد، أقرأه أعين بن ضبيعة فقال له إنّي لأرجو أن تكفي هذا الأمر إن شاء اللّه. ثم خرج من عنده فأتى رحله، فجمع إليه رجالا من قومه، فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال يا قوم على ما ذا تقتلون أنفسكم، و تهريقون دماءكم على الباطل مع السّفهاء و الأشرار و إنّي و اللّه ما جئتكم حتّى عبّأت إليكم الجنود، فإن تنيبوا إلى الحقّ نقبل منكم، و نكفّ عنكم، و إن أبيتم فهو و اللّه استيصالكم و بواركم. فقالوا بل نسمع و نطيع فقال انهضوا اليوم على بركة اللّه، فنهض بهم على جماعة ابن الحضرمي، فخرجوا إليه فصافّوه، و واقفهم عامّة يومه يناشدهم اللّه و يقول يا قوم لا تنكثوا بيعتكم، و لا تخالفوا إمامكم، و لا تجعلوا على أنفسكم سبيلا، فقد رأيتم و جرّبتم كيف صنع اللّه بكم عند نكثكم بيعتكم و خلافكم. فكفّوا عنه، و هم في ذلك يشتمونه. بحارالأنوار ج : 34 ص : 39فانصرف عنهم و هو منهم منتصف فلمّا آوى إلى رحله، تبعه عشرة نفر يظنّ الناس أنّهم خوارج، فضربوه بأسيافهم و هو على فراشه، لا يظنّ أن الذي كان يكون، فخرج يشتدّ عريانا فلحقوه في الطريق فقتلوه. فكتب زياد إلى عليّ عليه السلام ما وقع. و كتب إنّي أرى أن تبعث إليهم جارية بن قدامة، فإنّه نافذ البصيرة، و مطاع العشيرة، شديد على عدوّ أمير المؤمنين عليه السلام، فلمّا قرأ عليه السلام الكتاب، دعا جارية فقال يا ابن قدامة تمنع الأزد عن عاملي و بيت مالي و تشاقّني مضر و تنابذني، و بنا ابتدأها اللّه بالكرامة، و عرّفها الهدى، و تدعو إلى المعشر الذين حادّوا اللّه و رسوله و أرادوا إطفاء نور اللّه سبحانه حتى علت كلمته عليهم و أهلك الكافرين.

 فروى إبراهيم بإسناده عن كعب بن قعين قال خرجت مع جارية من الكوفة في خمسين رجلا من بني تميم، و ما كان فيهم يماني غيري، و كنت شديد التشيع، فقلت لجارية إن شئت كنت معك، و إن شئت ملت إلى قومي. فقال بل سر معي، فو اللّه لوددت أنّ الطير و البهائم تنصرني عليهم فضلا عن الإنس. فلمّا دخلنا البصرة، بدأ بزياد فرحّب به و أجلسه إلى جانبه، و ناجاه ساعة و ساءله ثم خرج فقام في الأزد فقال جزاكم اللّه من حيّ خيرا، ثم قرأ عليهم و على غيرهم كتاب أمير المؤمنين فإذا فيه من عبد اللّه أمير المؤمنين، إلى من قرئ عليه كتابي هذا من ساكني البصرة من المؤمنين و المسلمين سلام عليكم، أمّا بعد، فإنّ اللّه حليم ذو أناة لا يعجل بالعقوبة قبل البيّنة، و لا يأخذ المذنب عند أوّل وهلة، و لكنّه يقبل التوبة، و يستديم الأناة، و يرضى بالإنابة، ليكون أعظم للحجّة، و أبلغ في المعذرة. و قد كان من شقاق جلّكم أيّها الناس، ما استحققتم أن تعاقبوا عليه، فعفوت عن مجرمكم، و رفعت السّيف عن مدبركم و قبلت من مقبلكم، و أخذت بحارالأنوار ج : 34 ص : 40بيعتكم، فإن تفوا ببيعتي و تقبلوا نصيحتي و تستقيموا على طاعتي، أعمل فيكم بالكتاب و قصد الحقّ، و أقيم فيكم سبيل الهدى فو اللّه ما أعلّم أنّ واليا بعد محمّد صلّى اللّه عليه و آله أعلم بذلك مني، و لا أعمل. أقول قولي هذا صادقا غير ذامّ لمن مضى، و لا منتقصا لأعمالهم. و إن خطت بكم الأهواء المردية، و سفه الرأي الجائر إلى منابذتي تريدون خلافي، فها أنا ذا قرّبت جيادي، و رحلت ركابي. و ايم اللّه لئن ألجأتموني إلى المسير إليكم، لأوقعنّ بكم وقعة لا يكون يوم الجمل عندها إلّا كلعقة لاعق، و إنّي لظانّ إن شاء اللّه أن لا تجعلوا على أنفسكم سبيلا. و قد قدّمت هذا الكتاب حجّة عليكم، و ليس أكتب إليكم من بعده كتابا إن أنتم استغششتم نصيحتي، و نابذتم رسولي، حتى أكون أنا الشاخص نحوكم إن شاء اللّه و السّلام. فلما قرئ الكتاب على الناس، قام صبرة بن شيمان فقال سمعنا و أطعنا و نحن لمن حارب أمير المؤمنين حرب، و لمن سالم سلم. إن كفيت يا جارية قومك بقومك فذاك، و إن أحببت أن ننصرك نصرناك. و قام وجوه الناس فتكلموا بمثل ذلك، فلم يأذن ]جارية[ لأحد أن يسير معه و مضى نحو بني تميم و كلّمهم فلم يجيبوه، و خرج منهم أوباش فناوشوه بعد أن شتموه، فأرسل إلى زياد و الأزد يستصرخهم ]و[ يأمرهم أن يسيروا إليه فسارت الأزد بزياد. و خرج إليهم ابن الحضرمي فاقتتلوا ساعة، و اقتتل شريك بن الأعور الحارثي، و كان من شيعة عليّ عليه السلام و صديقا لجارية ]فقال له ألا أقاتل معك عدوّك فقال بلى. فقاتلهم.[ فما لبث بنو تميم أن هزموهم و اضطرّوهم إلى دار سنبل السعدي، فحصروا ابن الحضرمي فيها، و أحاط جارية و زياد بالدار و قال جارية عليّ بالنّار. فقالت الأزد لسنا من الحريق في شي‏ء، و هم قومك بحارالأنوار ج : 34 ص : 41و أنت أعلم. فحرّق جارية الدار عليهم، فهلك ابن الحضرمي في سبعين رجلا أحدهم عبد الرحمن بن عثمان القرشي. و سارت الأزد بزياد حتى أوطئوا قصر الإمارة و معه بيت المال، و قالت له هل بقي علينا من جوارك شي‏ء. قال لا. فانصرفوا عنه. و كتب زياد إلى أمير المؤمنين عليه السلام أمّا بعد، فإنّ جارية بن قدامة العبد الصالح قدم من عندك فناهض جمع ابن الحضرمي بمن نصره، و أعانه من الأزد ففضّه و اضطرّه إلى دار من دور البصرة في عدد كثير من أصحابه فلم يخرج حتى حكم اللّه بينهما، فقتل ابن الحضرمي و أصحابه، منهم من أحرق، و منهم من ألقي عليه جدار، و منهم من هدم عليه البيت من أعلاه، و منهم من قتل بالسيف، و سلم منهم نفر ثابوا و تابوا فصفح عنهم و بعدا لمن عصى و غوى، و السّلام على أمير المؤمنين و رحمة اللّه و بركاته. فلمّا وصل الكتاب قرأه عليه السلام على الناس فسرّ بذلك و سرّ أصحابه و أثنى على جارية و على الأزد و ذمّ البصرة فقال إنها أوّل القرى خرابا، إما غرقا و إمّا حرقا، حتى يبقى مسجدها كجؤجؤة سفينة.

 نهج و من كلام له عليه السلام لمّا هرب مصقلة بن هبيرة الشيباني إلى معاوية، و كان قد ابتاع سبي بني ناجية من عامل أمير المؤمنين و أعتقهم فلمّا طالبه بالمال خاس به و هرب إلى الشام قبّح اللّه مصقلة، فعل فعل السادة و فرّ فرار العبيد، فما أنطق مادحه حتى أسكته، و لا صدّق واصفه حتى بحارالأنوار ج : 34 ص : 42بكته، و لو أقام لأخذنا ميسوره و انتظرنا له وفوره.

بيان أقول قد مضى هذا الكلام و مضت قصته في أبواب أحوال الخوارج. و قال الشرّاح بنو ناجية ينسبون أنفسهم إلى قريش، و قريش تدفعهم عنه و ينسبونهم إلى ناجية، و هي أمّهم، و قد عدّوا من المبغضين لعليّ عليه السلام. و اختلف الرواية في سبيهم،

 ففي بعضها أنّه لمّا انقضى أمر الجمل دخل أهل البصرة في الطاعة غير بني ناجية، فبعث إليهم عليّ عليه السلام رجلا من الصحابة في خيل ليقاتلهم، فأتاهم و قال لهم ما لكم عسكرتم و قد دخل في الطاعة غيركم فافترقوا ثلاث فرق فرقة قالوا كنّا نصارى فأسلمنا و نبايع، فأمرهم فاعتزلوا. و فرقة قالوا كنّا نصارى فلم نسلم و خرجنا مع القوم الذين كانوا خرجوا، قهرونا فأخرجونا كرها فخرجنا معهم فهزموا، فنحن ندخل فيما دخل الناس فيه، و نعطيكم الجزية كما أعطيناهم. فقال اعتزلوا، فاعتزلوا. و فرقة قالوا كنّا نصارى فأسلمنا و لم يعجبنا الإسلام فرجعنا فنعطيكم الجزية كالنصارى. فقال لهم توبوا و ارجعوا إلى الإسلام. فأبوا، فقاتل مقاتلهم و سبى ذراريهم، فقدم بهم على أمير المؤمنين عليه السلام.

 و في بعضها أن الأمير من قبل عليّ عليه السلام كان معقل بن قيس، و لمّا انقضى أمر الحرب لم يقتل من المرتدّين من بني ناجية إلّا رجلا واحدا و رجع الباقون إلى الإسلام، و استرقّ من النصارى منهم الذين ساعدوا في الحرب و شهروا السيف على جيش الإمام، ثم أقبل بالأسارى حتّى مر على مصقلة بن هبيرة الشيباني، و هو عامل لعليّ عليه السلام على أردشيرخرّة، و هم خمسمائة بحارالأنوار ج : 34 ص : 43إنسان، فبكت إليه النساء و الصبيان، و تصايح الرجال و سألوا أن يشتريهم و يعتقهم، فابتاعهم بخمسمائة ألف درهم. فأرسل إليه أمير المؤمنين أبا حرّة الحنفي ليأخذ منه المال، فأدّى إليه مائتي ألف درهم و عجز عن الباقي فهرب إلى معاوية. فقيل له عليه السلام اردد الأسارى في الرقّ. فقال ليس ذلك في القضاء بحقّ، قد عتقوا إذ أعتقهم الذي اشتراهم، و صار مالي دينا عليه.

أقول فعلى الرواية الأولى كانوا من المرتدّين عن الإسلام و لا يجوز سبي ذراريهم عندنا و عند الجمهور أيضا، إلّا أنّ أبا حنيفة قال بجواز استرقاق المرأة المرتدّة إذا لحقت بدار الحرب. و أيضا ما فيها من أنّه قدم بالأسارى إلى عليّ عليه السلام، يخالف المشهور من اشتراء مصقلة عن عرض الطريق و قد قال بعض الأصحاب بجواز سبي البغاة، إلّا أنّ الظاهر أنّه مع إظهار الكفر و الارتداد لا يبقى حكم البغي. و الصحيح ما في الرواية الثانية من أنّ الأسارى كانت من النصارى. ]قوله[ »و خاس به« أي غدر و خاف. و خاس بالوعد أي أخلف. »و قبّحه اللّه« أي نحّاه عن الخير. و السادة جمع السيّد و يطلق على الرّب و المالك و الشريف و الفاضل و الكريم و الحليم و متحمّل الأذى من قومه و الرئيس و المقدم. قوله عليه السلام »حتى أسكته« قيل كلمة »حتى« تحتمل أن تكون بمعنى اللّام، أي أنّه لم ينطق مادحه ليقصد إسكاته بهربه، فإنّ إسكاته لو قصد لا يتصوّر إلّا بعد إنطاقه، و هو لم يتمم فعله الذي يطلب به إنطاق مادحه، فكيف يقصد إسكاته بهربه و يحتمل أن يكون المراد أنّه لسرعة إتباعه الفضيلة بالرذيلة، كأنّه جمع بين غايتين متنافيتين. و التبكيت التقريع و التعنيف و التوبيخ و استقبال الرجل بما يكره. و الميسور ما تيسّر. و قيل هو مصدر على مفعول. و قيل الغنى و السعة. و الوفور بالضم مصدر وفر المال، ككرم و وعد، أي تمّ و زاد. و في بعض النسخ بحارالأنوار ج : 34 ص : 44»موفوره« و هو الشي‏ء التامّ، أي انتظرنا حصول الموفور في يده. و الغرض دفع عذره في الهرب و هو توهّم التشديد عليه.

 نهج و من خطبة له عليه السلام اللّهمّ أيّما عبد من عبادك سمع مقالتنا العادلة غير الجائرة، و المصلحة في الدين و الدّنيا غير المفسدة، فأبى بعد سمعه لها إلّا النّكوص عن نصرتك، و الإبطاء عن إعزاز دينك، فإنّا نستشهدك عليه يا أكبر الشاهدين شهادة، و نستشهد عليه جميع من أسكنته أرضك و سماواتك، ثم أنت بعد، المغني عن نصره و الآخذ له بذنبه.

بيان قال ابن ميثم هذا الفصل من خطبة كان يستنهض عليه السلام بها أصحابه إلى جهاد أهل الشام، قاله بعد تقاعد أكثرهم عن معاوية. و »ما« في »أيّما« زائدة مؤكّدة. و في وصف المقالة بالعادلة توسّع. و النكوص الرجوع قهقهرى. »فإنّا نستشهدك« أي نسألك أن تشهد عليه. »ثم أنت بعد« أي بعد تلك الشهادة عليه.

 نهج من كلام له عليه السلام يحثّ فيه أصحابه على الجهاد و اللّه مستأديكم شكره، و مورّثكم أمره، و ممهلكم في مضمار ممدود لتتنازعوا سبقه. فشدّوا عقد المآزر، و اطووا فضول الخواصر لا تجتمع عزيمة و وليمة ما أنقض النّوم لعزائم اليوم، و أمحى الظّلم لتذاكير الهمم.

توضيح الاستيداء طلب الأداء. و الأمر هو الملك و الغلبة، كما قال تعالى وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ الآية. بحارالأنوار ج : 34 ص : 45و المضمار مدّة تضمير الفرس و موضعه. و فسّر بالميدان أيضا. و المراد مدّة التّكليف و الحياة أو دار الدّنيا. و السّبق بالفتح كما في النسخ المصدر. و بالتحريك ما يتراهن عليه. و الضّمير راجع إليه سبحانه كالسّوابق، أو إلى المضمار. و العقد جمع العقدة بالضمّ، و هي موضع العقد. قال ابن أبي الحديد أي شمّروا عن ساق الاجتهاد. و يقال لمن يوصى بالجدّ و التّشمير اشدد عقدة إزارك. لأنّه إذا شدّها كان أبعد من العثار و أسرع للمشي. و قوله »و اطووا فضول الخواصر« نهي عن كثرة الأكل، لأنّ الكثير الأكل لا يطوي فضول خواصره، و القليل الأكل يأكل في بعضها و يطوي بعضها. انتهى. و قيل من شرع في أمر بجدّ و اجتهاد يطوي ما فضل من أزراره، و يلتف بقدميه في خاصرته، و يجعله محكما فيها. فهذه أيضا كناية عن الجدّ و الاجتهاد. و قال الكيدري وجدت في نسخة صحيحة »اطروا فضول الخواصر«. و الطر الشقّ و القطع، أي اقطعوا من ثيابكم ما فضل و يزاد على بدنكم. و هو كناية عن المبالغة في التشمير عن ساق الجد. انتهى. و الوليمة طعام العرس أو كلّ طعام صنع لدعوة، و المعنى إنّ العزيمة الجازمة تنافي الاشتغال بالملاذ، و لا تنال المطالب الجليلة إلّا بركوب المشاقّ. »و ما أنقض النوم لعزائم اليوم« كثيرا ما يعزم الإنسان في النهار على المسير و الارتحال في اللّيلة المستقبلة لتقريب المنزل، فإذا جاء اللّيل نام و استراح و شقّ عليه القيام، أي ففاته ما عزم عليه من السير، أو المراد فوت ما عزم عليه من مهمات الأمور في يومه بنوم الليلة التي قبله. »و التذاكير« جمع التذكار بالفتح، و هو الذكر و الحفظ للشي‏ء. و المعنى ما بحارالأنوار ج : 34 ص : 46أكثر ما يهمّ الإنسان و يعزم على السير باللّيل، فإذا أدركته ظلمة الليل، نام و مال إلى الرّاحة و نسي ما عزم عليه، فانمحى و اضمحلّ ما همّه.

911-  كتاب الغارات لإبراهيم الثقفي عن محمّد بن إسماعيل، عن نصر بن مزاحم، عن عمر بن سعد، عن نمير بن وعلة، عن أبي الودّاك أنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام لمّا فرغ من حرب الخوارج، قام في الناس بنهروان خطيبا فحمد اللّه و أثنى عليه بما هو أهله ثمّ قال أمّا بعد، فإنّ اللّه قد أحسن بكم و أحسن نصركم، فتوجّهوا من فوركم هذا إلى عدوّكم من أهل الشام. فقاموا إليه فقالوا يا أمير المؤمنين نفدت نبالنا، و كلّت سيوفنا، و نصلت أسنّة رماحنا، و عاد أكثرها قصدا، ارجع بنا إلى مصرنا نستعد بأحسن عدّتنا، و لعلّ أمير المؤمنين يزيد في عدّتنا عدّة من هلك منّا، فإنّه أقوى لنا على عدّونا. و كان الّذي ولي كلام الناس يومئذ الأشعث بن قيس.

 و عن إبراهيم بن العبّاس عن ابن المبارك البجلي ]عن بكر بن عيسى[ عن الأعمش عن المنهال بن عمرو ]عن قيس بن السكن أنه[ قال سمعت عليّا عليه السلام يقول و نحن بمسكن يا معشر المهاجرين » ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَ لا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ« [21-  المائدة 5] فبكوا ]فتلكّئوا »خ ل«[ و قالوا البرد شديد. و كان غزاتهم في البرد. فقال إنّ القوم يجدون البرد كما تجدون. قال فلم يفعلوا و أبوا، فلمّا رأى ذلك منهم قال أفّ لكم، إنّها سنّة جرت عليكم.

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 47 و سمعت أصحابنا عن أبي عوانة عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن قيس بن السّكن قال قال عليّ عليه السلام » يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَ لا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ« فاعتلّوا عليه فقال أفّ لكم، إنّها سنّة جرت.

 و عن إبراهيم بن العباس عن ابن المبارك عن بكر بن عيسى عن عمر بن عمير الهجري عن طارق بن شهاب إنّ عليّا عليه السلام انصرف من حرب النهروان، حتّى إذا كان في بعض الطّريق نادى في الناس فاجتمعوا، فحمد اللّه و أثنى عليه و رغّبهم في الجهاد و دعاهم إلى المسير إلى الشام من وجهه ذلك، فأبوا و شكوا البرد و الجراحات، و كان أهل النهروان قد أكثروا الجراحات في الناس. فقال إنّ عدوّكم يألمون كما تألمون، و يجدون البرد كما تجدون فأعيوه و أبوا، فلمّا رأى كراهيتهم، رجع إلى الكوفة و أقام بها أيّاما و تفرّق عنه ناس كثير من أصحابه، فمنهم من أقام يرى رأي الخوارج، و منهم من أقام شاكّا في أمرهم.

 و عن محمد بن إسماعيل عن نصر بن مزاحم عن عمر بن سعد عن نمير بن وعلة عن أبي الودّاك قال لمّا أكره عليّ الناس على المسير إلى الشام أقبل بهم حتّى نزل النخيلة، و أمر الناس أن ينزلوا معسكرهم، و يوطّنوا على الجهاد أنفسهم، و أن يقلّوا زيارة أبنائهم و نسائهم حتّى يسيروا إلى عدوّهم.

 و بهذا الإسناد عن أبي الودّاك أنّ الناس ]أ[ قاموا بالنخيلة مع عليّ عليه السلام أيّاما، ثم أخذوا يتسلّلون و يدخلون المصر. فنزل و ما معه من الناس إلّا رجال من وجوههم قليل، و ترك المعسكر خاليا، فلا من دخل الكوفة خرج إليه، و لا من أقام معه صبر فلمّا رأى ذلك دخل الكوفة في استنفاره الناس.

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 48 و عن محمد بن إسماعيل عن نصر بن مزاحم عن عمر بن سعد عن نمير العبسي قال مرّ عليّ عليه السلام على الشغار من همدان فاستقبله قوم فقالوا أ قتلت المسلمين بغير جرم، و داهنت في أمر اللّه، و طلبت الملك، و حكّمت الرجال في دين اللّه لا حكم إلّا للّه. فقال عليه السلام حكم اللّه في رقابكم، ما يحبس أشقاها أن يخضبها من فوقها بدم، إنّي ميّت أو مقتول، بل قتلا، ثمّ جاء حتّى دخل القصر.

 و عن إبراهيم بن قادم عن شريك عن شعيب بن غرقدة عن المستظل بن حصين قال، قال عليّ عليه السلام يا أهل الكوفة، و اللّه لتجدنّ و لتقاتلن على طاعته، أو ليسوسنّكم قوم أنتم أقرب إلى الحقّ منهم فليعذّبنّكم و ليعذّبنّهم اللّه.

 و عن محمّد بن إسماعيل عن يزيد بن معدل عن ابن وعلة عن أبي الودّاك قال لمّا تفرّق الناس عن عليّ بالنخيلة و دخل الكوفة، جعل يستفزهم على جهاد أهل الشام حتى بطلت الحرب تلك السنة.

 و عن زيد بن وهب أنّ عليّا عليه السلام قال للناس و هو أوّل كلام له بعد النهروان و أمور الخوارج التي كانت فقال يا أيّها الناس استعدّوا إلى عدوّ في جهادهم القربة من اللّه، و طلب الوسيلة إليه، حيارى عن الحقّ لا يبصرونه، و موزعين بالكبر و الجور، لا يعدلون به، جفاة عن الكتاب، نكب عن الدين، يعمهون في الطغيان، و يتسكّعون في غمرة الضّلال، فأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة و من رباط الخيل، و توكّلوا على اللّه وَ كَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا، وَ كَفى بِاللَّهِ نَصِيراً. قال فلم ينفروا و لم ينتشروا، فتركهم أيّاما حتى أيس من أن يفعلوا، بحارالأنوار ج : 34 ص : 49و دعا رءوسهم و وجوههم فسألهم عن رأيهم و ما الذي يثبّطهم، فمنهم المعتلّ و منهم المنكر و أقلّهم النشيط، فقام فيهم ثانية فقال عباد اللّه ما لكم إن أمرتكم أن تنفروا اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَ رَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ ثوابا و بالذلّ و الهوان من العزّ خلفا و كلّما ناديتكم إلى الجهاد دارت أعينكم كأنّكم من الموت في سكرة، يرتجّ عليكم ]حواري[ فتبكون، فكأنّ قلوبكم مألوسة فأنتم لا تعقلون، و كأن أبصاركم كمه فأنتم لا تبصرون، للّه أنتم ما أنتم إلّا أسود الشرى في الدّعة، و ثعالب روّاغة حين تدعون، ما أنتم بركن يضال به و لا زوافر عزّ يعتصم إليها. لعمر اللّه لبئس حشاش نار الحرب أنتم. إنّكم تكادون و لا تكيدون، و تنتقص أطرافكم و لا تتحاشون، و لا ينام عنكم و أنتم في غفلة ساهون. إنّ أخا الحرب اليقظان، أودى من غفل، و يأتي الذلّ من وادع، غلب المتخاذلون و المغلوب مقهور و مسلوب. أمّا بعد، فإنّ لي عليكم حقا و لكم عليّ حق، فأمّا حقّي عليكم فالوفاء بالبيعة، و النصح لي في المشهد و المغيب، و الإجابة حين أدعوكم، و الطاعة حين آمركم. و أما حقّكم عليّ فالنصيحة لكم ما صحبتكم، و التوفير عليكم و تعليمكم كيلا تجهلوا، و تأديبكم كي تعلموا، فإن يرد اللّه بكم خيرا تنزعوا عما أكره، و ترجعوا إلى ما أحبّ تنالوا ما تحبّون و تدركوا ما تأملون.

 و عن الفضل بن دكين عن أبي عاصم الثقفي عن أبي عون الثقفي قال جاءت امرأة من بني عميس ]عبس »خ«[ و عليّ عليه السلام على المنبر فقالت بحارالأنوار ج : 34 ص : 50يا أمير المؤمنين ثلاث بلبلن القلوب ]عليك[ قال و ما هنّ قالت رضاؤك بالقضيّة، و أخذك بالدنيّة، و جزعك عند البليّة. قال ويحك إنما أنت امرأة، انطلقي فاجلسي على ذيلك. قالت لا و اللّه ما من جلوس إلّا في ظلال السيوف.

 و بإسناده عن بكر بن عيسى أنّ عليّا عليه السلام كان يخطب الناس و يحضّهم على المسير إلى معاوية و أهل الشام، فجعلوا يتفرّقون عنه، و يتثاقلون عليه و يعتلّون بالبرد مرّة و بالحرّ أخرى.

 و بإسناده عن ]قيس بن[ أبي حازم قال سمعت عليّا عليه السلام يقول يا معشر المسلمين، يا أبناء المهاجرين انفروا إلى أئمة الكفر و بقيّة الأحزاب و أولياء الشّيطان، انفروا إلى من يقاتل على دم حمّال الخطايا فو الّذي فلق الحبّة و برأ النسمة، إنّه ليحمل خطاياهم إلى يوم القيامة لا ينقص من أوزارهم شيئا.

 قال إبراهيم و حدّثنا بهذا الكلام من قول أمير المؤمنين عليه السلام غير واحد من العلماء.

 و عن إسماعيل بن أبان الأزدي عن عمرو بن شمر عن جابر عن رفيع عن فرقد البجلي قال سمعت عليّا عليه السلام يقول أ لا ترون يا معاشر أهل الكوفة و اللّه لقد ضربتكم بالدّرّة التي أعظ بها السّفهاء فما أراكم تنتهون، و لقد ضربتكم بالسّياط التي أقيم بها الحدود فما أراكم ترعوون، فما بقي إلّا سيفي، و إنّي لأعلم الذي يقوّمكم بإذن اللّه، و لكنّي لا أحبّ أن آتي تلك منكم. و العجب منكم و من أهل الشام، إن أميرهم يعصي اللّه و هم يطيعونه، و إن أميركم يطيع اللّه و أنتم تعصونه بحارالأنوار ج : 34 ص : 51إن قلت لكم انفروا إلى عدوّكم ]في أيّام الحرّ، قلتم هذه حمارة القيظ. و إذا أمرتكم بالسّير إليهم في الشتاء[ قلتم القرّ يمنعنا. أ فترون عدوّكم لا يجدون القرّ كما تجدونه و لكنكم أشبهتم قوما قال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انفروا في سبيل اللّه فقال كبراؤهم لا تنفروا في الحرّ. فقال اللّه لنبيّه قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ. و اللّه لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني، و لو صببت الدنيا بحذافيرها على الكافر ما أحبّني و ذلك أنّه قضي فانقضى على لسان النبي الأمّي »أنّه لا يبغضك مؤمن و لا يحبّك كافر« و قَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً و افْتَرى. يا معاشر أهل الكوفة، و اللّه لتصبرنّ على قتال عدوّكم، أو ليسلّطن اللّه عليكم قوما أنتم أولى بالحق منهم، فليعذبنّكم و ليعذبنّهم اللّه بأيديكم أو بما شاء من عنده. أ فمن قتلة بالسيف تحيدون إلى موتة على الفراش فاشهدوا أني سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ]يقول[ »موتة على الفراش أشدّ من ضربة ألف سيف أخبرني به جبرائيل« فهذا جبرائيل يخبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بما تسمعون.

 و عن محرز بن هشام عن جرير بن عبد الحميد عن مغيرة الضبّي قال كان أشراف أهل الكوفة غاشّين لعلّي، و كان هواهم مع معاوية و ذلك أنّ عليّا عليه السلام كان لا يعطي أحدا من الفي‏ء أكثر من حقّه، و كان معاوية جعل الشرف في العطاء ألفي درهم.

 و عن عبد الرّحمن بن جندب عن أبيه أنّ أهل دومة الجندل من كلب لم بحارالأنوار ج : 34 ص : 52يكونوا في طاعة علّي عليه السلام و لا معاوية، و قالوا نكون على حالنا حتى يجتمع الناس على إمام. قال فذكرهم معاوية مرّة فبعث إليهم مسلم بن عقبة فسألهم الصدقة و حاصرهم، فبلغ ذلك عليّا عليه السلام فبعث إلى مالك بن كعب فقال استعمل على »عين التّمر« رجلا و أقبل إليّ. فولّاها عبد الرحمن بن عبد اللّه الأرحبي و أقبل إلى عليّ عليه السلام فسرّحه في ألف فارس، فما شعر مسلم بن عقبة إلّا و مالك بن كعب إلى جنبه نازلا، فتواقفا قليلا ثم اقتتلوا يومهم ذلك إلى الليل، حتى إذا كان من الغد صلّى مسلم بأصحابه ثم انصرف، و قام مالك ابن كعب إلى دومة الجندل يدعوهم إلى الصلح عشرا فلم يفعلوا، فرجع إلى عليّ عليه السلام

 و بإسناده عن أبي الكنود عن سفيان بن عوف الغامدي قال دعاني معاوية فقال إنّي باعثك في جيش كثيف فالزم لي جانب الفرات حتى تمرّ بهيت فتقطعها، فإن وجدت بها جندا فأغر عليهم، و إلّا فامض حتّى تغير على الأنبار، فإن لم تجد بها جندا فامض حتّى تغير على المدائن، ثم أقبل إليّ و اتّق أن تقرب الكوفة، و اعلم أنّك إن أغرت على أهل الأنبار و أهل المدائن، فكأنّك أغرت على الكوفة، إنّ هذه الغارات يا سفيان على أهل العراق ترهب قلوبهم، و تجرّئ كلّ من كان له فينا هوى منهم، و يرى فراقهم، و تدعو إلينا كلّ من كان يخاف الدوائر، و خرّب كلّ ما مررت به، و اقتل كلّ من لقيت ممّن ليس هو على رأيك، و حرب الأموال فإنّه شبيه بالقتل و هو أوجع للقلوب. بحارالأنوار ج : 34 ص : 53قال فخرجت من عنده و عسكرت، و قام معاوية و ندب النّاس إلى ذلك، فما مرّت بي ثلاثة حتّى خرجت في ستّة آلاف، ثم لزمت شاطئ الفرات فأسرعت السّير حتّى مررت بهيت، فبلغهم أني قد غشيتهم فقطعوا الفرات، فمررت بها و ما بها عريب. كأنّها لم تحلل قطّ فوطئتها حتّى مررت بصندوداء، فتنافروا فلم ألق بها أحدا، فمضيت حتّى أفتتح الأنبار و قد أنذروا بي، فخرج إليّ صاحب المسلحة فوقف لي، فلم أقدم عليه حتّى أخذت غلمانا من أهل القرية فقلت لهم خبّروني كم بالأنبار من أصحاب عليّ قالوا عدّة رجال المسلحة خمسمائة، و لكنّهم قد تبدّدوا و رجعوا إلى الكوفة و لا ندري الذي يكون فيها قد يكون مائتي رجل. قال فنزلت فكتبت أصحابي كتائب، ثم أخذت أبعثهم إليه كتيبة بعد كتيبة، فيقاتلونهم و اللّه و يصبرون لهم و يطاردونهم في الأزقّة فلمّا رأيت ذلك أنزلت إليهم نحوا من مائتين ثم أتبعتهم الخيل، فلمّا مشت إليهم الرجال و حملت عليهم الخيل فلم يكن إلّا قليلا حتّى تفرّقوا و قتل صاحبهم في رجال من أصحابه، فأتيناه في نيف و ثلاثين رجلا فحملنا ما كان في الأنبار من أموال أهلها ثم انصرفت، فو اللّه ما غزوت غزوة أسلم و لا أقرّ للعيون و لا أسرّ للنفوس منها، و بلغني و اللّه أنّها أفزعت الناس. فلمّا أتيت معاوية فحدّثته الحديث على وجهه قال كنت و اللّه عند ظنّي بك. قال فو اللّه ما لبثنا إلّا يسيرا حتّى رأيت رجال أهل العراق يأتون على الإبل هرابا من قبل عليّ عليه السلام.

 و عن جندب بن عفيف قال و اللّه إنّي لفي جند الأنبار مع أشرس بن حسان البكري، إذ صبّحنا سفيان في كتائب تلمع الأبصار منها، فهالونا و اللّه، و علمنا إذ رأيناهم أنّه ليس لنا بهم طاقة و لا يد، فخرج إليهم صاحبنا و قد تفرّقنا، فلم يلقهم نصفنا و لم يكن لنا بهم طاقة. و ايم اللّه لقد قاتلناهم ثم إنّهم بحارالأنوار ج : 34 ص : 54و اللّه هزمونا، فنزل صاحبنا و هو يتلو فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ثم قال لنا من كان لا يريد لقاء اللّه و لا يطيب نفسا بالموت فليخرج عن القرية ما دمنا نقاتلهم فإنّ قتالنا إيّاهم شاغل لهم عن طلب هارب، و من أراد ما عند اللّه ف ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ. ثم نزل في ثلاثين رجلا قال فهممت و اللّه بالنزول معه ثم إنّ نفسي أبت و استقدم هو و أصحابي فقاتلوا حتى قتلوا رحمهم اللّه، فلمّا قتلوا أقبلنا منهزمين.

 و بإسناده عن محمد بن مخنف أنّ سفيان بن عوف لمّا أغار على الأنبار قدم علج من أهلها على عليّ عليه السلام فأخبره الخبر فصعد المنبر فقال أيّها الناس إنّ أخاكم البكري قد أصيب بالأنبار، و هو مغتر لا يظنّ ما كان فاختار ما عند اللّه على الدنيا، فانتدبوا إليهم حتّى تلاقوهم، فإن أصبتم منهم طرفا أنكلتموهم عن العراق أبدا ما بقوا. ثم سكت عنهم رجاء أن يجيبوه أو يتكلّموا أو يتكلّم متكلّم منهم بخير، فلمّا رأى صمتهم على ما في أنفسهم، خرج يمشي راجلا حتى أتى النخيلة، ]و الناس يمشون خلفه حتى أحاط به قوم من الأشراف[ فقالوا ارجع يا أمير المؤمنين نحن نكفيك. فقال ما تكفونني و لا تكفون أنفسكم. فلم يزالوا به حتّى صرفوه إلى منزله فرجع و هو واجم كئيب. و دعا سعيد بن مسلم الهمداني فبعثه من النخيلة في ثمانية آلاف و قال اتبع هذا الجيش حتى تخرجهم من أرض العراق. فخرج على شاطئ الفرات في طلبه حتى إذا بلغ عانات، سرّح سعيد أمامه هانئ بن الخطاب الهمداني فأتبع آثارهم حتّى بلغ أداني أرض قنسّرين و قد فاتوه ثم انصرف. قال فلبث عليّ عليه السلام ترى فيه الكآبة و الحزن حتّى قدم سعيد، فكتب كتابا و كان في تلك الأيام عليلا، فلم يطق القيام في الناس بكلّ ما أراد

بحارالأنوار ج : 34 ص : 55

من القول، فجلس بباب السّدّة التي تصل إلى المسجد و معه الحسن و الحسين و عبد اللّه بن جعفر، فدعا سعيدا مولاه فدفع الكتاب إليه، فأمره أن يقرأه على الناس، فقام سعيد حيث يسمع عليّ عليه السلام قراءته، و ما يردّ عليه الناس، ثم قرأ الكتاب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين، إلى من قرئ عليه كتابي من المسلمين سلام عليكم. أمّا بعد، ف الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ وَ سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، و لا شريك للّه الأحد القيّوم، و صلوات اللّه على محمّد و السّلام عليه في العالمين. أمّا بعد، فإنّي قد عاتبتكم في رشدكم حتّى سئمت، و راجعتموني بالهزء من قولكم حتّى برمت هزءا من القول لا يعاد به، و خطلا لا يعزّ أهله، و لو وجدت بدّا من خطابكم و العتاب إليكم ما فعلت. و هذا كتابي يقرأ عليكم فردّوا خيرا و افعلوه، و ما أظنّ أن تفعل وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ. أيّها الناس إنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة... إلى آخر ما مرّ و سيأتي بروايات مختلفة. ثم قال فقام إليه رجل من الأزد يقال له حبيب بن عفيف آخذا بيد ابن أخ ]له[ يقال له عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عفيف، فأقبل يمشي حتّى استقبل أمير المؤمنين عليه السلام بباب السّدّة، ثم جثا على ركبتيه و قال يا أمير المؤمنين، ها أنا ذا لا أملك إلّا نفسي و أخي فمرنا بأمرك، فو اللّه لننفذن له و لو حال دون ذلك شوك الهراس و جمر الغضا حتى ننفذ أمرك أو نموت دونه فدعا لهما بخير و قال لهما أين تبلغان بارك اللّه عليكما ممّا نريد. ثم أمر الحارث الأعور فنادى في الناس أين من يشري نفسه لربّه، و يبيع دنياه بآخرته، أصبحوا غدا بالرّحبة إن شاء اللّه، و لا يحضرنا إلّا صادق النيّة في

بحارالأنوار ج : 34 ص : 56

المسير معنا و الجهاد لعدوّنا. فأصبح بالرّحبة نحو من ثلاثمائة، فلمّا عرضهم قال لو كانوا ألفا كان لي فيهم رأي. قال و أتاه قوم يعتذرون و تخلّف آخرون، فقال و جاء المعذّرون و تخلّف المكذّبون. قال و مكث عليه السلام أياما باديا حزنه، شديد الكآبة، ثم إنّه نادى في الناس فاجتمعوا، فقام خطيبا فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال أمّا بعد، أيها الناس فو اللّه لأهل مصركم في الأمصار، أكثر من الأنصار في العرب. و ساق الحديث إلى آخر ما سيأتي برواية ابن الشيخ في مجالسه عن ربيعة بن ناجد ]في أواخر هذا الباب[.

 و عن أبي مسلم قال سمعت عليّا عليه السلام يقول لو لا بقيّة المسلمين لهلكتم.

 و عن إسماعيل بن رجاء الزبيدي أنّ عليّا عليه السلام خطبهم بعد هذا الكلام فقال بعد أن حمد اللّه و أثنى عليه أيّها الناس المجتمعة أبدانهم المتفرقة أهواؤهم، ما عزّ من دعاكم و لا استراح من قاساكم. كلامكم يوهن الصمّ الصّلاب، و فعلكم يطمع فيكم عدوّكم. إن قلت لكم سيروا إليهم في الحر. قلتم أمهلنا ينسلخ عنّا الحرّ. و إن قلت لكم سيروا إليهم في الشتاء. قلتم حتّى ينسلخ عنّا البرد. فعل ذي الدّين المطول، من فاز بكم فاز بالسّهم الأخيب أصبحت لا أصدّق قولكم، و لا أطمع في نصركم، فرّق اللّه بيني و بينكم أيّ دار بعد داركم تمنعون و مع أي إمام بعدي تقاتلون أما إنّكم ستلقون بعدي أثرة تتخذها عليكم الضّلّال سنّة، فقر بحارالأنوار ج : 34 ص : 57يدخل في بيوتكم، و سيف قاطع، و تتمنون عند ذلك أنّكم رأيتموني و قاتلتم معي و قتلتم دوني و كأن قد.

 و عن بكر بن عيسى أنّهم لما أغاروا بالسواد، قام عليّ عليه السلام فخطب إليهم فقال أيّها الناس ما هذا فو اللّه إن كان ليدفع عن القرية بالسبعة نفر من المؤمنين تكون فيها.

 و عن ثعلبة بن يزيد الحماني أنّه قال بينما أنا في السوق إذ سمعت مناديا ينادي الصّلاة جامعة، فجئت أهرول و الناس يهرعون، فدخلت الرحبة فإذا عليّ عليه السلام على منبر من طين مجصّص و هو غضبان، قد بلغه أنّ ناسا قد أغاروا بالسّواد، فسمعته يقول أما و ربّ السماء و الأرض ثم ربّ السماء و الأرض، إنّه لعهد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّ الأمّة ستغدر بي.

 و عن المسيّب بن نجبة الفزاري أنّه قال سمعت عليّا عليه السلام يقول إنّي قد خشيت أن يدال هؤلاء القوم عليكم بطاعتهم إمامهم و معصيتكم إمامكم، و بأدائهم الأمانة و خيانتكم، و بصلاحهم في أرضهم و فسادكم في أرضكم، و باجتماعهم على باطلهم و تفرّقكم عن حقّكم حتّى تطول دولتهم و حتّى لا يدعو اللّه محرّما إلّا استحلّوه، حتّى لا يبقى بيت وبر و لا بيت مدر إلّا دخله جورهم و ظلمهم حتّى يقوم الباكيان، باك يبكي لدينه و باك يبكي لدنياه، و حتى لا يكون منكم إلّا نافعا لهم أو غير ضارّ بهم و حتّى يكون نصرة أحدكم منهم كنصرة العبد من سيّده إذا شهد أطاعه و إذا غاب سبّه، فإن أتاكم اللّه بالعافية فاقبلوا و إن ابتلاكم فاصبروا ف إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ.

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 58 و عن يحيى بن صالح عن أصحابه أنّ عليّا عليه السلام ندب الناس عند ما أغاروا على نواحي السّواد، فانتدب لذلك شرطة الخميس، فبعث إليهم قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري ثمّ وجّههم فساروا حتّى وردوا تخوم الشام، و كتب عليّ عليه السلام إلى معاوية إنّك زعمت أنّ الذي دعاك إلى ما فعلت الطّلب بدم عثمان، فما أبعد قولك من فعلك. ويحك، و ما ذنب أهل الذمّة في قتل ابن عفّان و بأيّ شي‏ء تستحل أخذ في‏ء المسلمين فانزع و لا تفعل و احذر عاقبة البغي و الجور. و إنّما مثلي و مثلك كما قال بلعاء لدريد بن الصمة

مهلا دريد عن التّسرع إنّني ماضي الجنان بمن تسرّع مولع‏مهلا دريد عن السّفاهة إنّني ماض على رغم العداة سميدع‏مهلا دريد لا تكن لاقيتني يوما دريد فكلّ هذا يصنع‏و إذا أهانك معشر أكرمهم فتكون حيث ترى الهوان و تسمع

فأجابه معاوية أمّا بعد، فإنّ اللّه أدخلني في أمر عزلك عنه نائيا عن الحق، فنلت منه أفضل أملي، فأنا الخليفة المجموع عليه و لم تصب مثلي و مثلك، إنّما مثلي و مثلك كما قال بلقاء حين صولح على دم أخيه ثم نكث فعنّفه قومه فأنشأ يقول

ألا آذنتنا من تدلّلها ملس و قالت أما بيني و بينك من بلس‏و قالت ألا تسعى فتدرك ما مضى و ما أهلك الحانون و القدح الضرس‏أ تأمرني سعد و ليث و جندع و لست براض بالدنيئة و الوكس

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 59يقولون خذ وكسا و صالح عشيرة فما تأمرني بالهموم إذا أمسي

 قال جندب بن عبد اللّه الوائلي كان عليّ عليه السلام يقول أما إنّكم ستلقون بعدي ثلاثا ذلا شاملا، و سيفا قاتلا، و أثرة يتّخذها الظالمون عليكم سنّة، فستذكروني عند تلك الحالات فتمنّون لو رأيتموني و نصرتموني و أهرقتم دماءكم دون دمي فلا يبعد اللّه إلّا من ظلم. و كان جندب بعد ذلك إذا رأى شيئا مما يكرهه قال لا يبعد اللّه إلّا من ظلم.

و عن عمرو بن قعين قال دعا معاوية يزيد بن شجرة الرّهاوي فقال إنّي مسرّ إليك سرّا فلا تطلعنّ على سرّي أحدا حتى تخرج من أهل الشام كلّها، إنّي باعثك إلى أهل اللّه و إلى حرم اللّه و أهلي و عشيرتي و بيضتي التي انفلقت عنّي، و فيها جلّ من قتل عثمان و سفك دمه، فسر على بركة اللّه حتى تنزل مكة فإنّك الآن تلاقي الناس هناك بالموسم، فادع الناس إلى طاعتنا و اتّباعنا فإن أجابوك فاكفف عنهم و اقبل منهم، و إن أدبروا عنك فنابذهم و ناجزهم و لا تقاتلهم حتّى تبلغهم أني قد أمرتك أن تبلغ عنّي، فإنّهم الأصل و العشيرة و إنّي لاستبقائهم محبّ و لاستيصالهم كاره ثمّ صلّ بالناس و تولّ أمر الموسم. فقال له يزيد إنّك وجّهتني إلى قوم اللّه و مجمع الصالحين، فإن رضيت أن أسير إليهم و أعمل فيهم برأيي و بما أرجو أن يجمعك اللّه و إيّاهم به سرت إليهم، و إن كان لا يرضيك عنّي إلّا الغشم و تجريد السّيف و إخافة البري‏ء و ردّ العذرة فلست بصاحب ما هناك، فاطلب لهذا الأمر غيري. بحارالأنوار ج : 34 ص : 60فقال له سر راشدا فقد رضيت برأيك و بسيرتك، و كان رجلا ناسكا يتألّه و كان عثمانيا و كان ممن شهد مع معاوية صفّين. فخرج ]ابن شجرة[ من دمشق مسرعا و قال اللّهمّ إن كنت قضيت أن يكون بين هذا الجيش الذي وجّهت، و بين أهل حرمك الذي وجّهت إليه قتال فاكفنيه، فإنّي لست أعظّم قتال من شرك في قتل عثمان خليفتك المظلوم و لا قتال من خذله و لكني أعظّم القتال في حرمك الذي حرمت. فخرج يسير و قدّم أمامه الحارث بن نمير، فأقبلوا حتّى مرّوا بوادي القرى ثم أخذوا على الجحفة ثمّ مضوا حتّى قدموا مكّة في عشر ذي الحجّة.

 و عن عبّاس بن ]سهل بن[ سعد الأنصاريّ قال لمّا سمع قثم بن العباس بدنوهم منه قبل أن يفصلوا من الجحفة و كان عاملا لعليّ عليه السلام على مكّة، فقام في أهل مكّة و ذلك في سنة تسع و ثلاثين، فحمد اللّه و أثنى عليه و دعاهم إلى الجهاد و قال بيّنوا لي ما في أنفسكم و لا تغرّوني. فسكت القوم مليّا فقال قد بيّنتم لي ما في أنفسكم. فذهب لينزل فقام شيبة بن عثمان فقال رحمك اللّه أيّها الأمير لا يقبح فينا أمرك و نحن على طاعتنا و بيعتنا و أنت أميرنا و ابن عمّ خليفتنا فإن تدعنا نجبك فيما أطقنا و نقدر عليه. فقرّب ]قثم[ دوابّه و حمل متاعه و أراد التنحّي من مكّة، فأتاه أبو سعيد الخدري و قال ما أردت قال قد حدث هذا الأمر الذي بلغك و ليس معي جند أمتنع به، فرأيت أن أعتزل عن مكّة فإن يأتني جند أقاتل بهم، و إلّا كنت قد تنحيّت بدمي. قال له إنّي لم أخرج من المدينة حتّى قدم علينا حاجّ أهل العراق و تجّارهم يخبرون أنّ الناس بالكوفة قد ندبوا إليك مع معقل بن قيس الرياحي. قال هيهات هيهات يا أبا سعيد إلى ذلك ما يعيش أولادنا. فقال له أبو سعيد رحمك اللّه فما عذرك عند ابن عمك، و ما عذرك عند العرب انهزمت قبل أن تطعن و تضرب فقال يا أبا سعيد إنّك لا تهزم عدوك و لا تمنع حريمك بحارالأنوار ج : 34 ص : 61بالمواعيد و الأماني اقرأ كتاب صاحبي فقرأه أبو سعيد فإذا فيه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين إلى قثم بن العبّاس سلام عليك. أمّا بعد، فإنّ عيني بالمغرب كتب إليّ يخبرني أنّه قد وجّه إلى الموسم ناس من العرب، من العمي القلوب، الصّمّ الأسماع، الكمه الأبصار، الذين يلبسون الحقّ بالباطل، و يطيعون المخلوقين في معصية الخالق، و يجلبون الدنيا بالدين، و يتمنّون على اللّه جوار الأبرار، و إنّه لا يفوز بالخير إلّا عامله، و لا يجزى بالسّيئ إلّا فاعله. و قد وجهت إليكم جمعا من المسلمين ذوي بسالة و نجدة مع الحسيب الصليب الورع التقيّ معقل بن قيس الرّياحي، و قد أمرته باتباعهم و قصّ آثارهم حتى ينفيهم من أرض الحجاز. فقم على ما في يديك مما إليك مقام الصليب الحازم المانع سلطانه الناصح للأمة، و لا يبلغني عنك وهن و لا خور و ما تعتذر منه، و وطّن نفسك على الصبر في البأساء و الضراء، و لا تكوننّ فشلا و لا طائشا و لا رعديدا و السلام. فلما قرأ أبو سعيد الكتاب قال قثم ما ينفعني من هذا الكتاب و قد سمعت بأن قد سبقت خيلهم خيله و هل يأتي جيشه حتّى ينقضي أمر الموسم كلّه فقال له أبو سعيد إنّك إن أجهدت نفسك في مناصحة إمامك خرجت من اللائمة، و قضيت الذي عليك من الحقّ، فإنّ القوم قد قدموا و أنت في الحرم، و الحرم حرم اللّه. فأقام قثم و جاء يزيد بن شجرة حتّى دخل مكّة، ثم أمر مناديا فنادى في الناس ألا إنّ النّاس كلّهم آمنون، إلّا من عرض لنا في عملنا و سلطاننا و ذلك قبل التروية بيوم. بحارالأنوار ج : 34 ص : 62فلمّا كان ذلك مشت قريش و الأنصار و من شهد الموسم من الصّحابة و صلحاء الناس فيما بينهما و سألتهما أن يصطلحا، فكلاهما سرّه ذلك الصلح، فأما قثم فإنّه لم يثق بأهل مكة و لا رأى أنّهم يناصحونه، و أما يزيد فكان رجلا متنسّكا و كان يكره أن يكون منه في الحرم شرّ.

 و عن عمرو بن محصن قال قام يزيد بن شجرة فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال أمّا بعد يا أهل الحرم و من حضره فإنّي وجّهت إليكم لأصلّي بكم و أجمع و آمر بالمعروف و أنهى عن المنكر فقد رأيت والي هذه البلدة كره الصّلاة معنا و نحن للصّلاة معه كارهون فإن شاء اعتزلنا الصّلاة بالناس و اعتزلها و تركنا أهل مكّة يختارون لأنفسهم من أحبّوا حتّى يصلّي بهم فإن أبى فأنا آب و آب و الذي لا إله غيره لو شئت لصليت بالنّاس و أخذته حتى أرده إلى الشام و ما معه من يمنعه و لكن و اللّه ما أحبّ أن أستحلّ حرمة هذا البلد الحرام. قال ثمّ إنّ يزيد بن شجرة أتى أبا سعيد الخدري فقال رحمك اللّه الق هذا الرجل فقل له لا أب لغيرك اعتزل الصّلاة بالناس و أعتزلها و دع أهل مكّة يختاروا لأنفسهم فو اللّه لو أشاء لبعتك و إيّاهم و لكن و اللّه ما يحملني على ما تسمع إلا رضوان اللّه و احترام الحرم فإنّ ذلك أقرب للتقوى و خير في العاقبة. قال له أبو سعيد ما رأيت من أهل المغرب أصوب مقالا و لا أحسن رأيا منك. فانطلق أبو سعيد إلى قثم فقال أ لا ترى ما أحسن ما صنع اللّه لك و ذكر له ذلك فاعتزلا الصلاة و اختار الناس شيبة بن عثمان فصلّى بهم. فلمّا قضى الناس حجّهم رجع يزيد إلى الشام، و أقبلت خيل عليّ عليه السلام فأخبروا بعود أهل الشام، فتبعوهم و عليهم معقل بن قيس فأدركوهم و قد رحلوا عن وادي القرى، فظفروا بنفر منهم و أخذوهم أسارى و أخذوا ما معهم و رجعوا إلى أمير المؤمنين، ففادى بهم أسارى كانت له عند معاوية.

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 63 و قال إبراهيم قال أمير المؤمنين عليه السلام لأهل الكوفة ما أرى هؤلاء القوم يعني أهل الشام إلّا ظاهرين عليكم. قالوا تعلم بما ذا يا أمير المؤمنين قال أرى أمورهم قد غلت، و أرى نيرانكم قد خبت، و أراهم جادّين و أراكم وانين، و أراهم مجتمعين و أراكم متفرّقين، و أراهم لصاحبهم طائعين و أراكم لي عاصين. و ايم اللّه لئن ظهروا عليكم لتجدنّهم أرباب سوء من بعدي، كأنّي أنظر إليهم قد شاركوكم في بلادكم و حملوا إلى بلادهم فيئكم. و كأنّي أنظر إليكم يكشّ بعضكم على بعض كشيش الضّباب، لا تمنعون حقّا و لا تمنعون للّه حرمة، و كأنّي أنظر إليهم يقتلون قرّاءكم. و كأنّي بهم يحرمونكم و يحجبونكم و يدنون أهل الشام دونكم، فإذا رأيتم الحرمان و الأثرة و وقع السّيف، تندّمتم و تحزّنتم على تفريطكم في جهادكم، و تذكّرتم ما فيه من الحفظ حين لا ينفعكم التذكار.

 و عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال سمعت عليّا عليه السلام يقول ما لقي أحد من الناس ما لقيت. ثمّ بكى.

توضيح في النهاية فيه »كأن في جوفي شوكة الهراس« هو شجر أو بقل ذو شوك. و في القاموس الهراس كسحاب شجر شائك ثمره كالنبق. انتهى. ]قوله عليه السلام[ »و كأن قد« هذا من قبيل الاكتفاء أي و كأن قد وقع هذا الأمر عن قريب. و السّميدع بالفتح السّيد الموطوء الأكتاف. ذكره الجوهري. و قال ضرست السهم إذا أعجمته. و الوكس النقص قوله »إلى ذلك بحارالأنوار ج : 34 ص : 64ما يعيش أولادنا« هذا استبطاء للجيش أي يأتي المدد بعد أن قتلنا و أولادنا.

 نهج أمّا بعد، فإنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة، فتحه اللّه تعالى لخاصّة أوليائه، و هو لباس التقوى، و درع اللّه الحصينة، و جنّته الوثيقة. فمن تركه ألبسه اللّه لباس الذلّ، و شمله البلاء، و ديّث بالصّغار و القماء، و ضرب على قلبه بالإسداد، و أديل الحقّ منه بتضييع الجهاد، و سيم الخسف، و منع النّصف. ألا و إنّي قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلا و نهارا، و سرّا و إعلانا، و قلت لكم اغزوهم قبل أن يغزوكم، فو اللّه ما غزي قوم قطّ في عقر دارهم إلّا ذلوا. فتواكلتم و تخاذلتم حتى شنّت عليكم الغارات، و ملكت عليكم الأوطان. هذا أخو غامد قد وردت خيله الأنبار، و قد قتل حسان بن حسان البكري و أزال خيلكم عن مسالحها. و لقد بلغني أنّ الرّجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة و الأخرى المعاهدة فينتزع حجلها و قلبها و قلائدها و رعاثها، ما تمتنع منه إلّا بالاسترجاع و الاسترحام، ثمّ انصرفوا وافرين، ما نال رجلا منهم كلم، و لا أريق لهم دم. فلو أنّ امرأ مسلما مات من بعد هذا أسفا، ما كان به ملوما بل كان به عندي جديرا. فيا عجبا عجبا، و اللّه يميت القلب، و يجلب الهمّ، من اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم، و تفرّقكم عن حقّكم فقبحا لكم و ترحا حين صرتم غرضا يرمى، يغار عليكم و لا تغيرون، و تغزون و لا تغزون، و يعصى اللّه فيكم و ترضون. فإذا أمرتكم بالسير إليهم في أيّام الحرّ، قلتم هذه حمّارة القيظ أمهلنا يسبّخ عنّا الحرّ. و إذا أمرتكم بالسّير إليهم في الشتاء قلتم هذه صبّارة القرّ أمهلنا ينسلخ عنّا البرد. كلّ هذا فرار من الحرّ و القرّ، فإذا كنتم من الحرّ و البرد تفرّون، فأنتم و اللّه من بحارالأنوار ج : 34 ص : 65السّيف أفرّ. يا أشباه الرجال و لا رجال، حلوم الأطفال، و عقول ربّات الحجال، لوددت أني لم أركم و لم أعرفكم معرفة. و اللّه جرّت ندما و أعقبت ذمّا. قاتلكم اللّه، لقد ملأتم قلبي قيحا، و شحنتم صدري غيظا، و جرّعتموني نغب التهمام أنفاسا، و أفسدتم عليّ رأيي بالعصيان و الخذلان، حتّى قالت قريش إن ابن أبي طالب رجل شجاع و لكن لا علم له بالحرب. للّه أبوهم، و هل أحد منهم أشدّ لها مراسا، و أقدم فيها مقاما مني و لقد نهضت فيها و ما بلغت العشرين، فها أنا ذا قد ذرّفت على السّتين، و لكنّه لا رأي لمن لا يطاع.

 كا أحمد بن محمّد بن سعيد عن جعفر بن عبد اللّه العلوي و أحمد بن محمد الكوفي عن عليّ بن العبّاس عن إسماعيل بن إسحاق، جميعا عن فرج بن قرّة عن مسعدة بن صدقة عن ابن أبي ليلى عن أبي عبد الرحمن السلمي عنه عليه السلام مثله.

بيان قال ابن ميثم و غيره هذه الخطبة مشهورة، ذكرها أبو العبّاس المبرد و غيره، و السّبب المشهور لها،

 أنّه ورد عليه علج من الأنبار فأخبره أن سفيان بن عوف الغامدي قد ورد في خيل معاوية إلى الأنبار، و قتل عامله حسّان بن حسّان البكري، فصعد عليه السلام المنبر و خطب الناس و قال إنّ أخاكم البكري قد أصيب بالأنبار فانتدبوا إليهم حتّى تلاقوهم، بحارالأنوار ج : 34 ص : 66

فإن أصبتم منهم طرفا أنكلتموهم عن العراق أبدا ما بقوا. ثم سكت رجاء أن يجيبوه بشي‏ء، فلمّا رأى صمتهم نزل و خرج يمشي راجلا حتى أتى النخيلة و الناس يمشون خلفه، حتى أحاط به قوم من أشرافهم و قالوا ترجع يا أمير المؤمنين و نحن نكفيك. فقال ما تكفوني و لا تكفون أنفسكم. فلم يزالوا به حتّى ردّوه إلى منزله. فبعث سعيد بن قيس الهمداني في ثمانية آلاف في طلب سفيان، فخرج حتى انتهى إلى أداني أرض قنّسرين و رجع. و كان عليه السلام في ذلك الوقت عليلا لا يقوى على القيام في الناس بما يريده من القول، فجلس بباب السدّة التي تصل إلى المسجد و معه الحسن و الحسين عليهما السلام و عبد اللّه بن جعفر، و دعا سعيدا مولاه فدفع إليه كتابا كتب فيه هذه الخطبة، و أمره أن يقرأه على الناس بحيث يسمع و يسمعونه.

 و في رواية المبرّد أنّه لما انتهى إليه ورود خيل معاوية الأنبار و قتل حسّان، خرج مغضبا يجرّ رداءه حتى أتى النخيلة و معه الناس و رقي رباوة من الأرض، فحمد اللّه و أثنى عليه و صلّى على النبي صلّى اللّه عليه و آله ثم ذكر الخطبة.

و لنرجع إلى الشرح و البيان قوله عليه السلام »باب من أبواب الجنّة« روي عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال للجنّة باب يقال له باب المجاهدين، يمضون إليه فإذا هو مفتوح و هم متقلّدون بسيوفهم و الجمع في الموقف و الملائكة ترحّب بهم. و في الكافي »لخاصّة أوليائه، و سوّغهم كرامة منه لهم، و نعمة ذخرها، و الجهاد لباس التقوى« فقوله عليه السلام »نعمة« عطف على »باب« أو على »كرامة«. قوله عليه السلام »و هو لباس التقوى« أي به يتّقى في الدّنيا من غلبة

بحارالأنوار ج : 34 ص : 67

الأعادي، و في الآخرة من النار، أو هو يدفع المضارّ عن التقوى و يحرسها، أو عن أهلها بحذف المضاف، و كونه تأويلا لقوله تعالى وَ لِباسُ التَّقْوى يحتاج إلى تكلّف ما. »و درع اللّه« أي درع جعلها اللّه لحفظ عباده. و المراد درع الحديد و هي مؤنثة و قد تذكّر. و »الحصينة« الواقية. و الجنّة بالضم. كلّ ما وقاك و استترت به. و الوثيقة المحكمة. »فمن تركه« في الكافي »رغبة عنه« أي كراهة له بغير علّة. ]قوله عليه السلام[ »لباس الذلّ« الإضافة للبيان. قوله عليه السلام »و شمله البلاء« ربما يقرأ بالتاء و هي كساء يغطى به، و الفعل أظهر كما هو المضبوط. قوله عليه السلام »و ديّث بالصّغار« أي ذلّل كما مرّ و الصّغار الذلّ و الضّيم. و القماء ممدودا الذّلّ و الصّغار. و رواه الراوندي مقصورا و هو غير معروف. و في الكافي »القماءة«. قوله عليه السلام »و ضرب على قلبه بالإسداد« قال الفيروزآبادي و ضربت عليه بالسّداد سدّت عليه الطرق، و عميت عليه مذاهبه. و في بعض النسخ »بالإسهاب«، يقال أسهب الرجل على البناء للمفعول إذا ذهب عقله من أذى يلحقه. »و أديل الحقّ منه« أي يغلب الحقّ عليه فيصيبه الوبال لترك الحق كقوله ]عليه السلام[ في الصحيفة ]السجّادية[ »أدل لنا و لا تدل منا«. و الإدالة الغلبة. و الباء في قوله بتضييع الجهاد للسّببية.

 و قال في ]مادة خسف من[ النهاية في حديث عليّ عليه السلام »من ترك الجهاد ألبسه اللّه الذلّ و سيم الخسف«

الخسف النقصان و الهوان و أصله أن تحبس الدّابّة على غير علف، ثم استعير موضع الهوان. و سيم كلّف و ألزم. بحارالأنوار ج : 34 ص : 68»و منع النصف« أي لا يتمكن من الانتصاف و الانتقام. و عقر الشي‏ء أصله و وسطه. و تواكل القوم اتّكل بعضهم بعضا و ترك الأمر إليه. و تخاذلوا، أي خذل بعضهم بعضا. ]قوله عليه السلام[ »و شنّت« أي فرقّت. قال ابن أبي الحديد ما كان من ذلك متفرّقا نحو إرسال الماء على الوجه دفعة بعد دفعة فهو بالشين المعجمة، و ما كان إرسالا غير متفرّق فبالسّين المهملة. و كلمة »على« في »ملكت عليكم« تفيد الاستعلاء بالقهر و الغلبة، أي أخذوا الأوطان منكم بالقهر. »و أخو غامد« هو سفيان بن عوف الغامدي. »و الأنبار« بلد قديم من بلاد العراق. و حسّان من أصحابه عليه السلام كان و الياء عليه. و المسالح جمع المسلحة و هي الحدود التي يرتب فيها ذوو الأسلحة لدفع العدوّ كالثغر. و الحجل بكسر الحاء و فتحها الخلخال. و القلب بالضم السوار المصمت. و الرعاث جمع رعثة بفتح الراء و سكون العين و فتحها و هي القرط. و الرعاث أيضا ضرب من الحلي و الخرز. و الاسترجاع قول إنّا للّه و إنّا إليه راجعون و قيل ترديد الصوت في البكاء. و الاسترحام مناشدة الرحم، أي قول أنشدك اللّه و الرحم. و قيل طلب الرحم و هو بعيد. بحارالأنوار ج : 34 ص : 69قوله عليه السلام »وافرين« أي تامّين، يقال وفر الشي‏ء أي تمّ. و وفّرت الشي‏ء أي أتممته. و في رواية المبرّد »موفورين« بمعناه. و الكلم الجراحة. قوله عليه السلام »فيا عجبا« أصله يا عجبي، أي احضر هذا أوانك. »و عجبا« منصوب بالمصدريّة، أي أيّها الناس، تعجّبوا منهم عجبا. و القسم معترض بين الصفة و الموصوف. و »الترح« محركة ضدّ الفرح. »و حمارة القيظ« بتشديد الرّاء شدّة حرّه و ربّما خفّفت للضّرورة في الشعر. »و صبارة الشتاء« بتشديد الرّاء شدّة برده. و في القاموس تسبّخ الحرّ فتر و سكن كسبخ تسبيخا. و الحلوم جمع الحلم بالكسر و هو الإناءة و العقل. و »ربات الحجال« النساء، أي صواحبها أو اللاتي ربين فيها. و في بعض النسخ بنصب »الحلوم و العقول« ففي الكلام تقدير، أي يا ذوي حلوم الأطفال، و ذوي عقول النساء. و في بعضها بضمها أي حلومكم حلوم الأطفال، و عقولكم عقول النساء. قوله عليه السلام »معرفة« يمكن أن يكون فعله محذوفا، أي عرفتكم معرفة. »أعقب ذمّا« أي ذمي أياكم أو أياها. و في بعض النسخ »سدما« و هو بالتحريك الهم أو مع ندم أو غيظ. و »مقاتلة اللّه« كناية عن اللعن و الإبعاد. و »القيح« الصديد بلا دم. قوله عليه السلام »و شحنتم« أي ملأتم. و »النغب« جمع نغبة و هي الجرعة. و »التهمام« بفتح التاء الهمّ. »أنفاسا« أي جرعة جرعة. قوله عليه السلام »للّه أبوهم« كلمة مدح، و لعلّها استعملت هنا للتعجب. و »المراس« بالكسر العلاج. و الضمائر الثلاثة للحرب و هي مؤنّثة و قد بحارالأنوار ج : 34 ص : 70تذكر. قوله عليه السلام »ذرفت« بتشديد الراء أي زدت.

[933-  نهج و[ من خطبة له عليه السلام أيّها الناس المجتمعة أبدانهم، المختلفة أهواؤهم كلامكم يوهي الصمّ الصلاب، و فعلكم يطمع فيكم الأعداء. تقولون في المجالس كيت و كيت، فإذا جاء القتال قلتم حيدي حياد. ما عزّت دعوة من دعاكم، و لا استراح قلب من قاساكم. أعاليل بأضاليل دفاع ذي الدّين المطول. لا يمنع الضيم الذليل، و لا يدرك الحق إلّا بالجدّ. أي دار بعد داركم تمنعون و مع أي إمام بعدي تقاتلون المغرور و اللّه من غررتموه و من فاز بكم ]فقد[ فاز ]و اللّه[ بالسّهم الأخيب، و من رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل. أصبحت و اللّه لا أصدّق قولكم، و لا أطمع في نصركم، و لا أوعد العدوّ بكم. ما بالكم ما دواؤكم ما طبّكم القوم رجال أمثالكم. أ قولا بغير علم و غفلة من غير ورع و طمعا في غير حقّ

 شا ]و[ من كلامه عليه السلام في استبطاء من قعد عن نصرته أيّها الناس المجتمعة أبدانهم ]و ساق الخطبة الشريفة[ إلى قوله و فعلكم بحارالأنوار ج : 34 ص : 71يطمع فيكم عدوّكم المرتاب«. ]ثمّ ساقها[ إلى قوله »سألتموني التأخير دفاع ذي الدين«. ]ثم ساق الكلام[ إلى قوله »أطمع في نصرتكم فرّق اللّه بيني و بينكم، و أبدلني بكم من هو خير لي منكم. و اللّه لوددت أنّ لي بكلّ عشرة منكم رجلا من بني فراس بن غنم، صرف الدينار بالدرهم.

بيان قال الشرّاح لمّا سمع معاوية اختلاف النّاس على عليّ عليه السلام، و تفرّقهم عنه، و قتله من قتل من الخوارج، بعث الضّحاك بن قيس في أربعة آلاف و أوعز إليه بالنّهب و الغارة، فأقبل ]الضّحاك[ يقتل و ينهب حتّى مرّ بالثّعلبية و أغار على الحاجّ، فأخذ أمتعتهم، و قتل عمرو بن عميس بن مسعود صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و قتل معه ناسا من أصحابه، فلمّا بلغ ذلك عليّا عليه السلام، استصرخ أصحابه و استشارهم إلى لقاء العدوّ، فتلكّئوا و رأى منهم فشلا، فخطبهم بهذه الخطبة. و الوهي الضّعف. و هي الحجر و السّقاء كوقي أي انشقّ. و أوهاه شقّه. و الصمّ و الصلاب من أوصاف الحجارة. و الصّخرة الصّمّاء التي ليس فيها صدع و لا خرق. و »كيت و كيت« كناية عن القول. قوله عليه السلام »حيدي حياد« قال ابن أبي الحديد هي كلمة يقولها الهارب الفارّ، و هي نظير قولهم فيحي فياح أي اتّسعي. و قال ابن ميثم حياد اسم للغارة، و المعنى اعدلي عنّا أيّتها الحرب. و يحتمل أن يكون حياد من أسماء الأفعال كنزال فيكون قد أمر بالتّنحّي مرّتين بلفظين مختلفين. بحارالأنوار ج : 34 ص : 72أقول قسم السّيّد الرّضي رحمه اللّه صيغة »فعال« المبنيّ إلى أربعة أقسام، و عدّ منها ما كانت صفة للمؤنّث غير لازمة للنداء، و عدّ من هذا القسم »حياد و فياح« و قال ]معنى[ حيدي حياد أي ارجعي يا راجعة. و جعل حذف حرف النّداء عن »حياد« و أمثالها دليلا على أنّها أعلام للأجناس، و حينئذ لا يكون »حياد« اسما للغارة و لا بمعنى الأمر، و هي و أمثالها مبنيّة على الكسر. و العزّة الغلبة و الشدّة و في الإسناد إلى الدّعوة توسّع. ]قوله عليه السلام[ »و لا استراح« أي ما وجد الراحة. و »قاساه« كابده. و الباء في قوله عليه السلام »بأضاليل« متعلّقة ب »أعاليل« أي يتعلّلون بالأضاليل الّتي لا جدوى لها. و قال ابن ميثم رحمه اللّه »أعاليل و أضاليل« جمع أعلال و أضلال، و هما جمع علّة اسم ما يتعلّل به من مرض و غيره. و ضلّة اسم الضّلال و هو خبر مبتدإ محذوف، أي إذا دعوتكم إلى القتال تعلّلتم، و هي أعاليل باطلة ضلّة عن سبيل اللّه. قوله عليه السلام »دفاع« قال ابن ميثم يحتمل أن يكون تشبيها لدفاعهم بدفاع ذي الدين المطول، فيكون منصوبا بحذف الجار. و يحتمل أن يكون استعارة لدفاعهم ليكون مرفوعا. و »المطول« كثير المطال، و هو تطويل الوعد و تسويفه. و »الضيم« الظلم. قوله عليه السلام »أيّ دار بعد داركم« أي دار الإسلام أو العراق، أي إذا أخرجكم العدوّ عن دياركم و مساكنكم فعن أيّ دار أو في أيّ دار تمنعونهم و في بعض النسخ »تمتّعون« على التفعّل بحذف إحدى التاءين، أي بأيّ دار تنتفعون. بحارالأنوار ج : 34 ص : 73]قوله عليه السلام[ »المغرور« أي الكامل الغرور. أو ليس المغرور إلّا من غرّرتموه. و التّعبير عن الابتلاء بهم بالفوز على التهكّم. و قال ابن ميثم و »الأخيب« أشدّ خيبة و هي الحرمان. و »السهم الأخيب« الّتي لا غنم لها في الميسر، كالثلاثة المسماة بالأوغاد، أو التي فيها غرم، كالّتي لم تخرج حتّى استوفيت أجزاء الجزور فحصل لصاحبها غرم و خيبة. و يكون إطلاق الفوز على حصولها مجازا من باب إطلاق أحد الضّدّين على الآخر. و »الأفوق« السهم المكسور الفوق و هو موضع الوتر منه. و »الناصل« الذي لا نصل فيه. و الإيعاد و الوعيد في الشّر غالبا كالوعد و العدة في الخير. و عدم الإيعاد إمّا لعدم الطمع في نصرهم، أو لعدم خوف العدوّ منهم. و البال الحال و الشأن. قوله عليه السلام »ما طبّكم« أي ما علاجكم. و قيل أي ما عادتكم. قوله عليه السّلام »أ قولا بغير علم« نصب المصادر بالأفعال المقدّرة و قولهم بغير علم ]هو[ قولهم »إنّا نفعل بالخصوم كذا و كذا« مع أنّه لم يكن في قلوبهم إرادة الحرب، أو دعواهم الإيمان و الطاعة مع عدم الإطاعة، فكأنّهم لا يذعنون بما يقولون. و في بعض النسخ »]أ قولا[ بغير عمل« و هو أظهر. و »غفلة« أي عمّا يصلحكم. »من غير ورع« يحجزكم عن محارم اللّه و ينبّهكم عن الغفلة. و في بعض النسخ »و عفّة من غير ورع، و طمعا في غير حقّ« ]و[ لعلّه عليه السّلام كان علم أنّ سبب تسويف بعضهم، ]هو[ طمعهم في أن يعطيهم زيادة على ما يستحقّونه كما فعل معاوية و الخلفاء قبله. بحارالأنوار ج : 34 ص : 74

 نهج ]و[ من خطبة له عليه السلام في استنفار النّاس إلى أهل الشّام أفّ لكم لقد سئمت عتابكم. أ رضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة عوضا و بالذّلّ من العزّ خلفا إذا دعوتكم إلى جهاد عدوّكم دارت أعينكم كأنّكم من الموت في غمرة، و من الذهول في سكرة. يرتج عليكم حواري فتعمهون فكأنّ قلوبكم مألوسة، فأنتم لا تعقلون. ما أنتم لي بثقة سجيس اللّيالي، و ما أنتم بركن يمال بكم و لا زوافر عزّ يفتقر إليكم. ما أنتم إلّا كإبل ضلّ رعاتها، فكلّما جمعت من جانب انتشرت من آخر. لبئس لعمر اللّه سعر نار الحرب أنتم تكادون و لا تكيدون، و تنتقص أطرافكم فلا تمتعضون. لا ينام عنكم و أنتم في غفلة ساهون ]لاهون »خ«[ غلب و اللّه المتخاذلون. و ايم اللّه، إنّي لأظنّ بكم أن لو حمس الوغى، و استحرّ الموت، قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج الرأس من الجسد. و اللّه إن امرأ يمكّن عدوّه من نفسه، يعرق لحمه، و يهشم عظمه، و يفري جلده، لعظيم عجزه، ضعيف ما ضمّت عليه جوانح صدره، أنت فكن ذاك إن شئت، فأمّا أنا فو اللّه دون أن أعطي ذلك ضرب بالمشرفيّة يطير منه فراش الهام، و تطيح السّواعد و الأقدام، وَ يَفْعَلُ اللَّهُ بعد ذلك ما يَشاءُ. أيّها النّاس إنّ لي عليكم حقّا، و لكم عليّ حقّ. فأمّا حقّكم ]علّي[ فالنّصيحة لكم، و توفير فيئكم عليكم، و تعليمكم كيلا تجهلوا، و تأديبكم كيما تعلموا ]تعلموا »خ«[. و أمّا حقّي عليكم، فالوفاء بالبيعة، و النّصيحة في المشهد و المغيب، و الإجابة حين أدعوكم، و الطاعة حين آمركم.

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 75بيان روي أنّه عليه السلام خطب بهذه الخطبة بعد فراغه من أمر الخوارج، بالنهروان فحمد اللّه و أثنى عليه و قال أمّا بعد فإنّ اللّه تعالى قد أحسن نصركم، فتوجّهوا من فوركم هذا إلى عدوّكم من أهل الشام. فقالوا له قد نفدت نبالنا، و كلّت سيوفنا، ارجع بنا إلى مصرنا لنصلح عدّتنا، و لعلّ أمير المؤمنين يزيد في عددنا مثل من هلك منّا لنستعين به. فأجابهم يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَ لا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ. فتلكّئوا عليه و قالوا إنّ البرد شديد. فقال ]لهم[ إنّهم يجدون البرد كما تجدون، ثمّ تلا قوله تعالى قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ و إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَ رَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ. فقام ناس منهم و اعتذروا بكثرة الجراح في الناس، و طلبوا ]منه[ أن يرجع بهم إلى الكوفة أيّاما ثمّ يخرج ]بهم[. فرجع بهم غير راض ]بما اقترحوا[ و أنزلهم النخيلة، و أمرهم أن يلزموا معسكرهم، و يقلّوا زيارة أهلهم، فلم يقبلوا و دخلوا الكوفة حتّى لم يبق معه إلّا قليل، فلما رأى ذلك دخل الكوفة فخطب النّاس فقال أيّها الناس استعدوا لقتال عدوّ في جهادهم القربة إلى اللّه، و درك الوسيلة عنده، قوم حيارى عن الحقّ لا يبصرونه، موزعين بالجور و الظّلم لا يعدلون به، و جفاة عن الكتاب، نكب عن الدّين، يعمهون في الطّغيان، و يتسكّعون في غمرة الضّلالة، ف أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ، بحارالأنوار ج : 34 ص : 76و توكّلوا على اللّه وَ كَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا. فتركهم أيّاما ثمّ خطبهم بهذه الخطبة.

و »أفّ« بالضمّ و التّشديد و التّنوين كلمة تضجّر و تكرّه، و لغاتها أربعون، منها كسر الفاء كما في بعض النّسخ. و ]قوله عليه السلام[ »عوضا« و »خلفا« نصبهما على التّميز. و دوران أعينهم إمّا للخوف من العدوّ، أو للحيرة و التّردّد بين مخالفته عليه السلام و الإقدام على الحرب، و في كليهما خطر عندهم. و الغمرة الشّدّة. و غمرات الموت سكراته الّتي يغمر فيها العقل. و السكر بالفتح ضدّ الصّحو، و الاسم بالضّمّ. و سكرة الموت شدّته و غشيته. و في الكلام إشارة إلى قوله تعالى ]فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ[ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ. »يرتج عليكم حواري« أي يغلق عليكم محاورتي و مخاطبتي. و الألس الجنون و اختلاط العقل، يقال ألس فهو مألوس. ]و[ »سجيس اللّيالي« كلمة يقال للأبد، تقول لا أفعله سجيس الليالي، أي أبدا. ]و[ »يمال بكم« أي يستند إليكم و يمال بكم إلى العدوّ، أو الباء بمعنى إلى. و زوافر الرجل أنصاره و عشيرته. و زفرت الحمل حملته. و ]لفظة[ »زوافر« في أكثر النسخ بالجرّ عطفا على المجرور. و في بعضها بالنّصب عطفا على الظّرف. بحارالأنوار ج : 34 ص : 77و الإبل اسم للجمع. ]و[ »ضلّ رعاتها« أي ضاع و فقد من يعلم حالها و الحيلة في جمعها، أو لم يهتد من يرعاها إلى طريق جمعها. »لبئس لعمر اللّه« اللّام جواب القسم، و التكرير للتأكيد، و العمر بالفتح العمر هو قسم ببقاء اللّه. و السعر اسم جمع لساعر، و إسعار النّار و سعرها إيقادها. و الامتعاض الغضب. و »ايم« مخفّف أيمن. و هو جمع يمين، أي ايم اللّه قسمي. و »حمس« كفرح اشتدّ. و »الوغى« الأصوات و الجلبة، و منه قيل للحرب وغى. و »استحرّ الموت« أي اشتدّ و كثر. ]قوله عليه السلام[ »قد انفرجتم« أي تفرّقتم. و انفراج الرأس مثل لشدّة التّفرّق. قيل أوّل من تكلم به أكثم بن ضيفي في وصيّة له ]لبنيه قال[ يا بنيّ لا تنفرجوا عند الشدائد انفراج الرأس فإنّكم بعد ذلك لا تجتمعون على عزّ. و في معناه أقوال الأوّل قال ابن دريد معناه أنّ الرأس إذا انفرج عند البدن لا يعود إليه. الثاني قال المفضل الرأس اسم رجل تنسب إليه قرية من قرى الشّام يقال لها بيت الرأس، و فيها تباع الخمر، و هذا الرجل قد انفرج عن قومه و مكانه فلم يعد فضرب به المثل. الثالث قال بعضهم معناه أنّ الرأس إذا انفرج بعض عظامه عن بعض، كان بعيدا عن الالتئام و العود إلى الصحّة. الرابع قيل معناه انفرجتم عنّي رأسا. و ردّ بأنّ »رأسا« لا يعرّف. بحارالأنوار ج : 34 ص : 78الخامس قيل المعنى انفراج رأس من أدنى رأسه إلى غيره ثمّ حرف رأسه عنه. السادس قيل الرأس الرجل العزيز لأنّ الأعزّاء لا يبالون بمفارقة أحد. السابع معناه انفراج المرأة عن رأس ولدها حالة الوضع، فإنّه في غاية الشّدّة ]و[ نحوه قوله عليه السّلام في موضع آخر »انفراج المرأة عن قبلها«. و بعده واضح. و عرق اللّحم كنصر أكله و لم يبق منه على العظم شيئا. و هشم العظم كضرب كسره. و فريت الشي‏ء قطعته. و »الجوانح« الأضلاع الّتي تحت التّرائب، و هي ممّا يلي الصدر كالضلوع ممّا يلي الظّهر. »و ما ضمّت عليه« هو القلب. و المذكورات كنايات عن النهب و الأسر و الاستئصال و أنواع الضّرر. قوله عليه السلام »فكن ذاك إن شئت« قال ابن أبي الحديد خاطب من يمكّن عدوّه من نفسه خطابا عاما، لكن الرّواية وردت بأنّه عليه السّلام خاطب بذلك الأشعث بن قيس، فإنّه قال لعليّ عليه السلام حين ]كان[ يلوم الناس على تقاعدهم ]عنه[ »هلّا فعلت فعل ابن عفّان«. فقال »إنّ فعل ابن عفّان مخزاة على من لا دين له و لا وثيقة معه، إنّ امرأ مكن عدوّه من نفسه، يهشم عظمه، و يفري جلده لضعيف رأيه، مأفون عقله، فكن ذاك إن أحببت. فأمّا أنا فدون أن أعطي ذاك ضرب بالمشرفيّة« إلى آخر الفصل. انتهى. أقول سيأتي تمام القول برواية المفيد. ]قوله عليه السلام[ »فأمّا أنا فو اللّه« الظاهر أنّ خبر »أنا« الجملة التي خبرها »دون«، و المبتدأ ]هو قوله[ »ضرب«. و ]قوله[ »ذلك« إشارة إلى تمكين العدوّ، أو فعل ما فعله عثمان. بحارالأنوار ج : 34 ص : 79و المشرفيّة بفتح الميم و الراء سيوف منسوبة إلى مشارف اليمن. و فراش الهام العظام الرقيقة تلي القحف. و طاح يطيح أي سقط. و أوزعه بالشّي‏ء أغراه. و سكع كمنع و فرح مشى مشيا متعسفا لا يدري أين يأخذ من بلاد اللّه و تحيّر كتسكّع. ]قوله عليه السلام[ »كيلا تجهلوا« أي ]كي لا[ تبقوا على الجهالة.

937-  نهج و من كلام له عليه السّلام في ذمّ أصحابه كم أداريكم كما تداري البكار العمدة، و الثّياب المتداعية، كلّما حيصت من جانب، تهتّكت من أخرى. أ كلّما أظلّ عليكم منسر من مناسر أهل الشّام، أغلق كلّ رجل منكم بابه، و انجحر انجحار الضّبة في جحرها، و الضبّع في وجارها، الذّليل و اللّه من نصرتموه، و من رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل. إنكم و اللّه لكثير في الباحات، قليل تحت الرّايات. و إنّي لعالم بما يصلحكم و يقيم أودكم، و لكنّي لا أرى إصلاحكم بإفساد نفسي، أضرع اللّه خدودكم، و أتعس جدودكم، لا تعرفون الحقّ كمعرفتكم الباطل، و لا تبطلون الباطل كإبطالكم الحقّ. و قال عليه السلام في سحرة اليوم الذي ضرب فيه ملكتني عيني و أنا جالس، فسنح لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقلت يا رسول اللّه ما ذا لقيت من أمّتك من الأود و اللّدد. فقال »ادع عليهم«. فقلت أبدلني اللّه بهم خيرا لي منهم، و أبدلهم بي شرّا لهم منّي.

قال السيّد ]الرضيّ[ رضي اللّه عنه يعني عليه السلام ب »الأود« الاعوجاج، و ب »اللدد« الخصام. و هذا من أفصح الكلام. إيضاح البكار بالكسر، جمع بكر بالفتح، و هو الفتي من الإبل. بحارالأنوار ج : 34 ص : 80و العمدة بكسر الميم من العمد ]و هو[ الورم و الدبر. و قيل العمدة الّتي كسرها ثقل حملها. و قيل الّتي قد انشدخت أسنمتها من داخل و ظاهرها صحيح. و الثّياب المتداعية الخلقة التي تنخرق، فكأنّه يدعو الباقي إلى الانخراق. و حاص الثّوب يحوصه حوصا خاطه. و تهتّكت أي تخرّقت. و »أظلّ عليكم« أي أقبل إليكم و دنا منكم. و في بعض النّسخ »]أطلّ عليكم[« بالمهملة أي أشرف. و المنسر كمجلس و كمنبر القطعة من الجيش تمر قدّام الجيش الكثير. و الجحر بالضمّ كلّ شي‏ء يحتفره السبّاع و الهوامّ لأنفسها. و جحر الضّبّ كمنع أي دخله. و جحره غيره أدخله فانجحر و تجحّر و كذلك أجحره. و الضّبع مؤنّثة و وجارها بالكسر جحرها. و الأفوق المكسور الفوق و النّاصل النزوع النصل. و الباحة الساحة. و الراية العلم. و الأود بالتحريك العوج. و المراد يصلحهم إقامة مراسم السّياسة ]فيهم[ من القتل و التعذيب و الحيل و التدابير المخالفة لأمر اللّه تعالى. و الضراعة الذّلّ و الاستكانة. و التّعس الهلاك و الانحطاط. و الجدّ البخت و الحظّ. و الغرض، الدعاء عليهم بالخزي و الخيبة. قوله عليه السلام »لا تعرفون الحقّ« المراد بالحقّ إمّا أوامر اللّه تعالى، أو أمور الآخرة. و بالباطل زخارف الدّنيا. أو الحقّ متابعته عليه السّلام و نصره. و الباطل عصيانه و ترك نصرته. أو الحق الدّلائل الدّالّة على فرض طاعته، و الباطل الشّبه الفاسدة، كشبهتهم في خطر قتال أهل القبلة. و ]المراد ب[ المعرفة إمّا العلم أو العمل بما يقتضيه من نصرة الحقّ و إنكار المنكر. و السحرة بالضمّ السحر الأعلى. و ملك العين كناية عن غلبة النّوم. و »سنح لي« أي رأيته في المنام، أو مرّ بي معترضا. بحارالأنوار ج : 34 ص : 81و بناء التّفضيل في ]قوله عليه السلام[ »شرا« على اعتقاد القوم، فإنّهم لمّا لم يطيعوه حقّ الطاعة، فكأنّهم زعموا فيه شرا.

 نهج من كلام له عليه السّلام »و لئن أمهل اللّه الظّالم، فلن يفوت أخذه، و هو له بالمرصاد على مجاز طريقه، و بموضع الشّجا من مساغ ريقه. أما و الّذي نفسي بيده، ليظهرنّ هؤلاء القوم عليكم، ليس لأنّهم أولى بالحقّ منكم، و لكن لإسراعهم إلى باطل صاحبهم، و إبطائكم عن حقّي. و لقد أصبحت الأمم تخاف ظلم رعاتها، و أصبحت أخاف ظلم رعيّتي. استنفرتكم للجهاد فلم تنفروا، و أسمعتكم فلم تسمعوا، و دعوتكم سرّا و جهرا فلم تستجيبوا، و نصحت لكم فلم تقبلوا، أ شهود كغيّاب و عبيد كأرباب أتلو عليكم الحكم فتنفرون منها، و أعظكم بالموعظة البالغة فتتفرّقون عنها، و أحثّكم على جهاد أهل البغي فما آتي على آخر قولي حتّى أراكم متفرّقين أيادي سبا، ترجعون إلى مجالسكم و تتخادعون عن مواعظكم، أقوّمكم غدوة و ترجعون إليّ عشيّة كظهر الحنيّة ]الحيّة »خ«[ عجز المقوّم و أعضل المقوّم. أيّها الشاهدة أبدانهم، الغائبة عنهم عقولهم، المختلفة أهواؤهم، المبتلى بهم أمراؤهم صاحبكم يطيع اللّه و أنتم تعصونه، و صاحب أهل الشام يعصي اللّه و هم يطيعونه لوددت و اللّه أنّ معاوية صارفني بكم صرف الدّينار بالدرهم، فأخذ منّي عشرة منكم و أعطاني رجلا منهم. يا أهل الكوفة، منيت منكم بثلاث و اثنتين صمّ ذوو أسماع، و بكم ذوو كلام، و عمي ذوو أبصار، لا أحرار صدق عند اللّقاء و لا إخوان ثقة عند البلاء. تربت أيديكم يا أشباه الإبل غاب عنها رعاتها كلّما جمعت من جانب بحارالأنوار ج : 34 ص : 82تفرّقت من جانب ]آخر[، و اللّه لكأنّي بكم فيما إخال لو حمس الوغى، و حمي الضّراب قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج المرأة عن قبلها. و إنّي لعلى بيّنة من ربّي، و منهاج من نبيّي، و إنّي لعلى الطريق الواضح ألقطه لقطا. انظروا أهل بيت نبيكم فالزموا سمتهم، و اتّبعوا أثرهم، فلن يخرجوكم من هدى و لن يعيدوكم في ردى، فإن لبدوا فالبدوا، و إن نهضوا فانهضوا، و لا تسبقوهم فتضلّوا، و لا تتأخّروا عنهم فتهلكوا. لقد رأيت أصحاب محمد صلّى اللّه عليه و آله فما أرى أحدا منكم يشبههم، لقد كانوا يصبحون شعثا غبرا، ]و[ قد باتوا سجّدا و قياما، يراوحون بين جباههم و خدودهم، و يقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم، كأنّ بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم، إذا ذكر اللّه سبحانه هملت أعينهم حتّى تبلّ جيوبهم، و مادوا كما يميد الشّجر يوم الرّيح العاصف، خوفا من العقاب، و رجاء الثواب.

تبيان ]قوله عليه السّلام[ »فلن يفوت« المفعول محذوف أي فلن يفوته. و الأخذ التّناول و العقوبة. و المرصاد الطريق يرصد بها. و الشّجا ما ينشب في الحلق من عظم و غيره، و موضع الشجا هو الحلق. و مساغ ريقه موضع إساغته. و ساغ الشراب سهل مدخله في الحلق. و سغت الشراب يتعدّى و لا يتعدّى. و هذا ]الكلام منه عليه السلام[ إمّا تهديد لأهل الشام أو لأصحابه، كما سيأتي من نسبة الظلم إليهم. و ظهر عليه غلبه و راعي القوم من ولي عليهم. و الاستنفار. الاستنجاد و الاستنصار أو طلب النفور و الإسراع إلى القتال. قوله عليه السّلام »و عبيد كأرباب« أي أخلاقكم أخلاق العبيد من بحارالأنوار ج : 34 ص : 83الخلاف و النفاق و دناءة الأنفس، و فيكم مع ذلك كبر السّادات و تيههم و عدم إطاعتهم، أو حكمكم حكم العبيد في وجوب الإطاعة و تأبون عنها كالسّادة. و هذا أنسب بالفقرة السابقة. و »أيادي سبا« مثل يضرب للمتفرّقين، و أصله قوله تعالى عن أهل سبإ وَ مَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ و سبأ مهموز يصرف و لا يصرف، و يمدّ و لا يمدّ، و هو بلدة »بلقيس« و لقب ابن يشجب بن يعرب يقال ذهبوا أيدي سبا و أيادي سبا الياء ساكنة و كذلك الألف هكذا نقل المثل أي متفرّقين، و هما اسمان جعلا واحدا، مثل معديكرب ضرب المثل بهم لأنّهم لمّا غرق مكانهم و ذهبت جنّاتهم تبدّدوا في البلاد، و لهم قصّة غريبة مذكورة في كتب الأمثال. قوله عليه السّلام »و تتخادعون« المخادعة هي الاستغفال عن المصلحة، أي إذا رجعتم عن مجلس الوعظ أخذ كلّ منكم يستغفل صاحبه و يشغله بالأحاديث، و إن لم يكن عن قصد خداع بل يقع منهم صورة المخادعة. كذا ذكره ابن ميثم. و قال ابن أبي الحديد تتخادعون عن مواعظكم أي تمسكون عن الاتّعاظ من قولهم كان فلان يعطي ثمّ خدع أي أمسك و أقلع. و يجوز أن يريد تتلوّنون و تختلفون في قبول الوعظ من قولهم خلق فلان خلق خادع أي متلوّن. و سوق خادعة أي متلوّنة مختلفة. و لا يجوز أن يراد المعنى المشهور منها، لأنّه إنّما يقال فلان يتخادع فلانا إذا كان يريد أن ينخدع له و ليس بمنخدع في الحقيقة، و هذا لا يناسب المقام. و الحنيّة على فعلية القوس، أي ترجعون ]إليّ[ معوجّا كاعوجاج ظهر القوس و أعضل و أشكل، و كأنّ غيبة عقولهم كناية عن تركهم العمل بما تقتضيه، أو عن ذهابها. قوله عليه السلام »منيت« أي ابتليت. و إنّما لم يجمع الخمس لكون بحارالأنوار ج : 34 ص : 84الثلاث من جنس، و الاثنتين من ]جنس[ آخر أو لأنّ الثلاث إيجابيّة دون الاثنتين. و الحرّ خلاف العبد و الخيار من كلّ شي‏ء. و اللقاء ملاقات الأحباب أو العدوّ. و قوله ]عليه السلام[ »تربت أيديكم« كلمة يدعى على الإنسان بها أي لا أصبتم خيرا. و أصل »ترب« أصابه التراب، فكأنّه يدعى عليه بأن يفتقر. و قال ]ابن الأثير[ في ]مادة »ترب« من كتاب[ النهاية هذه الكلمة جارية على ألسنة العرب لا يريدون بها الدعاء على المخاطب، و لا وقوع الأمر بها، كما يقولون قاتله اللّه. و قيل معنى للّه درّك. قال و كثيرا ترد للعرب ألفاظ ظاهرها الذمّ و إنّما يريدون بها المدح، كقولهم لا أب لك، و لا أمّ لك. و هوت أمّه. و لا أرض لك. و نحو ذلك. و قال المطرّزي في قولهم »كأنّي بك تنحط« الأصل كأنّي أبصرك تنحط ثمّ حذف الفعل و زيدت الباء. و يحتمل أن يكون الباء متعلّقا بملتصق و نحوه، نحو »به داء« أو بمعنى في. و خال الشي‏ء يخاله أي ظنّه. و تقول خلت إخال بالكسر و بالفتح، لغة بني أسد كما في النسخ، و »ما« مصدريّة، أي في ظنّي. و حمس كفرح أي اشتدّ. و حمي كرضي اشتدّ حرّه. و انفرجتم تفرّقتم. قال ابن ميثم شبّه انفراجهم عنه بانفراج المرأة عن قبلها ليرجعوا إلى الأنفة، و تسليم المرأة قبلها و انفراجها عنه إمّا وقت الولادة، أو وقت الطّعان. قوله ]عليه السّلام[ »ألقطه« كأنّه إشارة إلى أنّ الضّلال غالب على الهدى، فيحتاج السالك إلى التقاط طريق الهدى من بين طرق الضّلالة. و في

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 85بعض النسخ »ألفظه لفظا« أي أبيّنه بيانا. و السمت الجهة و الطريق و هيئة أهل الخير. »فإن لبدوا« أي قعدوا عن طلب الخلافة و الجهاد و لزموا البيوت فتابعوهم، و إن قاموا بها فانصروهم، يقال لبد الشي‏ء بالأرض كنصر أي التصق بها. ]و قوله عليه السّلام[ »و لا تسبقوهم« أي ما لم يأمروكم به. »و لا تتأخّروا عنهم« أي لا تخالفوهم فيما يأمرونكم به. ]قوله عليه السلام[ »يراوحون« أي يسجدون بالجبهة مرّة و بالخدود أخرى، و وقوفهم على مثل الجمر ]و هو[ جمع جمرة و هي النار المتّقدة كناية عن قلقهم و اضطرابهم من خوف المعاد. و »المعزى« بالكسر خلاف الضأن كالمعز. و المراد ب »بين أعينهم« جباههم مجازا. ]و[ »هملت« أي سالت. و »مادوا« أي تحرّكوا و اضطربوا.

 نهج و من كلام له عليه السّلام في ذمّ ]العصاة من[ أصحابه أحمد اللّه على ما قضى من أمر، و قدّر من فعل، و على ابتلائي بكم أيّتها الفرقة الّتي إذا أمرت لم تطع، و إذا دعوت لم تجب، إن أمهلتم ]أهملتم[ خضتم، و إن حوربتم خرتم، و إن اجتمع النّاس على إمام طعنتم، و إن أجبتم ]أجئتم »خ ل«[ إلى مشاقّة نكصتم، لا أبا لغيركم ما تنتظرون بنصركم، و الجهاد على حقّكم الموت أو الذّلّ لكم فو اللّه لئن جاء يومي و ليأتيني ليفرّقن بيني و بينكم، و أنا لصحبتكم قال، و بكم غير كثير. بحارالأنوار ج : 34 ص : 86للّه أنتم أ ما دين يجمعكم، و لا محمية تشحذكم أ و ليس عجبا أنّ معاوية يدعو الجفاة الطغام فيتّبعونه على غير معونة و لا عطاء، و أنا أدعوكم و أنتم تريكة الإسلام و بقيّة الناس إلى المعونة أو طائفة من العطاء، فتفرّقون عنّي و تختلفون عليّ إنّه لا يخرج إليكم من أمري رضي فترضونه، و لا سخط فتجتمعون عليه، و إنّ أحبّ ما أنا لاق إليّ الموت. قد دارستكم الكتاب، و فاتحتكم الحجاج، و عرّفتكم ما أنكرتم، و سوّغتكم ما مججتم، لو كان الأعمى يلحظ، أو النّائم يستيقظ و أقرب بقوم من الجهل باللّه قائدهم معاوية، و مؤدّبهم ابن النابغة

توضيح ]قوله عليه السّلام[ »على ما قضى من أمر« قيل الأمر أعمّ من أن يكون فعلا، و لمّا كان القدر هو تفصيل القضاء و إيجاد الأشياء على وفقه، قال »و قدّر من فعل«. و الابتلاء الامتحان. و أمهله أي رفق به و أخّره. و في بعض النسخ »]إن[ أهملتم« أي تركتم، »خضتم« أي في الضلالة و الأهواء الباطلة. ]و[ »خرتم« بالخاء من الخور بمعنى الضّعف. أو من خوار الثّور بمعنى الصياح. و يروى ]»جرتم«[ بالجيم، أي عدلتم عن الحقّ أو عن الحرب فرارا. قوله عليه السّلام »أجئتم« قال ابن أبي الحديد بالهمزة الساكنة بعد الجيم المكسورة، أي ألجئتم قال تعالى »فأجاءها المخاض«. و في بعض النسخ »أجبتم« على بناء المعلوم بالباء. و المشاقّة المقاطعة و المصارمة. و النكوص الرجوع إلى ما وراء. قوله عليه السلام »لا أبا لغيركم« قال ابن ميثم أصله لا أب و الألف مزيدة، إمّا لاستثقال توالي أربع حركات، أو لأنّهم قصدوا الإضافة و أتوا باللّام للتأكيد. و في الدعاء بالذلّ لغيرهم نوع تلطّف لهم. بحارالأنوار ج : 34 ص : 87قوله عليه السّلام »الموت أو الذّلّ« في أكثر النّسخ برفعهما، و في بعضها بالنصب. قال ابن أبي الحديد ]و هذا[ دعاء عليهم بأن يصيبهم أحد الأمرين، كأنّه شرع داعيا عليهم بالفناء الكلّي و هو الموت، ثمّ استدرك فقال أو الذلّ لأنّه نظير الموت، و لقد أجيب دعاؤه بالدعوة الثّانية، فإنّ شيعته ذلّوا بعده في الأيّام الأموية. أقول هذا على الرفع ظاهر، و أمّا على النّصب فيحتمل الدعاء أيضا بتقدير أرجو أو أطلب، و يحتمل الاستفهام، أي أ تنتظرون الموت و قيل في قوله عليه السلام »و ليأتينّي« حشوة لطيفة بين الكلام لأنّ لفظة »إن« أكثر ما تستعمل لما لا يعلم حصوله، فأتى بعدها بما يردّ ما تقتضيه من الشكّ في إتيان الموت، و أشعر بأنّ الموضع موضع »إذا«. و القالي المبغض. قوله عليه السّلام »غير كثير« أي لستم سبب كثرة أعواني. و ]قوله عليه السلام[ »للّه أنتم« من قبيل للّه أبوك، و لعلّه هنا للتعجّب على سبيل الذمّ، و يحتمل المدح تلطّفا. و ارتفاع قوله »دين« بفعل مقدّر يفسّرها الفعل المذكور بعده. و شحذت النصل حددته. و الطغام أراذل الناس الواحد و الجمع سواء. و معونة الجند شي‏ء يسير من المال يعطيهم الوالي لترميم أسلحتهم و إصلاح دوابّهم سوى العطاء المفروض في كلّ شهر كما قيل. و منشأ تعجبه عليه السلام أمور أحدها أنّ الداعي لهم معاوية، و لهؤلاء أمير المؤمنين، و كيف يساوي بحارالأنوار ج : 34 ص : 88عاقل بينهما و ثانيها أنّ المدعوّ هناك، الجفاة الطغام مع خلوّهم غالبا عن الحميّة و المروءة، و هاهنا أصحابه الذين هم تريكة الإسلام. و ثالثها أنّ أصحاب معاوية يتّبعونه على غير معونة و لا عطاء، و أصحابه عليه السلام لا يجيبونه إلى المعونة و العطاء، فإنّ معاوية إنّما كان يعطي رؤساء القبائل الأموال الجليلة، و لا يعطي الجند على وجه العطاء و المعونة شيئا، و هم كانوا يطيعون الرؤساء للحميّة أو العطايا من هؤلاء لهم. و التريكة بيضة النعامة تتركها في مجثمها، أي أنتم خلف الإسلام و بقيّته، كالبيضة التي تتركها النّعامة. و قوله ]عليه السّلام[ »إلى المعونة« متعلّق ب ]قوله[ »أدعوكم«.. قوله عليه السلام »لا يخرج إليكم« أي إنكم لا تقبلون مما أقول لكم شيئا، سواء كان مما يرضيكم أو مما يسخطكم. »و إلى« متعلّق بقوله »أحبّ«. و درس الكتاب كنصر و ضرب أي قرأ فقوله »دارستكم الكتاب« أي قرأته عليكم للتعليم، و قرأتم عليّ للتعلّم. قوله عليه السّلام »و فاتحتكم« أي حاكمتكم بالمحاجّة و المجادلة. و ساغ الشّراب في الحلق أي دخل بسهولة. و مججته من فمي أي رميت به أي بينت لكم الأمور الدينيّة ما كنتم تنكرونه بآرائكم، و أعطيتكم من العطايا ما كنتم محرومين منها. و كلمة »لو« في قوله عليه السلام »لو كان« للتمنّي أو الجزاء محذوف. و قوله عليه السلام »و أقرب بقوم« بصيغة التعجّب، أي ما أقربهم إلى الجهل. و قوله عليه السلام »قائدهم معاوية« صفة لقوم، فصل بين الصفة و الموصوف بالجار و المجرور، و هو مجوّز. و ورد مثله في الكلام المجيد. بحارالأنوار ج : 34 ص : 89

 نهج من خطبة له عليه السلام عباد اللّه، إنكم و ما تأملون من هذه الدّنيا أثوياء مؤجّلون، و مدينون مقتضون، أجل منقوص، و عمل محفوظ، فربّ دائب مضيّع و ربّ كادح خاسر. و قد أصبحتم في زمن لا يزداد الخير فيه إلّا إدبارا، و الشرّ فيه إلّا إقبالا، و الشيطان في هلاك النّاس إلّا طمعا، فهذا أوان قويت عدّته، و عمّت مكيدته، و أمكنت فريسته. اضرب بطرفك حيث شئت من الناس، فهل تبصر إلّا فقيرا يكابد فقرا، أو غنيا بدّل نعمة اللّه كفرا، أو بخيلا اتّخذ البخل بحقّ اللّه وفرا، أو متمرّدا كأنّ بأذنه عن سمع المواعظ وقرا أين خياركم و صلحاؤكم و أين أحراركم و سمحاؤكم و أين المتورّعون في مكاسبهم، و المتنزّهون في مذاهبهم أ ليس قد ظعنوا جميعا عن هذه الدّنيا الدنيّة و العاجلة المنغّصة و هل خلّفتم إلّا في حثالة لا تلتقي بذمّهم الشّفتان استصغارا لقدرهم، و ذهابا عن ذكرهم ف إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. ظهر الفساد فلا منكر مغيّر، و لا زاجر مزدجر. أ فبهذا تريدون أن تجاوروا اللّه في دار قدسه، و تكونوا أعزّ أوليائه عنده هيهات لا يخدع اللّه عن جنّته، و لا تنال مرضاته إلّا بطاعته. لعن اللّه الآمرين بالمعروف التّاركين له، و النّاهين عن المنكر العاملين به.

بيان الأثوياء جمع ثوى و هو الضّيف. ]و[ »مؤجّلون« أي مؤخّرون إلى وقت معلوم. و »المدين« المديون. و »المقتضون«. جمع مقتضى على بناء المفعول. بحارالأنوار ج : 34 ص : 90]قوله عليه السلام[ »أجل منقوص« أي أجلكم أجل منقوص يوما بعد يوم، و لحظة فلحظة، و عملكم عمل مفحوظ عند اللّه. و الدائب المجتهد ذو الجدّ و التعب. و »الكادح« الساعي. و »أمكنت« أي أمكنته، يقال أمكنني الأمر أي سهل و تيسّر. و كابده مكابدة أي قاساه و تحمّل المشاقّ فيه. و ذكره في هذا المقام، إمّا لأنّ الغرض بيان ما سبق من إدبار الخير و إقبال الشرّ و عموم الضلال و مقاساة الفقراء بيان للأولين، فالخير و الشرّ يعمّان الدنيويّين و الأخرويّين. و إمّا لأنّ شيوع الفقر لمنع الحقوق الواجبة، أو المراد بمكابدة الفقر ترك الصبر عليه و هو أيضا من المنكرات. ]قوله عليه السلام[ »بدّل نعمة اللّه« أي الغنى. أو ولايته عليه السلام. و التخصيص لشدّة إنكارهم لقوتهم أو الأعمّ. و الوفر المال الكثير. و قوله ]عليه السلام[ »بحقّ اللّه« متعلّق ب ]قوله[ »البخل« أي يعدّ بخله بحقّ اللّه توفير المال و الزيادة فيه. و الوقر ثقل الأذن. »أين أحراركم« أي الّذين أعتقوا من رقّ الشهوات. و التورّع. مبالغة في الورع. و التّنزّه التباعد عن القبيح. و ظعن كمنع أي سار و ارتحل. و أنغص اللّه عليه العيش و نغّصه كدّره و الحثالة الرّدي‏ء من كل شي‏ء. ]قوله عليه السّلام[ »لا تلتقي بذمّهم« أي إنّهم أحقر من أن يشتغل الإنسان بذمّهم لأنّه لا بدّ من الذمّ من إطباق إحدى الشّفتين على الأخرى و »ذهابا« أي ترفّعا يقال فلان ذهب بنفسه عن كذا، أي رفعها عنه. »و لا زاجر مزدجر« أي من يزجر غيره عن القبائح و تمتنع نفسه أيضا عنها. ]قوله[ »في دار قدسه« أي الجنّة لأنّ أهلها يقدّسونه تعالى و هم منزّهون بحارالأنوار ج : 34 ص : 91عن العيوب. و مجاورة اللّه سكون تلك الدّار المنسوبة إليه سبحانه تشريفا. و قربه مجاورة رحمته. »هيهات« أي بعد ما تريدون. »لا يخدع اللّه عن جنّته« أي لا يمكن أخذها منه تعالى بالخديعة. و المرضاة الرّضا. و آخر الكلام يدلّ على اشتراط الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر بالعمل بهما، و سيأتي الكلام فيه في محلّه إن شاء اللّه. و لعلّ غرضه عليه السّلام التّعريض بالسابقين الغاصبين.

 941-  نهج ]و[ من خطبة له عليه السّلام أرسله داعيا إلى الحقّ، و شاهدا على الخلق فبلّغ رسالات ربّه غير وان و لا مقصّر، و جاهد في اللّه أعداءه غير واهن و لا معذّر، ]فهو[ إمام من اتّقى، و بصر من اهتدى. ]و[ منها و لو تعلمون ما أعلم ممّا طوي عنكم غيبه، إذا لخرجتم إلى الصعدات تبكون على أعمالكم، و تلتدمون على أنفسكم، و لتركتم أموالكم لا حارس لها و لا خالف عليها و لهمّت كل امرئ منكم نفسه لا يلتفت إلى غيرها. و لكنكم نسيتم ما ذكرّتم، و أمنتم ما حذّرتم، فتاه عنكم رأيكم و تشتّت عليكم أمركم. لوددت أنّ اللّه فرّق بيني و بينكم، و ألحقني بمن هو أحقّ بي منكم، قوم و اللّه ميامين الرأي، مراجيح الحلم، مقاويل بالحقّ، متاريك للبغي مضوا قدما على الطريقة، و أوجفوا على المحجّة، فظفروا بالعقبى الدّائمة و الكرامة الباردة. أما و اللّه ليسلّطنّ عليكم غلام ثقيف، الذّيال الميّال، يأكل خضرتكم، و يذيب شحمتكم، إيه أبا وذحة

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 92قال السّيّد رحمه اللّه الوذحة الخنفساء، و هذا القول يومئ به إلى الحجاج و له مع الوذحة حديث ليس هذا موضع ذكره. توضيح الواني الفاتر الكال. و الواهن الضّعيف. و المعذّر الذي يعتذر من تقصيره من غير عذر كما قال تعالى » وَ جاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ« [90-  التّوبة 9]. ]قوله عليه السلام[ »مما طوي عنكم« أي كتم و أخفي. و قال ]ابن الأثير[ في ]مادّة »صعد« من كتاب[ النهاية ]و[ فيه »إيّاكم و القعود بالصعدات« هي الطرق، و هي جمع صعد و صعد جمع صعيد كطريق و طرق و طرقات. و قيل جمع صعدة كظلمة، و هي فناء باب الدّار و ممّر النّاس بين يديه. و منه الحديث »و لخرجتم إلى الصّعدات تجأرون إلى اللّه«. و قال ابن أبي الحديد الصعيد التراب. و يقال وجه الأرض. و الجمع صعد و صعدات. و ]قال الفيروزآبادي[ في القاموس الصعيد التراب أو وجه الأرض، و الجمع صعد و صعدات، و الطريق، و منه »إيّاكم و القعود بالصّعدات«. و القبر. انتهى. فالمعنى خرجتم عن البيوت و تركتم الاستراحة و الجلوس على الفرش، للقلق و الانزعاج، و جلستم في الطّريق أو على التراب أو لازمتم القبور. و الالتدام ضرب النّساء وجوههنّ في النّياحة. قوله عليه السلام »و لا خالف« أي و لا مستخلف عليها. قوله عليه السلام »و لهمّت« قال ابن أبي الحديد أي أذابته و أنحلته من ]قولهم[ هممت الشحم أي أذبته. بحارالأنوار ج : 34 ص : 93و يروى »و لأهمّت« و هو أصحّ من ]قولهم[ أهمّني الأمر أي أحزنني. و فيه نظر لأنّ »همّ« أيضا يكون بمعنى »أهمّ«. قال ]الفيروزآبادي[ في القاموس همّه الأمر همّا حزنه، كأهمّه فاهتمّ انتهى. و ]كلمة[ »كلّ« منصوب على المفعولية و الفاعل ]لفظة[ »نفسه«. و يقال تاه فلان يتيه، إذا تحيّر و ضلّ. و تاه يتوه أي هلك و اضطرب عقله. و تشتّت أي تفرّق. و المراد بمن هو أحقّ به عليه السّلام ]هو[ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و حمزة و جعفر، و من لم يفارق الحق من الصحابة. و المراجيح الحكماء. و قال الجوهري راجحته فرجحته أي كنت أرزن منه، و منه قوم مراجيح الحلم. انتهى. و المقاويل جمع مقوال أي حسن القول أو كثيره. و المتاريك جمع متراك أي كثير الترك. قوله عليه السلام »مضوا قدما« بالضمّ و بضمّتين أي متقدّمين لا ينثنون. و »أوجفوا« أي أسرعوا. و »الكرامة الباردة« ]هي[ الّتي ليس فيها حرّ تعب، و لا مشقّة حرب. و »الذّيال« هو الذي يجرّ ذيله على الأرض تبخترا، يقال ذال فلان و تذيّل أي تبختر. و »الميّال« الظّالم. قوله عليه السلام »يأكل خضرتكم« أي يستأصل أموالكم. و »الخضرة« بفتح الخاء و كسر الضاد الزرع و البقلة الخضراء و الغصن. و إذابة الشحمة مثله كما قيل و المراد تعذيب الأبدان. قوله عليه السّلام »إيه أبا وذحة« إيه كلمة استزادة أي زد و هات. و قال ابن أبي الحديد في قول السيّد »الوذحة الخنفساء« بحارالأنوار ج : 34 ص : 94أقول لم أسمع هذا من شيخ من أهل اللّغة، و لا وجدته في كتاب من كتب اللّغة، و المشهور أنّ الوذح ]هو[ ما يتعلّق بأذناب الشّاة من أبعارها فيجفّ. ثمّ إنّ المفسّرين بعد الرضي رضي اللّه عنه قالوا في قصّة هذا الخنفساء وجوها منها أنّ الحجّاج رأى خنفساء تدبّ إلى مصلّاه فطردها، فعادت، ثمّ طردها فعادت، فأخذها بيده فقرصته قرصا، ورمت يده منه ورما كانت فيه حتفه. قتله اللّه تعالى بأهون خلقه، كما قتل نمرود بن كنعان بالبقّة. و منها أنّ الحجاج كان إذا رأى خنفساء، يأمر بإبعادها و يقول هذه وذحة من وذح الشيطان، تشبيها بالبعرة المعلّقة بذنب الشاة. و منها أنّه قد رأى خنفساوات مجتمعات، فقال وا عجبا لمن يقول إنّ اللّه خلق هذه. قيل فمن خلقها أيّها الأمير قال الشّيطان، إنّ ربكم لأعظم شأنا من أن يخلق هذه الوذح. قالوا فجمعها على »فعل« كبدنة و بدن، فنقل قوله هذا إلى الفقهاء في عصره فأكفروه. و منها أنّ الحجّاج كان مثفارا أي ذا أبنة، و كان يمسك الخنفساء حيّة ليشفي بحركتها في الموضع حكاكه. و قالوا و لا يكون صاحب هذا الدّاء إلّا شائنا مبغضا لأهل البيت عليهم السلام. قالوا و لسنا نقول كلّ مبغض فيه هذا الدّاء، بل ]نقول[ كلّ من فيه هذا الدّاء فهو مبغض. قالوا و قد روى أبو عمر الزاهد و لم يكن من رجال الشيعة في أماليه و أحاديثه عن السّياري، عن أبي خزيمة الكاتب قال ما فتّشنا أحدا فيه هذا الداء، إلّا وجدناه ناصبيا.

 قال أبو عمر و أخبرني العطافي عن رجاله، قالوا سئل جعفر بن محمّد بحارالأنوار ج : 34 ص : 95الصّادق عليه السّلام عن هذا الصّنف من النّاس، فقال لهم رحم منكوسة، يؤتى و لا يأتي. و ما كانت هذه الخصلة في وليّ اللّه تعالى أبدا قطّ، و لا تكون أبدا و إنّما كانت في الفسّاق و الكفّار و النّاصب للطّاهرين.

و كان أبو جهل بن هشام المخزومي من القوم، و كان أشدّ الناس عداوة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله. قالوا و لذلك قال له عتبة بن ربيعة يوم بدر يا مصفّر استه. ]ثم قال ابن أبي الحديد[ و يغلب على ظنّي أنّه ]عليه السلام أراد[ معنى آخر، و ذلك أنّ عادة العرب أن تكنّي الإنسان إذا أرادت تعظيمه بما هو مظنّة التّعظيم، و إذا أرادت تحقيره ]كنّته[ بما يستحقر و يستهان به، كقولهم في كنية يزيد بن معاوية لعنه اللّه أبو زنّة، يعنون القرد. و كقولهم في كنية سعيد بن حفص البخاري المحدّث أبو الفأر. و كقولهم للطفيلي أبو لقمة. و كقولهم لعبد الملك أبو الذبّان لبخره. و كقول ابن بسّام لبعض الرؤساء

فأنت لعمري أبو جعفر و لكنّنا نحذف الفاء منه

و قال أيضا

لئيم درن الثوب نظيف القصب و القدرأبو النتن أبو الدفر أبو البعر أبو الجعر

فلنجاسته بالذّنوب و المعاصي، كنّاه أمير المؤمنين عليه السلام أبا وذحة. و يمكن أن يكنّيه بذلك لدمامته في نفسه، و حقارة منظره، و تشويه خلقته، فإنّه كان دميما قصيرا سخيفا، أخفش العينين معوّج الساقين قصير الساعدين، مجدور الوجه أصلع الرأس، فكنّاه بأحقر الأشياء و هو البعرة. و قد روى قوم ]هذه اللّفظة بصيغة أخرى، قالوا[ »إيه أبا ودجة« قالوا ]هي[ واحدة الأوداج كنّاه بذلك لأنّه كان قتّالا يقطع الأوداج بالسيف. و رواه قوم »أبا وحرة« ]بالراء المهملة[ و هي دويبة تشبه الحرباء قصير الظهر، شبّهه بها. بحارالأنوار ج : 34 ص : 96]ثمّ قال ابن أبي الحديد[ و هذا و ما قبله ضعيف. و أقول الذبّان بكسر الذال و تشديد الباء جمع الذباب، و من عادته أن يجلس على المنتن. و القعب بالفتح القدح الضخم. و الدفر بالمهملة ثم الفاء النتن و الذلّ. و بالقاف مصدر دقر كفرح، إذا امتلأ من الطعام. و الجعفر بالفتح ما يبس من العذرة في المعجز أي الدّبر.

 نهج ]و[ من كلام له عليه السلام و قد جمع الناس و حضّهم على الجهاد، فسكتوا مليا، فقال عليه السّلام ما بالكم أ مخرسون أنتم فقال قوم منهم يا أمير المؤمنين إن سرت سرنا معك فقال ]عليه السّلام[ ما بالكم لا سددتم لرشد و لا هديتم لقصد أ في مثل هذا ينبغي لي أن أخرج و إنّما يخرج في مثل هذا رجل ممّن أرضاه من شجعانكم و ذوي بأسكم، و لا ينبغي لي أن أدع الجند و المصر و بيت المال و جباية الخراج و القضاء بين المسلمين و النظر في حقوق المسلمين ]المطالبين »خ ل«[ ثمّ أخرج في كتيبة أتبع أخرى، أ تقلقل تقلقل القدح في الجفير الفارغ، و إنّما أنا قطب الرحى تدور عليّ، و أنا بمكاني، فإذا فارقته استحار مدارها، و اضطرب ثفالها، هذا لعمر اللّه الرّأي السّوء. و اللّه لو لا رجائي الشهادة عند لقائي العدوّ لو قد حمّ لي لقاؤه لقرّبت ركابي، ثمّ شخصت عنكم فلا أطلبكم ما اختلف جنوب و شمال. ]طعّانين عيّابين حيّادين روّاغين[. إنّه لا غناء في كثرة عددكم مع قلّة اجتماع قلوبكم. بحارالأنوار ج : 34 ص : 97لقد حملتكم على الطّريق الواضح الّتي لا يهلك عليها إلّا هالك، من استقام فإلى الجنّة و من زلّ فإلى النّار.

]بيان[ قال ابن أبي الحديد ]و هذا كلام[ قاله ]أمير المؤمنين[ عليه السّلام، في بعض غارات أهل الشام على أطراف العراق، عند انقضاء أمر صفّين و النّهروان. قوله »مليّا« أي ساعة طويلة. ]و[ قوله عليه السّلام »لا سددتم« بالتخفيف و التشديد دعاء عليهم بعدم السداد و الاستقامة لما فيه رشدهم و صلاحهم. و القصد من الأمور المعتدل الذي لا يميل إلى أحد طرفي الإفراط و التفريط. و الشّجعاء جمع شجيع. و في بعض النسخ »شجعانكم« و هو بالضمّ و الكسر جمع شجاع. و البأس الشجاعة. و الكتيبة القطعة العظيمة من الجيش. و التقلقل التحرّك. و القدح بالكسر السهم. و الجفير الكنانة. و قيل وعاء السهام أوسع من الكنانة. و الغرض ]من هذا[ التشبيه، في اضطراب الحال و الانفصال عن الجنود و الأعوان، بالقدح الذي لا يكون حوله قداح تمنعه من التقلقل و لا يستقرّ في مكانه. »و استحار مدارها« أي اضطرب. و المدار هنا مصدر. كذا ذكره ابن أبي الحديد، و لم نجده بهذا المعنى في اللّغة. ]و[ قال الجوهري المستحير سحاب ثقيل متردّد ليس له ريح تسوقه. فالأنسب أن يكون ]كلامه عليه السلام[ كناية عن الوقوف عن الحركة. و الثفال الجلد الذي يوضع عليه الرحى ليسقط عليه الدقيق و يسمّى بحارالأنوار ج : 34 ص : 98الحجر الأسفل من حجري الرحى أيضا ثفالا، و لعلّه أنسب. قوله عليه السلام »لو قد حمّ لي« على ]بناء[ المجهول أي قضي و قدّر. و الركاب الإبل التي يسار عليها. و شخوص المسافر خروجه. و الاختلاف التردّد. و يحتمل ]أيضا[ المخالفة. و الغناء بالفتح و المدّ النفع. ]قوله عليه السلام[ »لا يهلك عليها« أي كائنا عليها أو سببها. و الطريق يذكّر و يؤنّث. ]و قوله[ »من استقام« أي اعتزل و لزم الطريق الواضح. »و من زلّ« أي زلق و عدل عن الطريق.

 نهج من خطبة له عليه السّلام أيّها النّاس إنّا قد أصبحنا في دهر عنود، و زمن شديد، يعدّ فيه المحسن مسيئا، و يزداد الظالم فيه عتوّا، لا ننتفع بما علمنا، و لا نسأل عمّا جهلنا، و لا نتخوّف قارعة حتّى تحلّ بنا، فالنّاس على أربعة أصناف منهم من لا يمنعه الفساد في الأرض، إلّا مهانة نفسه و كلالة حدّه و نضيض وفره. و منهم المصلت بسيفه و المعلن بشرّه ]بسّره »خ«[ و المجلب بخيله و رجله، قد أشرط نفسه و أوبق دينه لحطام ينتهزه، أو مقنب يقوده، أو منبر يفرعه، و لبئس المتجر أن ترى الدّنيا لنفسك ثمنا، و مما لك عند اللّه عوضا. و منهم من يطلب الدّنيا بعمل الآخرة، و لا يطلب الآخرة بعمل الدّنيا. قد طأمن من شخصه، و قارب من خطوه، و شمّر من ثوبه، و زخرف من نفسه للأمانة، و اتّخذ ستر اللّه ذريعة إلى المعصية. و منهم من أقعده عن طلب الملك ضئولة نفسه، و انقطاع سببه، فقصرته بحارالأنوار ج : 34 ص : 99الحال على ]عن »خ«[ حاله، فتحلّى باسم القناعة و تزيّن بلباس أهل الزّهادة، و ليس من ذلك في مراح و لا مغدى. و بقي رجال غضّ أبصارهم ذكر المرجع، و أراق دموعهم خوف المحشر، فهم بين شريد نادّ، و خائف مقموع، و ساكت مكعوم، و داع مخلص، و ثكلان موجع، قد أخملتهم التقيّة، و شملتهم الذّلة. فهم في بحر أجاج، أفواههم ضامزة و قلوبهم قرحة، قد وعظوا حتّى ملّوا، و قهروا حتّى ذلّوا، و قتلوا حتّى قلّوا. فلتكن الدّنيا أصغر في أعينكم من حثالة القرظ و قراضة الجلم، و اتعظوا بمن كان قبلكم قبل أن يتّعظ بكم من بعدكم، و ارفضوها ذميمة فإنّها قد رفضت من كان أشغف به منكم.

]بيان[ عند عن الطريق كنصر عدل و مال. و العنود فعول بمعنى فاعل. و قيل مفاعل. و الزمن اسم لقيل الوقت و كثيره. و قيل الشديد بمعنى البخيل. و في بعض النسخ »و زمن كنود« و هو الكفور. و قيل اللّوام. و وصف الزمان بتلك الأوصاف توصيف لأهله. و عدّ المحسن مسيئا، إمّا لعدم الإذعان بالحقّ، أو لحملهم الأفعال الجميلة على المحامل القبيحة، كزعم العابد مرائيا. و العتوّ الاستكبار و مجاوزة الحدّ. قوله عليه السّلام »لا ننتفع« التعبير بلفظ المتكلّم مع الغير، من قبيل »إيّاك أعني و اسمعي يا جارة« و عدم الانتفاع بالعلم لترك العمل، و عدم السؤال لعدم العلم بفضله مع عدم الرغبة في العمل به. و القارعة الخطب العظيم و الداهية. و مهانة النفس حقارتها. ]مشتقّة[ من »مهن« أو »هان«. و كلّ حدّ السيف و غيره، إذا وقف عن القطع. بحارالأنوار ج : 34 ص : 100]قوله عليه السلام[ »و نضيض وفره« أيّ قلّة ماله. و هذا القسم هم المريدون للدنيا غير القادرين عليها. و المجلب اسم فاعل من أجلب عليهم أي تجمّع و تألّب. و كذلك إذا صاح به و استحثّه. و أجلبه أي أعانه. و الرجل جمع راجل. »قد أشرط نفسه« أي هيّأها و أعدّها للفساد في الأرض. و الحطام المال و أصله ما تكسّر من اليبس. و الانتهاز الاختلاس و الاستلاب بقدر الإمكان. و المقنب بكسر الميم و فتح النون الجمع من الخيل ما بين الثلاثين إلى الأربعين. ]و[ »يفرعه« أي يعلوه. و عمل الدّنيا ما يفعله المكلّف فيها أو ما يصير بانضمام القربة و التوصّل به إلى الطاعة طاعة. »و قد طأمن« أي خفض. و يقال طأمن منه أي سكنه. »و قارب من خطوه« أي لم يسرّع و مشى رويدا. »و شمّر« ]من ثوبه[« أي قصّر ثوبه أو رفعه إظهار لمتابعة السنّة. »و زخرف« أي زيّن ]نفسه[ للأمانة، أي لأن يجعلوه أمينا على أموالهم و أعراضهم و يحتمل تعلّقه بالأخير و بالجميع. ]قوله عليه السّلام[ »و اتخذ ستر اللّه« أي التقوى و العمل بشرائع الدّين، فإنّ اللّه حرّم تتبّع عورات من ظاهره الصلاح و ذكر عيوبه. قال الكيدري في كتاب المضاف و المنسوب ستر اللّه الإسلام، و الشيب، و الكعبة، و ضمائر صدور الناس. يعني جعل ظاهر الإسلام و ما يجنّه صدره، بحيث لا يطّلع عليه مخلوق وسيلة و طريقا إلى معصية اللّه. انتهى. و أقول يحتمل أن يكون المراد أنّه اتّخذ ستر اللّه على عيوبه، حيث لم يفضحه و لم يطلع الناس على بواطنه، ذريعة إلى أن يخدع الناس. و الضئولة الحقارة. و السبب الحبل، و ما يتوصّل به إلى غيره. و المراح بحارالأنوار ج : 34 ص : 101المكان الذي تأوي إليه الماشية في اللّيل. و المغدى ما تأوي إليه بالغداة و لعلّ المعنى ليس يومه كيومهم في الصوم و غيره، و لا ليله كليلهم في العبادات. و المرجع بكسر الجيم مصدر أو اسم مكان، و المراد به من إليه مصير العباد أو القيامة أو الرجوع إليهما. ]و المراد من قوله عليه السلام »غضّ أبصارهم ذكر المرجع هو[ غضّ البصر عن المعاصي، أو الأعمّ لخشوعهم، أو للحياء، أو ]غضّهم[ أبصار قلوبهم عمّا سوى اللّه. و الشريد الطريد. و النّادّ المنفرد و المراد به المتوحّش من الناس الذاهب في الأرض، إمّا لعدم صبره على رؤية المنكرات، أو لكثرة أذى الظالمين في الأوطان لإنكاره المنكر و أشباه ذلك. و قمعه ضربه بالمقمعة و قهره و ذلّله. و المكعوم الّذي لا يمكنه الكلام، كأنّ شدّ فوه من التقيّة بالكعام الذي يجعل في فم البعير عند الهياج. و الثكل الحزن على فقد الأقارب. و لعلّ المعنى أنّ بعضهم ترك الأوطان أو مجامع الناس لما ذكر، و بعضهم لم يترك ذلك، و ينكر منكرا ثمّ يخاف مما يجري عليه بعد ذلك، و منهم من هو بينهم و لا ينهاهم تقيّة و معرض عنهم و مشتغل بالدعاء، و منهم من هو بينهم بالضرورة و يرى أعمالهم و لا يؤثّر نهيه فيهم، فهو كالثكلان الموجع. و خمل ذكره و صوته خفي. ]قوله عليه السلام[ »فهم في بحر أجاج« كناية عن عدم استمتاعهم بالدنيا، كالسابح في ماء مالح، فإنّه لا يمكنه التروي منه و شربه و إن بلغ غاية العطش. ]قوله عليه السلام[ »أفواههم ضامزة« بالزاي المعجمة، أي ساكنة. أو

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 102بالراء المهملة كناية عن صومهم و عدم أكلهم من المحرّمات و الشبهات. قال الكيدري أي ساترة خفيّة من الضمير. و يروى بالزّاي أي مشدودة بالسكوت. »و قلوبهم قرحة« لكثرة المنكرات مع عدم تمكّنهم من إنكارها، أو لخوفهم من اللّه أو من الناس. و »القرض« ورق السلم يدبغ به. و حثالته ما يسقط منه. و »الحلم« المقصّ يجزّ به أوبار الإبل. و قراضته ما يسقط من قرضه و قطعه. ]قوله عليه السلام[ »و ارفضوها ذميمة« أي اتركوا ما حاله الحقارة. و الذمامة. و الشغف الحب الشديد.

 نهج من خطبة له عليه السّلام إنّ الوفاء توأم الصدّق، و لا أعلم جنّة أوقى منه، و لا يغدر من علم كيف المرجع. و لقد أصبحنا في زمان قد اتّخذ أكثر أهله الغدر كيسا، و نسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة. ما لهم قاتلهم اللّه قد يرى الحوّل القلّب وجه الحيلة، و دونه مانع من أمر اللّه و نهيه فيدعها رأي عين بعد القدرة عليها، و ينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدّين.

بيان الوفاء لزوم العهد و البقاء عليه كما ينبغي و يكون في الأفعال و الأقوال. و الصّدق يعمّ العهد و غيره فبينهما عموم من وجه. بحارالأنوار ج : 34 ص : 103و قد يقال الوفاء في الإنشاء ]خاصّة[ و الصّدق في الأخبار، و لا يجتمعان. و يردّه صادق الوعد و إن كان مجازا، و المراد تلازمهما غالبا مع تشاركهما في الفضل، و ترتّب الآثار الحسنة. و »المرجع« مصدر، أي الرجوع إلى اللّه. أو اسم مكان. و الكيس الفطنة و الذكاء. و الضمير في »فيه« راجع إلى الزمان أو الغدر. و »الحوّل القلّب« هو الذي كثر تحوّله و تقلّبه في الأمور و جرّبها و عرف وجوهها. و الوجه الجهة. و الضّمير في ]قوله[ »دونه« يعود إليه أي قبل الوصول إليه. أو إلى »الحوّل« أي أمامه. و في بعض النّسخ »دونها« فيعود إلى الحيلة. »رأي عين« أي رؤية معاينة فهو منصوب على المصدر من ]قوله[ »يدع« بتقدير موصوف أي يتركها تركا معاينا غير ناش عن غفلة، أو ]منصوب[ على الحاليّة أي حال كونها مرئيّة له. و جوّز بعضهم في قوله تعالى » يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ« [13-  آل عمران 3] أن يكون ظرف مكان. و الحريجة التحرّج، و هو التحرّز من الحرج و الإثم. و قيل الحريجة التقوى.

 نهج من كلام له عليه السلام في ذمّ أهل العراق أمّا بعد يا أهل العراق، فإنّما أنتم كالمرأة الحامل، حملت فلمّا أتمّت أملصت و مات قيّمها، و طال تأيّمها و ورثها أبعدها. أما و اللّه ما أتيتكم اختيارا، و لكن جئت إليكم سوقا. و لقد بلغني أنكم تقولون »عليّ يكذب«، قاتلكم اللّه فعلى من أكذب أ على اللّه فأنا أوّل من بحارالأنوار ج : 34 ص : 104آمن به أم على نبيّه فأنا أوّل من صدّقه كلّا و اللّه، و لكنّها لهجة غبتم عنها و لم تكونوا من أهلها، ويل أمّه كيلا بغير ثمن لو كان له وعاء وَ لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ.

توضيح »أملصت« ألقت ولدها ميّتا. و المملاص معتادته. و قيّم المرأة زوجها لأنّه يقوم بأمرها. و تأيّم المرأة خلوّها من الزوج. و ]قوله عليه السلام[ »]و ورثها[ أبعدها« أي من لم يكن له قرابة الولد و نحوه. و التشبيه بالمرأة الموصوفة لأنّهم تحمّلوا مشاقّ الحرب، فلمّا قرب الظّفر رضوا بالتحكيم و حرموا الظفر، و صار بعضهم خوارج و بعضهم شكّاكا. و المراد بالسّوق الاضطراري، كأنّ القضاء ساقه عليه السلام إليهم، فإنّه خرج لقتال أهل الجمل، و احتاج إلى الاستنصار بأهل الكوفة، و اتّصلت تلك الفتن بفتنة أهل الشام، فاضطرّ إلى المقام بينهم. و في بعض النّسخ »و لا جئتكم شوقا«. و »قاتلكم اللّه« أي قتلكم اللّه أو لعنكم اللّه. و »كلّا« للرّدع و الإنكار. أو بمعنى حقّا. و اللّهجة اللّسان، و يتجوّز بها عن الكلام. و المراد إمّا لهجته عليه السلام أي ]إنّ[ ما أخبركم به أمور غابت عقولكم الضعيفة عن إدراكها و لستم أهلا لفهمها. أو لهجة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أي سمعت كلامه صلّى اللّه عليه و آله، و لم تسمعوه و لو سمعتموه لم تكونوا من أهله. و الويل حلول الشرّ ]أ[ و كلمة عذاب، أو واد في جهنّم. و إضافته إلى بحارالأنوار ج : 34 ص : 105الأمّ، دعاء عليها بأن تصاب بأولادها، من قبيل »ثكلته أمّه«. و الضمير ]في »أمّه«[ راجع إلى المكذّب. و قيل ]الضمير راجع[ إلى ما دلّ عليه الكلام من العلم الذي خصّه به الرسول صلّى اللّه عليه و آله. و يقال هذه الكلمة قد تطلق للتّعجّب و الاستعظام، يقال ويل أمّه فارسا، و مرادهم التعظيم و المدح. و »كيلا« انتصب لأنّه مصدر في موضع الحال أو تمييز أي أنا أكيل لكم العلم و الحكمة كيلا، و لا أطلب لذلك ثمنا لو وجدت حاملا للعلم. و قيل الكلمة تستعمل للتّرحم و التعجب، و الضمير راجع إلى الجاهل المكذّب، فالمفاد التّرحّم عليهم لجهلهم، أو التّعجّب من قوّة جهلهم، أو من كثرة كيله للحكم عليهم مع إعراضهم عنها. و قال ]ابن الأثير في مادّة »ويل« من كتاب[ النهاية قد يرد الويل بمعنى التعجّب. و منه الحديث »ويل أمّه مسعر حرب« تعجّبا من شجاعته و جرأته و إقدامه، و منه حديث علي عليه السّلام »و يلمّه كيلا بغير ثمن لو أنّ له وعاء« أي يكيل العلوم الجّمة بلا عوض، إلّا أنّه لا يصادف واعيا. و قيل »وي« كلمة مفردة. ]»و لأمّه« أيضا كلمة مفردة[ و هي كلمة تفجّع و تعجّب، و حذفت الهمزة من »أمّه« تخفيفا، و ألقيت حركتها على اللام، و ينصب ما بعدها على التمييز. انتهى. و الحين بالكسر الدهر أو وقت مبهم يصلح لجميع الأزمان طال أو قصر، و المعنى لتعلمنّ ثمرة تكذبكم و إعراضكم عمّا أبيّن لكم، و أنّي صادق فيما أقول.

 نهج من خطبة له عليه السّلام أمّا بعد، فإنّ اللّه سبحانه لم يقصم جبّاري دهر قطّ، إلّا بعد تمهيل بحارالأنوار ج : 34 ص : 106و رخاء. و لم يجبر عظم أحد من الأمم، إلّا بعد أزل و بلاء. و في دون ما استقبلتم من خطب ]عتب »خ«[ و استدبرتم من خطب ]خصب »خ«[ معتبر، و ما كلّ ذي قلب بلبيب، و لا كلّ ذي سمع بسميع، و لا كلّ ذي ناظر ببصير. فيا عجبا و ما لي لا أعجب من خطإ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها، لا يقتصّون أثر نبيّ و لا يقتدون بعمل وصي، و لا يؤمنون بغيب، و لا يعفّون عن عيب يعملون في الشبهات و يسيرون في الشّهوات، المعروف فيهم ما عرفوا، و المنكر عندهم ما أنكروا، مفزعهم في المعضلات إلى أنفسهم، و تعويلهم في المبهمات على آرائهم، كأنّ كلّ امرئ منهم إمام نفسه، قد أخذ منها فيما يرى بعرى وثيقات و أسباب محكمات.

بيان القصم الكسر. و التمهيل التأخير و كذلك الإرجاء و الرّخاء سعة العيش. و الجبر إصلاح الكسر ]و هو هنا[ كناية عن دفع الجبّارين و الظالمين. ]قوله[ »و في دون« أي ]في[ أقلّ من ذلك. و الأزل بالفتح الضيق و الشدّة. ]قوله[ »ما استقبلتم من خطب« أي شأن و أمر و داهية. و روي »من عتب« أي مشقّة. قيل يعني ما لاقوه في مستقبل زمانهم من الشيب و ولاة السوء و تنكّر الوقت. »و ما استدبرتم من خطب« يعني ما تقدّم من الحروب و الوقائع الّتي قضوها. و يروى من »خصب« و هو رخاء العيش. فيمكن أن يراد بالأمور المستقبلة و المستدبرة جميعا المواضي باعتبارين. قوله عليه السلام »لا يعفون« في النسخ بالتشديد من العفّة، فالمراد بحارالأنوار ج : 34 ص : 107بالعيب عيوب أنفسهم، و في بعضها بالتخفيف فالمراد عيوب غيرهم. ]قوله عليه السلام »يعملون[ في الشبهات« ]لفظة[ »في« بمعنى الباء، أو فيه توسّع. قوله عليه السلام »]المعروف فيهم[ ما عرفوا« أي بعقولهم و أهوائهم. ]و قوله عليه السلام[ »قد أخذ منها« الضمير راجع إلى النفس أو إلى المبهمات و المعضلات.

 نهج من خطبة له عليه السلام في خطاب أصحابه و قد بلغتم من كرامة اللّه منزلة، تكرم بها إماؤكم، و توصل بها جيرانكم، و يفضّلكم من لا فضل لكم عليه و لا يدلكم عنده، و يهابكم من لا يخاف لكم سطوة و لا لكم عليه إمرة، و قد ترون عهود اللّه منقوضة فلا تغضبون، و أنتم لنقض ذمم آبائكم تأنفون. و كانت أمور اللّه عليكم ترد و عنكم تصدر و إليكم ترجع، فمكّنتم الظّلمة من منزلتكم، و ألقيتم إليهم أزمّتكم، و أسلمتم أمور اللّه في أيديهم، يعملون بالشّبهات و يسيرون في الشهوات. و ايم اللّه لو فرّقوكم تحت كلّ كوكب، لجمعكم اللّه لشرّ يوم لهم.

بيان الوصل ضدّ القطع و الهجران. ]و المراد من قوله[ »جيرانكم« أي أهل الذمّة و المعاهدين، و يحتمل المجاورين في المسكن. قوله عليه السلام »من لا فضل لكم عليه« كتعظيم الروم و الحبشة مسلمي العرب. بحارالأنوار ج : 34 ص : 108قوله عليه السلام »من لا يخاف لكم سطوة« كالملوك في أقاصي البلاد، لما شاع و ذاع من أنّهم قوم صالحون، إذا دعوا اللّه استجاب لهم، و ينصرهم بملائكته كما قيل. قوله عليه السلام »و أنتم« الواو للحال. و الذمّة العهد و الأمان و الضمان و الحرمة و الحقّ. و أنف كفرح استنكف. و الغرض توبيخهم على تركهم إنكار المنكرات. و المراد بنقض العهود ما ظهر من الناكثين و القاسطين و المارقين و غيرهم من نقض البيعة و قتل المسلمين و الإغارة عليهم، و لا ريب أنّ السكوت عن إنكار تلك المنكرات مع الاستنكاف عن نقض ذمم الآباء، يدلّ على أنّ عهود اللّه أضعف عندهم من عهود آبائهم، و هو في حدّ الكفر. ]قوله عليه السّلام[ »و كانت أمور اللّه عليكم ترد« أي و أنتم المخاطبون بالأوامر و النواهي، أو كنتم قبل ذلك في أيّام الرسول صلّى اللّه عليه و آله، موارد أمور اللّه و مصادرها، مطيعين له منكرين للمنكرات. و كأنّ المراد بالورود، السؤال. و بالصدور، الجواب، و بالرجوع، التحاكم. و يمكن تعميم الورود و الصدور، فالمراد بالرجوع. رجوع النفع و الضرّ في الدارين. و قيل أي كانت أمور اللّه عليكم ترد أي بتعليمي لكم، و عنكم تصدر إلى من تعلّمونه إيّاها، ثمّ إليكم ترجع بأن يتعلّمها بنوكم و إخوتكم منهم. ]قوله عليه السلام[ »لشرّ يوم« أي يوم ظهور المسودة، أو خروج المهدي عليه السلام. و الجمع في الرجعة، أو المراد جمع صنفهم.

 نهج ]و[ من خطبة له عليه السلام بحارالأنوار ج : 34 ص : 109و لقد علم المستحفظون من أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله، أنّي لم أردّ على اللّه سبحانه و لا على رسوله ساعة قطّ، و لقد واسيته ]آسيته »خ«[ في المواطن التي تنكص فيها الأبطال، و تتأخّر الأقدام، نجدة أكرمني اللّه بها. و لقد قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و إنّ رأسه لعلى صدري، و قد سالت نفسه في كفّي، فأمررتها على وجهي. و لقد وليت غسله صلّى اللّه عليه و آله و الملائكة أعواني، فضجّت الدّار و الأفنية، ملأ يهبط و ملأ يعرج، و ما فارقت سمعي هينمة منهم، يصلّون عليه حتّى واريناه في ضريحه. فمن ذا أحقّ به منّي حيا و ميّتا، فانفذوا على بصائركم، و لتصدق نيّاتكم في جهاد عدوّكم، فو الّذي لا إله إلّا هو، إنّي لعلى جادّة الحقّ، و إنّهم لعلى مزلّة الباطل. أقول ما تسمعون و أستغفر اللّه ]العظيم »خ«[ لي و لكم.

بيان استحفظته الشّي‏ء أودعته عنده و سألته أن يحفظه. و »المستحفظون« على بناء المفعول المطّلعون على أسرار الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سيرته، الصّادقون في الشهادة الذي لم يغيّروا و لم يبدّلوا للأغراض الدنيويّة. و قال ابن أبي الحديد الظاهر أنّه عليه السلام يومئ في قوله »لم أردّ على اللّه...« إلى أمور وقعت عن غيره. ثمّ ذكر أمورا كثيرة من مخالفات عمر و معارضاته لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله. و ]أيضا[ قال ]ابن أبي الحديد[ في ]شرح[ قوله عليه السلام »و لقد آسيته بنفسي« يقال واسيته، بالهمزة أفصح. و هذا مما اختصّ عليه السلام بفضيلته غير مدافع، ثبت معه يوم أحد. و فرّ الناس، و ثبت معه يوم حنين و فرّ الناس، و ثبت يوم خيبر حتّى فتحها و فرّ من كان بعث بها قبله. انتهى. بحارالأنوار ج : 34 ص : 110و قال الجوهري نكص ينكص ]من باب ضرب[ و ينكص ]من باب نصر[ رجع. و »نجدة« منصوب على المصدر لفعل محذوف و هي الشجاعة. ]قوله عليه السلام[ »و إنّ رأسه لعلى صدري« قيل لعلّه أسنده إلى صدره عند اشتداد علّته، أو كان رأسه صلّى اللّه عليه و آله على ركبته، فيكون رأسه في صدره عند إكبابه عليه. و قد يقال المراد بسيلان النفس، هبوب النّفس عند انقطاع الأنفاس. و قيل أراد بنفسه دمه. يقال إنّ رسول اللّه قاء عند وفاته دما يسيرا، و أنّ عليا مسح بذلك وجهه. و لا ينافي ذلك نجاسة الدم لجواز أن يخصّص دم الرسول صلّى اللّه عليه و آله. و الضجيج الصياح عند المكروه و الجزع. و الهيمنة الكلام الخفيّ لا يفهم. و الصلاة تحتمل الحقيقة و الدعاء. و انتصاب قوله »حيا و ميتا« بالحالية عن الضمير المجرور في ]قوله[ »به«، لا عن الضمير في »منّي« كما لا يخفى. قوله عليه السلام »فانفذوا« أي أسرعوا إلى الجهاد على بصيرة منكم. و المزلّة الموضع الذي يزلّ فيه الإنسان كالمزلقة.

949-  نهج ]و[ من له كلام عليه السلام أيّها ]أيّتها »خ«[ النّفوس المختلفة، و القلوب المتشتّتة الشّاهدة أبدانهم، و الغائبة عنهم عقولهم، أظأركم على الحقّ و أنتم تنفرون عنه نفور المعزى من وعوعة الأسد، هيهات أن أطلع بكم سرار العدل، أو أقيم اعوجاج الحقّ. بحارالأنوار ج : 34 ص : 111اللّهم إنّك تعلم أنّه لم يكن الذي كان منّا منافسة في سلطان، و لا التماس شي‏ء من فضول الحطام و لكن لنرد المعالم من دينك، و نظهر الإصلاح في بلادك فيأمن المظلومون من عبادك و تقام المعطّلة من حدودك. اللّهم إنّي أوّل من أناب، و سمع و أجاب، لم يسبقني بالصّلاة إلّا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و قد علمتم أنّه لا ينبغي أن يكون على الفروج و الدّماء و المغانم و الأحكام و إمامة المسلمين البخيل فتكون في أموالهم نهمته، و لا الجاهل فيضلّهم بجهله، و لا الجافي فيقطعهم بجفائه، و لا الحائف للدّول فيتّخذ قوما دون قوم، و لا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق بها دون المقاطع، و لا المعطّل للسنّة فيهلك الأمّة.

بيان »الغائبة عنهم عقولهم« غيبة العقول عن أربابها، أبلغ في الدلالة من غيبتها عمّن اعتبر الشهود بالنّسبة إليه. »أظأركم« أي أعطفكم. يقال ظأرت الناقة إذا عطفت على ولد غيرها. و قال الجوهري المعز من الغنم خلاف الضأن، و هو اسم جنس، و كذلك المعزى. و الوعوعة الصوت. قوله عليه السلام »هيهات« قال ابن أبي الحديد يفسّره الناس بمعنى هيهات أن أطلعكم مضيئين و منوّرين سرار العدل و السرّار آخر ليلة من الشهر، و تكون مظلمة، و يمكن أن يفسّر بوجه آخر، و هو أن يكون السرار بمعنى السّرور و هو خطوط مضيئة في الجبهة و هو نصّ أهل اللّغة على أنّه يجوز فيه السّرار. قالوا و يجمع السرار على أسرّة. و يقولون برقت أسرة وجهه، بحارالأنوار ج : 34 ص : 112فالمعنى هيهات أن تلمع بكم لوامع العدل و يبرق وجهه و يمكن أن ينصب »سرار« على الظرفية، و يكون التقدير هيهات أن أطلع بكم الحقّ زمان استسراره و استخفائه، فيكون قد حذف المفعول و حذفه كثير. و قال الكيدري سرار الشهر و سرره آخر ليلة منه. و السرار المسارّة من السّر. و جمع سرر الكتف و الجبهة و »سرار العدل« أي في سرار ]العدل[ فحذف حرف الجرّ و وصل الفعل. و قيل أي هيهات أن أظهر بمعونتكم ما خفي و استسرّ من أقمار العدل و أنواره انتهى. ]أقول[ و لعلّ المراد ب »الذي كان« ]هو[ الرغبة في الخلافة أو الحروب أو الجميع. و »لم يكن« ناقصة، و »كان« تامّة. و المنافسة المغالبة في الشي‏ء. و »الحطام« ما تكسّر من اليبس، و هو كناية عن متاع الدنيا. و المراد بفضوله زخارفها و زينتها و ما لا يحتاج إليه منها. و معالم الدين الآثار التي يهتدى بها. و الإنابة الرجوع. قوله عليه السلام »نهمته« أي حرصه و جشعه على أموال رعيّته. و من رواه »نهمة« بالتحريك فهي إفراط الشهوة في الطعام. و الجفاء خلاف البرّ و الصلة، و رجل جافي الخلقة و الخلق أي منقبض غليظ. ]قوله عليه السلام[ »فيقطعهم« أي عن الوصول إليه أو عن حاجاتهم أو بعضهم عن بعض لتفرّقهم. و الأوّل أظهر و إن لم يكن يذكره أحد. قوله عليه السّلام »و لا الحائف« بالحاء المهملة من الحيف و هو الظلم و الجور. و الدول بضمّ الدال المهملة جمع الدّولة بالضم و هي اسم المال بحارالأنوار ج : 34 ص : 113المتداول، قال اللّه تعالى كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ أي إذا لم يقسم الإمام بالسّوية، و يخصّ بالمال بعضهم دون بعض، فيتّخذ قوما دون قوم فيفرّق المسلمين. و روي »الخائف« بالمعجمة. و الدول بكسر الدال جمع دولة بالفتح و هي الغلبة أي من يخاف دول الأيّام و تقلّب الدهور، فيتّخذ قوما يتوقّع نفعهم في دنياه، و يقوّيهم و يضعف آخرين. قوله عليه السلام »دون المقاطع« أي يقف عند مقطع الحكم فلا يقطعه، بأن يحكم بالحقّ بل يحكم بالباطل، أو يسوّف الحكم حتّى يضطر المحقّ و يرضى بالصلح، فيذهب بعض حقّه. و يحتمل أن يكون »دون« بمعنى »غير« أي يقف في غير مقطعه. و قال ابن أبي الحديد فإن قلت أ فتراه عنى بهذا قوما بأعيانهم قلت الإمامية تزعم أنّه رمز بالجفاء و العصبيّة لقوم دون قوم إلى عمر. و رمز بالجهل إلى من كان قبله، و رمز بتعطيل السنّة إلى عثمان و معاوية. انتهى. و الأظهر أنّ المراد بالبخيل ]هو[ عثمان، لما هو المعلوم من أكله أموال المسلمين و لما مرّ منه عليه السلام في ]الخطبة[ الشقشقية. و ]المراد[ ب »الجاهل« جميعهم. و ب »الجافي« عمر كما مرّ ]أيضا[ في ]الخطبة[ الشقشقية. و ب »الحائف للدول« عمر و عثمان كما هو المعلوم من سيرتهما. و ب »المعطّل للسنّة« أيضا جميعهم.

 نهج ]و[ من خطبة له عليه السّلام ليتأس صغيركم بكبيركم، و ليرؤف كبيركم بصغيركم، و لا تكونوا كجفاة الجاهليّة، لا في الدّين يتفقّهون، و لا عن اللّه يعقلون، كقيض بيض في أداح بحارالأنوار ج : 34 ص : 114يكون كسره وزرا، و يخرج حضانها شرّا. ]و[ منها افترقوا بعد ألفتهم، و تشتّتوا عن أصلهم، فمنهم آخذ بغصن أينما مال مال معه، على أنّ اللّه تعالى سيجمعهم لشرّ يوم لبني أميّة، كما تجتمع قزع الخريف، يؤلّف اللّه بينهم ثمّ يجعلهم ركاما كركام السّحاب، ثمّ يفتح اللّه لهم أبوابا يسيلون من مستثارهم كسيل الجنّتين، حيث لم تسلم عليه قارة، و لم تثبت له أكمة، و لم يردّ سننه رصّ طود، و لا حداب أرض. يذعذعهم اللّه في بطون أوديته، ثمّ يسلكهم يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ، يأخذ بهم من قوم حقوق قوم، و يمكّن لقوم في ديارهم قوم. و ايم اللّه ليذوبنّ ما في أيديهم بعد العلوّ و التمكين، كما تذوب الألية على النار. أيّها النّاس لو لم تتخاذلوا عن نصر الحقّ، و لم تهنوا عن توهين الباطل، لم يطمع فيكم من ليس مثلكم، و لم يقو من قوي عليكم، لكنكم تهتم متاه بني إسرائيل. و لعمري ليضعّفنّ لكم التيه من بعدي أضعافا بما خلّفتم الحقّ وراء ظهوركم، و قطعتم الأدنى و وصلتم الأبعد. و اعلموا أنّكم إن اتّبعتم الدّاعي لكم، سلك بكم منهاج الرّسول، و كفيتم مئونة الاعتساف، و نبذتم الثقل الفادح عن الأعناق.

إيضاح ]لزوم[ تأسّي الصغير بالكبير، لأنّه أكثر تجربة و أحزم. و قال الكيدري أي ليتأسّ من صغر منزلته في العلم و العمل بمن له متانة فيهما، و ليرحم كلّ من له جاه و منزلة في الدنيا بالمال و القوّة كلّ من دونه. و »القيض« بالفتح قشرة البيض العليا اليابسة. و قيل التي خرج ما فيها من فرخ أو ماء. و في بعض النسخ »كبيض هيض« أيّ كسر. و الأداحي بحارالأنوار ج : 34 ص : 115جمع الأدحي بالضمّ، و قد يكسر و هو الموضع الذي تبيض فيه النعامة و تفرخ، و هو أفعول من دحوت لأنّها تدحوه برجلها أي تبسطه، ثمّ تبيض فيه و ليس للنعام عشّ. و قال ابن أبي الحديد وجه الشبه، أنّه إن كسرها كاسر أثم لأنّه يظنّ بيض القطاة، و إن لم يكسر، يخرج حضانها شرّا، إذ يخرج أفعى قاتلا. و استعار لفظ الأداحي للأعشاش مجازا لأنّ الأداحي لا يكون إلّا للنعام. و قال ابن ميثم نهاهم أن يشبهوا جفاة الجاهليّة في عدم تفقّههم في الدين، فيشبهون إذا بيض الأفاعي في أعشاشها. و وجه الشّبه أنّه إن كسره كاسر أثم لتأذّي الحيوان به، فكذلك هؤلاء إذا أشبهوا جفاة الجاهلية، لا يحلّ أذاهم لحرمة الإسلام، و إن أهملوا و تركوا على الجهل، خرجوا شياطين. و الحضان بالكسر مصدر، حضن الطائر بيضه إذا ضمّه إلى نفسه تحت جناحه، و هو مرفوع بالفاعليّة. قوله عليه السلام »افترقوا...« يذكر حال أصحابه و شيعته. و قال ابن أبي الحديد الأخذ بالغصن من تمسّك بعده عليه السلام بذرّية الرسول صلّى اللّه عليه و آله، و تقدير الكلام و منهم من لا يكون كذلك. ثمّ ذكر عليه السّلام أنّ الفريقين يجتمعان لشرّ يوم. و »القزع« جمع قزعة و هي سحب صغار تجتمع فتصير ركاما، و الركام ما كثف من السحاب. و »مستثارهم« موضع ثورانهم و هيجانهم. و الجنّتان هما اللّتان ذكرهما اللّه في القرآن في قصّة أهل سبإ. و القارّة الجبل الصغير. و الأكمة الموضع يكون أشدّ ارتفاعا ممّا حوله، و هو غليظ لا يبلغ أن يكون حجرا. و »سننه« طريقه. و طود مرصوص أي جبل شديد التصاق الأجزاء بعضها ببعض. و الحداب جمع حدبة و هي الروابي و النجاد. و الذعذعة بحارالأنوار ج : 34 ص : 116التفريق و لعلّها كناية عن اختفائهم بين الناس، ثمّ إظهارهم بالإعانة و التأييد. و المراد بالقوم ثانيا آل الرسول صلّى اللّه عليه و آله، و هو إشارة إلى ظهور بني عباس و انقراض بني أميّة. و قوله عليه السلام »و ايم اللّه ليذوبنّ ما في أيديهم« يحتمل أن يكون إشارة إلى ذهاب ملك بني أميّة أو بني العباس. و تاه في الأرض ذهب متحيرا، و المتاه مصدر. و المراد بالأدنى نفسه عليه السلام، و بالأبعد من تقدم عليه. و ]المراد ب[ الداعي هو عليه السلام أو القائم عليه السلام. و الاعتساف سلوك غير الطريق. و فدحه الدين أثقله. و المراد بالثقل الفادح الإثم و العذاب في الآخرة أو الأعمّ.

951-  نهج ]و[ من خطبة له عليه السّلام أمّا بعد أيّها الناس فأنا فقأت عين الفتنة، و لم يكن ليجترئ عليها أحد غيري، بعد أن ماج غيهبها و اشتدّ كلبها. فاسألوني قبل أن تفقدوني، فو الذي نفسي بيده لا تسألونني عن شي‏ء فيما بينكم و بين الساعة، و لا عن فئة تهدي مائة و تضلّ مائة، إلّا أنبأتكم بناعقها و قائدها و سائقها، و مناخ ركابها و محطّ رحالها، و من يقتل من أهلها قتلا و من يموت منهم موتا و لو قد فقدتموني و نزلت ]بكم »خ«[ كرائه الأمور و حوازب الخطوب، لأطرق كثير من السّائلين، و فشل كثير من المسئولين، و ذلك إذا قلّصت حربكم، و شمّرت عن ساق، و ضاقت ]و كانت »خ«[ الدّنيا عليكم ضيقا تستطيلون معه أيّام البلاء عليكم، حتّى يفتح اللّه لبقيّة الأبرار منكم. بحارالأنوار ج : 34 ص : 117ألا إنّ الفتن إذا أقبلت شبّهت، و إذا أدبرت نبّهت، ينكرن مقبلات و يعرفن مدبرات، يحمن حوم الرياح يصبن بلدا و يخطئن بلدا. ألا ]و[ إنّ أخوف الفتن عندي عليكم، فتنة بني أميّة، فإنها فتنة عمياء مظلمة، عمّت خطّتها، و خصّت بليّتها، و أصاب البلاء من أبصر فيها، و أخطأ البلاء من عمي عنها. و ايم اللّه لتجدنّ بني أميّة لكم أرباب سوء بعدي، كالنّاب الضّروس، تعذم بفيها، و تخبط بيدها، و تزبن برجلها، و تمنع درّها. لا يزالون بكم حتّى لا يتركوا منكم إلّا نافعا لهم، أو غير ضائر بهم. و لا يزال بلاؤهم حتّى لا يكون انتصار أحدكم منهم إلّا مثل انتصار العبد من ربّه، و الصاحب من مستصحبه، ترد عليكم فتنتهم شوهاء مخشيّة، و قطعا جاهليّة، ليس فيها منار هدى و لا علم يرى، نحن أهل البيت منها بمنجاة، و لسنا فيها بدعاة. ثمّ يفرّجها اللّه عنكم كتفريج الأديم، بمن يسومهم خسفا، و يسوقهم عنفا، و يسقيهم بكأس مصبّرة لا يعطيهم إلّا السيف، و لا يحلسهم إلّا الخوف، فعند ذلك تودّ قريش بالدنيا و ما فيها لو يروني ]يرونني »خ«[ مقاما واحدا، و لو قدر جزر جزور، لأقبل منهم ما أطلب اليوم بعضه فلا يعطونني.

إيضاح قال ابن أبي الحديد هذه الخطبة ذكرها جماعة من أصحاب السيرة، و هي متداولة منقولة مستفيضة خطب بها عليّ عليه السلام بعد انقضاء أمر النّهروان، و فيها ألفاظ لم يوردها الرّضي رحمه اللّه. ثمّ ذكر بعض الألفاظ المتروكة منها بحارالأنوار ج : 34 ص : 118

 قوله عليه السلام »و لم يكن ليجترئ عليها غيري، و لو لم أك فيكم ما قوتل أهل الجمل و النهروان. و ايم اللّه لو لا أن تتّكلوا فتدعوا العمل، لحدّثتكم بما قضى اللّه عزّ و جلّ على لسان نبيكم صلّى اللّه عليه و آله، لمن قاتلهم مبصرا لضلالتهم، عارفا للهدى الذي نحن عليه. سلوني قبل أن تفقدوني، فإنّي ميّت عن قريب أو مقتول، بل قتلا. ما ينتظر أشقاها أن يخضب هذه بدم هذه و ضرب ]عليه السلام[ بيده على لحيته.

 و منها في ذكر بني أميّة يظهر أهل باطلها على أهل حقّها حتّى يملأ الأرض عدوانا و ظلما و بدعا، إلى أن يضع اللّه عزّ و جلّ جبروتها، و يكسر عمدها، و ينزع أوتادها. ألا و إنّكم مدركوها، فانصروا قوما كانوا أصحاب رايات بدر و حنين تؤجروا، و لا تمالئوا عليهم عدوّهم، فيصير عليهم البليّة و يحلّ بكم النّقمة.

 و منها إلّا مثل انتصار العبد من مولاه، إذا رآه أطاعه، و إذا توارى عنه شتمه. و ايم اللّه لو فرّقوكم تحت كلّ حجر لجمعكم اللّه لشرّ يوم لهم.

 و منها فانظروا أهل بيت نبيكم فإن لبدوا فالبدوا، و إن استنصروكم فانصروهم، فليفرّجنّ اللّه ]الفتنة[ برجل منّا أهل البيت. بأبي ابن خيرة الإماء، لا يعطيهم إلّا السيف هرجا هرجا، موضوعا على عاتقه ثمانية أشهر، حتّى تقول قريش لو كان هذا من ولد فاطمة لرحمنا. يغريه اللّه ببني أميّة، حتّى يجعلهم حطاما و رفاتا » مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَ قُتِّلُوا تَقْتِيلًا سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا«.

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 119ثمّ قال ]ابن أبي الحديد[ فإن قيل فمن هذا الرجل الموعود به قيل أمّا الإماميّة فيزعمون أنّه إمامهم الثاني عشر، و أنّه ابن أمة اسمها نرجس. و أمّا أصحابنا، فيزعمون أنّه فاطمي يولد في مستقبل الزمان، لأمّ ولد و ليس بموجود الآن. فإن قيل فمن يكون من بني أميّة في ذلك الوقت موجودا حتّى ينتقم منهم قيل أمّا الإماميّة فتقول بالرجعة، و يزعمون أنّه سيعاد قوم بأعيانهم من بني أمية و غيرهم، إذا ظهر إمامهم المنتظر، و أنّه يقطع أيدي أقوام و أرجلهم، و يسمل عيون بعضهم و يصلب قوما آخرين، و ينتقم من أعداء آل محمّد عليهم السلام المتقدّمين ]منهم[ و المتأخّرين. و أمّا أصحابنا فيزعمون أنّه سيخلق اللّه تعالى في آخر الزمان رجلا من ولد فاطمة عليها السّلام يستولي على السفياني و أشياعه من بني أميّة. ثمّ قال فإن قيل لما ذا خصّ أهل الجمل و أهل النهروان بالذّكر، و لم يذكر ]أهل[ صفّين قيل لأنّ الشبهة كانت في أهل الجمل و أهل النهروان ظاهرة الالتباس، أمّا أهل الجمل ]ف[ لحسن ظنّهم بطلحة و الزبير، و كون عائشة زوجة الرسول صلّى اللّه عليه و آله معهم. و أمّا أهل النهروان، فكانوا أهل قرآن و عبادة و اجتهاد، و عزوف عن الدنيا، و هم كانوا قرّاء العراق و زهّادها. و أمّا معاوية، فكان فاسقا مشهورا بقلّة الدين و الانحراف عن الإسلام، و كذلك ناصره و مظاهره على أمره، عمرو بن العاص و من اتّبعهما من طغام أهل الشام و أجلافهم و جهّال الأعراب، فلم يكن أمرهم خافيا في جواز قتالهم بحارالأنوار ج : 34 ص : 120و محاربتهم. انتهى. قوله عليه السّلام »فأنا فقأت« يقال فقأت العين أي شققتها أو قلعتها بشحمها، أو أدخلت الإصبع فيها. و فقأ عين الفتنة كسر ثورانها. و حذف المضاف أي عين أهلها بعيد. و عدم اجتراء غيره عليه السلام على إطفاء تلك الفتنة لأنّ الناس كانوا يهابون قتال أهل القبلة، و يقولون كيف نقاتل من يؤذّن كأذاننا و يصلّي بصلاتنا و الغيهيب الظلمة و تموّجها و عمومها و شمولها، تشبيها لها بالبحر. و الكلب بالتحريك داء يعرض الإنسان من عضّ الكلب، و العطش. و المراد شرّها و أذاها. و الفئة الطائفة و الجماعة ]و[ لا واحد لها من لفظها. و ناعقها الداعي لها، أو إليها. و المناخ بضمّ الميم موضع الإناخة. و الركاب الإبل التي يسار عليها. و الواحدة راحلة و الرحل بالفتح كلّ شي‏ء يعدّ للرحيل. و حططت الرحل أنزلته عن الإبل. و المحطّ اسم مكان. و قيل هو و المناخ مصدران. و الكريهة النازلة و كرائه الأمور المصائب التي تكرهها النفوس. و الحوازب جمع حازب. و هو الأمر الشديد، و حزبه أمر اشتدّ عليه و دهمه. و الخطب بالفتح الشأن و الحال و الأمر الذي تقع فيه المخاطبة. و الإطراق السكوت، و إطراق السائل لصعوبة الأمر و شدّته ]عليه[ حتّى أنّه يبهته عن السؤال و يتحيّر كيف يسأل. و الفشل الجبن و الضعف. قوله عليه السّلام »و ذلك« أي النّزول و الإطراق و الفشل. و »قلّصت« بالتشديد أي اجتمعت و انضمّت.. و الحرب إذا كانت في موضع واحد يكون أشدّ و أصعب و يكون التشديد للمبالغة. و هي بالتخفيف بمعنى ارتفعت فالمراد شدّتها و كثرتها.

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 121و يقال ]هي[ بالتشديد بمعنى استمرّت في المضيّ. و يقال قلص قميصه فقلّص تقليصا أي شمّر. لازم ]و[ متعدّ. و في بعض النسخ »قلصت حربكم عن ساق« بدون كلمة »شمّرت«. و يروى »إذا قلصت عن حربكم« بالتخفيف أي إذا انكشفت كرائه الأمور و حوازب الخطوب عن حربكم. و »شمّرت عن ساق« أي كشفت عن شدّة و مشقّة كما قيل في قوله تعالى يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ. و قيل كشف الساق مثل في اشتداد الأمر و صعوبة الخطب. و أصله تشمير المخدّرات عن سوقهنّ في الهرب. و قيل يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ أي عن أصل الأمر و حقيقته بحيث يصير عيانا. و يحتمل أن يكون الغرض تشبيه الحرب بالمجدّ في أمر، فإنّ الإنسان إذا جدّ في السعي شمّر عن ساقه و رفع ثوبه لئلّا يمنعه. و استطالة الأيّام عدّها طويلة. و يوم البؤس و الشدّة يطول على الإنسان. و لعلّ المراد ببقيّة الأبرار، أولادهم و إن لم يكونوا أبرارا في أنفسهم، إن كان ]الكلام[ إشارة إلى دولة بني العباس. و الأظهر أنّه ]عليه السلام[ أراد القائم عليه السلام. قوله عليه السلام »شبهت« على المعلوم أي جعلت نفسها أو الأمور الباطلة شبيهة بالحقّ. أو على ]بناء[ المجهول أي أشكل أمرها و التبس على الناس. قوله عليه السلام »نبهت« أي أيقظت القوم من النوم، و أظهرت بطلانها عليهم. »ينكرن« أي لا يعرف حالهنّ. و حام الطائر حول الماء إذا طاف و دار بحارالأنوار ج : 34 ص : 122لينزل عليه. و ]قوله عليه السلام[ »حوم الرياح« أي كحومها. و الخطّة بالضّم شبه القصّة و الأمر و الخطب. و عموم خطّة تلك البليّة لكونها رئاسة عامّة و سلطنة شاملة. و خصوص البليّة لكون حظّ أهل البيت عليهم السلام و شيعتهم منها أوفر. و إصابة البلاء من أبصر فيها، لحزن المبصر من مشاهدة أفعالهم الشنيعة، و قصدهم إيّاه بأنواع الأذى بخلاف الجاهل المنقاد لهم. و يطلق الرب على المالك و السيّد و المدبّر و المربّي و المنعم. و الباب الناقة المسنّة. و الضروس السيّئة الخلق تعضّ حالبها. و عذم الفرس كضرب إذا أكل بجفاء أو عضّ. و خبط البعير إذا ضرب بيده الأرض شديدا. و الزبن الدفع. و زبنت الناقة إذا ضربت بثفنات رجلها عند الحلب. و الدّرّ اللّبن. و يقال لكلّ خير على التوسّع. قوله عليه السلام »لا يزالون بكم« أي لا يزالون يؤذونكم بأنواع الأذى حتّى لا يبقى منكم إلّا من ينفعهم في مقاصدهم، أو لا يضرّهم بإنكار المنكرات عليهم. و الضائر المضرّ. و الانتصار الانتقام. و الصاحب التابع. و المستصحب المتبوع. و الغرض إمّا نفي إمكان الانتصار، أو إثبات انتصار الأذلّاء و المقهورين، كالغيبة و الذمّ مع الأمن من الوصول إلى المغتاب. و الشوهاء القبيحة. و المخشية المخوّفة. و الجاهلية الحالة التي كانت العرب عليها قبل الإسلام. و المنجاة موضع النجاة. و الغرض خلاصهم من لحوق الآثام و المتابعة في الدعوة إلى الباطل، لا الخلاص من الأذيّة. و الأديم الجلد. و وجه الشبه انكشاف الجلد عمّا تحته من اللّحم. بحارالأنوار ج : 34 ص : 123و يحتمل أن يكون المراد بالأديم، الجلد الذي يلفّ الإنسان فيه للتّعذيب لأنّه يضغطه شديدا إذا جفّ و في تفريجه راحة. و يسومهم أي يكلّفهم و يلزمهم. و الخسف النقصان و الذلّ و الهوان. و المصبّرة الممزوجة بالصبر المرّ. و قيل أي المملوءة إلى أصبارها، أي جوانبها. و الحلس بالكسر كساء رقيق يكسى على ظهر البعير تحت البرذعة. و أحلس البعير ألبسه الحلس. و يحتمل أن يكون من الحلس الذي يبسط تحت حرّ الثياب، إشعارا بأنّهم في بيوتهم أيضا خائفون. و هو إشارة إلى ظهور دولة بني العبّاس. و الجزور الناقة التي تجزر. قوله عليه السلام »ما أطلب اليوم بعضه« أي الطاعة و الانقياد، أي يتمنّون أن يروني فيطيعوني إطاعة كاملة، و قد رضيت منهم اليوم بأن يطيعوني إطاعة ناقصة فلم يقبلوا. و قد روي في ]كتب[ السّير أنّ مروان بن محمّد و هو آخر ملوك بني أميّة، قال يوم الزاب لمّا شاهد عبد اللّه بن محمد بن علي بن عبد اللّه بن العبّاس بإزائه في صفّ خراسان لوددت أنّ عليّ بن أبي طالب تحت هذه الراية بدلا من هذا الفتى. و يحتمل أن يكون التمنّي عند قيام القائم عليه السلام.

 نهج ]و[ من كلام له عليه السلام. فلا أموال بذلتموها للّذي رزقها، و لا أنفس خاطرتم بها للّذي خلقها، تكرمون باللّه على عباده و لا تكرمون اللّه في عباده، فاعتبروا بنزولكم منازل بحارالأنوار ج : 34 ص : 124من كان قبلكم، و انقطاعكم عن أوصل إخوانكم.

بيان انتصاب ]قوله[ »أموال« بفعل مقدّر دلّ عليه »بذلتموها« و كذلك »أنفس«. و خاطر فلان بنفسه و بماله أي ألقاهما في الهلكة. »تكرمون باللّه« أي يعزّكم الناس بأنّكم أهل طاعة اللّه. »و لا تكرمون اللّه« أي لا تطيعونه في الإحسان إلى عباده، أو ]في[ إجراء أحكامه بينهم.

 نهج من خطبة له عليه السلام روي عن نوف البكالي قال خطبنا ]ب[ هذه الخطبة أمير المؤمنين ]عليه السلام[ و هو قائم على حجارة نصبها له جعدة بن هبيرة المخزومي، و عليه مدرعة من صوف، و حمائل سيفه ليف ]من ليف »خ«[ و في رجليه نعلان من ليف، و كأنّ جبينه ثفنة بعير فقال الحمد للّه الّذي إليه مصائر الخلق و عواقب الأمر، نحمده على عظيم إحسانه، و نيّر برهانه، و نوامي فضله و امتنانه، حمدا يكون لحقّه قضاء، و لشكره أداء، و إلى ثوابه مقرّبا، و لحسن مزيده موجبا. و نستعين به استعانة راج لفضله مؤمّل لنفعه، واثق بدفعه، معترف له بالطّول، مذعن له بالعمل و القول. و نؤمن به إيمان من رجاه موقنا، و أناب إليه مؤمنا، و خنع له مذعنا و أخلص له موحّدا، و عظّمه ممجّدا، و لاذ به راغبا مجتهدا. لم يولد سبحانه فيكون في العزّ مشاركا، و لم يلد فيكون موروثا هالكا، و لم يتقدّمه وقت و لا زمان، و لا يتعاوره زيادة و لا نقصان، بل ظهر للعقول بما بحارالأنوار ج : 34 ص : 125أرانا من علامات التّدبير المتقن و القضاء المبرم. فمن شواهد خلقه خلق السماوات موطّدات بلا عمد، قائمات بلا سند، دعاهنّ فأجبن طائعات مذعنات غير متلكّئات و لا مبطّئات، و لو لا إقرارهنّ بالربوبيّة و إذعانهنّ بالطواعية، لما جعلهنّ موضعا لعرشه و لا مسكنا لملائكته و لا مصعدا للكلم الطيّب و العمل الصّالح من خلقه. جعل نجومها أعلاما يستدلّ به الحيران في مختلف فجاج الأقطار. لم يمنع ضوء نورها ادلهمام سجف اللّيل المظلم، و لا استطاعت جلابيب سواد الحنادس أن تردّ ما شاع في السّماوات من تلألؤ نور القمر. فسبحان من لا يخفى عليه سواد غسق داج، و لا ليل ساج في بقاع الأرضين المتطأطئات، و لا في يفاع السّفع المتجاورات، و ما يتجلجل به الرعد في أفق السماء، و ما تلاشت عنه بروق الغمام، و ما تسقط من ورقة تزيلها عن مسقطها عواصف الأنواء، و انهطال السّماء. و يعلم مسقط القطرة و مقرّها، و مسحب الذّرّة و مجرّها، و ما يكفي البعوضة من قوتها، و ما تحمل الأنثى في بطنها. و الحمد للّه الكائن قبل أن يكون كرسيّ أو عرش أو سماء أو أرض أو جانّ أو إنس. لا يدرك بوهم، و لا يقدّر بفهم، و لا يشغله سائل، و لا ينقصه نائل، و لا ينظر بعين، و لا يحدّ بأين، و لا يوصف بالأزواج، و لا يخلق بعلاج، و لا يدرك بالحواس، و لا يقاس بالنّاس، الذي كلّم موسى تكليما و أراه من آياته عظيما، بلا جوارح و لا أدوات، و لا نطق و لا لهوات. بل إن كنت صادقا أيّها المتكلّف لوصف ربّك فصف جبرئيل و ميكائيل و جنود الملائكة المقرّبين، في حجرات القدس مرجحنّين، متولّهة عقولهم أن يحدّوا أحسن الخالقين. بحارالأنوار ج : 34 ص : 126و إنّما يدرك بالصّفات ذوو الهيئات و الأدوات، و من ينقضي إذا بلغ أمد حدّه بالفناء. فلا إله إلّا هو، أضاء بنوره كلّ ظلام، و أظلم بظلمته كل نور. أوصيكم عباد اللّه بتقوى اللّه الّذي ألبسكم الرّياش، و أسبغ عليكم المعاش، و لو أنّ أحدا يجد إلى البقاء سلما، أو لدفع الموت سبيلا، لكان ذلك سليمان بن داود الذي سخر له ملك الجنّ و الإنس مع النّبوّة، و عظيم الزّلفة، فلمّا استوفى طعمته، و استكمل مدّته، رمته قسيّ الفناء بنبال الموت، و أصبحت الدّيار منه خالية، و المساكن معطّلة و ورثها قوم آخرون. و إنّ لكم في القرون السالفة لعبرة، أين العمالقة و أبناء العمالقة أين الفراعنة و أبناء الفراعنة أين أصحاب مدائن الرّسّ الّذين قتلوا النّبيّين و أطفئوا سنن المرسلين و أحيوا سنن الجبارين أين الّذين ساروا بالجيوش و هزموا الألوف و عسكروا العساكر و مدّنوا المدائن

]و[ منها قد لبس للحكمة جنّتها، و أخذها بجميع أدبها من الإقبال عليها، و المعرفة بها، و التّفرّغ لها، و هي عند نفسه ضالّته الّتي يطلبها، و حاجته الّتي يسأل عنها، فهو مغترب إذا اغترب الإسلام، و ضرب بعسيب ذنبه و ألصق الأرض بجرانه بقيّة من بقايا حجّته، خليفة من خلائف أنبيائه.

 ثمّ قال عليه السلام أيّها النّاس إنّي قد بثثت لكم المواعظ الّتي وعظ بها الأنبياء أممهم، و أدّيت إليكم ما أدّت الأوصياء إلى من بعدهم، و أدّبتكم بسوطي فلم تستقيموا، و حدوتكم بالزّواجر فلم تستوثقوا، للّه أنتم أ تتوقّعون إماما غيري يطأ بكم الطريق و يرشدكم السّبيل ألا إنّه قد أدبر من الدّنيا ما كان مقبلا، و أقبل منها ما كان مدبرا، و أزمع التّرحال عباد اللّه الأخيار، و باعوا قليلا من الدنيا لا يبقى بكثير من الآخرة لا يفنى. بحارالأنوار ج : 34 ص : 127

ما ضرّ إخواننا الذين سفكت دماؤهم و هم بصفّين أن لا يكونوا اليوم أحياء يسيغون الغصص، و يشربون الرنق، قد و اللّه لقوا اللّه فوفّاهم أجورهم، و أحلّهم دار الأمن بعد خوفهم. أين إخواني الذين ركبوا الطريق و مضوا على الحقّ أين عمّار و أين ابن التيهان و أين ذو الشهادتين و أين نظراؤهم من إخوانهم الذين تعاقدوا على المنيّة، و أبرد برءوسهم إلى الفجرة قال ]نوف[ ثمّ ضرب يده إلى لحيته و أطال البكاء، ثمّ قال عليه السلام أوه على إخواني الذين تلوا القرآن فأحكموه و تدبّروا الفرض فأقاموه و أحيوا السنّة و أماتوا البدعة، دعوا للجهاد فأجابوا، و وثقوا بالقائد فاتّبعوا. ثمّ نادى بأعلى صوته. الجهاد الجهاد عباد اللّه ألا و إنّي معسكر في يومي هذا، فمن أراد الرّواح إلى اللّه فليخرج ]فليبرح »خ«[. قال نوف و عقد للحسين عليه السلام في عشرة آلاف، و لقيس بن سعد رحمه اللّه في عشرة آلاف، و لأبي أيّوب الأنصاري ]في[ عشرة آلاف، و لغيرهم على أعداد أخر، و هو يريد الرّجعة إلى صفّين، فما دارت الجمعة حتّى ضربه الملعون ابن ملجم، لعنه اللّه، فتراجعت العساكر. فكنّا كأغنام فقدت راعيها، تختطفها الذئاب من كلّ مكان.

تبيان قد مرّ شرح صدر الخطبة في كتاب التوحيد، و قال ]ابن الأثير[ في ]كتاب[ النهاية الرياش و الريش ما ظهر من اللّباس. و قيل الرياش جمع الريش، و يقع الرياش على الخصب و المعاش و المال المستفاد. و »أسبغ« أي أكمل و أوسع. و المعاش و المعيشة مكسب الإنسان الّذي

بحارالأنوار ج : 34 ص : 128

يعيش به. و السلّم كسكّر ما يرتقى عليه. و استعمل هنا في الوسيلة. و كون النّبوّة و الزّلفة أي القرب و المنزلة من الوسائل إلى البقاء، لاستجابة الدعاء معهما، فهما مظنّتان للتوصّل إلى البقاء في الباطن، كما أنّ السلطنة الكاملة مظنّة لأن تكون وسيلة إليه في الظّاهر. و الطعمة الرزق المقدّر. و القسيّ جمع القوس. و النبل السهّام العربيّة، لا واحد من لفظها. و قال ابن أبي الحديد نبال الموت أسبابه. و الإضافة البيانية للمبالغة بعيدة. و العمالقة أولاد عمليق أو عملاق بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح. و الفراعنة ملوك مصر. و قد مضى ذكر أصحاب الرّسّ. و عسكروا ]العساكر[ أي جمعوها. و مدّنوا المدائن أي بنوها. قوله عليه السّلام »قد لبس للحكمة جنّتها« إشارة إلى القائم عليه السلام كما ذكره ابن أبي الحديد نقلا عن الإماميّة. و »التفرّغ لها« أي عن العلائق و الشواغل. قوله عليه السلام »ضالّته« إشارة إلى قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم »الحكمة ضالّة المؤمن«. قوله عليه السلام »فهو مغترب« أي هذا الشخص يخفي نفسه و يخملها إذا ظهر الفسق و الجور و اغترب الإسلام باغتراب العدل و الصلاح، و هو إشارة إلى غيبة القائم عليه السلام. و قال ]ابن الأثير[ في ]مادّة »ذنب« من كتاب[ النهاية في حديث عليّ عليه السلام أنّه ذكر فتنة فقال »إذا كان ذلك ضرب يعسوب الدين بذنبه« بحارالأنوار ج : 34 ص : 129أي فارق أهل الفتنة و ضرب في الأرض ذاهبا في أهل دينه و أتباعه الذين يتّبعونه على رأيه و هم الأذناب. و قال الزمخشري الضرب بالذنب هاهنا مثل للإقامة و الثبات، يعني يثبت هو و من يتبعه على الدين. و قال الفيروزآبادي العسيب عظم الذنب أو منبت الشعر منه، و البعير إذا أعيا و تأذّى ضرب بعسيب ذنبه. و إلصاق الأرض بجرانه كناية عن ضعف الإسلام و قلّة نفعه، فإنّ البعير أقلّ ما يكون نفعه حال بروكه. و جران البعير صدره أو مقدّم عنقه. و بثّ الخبر نشره. و الحداء سوق الإبل و الغناء لها. ]قوله عليه السلام[ »و استوثقوا« استجمعوا و انضموا. و »الزواجر« النواهي و الإيعادات. »يطأ بكم الطريق« أي يذهب بكم في سبيل الحقّ. قوله عليه السلام »ما كان مقبلا« أي الهدى و الرشاد الذي كان في أيّام الرسول صلّى اللّه عليه و آله، أو في أيّام خلافته عليه السلام، فيكون إشارة إلى قرب ارتحاله عليه السلام من دار الفناء. و ]المراد من قوله[ »ما كان مدبرا« الضلال و الفساد. و »أزمع الأمر« أي عزم عليه. و الترحال بالفتح مبالغة في الرحلة. و كلمة »ما« في ]قوله عليه السلام[ »ما ضرّ« نافية، و يحتمل الاستفهام ]أيضا[ على الإنكار. و الفاعل ]هو قوله[ »أن لا يكونوا«. و إساغة الغصص هنا كناية عن كثرة الآلام و مشاهدة المنكرات، بحيث صار تجرّع الغصص عادة لهم، أو عن الرضا بقضاء اللّه. و الغصّة ما يعترض في الحلق. و الرنق بالفتح و التحريك الكدر من الماء.

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 130و عمار هو ابن ياسر المعروف و قد مرّ فضله. و ابن التّيّهان بالياء المنقوطة باثنتين تحتها، المشدّدة المكسورة، و قبلها تاء منقوطة باثنتين فوقها، ذكره ابن أبي الحديد و جوّز فتح الياء أيضا. و المضبوط في أكثر النسخ بالياء الساكنة و فتح التاء و كسرها معا. و في القاموس و تيهان و تيّهان مشدّدة الياء و يكسر، و هو أبو الهيثم و اسمه مالك. و قال ابن أبي الحديد الصحيح أنّه أدرك صفّين و شهدها مع عليّ عليه السلام... و قيل توفّي في زمن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. و ذو الشهادتين هو خزيمة بن ثابت و قصته مشهورة، يكنّى أبا عمارة، شهد بدرا و ما بعدها من المشاهد، و شهد صفين مع علي عليه السلام، فلما قتل عمّار قاتل حتّى قتل. قوله عليه السلام »تعاقدوا« أي جعلوا الموت بينهم عقدا. أو تابعوا على الموت و روي »تعاهدوا«. »و أبرد برءوسهم« ]مأخوذ[ من البريد أي أرسل للبشارة بها. و »الفجرة« أمراء عسكر الشام. و »أوه« ساكنة الواو مكسورة الهاء كلمة شكوى و توجّع، و ربما قلبوا الواو ألفا، فقالوا آه من كذا، و آه على كذا. و ربما شدّد الواو و كسروها و سكنوا الهاء، فقالوا أوّه من كذا. و ربما حذفوا الهاء مع التشديد و كسروا الواو، فقالوا أو من كذا بلا مدّ. و قد يقولون آوّه بالمدّ و التشديد و فتح الواو و سكون الهاء، لتطويل الصوت بالشكاية. و ربما أدخلوا فيه التاء تارة يمدّونه، و تارة لا يمدّونه، فيقولون أوتاه و آوتاه، و الاسم منه الآهة بالمدّ. ذكره الجوهري و ابن أبي الحديد. و إحكامه ]أي القرآن[ تلاوته كما ينبغي مع رعاية المحسنّات، و التدبّر في معانيه و العمل بمقتضاه. و أراد عليه السلام بالقائد نفسه. و الرواح إلى اللّه الذهاب إلى الفوز بحارالأنوار ج : 34 ص : 131برضوانه، أو إلى لقائه بالشهادة. و قيس هو من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، كان شجاعا جوادا من كبار شيعة علي عليه السّلام، شهد حروبه كلّها. و أبوه سعد بن عبادة، كان رئيس الخزرج، و لم يبايع أبا بكر، و مات على عدم البيعة. و المشهور أنّهم قتلوه لذلك، و أحالوا قتله على الجنّ، و افتروا شعرا من قبل الجنّ كما مرّ. و أبو أيوب هو خالد بن سعد بن كعب الخزرجيّ من بني النّجار، شهد العقبة و بدرا و سائر المشاهد، و عليه نزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين قدم المدينة، و شهد مع أمير المؤمنين عليه السلام مشاهده كلّها، و كان على مقدّمته يوم النهروان. و الاختطاف أخذك الشي‏ء بسرعة. و المراد هنا إمّا الأخذ بالنهب و القتل و الإذلال، أو الإغواء و الإضلال.

 ما جماعة عن محمد بن عمران المرزباني، عن محمد بن موسى عن محمد بن سهل عن هشام عن أبي مخنف عن ابن حصيرة عن أبي صادق عن جندب بن عبد اللّه الأزدي قال قام عليّ بن أبي طالب عليه السلام في الناس، ليستنفرهم إلى أهل الشام، و ذلك بعد انقضاء المدّة التي كانت بينه و بينهم، و قد شنّ معاوية على بلاد المسلمين الغارات، فاستنفرهم في الرغبة في الجهاد و الرهبة فلم ينفروا، فأضجره ذلك، فقال يا أيّها الناس المجتمعة أبدانهم المختلفة أهواؤهم ما عزّت دعوة من دعاكم، و لا استراح قلب من قاساكم. كلامكم يوهن الصمّ الصلاب، و تثاقلكم عن طاعتي يطمع فيكم عدوّكم ]المرتاب[. إذا أمرتكم قلتم »كيت و كيت بحارالأنوار ج : 34 ص : 132و عسى« أعاليل بأباطيل و تسألوني التأخير، دفاع ذي الدين المطول. هيهات هيهات لا يدفع الضيم الذليل، و لا يدرك الحقّ إلّا بالجدّ و الصبر. أيّ دار بعد داركم تمنعون و مع أيّ إمام بعدي تقاتلون المغرور و اللّه من غررتموه، و من فاز بكم فاز بالسّهم الأخيب. أصبحت لا أطمع في نصرتكم، و لا أصدّق قولكم، فرّق اللّه بيني و بينكم، و أعقبني بكم من هو خير لي منكم. أما إنّكم ستلقون بعدي ذلا شاملا، و سيفا قاطعا، و أثرة يتّخذها الظالمون فيكم سنّة، يفرّق جماعتكم، و تبكي عيونكم، و تمنّون عمّا قليل أنّكم رأيتموني فنصرتموني، و ستعرفون ما أقول لكم عمّا قليل، و لا يبعد اللّه إلّا من ظلم. قال فكان جندب لا يذكر هذا الحديث إلّا بكى، و قال صدق و اللّه أمير المؤمنين، قد شملنا الذّلّ و رأيناه الأثرة، و لا يبعد اللّه إلّا من ظلم.

 شاج روي أنّه لمّا عزم على المسير إلى الشام لقتال معاوية، قال بعد حمد اللّه و الثناء عليه، و الصلاة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اتّقوا اللّه عباد اللّه و أطيعوه و أطيعوا إمامكم، فإنّ الرعيّة الصّالحة تنجو بالإمام العادل، ألا و إنّ الرعيّة الفاجرة تهلك بالإمام الفاجر. و قد أصبح معاوية غاصبا لما في يديه من حقّي، ناكثا لبيعتي، طاعنا في دين اللّه عزّ و جلّ. و قد علمتم أيّها المسلمون ما فعل الناس بالأمس، فجئتموني راغبين إليّ بحارالأنوار ج : 34 ص : 133في أمركم، حتّى استخرجتموني من منزلي لتبايعوني، فالتويت عليكم لأبلو ما عندكم، فراودتموني القول مرارا، و راددتكم، و تداككتم عليّ تداكّ الإبل الهيم على حياضها، حرصا على بيعتي، حتّى خفت أن يقتل بعضكم بعضا، فلمّا رأيت ذلك منكم، رأيت في أمركم و أمري، و قلت إن أنا لم أجبهم إلى القيام بأمرهم، لم يصيبوا أحدا منهم يقوم فيهم مقامي، و يعدل فيهم عدلي. و قلت و اللّه لألينّهم و هم يعلمون حقّي و فضلي، أحبّ إليّ من أن يلوني و لا يعرفون حقّي و فضلي. فبسطت يدي فبايعتموني يا معاشر المسلمين، و فيكم المهاجرون و الأنصار و التابعون بإحسان، و أخذت عليكم عهد بيعتي و واجب صفقتي ]و[ عهد اللّه و ميثاقه. و أشدّ ما أخذ على النبيّين من عهد و ميثاق لتقرّنّ لي، و لتسمعن لأمري، و لتطيعوني و تناصحوني، و تقاتلون معي كلّ باغ عليّ، أو مارق إن مرق. فبايعتم لي بذلك جميعا، و أخذت عليكم عهد اللّه و ميثاقه و ذمّة اللّه و ذمّة رسوله، فأجبتموني إلى ذلك، و أشهدت اللّه عليكم، و أشهدت بعضكم على بعض. فقمت فيكم بكتاب اللّه و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله. فالعجب من معاوية بن أبي سفيان ينازعني الخلافة، و يجحدني الإمامة، و يزعم أنّه أحقّ بها منّي، جرأة منه على اللّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، بغير حقّ له فيها، و لا حجّة. و لم يبايعه المهاجرون، و لا سلّم له الأنصار و المسلمون. يا معاشر المهاجرين و الأنصار و جماعة من سمع كلامي أ ما أوجبتم لي على أنفسكم الطاعة أ ما بايعتموني على الرغبة أ ما أخذت عليكم العهد بالقبول لقولي أ ما بيعتي لكم يومئذ أوكد من بيعة أبي بكر و عمر فما بال من خالفني لم ينقض عليهما حتّى مضيا، و نقض عليّ و لم يوف لي أ ما يجب عليكم نصحي و يلزمكم أمري أ ما تعلمون أنّ بيعتي تلزم الشاهد منكم و الغائب فما بال معاوية و أصحابه طاعنون في بيعتي و لم لم يفوا لي و أنا في قرابتي و سابقتي و صهري، أولى بالأمر ممن تقدّمني أ ما سمعتم قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 134و آله يوم الغدير في ولايتي و موالاتي. فاتّقوا اللّه أيّها المسلمون و تحاثّوا على جهاد معاوية القاسط الناكث و أصحابه القاسطين، ]و[ اسمعوا ما أتلو عليكم من كتاب اللّه المنزل على نبيّه المرسل لتتّعظوا، فإنّه و اللّه عظة لكم. فانتفعوا بمواعظ اللّه و ازدجروا عن معاصي اللّه، فقد وعظكم اللّه بغيركم فقال لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله أَ لَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا قالُوا وَ ما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ قَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَ أَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ وَ قالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَ نَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَ لَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ وَ اللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ. أيّها النّاس إنّ لكم في هذه الآيات عبرة لتعلموا أنّ اللّه جعل الخلافة و الإمرة من بعد الأنبياء في أعقابهم، و أنّه فضّل طالوت و قدّمه على الجماعة باصطفائه إيّاه، وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ، فهل تجدون اللّه اصطفى بني أميّة على بني هاشم، و زاد معاوية عليّ بسطة في العلم و الجسم فاتّقوا اللّه عباد اللّه و جاهدوا في سبيله قبل أن ينالكم سخطه بعصيانكم له، قال اللّه سبحانه لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَ كانُوا يَعْتَدُونَ كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ. ]و قال اللّه تعالى[ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ. بحارالأنوار ج : 34 ص : 135و قال سبحانه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ يُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَ مَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. اتّقوا اللّه عباد اللّه و تحاثّوا على الجهاد مع إمامكم. فلو كان لي بكم عصابة بعدد أهل بدر، إذا أمرتهم أطاعوني، و إذا استنهضتهم نهضوا معي، لاستغنيت بهم عن كثير منكم، و أسرعت النهوض إلى حرب معاوية و أصحابه، فإنّه الجهاد المفروض.

بيان إنّما أوردته في هذا الباب لأنّه بالنهوض الثاني أنسب منه بالأوّل، و إن احتمله.

 شاج ]و[ من كلامه عليه السلام يجري مجرى الاحتجاج، مشتملا على التوبيخ لأصحابه على تثاقلهم لقتال معاوية، و التفنيد، متضمّنا للّوم و الوعيد أيّها النّاس إنّي استنفرتكم لجهاد هؤلاء القوم فلم تنفروا، و أسمعتكم فلم تجيبوا، و نصحت لكم فلم تقبلوا، شهودا كالغيّب. أتلو عليكم الحكمة فتعرضون عنها، و أعظكم بالموعظة البالغة فتنفرون عنها، كأنّكم حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ و أحثّكم على جهاد أهل الجور فما آتي على آخر قولي، حتّى أراكم متفرّقين أيادي سبا ترجعون إلى مجالسكم بحارالأنوار ج : 34 ص : 136تتربّعون حلقا، تضربون الأمثال، و تنشدون الأشعار، و تجسّسون الأخبار، حتّى إذا تفرّقتم، تسألون عن الأشعار. جهلة من غير علم، و غفلة من غير ورع، و تتبعا من غير خوف. و نسيتم الحرب و الاستعداد لها، فأصبحت قلوبكم فارغة من ذكرها، شغلتموها بالأعاليل و الأضاليل. فالعجب كلّ العجب و كيف لا أعجب من اجتماع قوم على باطلهم و تخاذلكم عن حقّكم. يا أهل الكوفة أنتم كأمّ مجالد، حملت فأملصت، فمات قيّمها، و طال أيّمها و ورثها أبعدها. و الّذي فلق الحبّة و برأ النّسمة، إنّ من ورائكم الأعور الأدبر جهنّم الدنيا، لا يبقي و لا يذر. و من بعده النّهاس الفرّاس، الجموع المنوع، ثمّ ليتوارثنكم من بني أميّة عدّة، ما الآخر ]منهم[ بأرأف بكم من الأوّل، ما خلا رجلا واحدا ]منهم[ بلاء قضاه اللّه على هذه الأمّة، لا محالة كائن. يقتلون خياركم، و يستعبدون أرذالكم، و يستخرجون كنوزكم و ذخائركم من جوف حجالكم، نقمة بما ضيّعتم من أموركم و صلاح أنفسكم و دينكم. يا أهل الكوفة أخبركم بما يكون قبل أن يكون، لتكونوا منه على حذر، و لتنذروا به من اتّعظ و اعتبر. كأنّي بكم تقولون إن عليا يكذب كما قالت قريش لنبيّها و سيّدها نبيّ الرحمة محمد بن عبد اللّه حبيب اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم. فيا ويلكم، فعلى من أكذب أ على اللّه فأنا أوّل من عبد اللّه و وحّده، أم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأنا أوّل من آمن به و صدّقه و نصره. كلّا و لكنها لهجة خدعة كنتم عنها أغبياء. بحارالأنوار ج : 34 ص : 137و الذي فلق الحبّة و برأ النّسمة، لتعلمنّ نبأها بَعْدَ حِينٍ، و ذلك إذا صيّركم إليها جهلكم، و لا ينفعكم عندها علمكم. فقبحا لكم يا أشباه الرّجال و لا رجال، حلوم الأطفال و عقول ربّات الحجال. أما و اللّه أيّها الشاهدة أبدانهم، الغائبة عنهم عقولهم، المختلفة أهواؤهم ما أعزّ اللّه نصر من دعاكم، و لا استراح قلب من قاساكم، و لا قرّت عين من آواكم. كلامكم يوهي الصّمّ الصّلاب، و فعلكم يطمع فيكم عدّوكم المرتاب. يا ويحكم، أيّ دار بعد داركم تمنعون و مع أيّ إمام بعدي تقاتلون و المغرور و اللّه من غررتموه، و من فاز بكم فاز بالسهّم الأخيب. أصبحت لا أطمع في نصركم، و لا أصدّق قولكم. فرّق اللّه بيني و بينكم، و أعقبني بكم من هو خير لي منكم، و أعقبكم بي من هو شرّ لكم منّي. إمامكم يطيع اللّه و أنتم تعصونه، و إمام أهل الشام يعصي اللّه و هم يطيعونه. و اللّه لوددت أنّ معاوية صارفني بكم صرف الدّينار بالدرهم، فأخذ منّي عشرة منكم و أعطاني واحدا منهم و اللّه لوددت أنّي لم أعرفكم، و لم تعرفوني، فإنّها معرفة جرّت ندما لقد ورّيتم صدري غيظا، و أفسدتم عليّ أمري بالخذلان و العصيان، حتى لقد قالت قريش إنّ عليا رجل شجاع ]و[ لكن لا علم له بالحروب. للّه درّهم هل كان فيهم أحد أطول لها مراسا منّي و أشدّ لها مقاساة لقد نهضت فيها و ما بلغت العشرين، ثمّ ها أنا قد ذرّفت على الستّين، و لكن لا أمر لمن لا يطاع. أما و اللّه لوددت أنّ ربّي قد أخرجني من بين أظهركم إلى رضوانه، و إنّ المنيّة لترصدني، فما يمنع أشقاها أن يخضبها و نزل ]عليه السلام[ يده على رأسه و لحيته عهدا عهده إليّ النّبيّ الأمّي صلّى اللّه عليه و آله. وَ قَدْ خابَ مَنِ بحارالأنوار ج : 34 ص : 138افْتَرى

، و نجا من اتَّقى وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنى. يا أهل الكوفة قد دعوتكم إلى جهاد هؤلاء القوم ليلا و نهارا، و سرّا و إعلانا، و قلت لكم اغزوهم قبل أن يغزوكم فإنّه ما غزي قوم في عقر دارهم إلّا ذلوا. فتواكلتم و تخاذلتم، و ثقل عليكم قولي، و استصعب عليكم أمري، وَ اتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا حتّى شنّت عليكم الغارات، و ظهرت فيكم الفواحش و المنكرات، تمسيكم و تصبحكم كما فعل بأهل المثلات من قبلكم، حيث أخبر اللّه عزّ و جلّ عن الجبابرة العتاة الطّغاة، و المستضعفين الغواة في قوله تعالى يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ. أما و الذي فلق الحبّة و برأ النّسمة لقد حلّ بكم الّذي توعدون. عاتبتكم يا أهل الكوفة بمواعظ القرآن فلم أنتفع بكم، و أدّبتكم بالدّرّة فلم تستقيموا لي، و عاقبتكم بالسوط الذي يقام به الحدود فلم ترعووا. و لقد علمت أنّ الذي يصلحكم هو السيف. و ما كنت متحرّيا صلاحكم بفساد نفسي، و لكن سيسلّط عليكم سلطان صعب، لا يوقر كبيركم، و لا يرحم صغيركم، و لا يكرم عالمكم، و لا يقسم الفي‏ء بالسّويّة بينكم، و ليضربنّكم و ليذلّنّكم، و ليجرّنّكم في المغازي، و يقطعنّ سبلكم، و ليحجبنّكم على بابه حتى يأكل قويّكم ضعيفكم، ثم لا يبعد اللّه إلّا من ظلم. و لقلّ ما أدبر شي‏ء فأقبل، إنّي لأظنّكم على فترة، و ما عليّ إلّا النّصح لكم. يا أهل الكوفة منيت منكم بثلاث و اثنتين صمّ ذوو أسماع، و بكم ذوو ألسن، و عمي ذوو أبصار. لا إخوان صدق عند اللّقاء، و لا إخوان ثقة عند البلاء. بحارالأنوار ج : 34 ص : 139اللّهم إنّي قد مللتهم و ملّوني، و سئمتهم و سئموني. اللّهم لا ترض عنهم أميرا، و لا ترضهم عن أمير، و أمث قلوبهم كإيماث الملح في الماء. أما و اللّه لو ]كنت[ أجد بدا من كلامكم و مراسلتكم ما فعلت. و لقد عاتبتكم في رشدكم حتّى سئمت الحياة، ]و أنتم في[ كلّ ذلك ترجعون بالهزء من القول، فرارا من الحقّ، و إلحادا إلى الباطل الذي لا يعزّ اللّه بأهله الدين، و إنّي لأعلم بكم أنّكم لا تزيدونني غير تخسير. كلّما أمرتكم بجهاد عدوّكم اثاقلتم إلى الأرض، و سألتموني التأخير دفاع ذي الدّين المطول. إن قلت لكم في القيظ سيروا. قلتم الحرّ شديد. و إن قلت لكم سيروا في البرد. قلتم القرّ شديد. كلّ ذلك فرارا عن الحرب إذا كنتم عن الحرّ و البرد تعجزون، فأنتم عن حرارة السيف أعجز و أعجز. ف إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. يا أهل الكوفة قد أتاني الصريح يخبرني أنّ ابن غامد قد نزل الأنبار على أهلها ليلا في أربعة آلاف، فأغار عليهم كما يغار على الرّوم و الخزر، فقتل بها عاملي ابن حسّان، و قتل معه رجالا صالحين ذوي فضل و عبادة و نجدة، بوّأ اللّه لهم جنّات النّعيم، و إنّه أباحها. و قد بلغني أنّ العصبة من أهل الشام، كانوا يدخلون على المرأة المسلمة و الأخرى المعاهدة، فيهتكون سترها، و يأخذون القناع من رأسها، و الخرص من أذنها، و الأوضاح من يديها و رجليها و عضديها، و الخلخال و المئزر عن سوقها، فما تمتنع إلّا بالاسترجاع و النّداء »يا للمسلمين« فلا يغيثها مغيث و لا ينصرها ناصر، فلو أنّ مؤمنا مات من دون هذا أسفا، ما كان عندي ملوما بل كان عندي بارا محسنا. بحارالأنوار ج : 34 ص : 140وا عجبا كلّ العجب من تظافر هؤلاء القوم على باطلهم، و فشلكم عن حقّكم قد صرتم غرضا يرمى و لا ترمون، و تغزون و لا تغزون، و يعصون اللّه و ترضون، فتربت أيديكم يا أشباه الإبل غاب عنها رعاتها، كلّما اجتمعت من جانب تفرّقت من جانب.

بيان التّفنيد اللّوم و تضعيف الرأي. و القسورة الأسد. و قال الجوهري أملصت المرأة بولدها أي أسقطته. و نهس اللحم أخذه بمقدّم الأسنان. و نهس الحيّة لسعها. و فرس الأسد فريسته دقّ عنقها. و المراد بالنّهاس الفراس، إمّا هشام بن عبد الملك لاشتهاره بالبخل، أو سليمان بن عبد الملك، فإنّه الّذي قيضت له الخلافة بعد وفاة الحجّاج بقليل. و الأوّل أنسب. و المراد بالرّجل الواحد ]هو[ عمر بن عبد العزيز. قوله عليه السّلام »و لكنّها لهجة خدعة« أي إذا قلت لكم سأظفر على الخصم إن شاء اللّه، فليس هذا من الكذب، بل هو كما مرّ و كذا أشباهه من مصالح الحرب و غيره. و يحتمل إرجاع ضمير »لكنّها« إلى ما ذكره من نسبته عليه السلام إلى الكذب، خصوصا على نسخة »أغنياء« بالنّون، أي ما ذكرتم لهجة خدعتم فيها من الشيطان، و لم تكن لكم حاجة إلى ذكرها. و في الصحاح و هي السّقاء يهي وهيا إذا انخرق و انشقّ. و فيه ورى القيح جوفه يريه وريا أكله و الاسم الورى بالتحريك. و ورّى الجرح سائره تورية أصابه الورى. و المراس الممارسة و المعالجة. و رصده رقبه. و الترصّد الترقّب. بحارالأنوار ج : 34 ص : 141قوله عليه السلام »تمسيكم و تصبحكم« لعلّ الضمير المستتر فيهما راجع إلى الفواحش و المنكرات أي يأتيكم إمّا صباحا أو مساء عقوبات تلك المنكرات كما فعل بمن قبلكم. أو الكاف اسميّ أي يأتيكم مثل ما فعل بهم. أو قبله تقدير أي يأتيكم عقوبته كما فعل بهم. أو الضميران راجعان إلى شنّ الغارات و ظهور الفواحش و المنكرات، و يكون المراد ظهورها من المخالفين فيهم فهذه عقوبة أعمالهم. قوله عليه السلام »و ليجرّنكم« أي يبعثكم جبرا. و في بعض النسخ »و ليجهّزنّكم«. و في بعضها »و ليجمّرنكم« و تجمير الجيش أن تحبسهم في أرض العدوّ و لا تقفلهم من الثغر. و تجمّروا أي تحبسوا. و ]قوله عليه السلام[ »و ليحجبنّكم« ضمّن معنى القيام فعدّي ب »على«. قوله عليه السّلام »إن قلت لكم في القيظ« ]كذا في كتاب الإحتجاج و[ في ]كتاب[ الإرشاد »إذا قلت لكم انفروا في الشتاء. قلتم هذا أوان قرّ و صر. و إن قلت لكم انفروا في الصيف. قلتم »هذه حمارّة القيظ أنظرنا ينصرم الحرّ عنّا كلّ ذلك فرارا عن الجنّة. ]و[ إذا كنتم عن الحرّ و البرد...« إلى آخر الكلام. قوله عليه السلام »قد أتاني الصريح« ]كذا[ في أكثر النسخ بالحاء المهملة، و هو الرجل الخالص النسب. و كلّ خالص صريح. و الأظهر أنّه بالخاء المعجمة كما في ]كتاب[ الإرشاد أي المستغيث أي من يطلب الإغاثة و المدد لدفع ظلمهم. و العصبة من الرجال بالضمّ ما بين العشرة إلى الأربعين. و في بحارالأنوار ج : 34 ص : 142القاموس الخرص بالضمّ و يكسر حلقة الذهب و الفضّة أو حلقة القرط أو الحلقة الصغيرة من الحلي. و في النهاية ]الخرص بالضمّ و الكسر[ الحلقة الصغيرة من الحلي و هو من حلي الأذن. و ]أيضا[ قال ]ابن الأثير[ فيه »أنّ يهوديا قتل جارية على أوضاح لها« هي نوع من الحلي يعمل من الفضّة سمّيت بها لبياضها، واحدها وضح. و قد أوردنا شرح بعض الفقرات في الروايات الأخر.

 مع الطالقاني عن الجوهري عن الجلودي و هشام بن عليّ معا عن ابن عائشة، بإسناد ذكره أنّ عليا ]عليه السلام[ انتهى إليه أنّ خيلا لمعاوية وردت الأنبار، فقتلوا عاملا له يقال له حسّان بن حسّان. فخرج مغضبا يجرّ ثوبه حتّى أتى النخيلة، و أتبعه النّاس فرقي رباوة من الأرض، فحمد اللّه و أثنى عليه و صلّى على نبيّه صلّى اللّه عليه و آله ثمّ قال أمّا بعد فإنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة، فتحه اللّه لخاصّة أوليائه، و هو لِباسُ التَّقْوى، و درع اللّه الحصينة، و جنّته الوثيقة، فمن تركه رغبة عنه ألبسه اللّه ثوب الذلّ، و سيماء الخسف، و ديّث بالصغار. و قد دعوتكم إلى حرب هؤلاء القوم ليلا و نهارا و سرّا و إعلانا، و قلت لكم اغزوهم من قبل أن يغزوكم، فو الذي نفسي بيده ما غزي قوم قطّ في عقر ديارهم، إلّا ذلّوا، فتواكلتم و تخاذلتم و ثقل عليكم قولي، وَ اتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا حتّى شنّت عليكم الغارات. هذا أخو غامد قد وردت خيله الأنبار، و قتلوا حسّان بن حسّان و رجالا منهم كثيرا و نساء، و الذي نفسي بيده لقد بلغني أنّه كان ]الرجل من أهل بحارالأنوار ج : 34 ص : 143الشام[ يدخل على المرأة المسلمة و المعاهدة فينتزع أحجالهما و رعثهما، ثمّ انصرفوا موفورين لم يكلم أحد منهم كلما. فلو أنّ امرأ مسلما مات من دون هذا أسفا، ما كان عندي فيه ملوما، بل كان عندي به جديرا. يا عجبا كلّ العجب من تظافر هؤلاء القوم على باطلهم و فشلكم عن حقّكم إذا قلت لكم اغزوهم في الشتاء، قلتم هذا أوان قرّ و صرّ. و إن قلت لكم اغزوهم في الصيف، قلتم هذه حمارّة القيظ، أنظرنا ينصرم الحرّ عنّا. فإذا أنتم من الحرّ و البرد تفرون، فأنتم و اللّه من السيف أفرّ. يا أشباه الرجال و لا رجال و يا طغام الأحلام و يا عقول ربّات الحجال. و اللّه لقد أفسدتم عليّ رأيي بالعصيان، و لقد ملأتم جوفي غيظا حتّى قالت قريش إنّ ابن أبي طالب شجاع و لكن لا رأي له في الحرب. للّه درّهم و من ذا يكون أعلم بها و أشدّ لها مراسا منّي فو اللّه لقد نهضت فيها و ما بلغت العشرين، و لقد نيّفت اليوم على الستّين، و لكن لا رأي لمن لا يطاع. يقولها ثلاثا. فقام إليه رجل و معه أخوه فقال يا أمير المؤمنين أنا و أخي هذا كما قال اللّه عزّ و جلّ حكاية عن موسى رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَ أَخِي فمرنا بأمرك، فو اللّه لننتهينّ إليه و لو حال بيننا و بينه جمر الغضا و شوك القتاد. فدعا له بخير ثمّ قال و أين تقعان مما أريد ثمّ نزل ]عليه السلام[.

قال الصدوق رضي اللّه عنه تفسير قال المبرد سيماء الخسف تأويله علامة ]الخسف[ قال اللّه عزّ و جلّ سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ بحارالأنوار ج : 34 ص : 144و قال اللّه عزّ و جلّ يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ و قال اللّه عزّ و جلّ يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ أي معلّمين. و قوله »ديّث بالصّغار« تأويل ذلك يقال للبعير إذ ذلّلته الرياضة بعير مديث أي مذلّل. و قوله »في عقر ديارهم« أي في أصل ديارهم. و العقر الأصل. و من ثمّ يقال لفلان عقار أي أصل مال. و قوله »تواكلتم« هو مشتقّ من وكلت الأمر إليك و وكلته إليّ إذا لم يتولّه أحد دون صاحبه، و لكن أحال به كلّ واحد على الآخر. و من ذلك قول الحطيئة أمور إذا واكلتها لا تواكلوا. و قوله »و اتّخذتموه وراءكم ظهريّا« أي لم تلتفتوا إليه. يقال في المثل لا تجعل حاجتي منك بظهري أي لا تطرحها غير ناظر إليها. و قوله »حتّى شنّت عليكم الغارات« يعني صبّت. يقال شننت الماء على رأسه أي صببته. و من كلام العرب فلمّا لقي فلان فلانا شنّه بالسيف أي صبّه عليه صبا. و قوله »هذا أخو غامد« فهو رجل مشهور من أصحاب معاوية من بني غامد بن نصر من الأزد. قوله »فينتزع أحجالهما« يعني الخلاخيل، واحدها حجل، و من ذلك قيل للدابة محجلة. و يقال للقيد حجل لأنّه يقع في ذلك الموضع. و ]أمّا[ قوله »و رعثهما« فهي الشنوف واحدها رعثة، و جمعها رعاث و جمع الجمع رعث. و قوله »ثمّ انصرفوا موفورين« من الوفر أي لم ينل أحد منهم بأن يرزأ بحارالأنوار ج : 34 ص : 145في بدن و لا مال. يقال فلان موفور، و فلان ذو وفر أي ذو مال، و يكون موفورا في بدنه. و قوله »لم يكلم أحد منهم كلما« أي لم يخدش أحد منهم خدشا، و كل جرح صغير أو كبير فهو كلم. و قوله »مات من دون هذا أسفا« يقول تحسرا، و قد يكون الأسف الغضب، قال اللّه عزّ و جلّ »فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ« و الأسيف يكون الأجير، و يكون الأسير. و قوله »من تظافر هؤلاء القوم على باطلهم« أي من تعاونهم و تظاهرهم. و قوله »و فشلكم من حقكم« يقال فشل فلان عن كذا إذا هابه فنكل عنه و امتنع من المضي فيه. و قوله »قلتم هذا أوان قرّ و صرّ«. فالصرّ شدّة البرد، قال اللّه عزّ و جلّ »كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ«. و قوله »هذه حمارّة القيظ«. فالقيظ الصيف، و حمارته اشتداد حرّه. بيان قوله »و جمع الجمع رعث«. ]قال ابن أثير[ في ]مادّة »رعث« من كتاب[ النهاية الرّعاث القرطة و هي من حلي الأذن، واحدتها رعثة رعثه و جنسها الرعث. أقول قد مرّ شرح باقي الفقرات، في رواية أخرى.

 ما قال أمير المؤمنين عليه السلام بحارالأنوار ج : 34 ص : 146الموت طالب و مطلوب، لا يعجزه المقيم، و لا يفوته الهارب، فقدّموا و لا تنكلوا، فإنّه ليس عن الموت محيص، إنّكم إن لم تقتلوا تموتوا. و الذي نفس عليّ بيده، لألف ضربة بالسيف على الرأس، أهون من موت على فراش.

 ما المفيد عن التّمّار عن محمد بن الحسين عن أبي نعيم، عن صالح بن عبد اللّه عن هشام عن أبي مخنف عن الأعمش، عن أبي إسحاق السبيعي عن الأصبغ بن نباتة رحمه اللّه، قال إنّ أمير المؤمنين ]عليه السلام[ خطب ذات يوم فحمد اللّه و أثنى عليه، و صلّى على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ثمّ قال أيّها الناس اسمعوا مقالتي و عوا كلامي، إنّ الخيلاء من التّجبّر، و النّخوة من التكبّر، و إنّ الشيطان عدوّ حاضر يعدكم الباطل. ألا إنّ المسلم أخو المسلم، فلا تنابزوا و لا تخاذلوا، فإنّ شرائع الدّين واحدة، و سبله قاصدة، من أخذ بها لحق، و من تركها مرق و من فارقها محق. ليس المسلم بالخائن إذا ائتمن، و لا بالمخلف إذا وعد، و لا بالكذوب إذا نطق. نحن أهل بيت الرّحمة، و قولنا الحقّ، و فعلنا القسط، و منّا خاتم النّبيّين، و فينا قادة الإسلام و أمناء الكتاب، ندعوكم إلى اللّه و رسوله، و إلى جهاد عدوه و الشّدة في أمره و ابتغاء رضوانه، و إلى إقام الصلاة و إيتاء الزّكاة و حجّ البيت و صيام شهر رمضان و توفير الفي‏ء لأهله. ألا و إنّ ]من[ أعجب العجب أنّ معاوية بن أبي سفيان الأموي و عمرو بحارالأنوار ج : 34 ص : 147بن عاص السهمي، يحرّضان الناس على طلب الدّين بزعمهما و إنّي و اللّه لم أخالف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قطّ، و لم أعصه في أمر قطّ، أقيه بنفسي في المواطن التي تنكص فيها الأبطال، و ترعد فيها الفرائص، بقوّة أكرمني اللّه بها فله الحمد. و لقد قبض النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و إنّ رأسه في حجري، و لقد وليت غسله، أغسله بيدي، و تقلّبه الملائكة المقرّبون. و ايم اللّه، ما اختلفت أمّة بعد نبيّها إلّا ظهر أهل باطلها على حقّها، إلّا ما شاء اللّه. قال فقام عمّار بن ياسر رحمة اللّه عليه فقال أمّا أمير المؤمنين فقد أعلمكم أنّ الأمّة لم تستقم عليه. فتفرّق الناس و قد نفذت بصائرهم.

 ما المفيد عن الكاتب عن الزعفراني عن الثقفي، عن محمد بن إسماعيل عن زيد بن المعدّل عن يحيى بن صالح الطيالسي عن إسماعيل بن زياد عن ربيعة بن ناجد قال لمّا وجّه معاوية بن أبي سفيان ابن عوف الغامدي إلى الأنبار إلى الغارة، بعثه في ستّة آلاف فارس، فأغار على »هيت« و »الأنبار« و قتل المسلمين و سبي الحريم و عرض الناس على البراءة من أمير المؤمنين عليه السلام، استنفر أمير المؤمنين عليه السلام الناس و قد كانوا تقاعدوا عنه و اجتمعوا على خذلانه، و أمر مناديه في الناس فاجتمعوا فقام خطيبا، فحمد اللّه و أثنى عليه و صلّى على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثمّ قال أمّا بعد أيّها الناس فو اللّه لأهل مصركم في الأمصار، أكثر في العرب من الأنصار. و ما كان يوم عاهدوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يمنعوه و من معه من المهاجرين، حتّى يبلّغ رسالات اللّه إلّا قبيلتان، صغير مولدهما، ما هما بحارالأنوار ج : 34 ص : 148بأقدم العرب ميلادا، و لا بأكثرهم عددا، فلمّا آووا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و نصروا اللّه و دينه، رمتهم العرب عن قوس واحدة، و تحالفت عليهم اليهود، و غزتهم القبائل قبيلة بعد قبيلة. فتجرّدوا للدّين، و قطعوا ما بينهم و بين العرب من الحبائل، و ما بينهم و بين اليهود من العهود، و نصبوا لأهل نجد و تهامة و أهل مكّة و اليمامة و أهل الحزن و أهل السهل، قناة الدّين، و تصبّروا تحت أحلاس الجلاد، حتّى دانت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله العرب، و رأى فيهم قرّة العين قبل أن يقبضه اللّه إليه. فأنتم في الناس أكثر من أولئك في أهل ذلك الزمان من العرب. فقام إليه رجل آدم طوال فقال ما أنت كمحمد، و لا نحن كأولئك الذين ذكرت، فلا تكلّفنا ما لا طاقة لنا به. فقال أمير المؤمنين عليه السلام اخسأ ]أحسن »خ«[ مستمعا تحسن إجابة، ثكلتكم الثواكل ما تزيدوني إلّا غما، هل أخبرتكم أنّي مثل محمد أو أنّكم مثل أنصاره و إنّما ضربت ]لكم[ مثلا، و أنا ]كنت[ أرجو أنّ تأسّوا بهم. ثمّ قام رجل آخر و قال ما أحوج أمير المؤمنين و من معه إلى أصحاب النهروان. ثمّ تكلم الناس من كلّ ناحية و لغطوا. فقام رجل فقال بأعلى صوته استبان فقد الأشتر على أهل العراق، أن لو كان حيا لقلّ اللغط، و لعلم كلّ امرئ ما يقول. فقال لهم أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه هبلتكم الهوابل، لأنا أوجب عليكم حقّا من الأشتر، و هل للأشتر عليكم من الحقّ إلّا حقّ المسلم على المسلم و غضب فنزل. فقام حجر بن عديّ و سعيد بن قيس فقالا لا يسوءك اللّه يا أمير المؤمنين، مرنا بأمرك نتّبعه، فو اللّه العظيم ما يعظم جزعنا على أموالنا أن تفرّق، و لا على عشائرنا أن تقتل في طاعتك. بحارالأنوار ج : 34 ص : 149فقال لهم تجهّزوا للمسير إلى عدوّنا. ثمّ دخل عليه السلام منزله، و دخل عليه وجوه أصحابه فقال لهم أشيروا عليّ برجل صليب ناصح يحشر الناس من السواد. فقال سعيد بن قيس عليك يا أمير المؤمنين بالناصح الأريب ]و[ الشجاع الصليب معقل بن قيس التميمي. قال نعم. ثمّ دعاه فوجّهه و سار ]معقل[ و لم يعد حتّى أصيب أمير المؤمنين عليه السلام.

بيان المراد بالقبيلتين الأوس و الخزرج. و قال الجوهري تجرّد للأمر جدّ فيه. قوله عليه السلام »و تصبّروا تحت أحلاس الجلاد« أي صبروا صبرا شديدا على ملازمة القتال. ]قال ابن الأثير[ في ]مادة »حلس« من كتاب[ النهاية »كونوا أحلاس بيوتكم« أي الزموها. و فيه »نحن أحلاس الخيل« يريدون لزومهم ظهورها. و استحلسنا الخوف أي لم نفارقه. و في بعض النسخ »تحت حماس الجلاد« ]قال الفيروزآبادي[ في القاموس حمس كفرح اشتدّ و صلب في الدين. و القتال و الحمس الأمكنة الصلبة، و الأحمس الشجاع كالحميس. و الحمس الصوت. و الآدم من الناس الأسمر. و الطوال بالضمّ الطويل. قوله عليه السلام »اخسأ« أي ابعد، يقال خسأت الكلب خسأ طردته. و خسأ الكلب بنفسه. يتعدى و لا يتعدّى. و »مستمعا« على بناء الفاعل. و في بعض النسخ »أحسن« بالحاء المهملة و النون. و »مستمعا« بفتح الميم مصدر. و اللغط بالتحريك الصوت و الجلبة و هبلته أمّه ثكلته.

 شا ]و[ من كلامه صلوات اللّه عليه حين نقض معاوية العهد، بحارالأنوار ج : 34 ص : 150و بعث بالضّحاك بن قيس للغارة على أهل العراق، فلقي عمرو بن عميس بن مسعود فقتله و قتل ناسا معه من أصحابه، و ذلك بعد أن حمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال يا أهل الكوفة اخرجوا إلى العبد الصّالح و إلى جيش لكم قد أصيب منه طرف. اخرجوا فقاتلوا عدوّكم، و امنعوا حريمكم إن كنتم فاعلين. قال فردّوا عليه ردّا ضعيفا، و رأى منهم عجزا و فشلا فقال و اللّه لوددت أنّ لي بكلّ ثمانية منكم رجلا منهم ويحكم اخرجوا معي ثمّ فرّوا عنّي إن بدا لكم، فو اللّه ما أكره لقاء ربّي على نيّتي و بصيرتي، و في ذلك روح لي عظيم، و فرج من مناجاتكم و مقاساتكم و مداراتكم مثل ما تدارى البكار العمدة، و الثّياب المتهتّرة، كلّما خيطت من جانب، تهتّكت من جانب على صاحبها.

بيان قال الجوهري الطرف بالتحريك الناحية من النواحي، و الطائفة من الشي‏ء. و ]قوله عليه السلام[ »المتهتّرة« في بعض النسخ بالتاء المثنّاة قال ]الفيروزآبادي[ في القاموس الهتر مزق العرض. و بالكسر السقط من الكلام. و هتره الكبر يهتره ]جعله خرفا و أفقده عقله[. و في بعضها ]»المهبرة«[ بالباء الموحّدة من قولهم »هبره« قطعه قطعا كبارا و هو أنسب. و يحتمل الياء من قولهم هار البناء هدمه، فهار و تهور و تهيّر و انهار، و هو أنسب بما في بعض الروايات مكانه من المتداعية.

 شا ]و[ من كلامه عليه السلام في استنفار القوم و استبطائهم بحارالأنوار ج : 34 ص : 151عن الجهاد، و قد بلغه مسير بسر بن أرطاة إلى اليمن أمّا بعد أيّها الناس فإنّ أوّل رفثكم و بدء نقضكم، ذهاب أولي النّهى و أهل الرّأي منكم، الّذين كانوا يلقون فيصدّقون، و يقولون فيعدلون، و يدعون فيجيبون. و إنّي و اللّه قد دعوتكم عودا و بدءا، و سرّا و جهرا، و في اللّيل و النّهار، و الغدوّ و الآصال، ]ف[ ما يزيدكم دعائي إلّا فرارا و إدبارا. أ ما يعظكم ]تنفعكم »خ«[ العظة و الدّعاء إلى الهدى و الحكمة و إنّي لعالم بما يصلحكم و يقيم لي أودكم، و لكنّي و اللّه لا أصلحكم بفساد نفسي. و لكن أمهلوني قليلا فكأنّكم و اللّه بامرئ قد جاءكم، يحرمكم و يعذّبكم فيعذّبه اللّه كما يعذّبكم. إنّ من ذلّ المسلمين و هلاك الدّين، أنّ ابن ]ظ[ أبي سفيان يدعو الأرذال فيجاب، و أدعوكم و أنتم الأفضلون الأخيار فتراوغون و تدافعون. ما هذا فعل المتّقين

بيان »أوّل رفثكم« في أكثر النسخ بالفاء و الثاء المثلّثة و هو الفحش من القول. و لا يناسب كثيرا. و يحتمل التّاء ]المثنّاة الفوقانية[ من قولهم »رفته يرفته ]من باب ضرب و نصر[ كسره و دقّه. و ]رفت الشي‏ء[ انكسر و اندقّ. و ]رفت الحبل[ انقطع. لازم و متعدّ. و في بعض النسخ بالقاف و التاء و هو أظهر أي ضعفكم و قلّتكم. و مراوغة الثعلب و روغانه مشهوران.

963-  شا ]و[ من كلامه صلوات اللّه عليه في هذا المعنى، بعد حمد اللّه و الثناء عليه ما أظنّ هؤلاء القوم يعني أهل الشام إلّا ظاهرين عليكم. بحارالأنوار ج : 34 ص : 152فقالوا له بما ذا يا أمير المؤمنين فقال أرى أمورهم قد علت، و نيرانكم قد خبت، و أراهم جدّين، و أراكم وانين، و أراهم مجتمعين، و أراكم متفرّقين، و أراهم لصاحبهم مطيعين، و أراكم لي عاصين. أم و اللّه لئن ظهروا عليكم لتجدنّهم أرباب سوء من بعدي لكم. لكأنّي أنظر إليهم و قد شاركوكم في بلادكم، و حملوا إلى بلادهم فيئكم. و كأنّي أنظر إليكم تكشّون كشيش الضبّاب، و لا تأخذون حقّا و لا تمنعون للّه من حرمة. و كأنّي أنظر إليهم يقتلون صالحيكم، و يخيفون قرّاءكم، و يحرمونكم و يحجبونكم و يدنون الناس دونكم. فلو قد رأيتم الحرمان و الأثرة و وقع السّيوف و نزول الخوف، لقد ندمتم و حسرتم على تفريطكم في جهادكم، و تذاكرتم ما أنتم فيه اليوم من الخفض و العافية، حين لا ينفعكم التّذكار.

بيان قال الجوهري كشيش الأفعى صوتها من جلدها لا من فمها، و قد كشّت تكشّ. و قال الحسرة أشدّ التلهف على الشي‏ء الفائت، تقول منه حسر على الشي‏ء بالكسر يحسر حسرا و حسرة فهو حسير.

 شا ]و[ من كلامه عليه السلام لمّا نقض معاوية بن أبي سفيان شرط الموادعة، و أقبل يشنّ الغارات على أهل العراق، فقال بعد أن حمد اللّه و أثنى عليه ما لمعاوية قاتله اللّه لقد أرادني على أمر عظيم، أراد أن أفعل كما يفعل فأكون قد هتكت ذمّتي و نقضت عهدي، فيتّخذها عليّ حجّة، فيكون عليّ شينا إلى يوم القيامة كلّما ذكرت. فإن قيل له أنت بدأت، قال ما عملت و لا أمرت. فمن قائل يقول صدق. و من قائل يقول كذب. بحارالأنوار ج : 34 ص : 153أم و اللّه إنّ اللّه لذو أناة و حلم عظيم، لقد حلم عن كثير من فراعنة الأوّلين، و عاقب فراعنة، فإن يمهل اللّه فلم يفته، و هو له بالمرصاد على مجاز طريقه، فليصنع ما بدا له فإنّا غير غادرين بذمّتنا، و لا ناقضين لعهدنا، و لا مروّعين لمسلم و لا معاهد حتّى ينقضي شرط الموادعة بيننا إن شاء اللّه تعالى.

 شا و من كلامه عليه السلام في مقام آخر. الحمد للّه و سلام على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله. أمّا بعد، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رضيني لنفسه أخا، و اختصّني له وزيرا. أيّها الناس أنا أنف الهدى و عيناه، فلا تستوحشوا من طريق الهدى لقلّة من يغشاه من زعم أنّ قاتلي مؤمن فقد قتلني. ألا و إنّ لكلّ دم ثائرا يوما، و إنّ الثّائر في دمائنا و الحاكم في حقّ نفسه و حقّ ذي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السّبيل، ]هو[ الذي لا يعجزه ما طلب، و لا يفوته ما هرب، وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ. و أقسم باللّه الذي فلق الحبّة و برأ النّسمة، لتنتحرنّ عليها يا بني أميّة، و لتعرفنّها في أيدي غيركم و دار عدوّكم عمّا قليل، و ستعلمنّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ.

بيان قال الجوهري انتحر الرجل أي نحر نفسه. و في المثل سرق السارق فانتحر. و انتحر القوم على الشي‏ء إذا تشاحوا عليه و تناحروا في القتال ]تقاتلوا مستميتين[. بحارالأنوار ج : 34 ص : 154

 شا و من كلامه عليه السلام في معنى ما تقدم يا أهل الكوفة خذوا أهبتكم لجهاد عدوّكم معاوية و أشياعه. فقالوا يا أمير المؤمنين أمهلنا يذهب عنّا القرّ. فقال أما و اللّه الذي فلق الحبّة و برأ النّسمة، ليظهرنّ هؤلاء القوم عليكم ليس بأنّهم أولى بالحقّ منكم، و لكن لطاعتهم معاوية و معصيتكم لي. و اللّه لقد أصبحت الأمم كلّها تخاف ظلم رعاتها، و أصبحت أنا أخاف ظلم رعيّتي لقد استعملت منكم رجالا فخانوا و غدروا، و لقد جمع بعضهم ما ائتمنته عليه من في‏ء المسلمين، فحمله إلى معاوية. و آخر حمله إلى منزله تهاونا بالقرآن، و جرأة على الرّحمن، حتّى أنّي لو ائتمنت أحدكم على علاقة سوط لخان، و لقد أعييتموني. ثمّ رفع ]عليه السلام[ يده إلى السماء و قال أللّهمّ إنّي سئمت الحياة بين ظهراني هؤلاء القوم، و تبرّمت الأمل، فأتح لي صاحبي حتّى أستريح منهم و يستريحوا منّي، و لن يفلحوا بعدي.

بيان تاح له الشي‏ء و أتيح له الشي‏ء أي قدّر له. ذكره الجوهري. و المراد بالصاحب ملك الموت. عبّر كذلك لأظهار الاشتياق إلى الموت. و يحتمل ]أنّه[ أراد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، أو ]أراد[ ابن ملجم لعنه اللّه، فالمراد بصاحبي من قدّر لقتلي. بحارالأنوار ج : 34 ص : 155

 شا روى مسعدة بن صدقة قال سمعت أبا عبد اللّه جعفر بن محمّد الصّادق عليه السّلام يقول خطب الناس أمير المؤمنين ]عليه السلام[ بالكوفة فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال أنا سيّد الشّيب، و فيّ سنّة من أيّوب، و سيجمع اللّه لي أهلي كما جمع ليعقوب شمله، و ذلك إذا استدار الفلك، و قلتم مات أو هلك. ألا فاستشعروا قبلها بالصبر و بوءوا إلى اللّه بالذنب، فقد نبذتم قدسكم، و أطفأتم مصابيحكم، و قلّدتم هدايتكم من لا يملك لنفسه و لا لكم سمعا و لا بصرا، ضعف و اللّه الطالب و المطلوب. هذا و لو لم تتواكلوا أمركم، و لم تتخاذلوا عن نصرة الحقّ بينكم، و لم تهنوا عن توهين الباطل، لم يتشجّع عليكم من ليس مثلكم، و لم يقو من قوي عليكم، و لا هضم الطاعة و أزواؤها عن أهلها فيكم. تهتم كما تاهت بنو إسرائيل على عهد موسى. و بحقّ أقول ليضعفنّ عليكم التّيه من بعدي باضطهادكم ولدي، ضعف ما تاهت بنو إسرائيل على عهد موسى. و بحقّ قد استكملتم نهلا، و امتلأتم عللا من سلطان الشّجرة الملعونة في القرآن. لقد اجتمعتم على ناعق ضلال، و لأجبتم الباطل ركضا، ثمّ لغادرتم داعي الحقّ، و قطعتم الأدنى من أهل بدر، و وصلتم الأبعد من أبناء حرب. ألا و لو ذاب ما في أيديهم. بحارالأنوار ج : 34 ص : 156لقد دنا التّمحيص للجزاء، و كشف الغطاء، و انقضت المدّة، و أزف الوعد، و بدا لكم النّجم من قبل المشرق، و أشرق لكم قمركم كملاء شهره، و كليلة تمّ، فإذا استبان ذلك، فراجعوا التّوبة، و خالفوا الحوبة، و اعلموا أنّكم إن أطعتم طالع المشرق سلك بكم منهاج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فتداويتم من الصمم، و استشفيتم من البكم، و كفيتم مئونة التّعسّف و الطّلب، و نبذتم الثّقل الفادح عن الأعناق. فلا يبعد اللّه إلّا من أبى الرّحمة، و فارق العصمة، وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ.

 جا الكاتب عن الزّعفراني عن الثقفي عن محمد بن إسماعيل، عن زيد ابن المعدّل عن يحيى بن صالح عن الحارث بن حصيرة عن أبي صادق عن جندب بن عبد اللّه الأزدي قال سمعت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ]عليه السّلام[ يقول لأصحابه، و قد استنفرهم أيّاما إلى الجهاد فلم ينفروا أيّها الناس إنّي قد استنفرتكم فلم تنفروا، و نصحت لكم فلم تقبلوا، فأنتم شهود كأغياب و صمّ ذوو أسماع، أتلو عليكم الحكمة، و أعظكم بالموعظة الحسنة و أحثّكم على جهاد عدوّكم الباغين، فما آتي على آخر منطقي حتّى أراكم متفرّقين أيادي سبا، فإذا أنا كففت عنكم عدتم إلى مجالسكم حلقا عزين تضربون الأمثال و تتناشدون الأشعار و تسألون عن الأخبار، قد نسيتم الاستعداد للحرب و شغلتم قلوبكم بالأباطيل. تربت أيديكم اغزوا القوم من قبل أن يغزوكم فو اللّه ما غزي قوم قطّ في عقر ديارهم إلّا ذلّوا. و ايم اللّه ما أراكم تفعلون حتّى يفعلوا، و لوددت أنّي لقيتهم على نيّتي بحارالأنوار ج : 34 ص : 157و بصيرتي فاسترحت من مقاساتكم، فما أنتم إلّا كإبل جمّة أضلّ راعيها، فكلّما ضمّت من جانب انتشرت من جانب آخر. و اللّه لكأنّي بكم لو حمس الوغا و أحمّ البأس، قد انفرجتم عن عليّ بن أبي طالب انفراج الرّأس، و انفراج المرأة عن قبلها. فقام إليه الأشعث بن قيس الكندي فقال له يا أمير المؤمنين فهلّا فعلت كما فعل ابن عفّان فقال له عليه السّلام يا عرف النار ويلك إنّ فعل ابن عفّان لمخزاة على من لا دين له و لا حجّة معه، فكيف و أنا على بيّنة من ربّي ]و[ الحقّ في يدي و اللّه إنّ امرأ يمكّن عدوّه من نفسه، يخذع لحمه و يهشم عظمه و يفري جلده و يسفك دمه، لضعيف ما ضمّت عليه جوانح صدره أنت فكن كذلك إن أحببت، فأمّا أنا فدون أن أعطي ذلك ضرب بالمشرفي، يطير منه فراش الهام، و تطيح منه الأكفّ و المعاصم، و يفعل اللّه بعد ما شاء. فقام أبو أيّوب الأنصاري خالد بن زيد، صاحب منزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال أيّها الناس إنّ أمير المؤمنين قد أسمع من كانت له أذن واعية و قلب حفيظ، إنّ اللّه قد أكرمكم بكرامة لم تقبلوها حقّ قبولها، إنّه نزل بين أظهركم ابن عمّ نبيكم و سيّد المسلمين من بعده، يفقّهكم في الدين، و يدعوكم إلى جهاد المحلّين، فكأنّكم صمّ لا تسمعون، أو على قلوبكم غلف، مطبوع عليها، فأنتم لا تعقلون. أ فلا تستحيون عباد اللّه أ ليس إنّما عهدكم بالجور و العدوان أمس قد شمل البلاء و شاع في البلاد، فذو حقّ محروم و ملطوم وجهه و موطّأ بطنه، و ملقى بالعراء تسفي عليه الأعاصير، لا يكنّه من الحرّ و القرّ و صهر الشمس و الضّحّ، إلّا الأثواب الهامدة و بيوت الشعر البالية، حتّى جاءكم اللّه بأمير المؤمنين، فصدع بالحقّ، و نشر العدل، و عمل بما في الكتاب. بحارالأنوار ج : 34 ص : 158يا قوم فاشكروا نعمة اللّه عليكم و لا تولّوا مدبرين، وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَ هُمْ لا يَسْمَعُونَ، اشحذوا السيوف، و استعدّوا لجهاد عدوّكم، فإذا دعيتم فأجيبوا، و إذا أمرتم فاسمعوا و أطيعوا، و ما قلتم فليكن ما أضمرتم عليه تكونوا بذلك من الصادقين.

 كتاب الغارات بإسناده إلى جندب مثله.

بيان الحلق بفتح الحاء و كسرها و فتح اللام جمع حلقة. و قال الجوهري العزة الفرقة من الناس، و الهاء عوض من الباء، و الجمع عزى على ]وزن[ فعل. و عزون و عزون أيضا بالضمّ و منه قوله تعالى عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشِّمالِ عِزِينَ [37-  المعارج 70] قال الأصمعي يقال في الدار عزون أي أصناف من الناس. ]قوله عليه السلام[ »أضلّ راعيها« في بعض النسخ »ضلّ«. ]قال الجوهري[ في الصحاح قال ابن السّكّيت أضللت بعيري إذا ذهب منك. و ضللت المسجد و الدار إذا لم تعرف موضعها. و في الحديث »لعلي أضلّ اللّه« يريد أضلّ عنه أي أخفى عليه. و قال حمّ الشي‏ء و أحمّ قدّر و أحمّه أمر أي أهمّه. و أحمّ خروجنا أي دنا. و في سائر الروايات »و حمي البأس«. قوله عليه السلام »يا عرف النار« لعلّه عليه السلام شبّهه بعرف الديك، لكونه رأسا فيما يوجب دخول النار، أو المعنى أنّك من القوم الذين يتبادرون دخول النار من غير رويّة، كقوله تعالى » وَ الْمُرْسَلاتِ عُرْفاً«. و قال ]الفيروزآبادي[ في القاموس خذع اللحم و ما لا صلابة فيه كمنع خرزه و قطعه في مواضع. و قال صهرته الشمس كمنع صحرته. بحارالأنوار ج : 34 ص : 159و الشي‏ء أذابه. و الصهر بالفتح الحار. و اصطهر و اصهار تلألأ ظهره من حرّ الشمس. و قال الضّحّ بالكسر الشمس و ضوؤها، و البراز من الأرض و ما أصابته الشمس. و قال الهمود الموت و تقطع الثوب من طول الطي. و الهامد البالي المسود المتغيّر.

 نهج ]و[ من خطبة له عليه السلام و قد تواترت عليه الأخبار باستيلاء أصحاب معاوية على البلاد، و قدم عليه عاملاه على اليمن و هما عبيد اللّه بن العباس و سعيد بن نمران، لمّا غلب عليهما بسر بن أرطاة، فقام عليه السلام إلى المنبر ضجرا بتثاقل أصحابه عن الجهاد و مخالفتهم ]له[ في الرأي فقال ما هي إلّا الكوفة أقبضها و أبسطها، إن لم تكوني إلّا أنت تهبّ أعاصيرك فقبّحك اللّه. و تمثّل ]عليه السلام بقول الشاعر[

لعمر أبيك الخير يا عمرو إنّني على وضر من ذا الإناء قليل

]ثم قال عليه السلام[ أنبئت بسرا قد اطّلع اليمن، و إنّي و اللّه لأظنّ أنّ هؤلاء القوم سيدالون منكم باجتماعهم على باطلهم و تفرّقكم عن حقّكم، و بمعصيتكم إمامكم في الحقّ و طاعتهم إمامهم في الباطل، و بأدائهم الأمانة إلى صاحبهم و خيانتكم، و بصلاحهم في بلادهم و فسادكم، فلو ائتمنت أحدكم على قعب لخشيت أن يذهب بعلاقته أللّهم إنّي قد مللتهم و ملّوني، و سئمتهم و سئموني، فأبدلني بهم خيرا منهم، و أبدلهم بي شرّا منّي. اللّهم مث قلوبهم كإيماث الملح في الماء. بحارالأنوار ج : 34 ص : 160أما و اللّه لوددت أنّ لي بكم ألف فارس من بني فراس بن غنم، ]ثمّ تمثّل عليه السلام[

هنالك لو دعوت أتاك منهم فوارس مثل أرمية الحميم

ثمّ نزل عليه السلام من المنبر.

قال السيّد ]الرّضي[ رضي اللّه عنه الأرمية جمع »رميّ« و هو السحاب. و الحميم هاهنا وقت الصيف، و إنّما خصّ الشّاعر سحاب الصيف بالذكر لأنّه أشدّ جفولا و أسرع خفوقا، لأنّه لا ماء فيه و إنّما يكون السحاب ثقيل السير، لامتلائه بالماء. و ذلك لا يكون في الأكثر إلّا في زمان الشتّاء. ]و إنّما[ أراد ]الشاعر[ وصفهم بالسرعة إذا دعوا، و الإغاثة إذا استغيثوا، و الدليل عليه، قوله

»هنالك لو دعوت أتاك منهم«

بيان قوله عليه السلام »ما هي إلّا الكوفة أقبضها و أبسطها« أي ما مملكتي إلّا الكوفة أتصرّف فيها كما يتصرّف الإنسان في ثوبه يقبضه و يبسطه. و الكلام في معرض التحقير، أي ما أصنع بتصرّفي فيها مع حقارتها. و يحتمل أن يكون المراد عدم التمكن التامّ من التصرّف فيها لنفاق أهلها، كمن لا يقدر على لبس ثوب بل على قبضه و بسطه. أو المراد بالبسط بثّ أهلها للقتال عند طاعتهم. و بالقبض الاقتصار على ضبطهم عند المخالفة. و ]الخطاب[ في قوله ]عليه السلام[ »إن لم تكوني ]إلّا أنت«[ التفات. قوله عليه السلام »تهبّ أعاصيرك« الجملة في موضع الحال، و خبر »كان« محذوف، و لفظ الأعاصير على حقيقته، فإنّ الكوفة معروفة بهبوب الإعصار فيها. بحارالأنوار ج : 34 ص : 161و يحتمل أن يكون مستعارا لآراء أهلها المختلفة، و التقدير إن لم تكوني إلّا أنت عدّة لي و جنّة ألقى بها العدوّ، و حظّا من الملك و الخلافة مع ما فيك من المذامّ، فقبحا لك و بعدا. و يمكن أن يقدر المستثنى منه حالا، أي إن لم تكوني على حال إلّا أن تهبّ فيك الأعاصير دون أن يكون فيك من يستعان به على العدوّ. و الإعصار ريح تهبّ و تمتدّ من الأرض كالعمود نحو السّماء. و قيل ]هو[ كلّ ريح فيها العصار، و هو الغبار الشّديد. و الوضر بفتح الضاد الدرن الباقي في الإناء بعد الأكل، و يستعار لكلّ بقيّة من شي‏ء يقلّ الانتفاع بها. و استعار بلفظ الإناء للدّنيا و بلفظ الوضر للقليل لما فيها لحقارتها. و روي »من ذي الآلاء« فإنّما أراد أنّي على بقيّة من هذا الأمر كالقدر الحاصل لناظر الآلاء، مع عدم انتفاعه بشي‏ء آخر فإنّ الآلاء كسحاب. ]»و سبا« غير مهموز[ شجر حسن المنظر مرّ الطعم. قوله عليه السّلام »قد اطّلع اليمن« أي غلبها و غزاها و أغار عليها. من الاطّلاع و هو الإشراف من مكان عال. قوله عليه السلام »سيدالون منكم« أي يغلبونكم و يكون لهم الدولة عليكم. و لعلّ التفرّق عن الحقّ و معصية الإمام واحد، أتى بهما تأكيدا. و قيل المراد بالحقّ الذي تفرّقوا عنه ]هو[ تصرّفهم في الفي‏ء و الغنائم و غيرها بإذن الإمام. و أداء الأمانة الوفاء بالعهد و البيعة أو مطلقا. و الصلاح في البلاد ترك التعرّض للناس و تهييج الفتن. و القعب القدح الضخم. قوله عليه السّلام »أن يذهب بعلاقته« الضمير المستتر راجع إلى الأحد ]في قوله »فلو ائتمنت أحدكم«[ و الباء للتعدية، أو إلى »القعب« و الباء بحارالأنوار ج : 34 ص : 162بمعنى مع. و قوله عليه السّلام »خيرا منهم و شرّا منّي« صيغة أفعل فيه بمنزلتها في قوله تعالى » أَ ذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ« [51-  الفرقان 25] على سبيل التّنزل أو التهكم، أو أريد بالصيغة أصل الصفة بدون تفضيل. و لعلّ المراد بقوله »خيرا منهم« قوم صالحون ينصرونه و يوفّقون لطاعته، أو ما بعد الموت من مرافقة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و غيره من الأنبياء عليهم السلام. و تمنّيه عليه السلام لفوارس ]من[ فراس بن غنم ربما يؤيّد ]الوجه[ الأوّل. و يروى أنّ اليوم الذي دعا فيه عليه السلام ولد الحجّاج. و روي أنّه ولد بعد ذلك بمدّة يسيرة، و فعل الحجاج بأهل الكوفة مشهور. و يقال ماث زيد الملح في الماء أي أذابه. قوله عليه السّلام »لوددت ]أنّ لي بكم« إلى قوله »هنالك لو دعوت أتاك منهم«[ البيت لأبي جندب الهذلي، و بنو فراس حيّ مشهور بالشجاعة. و الجفول الإسراع. و الخفوق العجلة.

 نهج و قال عليه السلام لمّا بلغه إغارة أصحاب معاوية على الأنبار، فخرج بنفسه ماشيا حتّى أتى النخيلة فأدركه الناس، و قالوا يا أمير المؤمنين نحن نكفيكهم. فقال عليه السلام و اللّه لا تكفوني أنفسكم فكيف تكفوني غيركم إن كانت الرّعايا قبلي لتشكو حيف رعاتها، و إنّي اليوم لأشكو حيف رعيّتي، كأنّي المقود و هم القادة، أو الموزوع و هم الوزعة و لمّا قال عليه السلام هذا القول في كلام طويل قد ذكرنا مختاره في جملة الخطب تقدّم إليه رجلان من أصحابه فقال أحدهما » إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا بحارالأنوار ج : 34 ص : 163نَفْسِي وَ أَخِي، فمرنا بأمرك يا أمير المؤمنين ننفذ له«. فقال ]عليه السلام[ و أين تقعان ممّا أريد

بيان وزعه يزعه كفّه و منعه.

973-  كتاب الغارات لإبراهيم بن محمّد الثقفي بإسناده عن عمارة بن عمير أنّه قال كان لعلي عليه السلام صديق يكنّى بأبي مريم من أهل المدينة، فلمّا سمع بتشتّت الناس عليه أتاه، فلمّا رآه ]علي عليه السلام[ قال أبو مريم قال نعم. قال ما جاء بك قال إنّي لم آتك لحاجة، و لكنّي ]كنت[ أراك لو ولّوك أمر هذه الأمّة أجزأته. قال يا أبا مريم إنّي صاحبك الذي عهدت، و لكنّي منيت بأخبث قوم على وجه الأرض أدعوهم إلى الأمر ]الصائب[ فلا يتّبعوني، فإذا تابعتهم على ما يريدون تفرقوا عنّي.

 و عن فضيل بن جعد عن مولى الأشتر قال شكا عليّ عليه السلام إلى الأشتر فرار الناس إلى معاوية، فقال الأشتر يا أمير المؤمنين إنّا قاتلنا أهل البصرة بأهل البصرة، و أهل الكوفة، و الرأي واحد، و قد اختلفوا بعد و تعادوا، و ضعفت النّية، و قلّ العدل، و أنت تأخذهم بالعدل، و تعمل فيهم بالحقّ، بحارالأنوار ج : 34 ص : 164و تنصف الوضيع من الشريف، و ليس للشريف عندك فضل منزلة على الوضيع، فضجّ طائفة ممّن معك على الحقّ إذا عمّوا به، و اغتمّوا من العدل إذ صاروا فيه، و صارت صنائع معاوية عند أهل الغنى و الشرف، فتاقت أنفس الناس إلى الدنيا، و قلّ من الناس من ليس للدنيا بصاحب، و أكثرهم من يجتوي الحقّ و يستمرئ الباطل و يؤثر الدنيا. فإن تبذل المال يا أمير المؤمنين تمل إليك أعناق الناس، و تصفو نصيحتهم، و تستنزل ودّهم، صنع اللّه لك يا أمير المؤمنين و كبت عدوّك، و فضّ جمعهم، و وهن كيدهم و شتّت أمورهم، إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. فأجابه عليّ عليه السلام فحمد اللّه و أثنى عليه و قال أمّا ما ذكرت من عملنا و سيرتنا بالعدل فإنّ اللّه يقول مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَ ما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ و أنا من أكون مقصّرا فيما ذكرت أخوف. و أمّا ما ذكرت من أنّ الحقّ ثقل عليهم ففارقونا لذلك، فقد علم اللّه أنّهم لم يفارقونا من جور، و لم يلجئوا إلى عدل، و لم يلتمسوا إلّا دنيا زائلة عنهم، كأن قد فارقوها، و ليسألنّ يوم القيامة أ للدنيا أرادوا أم للّه عملوا و أمّا ما ذكرت من بذل الأموال و اصطناع الرجال، فإنّا لا يسعنا أن نؤتي امرأ من الفي‏ء أكثر من حقّه، و قد قال اللّه و قوله الحقّ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَ اللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ و ]قد[ بعث ]اللّه[ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله وحده فكثره بعد القلّة، و أعزّ فئته بعد الذلّة، و إن يرد اللّه ]أن[ يولينا هذا الأمر، يذلّل لنا صعبه بحارالأنوار ج : 34 ص : 165و يسهّل لنا حزنه و أنا قابل من رأيك ما كان للّه ]فيه[ رضا، و أنت من أعزّ أصحابي و أوثقهم في نفسي و أنصحهم عندي.

 كنز الكراجكي روي أنّ هذه الأبيات لأمير المؤمنين عليه السلام

أخذتكم درعا حصينا لتدفعوا سهام العدى عنّي فكنتم نصالهافإن أنتم لم تحفظوا لمودّتي ذماما فكونوا لا عليها و لا لهاقفوا موقف المعذور عنّي بجانب و خلّوا نبالي للعدى و نبالها

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 167

]الباب الثاني و الثلاثون[

علّة عدم تغيير أمير المؤمنين عليه السلام بعض البدع في زمانه

 ج عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عليه السلام قال خطب أمير المؤمنين ]عليه السلام[ فقال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول كيف أنتم إذا ألبستم الفتنة، ينشأ فيها الوليد، و يهرم فيها الكبير، و تجري الناس عليها حتّى يتّخذوها سنّة، فإذا غيّر منها شي‏ء قيل أتى الناس بمنكر غيّرت السنّة. ثمّ تشتدّ البليّة، و تنشأ فيها الذريّة، و تدقّهم الفتن كما تدقّ النّار الحطب، و كما تدقّ الرحى بثفالها. يتفقّه الناس لغير الدين، و يتعلّمون لغير العمل، و يطلبون الدنيا بعمل الآخرة. ثمّ أقبل أمير المؤمنين عليه السلام، و معه ناس من أهل بيته و خاصّ من شيعته، فصعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه و صلّى على النبي صلّى اللّه عليه و آله، بحارالأنوار ج : 34 ص : 168ثمّ قال لقد عملت ]عمل »خ«[ الولاة قبلي بأمور عظيمة، خالفوا فيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله متعمّدين لذلك، و لو حملت الناس على تركها و حوّلتها إلى مواضعها التي كانت عليها على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، لتفرّق عنّي جندي حتّى أبقى وحدي إلّا قليلا من شيعتي الذين عرفوا فضلي و إمامتي من كتاب اللّه و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله. أ رأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم عليه السلام فرددته إلى المكان الذي وضعه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيه، و رددت فدك إلى ورثة فاطمة عليها السلام، و رددت صاع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و مدّه إلى ما كان، و أمضيت قطائع كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أقطعها لناس مسمّين، و رددت دار جعفر بن أبي طالب إلى ورثته و هدمتها ]و أخرجتها[ من المسجد، و رددت الخمس إلى أهله، و رددت قضاء كلّ من قضى بجور، و سبي ذراري بني تغلب، و رددت ما قسم من أرض خيبر، و محوت ديوان العطاء، و أعطيت كما كان يعطي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و لم أجعلها دولة بين الأغنياء و اللّه لقد أمرت الناس أن لا يجمعوا ]لا يجتمعوا »خ«[ في شهر رمضان إلّا في فريضة، فنادى بعض أهل عسكري ممّن يقاتل دوني، و سيفه معي أتقي به في الإسلام و أهله غيّرت سنّة عمر و نهى أن يصلّى في شهر رمضان في جماعة، حتّى خفت أن يثور بي ناحية عسكري ما لقيت هذه الأمّة من أئمّة الضّلالة و الدعاة إلى النّار. و أعظم من ذلك، سهم ذوي القربى الذين قال اللّه تبارك و تعالى ]في حقّهم[ وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى بحارالأنوار ج : 34 ص : 169وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَ ما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ

نحن و اللّه عنى بذوي القربى الّذين قرنهم اللّه بنفسه و نبيّه صلّى اللّه عليه و آله، و لم يجعل لنا في الصّدقة نصيبا، أكرم اللّه سبحانه و تعالى نبيّه، و أكرمنا أن يطعمنا أوساخ أيدي الناس. فقال له رجل إنّي سمعت من سلمان و أبي ذرّ الغفاري و المقداد، أشياء من تفسير القرآن و الرّواية عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله، و سمعت منك تصديق ما سمعت منهم، و رأيت في أيدي النّاس أشياء كثيرة من تفسير القرآن و الأحاديث عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، ]و[ أنتم تخالفونهم و تزعمون أنّ ذلك باطل، أ فترى الناس يكذبون متعمّدين على نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و آله و يفسّرون القرآن بآرائهم قال فأقبل ]إليه أمير المؤمنين[ عليه السّلام فقال له قد سألت فافهم الجواب إنّ في أيدي النّاس حقّا و باطلا، و صدقا و كذبا، و ناسخا و منسوخا، و عامّا و خاصا، و محكما و متشابها، و حفظا و وهما، و قد كذب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو حيّ، حتّى قام خطيبا فقال »أيّها الناس قد كثرت عليّ الكذابة، فمن كذب عليّ متعمّدا فليتبوأ مقعده من النار«. و إنّما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس رجل منافق مظهر للإيمان متصنّع بالإسلام، لا يتأثّم و لا يتحرّج في أن يكذب على اللّه و على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله متعمّدا، فلو علم النّاس أنّه منافق كاذب لم يقبلوا منه و لم يصدّقوا قوله، و لكنّهم قالوا »صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و رآه و سمع منه و لقف عنه« و يأخذون ]فيأخذون »خ«[ بقوله و قد أخبرك اللّه عن المنافقين بما أخبرك و وصفهم بما وصفهم به لك. ثمّ بقوا بعده صلّى اللّه عليه و آله فتقرّبوا إلى أئمة الضلالة، و الدعاة إلى النار بالزور و البهتان، فولّوهم الأعمال و جعلوهم حكّاما على رقاب الناس، و أكلوا بحارالأنوار ج : 34 ص : 170بهم الدنيا و إنّما الناس مع الملوك و الدنيا إلّا من عصمه اللّه. فهذا أحد الأربعة. و ]ثاني الأربعة[ رجل سمع من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله شيئا لم يحفظه على وجهه، فوهم فيه و لم يتعمد كذبا، و هو في يديه يرويه و يعمل به و يقول »أنا سمعت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله«. فلو علم المسلمون أنّه وهم فيه لم يقبلوا منه، و لو علم هو أنّه كذلك لرفضه. و رجل ثالث سمع من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله شيئا يأمر به ثمّ نهى ]رسول اللّه[ عنه و هو لا يعلم، أو سمعه نهى عن شي‏ء ثمّ أمر به و هو لا يعلم، فحفظ المنسوخ و لم يحفظ الناسخ. فلو علم أنّه منسوخ لرفضه، و لو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنّه منسوخ لرفضوه. و آخر رابع لم يكذب على اللّه و لا على رسوله، مبغض للكذب خوفا للّه و تعظيما لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و لم يهم به، بل حفظ ما سمع على وجهه، فجاء به على ما سمعه، و لم يزد فيه و لم ينقص منه، و حفظ الناسخ فعمل به و حفظ المنسوخ فجنب عنه، و عرف الخاصّ و العامّ فوضع كلّ شي‏ء موضعه، و عرف المتشابه و المحكم. و قد يكون من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الكلام له وجهان، فكلام خاصّ و كلام عامّ، فيسمعه من لا يعرف ما عنى اللّه به، و لا ما عنى به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فيحمله السّامع و يوجّهه على غير معرفة بمعناه و لا ما قصد به و ما خرج من أجله. و ليس كلّ أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يسأله و يستفهمه، حتّى إن كانوا ليحبّون أن يجي‏ء الأعرابي أو الطّاري فيسأله صلّى اللّه عليه و آله حتّى يسمعوا كلامه و كان لا يمرّ بي من ذلك شي‏ء إلّا سألت عنه و حفظته. فهذه وجوه ما عليه الناس في اختلافهم و عللهم في رواياتهم.

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 171بيان قد مرّ شرح آخر الخبر و سيأتي شرح أوّله. قوله عليه السلام »أتقي به الإسلام« في بعض النسخ »ينعى الإسلام« ]و[ النعي خبر الموت أي كان ينادي مظهرا أنّه مات الإسلام و أهله بتغيير سنّة عمر.

 شي‏ء عن حريز عن بعض أصحابنا عن أحدهما قال لمّا كان أمير المؤمنين ]عليه السلام[ في الكوفة أتاه الناس فقالوا اجعل لنا إماما يؤمّنا في ]شهر[ رمضان. فقال لا. و نهاهم أن يجتمعوا فيه، فلمّا أمسوا جعلوا يقولون ابكوا في رمضان وا رمضاناه. فأتاه الحارث الأعور في أناس فقال يا أمير المؤمنين ضجّ الناس و كرهوا قولك. فقال عليه السّلام دعوهم و ما يريدون ليصلّي بهم من شاءوا. ثمّ قال »فمن يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَ ساءَتْ مَصِيراً«

 جا الكاتب عن الزعفراني عن الثقفي عن يوسف بن كليب عن معاوية بن هشام عن الصباح بن يحيى المزني عن الحارث بن حصيرة قال حدّثني جماعة من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال يوما ادعوا ]لي[ بحارالأنوار ج : 34 ص : 172غنيا و باهلة و حيا آخر قد سمّاهم فليأخذوا عطاياهم، فو الذي فلق الحبّة و برأ النسمة ما لهم في الإسلام نصيب، و إنّي شاهد و منزلي عند الحوض و عند المقام المحمود، أنّهم أعداء لي في الدنيا و الآخرة ]و[ لآخذن غنيا أخذة يضرط باهلة. و لئن ثبتت قدماي لأردّنّ قبائل إلى قبائل، و قبائل إلى قبائل، و لأبهرجنّ ستّين قبيلة ما لها في الإسلام نصيب.

بيان البهرج الباطل. و بهرجه أي جعل دمه هدرا.

 كا ]ثقة الإسلام الكليني[ في ]كتاب[ الروضة ]عن[ عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن حمّاد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني عن أبان بن أبي عيّاش عن سليم بن قيس الهلالي قال خطب أمير المؤمنين عليه السّلام فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ صلّى على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ثمّ قال ألا إنّ أخوف ما أخاف عليكم خلّتان اتّباع الهوى، و طول الأمل. أمّا اتباع الهوى فيصدّ عن الحقّ. و أمّا طول الأمل فينسي الآخرة. ألا و إنّ الدنيا قد ترحّلت مدبرة، و إنّ الآخرة قد ترحّلت مقبلة، و لكلّ واحدة ]منهما[ بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، و لا تكونوا من أبناء الدّنيا، فإنّ اليوم عمل و لا حساب، و إنّ غدا حساب و لا عمل. و إنّما بدء وقوع الفتن من أهواء تتّبع، و أحكام تبتدع، يخالف فيها حكم بحارالأنوار ج : 34 ص : 173اللّه، يتولّى فيها رجال رجالا. ألا إنّ الحقّ لو خلص لم يكن اختلاف، و لو أنّ الباطل خلص لم يخف على ذي حجى، لكنّه يؤخذ من هذا ضغث و من هذا ضغث، فيمزجان فيجتمعان فيجلّيان معا، فهناك يستولي الشيطان على أوليائه، و نجا الذين سبقت لهم من اللّه الحسنى، إنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول كيف أنتم إذا ألبستكم فتنة يربو فيها الصّغير، و يهرم فيها الكبير، يجري النّاس عليها و يتّخذونها سنّة، فإذا غيّر منها شي‏ء قيل قد غيّرت السّنّة و أتى الناس منكرا. ثمّ تشتدّ البليّة و تسبى الذّريّة و تدقّهم الفتنة كما تدقّ النّار الحطب، و كما تدق الرّحى بثفالها، و يتفقّهون لغير اللّه، و يتعلّمون لغير العمل، و يطلبون الدّنيا بأعمال الآخرة. ثمّ أقبل ]عليه السلام[ بوجهه و حوله ناس من أهل بيته و خاصّته و شيعته، فقال قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، متعمّدين لخلافه، ناقضين لعهده، مغيّرين لسنّته، و لو حملت الناس على تركها و حوّلتها إلى مواضعها و إلى ما كانت في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لتفرّق عنّي جندي، حتّى أبقى وحدي أو ]مع[ قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي و فرض إمامتي من كتاب اللّه عزّ ذكره و سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله. بحارالأنوار ج : 34 ص : 174أ رأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم عليه السلام فرددته إلى الموضع الذي وضعه فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و رددت فدك إلى ورثة فاطمة عليها السلام، و رددت صاع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كما كان، و أمضيت قطائع أقطعها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأقوام لم تمض لهم و لم تنفذ، و رددت دار جعفر عليه السلام إلى ورثته و هدمتها من المسجد، و رددت قضايا من الجور قضي بها، و نزعت نساء تحت رجال بغير حقّ فرددتهنّ إلى أزواجهنّ، و استقبلت بهنّ الحكم في الفروج و الأحكام، و سبيت ذراري بني تغلب، و رددت ما قسم من أرض خيبر، و محوت دواوين العطايا، و أعطيت كما كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يعطي بالسّويّة، و لم أجعلها دولة بين الأغنياء، و ألقيت المساحة و سوّيت بين المناكح، و أنفذت خمس الرسول كما أنزل اللّه عزّ و جلّ و فرضه، و رددت مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى ما كان عليه، و سددت ما فتح فيه من الأبواب و فتحت ما سدّ منه، و حرمت المسح على الخفين، و حددت على النبيذ، و أمرت بإحلال المتعتين، و أمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات، و ألزمت النّاس الجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم، و أخرجت من أدخل مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في مسجده ممّن كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أخرجه، و أدخلت من أخرج بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ممن كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أدخله، و حملت الناس على حكم القرآن و على الطلاق على السنّة، و أخذت الصدقات على أصنافها و حدودها، و رددت الوضوء و الغسل و الصلاة إلى مواقيتها و شرائعها و مواضعها، و رددت أهل نجران إلى مواضعهم، و رددت سبايا فارس و سائر الأمم إلى كتاب اللّه و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله، إذا لتفرقوا عنّي. و اللّه لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلّا في فريضة، و أعلمتهم أنّ اجتماعهم في النوافل بدعة، فنادى بعض أهل عسكري ممّن يقاتل معي »يا أهل الإسلام غيّرت سنّة عمر، ينهانا عن الصلاة في شهر

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 175رمضان تطوّعا«. و لقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري ما لقيت من هذه الأمة من الفرقة و طاعة أئمّة الضّلالة و الدعاة إلى النار و ]لو[ أعطيت من ذلك سهم ذي القربى الذي قال اللّه عزّ و جلّ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَ ما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فنحن و اللّه عنى بذي القربى الذي قرننا اللّه بنفسه و برسوله، فقال فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فينا ]خ منّا[ خاصّة كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ. وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَ اتَّقُوا اللَّهَ في ظلم آل محمد إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ لمن ظلمهم، رحمة منه لنا، و غنى أغنانا اللّه به و وصّى به نبيّه صلّى اللّه عليه و آله، و لم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيبا، أكرم اللّه رسوله صلّى اللّه عليه و آله، و أكرمنا أهل البيت أن يطعمنا من أوساخ الناس، فكذّبوا اللّه و كذّبوا رسوله و جحدوا كتاب اللّه الناطق بحقّنا، و منعونا فرضا فرضه اللّه لنا. ما لقي أهل بيت نبيّ من أمّته ما لقيته بعد نبيّنا وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ على من ظلمنا، و لا حول و لا قوّة إلّا باللّه العظيم

تبيين أقول وجدت في أصل كتاب سليم مثله. قوله عليه السلام »إنّ أخوف« ]لفظ »أخوف«[ مشتقّ من المبني للمفعول على خلاف القياس كأشهر. ]قوله عليه السلام[ »قد ترحّلت« قال الفيروزآبادي ارتحل القوم عن بحارالأنوار ج : 34 ص : 176المكان انتقلوا كترحّلوا. شبّه عليه السلام انقضاء العمر في الدنيا شيئا فشيئا، و نقص لذّاتها بترحّلها و إدبارها و قرب الموت يوما فيوما بترحّل الآخرة و إقبالها. ]قوله عليه السلام اليوم[ عمل« قال ابن ميثم ]لفظ »عمل«[ قائم مقام الخبر، من قبيل استعمال المضاف إليه مقام المضاف أي اليوم يوم عمل، أو وقت عمل. ]قوله عليه السلام[ »إنّما بدء وقوع الفتن« إلى آخره قد أورد الكليني رحمه اللّه، في كتاب العقل ]من الكافي[ هذا الجزء من الخبر بسند صحيح عن ]الإمام[ الباقر عليه السلام و فيه »أيّها النّاس إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتّبع، و أحكام تبتدع، يخالف فيها كتاب اللّه«. ]قوله عليه السلام[ »من هذا ضغث« الضغث مل‏ء الكفّ من الشجر و الحشيش و الشماريخ. ]قوله عليه السلام[ »فيجلّيان« و في كتاب العقل ]من الكافي[ »فيجيئان معا، فهنالك استحوذ الشيطان على أوليائه، و نجا الذين سبقت لهم من اللّه الحسنى« و هو أظهر. و على ما في هذا الخبر، لعلّ المراد نجا الذين قال اللّه فيهم سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى، أي سبقت لهم في علم اللّه و قضائه و مشيئته، الخصلة الحسنى و هي السعادة أو التوفيق للطاعة، أو البشرى بالجنّة، أو العاقبة الحسنى. ]قوله عليه السلام[ »لبستم« كذا في بعض النسخ و هو الظاهر و في بعضها »ألبستم« على بناء المجهول من الأفعال و هو أظهر. و في أكثره »ألبستكم« فيحتمل المعلوم و المجهول بتكلّف، إمّا لفظا و إمّا معنى. ]قوله عليه السلام[ »يربو فيها الصغير« قال الفيروزآبادي ربا ]المال[ ربوّا كعلوا زاد و نما. و الغرض بيان كثرة امتدادها. ]قوله عليه السلام[ »و قد أتى الناس منكرا« لعلّه داخل تحت القول بحارالأنوار ج : 34 ص : 177و يحتمل العدم. ]قوله عليه السلام[ »و كما تدقّ الرحى بثقالها« في أكثر النسخ بالقاف و لعلّه تصحيف. و الظاهر الفاء، قال الجزري و في حديث عليّ عليه السلام »تدقّهم الفتن دقّ الرحى بثفالها« الثفال بالكسر جلدة تبسط تحت رحى اليد، ليقع عليها الدقيق و يسمّى الحجر الأسفل ثفالا بها، و المعنى أنّها تدقّهم دقّ الرّحى بالحبّ إذا كانت مثقلة، و لا تثقل إلّا عند الطحن. و قال الفيروزآبادي و قول زهير »فنعرككم عرك الرحى بثفالها« أي على ثفالها، أي حال كونها طاحنة لأنّهم لا يثفلونها إلّا إذا طحنت انتهى. و على ما في أكثر النسخ، لعلّ المراد مع ثقالها أي إذا كانت معها ما يثقلها من الحبوب، فيكون أيضا كناية عن كونها طاحنة. ]قوله عليه السلام[ »أو قليل« أي أو يبقى معي قليل. ]قوله عليه السلام[ »لو أمرت بمقام إبراهيم«. إشارة إلى ما فعله عمر من تغيير المقام عن الموضع الذي وضعه فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، إلى موضع كان فيه في الجاهلية. ]و قد[ رواه الخاصّة و العامّة كما مرّ في بدعه. ]قوله عليه السلام[ »و نزعت نساء« إلخ كالمطلّقات ثلاثا في مجلس واحد و غيرها مما خالفوا فيه حكم اللّه. »و سبيت ذراري بن تغلب« لأنّ عمر رفع عنهم الجزية كما مرّ في بدعه، فهم ليسوا بأهل ذمّة فيحلّ سبي ذراريهم. ]قوله عليه السّلام[ »و محوت دواوين العطايا« أي التي بنيت على التفضيل بين المسلمين في زمن الثلاثة. ]قوله عليه السلام[ »و لم أجعلها دولة« قال الجزري في حديث أشراط الساعة »إذا كان المغنم دولا« ]هي[ جمع دولة بالضمّ، و هو ما يتداول من المال فيكون لقوم دون قوم. بحارالأنوار ج : 34 ص : 178]قوله عليه السلام[ »و ألقيت المساحة« إشارة إلى ما عدّه الخاصّة و العامّة من بدع عمر، أنّه قال ينبغي أن يجعل مكان هذا العشر و نصف العشر دراهم، نأخذها من أرباب الأملاك، فبعث إلى البلدان من مسح على أهلها فألزمهم الخراج، فأخذه من العراق و ما يليها ما كان أخذه منهم ملوك الفرس على كلّ جريب درهما واحدا، و قفيزا من أصناف الحبوب، و أخذ من مصر و نواحيها دينارا و إردبا عن مساحة جريب، كما كان يأخذ منهم ملوك الإسكندرية.

 و قد روى البغوي في ]كتاب[ شرح السنة و غيره من علمائهم عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال منعت العراق درهمها و قفيزها، و منعت الشام مدّها و دينارها، و منعت مصر إردبها و دينارها.

و الإردب لأهل مصر أربعة و ستّون منا و فسرّه أكثرهم بأنّه قد محا ذلك شريعة الإسلام. و كان أوّل بلد مسحه عمر بلد الكوفة، و قد مرّ الكلام فيه في باب بدع عمر. ]قوله عليه السلام[ »و سوّيت بين المناكح« بأن يزوّج الشريف و الوضيع كما فعله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و زوّج بنت عمّه مقدادا. و عمر نهى عن تزويج الموالي و العجم كما في بعض الروايات. ]قوله عليه السلام[ »و أمرت بإحلال المتعتين« أي متعة النساء و متعة الحجّ اللّتين حرّمهما عمر. و »خمس تكبيرات« أي لا أربعا كما ابتدعه العامّة و نسبوه إلى عمر كما مرّ. ]قوله عليه السلام[ »و ألزمت الناس« إلخ. يدلّ ظاهرا على وجوب الجهر بالبسملة مطلقا، و إن أمكن حمله على تأكّد الاستحباب. ]قوله عليه السلام[ »و أخرجت« إلخ الكلام يحتمل أن يكون المراد إخراج جسدي المعلومين الذين دفنا في بيته ]صلّى اللّه عليه و آله و سلم[ بغير إذنه، مع أن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يأذن لهما لخوخة في مسجده، بحارالأنوار ج : 34 ص : 179و إدخال جسد فاطمة عليها السلام و دفنها عند النّبي صلّى اللّه عليه و آله، أو رفع الجدار من بين قبريهما. و يحتمل أن يكون المراد، إدخال من كان ملازما لمسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في حياته، كعمّار و أضرابه، و إخراج من أخرجه الرسول صلّى اللّه عليه و آله من المطرودين. و يمكن ]أن يكون[ تأكيدا لما مر من فتح الأبواب و سدّها. ]قوله عليه السلام[ »و رددت أهل نجران إلى مواضعهم« لم أظفر إلى الآن بكيفية إخراجهم و سببه و بمن أخرجهم. ]قوله عليه السلام[ »و رددت سبايا فارس« لعلّ المراد الاسترداد ممن اصطفاهم أو أخذ زائدا من حظّه. ]و قوله عليه السلام[ »ما لقيت« كلام مستأنف للتعجّب. و ]قوله[ »أعطيت« رجوع إلى الكلام السابق و لعلّ التأخير من الرواة. و في رواية الإحتجاج »و أعظم من ذلك« كما مرّ و هو أظهر. ]قوله[ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ هذه من تتمّة آية الخمس، حيث قال تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَ ما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ. قال البيضاوي ]جملة[ ) إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ( متعلّق بمحذوف دلّ عليه ]قوله[ » وَ اعْلَمُوا« أي إن كنتم آمنتم باللّه فاعلموا أنّه جعل الخمس لهؤلاء، فسلّموا إليهم و اقتنعوا بالأخماس الأربعة الباقية، فإنّ العلم المتعلّق بالعمل إذا أمر به لم يرد منه العلم المجرّد لأنّه مقصود بالعرض، و المقصود بالذات هو العمل. وَ ما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا محمد من الآيات و الملائكة و النصر يَوْمَ الْفُرْقانِ يوم بدر فإنّه فرّق فيه بين الحق و الباطل يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ بحارالأنوار ج : 34 ص : 180المسلمون و الكفار. أقول لعلّ نزول حكم الخمس كان في غزاة بدر و ]قوله[ » وَ ما أَنْزَلْنا« إشارة إليه كما يظهر من بعض الأخبار. و فسّر عليه السلام »ذي القربى« بالأئمة كما دلّت عليه الأخبار المستفيضة، و عليه انعقد إجماع الشيعة. ]قوله[ » كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً« هذه تتمّة لآية أخرى ورد ]ت[ في فيئهم عليهم السلام حيث قال ]تعالى[ ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ أي الفي‏ء الذي هو حقّ الإمام عليه السلام. دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ )الدّولة بالضمّ ما يتداوله الأغنياء و تدور بينهم كما كان في الجاهلية. ]قوله عليه السلام[ »رحمة لنا« أي فقرّر الخمس و الفي‏ء لنا رحمة منه لنا، و ليغنينا بهما أوساخ أيدي الناس.

 نهج ]و[ قال عليه السّلام لو قد استوت قدماي من هذه المداحض لغيّرت أشياء.

بيان المداحض المزالق. و استواء القدمين كناية عن تمكّنه عليه السلام من إجراء الأحكام الشرعية على وجوهها لأنّه عليه السلام لم يتمكن من تغيير بعض ما كان في أيّام الخلفاء كما عرفت.

 كا محمد بن يحيى عن محمد بن إسماعيل القمي عن علي بن الحكم عن سيف بن عميرة رفعه قال مرّ أمير المؤمنين برجل يصلّي الضحى في مسجد الكوفة، فغمز جنبه بالدرة و قال نحرت صلاة الأوّابين نحرك اللّه قال بحارالأنوار ج : 34 ص : 181فأتركها قال فقال أ رأيت الذي ينهى عبدا إذا صلّى. فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام و كفى بإنكار عليّ عليه السلام نهيا.

بيان »أ رأيت الذي« أي أقول اتركها، فتقول أنت و أمثالك مثل هذا أو قال ذلك تقية.

 يب عليّ بن الحسن بن فضّال عن أحمد بن الحسن عن عمرو بن سعيد المدائني عن مصدق بن صدقة عن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سألته عن الصلاة في ]شهر[ رمضان في المساجد. قال لمّا قدم أمير المؤمنين عليه السلام الكوفة أمر الحسن بن عليّ أن ينادي في الناس لا صلاة في شهر رمضان في المساجد جماعة، فنادى في الناس الحسن بن عليّ عليه السلام بما أمره به أمير المؤمنين عليه السلام، فلمّا سمع الناس مقالة الحسن بن عليّ عليه السلام، صاحوا وا عمراه وا عمراه. فلمّا رجع إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال له ما هذا الصوت فقال يا أمير المؤمنين الناس يصيحون وا عمراه وا عمراه فقال أمير المؤمنين قل لهم صلّوا.

 كتاب الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي بحارالأنوار ج : 34 ص : 182عن مخوّل بن إبراهيم عن إسرائيل عن عاصم بن سليمان عن محمد بن سيرين عن شريح قال بعث إليّ علي عليه السلام أن اقضي بما كنت أقضي ]سابقا[ حتى يجتمع أمر الناس.

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 183

]الباب الثالث و الثلاثون[

باب نوادر ما وقع في أيّام خلافته عليه السلام و جوامع خطبه و نوادرها

 كا عليّ بن الحسن المؤدّب عن البرقي، و أحمد بن محمد عن علي بن الحسن التّيمي، جميعا عن إسماعيل بن مهران عن عبد اللّه بن الحارث عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال خطب أمير المؤمنين عليه السلام النّاس بصفّين، فحمد اللّه و أثنى عليه و صلّى على محمد صلّى اللّه عليه و آله ثمّ قال أمّا بعد، فقد جعل اللّه تعالى لي عليكم حقّا بولاية أمركم و منزلتي التي أنزلني اللّه عزّ ذكره بها منكم، و لكم عليّ من الحقّ مثل الذي لي عليكم، و الحقّ أجمل الأشياء في التواصف، و أوسعها في التّناصف، لا يجري لأحد إلّا جرى عليه، و لا يجري عليه إلّا جرى له، و لو كان لأحد أن يجري ذلك له و لا يجري بحارالأنوار ج : 34 ص : 184عليه لكان ذلك للّه عزّ و جلّ خالصا دون خلقه، لقدرته على عباده، و لعدله في كلّ ما جرت عليه ضروب ]صروف »خ«[ قضائه، و لكن جعل حقّه على العباد أن يطيعوه، و جعل كفّارتهم عليه بحسن الثّواب تفضّلا منه ]و تطوّلا بكرمه[ و توسّعا بما هو من المزيد له أهلا. ثمّ جعل من حقوقه حقوقا فرضها لبعض الناس على بعض، فجعلها تتكافى في وجوهها، و يوجب بعضها بعضا، و لا يستوجب بعضها إلّا ببعض. فأعظم ممّا افترض اللّه تبارك و تعالى من تلك الحقوق، حقّ الوالي على الرعيّة و حقّ الرعية على الوالي، فريضة فرضها اللّه عزّ و جلّ لكلّ على كلّ، فجعلها نظام ألفتهم، و عزّا لدينهم، و قواما لسير الحقّ فيهم، فليست تصلح الرعية إلّا بصلاح الولاة، و لا تصلح الولاة إلّا باستقامة الرعيّة. فإذا أدّت الرعيّة إلى الوالي حقّه و أدّى إليها الوالي كذلك، عزّ الحقّ بينهم، فقامت مناهج الدين، و اعتدلت معالم العدل، و جرت على أذلالها السنّن، و صلح بذلك الزّمان و طاب بها العيش، و طمع في بقاء الدّولة، و يئست مطامع الأعداء. و إذا غلبت الرعيّة على واليهم، و علا الوالي الرعية اختلفت هنالك الكلمة، و ظهرت مطالع الجور، و كثر الإدغال في الدين، و تركت معالم السنن، فعمل بالهوى، و عطّلت الآثار و أكثر علل النفوس، و لا يستوحش لجسيم حدّ عطّل، و لا لعظيم باطل أثّل، فهنالك تذل الأبرار و تعزّ الأشرار و تخرب البلاد و تعظم تبعات اللّه عزّ و جلّ عند العباد. فهلمّ أيّها الناس إلى التعاون على طاعة اللّه عزّ و جلّ، و القيام بعدله و الوفاء بعهده، و الإنصاف له في جميع حقّه، فإنّه ليس العباد إلى شي‏ء أحوج منهم إلى التناصح في ذلك و حسن التّعاون عليه، و ليس أحد و إن اشتدّت على رضا اللّه حرصه و طال في العمل اجتهاده، ببالغ حقيقة ما أعطى اللّه من الحقّ أهله، و لكن من واجب حقوق اللّه عزّ و جلّ على العباد النّصيحة له بمبلغ

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 185جهدهم، و التّعاون على إقامة الحقّ بينهم. و ليس امرؤ و إن عظمت في الحقّ منزلته و جسمت في الحقّ فضيلته بمستغن عن أن يعاون على ما حمله اللّه عزّ و جلّ من حقّه، و لا امرؤ مع ذلك خسأت به الأمور و اقتحمته العيون بدون ما أن يعين على ذلك و يعان عليه، و أهل الفضيلة في الحال و أهل النعم العظام أكثر من ذلك حاجة، و كلّ في الحاجة إلى اللّه عزّ و جلّ شرع سواء. فأجابه رجل من عسكره لا يدرى من هو، و يقال إنّه لم ير في عسكره قبل ذلك اليوم و لا بعده، فقام و أحسن الثناء على اللّه عزّ و جلّ بما أبلاهم و أعطاهم من واجب حقّه عليهم، و الإقرار ]له[ بما ذكر من تصرّف الحالات به و بهم. ثمّ قال أنت أميرنا و نحن رعيّتك، بك أخرجنا اللّه عزّ و جلّ من الذّل، و بإعزازك أطلق عباده من الغلّ، فاختر علينا فأمض اختيارك، و ائتمر فأمض ائتمارك، فإنّك القائد المصدّق، و الحاكم الموفق، و الملك المخوّل، لا نستحلّ في شي‏ء معصيتك، و لا نقيس علما بعلمك، يعظم عندنا في ذلك خطرك، و يجلّ عنه في أنفسنا فضلك. فأجابه أمير المؤمنين ]عليه السلام فقال[ إن من حقّ من عظم جلال اللّه في نفسه، و جل موضعه من قلبه، أن يصغر عنده لعظم ذلك كلّ ما سواه، و إنّ أحقّ من كان كذلك لمن عظمت نعم اللّه عليه و لطف إحسانه إليه، فإنّه لم تعظم نعم اللّه على أحد إلّا زاد حقّ اللّه عليه عظما. و إنّ من أسخف حالات الولاة عند صالح الناس أن يظنّ بهم حبّ الفخر، و يوضع أمرهم على الكبر. و قد كرهت أن يكون جال في ظنّكم أنّي أحبّ بحارالأنوار ج : 34 ص : 186الإطراء و استماع الثناء، و لست بحمد اللّه كذلك، و لو كنت أحبّ أن يقال ذلك ]لي[ لتركته انحطاطا للّه سبحانه عن تناول ما هو أحقّ به من العظمة و الكبرياء، و ربما استحلي الثناء بعد البلاء، فلا تثنوا عليّ بجميل ثناء لإخراجي نفسي إلى اللّه و إليكم من البقيّة في حقوق لم أفرغ من أدائها، و فرائض لا بدّ من إمضائها، فلا تكلّموني بما تكلّم به الجبابرة، و لا تتحفّظوا منّي بما يتحفّظ به عند أهل البادرة، و لا تخالطوني بالمصانعة، و لا تظنّوا بي استثقالا في حقّ قيل لي، و لا التماس إعظام لنفسي، فإنّه من استثقل الحقّ أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه، كان العمل بهما أثقل عليه. فلا تكفّوا عن مقالة بحقّ أو مشورة بعدل، فإنّي لست في نفسي بفوق أن أخطئ، و لا آمن ذلك من فعلي، إلّا أن يكفي اللّه من نفسي ما هو أملك به منّي، فإنّما أنا و أنتم عبيد مملوكون لربّ لا ربّ غيره، يملك منّا ما لا نملك من أنفسنا، و أخرجنا مما كنّا فيه إلى ما صلحنا عليه، فأبدلنا بعد الضلالة بالهدى و أعطانا البصيرة بعد العمى. فأجابه الرجل الذي أجابه من قبل، فقال أنت أهل ما قلت، و اللّه فوق ما قلته، فبلاؤه عندنا ما لا يكفر، و قد حملك اللّه تبارك و تعالى رعايتنا، و ولّاك سياسة أمورنا، فأصبحت علمنا الذي نهتدي به، و إمامنا الذي نقتدي به، و أمرك كلّه رشد، و قولك كلّه أدب. قد قرّت بك في الحياة أعيننا، و امتلأت من سرور بك قلوبنا، و تحيّرت من صفة ما فيك من بارع الفضل عقولنا، و لسنا نقول لك أيّها الإمام الصالح تزكية لك، و لا تجاوز القصد في الثناء عليك، و لن يكن في أنفسنا طعن على يقينك، أو غش في دينك فنتخوّف أن تكون أحدثت بنعمة اللّه تبارك و تعالى تجبّرا، أو دخلك كبر، و لكنّا نقول لك ما قلنا تقرّبا إلى اللّه عزّ و جلّ بتوقيرك، و توسّعا بتفضيلك، و شكرا بإعظام أمرك، فانظر لنفسك و لنا و آثر أمر اللّه على نفسك و علينا، فنحن طوع فيما أمرتنا، ننقاد من الأمور مع ذلك فيما ينفعنا. فأجابه أمير المؤمنين عليه السلام فقال و أنا أستشهدكم عند اللّه على

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 187نفسي لعلمكم فيما وليت به من أموركم، و عمّا قليل يجمعني و إيّاكم الموقف بين يديه، و السؤال عمّا كنّا فيه، ثمّ يشهد بعضنا على بعض، فلا تشهدوا اليوم بخلاف ما أنتم شاهدون غدا، فإنّ اللّه عزّ و جلّ لا يخفى عليه خافية، و لا يجوز عنده إلّا مناصحة الصدور في جميع الأمور. فأجابه الرجل و يقال لم ير الرجل بعد كلامه هذا لأمير المؤمنين عليه السلام فأجابه، و قد عال الذي في صدره فقال و البكاء يقطع منطقه، و غصص الشجا تكسر صوته إعظاما لخطر مرزئته و وحشته من كون فجيعته فحمد اللّه و أثنى عليه، ثمّ شكا إليه هول ما أشفى عليه من الخطر العظيم و الذلّ الطويل في فساد زمانه و انقلاب حدّه و انقطاع ما كان من دولته، ثمّ نصب المسألة إلى اللّه عزّ و جلّ بالامتنان عليه و المدافعة عنه بالتفجّع و حسن الثّناء فقال يا ربّانيّ العباد و يا سكن البلاد أين يقع قولنا من فضلك و أين يبلغ وصفنا من فعلك و أنّى نبلغ حقيقة حسن ثنائك أو نحصي جميل بلائك و كيف و بك جرت نعم اللّه علينا، و على يدك اتّصلت أسباب الخير إلينا أ لم تكن لذلّ الذليل ملاذا و للعصاة الكفّار إخوانا فبمن إلّا بأهل بيتك و بك أخرجنا اللّه عزّ و جلّ من فظاعة تلك الخطرات، أو بمن فرّج عنّا غمرات الكربات أو بمن إلّا بكم أظهر اللّه معالم ديننا و استصلح ما كان فسد من دنيانا، حتّى استبان بعد الجور ذكرنا، و قرّت من رخاء العيش أعيننا لمّا ولّيتنا بالإحسان جهدك، و وفيت لنا بجميع عهدك، فكنت شاهد من غاب منّا و خلف أهل البيت لنا، و كنت عزّ ضعائفنا و ثمال فقرائنا و عماد عظمائنا، يجمعنا من الأمور عدلك، و يتّسع لنا في الحقّ تأنّيك، فكنت لنا أنسا إذا رأيناك، و سكنا إذا ذكرناك. فأيّ الخيرات لم تفعل و أيّ الصالحات لم تعمل و لو أنّ الأمر الذي نخاف عليك منه يبلغ تحريكه جهدنا و تقوى بحارالأنوار ج : 34 ص : 188لمدافعته طاقتنا، أو يجوز الفداء عنك عنه بأنفسنا و بمن نفديه النفوس من أبنائنا، لقدّمنا أنفسنا و أبناءنا قبلك، و لأخطرناها و قلّ خطرها دونك، و لقمنا بجهدنا في محاولة من حاولك، و في مدافعة من ناواك و لكنّه سلطان لا يحاول، و عزّ لا يزاول، و ربّ لا يغالب، فإن يمنن علينا بعافيتك، و يترحّم علينا ببقائك، و يتحنّن علينا بتفريج هذا من حالك إلى سلامة منك لنا و بقاء منك بين أظهرنا، نحدّث اللّه عزّ و جلّ بذلك شكرا نعظّمه، و ذكرا نديمه، و نقسم أنصاف أموالنا صدقات، و أنصاف رقيقنا عتقاء، و نحدث له تواضعا في أنفسنا، و نخشع في جميع أمورنا. و إن يمض بك إلى الجنان، و يجري عليك حتم سبيله، فغير متّهم فيك قضاؤه، و لا مدفوع عنك بلاؤه، و لا مختلفة مع ذلك قلوبنا بأنّ اختياره لك ما عنده على ما كنت فيه، و لكنّا نبكي من غير إثم لعزّ هذا السلطان أن يعود ذليلا، و للدّين و الدّنيا أكيلا، فلا نرى لك خلفا نشكو إليه، و لا نظيرا نأمله و لا نقيمه.

تبيين أقول أورد السيّد ]الرضي[ في ]المختار (216) من باب الخطب من[ النهج بعض هذا السؤال و الجواب، و أسقط أكثرها، و سنشير إلى بعض الاختلافات. قوله عليه السلام »بولاية أمركم« أي لي عليكم حقّ الطاعة لأنّ اللّه جعلني واليا عليكم متولّيا لأمركم، و لأنّه أنزلني منكم منزلة عظيمة هي منزلة الإمامة و السلطنة و وجوب الطاعة. قوله عليه السلام »و الحقّ أجمل الأشياء في التواصف« أي وصفه جميل و ذكره حسن. يقال تواصفوا الشي‏ء أي وصفه بعضهم لبعض. و في بعض النسخ »التراصف« بالراء المهملة. و التراصف تنضيد الحجارة بعضها ببعض أي ]الحقّ[ أحسن الأشياء في إحكام الأمور و إتقانها. »و أوسعها في التّناصف« أي إذا أنصف الناس بعضهم لبعض، فالحقّ بحارالأنوار ج : 34 ص : 189يسعه و يحتمله، و لا يقع للناس في العمل بالحقّ ضيق. و في نهج البلاغة »فالحقّ أوسع الأشياء في التواصف و أضيقها في التناصف« أي إذا أخذ الناس في وصف الحقّ و بيانه، كان لهم في ذلك مجال واسع، لسهولته على ألسنتهم. و إذا حضر التناصف بينهم فطلب منهم، ضاق عليهم المجال، لشدّة العمل بالحقّ و صعوبة الإنصاف. قوله عليه السلام »صروف قضائه« أي أنواعه المتغيّرة المتوالية. و في بعض النسخ »ضروب قضائه« ]و هو[ بمعناه و الحاصل أنّه لو كان لأحد أن يجعل الحقّ على غيره و لم يجعل له على نفسه، لكان هو سبحانه أولى بذلك و على الأولوية بوجهين الأوّل القدرة. فإنّ غيره تعالى لو فعل ذلك لم يطعه أحد، و اللّه تعالى قادر على جبرهم و قهرهم. و الثاني إنّه لو لم يجزهم على أعمالهم و كلّفهم بها لكان عادلا لأنّ له من النعم على العباد ما لو عبدوه أبد الدهر لم يوفوا حقّ نعمة واحدة منها. فالمراد من أوّل الكلام أنّه سبحانه جعل لكلّ أحد على غيره حقّا حتّى على نفسه. أمّا الحقّ المفروض على الناس فبمقتضى الاستحقاق، و أمّا ما أجرى على نفسه، فللوفاء بالوعد مع لزوم الوعد عليه. فظهر جريان الحقّ على كلّ أحد و إن اختلف الجهة و الاعتبار. قوله عليه السلام »و جعل كفّارتهم عليه حسن ثواب« لعلّ المراد بالكفّارة الجزاء العظيم لستره عملهم، حيث لم يكن له في جنبه قدر، فكأنّه قد محاه و ستره. بحارالأنوار ج : 34 ص : 190]و[ في أكثر النسخ »بحسن الثّواب« فيحتمل أيضا أن يكون المراد بها ما يقع منهم لتدارك سيّئاتهم، كالتوبة و سائر الكفّارات أي أوجب قبول كفّارتهم و توبتهم على نفسه مع حسن الثواب بأن يثيبهم على ذلك أيضا. و لا يبعد أن يكون ]لفظ »كفّارتهم«[ تصحيف كفاءتهم بالهمز ]ة[. و في النهج »و جعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب تفضّلا منه و توسّعا بما هو من المزيد أهله«. قوله عليه السلام »ثمّ جعل من حقوقه« هذا كالمقدّمة لما يريد أن يبيّنه من كون حقّه عليهم واجبا من قبل اللّه تعالى، و هو حقّ من حقوقه ليكون أدعى لهم على أدائه. و بيّن أنّ حقوق الخلق بعضهم على بعض هي من حقّ اللّه تعالى، من حيث إنّ حقّه على عباده هو الطاعة، و أداء تلك الحقوق طاعات اللّه، كحقّ الوالد على ولده و بالعكس، و حقّ الزوج على الزوجة و بالعكس، و حقّ الوالي على الرعية و بالعكس قوله عليه السلام »فجعلها تتكافأ في وجوهها« أي جعل كلّ وجه من تلك الحقوق مقابلا بمثله، فحقّ الوالي و هو الطاعة من الرعية مقابل بمثله، و هو العدل فيهم و حسن السيرة. قوله عليه السلام »و لا يستوجب بعضها إلّا ببعض« كما أنّ الوالي إذا لم يعدل لم يستحقّ الطاعة. قوله عليه السلام »فريضة فرضها اللّه« بالنّصب على الحاليّة أو بإضمار فعل، أو بالرفع ليكون خبر مبتدإ محذوف. و قوله عليه السلام »نظاما لألفتهم« فإنّها سبب اجتماعهم و بها يقهرون أعداءهم و يعزّون أولياءهم. قوله عليه السلام »و قواما« أي بها يقوم جريان الحقّ فيهم و بينهم. قوله عليه السلام »عزّ الحقّ« أي غلب.

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 191قوله عليه السلام »و اعتدلت معالم العدل« أي مظانّه، أو العلامات التي نصبت في طريق العدل لسلوكه، أو الأحكام التي يعلم بها العدل. قوله عليه السلام »على أذلالها« قال الفيروزآبادي ذلّ الطريق بالكسر محجته. و أمور اللّه جارية على أذلالها أي طريق ]على[ مجاريها ]هو[ جمع ذلّ بالكسر. قوله عليه السلام »و كثر الإدغال« ]هو[ بكسر الهمزة. و الإدغال ]هو[ أن يدخل في الشي‏ء ما ليس منه، و هو الإبداع و التلبيس. أو بفتحها ]و هو[ جمع الدغل بالتحريك ]و هو[ الفساد. قوله عليه السلام »علل النّفوس« أي أمراضها بملكات السوء كالغلّ و الحسد و العداوة و نحوها. و قيل وجوه ارتكاباتها للمنكرات، فتأتي من كلّ منكر بوجه و علّة و رأي فاسد. قوله ]عليه السلام[ »أثّل« يقال مال مؤثّل و مجد مؤثّل أي مجموع ذو أصل، و أثلة الشي‏ء أصله. ذكره الجزري. و في النهج »]و لا لعظيم باطل[ فعل«. قوله عليه السلام »تبعات اللّه« قال ]الخليل[ في ]كتاب[ العين التّبعة اسم للشي‏ء الذي لك فيه بغية شبه ظلامة و نحوها. قوله عليه السلام »فهلمّ أيّها الناس« قال الجوهري هلم يا رجل بفتح الميم بمعنى تعال، قال الخليل أصله »لمّ« من قولهم لمّ اللّه شعثه أي جمعه كأنّه أراد لمّ نفسك إلينا أي اقرب. و »ها« للتنبيه. و إنّما حذفت ألفها لكثرة الاستعمال، و جعلا اسما واحدا يستوي فيه الواحد و الجمع و التأنيث في لغة أهل الحجاز. بحارالأنوار ج : 34 ص : 192قوله عليه السلام »حقيقة ما أعطى اللّه من الحقّ أهله« أي جزاء ما أعطى اللّه أهل الحقّ من الدين المبين، و سائر ما هداهم اللّه تعالى إليه بأن يكون المراد بالحقيقة الجزاء مجازا، أو يكون في الكلام تقدير مضاف أي حقيقة جزاء ما أعطي من الحقّ، أو يكون المراد بالبلوغ إليها كونه بإزائها و مكافاة لها. و قيل المراد بحقيقة ما أعطى اللّه شكر نعمة هدايته تعالى إلى دين الحقّ. و في النهج »حقيقة ما اللّه أهله من الطاعة له«. و في بعض النسخ القديمة من الكتاب »حقيقة ما الحقّ من اللّه أهله«. قوله ]عليه السلام[ »النصيحة له« أي للّه أو للإمام، أو نصيحة بعضهم لبعض للّه تعالى بأن لا يكون الظرف صلة. و في النهج »النصيحة بمبلغ ]جهدهم[« بدون الصلة و هو يؤيّد الأخير. قال الجزري ]في مادّة نصح« من كتاب النهاية[ النصيحة في اللغة الخلوص، يقال نصحته و نصحت له. و معنى نصيحة اللّه صحة الاعتقاد في وحدانيته و إخلاص النيّة في عبادته. و ]معنى[ النصيحة لكتاب اللّه هو التصديق به و العمل بما فيه. و نصيحة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، التصديق بنبوّته و رسالته و الانقياد لما أمر به و نهى عنه. و ]معنى[ نصيحة الأئمّة أن يطيعهم في الحقّ، و نصيحة عامّة المسلمين إرشادهم إلى مصالحهم. قوله عليه السلام »و لا لامرئ مع ذلك« كأنّه راجع إلى ما حمل اللّه على الوالي، أو إلى الوالي الذي أشير إليه سابقا أي لا يجوز، أو لا بد لامرئ،

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 193أو لا استغناء لامرئ مع الوالي، أو مع كون واليه مكلّفا بالجهاد و غيره من أمور الدين، و إن كان لذلك المرء ضعيفا محقّرا بدون أن يعين على إقامة الدين و يعينه الناس أو الوالي عليه. و في النهج »و لا امرئ و إن صغرته النفوس و اقتحمته العيون بدون أن يعين على ذلك أو يعان عليه«. و هو الظاهر. قوله عليه السلام »خسأت به الأمور« يقال خسأت الكلب خسأ طردته. و خسأ الكلب بنفسه يتعدّى و لا يتعدى. ذكره الجوهري. فيجوز أن يكون هنا استعمل غير متعدّ بنفسه قد عدّي بالباء أي طردته الأمور. أو يكون الباء للسببيّة أي بعدت بسببه الأمور. و في بعض النسخ »حبست به الأمور« و على التقادير المراد أنّه يكون بحيث لا يتمشّى أمر من أموره، و لا ينفع سعيه في تحصيل شي‏ء من الأمور. و »اقتحمته العيون« أي احتقرته. و كلمة »ما« في قوله »ما أن يعين« زائدة. قوله عليه السلام »و أهل الفضيلة في الحال« المراد بهم الأئمّة و الولاة و الأمراء و العلماء، و كذا أهل النعم العظام فإنّهم لكونهم مكلّفين بعظائم الأمور كالجهاد في سبيل اللّه و إقامة الحدود و الشرائع و الأحكام و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر إلى إعانة الخلق أحوج. و يحتمل أن يكون المراد بأهل الفضيلة العلماء، فإنّهم محتاجون فيما حمل عليهم من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر إلى أعوان، و لا أقلّ إلى من يؤمر و ينهى. و ]المراد[ بأهل النعم أصحاب الأموال، لأنّ ما حمل عليهم من الحقوق أكثر، كأداء الأخماس و الصدقات، و هم محتاجون إلى الفقير القابل لها، و إلى الشهود و إلى غيرهم و الأوّل أظهر. قوله عليه السلام »و كلّ في الحاجة إلى اللّه شرع سواء« بيان لقوله بحارالأنوار ج : 34 ص : 194»شرع«، و تأكيد، و إنّما ذكر ذلك لئلّا يتوهّم أنّهم يستغنون بإعانة بعضهم بعضا عن ربّهم جلّ و عزّ، بل هو الموفق و المعين لهم في جميع أمورهم، و لا يستغنون بشي‏ء عن اللّه عزّ و جلّ، و إنّما كلّفهم بذلك ليختبر طاعتهم و يثيبهم على ذلك، و اقتضت حكمته البالغة أن يجري الأشياء بأسبابها، و هو المسبّب لها و القادر على إمضائها بلا سبب. قوله عليه السلام »فأجابه رجل« الظاهر أنه كان الخضر عليه السلام و قد جاء في مواطن كثيرة و كلمه عليه السلام لإتمام الحجّة على الحاضرين، و قد أتى بعد وفاته عليه السلام و قام على باب داره و بكى و أبكى و خاطبه عليه السلام بأمثال تلك الكلمات و خرج و غاب عن الناس. قوله عليه السلام »و الإقرار« الظاهر أنّه معطوف على الثّناء أي أقرّ إقرارا حسنا بأشياء ذكرها ذلك لرجل، و لم يذكره عليه السلام اختصارا أو تقيّة من تغيّر حالاته من استيلاء أئمة الجور عليه و مظلوميته و تغير أحوال رعيته من تقصيرهم في حقّه، و عدم قيامهم بما يحقّ من طاعته و القيام بخدمته. و يمكن أن يكون الواو بمعنى مع، و يحتمل عطفه على ]قوله[ »واجب حقّه«. قوله »من الغلّ« أي أغلال الشرك و المعاصي. و في بعض النسخ القديمة »أطلق عنّا رهائن الغلّ« أي ما يوجب أغلال القيامة. قوله ]عليه السّلام[ »و ائتمر« أي اقبل ما أمرك اللّه به فأمضه علينا. قوله »و الملك المخوّل« أي المملّك الذي أعطاك اللّه الإمرة علينا و جعلنا خدمك و تبعك. قوله عليه السلام »لا نستحلّ في شي‏ء من معصيتك« لعلّه عدّي ب »في« لتضمين معنى الدخول. أو المعنى لا نستحلّ في شي‏ء شيئا من معصيتك. و في بعض النسخ القديمة »لا يستحلّ في شي‏ء من معصيتك«. و هو

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 195أظهر. قوله »في ذلك« أي في العلم بأن تكون كلمة »في« تعليلية، و يحتمل أن يكون إشارة إلى ما دلّ عليه الكلام من إطاعته عليه السلام. و الخطر القدر و المنزلة. قوله »و يجلّ عنه« يحتمل إرجاع الضمير إلى القياس أي فضلك أجلّ في أنفسنا من أن يقاس بفضل أحد. و يمكن إرجاعه إلى العلم فتكون كلمة »عن« تعليلية كما في قوله تعالى »وَ ما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ« أي يجلّ و يعظم بسبب ذلك في أنفسنا فضلك. قوله عليه السلام »من عظم جلال اللّه« إمّا على التعليل بنصب »جلال اللّه«، أو بالتخفيف برفعه يعني من حقّ من عظّم جلال اللّه في نفسه و جلّ موضعه في قلبه، أن يصغر عنده كلّ ما سوى اللّه تعالى، لما ظهر له من جلال اللّه، و أنّ أحقّ من كان كذلك أئمّة الحقّ عليهم السّلام، لعظم نعم اللّه و كمال معرفتهم بجلال ربّهم، فحقّ اللّه تعالى عليهم أعظم منه على غيرهم، فينبغي أن يصغر عندهم أنفسهم فلا يحبّوا الفخر و الإطراء في المدح، أو يجب أن يضمحلّ في جنب جلال اللّه عندهم غيره تعالى، فلا يكون غيره منظورا لهم في أعمالهم ليطلبوا رضى الناس بمدحهم. قوله عليه السلام »و إنّ من أسخف« السخف رقّة العيش و رقة العقل. و السخافة رقّة كلّ شي‏ء. أي أضعف حالات الولاة عند الرعيّة أن يكونوا متهمين عندهم بهذه الخصلة المذمومة. قوله عليه السلام »إنّي أحبّ الإطراء« أي مجاوزة الحدّ في المدح و المبالغة فيه. قوله عليه السلام »انحطاطا للّه سبحانه« أي تواضعا له تعالى. و في بعض النسخ القديمة »و لو كنت أحبّ أن يقال ]لي[ ذلك، لتناهيت بحارالأنوار ج : 34 ص : 196له أغنانا اللّه و إيّاكم عن تناول ما هو أحقّ به من التعاظم و حسن الثناء«. و التناهي قبول النهي. و الضمير في »له« راجع إلى اللّه تعالى. و في النهج كما في النسخ المشهورة قوله عليه السلام »فربما استحلى الناس« يقال استحلاه أي وجده حلوا. قال ابن ميثم رحمه اللّه هذا يجري مجرى تمهيد العذر لمن أثنى عليه فكأنّه يقول و أنت معذور في ذلك حيث رأيتني أجاهد في اللّه، و أحثّ الناس على ذلك، و من عادة الناس أن يستحلوا الثناء عند أن يبلوا بلاء حسنا في جهاد أو غيره من سائر الطاعات. ثمّ أجاب ]عليه السلام[ عن هذا العذر في نفسه بقوله »فلا تثنوا عليّ بجميل ثناء« أي لا تثنوا عليّ لأجل ما ترونه منّي من طاعة اللّه، فإنّ ذلك إنّما هو إخراج لنفسي إلى اللّه من حقوقه الباقية عليّ لم أفرغ بعد من أدائها و هي حقوق نعمه و فرائضه التي لا بدّ من المضيّ فيها. و كذلك إليكم من الحقوق التي أوجبها اللّه ]عليّ لكم[ من النصيحة في الدين و الإرشاد إلى الطريق الأفضل، و التعليم لكيفية سلوكه. ]ثم قال[ و في خطّ الرضي رحمه اللّه »من التقية« بالتاء و المعنى فإنّ الذي أفعله من طاعة اللّه، إنّما هو إخراج لنفسي إلى اللّه و إليكم من تقيّة الخلق فيما يجلب عليّ من الحقوق. إذ كان عليه السلام إنما يعبد اللّه للّه غير ملتفت في شي‏ء من عبادته، و أداء واجب حقّه إلى أحد سواه خوفا منه أو رغبة إليه. أو المراد بها التّقيّة الّتي كان يعملها في زمن الخلفاء الثلاثة و تركها في أيّام خلافته، و كأنّه قال لم أفعل شيئا إلّا و هو أداء حقّ واجب عليّ، و إذا كان كذلك،

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 197فكيف أستحقّ أن يثنى عليّ لأجل إتيان الواجب بثناء جميل و أقابل بهذا التعظيم ]و[ هذا من باب التواضع منه ]عليه السلام[ و تعليم كيفيته، و كسر للنفس عن محبة الباطل و الميل إليه. انتهى. و قال ابن أبي الحديد معنى قوله »لإخراجي نفسي إلى اللّه و إليكم« أي لاعترافي بين يدي اللّه و بمحضر منكم أنّ عليّ حقوقا في إيالتكم و رئاستي لم أقم بها بعد و أرجو من اللّه القيام بها. انتهى ]كلام ابن أبي الحديد[. فكأنّه جعل قوله ]عليه السلام[ »لإخراجي« تعليلا لترك الثناء لا مثنى عليه و لا يخفى بعده. ثمّ اعلم أنّه يحتمل أن يكون المراد ب »البقيّة« الإبقاء و الترحم كما قال تعالى أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ. أي إخراجي نفسي من أن أبقى و أترحّم مداهنة في حقوق لم أفرغ من أدائها. قال الفيروزآبادي و أبقيت ما بيننا لم أبالغ في كلّ فساده. و الاسم منه البقيّة و » أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ« أي إبقاء أو فهم. قوله عليه السلام »و لا تتحفّظوا عنّي بما يتحفّظ به عند أهل البادرة« البادرة الحدّة و الكلام الذي يسبق من الإنسان في الغضب أي لا تثنوا عليّ كما يثنى على أهل الحدّة من الملوك خوفا من سطوتهم، أو لا تحتشموا منّي كما يحتشم من السلاطين و الأمراء، كترك المسارّة و الحديث إجلالا و خوفا منهم، و ترك مشاورتهم أو إعلامهم ببعض الأمور و القيام بين أيديهم. قوله عليه السلام »بالمصانعة« أي الرشوة و المداراة. قوله عليه السلام »كان العمل بهما أثقل عليه« و شأن الولاة العمل بالعدل و الحقّ، أو أنتم تعلمون أنّه لا يثقل عليّ العمل بهما. بحارالأنوار ج : 34 ص : 198قوله عليه السلام »بفوق أن أخطئ« هذا من ]باب[ الانقطاع إلى اللّه و التواضع الباعث لهم على الانبساط معه بقول الحقّ، و عدّ نفسه من المقصّرين في مقام العبودية، و الإقرار بأنّ عصمته من نعمه تعالى عليه، و ليس اعترافا بعدم العصمة كما توهّم، بل ليست العصمة إلّا ذلك. فإنّما هي أن يعصم اللّه العبد عن ارتكاب المعاصي، و قد أشار عليه السلام إليه بقوله »إلّا أن يكفي اللّه«. و هذا مثل قول يوسف عليه السلام وَ ما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إلخ. قوله عليه السلام »ما هو أملك به« أي العصمة من الخطإ فإنّه تعالى أقدر على ذلك للعبد من العبد لنفسه. قوله عليه السلام »ممّا كنّا فيه« أي من الجهالة و عدم العلم و المعرفة و الكمالات التي يسرها اللّه تعالى لنا ببعثة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم. قال ابن أبي الحديد ليس هذا إشارة إلى خاصّ نفسه عليه السلام، لأنّه لم يكن كافرا فأسلم، و لكنّه كلام يقوله و يشير به إلى القوم الذين يخاطبهم من أفناء الناس فيأتي بصيغة الجمع الداخلة فيها نفسه توسعا. و يجوز أن يكون معناها لو لا ألطاف اللّه تعالى ببعثة محمد صلّى اللّه عليه و آله لكنت أنا و غيري على مذهب الأسلاف. انتهى. قوله عليه السلام »فبلاؤه عندنا ما لا يكفر« أي نعمه عندنا وافرة بحيث لا نستطيع كفرها و سترها، أو لا يجوز كفرانها و ترك شكرها. قوله عليه السلام »سياسة أمورنا« ]يقال[ سست الرعية سياسة بحارالأنوار ج : 34 ص : 199أمرتها و نهيتها. و »العلم« بالتحريك ما ينصب في الطريق ليهتدي به السائرون. قوله »من بارع الفضل« قال الفيروزآبادي برع ]فلان[ و يثلّث براعة فاق أصحابه في العلم و غيره، أو تمّ في كلّ جمال و فضيلة، فهو بارع و هي بارعة. قوله »و لم يكن« على المجهول من ]قولهم[ كننت الشي‏ء سترته. أو بفتح الياء و كسر الكاف من ]قولهم[ و كن الطائر بيضه يكنه ]على زنة وعد[ إذا حضنه. و في بعض النسخ »لم يكن«. و في النسخة القديمة »لن يكون«. قوله »و توسّعا« أي في الفضل و الثواب. قوله »مع ذلك« أي مع طاعتنا لك أي نفس الطاعة أمر مرغوب فيه و مع ذلك موجب لحصول ما ينفعنا و ما هو خير لنا في دنيانا و آخرتنا. قوله »إلّا مناصحة الصدور« أي خلوصها عن غشّ النفاق بأن يطوي فيه ما يظهر خلافه، أو نصح الإخوان نصحا يكون في الصدر لا بمحض اللّسان. قوله »و قد عال الذي في صدره« يقال عالني الشي‏ء أي غلبني. و عال أمرهم اشتدّ. قوله عليه السلام »و غصص الشجا« الغصّة بالضمّ ما اعترض

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 200في الحلق. و كذا الشجا و الشجو الهمّ و الحزن. قوله عليه السلام »لخطر مرزئته« الخطر بالتحريك القدر و المنزلة و الإشراف على الهلاك. و المرزئة المصيبة، و كذا الفجيعة و كونها أي وقوعها و حصولها و الضميران راجعان إلى أمير المؤمنين عليه السلام. و القائل كان عالما بقرب أوان شهادته عليه السلام فلذا كان يندب و يتفجّع. و إرجاعهما إلى القائل بعيد. قوله عليه السلام »أشفى« أي أشرف عليه. و الضمير في قوله »إليه« راجع إلى اللّه تعالى. قوله عليه السلام »و انقلاب جدّه« الجدّ البخت. و التفجّع التوجّع في المصيبة أي سأل اللّه دفع هذا البلاء الذي قد ظنّ وقوعه عنه عليه السلام مع التفجّع و التضرّع. قوله »يا ربّاني العباد« قال الجزري الربّاني منسوب إلى الربّ بزيادة الألف و النون ]للمبالغة[. و قيل هو من الربّ بمعنى التربية لأنّهم كانوا يربّون المتعلّمين بصغارها و كبارها. و الربّاني العالم الراسخ في العلم و الدين. أو الذي يطلب بعلمه وجه اللّه ]تعالى[. و قيل العالم العامل المعلّم. قوله »و يا سكن البلاد« السكن بالتحريك كلّ ما يسكن إليه. قوله »و بك جرت نعم اللّه علينا« أي بجهادك و مساعيك الجميلة لترويج الدين و تشييد الإسلام في زمن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و بعده. بحارالأنوار ج : 34 ص : 201قوله عليه السلام »و للعصاة الكفّار إخوانا« أي كنت تعاشر من يعصيك و يكفر نعمتك معاشرة الإخوان شفقة منك عليهم. أو المراد الشفقة على الكفّار و العصاة و الاهتمام في هدايتهم. و يحتمل أن يكون المراد المنافقين الذين كانوا في عسكره و كان يلزمه رعايتهم بظاهر الشرع. و قيل المراد بالإخوان الخوان الذي يؤكل عليه، فإنّه لغة فيه كما ذكره الجزري. و لا يخفى بعده. و في النسخة القديمة »أ لم نكن« بصيغة المتكلم، و حينئذ فالمراد بالفقرة الأولى أنّه كان ينزل بنا ذلّ كلّ ذليل أي كنّا نذلّ بكلّ ذلّة و هوان. و هو أظهر و ألصق بقول »فبمن«. قوله عليه السلام »من فظاعة تلك الخطرات« أي شناعتها و شدّتها. قوله ]عليه السلام[ »بعد الحور« قال الجوهري ]و في الأثر[ »نعوذ باللّه من الحور بعد الكور« أي من النقصان بعد الزيادة. و في بعض النسخ ]»بالجور«[ بالجيم. قوله عليه السلام »و ثمال فقرائنا« قال الجزري الثمال بالكسر الملجأ و الغياث. و قيل هو المطعم في الشدّة. قوله ]عليه السلام[ »يجمعنا من الأمور عدلك« أي هو سبب اجتماعنا و عدم تفرّقنا في جميع الأمور، أو من بين سائر الأمور، أو هو سبب لانتظام أمورنا، أو عدلك يحيط بجميعنا في جميع الأمور. قوله عليه السلام »و يتّسع لنا في الحقّ تأنيك« أي صار مداراتك و تأنّيك و عدم مبادرتك في الحكم علينا بما نستحقّه سببا لوسعة الحقّ علينا، و عدم تضيّق الأمر بنا. بحارالأنوار ج : 34 ص : 202قوله عليه السلام »ليبلغ تحريكه« أي تغييره و صرفه. و في النسخة القديمة »تحويله«. قوله »و لا خطرناها« أي جعلناها في معرض المخاطرة و الهلاك. أو صيّرناها خطرا و رهنا و عوضا لك. قال الجزري ]و[ فيه »فإنّ الجنّة لا خطر لها« أي لا عوض لها و لا مثل. و الخطر بالتحريك في الأصل الرهن و ما يخاطر عليه. و مثل الشي‏ء و عدله، و لا يقال إلّا في الشي‏ء الذي له قدر و مزيّة، و منه الحديث »أ لا رجل يخاطر بنفسه و ماله« أي يلقيهما في الهلكة بالجهاد. و منه حديث النعمان ]بن مقرن يوم نهاوند[ »إنّ هؤلاء يعني المجوس قد أخطروا لكم رثّة و متاعا و أخطرتم لهم الإسلام« المعنى أنّهم قد شرطوا لكم ذلك و جعلوه رهنا من جانبهم، و جعلتم رهنكم دينكم. قوله عليه السلام »حاولك« أي قصدك. قوله »من ناواك« أي عاداك. قوله »و لكنّه« أي الربّ تعالى. قوله »و عزّ« أي ذو عزّ و غلبة. و »زاوله« أي حاوله و طالبه. و هذه إشارة إلى أنّ تلك الأمور بقضاء اللّه و تقديره، و المبالغة في دفعها في حكم مغالبة اللّه في تقديراته. و قد سبق تحقيق القضاء و القدر في كتاب العدل. قوله »نعظّمه« الضمير في قوله »نعظمه« و »نديمه« راجعان إلى الشكر و الذكر. ]و[ قوله »بلاءه« يحتمل النعمة أيضا. قوله »ما عنده« هو خبر »إنّ«، و يحتمل أن يكون الخبر محذوفا أي خير لك، و المعنى أنّه لا تختلف قلوبنا بل تتّفق على أنّ اللّه اختار لك بإمضائك النعيم و الراحة الدائمة، على ما كنت فيه من المشقّة و الجهد و العناء. قوله »من غير إثم« أي لا نأثم على البكاء عليك فإنّه من أفضل

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 203الطاعات، أو لا نقول ما يوجب الإثم. قوله »لعزّ« متعلّق ب ]قوله[ »البكاء« و »أن يعود« بدل اشتمال له أي نبكي لتبدّل عزّ هذا السلطان ذلا. قوله »أكيل« الأكيل يكون بمعنى المأكول، و بمعنى الأكل. و المراد هنا الثاني أي نبكي لتبدّل هذا السلطان الحقّ بسلطنة الجور فيكون أكلا للدين و الدنيا. و في بعض النسخ »لعن اللّه هذا الشيطان« فلا يكون مرجع الإشارة سلطنته عليه السلام، بل جنسها الشامل للباطل أيضا أي لعن اللّه السلطنة التي لا تكون صاحبها. و يحتمل أن يكون اللعن مستعملا في أصل معناه لغة، و هو الإبعاد أي أبعد اللّه هذا السلطان عن أن يعود ذليلا. و لا يخفى بعده. قوله »و لا نرى لك خلفا« أي من بين السلاطين لخروج السلطنة عن أهل البيت ]عليهم السلام[.

 كا عليّ بن إبراهيم عن أبيه و محمد بن علي، جميعا عن إسماعيل بن مهران و أحمد بن محمد بن أحمد عن علي بن الحسن التيمي، و علي بن الحسين عن أحمد بن محمد بن خالد، جميعا عن إسماعيل بن مهران عن المنذر بن جيفر عن الحكم بن ظهير عن عبد اللّه بن حريز العبدي. عن الأصبغ بن نباتة قال أتى أمير المؤمنين عليه السلام عبد اللّه بن عمر و ولد أبي بكر و سعد بن أبي وقّاص يطلبون منه التفضيل لهم، فصعد المنبر و مال الناس إليه فقال بحارالأنوار ج : 34 ص : 204الحمد للّه وليّ الحمد و منتهى الكرم، لا تدركه الصفات و لا يحدّ باللغات و لا يعرف بالغايات. و أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه نبيّ الهدى و موضع التّقوى و رسول الرّب الأعلى، جاء بالحقّ من عند الحقّ لينذر بالقرآن المبين و البرهان المستنير فصدع بالكتاب المبين و مضى على ما مضت عليه الرسل الأوّلون. أمّا بعد أيّها النّاس فلا تقولنّ رجال قد كانت الدنيا غمرتهم فاتّخذوا العقار و فجّروا الأنهار و ركبوا أفره الدّواب و لبسوا ألين الثّياب فصار ذلك عليهم عارا و شنارا إن لم يغفر لهم الغفّار إذا منعتهم ما كانوا فيه يخوضون، و صيرتّهم إلى ما يستوجبون فيفقدون ذلك فيسألون »ظلمنا ابن أبي طالب و حرمنا و منعنا حقوقنا«. فاللّه عليهم المستعان. من استقبل قبلتنا و أكل ذبيحتنا و آمن بنبيّنا و شهد شهادتنا و دخل في ديننا، أجرينا عليه حكم القرآن بحدود الإسلام، ليس لأحد على أحد فضل إلّا بالتّقوى. ألا و إنّ للمتّقين عند اللّه أفضل الثواب و أحسن الجزاء و المآب، لم يجعل اللّه تبارك و تعالى الدنيا للمتّقين ثوابا، وَ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ. انظروا أهل دين اللّه فيما أصبتم في كتاب اللّه، و تركتم عند رسول اللّه صلّى اللّه و جاهدتم به في ذات اللّه، أ بحسب أم بنسب أم بعمل أم بطاعة أم زهادة و فيما أصبحتم فيه راغبين. فسارعوا إلى منازلكم رحمكم اللّه، الّتي أمرتم بعمارتها العامرة الّتي لا تخرب و الباقية الّتي لا تنفد، التي دعاكم ]اللّه[ إليها و حضّكم عليها و رغبكم فيها، و جعل الثّواب عنده عنها. فاستتمّوا نعم اللّه عزّ ذكره بالتّسليم لقضائه، و الشكر على نعمائه، فمن بحارالأنوار ج : 34 ص : 205لم يرض بهذا فليس منّا و لا إلينا، و إنّ الحاكم يحكم بكتاب اللّه و لا خشية عليه من ذلك، أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. و في نسخة ]من كتاب الكافي[ »و لا وحشة و أولئك لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ«. و قال ]عليه السلام[ و قد عاتبتكم بدرّتي الّتي أعاتب بها أهلي فلم تبالوا، و ضربتكم بسوطي الذي أقيم به حدود ربّي فلم ترعووا، أ تريدون أن أضربكم بسيفي أمّا إنّي أعلم الذي تريدون و يقيم أودكم، و لكن لا أشري صلاحكم بفساد نفسي، بل يسلّط اللّه عليكم قوما فينتقم لي منكم، فلا دنيا استمتعتم بها و لا آخرة صرتم إليها، فبعدا و سحقا لِأَصْحابِ السَّعِيرِ.

إيضاح قوله »ولد أبي بكر« هو عبد الرحمن. قوله عليه السلام »ولي الحمد« أي الأولى به، أو المتولّي لحمد نفسه كما ينبغي له بإيجاد ما يدلّ على كماله و اتّصافه بجميع المحامد، و بتلقين ما يستحقّه من الحمد أنبياؤه و حججه عليهم السلام و إلهام محبّيه و توفيقهم للحمد. ]قوله عليه السلام[ »و منتهى الكرم« أي ينتهي إليه كلّ جود و كرم لأنّه موجد النّعم و الموفّق لبذلها، أو هو المتّصف بأعلى مراتب الكرم و المولى بجلائل النّعم. و يحتمل أن يكون الكرم بمعنى الكرامة و الجلالة على الوجهين السابقين. ]قوله عليه السلام[ »لا تدركه الصفات« أي توصيفات الواصفين أو صفات المخلوقين. ]قوله عليه السلام[ »فلا يعرف بالغايات« أي بالنهايات و الحدود بحارالأنوار ج : 34 ص : 206الجسمانيّة، أو بالحدود العقليّة، إذ حقيقة كلّ شي‏ء و كنهه حدّه و نهايته. أو ليس له نهاية لا في وجوده و لا في علمه و لا في قدرته، و كذا سائر صفاته. أو لا يعرف بما هو غاية أفكار المتفكّرين. ]قوله عليه السلام[ »فصدع بالكتاب المبين« قال الفيروزآبادي ]في شرح[ قوله تعالى فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ أي شقّ جماعتهم بالتوحيد، أو اجهر بالقرآن، أو أظهر أو احكم بالحقّ و افصل بالأمر، أو اقصد بما تؤمر، أو افرق به بين الحقّ و الباطل. ]قوله عليه السلام[ »فلا تقولنّ رجال« الظاهر أنّ قوله »رجال« فاعل ]لقوله[ »لا تقولنّ« و ما ذكر بعده إلى قوله »و يقولون« صفات تلك الرجال. و قوله »ظلمنا ابن أبي طالب« مقول القول. و قوله »يقولون« تأكيد للقول المذكور في أوّل الكلام ]و[ إنّما أتى به لكثرة الفاصلة بين العامل و المعمول. و يحتمل أن يكون مقول القول محذوفا يدلّ عليه قوله »ظلمنا ابن أبي طالب«. و قيل مفعوله محذوف تقدير الكلام فلا تقولنّ ما قلتم من طلب التفضيل و غيره رجال كانت الدنيا غمرتهم في زمن الخلفاء الثلاثة إذا منعتهم ما كانوا يأخذون و أعطيتهم ما يستوجبون، فيصرفون ما أعطيتهم و يسألون الزيادة عليه و يقولون ظلمنا ابن أبي طالب. انتهى. أقول لا يخفى أنّ ما ذكرناه أظهر. و في بعض النسخ »رجالا« بالنّصب، و لعلّ فيه حينئذ حذفا أي لا تقولنّ أنتم نعتقد أو نتولى رجالا صفتهم كذا و كذا، و لعلّه كان »لا تتولّون« فصحّف. بحارالأنوار ج : 34 ص : 207]قوله عليه السلام[ »أفره الدوابّ« يقال دابّة فارهة أي نشيطة قويّة نفيسة. و »الشنار« العيب و العار. ]قوله عليه السلام[ »ألا و إنّ للمتّقين« أي ليس الكرم عند اللّه إلّا بالتقوى، و جزاء التقوى ليس إلّا في العقبى، و لم يجعل اللّه جزاء عملهم التفضيل في عطايا الدنيا. ]قوله عليه السلام[ »فانظروا أهل دين اللّه« أي يا أهل دين اللّه كذا في النسخ المصحّحة، و في بعضها »إلى أهل« و المراد بقوله »فيما أصبتم في كتاب اللّه« ]من[ نعوت الأنبياء و الأولياء الذين ذكرهم اللّه في القرآن، أو مواعيده الصادقة على الأعمال الصالحة. و بقوله »تركتم عند رسول اللّه« صفاته الحسنة و صفات أصحابه و ما كان يرتضيه صلّى اللّه عليه و آله من ذلك، أو ضمان الرسول لهم المثوبات على الصالحات، كأنّه وديعة لهم عنده صلّى عليه و آله. ]قوله عليه السلام[ »و جاهدتم به« أي بسببه و هو ما رأيتم من فضله و كماله، أو ما سمعتم من المثوبات عليه. ]قوله عليه السلام[ »أ بحسب أم بنسب« أي لم تكن تلك الأمور بالحسب و النسب بل بالعمل و الطاعة و الزهادة. ]قوله عليه السلام[ »و فيما أصبحتم« أي انظروا فيما أصبحتم راغبين فيه هل يشبه ما رأيتم و عهدتم مما تقدم ذكره، أو انظروا أيّهما أصلح لأن يرغب فيه. ]قوله عليه السلام[ »و جعل الثواب عنده عنها« كلمة »عن« لعلّها بمعنى »من« للتبعيض. أو قوله »التي« بدل اشتمال للمنازل، و المراد بها الأعمال التي توصل إليها، و لا يبعد أن يكون في الأصل »و التي« أو »بالتي« فصحّف. ]قوله عليه السلام[ »و لا خشية عليه من ذلك« أي لا يخشى على

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 208الحاكم العدل أي الإمام أن يترك حكم اللّه و لا يجوز أن يظنّ ذلك به، أو لا يخشى الحاكم بسبب العمل بحكم اللّه من أحد، أو أن يكون معاقبا بذلك عند اللّه. و على نسخة »و لا وحشة« المعنى أنّه إذا عمل الحاكم بحكم اللّه لا يستوحش من مفارقة رعيّته عنه بسبب ذلك. ]قوله عليه السلام[ »بدرّتي« الدّرّة بالكسر الّتي يضرب بها. و يظهر من الخبر أنّ السوط أكبر و أشدّ منها. و الارعواء الانزجار عن القبيح. و قيل الندم على الشي‏ء و الانصراف عنه و تركه. و الأود بالتحريك العوج. ]قوله عليه السلام[ »بفساد نفسي« أي لا أطلب صلاحكم بالظلم و بما لم يأمرني به ربّي فأكون قد أصلحتكم بإفساد نفسي. و »سحقا« أي بعدا.

 كتاب الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي عن محمد بن عبد اللّه بن عثمان عن عليّ بن ]أبي[ سيف ]المدائني[ عن أبي حباب عن ربيعة و عمارة قالا إنّ طائفة من أصحاب عليّ عليه السلام مشوا إليه فقالوا يا أمير المؤمنين أعط هذه الأموال و فضّل هؤلاء الأشراف من العرب و قريش على الموالي و العجم و من تخاف خلافه من الناس و فراره قال و إنّما قالوا له ذلك للذي كان معاوية يصنع بمن أتاه فقال لهم عليّ عليه السلام أ تأمرونّي أن أطلب النّصر بالجور و اللّه لا أفعل ما طلعت شمس و ما لاح في السّماء نجم، و اللّه لو كان مالهم لي لواسيت بينهم، فكيف و ما هي إلّا أموالهم بحارالأنوار ج : 34 ص : 209قال ثمّ أزم طويلا ساكنا ثمّ قال من كان له مال فإيّاه و الفساد فإنّ إعطاء المال في غير حقّه تبذير و إسراف، و هو ذكر لصاحبه في النّاس و يضعه عند اللّه، و لم يضع رجل ماله في غير حقّه و عند غير أهله إلّا حرمه اللّه شكرهم و كان لغيره ودّهم، فإن بقي معه من يودّه و يظهر له البشر فإنّما هو ملق و كذب، و إنّما ينوي أن ينال من صاحبه مثل الذي كان يأتي إليه من قبل، فإن زلّت بصاحبه النّعل فاحتاج إلى معونته و مكافأته فشر خليل و ألأم خدين. و من صنع المعروف فيما آتاه اللّه، فليصل به القرابة، و ليحسن فيه الضيافة، و ليفكّ به العاني، و ليعن به الغارم و ابن السّبيل و الفقراء و المهاجرين، و ليصبر نفسه على النّوائب و الخطوب فإنّ الفوز بهذه الخصال شرف مكارم الدّنيا و درك فضائل الآخرة.

 نهج ]و[ قال عليه السّلام في خطبة ]له[ فأين يتاه بكم بل كيف تعمهون و بينكم عترة نبيكم و هم أزمّة الحق و ألسنة الصّدق، فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن و ردوهم ورود الهيم العطاش. أيّها الناس خذوها من خاتم النّبيّين صلّى اللّه عليه و آله إنّه يموت من يموت منّا و ليس بميّت و يبلى من بلي منّا و ليس ببال، فلا تقولوا بما لا تعرفون، فإنّ أكثر الحقّ فيما تنكرون، و اعذروا من لا حجّة لكم عليه و أنا هو، أ لم أعمل فيكم بالثقل الأكبر و أترك فيكم الثّقل الأصغر و ركزت فيكم راية الإيمان، و وقفتكم على حدود الحلال و الحرام، و ألبستكم العافية من عدلي، و فرشتكم المعروف من قولي و فعلي، و أريتكم كرائم الأخلاق من نفسي فلا تستعملوا بحارالأنوار ج : 34 ص : 210الرأي فيما لا يدرك قعره البصر، و لا يتغلغل إليه الفكر.

بيان تاه فلان تحيّر. و العمه التردد على وجه التحيّر. و الواو في قوله »و بينكم« للحال. و الأزمّة جمع زمام و هو المقود أي هم القادة للحقّ يدور معهم حيثما داروا. ]قوله عليه السلام[ »و ألسنة الصدق« أي هم كاللسان للصدق لا يتكلّم إلّا بهم، أو هم المتكلّمون به و لا يظهر إلّا منهم. ]قوله عليه السلام[ »فأنزلوهم« أي أنزلوا العترة في صدوركم و قلوبكم بالتعظيم و الانقياد لأوامرهم و نواهيهم و التمسّك بهم بأحسن المنازل التي تنزلون القرآن، أو بأحسن المنازل التي يدلّ عليها القرآن. ]قوله عليه السلام[ »و ردوهم« من الورود و هو الحضور عند الماء للشرب. و »الهيم« الإبل العطاش. قوله عليه السلام »و اعذروا« قال ابن ميثم طلب عليه السلام منهم العذر فيما يصيبهم و يلحقهم من عذاب اللّه بسبب تقصيرهم في إطاعته عليه السلام. قوله عليه السلام »فيما لا يدرك« أي فيما ذكر لهم من خصائص العترة الطاهرة و فضلها أي أمرنا صعب لا تهتدي إليه العقول ]الساذجة[. و التغلغل الدخول.

 نهج ]و من كلام له عليه السلام[ و لقد أحسنت جواركم، و أحطت بجهدي من ورائكم، و أعتقتكم من ربق الذّلّ و حلق الضيم، شكرا منّي للبرّ القليل، و إطراقا عمّا أدركه البصر و شهده بحارالأنوار ج : 34 ص : 211البدن من المنكر الكثير.

بيان الإحاطة من الوراء ]هو[ دفع من يريدهم بشرّ لأنّ العدوّ الغالب يكون من وراء المحارب. و الحلق بالتحريك و كعنب جمع حلقة. و الضيم الظلم. و أطرق أي سكت و أرخى عينيه إلى الأرض، و إطراقه عليه السلام عن المنكر الكثير و سكوته عنه لعدم تأثير النهي، أو لانجراره إلى ما هو أعظم منه.

 نهج ]و[ من خطبة له عليه السلام اتّخذوا الشيطان لأمرهم ملاكا، و اتخذهم له أشراكا، فباض و فرّخ في صدورهم، و دبّ و درج في حجورهم، فنظر بأعينهم و نطق بألسنتهم، فركب بهم الزّلل، و زيّن لهم الخطل، فعل من قد شركه الشيطان في سلطانه، و نطق بالباطل على لسانه.

بيان ملاك الأمر بالكسر ما يقوم به. و الأشراك إما جمع شريك أي عدّهم ]الشيطان[ من شركائه في إضلال النّاس. أو جمع شرك بالتحريك أي جعلهم حبائل لاصطياد الخلق. »فباض و فرخ« كناية عن طول مكثه للوسوسة في صدورهم. و الدب المشي الضعيف، و الدرج أقوى منه و هما كنايتان عن تربيتهم الباطل و ملازمة الشيطان لهم حتى صار كالوالدين. و الزلل في الأعمال و الخطل في الأقوال. و الباء في ]قوله[ »ركب بهم« للتعدية. و الضمير في »سلطانه« راجع إلى »من« أي من شاركه الشيطان فيما جعله اللّه لهم من السلطان على الأعمال و الأقوال. أو إلى »الشيطان« أي كأنّهم الأصل في سلطانه و قدرته على الإضلال. بحارالأنوار ج : 34 ص : 212

 نهج ]و[ من خطبة له ]عليه السّلام[ في الملاحم ألا بأبي و أمّي من عدّة أسماؤهم في السماء معروفة و في الأرض مجهولة. ألا فتوقّعوا ما يكون من إدبار أموركم و انقطاع وصلكم، و استعمال صغاركم ذاك، حيث تكون ضربة السيف على المؤمن أهون من الدرهم من حلّه. ذاك حيث يكون المعطى أعظم أجرا من المعطي. ذاك حيث تسكرون من غير شراب بل من النعمة و النعيم و تحلفون من غير اضطرار و تكذبون من غير إحراج. ذاك إذا عضّكم البلاء كما يعضّ القتب غارب البعير. ما أطول هذا العناء و أبعد هذا الرجاء أيّها الناس ألقوا هذه الأزمّة الّتي تحمل ظهورها الأثقال من أيديكم، و لا تصدّعوا على سلطانكم فتذمّوا غبّ فعالكم، و لا تقتحموا ما استقبلتم من فور نار الفتنة، و أميطوا عن سننها و خلّوا قصد السّبيل لها، فقد لعمري يهلك في لهبها المؤمن و يسلم فيها غير المسلم. إنّما مثلي بينكم كمثل السّراج في الظلمة، يستضي‏ء به من ولجها، فاسمعوا أيّها النّاس و عوا و أحضروا آذان قلوبكم تفهموا

إيضاح قال ابن أبي الحديد قالت الإماميّة هذه العدّة هم الأئمة الأحد عشر من ولده عليهم السلام. و قال غيرهم إنّه عنى الأبدال الذين هم أولياء اللّه. انتهى. بحارالأنوار ج : 34 ص : 213]أقول[ و ظاهر أنّ ذكر انتظار فرج الشّيعة كما اعترف به بعد هذا لا ارتباط له بحكاية الأبدال. و أمّا كون أسمائهم في الأرض مجهولة، فلعلّ المراد به أنّ أكثر الناس لا يعرفون قدرهم و منزلتهم، فلا ينافي معرفة الخواص لهم و إن كانوا أيضا لا يعرفونهم حقّ معرفتهم. أو أراد به جهالة أسمائهم في وقت إيراد ]هذا[ الكلام، و التخصيص في الاحتمال الأخير أقلّ منه في الأوّل. قوله عليه السلام »و انقطاع وصلكم« جمع وصلة أي تفرّق أموركم المنتظمة. و المراد باستعمال الصغار تقديمهم على المشايخ و أرباب التجارب في الأعمال و الولايات. قوله عليه السلام »حيث يكون المعطى« على بناء المجهول »أعظم أجرا من المعطي« على بناء الفاعل لأنّ أكثر الأموال في ذلك الزّمان يكون من الحرام، و أيضا لا يعطونها على الوجه المأمور به ]بل[ للأغراض الفاسدة. و أمّا المعطى فلمّا كان فقيرا يأخذ المال لسدّ خلّته، لا يلزمه البحث عن المال و حلّه و حرمته فكان أعظم أجرا من المعطي. و قيل لأنّ صاحب المال لمّا كان يصرفه في أغلب الأحوال في الفساد، فإذا أخذه الفقير فقد فوّت عليه صرفه في القبائح، فقد كفّه بأخذ المال من ارتكاب القبيح. و لا يخلو من بعد. و النعمة بالفتح غضارة العيش. و في بعض النسخ بالكسر أي الخفض و الدعة و المال. قوله عليه السلام »من غير إخراج« أي من غير اضطرار إلى الكذب. و روي بالواو. بحارالأنوار ج : 34 ص : 214قوله عليه السلام »إذا عضّكم البلاء« يقال عضّ اللقمة كسمع و منع أي أمسكها بأسنانه و عضّ بصاحبه أي لزمه. و عضّ الزمان و الحرب شدّتهما. و القتب بالتحريك معروف. و الغارب ما بين العنق و السنام. و قال ابن أبي الحديد هذا الكلام غير متّصل بما قبله كما هو عادة الرضي، و قد ]كان عليه السلام[ ذكر بين ذلك ما ينال من شيعته من البؤس و القنوط و مشقّة انتظار الفرج. و قوله عليه السلام »ما أطول هذا العناء و أبعد هذا الرجاء« حكاية كلام شيعته عليه السلام انتهى. فيكون المراد بالرجاء رجاء ظهور القائم عليه السلام. و قال ابن ميثم و يحتمل أن يكون الكلام متّصلا و يكون قوله عليه السلام »ما أطول هذا العناء« كلاما مستأنفا في معنى التوبيخ لهم على إعراضهم عنه و إقبالهم على الدنيا و إتعابهم أنفسهم في طلبها، و تنفير لهم عنها بذكر طول العناء في طلبها و بعد الرجاء لما يرجى منها. قوله عليه السلام »ألقوا« أي ألقوا من أيديكم أزمّة الآراء الفاسدة و الأعمال الكاسدة الّتي هي كالنوق و المراكب في حمل التبعات و الآثام. »و لا تصدّعوا« أي لا تتفرّقوا. و السلطان الأمير و الإمام. و غبّ كلّ شي‏ء عاقبته. و فور نار الفتنة وهجها و غليانها. »و أميطوا« أي تنحّوا. و السّنن الطّريقة. قوله عليه السلام »و خلّوا« أي دعوها تسلك طريقها و لا تتعرّضوا لها تكونوا حبطا لنارها.

 نهج ]و من خطبة له عليه السّلام[ الحمد للّه النّاشر في الخلق بحارالأنوار ج : 34 ص : 215فضله، و الباسط فيهم بالجود يده، نحمده في جميع أموره، و نستعينه على رعاية حقوقه، و نشهد أن لا إله غيره، و أنّ محمدا عبده و رسوله أرسله بأمره صادعا و بذكره ناطقا، فأدّى أمينا و مضى رشيدا و خلّف فينا راية الحقّ، من تقدّمها مرق و من تخلّف عنها زهق، و من لزمها لحق. دليلها مكيث الكلام بطي‏ء القيام سريع إذا قام، فإذا أنتم ألنتم له رقابكم و أشرتم إليه بأصابعكم جاءه الموت فذهب به، فلبثتم بعده ما شاء اللّه حتّى يطلع اللّه لكم من يجمعكم و يضمّ نشركم. فلا تطمعوا في غير مقبل، و لا تيأسوا من مدبر، فإنّ المدبر عسى أن تزلّ إحدى قائمتيه و تثبت الأخرى فترجعا حتّى تثبتا جميعا. ألا و إنّ مثل آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله كمثل نجوم السّماء إذا خوى نجم طلع نجم، فكأنّكم قد تكاملت من اللّه فيكم الصّنائع، و أراكم ما كنتم تأملون.

توضيح النّشر التفريق و البسط، و بسط اليد كناية عن العطاء. و قيل اليد هنا النعمة في جميع أموره أي ما صدر منه من النعم و البلايا. و رعاية حقوق اللّه شكره و طاعته. ]قوله عليه السّلام[ »بأمره صادعا« أي مظهرا مجاهرا. و الرشد إصابة الصواب. و قيل الاستقامة على طريق الحقّ مع تصلّب فيه. و راية الحقّ الثّقلان المخلّفان. و مرق السهم من الرمية إذا خرج عن المرمي به، و المراد هنا خروج من تقدّمها و لم يعتد بها من الدين. و زهق الشي‏ء كمنع بطل و هلك. و اللّحوق إصابة الحقّ. و أراد بالدليل نفسه عليه السلام. و الضمير راجع إلى الراية. ]و[ مكيث الكلام أي بطيئه أي لا يتكلّم من غير رويّة. و بطي‏ء القيام كناية عن ترك بحارالأنوار ج : 34 ص : 216العجلة و الطّيش. و إلانة الرقاب كناية عن الإطاعة. و الإشارة بالأصابع ]كناية[ عن التعظيم و الإجلال. قال ابن أبي الحديد نقل أنّ أهل العراق لم يكونوا أشدّ اجتماعا عليه من الشهر الذي قتل عليه السلام فيه، اجتمع له مائة ألف سيف، و أخرج مقدّمته يريد الشام، فضربه اللعين و انفضّت تلك الجموع كالغنم فقدت رعاتها. و أشار ]عليه السلام[ بمن يجمعهم إلى المهدي عليه السلام. و النشر المنشور التفرّق. قوله عليه السلام »فلا تطمعوا« أي من لم يقبل على طلب هذا الأمر ممن هو أهله، فلا تطمعوا فيه فإنّ ذلك لاختلال بعض شرائط الطلب، كما كان شأن أكثر أئمّتنا عليهم السلام. و قيل أراد بغير المقبل من انحرف عن الدين بارتكاب منكر، فإنّه لا يجوز الطمع في أن يكون أميرا لكم. و في بعض النسخ »فلا تطعنوا في عين« أي من أقبل على هذا الأمر من أهل البيت فلا تدفعوه عما يريد. و قوله ]عليه السلام[ »و لا تيأسوا« أي من أدبر عن طلب الخلافة ممن هو أهل لها فلا تيأسوا من عوده و إقباله على الطلب، فإنّ إدباره يكون لفقد بعض الشروط كقلّة الناصر. و زوال إحدى القائمتين كناية عن اختلال بعض الشروط، و ثبات الأخرى ]كناية[ عن وجود بعضها. و قوله »فيرجعان حتّى يثبتا« ]كناية[ عن استكمال الشرائط، و لا ينافي النهي عن الإياس النّهي عن الطّمع لأنّ عدم اليأس هو التجويز، و الطمع فوق التجويز. أو لأنّ النهي عن الطمع في حال عدم الشروط و الإعراض عن بحارالأنوار ج : 34 ص : 217الطلب لذلك و النهي عن الإياس لجواز حصول الشرائط. و قيل ]في تفسير قوله عليه السلام[ »و لا تيأسوا من مدبر« أي إذا ذهب من بينكم إمام و خلّفه إمام آخر فاضطرب أمره، فلا تشكوا فيهم، فإنّ المضطرب الأمر سينتظم أموره. و حينئذ يكون قوله عليه السلام »ألا إنّ مثل آل محمد صلّى اللّه عليه و آله« كالبيان لهذا. ]قوله عليه السلام[ »إذا خوى نجم« أي مال للمغيب. و الصّنائع جمع صنيعة و هي الإحسان أي لا تيأسوا عسى أن يأتي اللّه بالفرج عن قريب و المتحقّق الوقوع قريب و إن كان بعيدا. و يمكن أن يكون ]أراد[ إراءة المخاطبين ما يأملون في الرجعة.

 نهج ]و[ من خطبة له عليه السلام أيّها الغافلون غير المغفول عنهم، و التاركون المأخوذ منهم ما لي أراكم عن اللّه ذاهبين و إلى غيره راغبين كأنّكم نعم أراح بها سائم إلى مرعى وبي‏ء و مشرب دويّ، ]و[ إنّما هو كالمعلوفة للمدى، لا تعرف ما ذا يراد بها، إذا أحسن إليها تحسب يومها دهرها و شبعها أمرها. و اللّه لو شئت أن أخبر كلّ رجل منكم بمخرجه و مولجه و جميع شأنه لفعلت و لكن أخاف أن تكفروا فيّ برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، ألا و إنّي مفضيه إلى الخاصّة ممن يؤمن ذلك منه. و الّذي بعثه بالحقّ و اصطفاه على الخلق، ما أنطق إلّا صادقا، و لقد عهد إليّ بذلك كلّه و بمهلك من يهلك و منجى من ينجو و مآل هذا الأمر، و ما أبقي شيئا يمرّ على رأسي إلّا أفرغه في أذني و أفضى به إليّ. أيّها النّاس و اللّه لا أحثّكم على طاعة إلّا و أسبقكم إليها، و لا أنهاكم بحارالأنوار ج : 34 ص : 218عن معصية إلّا و أتناهى قبلكم عنها.

بيان ]قوله عليه السلام[ »أيّها الغافلون« الظاهر أنّ الخطاب لعامّة المكلّفين أي الذين غفلوا عمّا يراد بهم و منهم، ]و هم[ غير المغفول عنهم، فإنّ أعمالهم محفوظة مكتوبة. ]قوله[ »و التاركون« أي لما أمروا به المأخوذ منهم بانتقاص أعمارهم و قواهم و استلاب أحبابهم و أموالهم. و الذهاب عن اللّه التوجه إلى غيره و الإعراض عن جنابه. و النّعم بالتحريك جمع لا واحد له من لفظه و أكثر ما يقع على الإبل. ]قوله عليه السلام[ »أراح بها سائم« شبّههم بالنعم التي تتبع نعما أخرى. سائمة أي راعية. و إنّما قال ذلك لأنّها إذا اتبعت أمثالها كان أبلغ في ضرب المثل بجهلها من الإبل التي يسيمها راعيها. و ما يظهر من كلام ابن ميثم من أنّ السائم بمعنى الراعي، ففيه ما لا يخفى. و المرعى الوبي‏ء ذو الوباء و المرض، و أصله الهمز. و الدّوي ذو الدّاء، و الأصل في الدويّ، دوي بالتخفيف و لكنّه شدّد للازدواج. قال الجوهري رجل دو بكسر الواو أي فاسد الجوف من داء. و المدى بالضمّ جمع مدية و هي السكين. قوله عليه السلام »تحسب يومها« أي تظنّ أن ذلك العلف كما هو حاصل لها في هذا اليوم حاصل لها أبدا، أو نظرها مقصور على يومها تحسب أنّه دهرها. »و شبعها أمرها« أي تظن انحصار شأنها و أمرها في الشبع. قوله عليه السلام »و اللّه لو شئت أن أخبر« قال ابن أبي الحديد ]و[ هذا كقول المسيح عليه السلام وَ أُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَ ما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ بحارالأنوار ج : 34 ص : 49]219-  آل عمران 3] ]و لكن[ قال عليه السلام إلّا أنّي أخاف عليكم الغلوّ في أمري، و أن تفضّلوني على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، بل أخاف عليكم أن تدّعوا فيّ الإلهيّة كما ادّعت النصارى ذلك في المسيح عليه السلام لمّا أخبرهم بالأمور الغائبة. ]ثم قال ابن أبي الحديد[ و مع كتمانه عليه السلام فقد كفر ]فيه[ كثير منهم، و ادّعوا فيه النبوّة، و أنّه شريك الرسول في الرسالة و إنّه هو الرسول، و لكنّ الملك غلط، و أنّه هو الذي بعث محمدا صلّى اللّه عليه و آله، و ادّعوا فيه الحلول و الاتحاد. و يحتمل أن يكون كفرهم فيه بإسناد التقصير إليه عليه السلام في إظهار شأنه و جلالته. و المهلك بفتح اللام و كسرها يحتمل المصدر و اسم الزمان و المكان. و المراد بالهلاك إمّا الموت و القتل أو الضلال و الشقاء. و كذلك النجاة. و المراد بالأمر الخلافة أو الدين و ملك الإسلام. و مآله انتهاؤه بظهور القائم عليه السلام و ما يكون في آخر الزمان. و أفرغه كفرّغه صبّه.

 نهج ]و[ من خطبة له عليه السّلام أمّا بعد، فإنّ اللّه سبحانه بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و ليس أحد من العرب يقرأ كتابا و لا يدّعي نبوّة و لا وحيا، فقاتل بمن أطاعه من عصاه، يسوقهم إلى منجاتهم، و يبادر بهم السّاعة أن تنزل بهم. يحسر الحسير و يقف الكسير فيقيم عليه حتّى يلحقه غايته، إلّا هالكا لا خير فيه، حتّى أراهم منجاتهم، و بوأهم محلّتهم، فاستدارت رحاهم، و استقامت قناتهم. و ايم اللّه لقد كنت من ساقتها حتّى تولّت بحذافيرها، و استوسقت في بحارالأنوار ج : 34 ص : 220قيادها، ما ضعفت و لا جبنت، و لا خنت و لا وهنت. و ايم اللّه لأبقرنّ الباطل حتّى أخرج الحقّ من خاصرته.

بيان المنجاة مصدر أو اسم مكان. »و يبادر بهم السّاعة« أي يسارع إلى هدايتهم و إرشادهم حذرا من أن ينزل بهم السّاعة فتدركه على الضّلالة. و الحسير المعيي. و إقامته ]صلّى اللّه عليه و آله[ على الحسير و الكسير و مراقبته من تزلزل عقائده، ليدفع شبهه حتّى يبلغه الغاية الّتي خلق لأجلها، إلّا من لم يكن قابلا للهداية. و منهم من حمله على ظاهره من شفقته صلّى اللّه عليه و آله على الضعفاء في الأسفار و الغزوات. ]قوله عليه السلام[ »حتّى أراهم منجاتهم« أي نجاتهم أو محلّ نجاتهم. و محلّتهم منزلهم و غاية سفرهم الصوري أو المعنوي. و استدار الرّحى و استقامة القناة، كنايتان عن انتظام الأمر كما مرّ. و السّاقة جمع سائق، و الضّمير لغير مذكور ]لفظا[ و المراد الجاهليّة، شبّهها عليه السّلام بكتيبة مصادفة لكتيبة الإسلام فهزمها. و في القاموس الحذفور كعصفور الجانب كالحذفار و الشريف و الجمع الكثير. و أخذه بحذافيره بأسره. أو بجوانبه أو بأعاليه. و الحذافير المتهيّئون للحرب. و اشدد حذافيرك تهيّأ. و استوسقت أي اجتمعت و انتظمت يعني الملّة الإسلامية أو الدعوة أو ما يجري هذا المجرى أي لمّا ولّت الجاهلية استوسقت هذه في قيادها كالإبل المقودة إلى أعطانها. و يحتمل عوده إلى الجاهلية أي تولّت بحذافيرها و اجتمعت تحت ظلّ المقادة. و البقر الشقّ. و الخاصرة ما بين أسفل الأضلاع و عظم الورك، شبّه عليه بحارالأنوار ج : 34 ص : 221السّلام الباطل بحيوان ابتلع الحقّ.

 نهج ]و من كلام له عليه السلام[ تاللّه لقد علمت تبليغ الرسالات و إتمام العدات و تمام الكلمات، و عندنا أهل البيت أبواب الحكم و ضياء الأمر. ألا و إنّ شرائع الّدين واحدة، و سبله قاصدة، من أخذ بها لحق و غنم، و من وقف عنها ضلّ و ندم. اعملوا ليوم تذخر له الذّخائر، و تبلى فيه السّرائر، و من لا ينفعه حاضر لبّه فعازبه عنه أعجز و غائبه أعوز. و اتّقوا نارا حرها شديد، و قعرها بعيد و حليتها حديد و شرابها صديد. ألا و إنّ اللّسان الصّالح يجعله اللّه للمرء في النّاس خير له من المال يورثه من لا يحمده.

بيان قال ابن أبي الحديد ]قوله[ »لقد علمت تبليغ الرّسالات« إشارة إلى قوله تعالى يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ و لا يخشون إلّا اللّه و إلى قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في قصّة براءة »لا يؤدّي عنّي أنا أو رجل منّي«، و أنّه علم مواعيد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الّتي وعد بها و إنجازها، فمنها ما هو وعد لواحد من النّاس نحو أن يقول سأعطيك كذا. و منها ما هو وعد بأمر سيحدث، كأخبار الملاحم و الأمور المتجدّدة. و فيه إشارة إلى قول تعالى ]مِنَ الْمُؤْمِنِينَ[ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ و إلى قول النّبيّ صلّى اللّه عليه في حقّه عليه السلام »قاضي ديني و منجز عداتي« و أنّه علم تمام الكلمات و هو تأويل القرآن و بيانه الذي يتم به. بحارالأنوار ج : 34 ص : 222و فيه إشارة إلى قوله تعالى وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلًا. و إلى قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ]له[ »اللّهم اهد قلبه و ثبّت لسانه«. و لعلّ الراد ب »أبواب الحكم« بالضمّ أو »الحكم« بكسر الحاء و فتح الكاف على اختلاف النسخ الأحكام الشرعية. و ب »ضياء الأمر« العقائد العقلية أو بالعكس. و قال ابن ميثم لعلّ المراد ب »شرائع الدين و سبله« أهل البيت عليهم السلام فإنّ أقوالهم في الدين واحدة خالية عن الاختلاف. أقول و يحتمل أن يكون المراد معناه الظاهر، و يكون الغرض نفي الاختلاف في الأحكام بالآراء و المقاييس، و يظهر منه بطلان إمامة غير أهل البيت كما لا يخفي. قوله عليه السلام »و من لا ينفعه« فيه وجوه الأول أنّ من لم يعتبر في حياته بلبّه فأولى بأن لا ينتفع بعد الموت. الثاني أنّ المراد من لم يعمل بما فهم و حكم به عقله وقت إمكان العمل، فأحرى أن لا ينتفع به بعد انقضاء وقته، بل لا يورثه إلّا ندامة و حسرة. الثالث أنّ المراد من لم يكن له من نفسه واعظ و زاجر و لم يعمل بما فهم و عقل، فأحرى بأن لا يرتدع من القبيح بعقل غيره و موعظته له. و »اللسان الصالح« الذّكر الجميل. و »من لا يحمده« وارثه الذي لا يعدّ ذلك الإيراث فضلا و نعمة.

 نهج ]و[ من خطبته ]عليه السّلام[ المعروفة بالقاصعة بحارالأنوار ج : 34 ص : 223ألا و إنّكم قد نفضتم أيديكم من حبل الطّاعة، و ثلمتم حصن اللّه المضروب عليكم بأحكام الجاهليّة، و إنّ اللّه سبحانه قد امتنّ على جماعة هذه الأمّة فيما عقد بينهم من حبل هذه الألفة الّتي ينتقلون في ظلّها و يأوون إلى كنفها، بنعمة لا يعرف أحد من المخلوقين لها قيمة لأنّها أرجح من كلّ ثمن و أجلّ من كلّ خطر. و اعلموا أنّكم قد صرتم بعد الهجرة أعرابا، و بعد الموالاة أحزابا، ما تتعلّقون من الإسلام إلّا باسمه، و لا تعرفون من الإيمان إلّا رسمه، تقولون »النّار و لا العار«، كأنّكم تريدون أن تكفئوا الإسلام على وجهه انتهاكا لحريمه، و نقضا لميثاقه الذي وضعه اللّه لكم، حرما في أرضه و أمنا بين خلقه. و إنكم إن لجأتم إلى غيره حاربكم أهل الكفر، ثمّ لا جبرئيل و لا ميكائيل و لا مهاجرون و لا أنصار ينصرونكم إلّا المقارعة بالسّيوف حتّى يحكم اللّه بينكم. و إنّ عندكم الأمثال من بأس اللّه و قوارعه و أيّامه و وقائعه، فلا تستبطئوا وعيده جهلا بأخذه، و تهاونا ببطشه، و يأسا من بأسه. فإنّ اللّه سبحانه لم يلعن القرن الماضي بين أيديكم إلّا لتركهم الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر، فلعن السّفهاء لركوب المعاصي، و الحلماء لترك التّناهي. ألا و قد قطعتم قيد الإسلام، و عطّلتم حدوده و أمتّم أحكامه. ألا و قد أمرني اللّه بقتال أهل البغي و النّكث و الفساد في الأرض، فأمّا النّاكثون فقد قاتلت، و أمّا القاسطون فقد جاهدت، و أمّا المارقون فقد دوخت، و أمّا شيطان الرّدهة فقد كفيته بصعقة سمعت لها وجبة قلبه و رجّة صدره، و بقيت بحارالأنوار ج : 34 ص : 224بقيّة من أهل البغي، و لئن أذن اللّه في الكرّة عليهم لأديلنّ منهم إلّا ما يتشذّر في أطراف البلاد تشذّرا. أنا وضعت ]في الصغّر[ بكلاكل العرب و كسرت نواجم قرون ربيعة و مضر. و قد علمتم موضعي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالقرابة القريبة و المنزلة الخصيصة، وضعني في حجره و أنا وليد، يضمّني إلى صدره و يكنفني في فراشه و يمسّني جسده و يشمّني عرفه، و كان يمضغ الشّي‏ء ثمّ يلقمنيه، و ما وجد لي كذبة في قول و لا خطلة ]خطيئة »خ«[ في فعل.

أقول قد مضى تمامها مع شرحها في آخر المجلد الخامس.

 نهج ]و[ من كلام له عليه السلام ألا و إنّ اللّسان بضعة من الإنسان، فلا يسعده القول إذا امتنع، و لا يمهله النّطق إذا اتّسع، و إنّا لأمراء الكلام، و فينا تنشّبت عروقه، و علينا تهدّلت غصونه. و اعلموا رحمكم اللّه أنكم في زمان، القائل فيه بالحقّ قليل، و اللّسان عن الصّدق كليل، و اللّازم للحقّ ذليل، أهله معتكفون على العصيان، مصطلحون على الإدهان، فتاهم عارم، و شائبهم آثم، و عالمهم منافق، و قارئهم مماذق، لا يعظّم صغيرهم كبيرهم، و لا يعول غنيّهم فقيرهم.

بيان قال ابن أبي الحديد ]هذا الكلام[ قاله عليه السلام في واقعة اقتضت ذلك، و هي أنّه أمر ابن أخته جعدة بن هبيرة المخزومي أن يخطب الناس يوما، فصعد المنبر فحصر و لم يستطع الكلام، فقام أمير المؤمنين عليه السلام فتسنّم بحارالأنوار ج : 34 ص : 225ذروة المنبر، فخطب خطبة طويلة هذه الكلمات منها. و البضعة القطعة من اللحم. و الضمير في ]قوله عليه السلام[ »يسعده« و »يمهله« للّسان، و في ]قوله[ »امتنع« و »اتّسع« للإنسان. و المعنى أنّ اللسان لمّا كان آلة للإنسان يتصرّف بتصريفه إيّاه، فإذا امتنع الإنسان عن الكلام لشاغل أو صارف، لم يسعد اللّسان القول و لم يواته، و إذا دعاه الدّاعي إلى الكلام و حضره و اتسع الإنسان له، لم يمهله النّطق بل يسارع إليه. و يحتمل أن يعود الضّمير في »امتنع« إلى القول، و في »اتّسع« إلى النّطق أي فلا يسعد القول اللسان إذا امتنع القول من الإنسان و لم يحضره لوهم أو نحوه، أوجب حصره و عيّه و لم يمهله النّطق إذا اتّسع عليه و حضره. و يحتمل أن يكون الضّمير في »يسعده« و »يمهله« راجعا إلى الإنسان، و في ]قوله[ »امتنع« و »اتّسع« إلى اللّسان أي إذا امتنع اللّسان لعدم جرأة فلا يسعد القول الإنسان، و إذا اتّسع لم يمهل النطق الإنسان. و الأوّل أظهر. و نشب الشي‏ء في الشّي‏ء بالكسر أي علق و أنشبته أنا فيه أي أعلقته فانتشب. ذكره الجوهري. و المراد بعروقه أصوله و موادّه، كالعلم بالمعاني و الملكات الفاضلة. و غصونه فروعه و أغصانه و آثاره. و تهدّلت أغصان الشجرة أي تدلّت. ]قوله عليه السلام[ »معتكفون على العصيان« أي ملازمون ]لها[ من قولهم عكف على الشي‏ء أي حبس نفسه عليه، و منه الاعتكاف. و الاصطلاح بحارالأنوار ج : 34 ص : 226افتعال من الصلح. و الادهان القول باللّسان بمقتضى مصلحة حالهم دون الاتفاق في القلوب، أو بمعنى الغش. و العرامة شراسة الخلق و البطر و الفساد و قلّة الأدب. ]قوله عليه السلام[ »و شائبهم آثم« ]أي[ لجهله و غفلته شاب في الإثم. قوله عليه السلام »مماذق« أي غير مخلص كما ذكره الجوهري. و »عاله« أي كفله و قام بأمره و أنفق عليه.

 نهج ]و[ من خطبة له عليه السّلام و أستعينه على مداحر الشّيطان و مزاجره و الاعتصام من حبائله و مخاتله. و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله و نجيبه و صفوته، لا يوازى فضله، و لا يجبر فقده، أضاءت به البلاد بعد الضّلالة المظلمة و الجهالة الغالبة و الجفوة الجافية، و النّاس يستحلّون الحريم و يستذلّون الحكيم، يحيون على فترة و يموتون على كفرة. ثمّ إنّكم معشر العرب أغراض بلايا قد اقتربت، فاتّقوا سكرات النّعمة، و احذروا بوائق النّقمة، و تثبّتوا في قتام العشوة، و اعوجاج الفتنة عند طلوع جنينها، و ظهور كمينها، و انتصاب قطبها، و مدار رحاها، تبدأ في مدارج خفيّة، و تؤول إلى فظاعة جليّة، شبابها كشباب الغلام، و آثارها كآثار السلام، تتوارثها الظلمة بالعهود، أوّلهم قائد لآخرهم، و آخرهم مقتد بأوّلهم، يتنافسون في دنيا دنيّة، و يتكالبون على جيفة مريحة، و عن قليل يتبرأ التابع من المتبوع، و القائد من المقود، فيتزايلون بالبغضاء و يتلاعنون عند اللقاء. ثمّ يأتي بعد ذلك طالع الفتنة الرّجوف و القاصمة الزّخوف، فتزيغ قلوب بعد استقامة، و تضلّ رجال بعد سلامة، و تختلف الأهواء عند هجومها، و تلتبس بحارالأنوار ج : 34 ص : 227الآراء عند نجومها. من أشرف لها قصمته، و من سعى فيها حطمته، يتكادمون فيها تكادم الحمر في العانة، قد اضطرب معقود الحبل، و عمي وجه الأمر، تغيض فيها الحكمة، و تنطق فيها الظّلمة، و تدقّ أهل البدو بمسحلها، و ترضّهم بكلكلها. يضيع في غبارها الوحدان، و يهلك في طريقها الرّكبان، ترد بمرّ القضاء، و تحلب عبيط الدّماء، و تثلم منار الدّين، و تنقض عقد اليقين. تهرب منها الأكياس، و تدبرها الأرجاس، مرعاد مبراق، كاشفة عن ساق، تقطع فيها الأرحام، و يفارق عليها الإسلام، بريئها سقيم، و ظاعنها مقيم. ]و[ منها بين قتيل مطلول، و خائف مستجير، يختلون بعقد الأيمان، و بغرور الإيمان، فلا تكونوا أنصاب الفتن و أعلام البدع، و الزموا ما عقد عليه حبل الجماعة، و بنيت عليه أركان الطاعة، و اقدموا على اللّه مظلومين و لا تقدموا عليه ظالمين، و اتّقوا مدارج الشّيطان و مهابط العدوان، و لا تدخلوا بطونكم لعق الحرام، فإنّكم بعين من حرّم عليكم المعصية و سهّل لكم سبيل الطّاعة.

توضيح »مداحر الشيطان« الأمور التي يدحر و يطرد بها ]الشيطان[. و »مزاجره« الأمور التي يزجر بها. و »حبائله« مكايده التي يضلّ بها البشر. و »مخاتله« الأمور التي يختل بها بالكسر أي يخدع بها. ]قوله عليه السّلام[ »لا يوازى« أي لا يساوى. و الأصل فيه الهمزة كما قيل. »و الجهالة الغالبة« بالباء الموحّدة و في بعض النّسخ بالمثنّاة من الغلاء و هو الارتفاع أو من الغلوّ و هو مجاوزة الحدّ. و الجفوة غلظ الطبع. و الوصف للمبالغة. ]و قوله[ »و الناس« الواو للحال. و الحريم حرمات اللّه التي يجب احترامها و محرماته. و قال ]ابن الأثير[ في النهاية الفترة ما بين الرسولين. بحارالأنوار ج : 34 ص : 228و أصابني على فترة أي في حال سكون و تقليل من العبادات و المجاهدات. و الكفرة المرّة من الكفرات. و المعشر الجماعة. و الغرض الهدف. و سكرات النعمة ما تحدثه النعم عند أربابها من الغفلة المشابهة للسكر. و البوائق الدواهي. و التّثبّت التوقّف و ترك اقتحام الأمر. و القتام بالفتح الغبار. و العشو ركوب الأمر على غير بيان و وضوح. و يروى »و تبيّنوا« كما قرئ في الآية. و كنّى عليه السلام عن ظهور المستور المخفي منها بقوله »عند طلوع جنينها و ظهور كمينها«. و الجنين الولد ما دام في البطن. و الكمين الجماعة المختفية في الحرب. و المدار مصدر و المكان بعيد. و »انتصاب قطبها و مدار رحاها« كنايتان عن انتظام أمرها. و المدرجة المذهب و المسلك أي إنّها تكون ابتداء يسيرة ثم تصير كثيرة. و الشبّاب بالكسر نشاط الفرس و رفع يديه جميعا. و في بعض النسخ ]ذكره[ بالفتح. و السّلم الحجارة أي أربابها يمرحون في أوّل الأمر كما يمرح الغلام، ثمّ يؤول إلى أن يعقب فيهم أو في الإسلام آثار كآثار الحجارة في الأبدان، فيحتمل أن يكون ]هذا[ كالتفسير لسابقه، أو يكون المراد أنّها في الدنيا كنشاط الغلام و ما أعقبها في الآخرة كآثار السلام. ]قوله عليه السلام[ »تتوارثها الظلمة بالعهود« الظرف متعلّق بالفعل أي توارثهم بما عهدوا بينهم من ظلم أهل البيت عليهم السلام و غصب حقّهم. أو ]هو متعلّق[ ب ]قوله[ »الظلمة« أي الذين ظلموا عهد اللّه و تركوه. »و يتكالبون« أي يتواثبون. و »المريحة« المنتنة من ]قولهم[ أراحت ]الجيفة[ إذا ظهر ريحها، أو من أراح البعير إذا مات. قوله عليه السلام »و عن قليل« أي بعد قليل من الزمان يتبرأ التابع ]من المتبوع[. قال ابن أبي الحديد ذلك التبرّؤ في القيامة كما ورد في الكتاب العزيز، بحارالأنوار ج : 34 ص : 229أمّا تبرّؤ التابع من المتبوع ]فقد[ قال تعالى قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً. و أمّا تبرّؤ القائد من المقود أي المتبوع من التابع فقال تعالى إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا. و إمّا الأعمّ كما دلّ عليه قوله عليه السلام »فيتزايلون...« فقال تعالى و يوم القيامة يكفر بعضهم ببعض و يلعن بعضهم بعضا. و قوله عليه السلام »يتزايلون« أي يفترقون. و طالع الفتنة مقدماتها. و سمّاها رجوفا لشدّة الاضطراب فيها. و لمّا ذكر عليه السلام رغبتهم في الدنيا و تكالبهم، أراد أن يذكر ما يؤكّد التعجّب من فعلهم، فأتى بجملة معترضة بين الكلامين فقال »و عن قليل يتبرّأ التّابع... إلخ«. ثمّ عاد إلى نظام الكلام فقال »ثمّ يأتي بعد ذلك طالع الفتنة الرجوف«. و قال ابن ميثم أشار عليه السلام إلى منافستهم في الدنيا في إثارة تلك الفتن، ثم أخبر عن انقضائها عن قليل و كنّى عن ذلك بتبرّؤ التابع من المتبوع. قيل ]و كان[ ذلك التبرؤ عند ظهور الدولة العباسية، فإنّ العادة جارية بتبرّؤ الناس عن الولاة المعزولين، خصوصا ممن تولّى عزل أولئك أو قتلهم فيتباينون بالبغضاء و يتلاعنون عند اللقاء. ]ثم[ قال ]ابن ميثم[ و قوله عليه السلام »ثمّ يأتي ]بعد ذلك طالع الفتنة الرجوف«[ إشارة إلى فتنة التّتار، إذ الدائرة فيهم كانت على العرب. ]ثم[ قال و قال بعض الشارحين ذلك إشارة إلى الملحمة الكائنة في

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 230آخر الزمان، كفتنة الدجّال، و وصفها بالرجوف كناية عن اضطراب الناس، أو أمر الإسلام فيها. و ]كنّى[ بقصمها عن هلاك الخلق فيها تشبيها لها بالرجل الشجاع الكثير الزحف إلى أقرانه أي يمشي إليهم قدما. و نجم الشي‏ء ينجم بالضمّ نجوما ظهر و طلع. قوله ]عليه السلام[ »من أشرف لها« أي صادمها و قابلها. »و من سعى فيها« أي في تسكينها و إطفائها. و الحطم الكسر. و التكادم التّعاض بأدنى الفم. و العانة القطيع من حمر الوحش، و لعلّ المراد مغالبة مثيري تلك الفتنة بعضهم لبعض، أو مغالبتهم لغيرهم. و معقود الحبل قواعد التي كلّفوا بها. و في إسناد العمى إلى وجه الأمر تجوّز. و الغيض القلّة و النقص. و المسحل كمنبر السوهان أو المنحت أي يفعل بهم ما يفعل بالحديد أو الخشب. و الرضّ الدق. و الكلكل الصدر. و الوحدان جمع واحد أي من كان يسير وحده فإنّه يهلك فيها بالكلية، و إذا كانوا جماعة فهم يضلّون في طريقها فيهلكون. و لفظ الغبار مستعار للقليل اليسير من حركة أهلها أي إذا أراد القليل من الناس دفعها هلكوا في غبارها من دون أن يدخلوا في غمارها، و أمّا الركبان و هم الكثير من الناس فإنّهم يهلكون في طريقها و عند الخوض فيها. و يجوز أن يكون الوحدان جمع أوحد أي يضلّ في غبار هذه الفتنة و شبهها فضلاء عصرها، لغموض الشبهة و استيلاء الباطل و يكون الركبان كناية عن أهل القوّة، فهلاك أهل العلم بالضلال، و هلاك أهل القوّة بالقتل. و مرّ القضاء الهلاك و الاستئصال و البلايا الصّعبة. و عبيط الدّماء الطري الخالص منها. و تثلم أي تكسر. ]و[ منار الدين أي أعلامه. ]قوله عليه السّلام[ »مرعاد مبراق« أي ذات رعد و برق تشبيها بحارالأنوار ج : 34 ص : 231بالسحاب. أو ذات وعيد و تهدّد من ]قولهم[ رعد الرجل و برق إذا أوعد و تهدّد. و يحتمل أن يكون ]أراد من[ الرعد صوت السلاح و ]من[ البرق ضوءه. و قال ]ابن الأثير[ في النهاية السّاق في اللغة الأمر الشّديد و كشف الساق مثل في شدّة الأمر، و أصله من كشف الإنسان عن ساقه و تشميره إذا وقع في أمر شديد. قوله عليه السلام »بريئها« أي من يعدّ نفسه بريئا سالما من المعاصي أو الآفات، أو من كان سالما بالنسبة إلى سائر الناس فهو أيضا مبتلى بها، أو المعنى أنّ من لم يكن مائلا إلى المعاصي أو أحبّ الخلاص من شرورها لا يمكنه ذلك. قوله عليه السّلام »و ظاعنها مقيم« أي لا يمكنه الخروج عنها. أو من اعتقد أنّه متخلّف عنها فهو داخل فيها لكثرة الشبه و عموم الضلالة. قوله عليه السّلام »مطلول« أي مهدر لا يطلب به. ]و[ »يختلون« أي يخدعون. ]و قوله[ »بعقد الأيمان« ]إمّا[ بصيغة المصدر أو كصرد بصيغة الجمع. و ]قوله عليه السّلام[ »يختلون« في بعض النسخ على بناء المجهول، فيكون إخبارا عن حال المخدوعين الذي يختلهم غيرهم بالأيمان المعقودة بينهم، أو بالعهود الذي يشدّونها بمسح أيمانهم. و في بعض النسخ على بناء المعلوم فيكون إخبارا من أهل ذلك الزّمان جميعا، أو الخادعين الخائنين منهم. و »بغرور الإيمان« أي بالإيمان الذي يظهره الخادعون لهؤلاء الموصوفين فيغرونهم بالمواعيد الكاذبة، أو الذي يظهره هؤلاء الموصوفون فيغرّون الناس به على النّسختين. قوله عليه السّلام »أنصاب الفتن« ]الأنصاب[ جمع نصب و هو بالفتح أو التحريك العلم أو بمعنى الغاية و الحدّ و منه أيضا أنصاب الحرم. بحارالأنوار ج : 34 ص : 232و في بعض النسخ ]أنصار الفتن[ بالراء. قوله عليه السلام »]و الزموا[ ما عقد عليه حبل الجماعة« أي القوانين الّتي ينتظم بها اجتماع الناس على الحقّ، و هي التي بنيت عليها أركان الطاعة. ]قوله عليه السلام[ »و اقدموا على اللّه مظلومين« أي كونوا راضين بالمظلومية أو لا تظلموا الناس و إن استلزم ترك الظلم مظلوميتكم. و »مدارج الشيطان« مذاهبه و مسالكه. »و مهابط العدوان« المواضع التي يهبط هو و صاحبه فيها. و اللعق جمع لعقة بالضمّ، و هي اسم لما تأخذه الملعقة. و اللعقة بالفتح المرّة منه. فنبّه عليه السلام باللّعق على قلّتها بالنسبة إلى متاع الآخرة، أو المراد لا تدخلوا بطونكم القليل منه فكيف بالكثير. قوله عليه السّلام »]فإنّكم[ بعين من حرّم« أي بعلمه كقوله تعالى تَجْرِي بِأَعْيُنِنا.

 نهج ]و[ من خطبة له عليه السّلام فبعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله بالحقّ ليخرج عباده من عبادة الأوثان إلى عبادته، و من طاعة الشّيطان إلى طاعته، بقرآن قد بيّنه و أحكمه، ليعلم العباد ربّهم إذ جهلوه، و ليقرّوا به إذ جحدوه، و ليثبّتوه بعد إذا أنكروه. فتجلّى سبحانه لهم في كتابه من غير أن يكونوا رأوه، بما أراهم من قدرته، و خوّفهم من سطواته، و كيف محق من محق بالمثلات و احتصد من احتصد ]و اختضد من اختضد »خ«[ بالنقمات. و إنه سيأتي عليكم من بعدي زمان، ليس فيه شي‏ء أخفى من الحقّ و لا بحارالأنوار ج : 34 ص : 233أظهر من الباطل و لا أكثر من الكذب على اللّه و رسوله، و ليس عند أهل ذلك الزّمان سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حقّ تلاوته، و لا أنفق منه إذا حرّف عن مواضعه، و لا في البلاد شي‏ء أنكر من المعروف و لا أعرف من المنكر، فقد نبذ الكتاب حملته و تناساه حفظته، فالكتاب يومئذ و أهله منفيّان طريدان، و صاحبان مصطحبان في طريق واحد، لا يؤويهما مؤو، فالكتاب و أهله في ذلك الزّمان في النّاس و ليسا فيهم، و معهم و ليسا معهم، لأنّ الضلالة لا توافق الهدى و إن اجتمعا. و اجتمع القوم على الفرقة و افترقوا عن الجماعة، كأنّهم أئمة الكتاب و ليس الكتاب إمامهم، فلم يبق عندهم منه إلّا اسمه و لا يعرفون إلّا خطّه و زبره. و من قبل ما مثّلوا بالصّالحين كلّ مثلة، و سمّوا صدقهم على اللّه فرية و جعلوا في الحسنة عقوبة السّيّئة. و إنّما هلك من كان قبلكم بطول آمالهم و تغيّب آجالهم، حتّى نزل بهم الموعود الذي تردّ عنه المعذرة، و ترفع عنه التوبة، و تحل معه القارعة و النقمة. أيّها النّاس إنّه من استنصح اللّه وفّق، و من اتّخذ قوله دليلا هدي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ، فإنّ جار اللّه آمن و عدوّه خائف. و إنّه لا ينبغي لمن عرف عظمة اللّه أن يتعظّم، فإنّ رفعة الذين يعلمون ما عظمته أن يتواضعوا له، و سلامة الذين يعلمون ما قدرته أن يستسلموا له، فلا تنفروا من الحقّ نفار الصّحيح من الأجرب و الباري من ذي السقم. و اعلموا أنّكم لن تعرفوا الرشد حتّى تعرفوا الذي تركه، و لن تأخذوا بميثاق الكتاب حتّى تعرفوا الذي نقضه، و لن تمسكوا به حتّى تعرفوا الذي نبذه. فالتمسوا ذلك من عند أهله فإنّهم عيش العلم و موت الجهل، هم الذين بحارالأنوار ج : 34 ص : 234يخبركم حكمهم عن علمهم، و صمتهم عن منطقهم، و ظاهرهم عن باطنهم، لا يخالفون الدين و لا يختلفون فيه، ]فهو[ بينهم شاهد صادق و صامت ناطق.

بيان »أحكمه« أتقنه. و قيل في قوله تعالى » كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ« [1-  هود 11] أي أحفظت من فساد المعنى و ركاكته. و يمكن أن يكون المراد بالإقرار باللسان، و بالإثبات التصديق بالقلب. ]قوله عليه السلام[ »فتجلّى لهم« أي ظهر و انكشف، و ربّما يفسّر الكتاب هنا بعالم الإيجاد. و المحق النقض، و المحو و الإبطال. و المثلاث العقوبات. قوله عليه السلام »و احتصد ]من احتصد[« في بعض النسخ بالمهملتين في الموضعين من الحصاد و هو قطع الزرع و النبات فهو كناية عن استئصالهم. و في بعضها بالمعجمتين من ]قولهم[ اختضد البعير أي خطمه ليذلّ. و الأول أظهر. و البوار الهلاك و كساد السوق. و تلاوة الكتاب إمّا بمعنى قراءته، أو متابعته فإنّ من اتّبع غيره يقال تلاه. و التحريف بالثاني أنسب. و يقال تناساه إذا أرى من نفسه أنّه نسيه. و نفى الشي‏ء أي نحّاه أو جحده. و الطرد الإبعاد. و أهل الكتاب ]هم[ أئمّة الدين و أتباعهم العالمون بالكتاب العاملون به. قوله عليه السّلام »لأنّ الضّلالة« أي ضلالتهم مضادّة لهدى الكتاب فلم يجتمعا حقيقة و إن اجتمعا ظاهرا. و الزبر بالفتح الكتابة و بالكسر الكتاب. بحارالأنوار ج : 34 ص : 235قوله عليه السّلام »و من قبل« أي من قبل ذلك الزمان و إن كان بعده عليه السلام. »ما مثلوا« بالتخفيف و التشديد أي نكّلوا. و الظرف أعني قوله »على اللّه« متعلّق بالفرية، و يحتمل تعلّقه بالصدق. و المراد بتغيّب آجالهم نسيانهم إيّاها و ترك استعدادهم لها و لما بعدها. و الموعود الموت فإنّه لا تقبل فيه معذرة و عند نزوله ]لا تقبل[ توبة. »و القارعة« المصيبة التي تقرع أي تلقى بشدّة و قوّة. قوله عليه السلام »من استنصح اللّه« قال ]ابن الأثير[ في النهاية أي اتّخذه ناصحا. انتهى. و الاعتقاد بكونه تعالى ناصحا و أنّه لا يريد للعبد إلّا ما هو خير له، يوجب التوفيق بالرغبة في العمل بكلّ ما أمر ]به[ و الانتهاء عمّا نهى عنه. قوله عليه السلام » لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ« أي للحالة و الطريقة التي اتّباعها و سلوكها أقوم. ]قوله عليه السلام[ »فإنّ جار اللّه ]آمن[« أي من أجاره اللّه أو من كان قريبا منه. و في بعض النسخ »عظمته« و »قدرته« بالنصب، فكلمة »ما« فيهما زائدة. قوله عليه السلام »حتّى تعرفوا الذي تركه« الغرض منه و مما بعده التنفير من أئمّة الضلال و التنبيه على وجوب البراءة منهم. ]قوله عليه السلام[ »فإنّهم عيش العلم« أي أسباب لحياته. قوله عليه السلام »و صمتهم عن منطقهم« فإنّ لصمتهم وقتا و هيئة و حالة تكون قرائن دالّة على حسن منطقهم لو نطقوا. بحارالأنوار ج : 34 ص : 236قوله عليه السلام »و لا يختلفون« أي لا يخالف بعضهم بعضا فيكون البعض مخالفا للحق. ]قوله عليه السلام[ »فهو بينهم« الضمير راجع إلى الدين. ]و معنى قوله[ »شاهد صادق« أي يأخذون بما حكم به و دلّ عليه. ]قوله عليه السلام[ »و صامت« لأنّه لا ينطق في الظاهر ]بنفسه و إنّما هو[ ناطق بلسان أهله و العالم به.

 نهج ]و[ من خطبة له عليه السّلام حتّى بعث اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه و آله شهيدا و بشيرا و نذيرا، خير البريّة طفلا و أنجبها كهلا، أطهر المطهّرين شيمة و أجود المستمطرين ديمة. فما احلولت لكم الدّنيا في لذّتها، و لا تمكّنتم من رضاع أخلافها، إلّا من بعد ]ما[ صادفتموها جائلا خطامها، قلقا وضينها، قد صار حرامها عند أقوام بمنزلة السّدر المخضود، و حلالها بعيدا غير موجود، و صادفتموها و اللّه ظلا ممدودا إلى أجل معدود، فالأرض لكم شاغرة، و أيديكم فيها مبسوطة، و أيدي القادة عنكم مكفوفة، و سيوفكم عليها مسلّطة، و سيوفهم عنكم مقبوضة. ألا ]و إنّ[ لكلّ دم ثائرا، و لكلّ حقّ طالبا، و إنّ الثّائر في دمائنا كالحاكم في حقّ نفسه، و هو اللّه الذي لا يعجزه من طلب و لا يفوته من هرب. فأقسم باللّه يا بني أميّة، عمّا قليل لتعرفنّها في أيدي غيركم و في دار عدوّكم. ألا إنّ أبصر الأبصار ما نفذ في الخير طرفه، ألا إنّ أسمع الأسماع ما وعى التّذكير و قبله. بحارالأنوار ج : 34 ص : 237أيّها النّاس استصبحوا من شعلة مصباح واعظ متّعظ، و امتاحوا من صفو عين قد روّقت من الكدر. عباد اللّه لا تركنوا إلى جهالتكم و لا تنقادوا لأهوائكم، فإنّ النّازل بهذا المنزل نازل بشفا جرف هار، ينقل الرّدى على ظهره من موضع لرأي يحدثه بعد رأي، يريد أن يلصق ما لا يلتصق و يقرّب ما لا يتقارب. فاللّه اللّه أن تشكوا إلى من لا يشكي شجوكم، و لا من ينقض برأيه ما قد أبرم لكم. إنّه ليس على الإمام إلّا ما حمّل من أمر ربّه، الإبلاغ في الموعظة، و الاجتهاد في النّصيحة، و الإحياء للسنّة، و إقامة الحدود على مستحقّيها، و إصدار السهمان على أهلها. فبادروا العلم من قبل تصويح نبته، و من قبل أن تشغلوا بأنفسكم عن مستثار العلم من عند أهله، و انهوا عن المنكر و تناهوا عنه فإنّما أمرتم بالنهي بعد التناهى.

بيان ]قوله عليه السلام[ »شهيدا« أي على أوصيائه و أمّته و على الأنبياء و أممهم. و الكهل من جاوز الثلاثين. و قيل من بلغ الأربعين. و قيل من جاوز أربعا و ثلاثين إلى إحدى و خمسين. و الشيمة بالكسر الطبيعة و الجبلّة. و الجود بالفتح المطر الغزير. و الديمة بالكسر المطر الدائم في سكون. و احلولى الشي‏ء صار حلوا ضدّ المرّ. و الرضاع بالفتح مصدر رضع الصبي أمّه بالكسر أي امتصّ ثديها. و الأخلاف جمع خلف بالكسر و هو حلمة ضرع الناقة، أو الضرع لكلّ ذات خفّ و ظلف. و الجملتان كنايتان عن انتفاعهم و تمتّعهم بالدنيا. و صادفته أي وجدته. و الجائل الدائر المتحرّك و الذي يذهب و يجي‏ء. و خطام البعير بالكسر الحبل الذي يقاد به. و القلق المتحرّك

بحارالأنوار ج : 34 ص : 238

الذي لا يستقرّ في مكانه. و الوضين بطان منسوج بعضه على بعض يشدّ به الرحل على البعير، كالحزام للسرج. و الغرض عدم تمكّنهم من الانتفاع بالدنيا و صعوبتها عليهم و عدم انقيادها لهم، كما يستصعب الناقة على راكبها إذا كانت جائلة الخطام ليس زمامها في يد راكبها، قلقة الوضين لا يثبت رحلها تحت راكبها. و يحتمل أن يكون كناية عن استقلال الدنيا و استبدادها في غرور الناس، و إقبالها على أهلها من غير أن يزجرها و يمنعها أحد. و السدر المخضود الذي انثنت أغصانه من كثرة الحمل. أو الذي قطع شوكه و نزع. و هو كناية عن أكلهم الحرام برغبة كاملة و ميل شديد. و الظّل الممدود الدائم الذي لا تنسخه الشمس. و شغرت الأرض كمنعت أي لم يبق بها أحد يحميها و يضبطها. و بلدة شاغرة برجلها إذا لم تمنع من غارة أحد. ]و قال ابن الأثير[ في ]مادّة »شغر« من[ النهاية قيل الشغر البعد. و قيل الاتساع و منه حديث علي عليه السلام ]»قبل أن تشغر برجلها فتنة تطأ في خطامها«. و حديثه الآخر[ »فالأرض لكم شاغرة« أي واسعة. و القادة ولاة الأمر المستحقّون للإمارة و الرياسة. و تسلط السيوف إشارة إلى واقعة الحسين عليه السلام و ما كان من بني أميّة و غيرهم من القتل و سفك الدماء. و الثار طلب الدم. و المراد بكونه هنا كالحاكم في حقّ نفسه استيفاؤه الحقّ بنفسه من غير افتقار إلى بيّنة و حكم حاكم.

بحارالأنوار ج : 34 ص : 239

و الضمير في ]قوله[ »تعرفنّها« راجع إلى الإمارة، أو إلى الدنيا كالضمائر المتقدّمة، و هو إخبار بانتقال الدولة عن بني أمية إلى بني العبّاس. و الطرف بالفتح نظر العين، يطلق على الواحد و غيره. و نفوذه في الخير رؤية المحاسن و اتّباعها. و وعى الحديث كرمى أي حفظه و تدبّره. و الامتياح نزول البئر و ملأ الدلو منها. و الترويق التصفية. و المراد ب »الواعظ« و »العين« ]خ »ل«[ نفسه صلوات اللّه عليه. و ركن كعلم و نصر و منع مال. و الهوى إرادة النفس. و الشفا شفير الشي‏ء و جانبه. و الجرف بالضمّ و بضمّتين ما تجرّفته السيول و أكلته من الأرض. و الهار الساقط الضعيف. و الردى جمع رداة بالفتح فيهما و هي الصخرة أي هو في تعب دائما. و فسّر هنا بالهلاك أيضا. و إلصاق ما لا يلتصق و تقريب ما لا يتقارب إثبات الباطل بحجج باطلة. و أشكاه أزال شكايته. و الشجو الهمّ و الحزن. و أبرم الأمر أي أحكمه. و ]أحكم[ الحبل أي جعله طاقين ثمّ فتله. و الغرض النهي عن اتّباع إمام لا يقدر على كشف المعضلات و حلّ المشكلات في المعاش و المعاد لقلّة البصيرة. و في بعض النسخ »و من ينقض« بدون »لا« فالمعنى لا تتّبعوا من ينقض برأيه الفاسد ما أحكمه الشرع. و السّهمان بالضمّ جمع سهم و هو الحظّ و النصيب و إيصالها إليهم. و صوّح النبات أي يبس و تشقّق أو جفّ أعلاه، و هو كناية عن ذهاب رونق العلم أو اختفاؤه أو مغلوبيّته. و المستثار مصدر بمعنى الاستثارة و هي الإنهاض و التهييج. و الترتيب بين الأمر بالتناهي لا بين النهي و التناهي. و لا يبعد حمله على ظاهر.

 نهج ]و[ من خطبة له عليه السلام و هي من خطب الملاحم بحارالأنوار ج : 34 ص : 240الحمد للّه المتجلّي لخلقه بخلقه، الظاهر لقلوبهم بحجّته، خلق الخلق من غير رويّة، إذ كانت الرويّات لا تليق بذوي الضمائر، و ليس بذي ضمير في نفسه. خرق علمه باطن غيب السترات و أحاط بغموض عقائد السريرات. ]و[ منها في ذكر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله اختاره من شجرة الأنبياء و مشكاة الضياء و ذؤابة العلياء و سرّة البطحاء و مصابيح الظلمة و ينابيع الحكمة. ]و[ منها طبيب دوّار بطبّه، قد أحكم مراهمه، و أحمى مواسمه، يضع من ذلك حيث الحاجة إليه من قلوب عمي، و آذان صمّ، و ألسنة بكم، متّبع بدوائه مواضع الغفلة و مواطن الحيرة. لم يستضيئوا بأضواء الحكمة و لم يقدحوا بزناد العلوم الثّاقبة، فهم في ذلك كالأنعام السائمة و الصخور القاسية. قد انجابت السّرائر لأهل البصائر، و وضحت محجّة الحقّ لخابطها، و أسفرت الساعة عن وجهها، و ظهرت العلامة لمتوسمها. ما لي أراكم أشباحا بلا أرواح و أرواحا بلا أشباح و نسّاكا بلا صلاح و تجارا بلا أرباح و أيقاظا نوّما و شهودا غيّبا و ناظرة عمياء و سامعة صمّاء و ناطقة بكماء. راية ضلالة قد قامت على قطبها، و تفرّقت بشعبها، تكيلكم بصاعها و تخبطكم بباعها، قائدها خارج من الملّة على الضلّة، فلا يبقى يومئذ ]منكم[ إلّا ثفالة كثفالة القدر، أو نفاضة كنفاضة العكم، تعرككم عرك الأديم، و تدوسكم دوس الحصيد، و تستخلص المؤمن من بينكم استخلاص الطير الحبّة البطينة من بين هزيل الحبّ أين تذهب بكم المذاهب و تتيه بكم الغياهب و تخدعكم الكواذب و من بحارالأنوار ج : 34 ص : 241أين تؤتون و أنّى تؤفكون ف لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ، و لكلّ غيبة إياب، فاستمعوا من ربّانيكم، و أحضروه قلوبكم، و استيقظوا إن هتف بكم، و ليصدق رائد أهله، و ليجمع شمله، و ليحضر ذهنه فلقد فلق لكم الأمر فلق الخرزة و قرفه قرف الصمغة. فعند ذلك أخذ الباطل مأخذه و ركب الجهل مراكبه، و عظمت الطّاغية و قلّت الدّاعية، و صال الدّهر صيال السّبع العقور، و هدر فنيق الباطل بعد كظوم، و تواخى النّاس على الفجور، و تهاجروا على الدّين، و تحابّوا على الكذب، و تباغضوا على الصّدق. فإذا كان ذلك كان الولد غيظا، و المطر قيضا، و تفيض اللئام فيضا، و تغيض الكرام غيضا. و كان أهل ذلك الزّمان ذئابا، و سلاطينه سباعا، و أوساطه أكّالا، و فقراؤه أمواتا، و غار الصّدق و فاض الكذب، و استعملت المودّة باللّسان، و تشاجر النّاس بالقلوب، و صار الفسوق نسبا، و العفاف عجبا، و لبس الإسلام لبس الفرو مقلوبا

تبيين الملحمة هي الحرب أو الوقعة العظيمة فيها. و موضع القتال مأخوذ من اشتباك الناس فيها كاشتباك لحمة الثوب بالسدى. و قيل ]هي مأخوذة[ من اللحم. و التجلّي الانكشاف. و الخلق الثاني يحتمل المصدر و المخلوق. و الرويّة التفكّر. و المراد بالضمير إمّا القلب أو ما يضمر من الصور. قوله عليه السّلام »في نفسه« أي كائن في نفسه أو في حدّ ذاته إذا تأمّل فيه متأمّل بنظر صحيح و الغامض من الأرض المطمئنّ. و من الكلام و غيره خلاف الواضح. و المشكاة كوّة غير نافذة يجعل فيها المصباح، أو عمود القنديل الذي فيه الفتيلة، أو القنديل. و الذؤابة بالضمّ مهموزا الناصية أو بحارالأنوار ج : 34 ص : 242منبتها من الرأس. و العلياء بالفتح و المدّ كلّ مكان مشرف، و السماء، و رأس الجبل. و سرّة البطحاء وسطها تشبيها بسرّة الإنسان. و البطحاء و الأبطح مسيل واسع فيه دقاق الحصى. قيل استعار ]عليه السلام[ الشجرة لصنف الأنبياء عليهم السلام و فروعها أشخاصهم و ثمرتها العلوم و الكمالات. و مشكاة الضياء لآل إبراهيم عليه السلام، و ذؤابة العلياء لقريش، و سرّة البطحاء لمكة، و المصابيح و الينابيع هم الأنبياء عليهم السلام. و المراد بالطبيب نفسه عليه السلام. و الدوران بالطبّ إتيان المرضى و تتّبعهم، فهو تعريض للأصحاب بقعودهم عمّا يجب عليهم. أو المراد بيان كمال الطبيب، فإنّ الدوّار أكثر تجربة من غيره كما قيل. و المرهم طلاء ليّن يطلى به الجرح مشتقّ من الرهمة بالكسر و هي المطر الضعيف و إحكامها إتقانها و منعها عن الفساد. و الوسم أثر الكي و الميسم بالكسر المكواة. و أحماها أي أسخنها و لعلّ إحكام المراهم إشارة إلى البشارة بالثواب، أو الأمر بالمعروف. و إحماء المواسم ]إشارة[ إلى الإنذار من العقاب، أو النهي عن المنكر و إقامة الحدود. و قدح بالزند كمنع رام الإيراء به و استخرج النار منه. و الزند بالفتح العود الذي يقدح به النار. و ثقبت النار اتقدت. و ثقب الكواكب أضاء. و القاسية الشديدة و الغليظة. و انجابت السحابة انكشفت. و المراد بالسرائر، ما أضمره المعاندون للحقّ في قلوبهم من إطفاء نور اللّه و هدم أركان الشريعة. و قيل إشارة إلى انكشاف ما يكون بعده لنفسه القدسية و لأهل البصائر من استيلاء بني أمية و عموم ظلمهم. أو انكشاف أسرار الشريعة لأهلها. و الخابط السائر على غير هدى و لعلّ المراد أنّ ضلالهم ليس لخفاء بحارالأنوار ج : 34 ص : 243الحقّ، بل للإصرار على الشقاوة و النفاق. و سفر الصبح و أسفر أضاء و أشرق. و أسفرت المرأة كشفت عن وجهها. و المراد بإسفار الساعة و ظهور العلامة قرب القيامة بعدم بقاء نبيّ ينتظر بعثته، و ظهور الفتن و الوقائع التي هي من أشراطها. و الشبح بالتحريك سواد الإنسان و غيره تراه من بعيد. و المراد بكونهم أشباحا بلا أرواح تشبيههم بالجمادات و الأموات في عدم الانتفاع بالعقل، و عدم تأثير المواعظ فيهم كما قال تعالى كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ. و أمّا كونهم أرواحا بلا أشباح فقيل المراد بيان نقصهم لأنّ الروح بلا جسد ناقصة عاطلة عن الأعمال. و قيل إشارة إلى خفّتهم و طيشهم في الأفعال. و قيل المراد أنّ منهم من هو كالجماد و الأموات، و منهم من له عقل و فهم و لكن لا قوّة له على الحرب، فالجميع عاطلون عمّا يراد بهم. و قيل المراد أنّهم إذا خافوا ذهلت عقولهم و طارت ألبابهم، فكانوا كأجسام بلا أرواح، و إذا أمنوا تركوا الاهتمام بأمورهم كأنّهم أرواح لا تعلّق لهم بالأجسام. و النسّاك العبّاد أي ليست عبادتهم مقرونة بالإخلاص و على الوجه المأمور به و مع الشرائط المعتبرة، فإنّ منها معرفة الإمام و طاعته. و كونهم تجارا بلا أرباح لعدم ترتّب الثواب على أعمالهم. و قوله عليه السلام »راية ضلالة« منقطع عمّا قبله التقطه السيّد ]الرّضي[ رضي اللّه عنه من كلامه ]عليه السلام[ على عادته، و كأنّه إشارة إلى

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 244ما يحدث في آخر الزمان من الفتن كظهور السفياني و غيره. و القطب حديدة تدور عليها الرحى، و ملاك الأمر و مداره و سيّد القوم. و قيامها على قطبها كناية عن انتظام أمرها و تفرّق شعبها عن انتشار فتنتها في الآفاق و تولّد فتن أخر عنها. و قيل ليس التّفرق للراية نفسها، بل لنصارها و أصحابها. و حذف المضاف، و معنى تفرقّهم أنّهم يدعون إلى تلك الدعوة المخصوصة في بلاد متفرّقة. ]قوله عليه السلام[ »و تكيلكم بصاعها« أي تأخذهم للإهلاك زمرة زمرة، كالكيّال يأخذ ما يكيله جملة جملة. أو يقهركم أربابها على الدخول في أمرهم، و يتلاعبون بكم يرفعونكم و يضعونكم كما يفعل كيّال البرّ بها إذا كاله بصاعه. أو تكيل لكم بصاعها على حذف اللام كما في قوله تعالى وَ إِذا كالُوهُمْ أي تحملكم على دينها و دعوتها، و تعاملكم بما يعامل به من استجاب لها أو تفرز لكم من فتنها شيئا و يصل إلى كلّ منكم نصيب منها. و الخبط بالفتح ضرب الشجر بالعصى ليتناثر ورقها، و خبط البعير الأرض بيده خبطا أي ضربها. و الكلام على الوجهين يفيد الذلّة و الانقهار. و القيام على الضّلّة الإصرار على الضلال. و ثفالة القدر بالضمّ ما ثفل فيه من الطبيخ، و هي كناية عن الأراذل و من لا ذكر له بين النّاس لعدم الاعتداد بقتلهم. و النفاضة بالضمّ ما سقط من النفض. و العكم بالكسر العدل، و نمط تجعل فيه المرأة ذخيرتها. ]و[ قال ]ابن الأثير[ في ]مادّة »عكم« من[ النهاية العكوم الأحمال بحارالأنوار ج : 34 ص : 245التي تكون فيها الأمتعة و غيرها، واحدها عكم بالكسر، و منه حديث عليّ عليه السلام »نفاضة كنفاضة العكم«. انتهى. و المراد بها ما يبقى في العدل بعد التخلية من غبار أو بقيّة زاد لا يعبأ بها فتنفض. و عركه كنصره دلكه و حكّه. و الأديم الجلد أو المدبوغ منه. و داس الرجل الحنطة دقّها ليخرج الحبّ من السنبل. و الحصيد الزرع المقطوع. و استخلصه لنفسه أي استخصّه. و الغرض تخصيص المؤمن بالقتل و الأذى. و البطينة السمينة. و الهزيل ضدّ السمين. قوله عليه السلام »أين تذهب بكم« الباء في الموضعين للتعدية. و المذاهب الطرق و العقائد و إسناد الإذهاب إليها على التجوّز للمبالغة. و تاه يتيه تيها بالفتح و الكسر أي تحيّر و ضلّ. و الغيهب الظلمة و الشديد السواد من الليل. و الكواذب الأماني الباطلة و الأوهام الفاسدة. قوله ]عليه السّلام[ »و من أين تؤتون« على بناء المجهول أي من أيّ جهة و طريق يأتيكم من يضلّكم من الشياطين أو تلك الأمراض »و أنّى تؤفكون« أي أنّى تصرفون عن قصد السبيل و أين تذهبون قوله عليه السّلام »ف لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ« أي لكلّ أمد و وقت حكم مكتوب على العباد. و الإياب بالكسر الرجوع. قيل هذا الكلام منقطع عمّا قبله. و قيل تهديد بالإشارة إلى قرب الموت، و أنّهم بمعرض أن يأخذهم على غفلتهم. و الرّبّاني منسوب إلى الربّ، و فسر بالمتألّه العارف باللّه، أو الذي يطلب بعلمه وجه اللّه، أو العالم المعلّم، و المراد نفسه عليه السلام. و إحضار القلب الإقبال التامّ إلى كلامه و مواعظه. قوله عليه السلام »إن هتف بكم« بكسر الهمزة و في بعض النسخ

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 246بالفتح أي لهتافه بكم و هو الصيّاح. و الرائد الذي يتقدّم القوم يبصر لهم الكلاء و مساقط الغيث، و في المثل »لا يكذب الرّائد أهله«. و لعلّ المراد بالرائد نفسه عليه السلام أي وظيفتي و شأني الصدق فيما أخبركم به ممّا تردون عليه من الأمور المستقبلة في الدنيا و الآخرة، كما أنّ وظيفتكم الاستماع و إحضار القلب. و الشّمل ما تشتّت من الأمر و المراد به الأفكار و العزائم أي يجب علي التوجّه إلى نصحكم و تذكيركم بقلب فارغ عن الوساوس و الشواغل، و إقبال تامّ على هدايتكم. و يحتمل أن يراد بالشّمل من تفرّق من القوم في فيافي الضلالة. و الفاعل في ]قوله[ »فلق« هو الرائد. و قيل المراد بالرائد الفكر لكونه مبعوثا من قبل النفس في طلب مرعاها و ماء حياتها من العلوم و سائر الكمالات، فكنّى به عنه و أهله هو النفس، فكأنّه عليه السلام قال فلتصدق أفكاركم و متخيّلاتكم نفوسكم، و صدقها إيّاها تصرّفها على حسب إشارة العقل بلا مشاركة الهوى. أو المراد بالرائد أشخاص من حضر عنده، فإنّ كلا منهم له أهل و قبيلة يرجع إليهم، فأمرهم أن يصدقهم بتبليغ ما سمع على الوجه الذي ينبغي و النصيحة و الدعوة إليه. و قوله ]عليه السّلام[ »و ليجمع شمله« أي ما تفرّق و تشعّب من خواطره في أمور الدنيا و مهماتها. »و ليحضر ذهنه« أي يوجّهه إلى ما أقول. انتهى. و الفلق الشقّ. و الخرزة بالتحريك الجوهر. »و قرفه قرف الصمغة« أي قشره كما تقشر الصمغة من عود الشجرة و تقلع لأنّها إذا قلعت لم يبق لها بحارالأنوار ج : 34 ص : 247أثر، و هذا مثل، و المعنى أوضح لكم أمر الفتن أو طريق الحقّ إيضاحا تامّا، فأظهر لكم باطن الأمر كما يرى باطن الخرزة بعد شقّها، و لا أدّخر عنكم شيئا بل ألقي الأمر بكلّيته إليكم. قوله عليه السّلام »فعند ذلك« قيل هو متّصل بقوله »من بين هزيل الحبّ«، فيكون التشويش من السيّد رضي اللّه عنه. و يمكن أن يكون إشارة إلى كلام آخر سقط من البين. ]قوله عليه السلام[ »و أخذ الشي‏ء مآخذه« أي تمكّن و استحكم. و الطاغية مصدر بمعنى الطغيان أو صفة محذوف أي الفئة الطاغية. و كذا الداعية تحتمل الوجهين. و في بعض النسخ »الرّاعية« بالراء المهملة. و الفنيق الفحل من الإبل »و هدر« ردّد صوته في حنجرته في غير شقشقة. و الكظوم الإمساك و السكوت. و كون الولد غيظا لكثرة العقوق أو لاشتغال كلّ امرئ بنفسه، فيتمنّى أن لا يكون له ولد. و المطر قيضا بالضاد المعجمة أي كثيرا. قيل إنّه من علامات تلك الشرور أو من أشرط الساعة. و قيل إنّه أيضا من الشرور إذا جاوز الحدّ. و في بعض النسخ بالظاء المعجمة و هو صميم الصيف و هو المطابق لما في النهاية، قال و منه حديث أشراط الساعة »أن يكون الولد غيضا و المطر قيضا« لأنّ المطر إنّما يراد للنبات و برد الهواء، و القيظ ضدّ ذلك انتهى. و حينئذ يحتمل أن يكون المراد تبدّل المطر بشدّة الحرّ و قلّة المطر، أو كثرته في الصيف دون الربيع و الشتاء. أو المراد أنّه يصير سببا لاشتداد الحرّ لكثرته في الصيف، إذ تثور به الأبخرة و يفسد الهواء، أو يصير على خلاف العادة سببا لشدّة الحرّ.

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 248»و تفيض اللئام« أي تكثر. و »تغيض الكرام« أي تقلّ. ]قوله عليه السلام[ »و أهل ذلك الزمان« أي أكابرهم. »أكّالا« بالضمّ و التشديد جمع آكل. و قال بعض الشارحين روي »أكالا« بفتح الهمزة و تخفيف الكاف يقال ما ذقت أكالا أي طعاما، و قال لم ينقل هذا إلّا في النفي، فالأجود الرواية الأخرى و هي »آكالا« بمدّ الهمزة على أفعال جمع أكل و هو ما أكل، و قد روي »أكالا« بضمّ الهمزة على فعال. و قالوا إنّه جمع آكل للمأكول كعرق و عراق، إلّا أنّه شاذّ أي صار أوساط الناس طعمة للولاة و أصحاب السلاطين كالفريسة للأسد. و غار الماء ذهب في الأرض. و فاض أي كثر حتّى سال. و في بعض النسخ »و فار الكذب«. قوله عليه السلام »و صار الفسوق نسبا« أي يحصل أنسابهم من الزنا. و قيل أي يصير الفاسق صديقا للفاسق حتّى يكون ذلك كالنسب بينهم. و أمّا لبسهم الإسلام لبس الفرو فالظاهر أنّ المراد به تبديل شرائع الإسلام و قلب أحكامه، أو إظهار النيّات الحسنة و الأفعال الحسنة و إبطان خلافها. و قيل وجه القلب، أنّه لمّا كان الغرض الأصلي من الإسلام أن يكون باطنا ينتفع به القلب و يظهر به منفعة، فقلّب المنافقون غرضه و استعملوه بظاهر ألسنتهم دون قلوبهم، فأشبه قلبهم له لبس الفرو، إذ كان أصله أن يكون حمله ظاهرا لمنفعة الحيوان الذي هو لباسه، فاستعمله الناس مقلوبا.

 نهج ]و[ خطبة له عليه السلام بحارالأنوار ج : 34 ص : 249أمين وحيه و خاتم رسله و بشير رحمته و نذير نقمته. أيّها الناس إنّ أحقّ الناس بهذا الأمر أقواهم عليه، و أعملهم بأمر اللّه فيه. فإن شغب شاغب استعتب، فإن أبى قوتل. و لعمري لئن كانت الإمامة لا تنعقد حتّى تحضرها عامّة الناس ما إلى ذلك سبيل، و لكن أهلها يحكمون على من غاب عنها ثمّ ليس للشاهد أن يرجع و لا للغائب أن يختار. ألّا و إنّي أقاتل رجلين رجلا ادّعى ما ليس له، و آخر منع الذي عليه. أوصيكم بتقوى اللّه، فإنّه خير ما تواصى العباد به و خير عواقب الأمور عند اللّه، و قد فتح باب الحرب بينكم و بين أهل القبلة، و لا يحمل هذا العلم إلّا أهل البصر و الصبر و العلم بمواقع الحق، فامضوا لما تؤمرون به وقفوا لما تنهون عنه، و لا تعجلوا في أمر حتّى تبيّنوا فإنّ لنا مع كلّ أمر تنكرونه غيرا. ألا و إنّ هذه الدّنيا الّتي أصبحتم تتمنّونها و ترغبون فيها و أصبحت تغضبكم و ترضيكم، ليست بداركم و لا منزلكم الذي خلقتم له و لا الذي دعيتم إليه. ألا و إنها ليست بباقية لكم و لا تبقون عليها، و هي و إن غرّتكم منها فقد حذرتكم شرّها، فدعوا غرورها لتحذيرها، و أطماعها لتخويفها، و سابقوا فيها إلى الدّار الّتي دعيتم إليها، و انصرفوا بقلوبكم عنها، و لا يخنّنّ أحدكم خنين الأمة على ما زوي عنه منها، و استتمّوا نعمة اللّه عليكم بالصبّر على طاعة اللّه، و المحافظة على ما استحفظكم من كتابه. ألا و إنّه لا يضرّكم تضييع شي‏ء من دنياكم بعد حفظكم قائمة دينكم. بحارالأنوار ج : 34 ص : 250ألا و إنّه لا ينفعكم بعد تضييع دينكم شي‏ء حافظتم عليه من أمر دنياكم، أخذ اللّه بقلوبنا و قلوبكم إلى الحقّ و ألهمنا و إيّاكم الصبر.

إيضاح قوله عليه السّلام »بهذا الأمر« أي الخلافة. »أقواهم عليه« أي أحسنهم سياسة و أشجعهم، و ]هذا[ يدلّ على عدم جواز إمامة المفضول لا سيّما مع قوله عليه السلام »فان شغب... إلى آخره«. و الشغب بالتسكين تهييج الشر. و المراد بالاستعتاب طلب الرجوع بالمراسلة و الكلام و نحوهما. قوله عليه السلام »لئن كانت الإمامة« قال ابن أبي الحديد هذا تصريح بصحّة مذهب أصحابنا في أنّ الاختيار طريق إلى الإمامة، و يبطل قول الإمامية من دعوى النّصّ، و أنّه لا طريق إلى الإمامة سوى النصّ. انتهى. ]أقول[ و فيه نظر، أمّا أوّلا فلأنّه ]عليه السلام[ إنّما احتجّ عليهم بالإجماع، إلزاما لهم لاتّفاقهم على العمل به في خلافة أبي بكر و أخويه، و عدم تمسكه عليه السّلام بالنّصّ لعلمه عليه السلام بعدم التفاتهم إليه. كيف و قد أعرضوا عنه في أول الأمر مع قرب العهد بالرسول صلّى اللّه عليه و آله و سماعهم عنه. و أمّا ثانيا فلأنّه عليه السلام لم يتعرض للنصّ نفيا و إثباتا، فكيف يكون مبطلا لما ادّعاه الإمامية من النصّ و العجب أنّه جعل هذا تصريحا بكون الاختيار طريقا إلى الإمامة و نفى الدّلالة في قوله عليه السلام »إنّ أحقّ الناس بهذا الأمر...« على نفي إمامة المفضول مع قوله عليه السلام »فإن أبى قوتل«. مع أنّه لم يصرّح بأنّ الإمامة تنعقد بالاختيار، بل قال إنّها لا تتوقّف على حضور عامّة الناس، و لا ريب في ذلك نعم يدلّ بالمفهوم عليه و هذا تقيّة منه عليه السلام. و لا يخفى على من تتبّع سيره عليه السلام أنّه لم يمكنه إنكار خلافتهم و القدح فيها صريحا في المجامع، فلذا عبّر بكلام موهم لذلك. قوله عليه السلام »و أهلها يحكمون« و إن كان موهما له أيضا، لكن بحارالأنوار ج : 34 ص : 251يمكن أن يكون المراد بالأهل الأحقّاء بالإمامة. و لا يخفى على المتأمّل أنّ ما مهد عليه السلام أوّلا بقوله »إنّ أحقّ الناس أقواهم« يشعر بأنّ عدم صحّة رجوع الشاهد و اختيار الغائب، إنّما هو في صورة الاتّفاق على الأحقّ دون غيره، فتأمّل. قوله عليه السّلام »رجلا ادّعى« كمن ادعى الخلافة. »و آخر منع« كمن لا يطيع الإمام أو يمنع حقوق اللّه. »و خير عواقب الأمور« عاقبة كلّ شي‏ء آخره. و التقوى خير ما ختم به العمل في الدنيا أو عاقبتها خير العواقب. و قوله عليه السّلام »هذا العلم« بكسر العين أو بالتحريك كما في بعض النسخ، فعلى الأوّل المعنى أنّه لا يعلم وجوب قتال أهل القبلة و موقعه و شرائطه. و على الثّاني إشارة إلى حرب أهل القبلة و القيام به. و يحتمل على بعد أن يراد به الإمامة المشار إليها بقوله »أحقّ النّاس بهذا الأمر« فيكون إشارة إلى بطلان خلافة غير أهل البصر و الصبر و العلم بمواقع الحقّ. قال ابن أبي الحديد و ذلك لأنّ المسلمين عظم عندهم حرب أهل القبلة و أكبروه، و من أقدم منهم عليه أقدم مع خوف و حذر. قال الشّافعي لو لا علي عليه السلام لما علم شي‏ء من أحكام أهل البغي. قوله عليه السّلام »فإنّ لنا« قال ابن ميثم أي إنّ لنا مع كلّ أمر تنكرونه تغييرا أي قوّة على التغيير، إن لم يكن في ذلك الأمر مصلحة في نفس الأمر، فلا تتسرّعوا إلى إنكار أمر نفعله حتّى تسألوا عن فائدته، فإنّه يمكن أن يكون إنكاركم لعدم علمكم بوجهه. ]و[ قال ابن أبي الحديد أي لست كعثمان أصبر على ارتكاب ما أنهى

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 252عنه، بل أغيّر كلّما ينكره المسلمون و يقتضي الحال و الشرع تغييره. انتهى. و يمكن أن يكون المعنى أنّ لنا مع كلّ أمر تنكرونه تغييرا أي ما يغيّر إنكاركم و يمنعكم عنه من البراهين الساطعة أو الأعمّ منها، و من السيوف القاطعة إن لم تنفعكم البراهين. و في ذكر إغضاب الدنيا توبيخ لأهلها بالرغبة في شي‏ء لا يراعي حقّهم كما قال عليه السلام »رغبتك في زاهد فيك ذلّ نفس«. و غرور الدنيا بتزيين الزخارف لأهلها و إغفالهم عن الفناء و تحذيرها بما أراهم من الفناء و فراق الأحبّة و نحو ذلك. و الدار التي دعوا إليها هي الجنّة. قوله عليه السلام »و لا يخنّن أحدكم« الخنين بالخاء المعجمة ضرب من البكاء دون الانتحاب. و أصله خروج الصوت من الأنف كالحنين من الفم. و يروى بالمهملة أيضا، و إضافته إلى الأمة لأنّ الإماء كثيرا ما يبكين و يسمع الحنين منهنّ، و الحرّة تأنف من البكاء و الحنين. و زواه عنه صرفه و قبضه. و في بعض النسخ »ما زوي عنه« أي عن أحدكم و لعلّه أظهر. و الصبر على الطاعة حبس النفس عليها كقوله تعالى وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ، أو عدم الجزع من شدّتها أو من البلايا إطاعة للّه، و على أيّ حال هو من الشكر الموجب للمزيد فيه بطلب تمام النعمة. و »من« في قوله »من كتابه« بيان ل »ما«. و القائمة واحدة قوائم الدواب. و قائمة السيف مقبضه. و لعلّ المراد بقائمة الدّين. أصوله و ما يقرب منها، و يحتمل أن تكون الإضافة بيانيّة، فإنّ الدين بمنزلة القائمة لأمور الدنيا و الآخرة.

 نهج ]و[ من خطبة له عليه السّلام بحارالأنوار ج : 34 ص : 253أرسله على حين فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ، و طول هجعة من الأمم، و اعتزام من الفتن، و انتشار من الأمور و تلظّ من الحروب، ]و[ الدّنيا كاسفة النّور، ظاهرة الغرور، على حين اصفرار من ورقها، و إياس من ثمرها، و اغورار من مائها، قد درست أعلام الهدى، و ظهرت أعلام الرّدى، فهي متجهّمة لأهلها، عابسة في وجه طالبها، ثمرها الفتنة، و طعامها الجيفة، و شعارها الخوف، و دثارها السيّف. فاعتبروا عباد اللّه و اذكروا تيك الّتي آباؤكم و إخوانكم بها مرتهنون و عليها محاسبون، و لعمري ما تقادمت بكم و لا بهم العهود، و لا خلت فيما بينكم و بينهم الأحقاب و القرون، و ما أنتم اليوم من يوم كنتم في أصلابهم ببعيد. و اللّه ما أسمعكم الرّسول صلّى اللّه عليه و آله شيئا إلّا و ها أنا ذا اليوم مسمعكموه، و ما أسماعكم اليوم بدون أسماعكم بالأمس، و لا شقّت لهم الأبصار و جعلت لهم الأفئدة في ذلك الأوان إلّا و قد أعطيتم مثلها في هذا الزّمان. و و اللّه ما بصّرتم بعدهم شيئا جهلوه، و لا أصفيتم به و حرموه، و لقد نزلت بكم البليّة جائلا خطامها، رخوا بطانها، فلا يغرّنكم ما أصبح فيه أهل الغرور، فإنّما هو ظلّ ممدود إلى أجل معدود.

بيان »فترة ]من الرسل« الفترة[ بين الرسل انقطاع الوحي و الرسالة. و الهجعة النومة من الليل أو من أوّله. و المراد نوم غفلة الأمم. و الاعتزام العزم، كأن الفتنة مصمّمة للفساد و الهرج. و الاعتزام أيضا لزوم القصد في المشي، فالمعنى أنّها مقتصدة في مشيها لاطمئنانها و أمنها. و يروى ]»و اعترام من الفتن«[ بالراء المهملة أي كثرة ]من الفتن.[. و يروى »]و[ اعتراض« من اعترض الفرس في الطريق إذا مشى عرضا. و التّلظّي التلهّب. و في إضافة الكسف إلى النور توسّع. و غار الماء ذهب و كذا اغوراره ذهابه في الأرض. و التجهّم العبوس. بحارالأنوار ج : 34 ص : 254و طعامها الجيفة أي الحرام لأنّهم كانوا يأخذونه بالنهب و الغارات. أو الميتة لأنّهم لم يكونوا يذبحون الحيوانات، و لمّا كان الخوف باطنا شبّهه بالشعار و السيف ظاهرا شبّهه بالدثار. و »تيك« إشارة إلى الدنيا أو أعمالهم القبيحة و »الأحقاب« جمع حقب بضمّتين و هو الدهر. »و و اللّه ما بصرّتم« لمّا بيّن عليه السلام أوّلا أنّه لم تكن الهداية للسابقين أكمل من جهة الفاعل و لا القابل فقطع عذر الحاضرين من هذه، و كان مظنّة أن يدّعي مدّع منهم العلم بأمر يقتضي العدول عن المتابعة لم يعلم به آباؤهم، دفع عليه السلام ذلك التوهّم بهذا الكلام. و الصفيّ ما يصفه الرئيس من المغنم لنفسه قبل القسمة. و لعلّ المراد بالبليّة فتنة معاوية. و قوله عليه السلام »جائلا خطامها« كناية عن خطرها و صعوبة حالها ]بالنسبة إلى[ من ركن إليها و ركبها، أو عن كونها مالكة لأمرها، فإنّ البعير إذا لم يكن له من يقوده يجول خطامه و الخطام الزمام. و البطان الحزام التي تجعل تحت بطن البعير، رخاوتها مستلزمة لصعوبة ركوبها. و تشبيه الدنيا و زخارفها بالظلّ لعدم تأصّله في الوجود و لكونه زائلا بسرعة. و الأجل مدّة العمر، و وصفها بالمعدود باعتبار أجزائه و كونه منتهى غاية المدّ على تقدير مضاف أي ممدود إلى انقضاء أجل معدود. و يحتمل أن يكون المراد بالأجل غاية العمر، و وصفه بالمعدود على المجاز.

 يف محمد بن محمد النيسابوري، بإسناد متّصل إلى جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عن أبيه عن جدّه عليه السلام أنّ عليا كان في بحارالأنوار ج : 34 ص : 255حلقة من رجال قريش ينشدون الأشعار و يتفاخرون حتّى بلغوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقالوا قل يا أمير المؤمنين فقد قال أصحابك. فقال أمير المؤمنين عليه السّلام

اللّه وفّقنا لنصر محمد و بنا أقام دعائم الإسلام‏و بنا أعزّ نبيّه و كتابه و أعزّنا بالنصر و الإقدام‏في كلّ معركة تطير سيوفنا فيها الجماجم عن فراش الهام‏ينتابنا جبريل في أبياتنا بفرائض الإسلام و الأحكام‏فنكون أوّل مستحلّ حلّه و محرّم للّه كلّ حرام‏نحن الخيار من البريّة كلّها و إمامها و إمام كلّ إمام‏الخائضون غمار كلّ كريهة و الضامنون حوادث الأيّام‏إنّا لنمنع من أردنا منعه و نجود بالمعروف و الإنعام

فقالوا يا أبا الحسن ما تركت لنا شيئا نقوله.

بيان الأبيات موجودة في الديوان و زاد بعد السابع

و المبرمون قوى الأمور بعزّة و الناقضون مرائر الإبرام

و ]زاد[ بعد الأخير

و تردّ عادية الخميس سيوفنا و نقيم رأس الأصيد القمقام

و الدعامة بالكسر عماد البيت. و فراش الرأس عظام دقاق تلي القحف. و في الديوان »فراخ الهام«. و قال ]الجوهري[ في ]كتاب[ الصحاح، و قول الفرزدق

و يوم جعلنا البيض فيه لعامر مصمّمة تفأى فراخ الجماجم

يعني به الدماغ. ]و بدل[ قوله عليه السّلام »ينتابنا« ]ورد[ في الديوان بحارالأنوار ج : 34 ص : 256»يزورنا«. ]و بدل[ قوله عليه السّلام »و إمامها« ]ورد[ في الديوان

»و نظامها و زمام كلّ زمام«

]و بدل قوله »الخائضون غمار..« ورد في الديوان[

»الخائضو غمرات كل كريهة«

و القوى جمع القوة و هي الطاقة من الحبل. و المرير من الحبال ما لطف و طال و اشتدّ فتله، و الجمع المرائر. و العادية الظلم و الشرّ. و في بعض النسخ ]الغادية[ بالمعجمة و هي سحابة تنشأ سحابا. و الأصيد الملك. و القمقام السيّد.

 ختص أحمد بن محمد بن عيسى عن عمر بن عبد العزيز عن غير واحد ]من أصحابنا[ منهم بكار بن كردم و عيسى بن سليمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قالوا سمعناه يقول جاءت امرأة متنقّبة و أمير المؤمنين عليه السلام على المنبر، و قد قتل أخاها و أباها فقالت هذا قاتل الأحبّة. فنظر إليها أمير المؤمنين عليه السلام فقال يا سلفع يا جرية يا بذيّة يا متكبّرة، يا التي لا تحيض كما تحيض النساء، يا التي على هنها شي‏ء بيّن مدلى. فمضت ]المرأة[ و تبعها عمرو بن حريث و كان عثمانيا فقال يا أيّتها المرأة إنّا لا نزال يسمعنا ]عليّ[ العجائب، ما ندري حقّها من باطلها، و هذه داري فادخلي فإنّ لي أمّهات أولاد حتّى ينظرن حقّا ما قال أم باطلا و أهب لك شيئا. فدخلت ]المرأة بيت عمرو[ فأمر أمّهات أولاده فنظرن إليها، فإذا شي‏ء على ركبها مدلّى فقالت يا ويلها اطّلع منها علي بن أبي طالب على شي‏ء لم تطلع ]عليه[ إلّا أمّي أو قابلتي. قال و وهب لها عمرو بن حريث شيئا.

بيان إنّما قالت المرأة »يا ويلتي اطّلع منّي« فغيّره ]الصادق[ عليه السلام ذلك لئلا ينسب إلى نفسه الويل و ما يستهجن، و قد مرّ مثله مرارا و سيأتي الخبر في بحارالأنوار ج : 34 ص : 257إخباره عليه السلام بالغائبات.

 ختص اليقطيني و إبراهيم بن إسحاق عن عبد اللّه بن حمّاد عن الحارث بن حصيرة عن ابن نباتة قال كنّا وقوفا على أمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة و هو يعطي العطاء في المسجد، إذ جاءت امرأة فقالت يا أمير المؤمنين أعطيت العطاء جميع الأحياء ما خلا هذا الحيّ من مراد لم تعطهم شيئا فقال ]لها[ اسكتي يا جريئة يا بذيئة يا سلفع يا سلقلق يا من لا تحيض كما تحيض النساء قال فولّت فخرجت من المسجد فتبعها عمرو بن حريث فقال لها أيّتها المرأة قد قال علي فيك ما قال أ فصدق عليك فقالت و اللّه ما كذب و إنّ كل ما رماني به لفيّ و ما أطلع علي أحد إلّا اللّه الذي خلقني و أمّي التي ولدتني. فرجع عمرو بن حريث فقال يا أمير المؤمنين تبعت المرأة فسألتها عمّا رميتها به في بدنها، فأقرّت بذلك كلّه، فمن أين علمت ذلك فقال ]عليه السلام[ إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله علّمني ألف باب من الحلال و الحرام، يفتح ]من[ كلّ باب ألف باب، حتّى علمت المنايا و الوصايا و فصل الخطاب و حتّى علمت المذكّرات من النساء، و المؤنّثين من الرجال.

 ختص عباد بن سليمان عن محمد بن سليمان عن أبيه عن هارون بن الجهم عن ابن طريف عن أبي جعفر عليه السلام قال بينا أمير المؤمنين عليه السلام يوما جالسا في المسجد و أصحابه حوله، فأتاه رجل من شيعته فقال له يا أمير المؤمنين إنّ اللّه يعلم أنّي أدينه بولايتك و أحبّك في السرّ كما أحبّك في العلانية، و أتولّاك في السّر كما أتولاك في العلانية. بحارالأنوار ج : 34 ص : 258فقال له أمير المؤمنين ]عليه السلام[ صدقت، أما للفقر فاتّخذ جلبابا، فإنّ الفقر أسرع إلى شيعتنا من السيل إلى قرار الوادي قال فولّى الرجل و هو يبكي فرحا لقول أمير المؤمنين ]عليه السلام له[ »صدقت« قال و كان هناك رجل من الخوارج و صاحب له قريبا من أمير المؤمنين، فقال أحدهما اللّه إن رأيت كاليوم قطّ، إنّه أتاه رجل فقال له إنّي أحبّك فقال له صدقت. فقال له الآخر ما أنكرت من ذلك أ يجد بدّا من أن إذا قيل ]له[ »إنّي أحبّك« أن يقول صدقت أ تعلم أنّي أحبّه فقال لا. قال فأنا أقوم فأقول له مثل ما قال له الرجل فيردّ عليّ مثل ما ردّ عليه. قال نعم. فقام الرجل فقال له مثل مقالة الرجل الأوّل، فنظر ]أمير المؤمنين[ إليه مليّا ثم قال كذبت لا و اللّه ما تحبّني و لا أحببتني ]يوما[. قال فبكى الخارجي ثمّ قال يا أمير المؤمنين تستقبلني بهذا و قد علم اللّه خلافه ابسط يدك أبايعك. فقال عليّ على ما ذا قال على ما عمل به أبو بكر و عمر. قال فمدّ يده فقال له اصفق لعن اللّه الاثنين و اللّه لكأنّي بك قد قتلت على ضلال و وطئ وجهك دوابّ العراق و لا يعرفك قومك. قال فلم يلبث أن خرج عليه أهل النهروان و خرج الرجل معهم فقتل.

 كتاب سليم بن قيس، عن أبان عنه أنّه قال صعد أمير المؤمنين عليه السلام المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه و قال بحارالأنوار ج : 34 ص : 259أيّها الناس أنا الذي فقأت عين الفتنة، و لم يكن ليجترئ عليها غيري. و ايم اللّه لو لم أكن فيكم لما قوتل أهل الجمل، و لا أهل صفّين، و لا أهل النهروان. و ايم اللّه لو لا أن تتّكلوا و تدعوا العمل، لحدّثتكم بما قضى اللّه على لسان نبيّه ]محمّد[ صلّى اللّه عليه و آله لمن قاتلهم مستبصرا في ضلالتهم، عارفا بالهدى الذي نحن عليه. ثمّ قال سلوني عمّا شئتم قبل أن تفقدوني، فو اللّه إنّي بطرق السماء أعلم منّي بطرق الأرض. أنا يعسوب المؤمنين، و أوّل السابقين، و إمام المتّقين، و خاتم الوصيّين، و وارث النبيّين و خليفة ربّ العالمين. أنا ديّان الناس يوم القيامة، و قسيم اللّه بين أهل الجنّة و النار. و أنا الصدّيق الأكبر، و الفاروق الذي أفرّق بين الحقّ و الباطل، و إنّ عندي علم المنايا و البلايا و فصل الخطاب، و ما من آية نزلت إلّا و قد علمت فيما نزلت و على من نزلت. أيّها النّاس إنّه وشيك أن تفقدوني، إنّي مفارقكم، و إنّي ميّت أو مقتول، ما ينتظر أشقاها أن يخضبها من فوقها و في رواية أخرى ما ينتظر أشقاها أن يخضب هذه من دم هذا يعني لحيته من دم رأسه. و الذي فلق الحبّة و برأ النسمة و في نسخة أخرى و الذي نفسي بيده لا تسألوني عن فئة تبلغ ثلاثمائة فما فوقها مما بينكم و بين قيام الساعة، إلّا أنبأتكم بسائقها و قائدها و ناعقها، و بخراب العرصات، متى تخرب، و متى تعمر بعد خرابها إلى يوم القيامة. بحارالأنوار ج : 34 ص : 260فقام رجل فقال يا أمير المؤمنين أخبرنا عن البلايا. فقال ]عليه السلام[ إذا سأل سائل فليعقل، و إذا سئل ]مسئول[ فليتثبّت، إنّ من ورائكم أمورا ملتجّة مجلجلة، و بلاء مكلحا مبلحا. و الذي فلق الحبّة و برأ النسمة، لو قد فقدتموني و نزلت عزائم الأمور و حقائق البلاء، لقد أطرق كثير من السائلين، و اشتغل كثير من المسئولين و في نسخة أخرى و فشل كثير من المسئولين و ذلك إذا ظهرت حربكم و نصلت عن ناب، و قامت على ساق، و صارت الدنيا بلاء عليكم حتّى يفتح اللّه لبقيّة الأبرار. فقال رجل يا أمير المؤمنين حدّثنا عن الفتن. فقال ]عليه السلام[ إنّ الفتن إذا أقبلت شبّهت و في رواية أخرى اشتبهت و إذا أدبرت أسفرت. و إنّ الفتن لها موج كموج البحر، و إعصار كإعصار الريح، تصيب بلدا و تخطئ الآخر. فانظروا أقواما كانوا أصحاب رايات يوم بدر، فانصروهم تنصروا و توجروا و تعذروا. ألا ]و[ إنّ أخوف الفتن عليكم عندي فتنة بني أميّة، ]ف[ إنّها فتنة عمياء و صمّاء، مطبقة مظلمة عمّت فتنتها و خصّت بليّتها، أصاب البلاء من أبصر فيها، و أخطأ البلاء من عمي عنها، أهل باطلها ظاهرون على ]أهل[ حقّها، يملئون الأرض بدعا و ظلما و جورا و أوّل من يضع جبروتها و يكسر عمودها. و ينزع أوتادها، اللّه ربّ العالمين و قاصم الجبّارين. ألا ]و[ إنّكم ستجدون بني أميّة أرباب سوء بعدي، كالناب الضروس

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 261تعضّ بفيها، و تخبط بيديها، و تضرب برجليها، و تمنع درّها. و ايم اللّه لا تزال فتنتهم حتّى لا يكون نصرة أحدكم لنفسه إلّا كنصرة العبد لنفسه من سيّده، إذا غاب سبّه، و إذا حضر أطاعه. و في رواية أخرى يسبّه في نفسه. و في رواية و ايم اللّه لو شردوكم تحت كلّ كوكب لجمعكم اللّه لشرّ يوم لهم. فقال الرجل فهل من جماعة يا أمير المؤمنين بعد ذلك قال إنّها ستكونون جماعة شتّى، عطاؤكم و حجّكم و أسفاركم ]واحدة[ و القلوب مختلفة قال واحد ]منهم[ كيف تختلف القلوب قال هكذا و شبّك بين أصابعه ثمّ قال يقتل هذا هذا، و هذا هذا، هرجا هرجا و يبقى طغاما، جاهليّة ليس فيها منار هدى، و لا علم يرى، نحن أهل البيت منها بمنجاة و لسنا فيها بدعاة. قال ]الرجل[ فما أصنع في ذلك الزمان يا أمير المؤمنين قال انصروا أهل بيت نبيكم، فإن لبدوا فالبدوا و إن استنصروكم فانصروهم تنصروا بحارالأنوار ج : 34 ص : 262و تعذروا، فإنّهم لن يخرجوكم من هدى و لن يدعوكم إلى ردى، و لا تسبقوهم بالتقدّم فيصرعكم البلاء و تشمت بكم الأعداء. قال ]الرجل[ فما يكون بعد ذلك يا أمير المؤمنين قال يفرّج اللّه البلاء برجل من أهل بيتي كانفراج الأديم من بيته، ثمّ يرفعون إلى من يسومهم خسفا و يسقيهم بكأس مصبّرة، لا يعطيهم و لا يقبل منهم إلّا السيف هرجا هرجا، يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر، حتّى تودّ قريش بالدنيا و ما فيها أن يروني في مقام واحد، فأعطيهم و آخذ منهم بعض ما قد منعوني و أقبل عنهم بعض ما يردّ عليهم حتّى يقولوا ما هذا من قريش، لو كان هذا من قريش و من ولد فاطمة لرحمنا. و يغريه اللّه ببني أميّة فجعلهم ]اللّه[ » مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَ قُتِّلُوا تَقْتِيلًا سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا«. أمّا بعد فإنّه لا بدّ من رحى تطحن ضلالة، فإذا طحنت قامت على قطبها، ألا و إنّ لطحنها روقا، و إنّ روقها حدّها و على اللّه فلّها. ألا و إنّي و أبرار عترتي و أطائب أرومتي أحلم الناس صغارا و أعلمهم كبارا، معنا راية الحقّ و الهدى، من سبقها مرق، و من خذلها محق و من لزمها لحق. و في رواية أخرى و من لزمها سبق. إنّا أهل بيت من علم اللّه علمنا و من حكم اللّه الصادق قيلنا، و من قول الصادق سمعنا، فإنّ تتّبعونا تهتدوا ببصائرنا، و إن تتولّوا عنّا يعذّبكم اللّه بأيدينا أو بما شاء. نحن أفق الإسلام بنا يلحق المبطئ و إلينا يرجع التائب.

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 263و اللّه لو لا أن تستعجلوا و يتأخّر الحقّ، لنبأتكم بما يكون في شباب العرب و الموالي، فلا تسألوا أهل بيت نبيّكم محمد العلم قبل إبّانه، و لا تسألوهم المال على العسر فتبخّلوهم فإنّه ليس منهم البخل. و كونوا أحلاس البيوت و لا تكونوا عجلا بذرا، ]و[ كونوا من أهل الحقّ تعرفوا به و تتعارفوا عليه، فإنّ اللّه خلق الخلق بقدرته و جعل بينهم الفضائل بعلمه، و جعل منه عبادا اختارهم لنفسه ليحتجّ بهم على خلقه، فجعل علامة من أكرم منهم طاعته، و علامة من أهان منهم معصيته، و جعل ثواب أهل طاعته النضرة في وجهه في دار الأمن و الخلد الذي لا يروع أهله، و جعل عقوبة معصيته نارا تأجّج لغضبه، ]وَ[ ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ تعالى وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ. يا أيّها الناس إنّا أهل بيت بنا بيّن اللّه الكذب، و بنا يفرّج اللّه الزمان الكلب، و بنا ينزع اللّه ربق الذلّ من أعناقكم، و بنا يفتح اللّه و بنا يختم اللّه. فاعتبروا بنا و بعدوّنا و بهدانا و بهداهم و بسيرتنا و سيرتهم و منيّتنا و منيّتهم، يموتون بالدال و القرح و الدبيلة، و نموت بالبطن و القتل و الشهادة و بما شاء اللّه. ثمّ التفت إلى بنيه فقال يا بنيّ ليبرّ صغاركم كباركم، و ليرحم كباركم صغاركم، و لا تكونوا أمثال السفهاء الجفاة الجهّال الذي لا يعطون في اللّه اليقين، كقيض بيض في أداح. ألا ويح للفراخ فراخ آل محمد من خلف مستخلف عتريف مترف، يقتل خلفي و خلف الخلف بعدي. أما و اللّه لقد علمت تبليغ الرسالات، و تنجيز العدات، و تمام الكلمات، بحارالأنوار ج : 34 ص : 264و فتحت لي الأسباب، و أجري لي السحاب، و نظرت في الملكوت، لم يعزب عنّي شي‏ء فات و لم يفتني ما سبقني، و لم يشركني أحد فيما أشهدني ربّي، أقوم به يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ، و بي يتمّ اللّه موعده و يكمل كلماته. و أنا النعمة التي أنعمها اللّه على خلقه، و الإسلام الذي ارتضاه لنفسه، كلّ ذلك منّ اللّه به عليّ و أذلّ به منكبي. و ليس إمام إلّا و هو عارف بأهل ولايته، و ذلك قول اللّه جلّ و عزّ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ. ثم نزل ]عن المنبر[ صلّى اللّه عليه و على آله الطاهرين الأخيار و سلّم تسليما كثيرا.

 كتاب الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي عن إسماعيل بن أبان عند عبد الغفّار بن القاسم عن المنهال بن عمرو عن زرّ بن حبيش قال سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يخطب.

 قال إبراهيم و أخبرني أحمد بن عمران بن محمد بن أبي ليلى عن أبيه عن ابن أبي ليلى عن المنهال عن زرّ بن حبيش، قال خطب عليّ عليه السلام بالنهروان ]...[. و ساق الحديث نحو حديث سليم إلى قوله وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا.

بيان قوله ]عليه السلام[ »أمورا ملتجّة« قال الجوهري التجّت الأصوات بحارالأنوار ج : 34 ص : 265اختلطت. و لججت السفينة خاضت اللجّة. و التجّ البحر التجاجا ]اضطرب و هاج و غمر[. و في بعض النسخ ]»ملبّجة«[ بالباء الموحّدة قال الجوهري لبجت به الأرض إذا جلدت به الأرض ]و صرعته[. و قال الجلجل واحد الجلاجل، و صوته الجلجلة و صوت الرعد أيضا. و المجلجل السحاب الذي فيه صوت الرعد. و جلجلت الشي‏ء إذا حرّكته بيدك. و تجلجل أي ساخ فيها و دخل. و تجلجلت قواعد البيت أي تضعضعت. و قال الفيروزآبادي كلح كمنع تكشّر في عبوس كتكلّح و أكلح و أكلحته، و دهر كالح شديد. و قال بلح الرجل بلوحا أعيا كبلّح ]تبليحا[ و ]بلح[ الماء ذهب. و البلوح البئر الذاهبة الماء و بلحت خفارته إذا لم تف. و البالح الأرض لا تنبت شيئا. قوله »و نصلت« أي خرجت كاشفا عن ناب. قال الجوهري نصل الحافر خرجت عن موضعه. و في بعض النسخ »و قلصت« بالتخفيف أو التشديد، يقال قلص الشي‏ء ارتفع و قلّص و تقلّص كلّه، بمعنى انضمّ و انزوى. يقال قلصت شفته أي انزوت. و ]قال الفيروزآبادي[ في القاموس هرج الناس يهرجون وقعوا في فتنة و اختلاط و قتل. ]قوله عليه السلام[ »و إنّ لطحنها روقا« أي حسنا و إعجابا. »و إنّ روقها حدّها« أي إذا صارت ]الدنيا[ بحيث أعجبت الناس فهو نهايتها و وقت انقضائها. »و لازم على اللّه فلّها« أي كسرها. و الأرومة كالأكولة و قد تضمّ الأصل. و »البذر« بضمّتين جمع البذور و هو الذي يزيع الأسرار. و النضرة الحسن و الرونق ]و الكلام[ إشارة إلى قوله ]تعالى[ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ. بحارالأنوار ج : 34 ص : 266قوله ]عليه السلام[ »لا يروّع أهله« أي لا يفزع و لا يخاف. و في بعض النسخ ]لا يروغ[ بالغين المعجمة أي لا يحيد و لا يميل أهلها عنها. و قال ]ابن الأثير[ في النهاية الدبيلة خراج و دمّل كبير تظهر في الجوف فتقتل صاحبها غالبا. و ]أيضا[ قال ]ابن الأثير[ في حديث علي عليه السلام »لا تكونوا كقيض بيض في أداح يكون كسرها وزرا و يخرج حضائها شرّا«. القيض قشر البيض. و الأداحي جمع الأدحي و هو الموضع الذي تبيض فيه النعامة و تفرخ، و هو أفعول من »دحوت« لأنّها تدحوه برجلها أي تبسطه ثم تبيض فيه. و قال الجوهري »ويح« كلمة رحمة و »ويل« كلمة عذاب. و قال اليزيدي هما بمعنى واحد تقول ويح لزيد و ويل لزيد ترفعهما على الابتداء. و قال الخلف القرن بعد القرن، و الخلف ما جاء من بعد يقال هو خلف سوء من أبيه و خلف صدق من أبيه بالتحريك إذا قام مقامه. و قال هما سواء منهم من يحرّك و منهم من يسكّن فيهما جميعا. و الخلف أيضا ما استخلفته من شي‏ء. و يقال القوم خلفة أي يختلفون. أقول المراد بالخلف إمّا معاوية أو يزيد. و قال ]الجوهري[ في الصحاح رجل عتريف أو عتروف أي خبيث فاجر جري‏ء ماض. و قال أترفته النعمة أطغته. ]قوله عليه السلام[ »و أذلّ به منكبي« لعلّه كناية عن كثرة الحمل و ثقله. أو المعنى أنّ مع تلك الفضائل رفع التكبّر و الترفّع عنّي. بحارالأنوار ج : 34 ص : 267

 يج روي عن الأصبغ بن نباتة قال دخلت في بعض الأيّام على أمير المؤمنين عليه السلام في جامع الكوفة، فإذا بجمّ غفير و معهم عبد أسود فقالوا يا أمير المؤمنين هذا العبد سارق. فقال له الإمام أ سارق أنت يا غلام فقال له نعم. فقال له مرّة ثانية أ سارق أنت يا غلام فقال نعم يا مولاي. فقال له الإمام عليه السلام إن قلتها ثالثة قطعت يمينك فقال أ سارق أنت يا غلام قال نعم يا مولاي. فأمر الإمام بقطع يمينه فقطعت، فأخذها بشماله و هي تقطر دما، فلقيه ابن الكوّاء و كان يشنأ أمير المؤمنين عليه السلام فقال له من قطع يمينك قال قطع يميني الأنزع البطين، و باب اليقين، و حبل اللّه المتين، و الشافع يوم الدين المصلّي إحدى و خمسين. قطع يميني إمام التقى، و ابن عمّ المصطفى، شقيق النبيّ المجتبى، ليث الثرى غيث الورى، حتف العدى، و مفتاح الندى، و مصباح الدجى. قطع يميني إمام الحقّ، و سيّد الخلق، ]و[ فاروق الدين، و سيّد العابدين و إمام المتّقين، و خير المهتدين، و أفضل السابقين، و حجّة اللّه على الخلق أجمعين. قطع يميني إمام حظّيّ بدريّ أحديّ مكيّ مدنيّ أبطحيّ هاشميّ قرشيّ أريحيّ مولويّ طالبيّ جريّ قوي لوذعيّ الوليّ الوصيّ. قطع يميني داحي باب خيبر، و قاتل مرحب و من كفر، و أفضل من حجّ و اعتمر، و هلّل و كبّر، و صام و أفطر، و حلق و نحر.

بحارالأنوار ج : 34 ص : 268

قطع يميني شجاع جريّ، جواد سخيّ، بهلول شريف الأصل ]الأصول »خ«[ ابن عمّ الرسول، و زوج البتول و سيف اللّه المسلول، المردود له الشمس عند الأفول. قطع يميني صاحب القبلتين، الضارب بالسيفين، الطاعن بالرمحين، ]و[ وارث المشعرين، الذي لم يشرك باللّه طرفة عين، أسمح كلّ ذي كفّين، و أفصح كلّ ذي شفتين، أبو السيّدين الحسن و الحسين. قطع يميني عين المشارق و المغارب، تاج لئويّ بن غالب، أسد اللّه الغالب، عليّ بن أبي طالب عليه من الصلوات أفضلها و من التحيّات أكملها. فلمّا فرغ الغلام عن الثناء و مضى لسبيله، دخل عبد اللّه بن الكوّاء على الإمام عليه السلام فقال له السلام عليك يا أمير المؤمنين. فقال له أمير المؤمنين السَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى و خشي عواقب الردى. فقال له ]ابن الكواء[ يا أبا الحسنين قطعت يمين غلام أسود و سمعته يثني عليك بكلّ جميل. فقال و ما سمعته يقول قال كذا و كذا. و أعاد عليه جميع ما قال الغلام. فقال الإمام عليه السلام لولديه الحسن و الحسين امضيا و أتياني بالعبد. فمضيا في طلبه في كندة فقالا له أجب أمير المؤمنين يا غلام. فلمّا مثل بين يدي أمير المؤمنين قال له قطعت يمينك و أنت تثني عليّ بما قد بلغني فقال يا أمير المؤمنين ما قطعتها إلّا بحقّ واجب أوجبه اللّه و رسوله. فقال الإمام أعطني الكفّ فأخذ الإمام الكفّ و غطّاه بالرداء، و كبّر و صلّى ركعتين، و تكلّم بكلمات و سمعته يقول في آخر دعائه آمين رب العالمين. و ركّبه على الزند و قال لأصحابه اكشفوا الرداء عن الكفّ. فكشفوا الرداء عن الكفّ و إذا الكفّ على الزند بإذن اللّه. ثمّ قال أمير المؤمنين عليه السلام أ لم أقل لك يا ابن الكوّاء إنّ لنا محبّين لو قطعنا الواحد منهم إربا إربا ما ازدادوا إلّا حبا، و لنا مبغضين لو

بحارالأنوار ج : 34 ص : 269

ألعقناهم العسل ما ازدادوا إلّا بغضا، و هكذا من يحبّنا ينال شفاعتنا يوم القيامة.

بيان الشرى طريق في ]بادية[ سلمى كثير الأسد. و الحظيّ ذو الحظوة و هي المنزلة و المكانة. و الأريحيّ الواسع الخلق. و اللوذعيّ الظريف الحديد الفؤاد. و البهلول من الرجال الضحّاك.

 يج روي أنّ خارجيا اختصم في رجل آخر إلى عليّ عليه السلام فحكم بينهما، فقال الخارجي لا عدلت في القضيّة. فقال عليه السلام اخسأ يا عدوّ اللّه. فاستحال ]الخارجي[ كلبا و طار ثيابه في الهواء، فجعل يبصبص و تدمع عيناه فرّق له و دعا له، فأعاده إلى حال الإنسانيّة و تراجعت من الهواء ثيابه، فقال عليّ عليه السلام إنّ آصف وصيّ سليمان قد صنع نحوه فقصّ اللّه عنه ]بقوله[ قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ أيّما أكرم على اللّه نبيّكم أم سليمان قالوا نبيّنا. فقيل له ما حاجتك في قتال معاوية إلى الأنصار قال إنّما أدعو هؤلاء لثبوت الحجّة و كمال المحنة، و لو أذن لي في الدعاء بهلاكه لما تأخّر.

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 271

]الباب الرابع و الثلاثون[

باب فيه ذكر أصحاب النّبي صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السّلام الذين كانوا على الحقّ و لم يفارقوا أمير المؤمنين عليه السلام و ذكر بعض المخالفين و المنافقين زائدا على ما أوردنا ]ه[ في كتاب أحوال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و كتاب أحوال أمير المؤمنين عليه السلام.

 ختص عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال كانوا شرطة الخميس ستّة آلاف رجل أنصاره ]عليه السلام[.

 ختص محمد بن الحسين عن محمد بن جعفر عن أحمد بن أبي عبد اللّه قال قال عليّ بن الحكم أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام الذين قال لهم تشرّطوا فأنا أشارطكم على الجنّة و لست أشارطكم على ذهب و لا فضّة، بحارالأنوار ج : 34 ص : 272إنّ نبيّنا فيما مضى قال لأصحابه »تشرّطوا فإنّي لست أشارطكم إلّا على الجنّة« ]و هم[ سلمان الفارسي و المقداد و أبو ذرّ الغفاري و عمّار بن ياسر و أبو سنان و أبو عمرو الأنصاريان و سهل البدري و عثمان ابنا حنيف الأنصاري و جابر بن عبد اللّه الأنصاري. و من أصفياء أصحابه عمرو بن الحمق الخزاعي عربي و ميثم التّمار و هو ميثم بن يحيى مولى و رشيد الهجري و حبيب بن مظهّر الأسدي و محمد بن أبي بكر. و من أوليائه العلم الأزدي و سويد بن غفلة الجعفي و الحارث بن عبد اللّه الأعور الهمداني و أبو عبد اللّه الجدلي و أبو يحيى حكيم بن سعد الحنفي. و كان من شرطة الخميس أبو الرضي عبد اللّه بن يحيى الحضرمي ]و[ سليم بن قيس الهلالي ]و[ عبيدة السلماني المرادي عربي. و من خواصّه تميم بن حذيم الناجي. و قد شهد مع عليّ عليه السلام ]حروبه[ قنبر مولى علي بن أبي طالب ]و[ أبو فاختة مولى بني هاشم ]و[ عبيد اللّه بن أبي رافع و كان كاتبه.

بيان اختلف في تصحيح اسم والد تميم فقيل حذيم بالحاء المهملة و الذال المعجمة. و قيل بالخاء المعجمة و الزاي. و قيل بالحاء المهملة المكسورة و الذال بحارالأنوار ج : 34 ص : 273المعجمة الساكنة و الياء المفتوحة. و ]ذكره الجوهري[ في الصحاح بالحاء المهملة المفتوحة و الذال المعجمة الساكنة و اللام المفتوحة و قال إنّه من التابعين. و كذا صحّحه أكثر العامة في كتبهم.

 ختص عبيد بن نضلة الخزاعي ]قال[ روي عن ابن الأعمش أنّه قال لأبيه على من قرأت القرآن قال على يحيى بن الوثاب، و قرأ يحيى على عبيد بن نضلة كلّ يوم آية ففرغ من القرآن ]في[ سبع و أربعين سنة.

 ختص يحيى بن وثّاب كان مستقيما.

 ختص أبو أحيحة و اسمه عمرو بن محصن أصيب بصفين و هو الذي جهزّ أمير المؤمنين بمائة ألف درهم في مسيره إلى الجمل.

 ختص جعفر بن الحسين المؤمن عن ابن الوليد عن الصّفار عن ابن عيسى عن ابن فضّال عن ثعلبة عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال قال أمير المؤمنين خلقت الأرض لسبعة، بهم يرزقون و بهم ينصرون و بهم يمطرون، منهم سلمان الفارسي و المقداد و أبو ذر و عمّار و حذيفة. و كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يقول و أنا إمامهم و هم الذي صلّوا على فاطمة عليها السلام.

 ختص أحمد بن محمد بن يحيى عن أبيه عن محمد بن الحسين عن الحسن بن محبوب عن الحارث قال قال سمعت عبد الملك بن أعين يسأل بحارالأنوار ج : 34 ص : 274أبا عبد اللّه عليه السلام فلم يزل يسأله حتّى قال فهلك الناس إذا فقال إي و اللّه يا ابن أعين هلك الناس أجمعون قلت أهل الشرق و الغرب قال إنّها فتحت على الضلال، إي و اللّه هلكوا إلّا ثلاثة سلمان الفارسي و أبو ذرّ و المقداد و لحقهم عمّار و أبو سنان الأنصاري و حذيفة و أبو عمرة فصاروا سبعة.

 ختص عدّة من أصحابنا عن ابن الوليد عن الصفّار عن أيّوب بن نوح عن صفوان بن يحيى عن مثنى بن الوليد عن بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السلام قال ارتدّ الناس بعد النبي إلّا ثلاثة نفر المقداد بن الأسود و أبو ذرّ الغفاري و سلمان الفارسي، ثمّ إنّ الناس عرفوا و لحقوا بعد

 ختص ]في[ ذكر السابقين المقرّبين من أمير المؤمنين عليه السلام حدّثنا جعفر بن الحسين عن محمد بن جعفر المؤدّب ]قال[ الأركان الأربعة سلمان الفارسي و المقداد و أبو ذرّ و عمّار هؤلاء ]من[ الصحابة. و من التابعين أويس القرني، الذي يشفع في مثل ربيعة و مضر، و عمرو بن الحمق الخزاعي، و ذكر جعفر بن الحسين أنّه كان من أمير المؤمنين بمنزلة سلمان من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ]و[ رشيد الهجري، ]و[ ميثم التّمار، ]و[ كميل بن زياد النخعي، ]و[ قنبر مولى أمير المؤمنين، ]و[ محمد بن أبي بكر، ]و[ مزرع مولى أمير المؤمنين، و عبد اللّه بن نجيّ، قال له أمير المؤمنين عليه السلام يوم الجمل »أبشر يا ابن نجيّ فأنت و أبوك من شرطة الخميس، سمّاكم اللّه به في السماء. ]و[ جندب بن زهير العامري، و بنو عامر شيعة علي على الوجه، ]و[ حبيب بن مظهّر الأسدي، ]و[ الحارث بن عبد اللّه الأعور الهمداني، ]و[ مالك بن الحارث الأشتر، ]و[ العلم الأزدي، ]و[ أبو عبد اللّه الجدلي، ]و[

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 275

جويرية بن مسهر العبدي.

 ختص محمد بن الحسن عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن عيسى عن النضر بن سويد عمّن حدّثه من أصحابنا عن أبي عبد اللّه قال ما بقي أحد بعد ما قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلّا و قد جال جولة إلّا المقداد، فإنّ قلبه كان مثل زبر الحديد.

 ختص ابن الوليد عن الصفّار عن علي بن سليمان الرازي. و حدّثنا أحمد بن محمد بن يحيى عن سعد بن عليّ بن سليمان عن علي بن أسباط بن سالم عن أبيه قال قال أبو الحسن إذا كان يوم القيامة نادى مناد »أين حواري محمد بن عبد اللّه رسول اللّه الذين لم ينقضوا العهد و مضوا عليه« فيقوم سلمان و المقداد و أبو ذرّ. قال ثمّ ينادي ]المنادي[ »أين حواري عليّ بن أبي طالب وصيّ محمد بن عبد اللّه رسول اللّه« فيقوم عمرو بن الحمق الخزاعي، و محمد بن أبي بكر، و ميثم بن يحيى التّمار مولى بني أسد، و أويس القرني. قال ثمّ ينادي المنادي »أين حواري الحسن بن علي ]و[ ابن فاطمة بنت محمد رسول اللّه« فيقوم سفيان بن أبي ليلى الهمداني، و حذيفة بن أسيد الغفاري. قال ثم ينادي ]المنادي[ »أين حواري الحسين بن علي« فيقوم كلّ من استشهد معه و لم يتخلّف عنه. بحارالأنوار ج : 34 ص : 276

 

ثمّ ينادي »أين حواري علي بن الحسين عليه السلام« فيقوم جبير بن مطعم، و يحيى ابن أمّ الطويل، و أبو خالد الكابلي، و سعيد بن المسيّب. ثمّ ينادي »أين حواري محمد بن علي و حواريّ جعفر بن محمّد« فيقوم عبد اللّه بن شريك العامري، و زرارة بن أعين، و بريد بن معاوية العجلي، و محمد بن مسلم الثقفي، و ليث بن البختري المرادي، و عبد اللّه بن أبي يعفور، و عامر بن عبد اللّه بن خزاعة، و حجر بن زائدة، و حمران بن أعين. ثمّ ينادي سائر الشيعة مع سائر الأئمّة صلوات اللّه عليهم يوم القيامة. فهؤلاء أوّل الشيعة الذين يدخلون الفردوس و هؤلاء أول السابقين و أول المقرّبين و أوّل المحبورين.

 ختص جعفر بن الحسين عن محمد بن جعفر المؤدّب عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي عن أبيه رفعه قال قال عمرو بن الحمق الخزاعي لأمير المؤمنين عليه السلام و اللّه ما جئتك لمال من الدنيا تعطينيها، و لا لالتماس السلطان ترفع به ذكري ]ما جئتك[ إلّا لأنّك ابن عمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و أولى الناس بالناس، و زوج فاطمة سيّدة نساء العالمين، و أبو الذريّة التي بقيت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و أعظم سهما للإسلام من المهاجرين و الأنصار. و اللّه لو كلّفتني نقل الجبال الرواسي و نزح البحور الطوامي أبدا حتّى يأتي عليّ يومي، و في يدي سيفي أهزّ به عدوّك و أقوي به وليّك، و يعلي به اللّه كعبك و يفلج به حجّتك، ما ظننت أنّي أدّيت من حقّك كلّ الحقّ الذي يجب لك عليّ بحارالأنوار ج : 34 ص : 277فقال أمير المؤمنين عليه السلام اللّهم نوّر قلبه و اهده إلى الصراط المستقيم، ليت أنّ في شيعتي مائة مثلك.

بيان طما الماء ارتفع و ملأ النهر. قوله »أهزّ به« ]يقال[ هززت الشي‏ء هزا فاهتزّ أي حرّكته فتحرّك. و في بعض النسخ »أهزم« و هو أظهر. و قال ]الفيروزآبادي[ في القاموس الكعب الشرف و المجد و رجل عالي الكعب شريف.

 ختص أحمد بن هارون و جعفر بن محمد بن قولويه و جماعة عن عليّ بن الحسين عن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن محمد بن الحسن عن أحمد بن النضر عن صباح عن الحارث بن الحصيرة عن صخر بن الحكم الفزاري، عمّن حدّثه أنّه سمع عمرو بن الحمق يحدّث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، أنّه سمع رسول اللّه في المسجد الحرام أو في مسجد المدينة، يقول يا عمرو هل لك في أن أريك آية الجنّة يَأْكُلُ الطَّعامَ و يشرب الشراب وَ يَمْشِي فِي الْأَسْواقِ و آية النار يأكل الطعام و يشرب الشراب و يمشي في الأسواق فقلت نعم بأبي أنت و أميّ فأرنيها. فأقبل عليّ عليه السلام يمشي حتّى سلم و جلس، بحارالأنوار ج : 34 ص : 278فقال ]النبيّ[ يا عمرو هذا و قومه آية الجنّة. ثمّ أقبل معاوية حتى سلّم فجلس، فقال ]النبيّ[ يا عمرو هذا و قومه آية النار. ]ثم قال[ و ذكر ]عمرو[ بدء إسلامه ]و[ أنّه كان في إبل لأهله، و كانوا أهل عهد لرسول اللّه، و أنّ أناسا من أصحاب رسول اللّه مرّوا به و قد بعثهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في بعث فقالوا يا رسول اللّه ما معنا زاد و لا نهتدي الطريق فقال إنّكم ستلقون رجلا صبيح الوجه يطعمكم من الطعام، و يسقيكم من الشراب و يهديكم الطريق ]و[ هو من أهل الجنّة. ]قال عمرو[ فأقبلوا حتى انتهوا إليّ من آخر النهار، و أمرت فتياني فنحروا جزورا و حملوا ]إلى القوم[ من اللبن، فبات القوم يطعمون من اللحم ما شاءوا، و يسقون من اللبن ثم أصبحوا فقلت ما أنتم بمنطلقين حتّى تطعموا و تشربوا فقال رجل منهم و ضحك إلى صاحبه فقلت و مّم ضحكت فقال أبشر ببشرى اللّه و رسوله، فقلت و ما ذاك قال قال بعثنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في هذا الفجّ و أخبرناه أنّه ليس لنا زاد و لا هداية الطريقة فقال ستلقون رجلا صبيح الوجه يطعمكم من الطعام و يسقيكم من الشراب و يدلّكم على الطريق ]و هو[ من أهل الجنّة، فلم نلق من يوافق نعت رسول اللّه غيرك. قال ]عمرو[ فركبت معهم و أرشدتهم إلى الطريق، ثمّ انصرفت إلى فتياني و أوصيتهم بإبلي ثمّ سرت كما أنا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتّى بايعت و أسلمت، و أخذت لنفسي و لقومي أمانا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّا آمنون على أموالنا و دمائنا إذ شهدنا أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمدا رسول اللّه و أقمنا الصلاة و آتينا الزكاة و أقمنا بسهم اللّه و رسوله قال فإذا فعلتم ذلك فأنتم آمنون على أموالكم و دمائكم، لكم بذلك ذمة اللّه و رسوله لا نعتدي عليكم في مال و لا دم. ]ثم قال عمرو[ فأقمت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما أقمت، و غزوت معه غزوات و قبض اللّه و رسوله.

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 279قال ]و[ كان عمرو بن الحمق الخزاعي شيعة لعليّ بن أبي طالب عليه السلام، فلمّا صار الأمر إلى معاوية انحاز إلى شهر زور من الموصل. و كتب إليه معاوية أمّا بعد فإنّ اللّه أطفأ النائرة و أخمد الفتنة و جعل العاقبة للمتّقين، و لست بأبعد أصحابك همّة و لا أشدّهم في سوء الأثر صنعا، كلّهم قد أسهل بطاعتي و سارع إلى الدخول في أمري، و قد بطأ بك ما بطأ فادخل فيما دخل فيه ]الناس[ يمح عنك سالف ذنوبك و نحي داثر حسناتك، و لعلّي لا أكون لك دون من كان قبلي إن أبقيت و اتّقيت و وفيت و أحسنت، فاقدم عليّ آمنا في ذمة اللّه و ذمّة رسوله، محفوظا من حسد القلوب و إحن الصدور وَ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً. فلم يقدم عليه عمرو بن الحمق، فبعث إليه من قتله و جاء برأسه ]إليه[ فبعث به ]معاوية[ إلى امرأته ]و هي في سجنه[ فوضع في حجرها فقالت سترتموه عنّي طويلا و أهديتموه إليّ قتيلا فأهلا و سهلا من هديّة غير قالية و لا بمقلية، بلّغ أيّها الرسول عنّي معاوية ما أقول طلب اللّه بدمه، و عجّل له الويل من نقمه، فقد أتى أمرا فريّا و قتل برّا تقيا، فأبلغ أيها الرسول معاوية ما قلت. فبلّغ الرسول ]معاوية[ ما قالت، فبعث إليها فقال لها أنت القائلة ما قلت قالت نعم غير ناكلة عنه و لا معتذرة منه. قال لها اخرجي من بلادي. قالت أفعل فو اللّه ما هو لي بوطن و لا أحنّ فيها إلى سجن، و لقد طال بها سهري و اشتهر بها عبري و كثر فيها ديني من غير ما قرّت به عيني. فقال عبد اللّه بن أبي سرح الكاتب يا أمير المؤمنين إنّها منافقة فألحقها بزوجها. فنظرت إليه فقالت يا من بين لحييه كجثمان الضفدع أ لا قتلت من أنعمك خلعا و أصفاك بكساء، إنّما المارق المنافق من قال بغير الصواب، و اتّخذ العباد كالأرباب، فأنزل كفره في الكتاب. بحارالأنوار ج : 34 ص : 280فأومأ معاوية إلى الحاجب بإخراجها فقالت وا عجباه من ابن هند يشير إليّ ببنانه و يمنعني نوافذ لسانه، أما و اللّه لأبقرنّه بكلام عتيد كنوافذ الحديد، أو ما أنا بآمنة بنت الرشيد ]ظ الشريد[.

بيان قوله »أسهل بطاعتي« أي رفع عن نفسه الشدّة، يقال أسهل القوم أي صاروا إلى السهل. و في بعض النسخ »استهلّ« أي رفع صوته أو صار إليها فرحا من قولهم استهلّ فرحا. و الجثمان الجسد. و أصفيته بالشي‏ء آثرته به. و الكساء بالضمّ جمع الكسوة. و في بعض النسخ »و أعطاك كيسا« أي كيس الدراهم. و لعلّها أرادت زوجها.

 ختص الأصبغ بن نباتة كان من شرطة الخميس و كان فاضلا.

 حدّثنا جعفر بن الحسين عند محمد بن جعفر المؤدّب عن البرقي عن صالح بن أبي حماد عن ابن أبي الخطّاب، عن محمد بن سنان عن أبي الجارود عن الأصبغ بن نباتة، قال قلت للأصبغ ما كان منزلة هذا الرجل فيكم فقال ما أدري ما تقول إلّا أنّ سيوفنا ]كانت[ على عواتقنا، و من أومأ إليه ضربناه.

 ختص محمد بن الحسن الشحاذ عن سعد عن محمد بن أحمد عن محمد بن إسماعيل عن جعفر بن محمد بن الهيثم، عن عليّ بن الحسين الفزاري عن آدم التّمار الحضرمي عن ابن طريف عن ابن نباتة، قال أتيت أمير المؤمنين عليه السلام لأسلّم عليه فجلست أنتظره، فخرج إليّ فقمت إليه فسلمت عليه، فضرب على كفّي ثمّ شبّك أصابعه في أصابعي ثم قال يا أصبغ بحارالأنوار ج : 34 ص : 281بن نباتة قلت لبيّك و سعديك يا أمير المؤمنين. فقال إنّ وليّنا وليّ اللّه. فإذا مات وليّ اللّه كان من اللّه بالرفيق الأعلى، و سقاه من نهر أبرد من الثلج و أحلى من الشهد و ألين من الزّبد. فقلت بأبي أنت و أمّي و إن كان مذنبا فقال نعم و إن كان مذنبا، أما تقرأ القرآن فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً. يا أصبغ إنّ وليّنا لو لقي اللّه و عليه من الذنوب مثل زبد البحر و مثل عدد الرمل لغفرها اللّه له إن شاء اللّه تعالى.

 كش محمد بن قولويه و الحسين بن حسن بن بندار القميان، عن سعد عن الخشاب عن اليقطيني عن ابن أسباط عن عبد اللّه بن سنان قال سمعت أبا عبد اللّه يقول كان مع أمير المؤمنين خمسة نفر من قريش، و كانت ثلاث عشرة قبيلة مع معاوية. فأمّا الخمسة فمحمد بن أبي بكر رحمة اللّه عليه، أتته النجابة من قبل أمّه أسماء بنت عميس، و كان معه هاشم بن عتبة بن أبي وقّاص المرقال، و كان معه جعدة بن هبيرة المخزومي، و كان أمير المؤمنين عليه السلام خاله و هو الذي قال له عتبة بن أبي سفيان إنّما لك هذه الشدّة في الحرب من قبل خالك. فقال له جعدة لو كان لك خال مثل خالي لنسيت أباك و محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة و الخامس سلف أمير المؤمنين ابن أبي العاص بن ربيعة، و هو صهر النبي صلّى اللّه عليه و آله ]و هو[ أبو الربيع.

 ختص ابن قولويه عن أبيه عن سعد مثله.

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 282بيان ]قال الفيروزآبادي[ في القاموس السلف ككبد، و كبد من الرجال زوج أخت امرأته، و بينهما أسلوفة صهر، و قد تسالفا و هما سلفان أي متزاوجا الأختين. انتهى. و الظاهر أنّ ضمير »هو« راجع إلى أبي العاص، فإنّه كان زوج زينب و اسمه القاسم بن ربيع و أبو الربيع كنية لابن أبي أبي العاص. و المراد بسلف إمّا مطلق المصاهرة فإنّ أمامة بنت أبي العاص أخته كانت عند أمير المؤمنين عليه السلام، أو كان عنده أيضا أخت إحدى زوجاته عليه السلام، أو كان ابن سلف فسقط الابن من النّسّاخ.

 كش حمدويه و إبراهيم ابنا نصير عن أيّوب عن صفوان عن معاوية بن عمّار و غير واحد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال كان عمّار بن ياسر و محمد بن أبي بكر لا يرضيان أن يعصى اللّه عزّ و جلّ.

 كش نصر بن الصباح عن إسحاق بن محمد البصري عن أمير بن علي، عن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام قال كان أمير المؤمنين يقول إنّ المحامدة تأبى أن يعصى عزّ و جلّ. قلت و من المحامدة قال محمد بن جعفر، و محمد بن أبي بكر، و محمد بن أبي حذيفة، و محمد بن أمير المؤمنين ابن الحنفيّة رحمهم اللّه. أمّا محمد بن أبي حذيفة ]ف[ هو ابن عتبة بن ربيعة، و هو ابن خال معاوية.

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 283 كش محمد بن مسعود عن علي بن الحسن بن عباس بن عامر عن أبان بن عثمان عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنّ المهدي مولى عثمان أتى فبايع أمير المؤمنين عليّا و محمد بن أبي بكر جالس، ]ف[ قال أبايعك على أنّ الأمر كان لك أوّلا و أبرأ من فلان و فلان، فبايعه.

 أقول وجدت في كتاب سليم بن قيس الهلالي أنّه قال أبان بن أبي عيّاش أبو الطفيل عامر بن واثلة كان صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كان من خيار أصحاب علي عليه السلام.

 نهج ]و[ قال عليه السلام لعبد اللّه بن العباس و قد أشار عليه في شي‏ء لم يوافق رأيه لك أن تشير عليّ و أرى فإذا عصيتك فأطعني.

بيان قال ابن ميثم روي أنّه أشار عليه عند انصرافه من مكة حاجّا، و قد بايعه الناس فقال يا أمير المؤمنين إنّ هذا أمر عظيم يخاف غوائل الناس فيه، فاكتب لطلحة بولاية البصرة و للزبير بولاية الكوفة، و اكتب إلى معاوية و ذكّره القرابة و الصلة و أقرّه على ولاية الشام حتى يبايعك، فإن بايعك و جرى على سنّتك و طاعة اللّه فاتركه على حاله، و إن خالفك فادعه إلى المدينة و أبدله بغيره و لا تموج بحار الفتنة. فقال عليه السلام معاذ اللّه أن أفسد ديني بدنيا غيري و لك يا ابن عباس أن تشير إلى آخر الكلام.

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 284 نهج ]و[ قال عليه السلام و قد توفي سهل بن حنيف الأنصاري بالكوفة مرجعه من صفين و كان من أحبّ الناس إليه لو أحبّني جبل لتهافت.

]قال السيد الرضيّ[ و معنى ذلك أنّ المحنة تغلظ عليه فتسرع المصائب إليه، و لا يفعل ذلك إلّا بالأتقياء الأبرار و المصطفين الأخيار. و هذا مثل قوله ]عليه السلام[ »من أحبّنا أهل البيت فليستعدّ للفقر جلبابا«. و قد تؤول ذلك على معنى آخر ليس هذا موضع ذكره. بيان التهافت التساقط قطعة قطعة. و التأويل الآخر الذي ذكره السيد رحمه اللّه، لعلّه هو ما ذكره ابن ميثم قال أبو عبيد إنّه ]عليه السلام[ لم يرد الفقر في الدنيا و إنّما أراد الفقر يوم القيامة أي فليعدّ لذلك ما يجده من الثواب و التقرّب إلى اللّه تعالى و الزّلفة لديه.

1033-  نهج ]و[ من خبر ضرار بن ضمرة الضبّابي عند دخوله على معاوية و مسألته له عن أمير المؤمنين قال فأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه و قد أرخى الليل سدوله، و هو قائم في محرابه، قابض على لحيته، يتململ تململ السليم، و يبكي بكاء الحزين و يقول يا دنيا يا دنيا إليك عني، أ بي تعرّضت أم إليّ تشوّقت لا حان حينك هيهات غرّي غيري، لا حاجة لي فيك و قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها فعيشك قصير، و خطرك يسير، و أملك حقير. بحارالأنوار ج : 34 ص : 285آه من قلّة الزاد، و طول الطريق، و بعد السفر، و عظيم المورد و خشونة المضجع

بيان قد مرّ الخبر برواية أخرى. ]و[ »هيهات« أي بعد ما تطلبين منّي. و خطر الرجل قدره و منزلته. »و أملك حقير« أي ما يؤمّل منك و فيك.

 نهج و قال عليه السلام في ذكر خبّاب بن الأرت. يرحم اللّه خبّابا، فلقد أسلم راغبا، و هاجر طائعا، و عاش مجاهدا.

بيان قال ابن أبي الحديد خبّاب ]كان[ من فقراء المسلمين و خيارهم، و كان في الجاهلية قينا يعمل السيوف، و هو قديم إسلام. قيل إنّه كان سادس ستّة. و شهد بدرا و ما بعدها من المشاهد، و هو معدود في المعذّبين في اللّه سأله عمر في أيّام خلافته ما لقيت من أهل مكّة فقال انظر إلى ظهري. فنظر فقال ما رأيت كاليوم ظهر رجل شهد مع عليّ عليه السلام صفّين و نهروان، و صلّى عليه السلام عليه بحارالأنوار ج : 34 ص : 286و كان سنّه يوم مات ثلاثا و سبعين سنة، و دفن بظهر الكوفة و هو أوّل من دفن بظهر الكوفة.

 نهج ]و[ قال عليه السّلام في الذين اعتزلوا القتال معه خذلوا الحقّ و لم ينصروا الباطل.

بيان قال ابن أبي الحديد هم عبد اللّه بن عمر، و سعد بن أبي وقّاص، و سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، و أسامة بن زيد و محمد بن مسلمة، و أنس بن مالك، و جماعة غيرهم. ]ثم قال[ و قد ذكر شيخنا أبو الحسين في ]كتاب[ الغرر أنّ أمير المؤمنين لمّا دعاهم إلى القتال معه و اعتذروا أنّه قال لهم أ تنكرون هذه البيعة قالوا لا و لكنّا لا نقاتل. فقال عليه السلام إذا بايعتم فقد قاتلتم.

1068-  نهج ]و[ قال عليه السلام ما كلّ مفتون يعاتب.

بيان قال ابن أبي الحديد قالها لسعد بن أبي وقّاص و عبد اللّه بن عمر، لمّا امتنعا من الخروج معه لحرب أصحاب الجمل.

بحارالأنوار ج : 34 ص : 287

أقول هذا غير ثابت، ثمّ إنّ الكلام يحتمل وجهين الأوّل أنّه ليس كلّ مفتون مستحقا للعتاب، إذ يمكن أن يكون سبب فتنته ما لم يكن باختياره. و الثاني أن يكون المراد ]أن[ بعض المفتونين لا يعاتبون لعدم نفع الخطاب فيهم. و ]أيضا[ قال ]ابن أبي الحديد[ في موضع آخر من الشرح روى أبو يوسف قال قال أبو حنيفة الصحابة كلّهم عدول، ما عدا رجالا، ثمّ عدّ منهم أبا هريرة و أنس بن مالك.

 قال و روي عن عليّ عليه السلام أنّه قال أكذب الناس على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أبو هريرة الدوسي.

 قال و روي أنّه يوم وصل إلى مروان رأس الحسين عليه السلام بالمدينة، و هو يومئذ أميرها، صعد المنبر و خطب ثم رمى بالرأس نحو قبر النبي صلّى اللّه عليه و آله و قال يا محمد يوم بيوم بدر

 قال و ذكر جماعة من شيوخنا البغداديين، أنّ عدّة من الصحابة و التابعين كانوا منحرفين عن علي عليه السلام، كاتمين لمناقبه حبا للدنيا، منهم أنس بن مالك، ناشد عليّ عليه السلام في الرحبة، أيكم سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول »من كنت مولاه فعليّ مولاه«. فقام اثنا عشر رجلا فشهدوا بها. و أنس بن مالك لم يقم، فقال له ]علي[ يا أنس ما يمنعك أن تشهد فلقد حضرتها فقال يا أمير المؤمنين كبرت سنّي و نسيت فدعا عليه ببرص لا تغطّيه العمامة فابتلي ]أنس[ به.

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 288

]قال[ و كان ممن أنكر ذلك اليوم زيد بن أرقم، فدعا عليه بالعمى فكفّ بصره قالوا و كان الأشعث بن قيس و جرير بن عبد اللّه البجلي يبغضانه، و هدم علي دار جرير.

 و روى أبو بكر الهذلي عن الزّهري عن عبيد اللّه بن عدي ]الأكبر[ قال قام الأشعث إلى علي عليه السّلام فقال إنّ الناس زعموا أنّ رسول اللّه ]صلّى اللّه عليه و آله[ عهد إليك عهدا لم يعهده إلى غيرك. فقال ]علي عليه السّلام[ إنّه عهد إلي ما في قراب سيفي، لم يعهد إلى غيري ذلك فقال الأشعث هذه إن قلتها فهي عليك لا لك، دعها ترحل عنك. فقال ]علي عليه السلام[ و ما علمك بما عليّ ممّا لي منافق بن كافر، حائك بن حائك، أنّي لأجد منك بنة الغزل.

 و روى يحيى البرمكي عن الأعمش أنّ جريرا و الأشعث خرجا إلى الجبّان بالكوفة، فمرّ بهما ضبّ يعدو وهما في ذمّ عليّ عليه السلام، فنادياه يا أبا حسل هلمّ يدك نبايعك بالخلافة. فبلغ عليّا عليه السلام قولهما فقال إنّهما يحشران يوم القيامة و إمامها ضبّ.

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 289

و كان أبو مسعود الأنصاري منحرفا عنه.

 و كان كعب الأحبار منحرفا عنه، و كان ]عليّ[ عليه السلام يقول إنّه الكذّاب.

و كان النّعمان بن بشير الأنصاري من المنحرفين عنه و كان من أمراء يزيد.

 و قد روي أنّ عمران بن الحصين كان من المنحرفين ]عنه[ و أنّ عليا عليه السلام سيّره إلى المدائن. و من الناس من يجعل عمران في الشيعة.

و كان سمرة بن جندب من شرطة زياد ]ابن سميّة أيّام كان زياد عاملا لمعاوية[.

 و روى واصل مولى ابن عيينة عن جعفر بن محمد عن آبائه ]عليهم السلام[ قال كان لسمرة بن جندب نخل في بستان رجل من الأنصار فيؤذيه، فشكا الأنصاري ذلك إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فبعث إلى سمرة و دعاه فقال له بع نخلك هذا و خذ ثمنه. قال لا أفعل قال فخذ نخلا مكان نخلك. قال لا أفعله. قال فاشتر منه بستانه. قال لا أفعل قال فاترك لي هذا النخل و لك الجنّة. قال لا أفعل ]ف[ قال صلّى اللّه عليه و آله للأنصاري اذهب فاقطع نخله، فإنّه لا حقّ له فيه.

قال و كان سمرة أيّام مسير الحسين ]عليه السلام[ إلى الكوفة على شرطة ابن زياد، و كان يحرّض الناس على الخروج إلى الحسين و قتاله. و من المبغضين له عبد اللّه بن الزبير،

 و كان عليّ عليه السلام يقول ما زال الزبير منّا أهل البيت، حتّى نشأ ابنه عبد اللّه فأفسده.

و كان يبغض بني هاشم، و يلعن و يسبّ عليا

بحارالأنوار ج : 34 ص : 290

 و روى ]إبراهيم[ صاحب كتاب الغارات عن أبي صادق عن جندب بن عبد اللّه قال ذكر المغيرة بن شعبة عند عليّ عليه السلام و جدّه مع معاوية فقال و ما المغيرة إنّما كان إسلامه لفجرة و غدرة غدرها بنفر من قومه، فهرب فأتى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كالعائذ بالإسلام، و اللّه ما رأى عليه أحد منذ ادّعى الإسلام خضوعا و لا خشوعا ألا و إنّه كائنة من ثقيف فراعنة قبل يوم القيامة، يجانبون الحقّ، و يوقدون نيران الحرب، و يوازرون الظالمين. ألا إنّ ثقيفا قوم غدر لا يوفون بالعهد، يبغضون العرب، كأنّهم ليسوا منهم، و إنّ الصالح في ثقيف لغريب.

 و قال شيخنا أبو القاسم البلخي من المعلوم أنّ الوليد بن عقبة كان يبغض عليا و يشتمه، و أنّه الذي لاحاه في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و نابذه و قال له أنا أثبت منك جنانا و أحدّ سنانا فقال له عليّ عليه السلام اسكت يا فاسق فأنزل اللّه تعالى فيهما أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ فكان لا يعرف في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلّا بالوليد الفاسق، و سمّاه اللّه في آية أخرى فاسقا و هو قوله تعالى إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا و كان يبغض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و أبوه عقبة بن أبي معيط، هو العدوّ الأزرق بمكة، و كان يؤذي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

 و روى إبراهيم أنّ ممن فارق عليا عليه السلام، يزيد بن حجيّة التّيميّ، و كان عليه السلام استعمله على الرّيّ فكسر الخراج، و احتجبه لنفسه، فحبسه علي عليه السلام و جعل معه سعدا مولاه، فقرّب يزيد ركائبه و سعد نائم، و التحق بمعاوية، و كتب إلى العراق شعرا يذمّ فيه عليا عليه السلام، و يخبره أنّه من أعدائه، فدعا ]عليه السلام[ عليه ]و[ قال لأصحابه عقب بحارالأنوار ج : 34 ص : 291الصّلاة ارفعوا أيديكم فادعوا عليه. ]فدعا عليه[ و أمّن أصحابه.

 قال أبو الصلت التّميميّ ]و[ كان دعاؤه عليه اللّهمّ إنّ يزيد بن حجيّة هرب بمال المسلمين، و لحق بالقوم الفاسقين، فاكفنا مكره و كيده و اجزه جزاء الظالمين. ]قال[ و رفع القوم أيديهم يؤمنون عليه ]و كان في المسجد عفاق. بن شرحبيل بن أبي رهم التميميّ شيخا كبيرا و كان يعدّ ممن شهد على حجر بن عديّ حتّى قتله معاوية، فقال عفاق على من يدعو القوم قالوا على يزيد بن حجيّة. فقال تربت أيديكم أ على أشرافنا تدعون فقاموا إليه فضربوه حتى كاد ]أن[ يهلك، و قام زياد بن خصفة و كان من شيعة علي عليه السلام فقال دعوا لي ابن عمّي. فقال عليّ عليه السلام دعوا للرجل ابن عمّه. فتركه الناس، فأخذ زياد بيده فأخرجه من المسجد و جعل يمشي معه ]و[ يمسح التراب عن وجهه و عفاق يقول و اللّه لا أحبّكم ما سعيت و مشيت، و اللّه لا أحبّكم ما اختلفت الذرّة و الحرّة. و زياد يقول ]له[ ذلك أضرّ لك ذلك شرّ لك[.

و ممّن فارقه عبد اللّه بن عبد الرحمن بن مسعود الثقفي. و منهم النجاشي الشّاعر.

 ]و سبب مفارقة النجاشي أنّه[ شرب الخمر بالكوفة في أوّل يوم من شهر رمضان، فأتي به عليّا عليه السلام، فأقامه في سراويل فضربه ثمانين ثمّ زاده عشرين، فقال يا أمير المؤمنين أمّا الحدّ فقد عرفته فما هذه العلاوة. قال لجرأتك على اللّه و إفطارك في شهر رمضان، فغضب و لحق بمعاوية و هجا عليا.

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 292 و قال صاحب كتاب الغارات إنّ عليا عليه السلام لما حدّ النجاشي غضب اليمانية، فدخل طارق بن عبد اللّه عليه فقال يا أمير المؤمنين ما كنّا نرى أنّ أهل المعصية و الطاعة، و أهل الفرقة و الجماعة عند ولاة العدل و معادن الفضل سيّان في الجزاء، حتّى رأينا ما كان من صنيعك بأخي الحارث، فأوغرت صدورنا، و شتّت أمورنا، و حملتنا على الجادّة التي كنّا نرى أنّ سبيل من ركبها النار. فقال ]عليّ عليه السلام[ وَ إِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ يا أخا نهد و هل هو إلّا رجل من المسلمين انتهك حرمة من حرم اللّه فأقمنا عليه حدّا كان كفّارته إنّ اللّه تعالى يقول وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى فلمّا جنّه الليل همس هو و النجاشي إلى معاوية.

 قال ]إبراهيم[ و من المفارقين لعليّ عليه السلام أخوه عقيل. قدم ]عقيل[ على ]أخيه[ أمير المؤمنين ]عليه السلام[ بالكوفة يسترفده، فعرض عليه عطاءه فقال ]عقيل[ إنّما أريد من بيت المال. فلمّا صلّى عليّ عليه السلام الجمعة قال له ]يا عقيل[ ما تقول في من خان هؤلاء أجمعين قال بئس الرجل قال فإنّك أمرتني أن أخونهم و أعطيك.

فلما خرج ]عقيل[ من عنده شخص إلى معاوية، فأمر له ]معاوية[ يوم قدومه بمائة ألف درهم، و قال له يا أبا يزيد أنا خير لك أم علي قال ]عقيل[ وجدت عليّا أنظر لنفسه منك، و وجدتك أنظر لي منك لنفسك. و قال معاوية لعقيل إنّ فيكم يا بني هاشم للينا. قال أجل إنّ فينا للينا من غير ضعف، و عزّا من غير عنف، و إنّ لينكم يا معاوية غدر، و سلمكم كفر. فقال معاوية و لا كلّ هذا يا أبا يزيد. ]ف[ قال عقيل

لذي الحلم قبل اليوم ما يقرع و ما علّم الإنسان إلّا ليعلما

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 293إنّ السفاهة طيش من خلائقكم لا قدّس اللّه أخلاق الملاعينا

فأراد معاوية أن يقطع كلامه فقال ما معنى )طه( قال نحن أهله و علينا نزل، لا على أبيك و لا على أهل بيتك. )طه( بالعبرانية يا رجل. و قال له الوليد غلبك أخوك على الثروة قال نعم، و سبقني و إيّاك إلى الجنّة. و قال معاوية يوما و عنده عمرو بن العاص و قد أقبل عقيل لأضحكنّك من عقيل. فلمّا سلّم ]عقيل[ قال معاوية مرحبا برجل عمّه أبو لهب. قال عقيل و أهلا بمن عمّته حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ. لأنّ امرأة أبي لهب أمّ جميل بنت حرب. ]ف[ قال معاوية يا أبا يزيد ما ظنّك بعمّك أبي لهب قال ]عقيل[ إذا دخلت النار فخذ على يسارك تجده مفترشا عمّتك حمّالة الحطب، أ فناكح في النار خير أم منكوح قال كلاهما شرّ سواء و اللّه. و ممّن فارقه حنظلة الكاتب، و وائل بن حجر الحضرمي. و روي أنّ ثلاثة من أهل البصرة كانوا يتواصلون على بغض عليّ عليه السلام، ]و هم[ مطرف بن عبد اللّه، و العلاء بن زياد و عبد اللّه بن شقيق.

 و روى صاحب كتاب الغارات بإسناده عن أبي فاختة قال كنت عند عليّ فأتاه رجل عليه زيّ السفر، فقال يا أمير المؤمنين إنّي أتيتك من بلد ما رأيت لك بها محبّا. قال من أين أتيت قال من البصرة. قال أما إنّهم لو استطاعوا أن يحبّوني لأحبّوني، و إنّي و شيعتي في ميثاق اللّه لا يزاد فينا رجل و لا ينقص إلى يوم القيامة.

و روى أبو غسّان البصري قال بنى عبيد اللّه بن زياد أربعة مساجد بالبصرة تقوم على بغض علي بن أبي طالب عليه السلام و الوقيعة فيه، مسجد بني عدي، و مسجد بني مجاشع، و مسجد كان في العلّافين على وجه البصرة، و مسجد في الأزد. بحارالأنوار ج : 34 ص : 294و ممّن قال فيه أنّه يبغض عليا و يذمّه الحسن بن أبي الحسن البصري ]أبو سعيد[ روى ]عنه[ حمّاد بن سلمة أنّه قال لو كان عليّ يأكل الحشف بالمدينة، لكان خيرا له مما دخل فيه. و روي أنّه كان من المخذلين عن نصرته.

 و رووا عنه أنّ عليا عليه السلام رآه و هو يتوضأ للصلاة، و كان ذا وسوسة، فصبّ على أعضائه ماء كثيرا، فقال له أرقت ماء كثيرا يا حسن. فقال له ما أراق أمير المؤمنين من دماء المسلمين أكثر. قال أ و ساءك ذلك قال نعم. قال فلا زلت مسوءا قال فما زال عابسا قاطبا مهموما إلى أن مات.

]ثمّ قال ابن أبي الحديد[ فأمّا أصحابنا فإنّهم يدفعون ذلك عنه و يقولون إنّه كان من محبّيه عليه السلام و المعظّمين له. و روى له أبان بن عيّاش قال سألت الحسن البصري عن عليّ عليه السلام، فقال ما أقول فيه، كانت له السابقة و الفضل و العلم و الحكمة و الفقه و الرأي و الصحبة و البلاء و النجدة و الزهد و القضاء و القرابة، إنّ عليا كان في أمره عليا فرحم اللّه عليا و صلّى عليه. فقلت يا ]أ[ با سعيد أ تقول صلّى اللّه عليه لغير النبي )ص( فقال ترحّم على المسلمين إذا ذكروا، و صلّ على النبي و آله، و علي خير آله. فقلت أ هو خير من حمزة و جعفر قال نعم. قلت ]هو[ خير من فاطمة و ابنيها قال نعم و اللّه، إنّه خير من آل محمد كلّهم، و من يشكّ أنّه خير منهم

 و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله »و أبوهما خير منهما«

و لم يجر عليه اسم شرك و لا شرب خمرا

 و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لفاطمة »زوّجتك خير أمّتي«.

فلو كان في أمّته خير منه لاستثناه. و لقد آخى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بين أصحابه و آخى بين علي و نفسه، فرسول اللّه خير الناس نفسا و خيرهم أخا. فقلت يا ]أ[ با سعيد فما هذا الذي يقال عنك أنّك قلته في علي فقال بحارالأنوار ج : 34 ص : 295يا ابن أخي أحقن دمي من هؤلاء الجبابرة، و لو لا ذلك لسال بي الخشب. و قال شيخنا أبو جعفر الإسكافي و وجدته أيضا في كتاب الغارات و قد كان بالكوفة من فقهائها من يعادي عليا و يبغضه مع غلبة التشيّع على الكوفة. فمنهم مرّة الهمداني. فروي أنّه قيل لمرّة كيف تخلفت عن علي ]ف[ قال سبقنا بحسناته و أثقلنا بسيّئاته. و منهم الأسود بن يزيد، و مسروق بن الأجدع. و روي أنّ مسروقا رجع عن ذلك. و منهم شريح ]القاضي و قد روي أنّه طرد من الكوفة[ و بعثه عليه السلام إلى »بانقيا« شهرين يقضي بين اليهود. و منهم أبو وائل شقيق بن سلمة كان عثمانيا يقع في عليّ عليه السلام. و يقال إنّه كان يرى رأي الخوارج. و من المبغضين ]لعليّ عليه السلام[ أبو بردة بن أبي موسى الأشعري ]فإنّه ورث البغض عن كلالة[. و من المنحرفين عنه عليه السلام أبو عبد الرحمن السّلمي. و منهم قيس بن أبي حازم، و سعيد بن المسيّب، و الزهري، و عروة بن الزبير بحارالأنوار ج : 34 ص : 296و كان زيد بن ثابت عثمانيا يحرّض الناس على سبّه عليه السلام. و كان المكحول من المبغضين له عليه السلام، و كذا حمّاد بن زيد. أقول قد بسط ]الثقفي[ الكلام في كتاب الغارات في عدّ هؤلاء الأشقياء و بيان أحوالهم، و روى عن عطاء بن السائب قال قال رجل لأبي عبد الرحمن السّلمي أنشدك باللّه ]إلّا أن[ تخبرني ]بما أسألك عنه، فسكت[ فلمّا أكدّ عليه ]قال نعم[ قال باللّه ]عليك[ هل أبغضت عليا إلّا يوم قسم المال في أهل الكوفة فلم يصلك و لا أهل بيتك منه بشي‏ء قال أمّا إذ أنشدتني باللّه فكان ذلك.

 و قال بعث أسامة بن زيد إلى عليّ عليه السلام أن ابعث إليّ بعطائي فو اللّه ]إنّك[ لتعلم أنّك لو كنت في فم أسد لدخلت معك. فكتب إليه ]علي عليه السلام[ إنّ هذا المال لمن جاهد عليه، و لكن هذا مالي بالمدينة فأصب منه ما شئت.

ثمّ ذكر رواية تدلّ على أنّ عروة بن الزبير و الزهري كانا ينالان من علي عليه السلام فنهاهما عنه علي بن الحسين. و عن أبي داود الهمداني قال شهدت سعيد بن المسيّب و أقبل عمر بن عليّ بن أبي طالب فقال له سعيد يا ابن أخى ما أراك تكثر غشيان مسجد بحارالأنوار ج : 34 ص : 297رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كما يفعل إخوتك و بنو عمّك فقال عمر يا ابن المسيّب أ كلّما دخلت المسجد فأجي‏ء فأشهدك. فقال سعيد ما أحبّ أن تغضب، سمعت والدك عليا يقول و اللّه إنّ لي من اللّه مقاما هو خير لبني عبد المطّلب ممّا على الأرض من شي‏ء. قال عمر سمعت والدي يقول ما كلمة حكمة في قلب منافق يخرج من الدنيا حتّى يتكلّم بها. ]فقال سعيد يا ابن أخي جعلتني منافقا[ فقال ]عمر[ ذلك ما أقول لك. قال ثم انصرف. ثم قال ابن أبي الحديد و قال شيخنا أبو جعفر الإسكافي كان أهل البصرة كلّهم يبغضونه قاطبة، و كانت قريش كلّها على خلافه، و كان جمهور الخلق مع بني أميّة.

 و روى عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال سمعت عليا عليه السلام و هو يقول ما لقي أحد من الناس ما لقيت ثم بكى عليّ عليه السلام.

 و روى أبو عمرو النهدي قال سمعت عليّ بن الحسين عليه السلام يقول ما بمكّة و المدينة عشرون رجلا يحبّنا.

 قال و روى ابن هلال الثّقفي في كتاب الغارات عن زكريّا بن يحيى العطّار عن فضيل عن محمد بن عليّ قال لمّا قال عليّ عليه السلام »سلوني قبل أن تفقدوني فو اللّه لا تسألوني عن فئة تضلّ مائة و تهدي مائة، إلّا أنبأتكم بناعقها و سائقها«. فقام إليه رجل فقال أخبرني كم في رأسي و لحيتي من طاقة شعر

بحارالأنوار ج : 34 ص : 298

فقال ]عليّ عليه السلام[ و اللّه لقد حدّثني خليلي، أنّ على كلّ طاقة شعر من رأسك ملكا يلعنك، و أنّ على كلّ طاقة شعر من لحيتك شيطانا يغويك، و أنّ في بيتك سخلا يقتل ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كان ابنه قاتل الحسين عليه السلام يومئذ طفلا يحبو و هو سنان بن أنس النخعي

 و روى الحسن بن محبوب عن ثابت الثمالي عن أبي إسحاق السبيعي عن سويد بن غفلة أنّ عليا عليه السلام خطب ذات يوم، فقام رجل من تحت منبره فقال يا أمير المؤمنين إنّي مررت بوادي القرى، فوجدت خالد بن عرفطة قد مات فأستغفر له. فقال عليه السلام و اللّه ما مات و لا يموت حتّى يقود جيش ضلالة، صاحب لوائه حبيب بن حمّاد ]جمّار »خ«[. فقام رجل آخر من تحت المنبر فقال يا أمير المؤمنين أنا حبيب بن حمّاد، و إنّي لك شيعة و محبّ. فقال ]عليّ عليه السلام[ أنت حبيب بن حمّاد قال نعم. قال له ثانية اللّه إنّك لحبيب بن حمّاد ]جمّار »خ«[. فقال إي و اللّه. قال أما و اللّه إنّك لحاملها و لتحملّنها، و لتدخلنّ بها من هذا الباب. و أشار إلى باب الفيل بمسجد الكوفة.

قال ثابت فو اللّه ما مت حتّى رأيت ابن زياد و قد بعث عمر بن سعد إلى ]حرب[ الحسين عليه السلام، و جعل خالد بن عرفطة ]من رجال صحاح أهل السنّة[ على مقدّمته، و حبيب بن حمّاد صاحب رايته، فدخل بها من باب الفيل

بحارالأنوار ج : 34 ص : 299

 و روى محمد بن جبلة الخيّاط عن عكرمة عن يزيد الأحمسي أنّ عليا عليه السلام كان جالسا في مسجد الكوفة و بين يديه قوم، منهم عمرو بن حريث، إذ أقبلت امرأة مختمرة لا تعرف، فوقفت فقالت لعليّ عليه السلام يا من قتل الرجال و سفك الدماء و أيتم الصبيان و أرمل النساء فقال عليّ عليه السلام و إنّها لهي هذه السلقلقة الجلعة المجعة، و إنّها لهي هذه شبيهة الرجال و النساء التي ما رأت دما قطّ. فولّت ]المرأة[ هاربة منكّسة رأسها، فاتّبعها عمرو بن حريث، فلمّا صارت بالرحبة قال لها و اللّه لقد سررت بما كان منك اليوم إلى هذا الرجل، فادخلي منزلي حتّى أهب لك و أكسوك. فلمّا دخلت منزله أمر جواريه بتفتيشها و نزع ثيابها لينظر صدقه فيما قاله عنها، فبكت و سألته أن لا يكشفها و قالت أنا و اللّه كما قال، لي ركب الرجال، و أنثيان كأنثي الرجال، و ما رأيت دما قط. فتركها و أخرجها. ثم جاء ]عمرو[ إلى علي عليه السلام فأخبره فقال إنّ خليلي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، أخبرني بالمتمرّدين عليّ من الرجال، و المتمرّدات من النساء إلى أن تقوم الساعة.

قال ابن أبي الحديد السّلقلق السّليطة، و هو الذّئب. و السلقة الذئبة. و الجلعة المجعة البذية اللّسان. و الركب منبت العانة.

 و روى عثمان بن سعيد عن يحيى التّيميّ عن الأعمش عن إسماعيل ابن رجاء قال قام أعشى باهلة و هو غلام يومئذ حدث إلى علي عليه السلام، بحارالأنوار ج : 34 ص : 300و هو يخطب و يذكر الملاحم، فقال يا أمير المؤمنين ما أشبه هذا الحديث بحديث خرافة فقال عليّ عليه السلام إن كنت آثما فيما قلت يا غلام فرماك اللّه بغلام ثقيف. ثمّ سكت. فقالوا و من غلام ثقيف يا أمير المؤمنين قال غلام يملك بلدتكم هذه، لا يترك للّه حرمة إلّا انتهكها، يضرب عنق هذا الغلام بسيفه. فقالوا كم يملك يا أمير المؤمنين قال عشرين إن بلغها قالوا فيقتل قتلا أم يموت موتا قال بل يموت حتف أنفه بداء البطن، يثقب سريره لكثرة ما يخرج من جوفه. قال إسماعيل بن رجاء فو اللّه لقد رأيت بعيني أعشى باهلة و قد أحضر في جملة الأسرى الذين أسروا من جيش عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بين يدي الحجّاج، فقرّعه و وبّخه و استنشد شعره الذي يحرّض فيه عبد الرحمن على الحرب، ثم ضرب عنقه في هذا المجلس.

 و روى محمد بن علي الصوّاف عن الحسين بن سفيان عن أبيه عن شهير ]شمير »خ«[ بن سدير الأزدي قال قال عليّ لعمرو بن الحمق الخزاعي أين نزلت يا عمرو قال في قومي. قال لا تنزلّن فيهم أ فأنزل في بني كنانة جيراننا قال لا. قال أ فأنزل في ثقيف قال فما تصنع بالمعرّة و المجرّة قال و ما هما قال عنقان من نار يخرجان من ظهر الكوفة، أحدهما على تميم و بكر بن وائل، فقلّما يفلت منه أحد، و يأتي العنق الآخر فيأخذ على الجانب الآخر من الكوفة، فقلّ من يصيب منهم. إنّما هو يدخل الدار فيحرق البيت و البيتين. قال فأين أنزل قال في بني عمرو بن عامر من الأزد. قال فقال قوم حضروا هذا الكلام ما نراه إلّا كاهنا يتحدّث بحديث الكهنة. فقال يا عمرو إنّك لمقتول بعدي، و إنّ رأسك لمنقول، و هو أوّل رأس بحارالأنوار ج : 34 ص : 301ينقل في الإسلام، و الويل لقاتلك، أما إنّك لا تنزل بقوم إلّا أسلموك برمتك، إلّا هذا الحيّ من بني عمرو بن عامر من الأزد، فإنّهم يسلموك و لن يخذلوك. قال فو اللّه ما مضت الأيّام حتّى تنقل عمرو بن الحمق في خلافة معاوية في أحياء العرب خائفا مذعورا، حتّى نزل في قومه من بني خزاعة، فأسلموه فقتل و حمل رأسه من العراق إلى معاوية بالشام. و هو أوّل رأس حمل في الإسلام من بلد إلى بلد

 و روى إبراهيم بن ميمون الأزدي عن حبّة العرني قال كان جويرية بن مسهر العبدي صالحا، و كان لعليّ صديقا، و كان عليّ عليه السلام يحبّه، و نظر يوما إليه و هو يسير، فناداه يا جويرية الحق بي فإنّي إذا رأيتك هويتك.

 قال إسماعيل بن أبان فحدّثني الصباح عن مسلم عن حبّة العرني قال سرنا مع عليّ عليه السلام يوما، فالتفت فإذا جويرية خلفه بعيدا، فناداه يا جويرية الحق بي لا أبا لك أ لا تعلم أنّي أهواك و أحبّك قال فركض ]جويرية[ نحوه فقال له إنّي محدّثك بأمور فاحفظها. ]قال حبة[ ثمّ اشتركا في الحديث سرّا، فقال له جويرية يا أمير المؤمنين أنا رجل نسيّ. فقال أنا أعيد عليك الحديث لتحفظه، ثمّ قال في آخر ما حدثه إيّاه يا جويرية أحبب حبيبنا ما أحبّنا فإذا أبغضنا فابغضه، و أبغض بغيضنا ما أبغضنا فإذا أحبّنا فأحبّه. قال فكان ناس ممن يشكّ في أمر علي عليه السلام يقولون أ تراه جعل جويرية وصيّه كما يدّعي هو من وصية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال ]حبّة[ يقولون ذلك لشدّة اختصاصه به حتى دخل على عليّ عليه السلام يوما، و هو مضطجع و عنده قوم من أصحابه، فناداه جويرية أيّها النائم استيقظ فلتضربنّ على رأسك ضربة تخضب منها لحيتك. قال فتبسم أمير المؤمنين عليه السلام ثمّ قال و أحدّثك يا جويرية بأمرك، أما و الذي نفسي بيده، بحارالأنوار ج : 34 ص : 302لتعتلنّ إلى العتل الزنيم فليقطعنّ يدك و رجلك، و يصلبنّك تحت جذع كافر. قال فو اللّه ما مضت الأيّام على ذلك حتّى أخذ زياد جويرية، فقطع يده و رجله و صلبه إلى جانب جذع ابن بني معكبر و كان جذعا طويلا فصلبه على جذع قصير إلى جانبه.

 و روى إبراهيم في كتاب الغارات عن أحمد بن الحسن الهيثمي قال كان ميثم التّمار مولى علي عليه السلام عبدا لامرأة من بني أسد، فاشتراه عليّ عليه السلام و أعتقه فقال له ما اسمك قال سالم. فقال إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أخبرني أنّ اسمك الذي سمّاك به أبوك في العجم ميثم. قال صدق اللّه و رسوله و صدقت، هو اسمي قال فارجع إلى اسمك و دع سالما فنحن نكنيّك به. فكنّاه أبا سالم. قال و قد كان أطلعه عليّ عليه السلام على علم كثير و أسرار خفية من أسرار الوصية، فكان ميثم يحدّث ببعض ذلك فيشكّ فيه قوم من أهل الكوفة، و ينسبون عليا عليه السلام إلى المخرقة و الإيهام و التدليس، حتّى قال له يوما بمحضر من خلق كثير من أصحابه و فيهم الشّاكّ و المخلص يا ميثم إنّك تؤخذ بعدي و تصلب، فإذا كان اليوم الثاني ابتدر منخراك و فمك دما حتّى تخضب لحيتك، فإذا كان اليوم الثالث، طعنت بحربة فيقضى عليك، فانتظر ذلك، و الموضع الذي تصلب فيه على دار عمرو بن حريث، إنّك لعاشر عشرة أنت أقصرهم خشبة و أقربهم من المطهرة يعني الأرض و لأرينّك النخلة التي تصلب على جذعها، ثمّ أراها إيّاها بعد ذلك بيومين، فكان ميثم يأتيها فيصلي عندها فيقول بوركت من نخلة، لك خلقت، و لي نبت، فلم يزل يتعاهدها بعد قتل عليّ عليه السلام حتّى قطعت، فكان يرصد جذعها و يتعاهده و يتردّد إليه و يبصره. و كان يلقى عمرو بن حريث فيقول إنّي مجاورك فأحسن جواري، فلا بحارالأنوار ج : 34 ص : 303يعلم عمرو ما يريد. فيقول له أ تريد أن تشتري دار ابن مسعود أم دار ابن حكيم.

أقول ثمّ ذكر قصة شهادته نحوا مما سنذكره في باب أحواله رحمه اللّه.

 ثمّ قال قال إبراهيم ]و[ حدّثني إبراهيم بن العباس عن مبارك البجلي عن أبي بكر بن عيّاش، عن مجالد عن الشعبي عن زياد بن النضر الحارثي قال كنت عند زياد و قد أتي برشيد الهجري، و كان من خواصّ أصحاب علي عليه السّلام، فقال له زياد ما قال لك خليلك أنّا فاعلون بك قال تقطعون يدي و رجلي و تصلبونني. فقال زياد أما و اللّه لأكذبنّ حديثه، خلّوا سبيله فلمّا أراد أن يخرج قال ردّوه، لا نجد لك شيئا أصلح مما قال صاحبك، إنّك لن تزال تبغي لنا سوءا إن بقيت، اقطعوا يديه و رجليه فقطعوا يديه و رجليه و هو يتكلّم، فقال اصلبوه خنقا في عنقه. فقال رشيد و قد بقي لي عندكم شي‏ء ما أراكم فعلتموه. فقال زياد اقطعوا لسانه. فلمّا أخرجوا لسانه ]ليقطع[ قال نفّسوا عنّي حتّى أتكلّم كلمة واحدة. فنفّسوا عنه فقال و اللّه هذا تصديق خبر أمير المؤمنين عليه السلام، أخبرني بقطع لساني. فقطعوا لسانه و صلبوه.

 و روى أبو داود الطيالسي عن سليمان بن زريق عن عبد العزيز بن صهيب قال حدّثني أبو العالية قال حدّثني مزرع صاحب علي بن أبي طالب عليه السلام، إنّه قال ليقبلنّ جيش حتّى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم. قال أبو العالية قلت فإنّك لتحدّثني ]بالغيب[ فقال ]مزرع[ احفظ ما أقول لك فإنّما حدثني به الثقة علي بن أبي طالب عليه السلام. ]قال[ و حدّثني أيضا شيئا آخر، ]قال[ لتؤخذنّ فلتقلتنّ و لتصلبنّ بين شرفتين من شرف المسجد. ]قال أبو العالية[ فقلت له إنّك لتحدّثني بالغيب فقال احفظ ما بحارالأنوار ج : 34 ص : 304أقول لك. قال أبو العالية فو اللّه ما أتت علينا جمعة حتى أخذ مزرع، فقتل و صلب بين شرفتين من شرف المسجد.

 و روى محمد بن موسى العنزي قال كان مالك بن ضمرة الرواسيّ من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام و ممن استبطن من جهته علما كثيرا، و كان أيضا قد صحب أبا ذرّ فأخذ من علمه، و كان يقول في أيّام بني أميّة اللّهم لا تجعلني شرّ الثلاثة. فيقال له و ما الثلاثة فيقول رجل يرمى به من فوق طمار، و رجل تقطع يداه و رجلاه و يصلب، و رجل يموت على فراشه. فكان من الناس من يهزأ به و يقول هو من أكاذيب أبي تراب. قال فكان الذي رمي به من طمار هانئ بن عروة، و الذي قطع و صلب رشيد الهجري، و مات مالك على فراشه.

 و قال ابن أبي الحديد و روى قيس بن الربيع عن أبي هارون العبدي عن ربيعة بن مالك السعدي قال أتيت حذيفة بن اليمان فقلت يا أبا عبد اللّه إنّ الناس ليتحدّثون عن عليّ بن أبي طالب و مناقبه فيقول لهم أهل البصرة إنّكم لتفرطون في تقريظ هذا الرجل. فهل أنت محدّثي بحديث عنه أذكره للناس فقال ]حذيفة[ يا ربيعة و ما الذي تسألني عن عليّ عليه السلام و ما الذي أحدّثك به عنه و الذي نفس حذيفة بيده، لو وضع جميع أعمال أمّة محمد صلّى اللّه عليه و آله في كفّة الميزان منذ بعث اللّه تعالى محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى يوم الناس هذا، و وضع عمل واحد من أعمال عليّ في الكفّة الأخرى لرجح على أعمالهم كلّها. فقال ربيعة هذا المدح الذي لا يقام له و لا يقعد و لا يحمل، إنّي لأظنّه إسرافا يا أبا عبد اللّه. فقال حذيفة يا لكع و كان لا يحمل و أين كان المسلمون يوم الخندق و قد عبر إليهم عمرو و أصحابه، فملكهم الهلع و الجزع، بحارالأنوار ج : 34 ص : 305و دعا إلى المبارزة فأحجموا عنه حتّى برز إليه عليّ عليه السلام فقتله و الذي نفس حذيفة بيده لعمله ذلك اليوم أعظم أجرا من أعمال أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله إلى هذا اليوم و إلى أن تقوم الساعة.

توضيح ]قوله[ »إنّي لآخذ منك« لعلّه استفهام إنكاري أي إنّي لا أحتاج إلى فضول علمك و ثمرات رأيك، شبّهها بما ينبذ من فضول الغزل عند الحياكة لمناسبة كون الملعون حائكا. و قال الجوهري الهمس الصوت الخفيّ. و همس الأقدام أخفى ما يكون من صوت القدم. و قال الرمّة قطعة من الحبل بالية و منه قولهم »دفع إلي الشي‏ء برمّته«. و أصله أنّ رجلا دفع إلى رجل بعيرا بحبل في عنقه، فقيل ذلك لكلّ من دفع شيئا بجملته. و قال عتلت الرجل أعتله و أعتله إذا جذبته جذبا عنيفا، و العتلّ الجافي الغليظ. و قال الزنيم المستلحق في قوم ليس منهم ]و[ لا يحتاج إليه و قيل هو اللئيم الذي يعرف بلؤمه. قوله »تحت جذع كافر« بالإضافة و يحتمل التوصيف، قال ]الفيروزآبادي[ في القاموس الكافر من الأرض ما بعد عن الناس. و الكفر الخشبة الغليظة القصيرة. و الأوّل أظهر. و قال ]الجواهري[ في الصحاح الطّمار المكان المرتفع. و قال التّقريض مدح الإنسان و هو حيّ. و قيل مدحه بباطل أو حقّ. بحارالأنوار ج : 34 ص : 306

 نهج ]و[ قال عليه السّلام لعمّار بن ياسر و قد سمعه يراجع المغيرة بن شعبة كلاما دعه يا عمّار فإنّه لم يأخذ من الدّين إلّا ما قاربته الدّنيا ]و[ على عمد لبّس على نفسه، ليجعل الشّبهات عاذرا لسقطاته.

بيان السقطة العثرة و الزلّة.

 نهج ]و[ قال عليه السلام للأشعث بن قيس معزّيا إن صبرت صبر الأكارم، إلّا سلوت سلوّ البهائم.

بيان سلاه و سلا عنه سلوا و سلوا نسيه فتسلى، و المعنى إن صبرت عند المصيبة و رضيت بقضاء اللّه، كنت من الأكارم و الأفاضل و فزت بالثواب، و إن لم تصبر فلا محالة تنسى المصيبة و تترك الجزع بعد زمان كالبهائم، فإنّها تنسى ما يصيبها بعد ذهاب ألمها و لا ثواب لها.

 كا أبو عليّ الأشعري عن محمّد بن عبد الجبّار، و محمّد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعا عن صفوان بن يحيى عن زيد الشحام عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن أبيه عليه السلام قال إنّ الرجل كان في القبيلة من شيعة عليّ عليه السلام، فيكون زينها أدّاهم للأمانة، و أقضاهم بحارالأنوار ج : 34 ص : 307للحقوق و أصدقهم، إليه وصاياهم و ودائعهم، تسأل العشيرة عنه فتقول من مثل فلان إنّه لأدّانا للأمانة و أصدقنا للحديث.

 نهج ]و[ قال عليه السلام يهلك فيّ رجلان محبّ غال و مبغض قال.

بيان قلاه أي كرهه و أبغضه. و هو يشمل المخالفين أيضا لأنّ تقديم غيره عليه بغض له.

1074-  كتاب الغارات لإبراهيم الثقفي عن يوسف بن كليب المسعودي عن معاوية بن هشام عن الصباح المزني عن الحارث بن حصيرة عن أصحابه عن عليّ عليه السلام أنّه قال ادعو لي غنيا و باهلة و حيا آخر قد سمّاهم فليأخذوا عطاياهم، فو الذي فلق الحبّة و برأ النسمة ما لهم في الإسلام نصيب، و إنّي لشاهد لهم في منزلي عند الحوض و عند المقام المحمود أنّهم أعدائي في الدنيا و الآخرة. و لئن ثبت قدماي لأردّنّ قبائل إلى قبائل و قبائل إلى قبائل، و لأبهرجنّ ستّين قبيلة ما لهم في الإسلام نصيب.

 و عن يوسف بن كليب عن يحيى بن سالم عن عمرو بن عمير عن أبيه بحارالأنوار ج : 34 ص : 308عنه عليه السلام مثله.

 نهج ]و[ في حديثه عليه السلام هذا الخطيب الشّحشح.

قال السيّد ]الرضيّ[ رحمه اللّه يريد الماهر بالخطبة الماضي فيها، و كلّ ماض في كلام أو سير فهو شحشح، و الشحشح في غير هذا الموضع البخيل الممسك. بيان قال ابن أبي الحديد هذه الكلمة قالها ]عليه السلام[ لصعصعة بن صوحان، و كفى له فخرا أن يثني له علي عليه السلام بالمهارة و فصاحة اللسان، و كان صعصعة من أفصح الناس، ذكر ذلك شيخنا أبو عثمان.

 نهج ]و[ من كلام له عليه السلام كلّم به عبد اللّه بن زمعة و هو من شيعته، و ذلك إنّه قدم عليه في خلافته يطلب منه مالا فقال عليه السلام إنّ هذا المال ليس لي و لا لك، و إنّما هو في‏ء المسلمين و جلب أسيافهم، فإن شركتهم في حربهم كان لك مثل حظّهم، و إلّا فجناة أيديهم لا تكون لغير أفواههم.

بيان جلب أسيافهم بالتحريك ما اجتلبته أسيافهم و ساقته إليهم.

 نهج ]و[ هنّأ بحضرته عليه السلام رجل رجلا بغلام ولد له بحارالأنوار ج : 34 ص : 309فقال ليهنّئك الفارس. فقال عليه السلام لا تقل ذاك و لكن قل شكرت الواهب، و بورك لك في الموهوب، و بلغ أشدّه، و رزقت برّه.

بيان »شكرت الواهب« جملة دعائية أي رزقك اللّه شكره. و الأشدّ القوّة و فسّر بما بين ثماني عشرة إلى ثلاثين.

 نهج ]و[ بنى رجل من عماله عليه السلام بناء فخما فقال ]علي[ عليه السّلام. أطلعت الورق رءوسها. إنّ البناء ليصف لك الغنى.

بيان قال الجوهري رجل فخم أي عظيم القدر. و قال الورق الدراهم المضروبة.

 نهج ]و[ قال عليه السلام و قد عزّى الأشعث بن قيس عن ابن له يا أشعث إن تحزن على ابنك فقد استحقّت ذلك منك الرحم، و إن تصبر ففي اللّه من كلّ مصيبة خلف. يا أشعث إن صبرت جرى عليك القدر و أنت مأجور، و إن جزعت جرى عليك و أنت مأزور. بحارالأنوار ج : 34 ص : 310]يا أشعث ابنك[ سرّك و هو بلاء و فتنة، و حزنك و هو ثواب و رحمة.

بيان »إن تحزن« ظاهره جواز الحزن، و لا ينافي كونه مأزورا على الجزع، فإنّ الحزن غير الجزع. و قال الشيخ الرضي رحمه اللّه قولهم »في اللّه من كلّ ما فات خلف« أي في ألطافه. و قال الجوهري الوزر الإثم و الثقل قال الأخفش تقول منه وزر يوزر، و وزر يزر، و وزر يؤزر، فهو موزور. و إنّما قال في الحديث »مأزورات« لمكان »مأجورات«، و لو أفرد لقال موزورات. ]و قوله[ »سرّك« أي الولد. و كونه فتنة لقوله تعالى إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ.

 يج روي أنّ عليا عليه السلام قال يوما لو وجدت رجلا ثقة لبعثت معه بمال إلى المدائن إلى شيعتي. فقال رجل في نفسه لآتينّه و لأقولنّ أنا أذهب بالمال فهو يثق بي، فإذا أخذته أخذت طريق الشام إلى معاوية، فجاء إلى عليّ عليه السلام فقال يا أمير المؤمنين أنا أذهب بالمال، فرفع رأسه إليّ و قال إليك عنّي تأخذ طريق الشام إلى معاوية.

 نهج ]و[ قيل إنّ الحارث بن حوط أتاه عليه السلام فقال بحارالأنوار ج : 34 ص : 311أ تراني ]أظنّ أنّ[ أصحاب الجمل كانوا على ضلالة فقال عليه السلام يا حار إنّك نظرت تحتك و لم تنظر فوقك فحرت، إنّك لم تعرف الحقّ فتعرف أهله، و لم تعرف الباطل فتعرف من أتاه. فقال الحارث فإنّي أعتزل مع سعد بن مالك و عبد اللّه بن عمر، فقال عليه السلام إنّ سعدا و عبد اللّه لم ينصرا الحقّ و لم يخذلا الباطل.

بيان قال الراوندي الصحيح »ابن حوط« بالحاء المهملة المفتوحة و ]وجدت[ بخطّ الرضي بالمعجمة المضمومة. و ]قوله[ »يا حار« في بعض النسخ بضمّ الراء و في بعضها بكسرها. ]قوله عليه السلام[ »نظرت تحتك« أي إلى الأمر الظاهر الذي يستولي عليه فكرك و نظرك و هو خطّة قتال أهل القبلة، و لم تنظر إلى الأمر العالي الذي هو فوق نظرك من وجوب قتالهم لبغيهم على الإمام العادل. و قيل أي نظرت في أعمال الناكثين من أصحاب الجمل المتمسّكين بظاهر الإسلام الذين هو دونك في المرتبة لبغيهم، فاغتررت بشبهتهم و لم تنظر إلى من هو فوقك و هو إمامك الواجب الطاعة و من تبعه من المهاجرين و الأنصار. و قيل نظره تحته كناية عن نظره إلى باطل شبهتهم المكتسبة عن محبّة الدنيا التي هي الخيبة، و نظره فوقه كناية عن نظره إلى الحقّ و تلقّيه من اللّه. و سعد بن مالك هو ابن أبي وقّاص. ]قوله عليه السلام[ »و لم يخذلا الباطل« أي ما سعيا في محق الباطل، و ليس يعني بالخذلان عدم المساعدة. و قيل هو من قولهم »خذلت الوحشية« إذا قامت على ولدها أي لم بحارالأنوار ج : 34 ص : 312يقيما عليه و لم ينصراه.

1083-  كتاب الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي بإسناده عن زاذان قال انطلقت مع قنبر إلى عليّ عليه السلام فقال قم يا أمير المؤمنين فقد خبأت لك خبيئة. قال فما هو قال قم معي فقام فانطلق إلى بيته فإذا باسنة مملوءة جامات من ذهب و فضّة فقال يا أمير المؤمنين إنّك لا تترك شيئا إلّا قسمته فادّخرت هذا لك. قال عليّ عليه السلام لقد أحببت أن تدخل بيتي نارا كثيرة فسلّ سيفه فضربها فانتثرت من بين إناء مقطوع نصفه أو ثلثه، ثمّ قال اقسموه بالحصص. ففعلوا و جعل ]علي[ يقول

هذا جناي و خياره فيه إذ كلّ جان يده إلى فيه

]ثمّ قال[ يا بيضاء و يا صفراء غرّي غيري قال و في البيت مساك و إبر فقال اقسموا هذا فقالوا لا حاجة لنا فيه قال و كان يأخذ من كلّ عامل مما يعمل و الذي نفسي بيده لتأخذنّ شرّه مع خيره

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 313 و عن حبيب بن أبي ثابت أنّه قال قال عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب لعليّ عليه السلام يا أمير المؤمنين لو أمرت لي بمعونة أو نفقة فو اللّه ما عندي ]نفقة[ إلّا أن أبيع بعض علوفي. قال له لا و اللّه ما أجد لك شيئا إلّا أن تأمر عمّك أن يسرق فيعطيك.

بيان »فإذا باسنة« كذا في نسخ ]كتاب[ الغارات. و ]قال الفيروزآبادي[ في القاموس الباسنة جوالق غليظ من مشاقة الكتان. انتهى. و يحتمل أن يكون ]»فإذا بأشنّة«[ بالشين المعجمة جمع الشّنّ ]و هي القربة[. و في رواية ابن أبي الحديد »فإذا بغرارة« و هي الجوالق. و المساك جمع مسك بالتحريك و هي الأسورة و الخلاخل من القرون و العاج. و في رواية ابن أبي الحديد »]و في البيت[ مسك« و هو أظهر. و العلوفة الناقة أو الشاة تعلفها و لا ترسلها فترعى. و في بعض النسخ ]»علوقي«[ بالقاف و هو ما يعلق به الإنسان كناية عن الثياب، و اسم لنوع من الناقة أيضا. و في رواية ابن أبي الحديد »إلّا أن أبيع دابّتي«.

 يج روي أنّ الأشعث بن قيس استأذن على عليّ عليه السلام بحارالأنوار ج : 34 ص : 314فردّه قنبر، فأدمى أنفه فخرج علي عليه السلام و قال ما ذاك يا أشعث أما و اللّه لو بعبد ثقيف مررت لاقشعرت شعيرات استك قال و من غلام ثقيف قال غلام يليهم لا يبقى بيت من العرب إلّا أدخلهم الذلّ. قال كم يلي قال عشرين إن بلغها. ]ثم[ قال الراوي و لي الحجّاج سنة خمس و سبعين و مات سنة خمس و تسعين.

 يج و روى جميع بن عمير قال اتّهم عليّ عليه السلام رجلا يقال له العيزار برفع أخباره إلى معاوية، فأنكر ذلك و جحد فقال لتحلف باللّه إنّك ما فعلت قال نعم، و بدر يحلف. فقال ]له علي[ إن كنت كاذبا فأعمى اللّه بصرك. ]قال[ فما دارت الجمعة حتّى أخرج أعمى يقاد، قد أعمى اللّه بصره.

 ما جماعة عن أبي المفضّل عن محمد بن القاسم بن زكريا عن عبّاد بن يعقوب، عن مطر بن أرقم عن الحسن بن عمرو الفقيمي عن صفوان بن قبيصة، عن الحارث بن سويد عن عبد اللّه بن مسعود قال قرأت على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله سبعين سورة من القرآن أخذتها من فيه، و زيد ]بن ثابت[ ذو ذؤابتين يلعب مع الغلمان، و قرأت سائر أو قال بحارالأنوار ج : 34 ص : 315بقيّة القرآن على خير هذه الأمّة، و أقضاهم بعد نبيّهم صلّى اللّه عليه و آله عليّ بن أبي طالب.

 ما جماعة عن أبي المفضّل عن عبد اللّه بن محمد بن عبد العزيز عن شريح بن يونس، عن هيثم بن بشير عن يعلى بن عطاء عن عبد اللّه بن نافع أنّ أبا موسى ]الأشعري[ عاد الحسن بن عليّ عليه السلام، فقال عليّ عليه السلام أما إنّه لا يمنعنا ما في أنفسنا عليك أن نحدّثك بما سمعنا ]سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال[ إنّه من عاد مريضا شيّعه سبعون ألف ملك، كلّهم يستغفر له إن كان مصبحا حتّى يمسي، و إن كان ممسيا حتّى يصبح، و كان له خريف في الجنّة.

1093-  كتاب الغارات عن قدم الضبّي قال بعث عليّ عليه السلام إلى لبيد بن عطارد التميمي ليجاء به، فمرّ ]الذي أخذه إلى أمير المؤمنين[ بمجلس من مجالس بني أسد و فيه نعيم بن بحارالأنوار ج : 34 ص : 316دجاجة، فقام نعيم فخلّص الرجل، فأتوا أمير المؤمنين عليه السلام فقالوا أخذنا الرجل فمررنا به على نعيم بن دجاجة فخلّصه و كان نعيم من شرطة الخميس فقال عليّ بنعيم. ]فأتى به[ فأمر به أن يضرب ضربا مبّرحا، فلمّا ولّوا به ]إلى السجن[ قال يا أمير المؤمنين إن المقام معك لذلّ و إنّ فراقك كفر. قال إنّه لكذاك قال نعم. قال خلّوا سبيله.

 و عن الفضل بن دكين عن الحسن بن حيّ عن ابن أبي ليلى قال إنّ عليا عليه السلام رزق شريحا القاضي خمس مائة.

 و عن إسماعيل بن أبان عن عمرو بن شمر عن سالم الجعفي عن الشعبي قال وجد علي عليه السلام درعا له عند نصراني فجاء به إلى شريح يخاصمه إليه، ]فلما نظر إليه[ ذهب يتنحّى، فقال مكانك. و جلس إلى جنبه و قال يا شريح أما لو كان خصمي مسلما ما جلست إلّا معه، و لكنّه نصراني، و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا كنتم و إيّاهم في طريق فألجئوهم إلى مضائقة، و صغّروا بهم كما صغّر اللّه بهم في غير أن تظلموا. ثمّ قال عليّ عليه السلام إنّ هذه درعي لم أبع و لم أهب. فقال النصراني ما الدرع إلّا درعي، و ما أمير المؤمنين عندي بكاذب. فالتفت شريح إلى عليّ عليه السلام فقال يا أمير المؤمنين هل من بيّنة قال لا. فقضى بها ]شريح[ للنصراني. ]فأخذها النصراني[ فمشى هنيئة ثم أقبل، فقال أمّا أنا فأشهد أنّ هذه أحكام النبيين، ]أمير المؤمنين[ يمشي إلى قاضيه و قاضيه يقضي عليه أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، و أنّ محمدا عبده و رسوله، الدرع و اللّه درعك يا أمير المؤمنين. قال أمّا إذا أسلمت فهي لك و حمله على فرس.

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 317قال الشعبي فأخبرني من رآه يقاتل مع علي عليه السلام الخوارج بالنهروان.

 و عن أبي عمرو الكندي قال كنّا ذات يوم عند عليّ فوافق الناس منه طيب نفس و مزاج، فقالوا يا أمير المؤمنين حدّثنا عن أصحابك. قال عن أيّ أصحابي تسألونني قالوا عن أصحاب محمد صلّى اللّه عليه و آله. قال كلّ أصحاب محمد صلّى اللّه عليه و آله أصحابي، فعن أيّهم تسألونني قالوا عن الذين رأيناك تلطفهم بذكرك و بالصلاة عليهم دون القوم. قال عن أيّهم قالوا حدّثنا عن عبد اللّه بن مسعود قال قرأ القرآن و علم السنّة و كفى بذلك. قالوا فو اللّه ما درينا بقوله »و كفى بذلك« كفى بقراءة القرآن و علم السنّة أم كفى بعبد اللّه. قال فقلنا حدّثنا عن أبي ذرّ. قال كان يكثر السؤال فيعطي و يمنع، و كان شحيحا حريصا على دينه، حريصا على العلم الجزم، قد ملئ في وعاء له حتّى امتلأ وعاؤه علما عجز فيه. قال فو اللّه ما درينا بقوله »عجز فيه« أعجز عن كشفه ما كان عنده أو عجز عن مسألته. قلنا حدّثنا عن حذيفة بن اليمان قال علم أسماء المنافقين، و سأل عن المعضلات حين غفل ]غيره[ عنها، و لو سألوه لوجدوه بها عالما. قالوا فحدّثنا عن سلمان الفارسي قال من لكم بمثل لقمان الحكيم و ذلك امرؤ منّا و إلينا أهل البيت، أدرك العلم الأوّل و أدرك العلم الآخر، و قرأ بحارالأنوار ج : 34 ص : 318الكتاب الأوّل و قرأ الكتاب الآخر بحر لا ينزف. قلنا فحدّثنا عن عمّار بن ياسر قال ذلك امرؤ خالط اللّه الإيمان بلحمه و دمه و شعره و بشره حيث زال ]الحقّ[ زال معه، و لا ينبغي للنار أن تأكل منه شيئا. قلنا فحدّثنا عن نفسك قال مهلا، نهانا اللّه عن التزكية. ]ف[ قال له رجل فإنّ اللّه يقول وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ قال فإنّي أحدّث بنعمة ربّي. كنت و اللّه إذا سألت أعطيت، و إذا سكتّ ابتديت، و إنّ تحت الجوانح منّي علما جمّا فاسألوني. فقام إليه ابن الكوّاء. فسأله عن مسائل أوردناها في محالّها ]من هذا الكتاب[.

 و عن النعمان بن سعد قال رأيت عليا عليه السلام على المنبر يقول أين الثمودي فطلع الأشعث فأخذ كفّا من الحصا و ضرب وجهه فأدماه، و انجفل و انجفل الناس معه و يقول ترحا لهذا الوجه ترحا لهذا الوجه.

بيان الترح ضدّ الفرح. و الهلاك و الانقطاع. بحارالأنوار ج : 34 ص : 319

 و في ]كتاب[ الغارات عن عبّاد بن عبد اللّه الأسدي، قال كنت جالسا يوم الجمعة و عليّ عليه السلام يخطب على منبر من آجر، و ابن صوحان جالس فجاء الأشعث فقال يا أمير المؤمنين غلبتنا هذه الحمراء على وجهك فغضب ]عليّ عليه السلام[ فقال ]صعصعة[ ليبيّن اليوم من أمر العرب ما كان يخفى فقال عليّ عليه السلام من يعذرني عن هؤلاء الضياطرة، يقبل أحدهم يتقلّب على حشاياه، و يهجّر قوم لذكر اللّه، فيأمرني أن أطردهم فأكون من الظالمين. و الذي فلق الحبّة و برأ النسمة، لقد سمعت محمّدا صلّى اللّه عليه و آله يقول ليضربنكم و اللّه على الدّين عودا كما ضربتموهم عليه بدءا.

 قال مغيرة كان علي عليه السلام أميل إلى الموالي و ألطف بهم، ]و[ كان عمر أشدّ تباعدا منهم.

بيان قال الجزري في ]مادة »حمر« من كتاب النهاية[ حديث عليّ عليه السلام »غلبتنا عليك هذه الحمراء«. يعنون العجم و الروم. و العرب تسمّي الموالي الحمراء. و ]أيضا[ قال ]الجزري[ في ]مادة »حشى« و »ضيطرة«[ و في حديث عليّ »من يعذرني من هؤلاء الضياطرة يتخلّف أحدهم يتقلّب على حشاياه« الضياطرة هم الضخام الذين لا غناء عندهم. الواحد ضيطار، و الياء زائدة. و الحشايا الفرش واحدها حشيّة بالتشديد. انتهى. أقول »يهجّر« على التفعيل بمعنى السير في الهاجرة، قال ]ابن الأثير[ في النهاية ]و[ منه حديث زيد بن عروة »هل مهجّر كمن قال« أي بحارالأنوار ج : 34 ص : 320هل من سار في الهاجرة كمن نام في القائلة

 نهج ]و[ قال عليه السلام لكاتبه عبيد اللّه بن أبي رافع ألق دواتك، و أطل جلفة قلمك، و فرّج بين السطور، و قرمط بين الحروف، فإنّ ذلك أجدر بصباحة الخطّ.

بيان قال الجوهري لاقت الدواة تليق أي لصقت. و لقتها أنا يتعدّى و لا يتعدّى فهي مليقة إذا أصلحت مدادها، و ألقتها إلّاقة لغة فيه. و قال الجلف القشر يقال جلفت الطين عن رأس الدّن أجلفه بالضمّ. و جلفت الشي‏ء قطعته و استأصلته. و قال ابن أبي الحديد الجلفة هيئة فتحة القلم، و أصله القشر.

 نهج ]و[ قال أمير المؤمنين عليه السلام يأتي على النّاس زمان، لا يبقى فيهم من القرآن إلّا رسمه، و من الإسلام إلّا اسمه، مساجدهم يومئذ عامرة من البناء، خراب من الهدى، سكانها و عمّارها شرّ أهل الأرض، منهم تخرج الفتنة، و إليهم تأوي الخطيئة. يردّون من شذّ عنها فيها، و يسوقون من تأخّر عنها إليها، يقول اللّه سبحانه »فبي حلفت لأبعثنّ على أولئك فتنة أترك الحكيم فيها حيران«. و قد فعل، و نحن نستقيل اللّه عثرة الغفلة.

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 321بيان ]قوله عليه السلام[ »إلّا رسمه« أي كتابته دون العمل به و تلاوته كما ينبغي. و قيل رسم القرآن تلاوته و هو أثره. ]قوله عليه السلام[ »و إليهم تأوي« كناية عن شدّة ملازمتهم لها، أو عن رجوع آثامها إليهم، لكونهم سبب شيوعها في النّاس و الضمائر المؤنّثة إمّا راجعة إلى الفتنة أو الخطيئة. و قيل ينبغي أن يكون ]عليه السلام[ قد قال هذا الكلام في أيّام خلافته لأنّها كانت أيّام السيف المسلّط على أهل الضلال من المسلمين، و كذلك ما بعثه اللّه عزّ و جلّ على بني أميّة و أتباعهم من سيوف بني هاشم، بعد انتقاله عليه السلام ]إلى اللّه[، و على هذا ينبغي أن يحمل قوله عليه السلام »و قد فعل« على دنوّ وقوع الفعل، أو أنّه قضي في علم اللّه و قدّر حتما. أو يكون قوله عليه السلام »يأتي على الناس زمان« بمعنى أنّ مثل ذلك من الأمور الممكنة التي تجري على الخلق، و إن كان قد وقع. و يمكن أن يكون إخبارا عن وقوع الأمور في آخر الزمان، و يحمل قوله »و قد فعل« على أحد الوجهين، و يكون الحكم بدنوه مثل قوله تعالى » اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ« [1-  القمر 54].

 ]نهج[ و قال عليه السّلام لغالب بن صعصعة أبي الفرزدق في كلام دار بينهما ما فعلت إبلك الكثيرة فقال ذعذعتها الحقوق يا أمير المؤمنين. فقال عليه السّلام ذاك أحمد سبلها.

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 322بيان »ما فعلت إبلك« أي كيف تلفت ]أو ما شأنها هل هي على حالها، أم طرأت عليها الزيادة و النقيصة[. ]و[ »ذعذعتها الحقوق« أي فرّقتها المصارف الضرورية من الزكاة و الجهاد و نوائب القبيلة و أمثالها. و ]قوله عليه السلام[ »أحمد ]سبلها[« من المبنيّ للمفعول.

1117-  كتاب الغارات بإسناده عن عليّ بن النعمان قال قال عليّ عليه السلام لئن ملكت لأرمينّه بالحجارة. يعني المغيرة ]بن شعبة[ و كان ينتقص عليا عليه السلام.

 و عن جندب بن عبد اللّه قال ذكر المغيرة بن شعبة عند عليّ عليه السلام فقال و ما المغيرة إنّما كان سبب إسلامه لفجرة و غدرة لمطمئنّين إليها ركبها منهم فهرب، فأتى النبي صلّى اللّه عليه و آله كالعائذ بالإسلام و اللّه ما رأى ]أحد[ عليه من ادّعاء الإسلام خضوع و لا خشوع. ألّا و إنّه كان من ثقيف فراعنة يجانبون الحقّ و يسعرون نيران الحرب و يوازرون الظّالمين. ألا لأنّ ثقيفا قوم غدر لا يوفون بعهد، يبغضون العرب، كأنّهم ليسوا منهم و لربّ صالح قد كان فيهم منهم عروة بن مسعود و أبو عبيد بن مسعود. و أمّا الوليد بن عقبة فهو الذي سمّاه اللّه في كتابه فاسقا، و هو أحد الصبية الذين بشرّهم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بالنار و ]قد[ قال شعرا يردّ على النبيّ بحارالأنوار ج : 34 ص : 323صلّى اللّه عليه و آله قوله حيث قال في عليّ عليه السلام »إن تولّوه تجدوه هاديا مهديا يسلك بكم الطريق المستقيم« فقال ]الوليد في ردّ هذا القول[

فإن يك قد ضل البعير بحمله فلم يك مهديّا و لا كان هاديا

فهو من مبغضي عليّ عليه السلام و أعدائه و أعداء النبي صلّى اللّه عليه و آله لأنّ أباه قتله النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بيد عليّ صبرا يوم بدر بالصفراء.

 و عن مغيرة الضبيّ قال مرّ ناس بالحسن بن عليّ عليه السلام و هم يريدون عيادة الوليد بن عقبة، و هو في علّة شديدة، فأتاه الحسن عليه السلام معهم عائدا، فقال للحسن عليه السلام »أتوب إلى اللّه مما كان بيني و بين جميع الناس، إلّا ما كان بيني و بين أبيك« يقول أي لا أتوب منه.

قال إبراهيم و لحق بمعاوية يزيد بن حجيّة، و وائل بن حجر الحضرمي، و مصقلة بن هبيرة الشيباني، و القعقاع بن شور، و طارق بن عبد اللّه، و النجاشي الشاعر. و كان أصحابه لمّا نزل بقلوبهم من الفتنة و البلاء و الركون إلى الدنيا، يغدرون و يختانون مال الخراج و يهربون إلى معاوية.

 و عن الأعمش قال كان عليّ عليه السلام يولّيهم الولاية و الأعمال فيأخذون ]ما يقدرون عليه من الأموال[ و يهربون إلى معاوية، منهم المنذر بن الجارود العبدي. قال كان علي عليه السّلام ولّى المنذر بن الجارود فارسا فاحتاز مالا من الخراج. قال ]و[ كان المال أربع مائة ألف درهم، فحبسه عليّ عليه السّلام فشفّع فيه صعصعة بن صوحان إليه عليه السلام، و قام بأمره و خلصّه، و كان صعصعة من مناصحيه عليه السلام.

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 324 قال الأسود بن قيس جاء عليّ بن أبي طالب عليه السلام عائدا صعصعة فدخل عليه فقال له يا صعصعة لا تجعلنّ عيادتي إليك أبّهة على قومك. فقال لا و اللّه يا أمير المؤمنين، و لكن نعمة و شكرا. فقال له علي عليه السلام إن كنت ما علمت لخفيف المئونة عظيم المعونة. فقال صعصعة و أنت و اللّه يا أمير المؤمنين ما علمت بكتاب اللّه لعليم، و إنّ اللّه في صدرك لعظيم، و إنّك بالمؤمنين لرءوف رحيم.

و منهم يزيد بن حجيّة. أقول و ذكر أحواله و أحوال جماعة من الفارّين الخاذلين، أوردنا ]سابقا[ أحوالهم برواية ابن أبي الحديد عنه و عن غيره. ثمّ قال ]صاحب الغارات[ و منهم الهجنّع عبد اللّه بن عبد الرحمن بن مسعود الثقفي شهد مع علي عليه السلام صفّين، و كان في أوّل أمره مع معاوية ثمّ صار إلى علي ثم رجع بعد إلى معاوية سمّاه علي عليه السلام الهجنّع. و الهجنّع الطويل. و منهم القعقاع بن شور،

 حدّثنا جرير بن عبد الحميد عن ]أبي[ إسحاق الشيباني قال قال علي عليه السلام تسألوني المال و قد استعملت القعقاع بن شور على كسكر، فأصدق امرأته بمائة ألف و ايم اللّه لو كان كفوا ]لها[ ما أصدقها ذلك

 و عن ميسرة قال قال عليّ عليه السلام قاتلوا أهل الشام مع كلّ إمام بعدي.

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 325و عن الواقدي قال إنّ عمرو بن ثابت الذي روى عن أبي أيّوب حديث »ستة أيّام من شوّال« كان يركب بالشام في القرى، فإذا دخل قرية جمع أهلها ثمّ يقول أيّها الناس إنّ عليّ بن أبي طالب كان رجلا منافقا، أراد أن ينفّر برسول اللّه صلّى اللّه عليه ليلة العقبة فالعنوه. قال فيلعنه أهل تلك القرى ثم يسير إلى الأخرى، فيأمرهم بمثل ذلك. و عن الحسن بن الحرّ قال لقيت مكحولا فإذا هو مملوء بغضا لعلي عليه السلام، فلم أزل به حتّى لان أو سكن. و عن محمد بن عبد اللّه بن قارب قال إنّي عند معاوية لجالس إذ جاء أبو موسى فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين. قال ]معاوية[ و عليك السلام. فلمّا تولّى قال و اللّه لا يلي على اثنين حتّى يموت. و كان أبو بكرة ]نفيع بن الحارث[ لمّا قدم علي عليه السلام البصرة لقي الحسن بن أبي الحسن، و هو متوجّه نحو علي عليه السلام فقال ]له[ إلى أين قال إلى عليّ عليه السلام. قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول ستكون بعدي فتنة النائم فيها خير من القاعد، و القاعد فيها خير من القائم. ]قال الحسن[ فلزمت بيتي، فلمّا كان بعد لقيت جابر بن عبد اللّه و أبا سعيد فقالوا أين كنت. فحدّثتهم بما قال أبو بكرة فقالوا لعن اللّه أبا بكرة إنّما قال النبي صلّى اللّه عليه و آله ]ذلك[ لأبي موسى »تكون بعدي فتنة أنت فيها نائم خير منك قاعد، و أنت فيها قاعد خير منك ساع«. و قال لمّا دخل معاوية الكوفة دخل أبو هريرة المسجد، فكان يحدّث بحارالأنوار ج : 34 ص : 326و يقول قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و قال أبو القاسم و قال خليلي. فجاءه شابّ من الأنصار يتخطّى الناس حتّى دنا منه، فقال يا أبا هريرة حديث أسألك عنه فإن كنت سمعته من النّبي صلّى اللّه عليه و آله حدّثنيه، أنشدك باللّه ]أ[

 سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يقول لعليّ »من كنت مولاه فعلي مولاه اللّهم وال من والاه و عاد من عاداه«

قال أبو هريرة نعم و الذي لا إله إلّا هو لسمعته من النبي صلّى اللّه عليه يقول لعليّ »من كنت مولاه فعليّ مولاه اللّهم وال من والاه و عاد من عاداه«. فقال له الفتى لقد و اللّه واليت عدوّه و عاديت وليّه ]قال[ فتناول بعض الناس الشّابّ بالحصى، و خرج أبو هريرة فلم يعد إلى المسجد حتّى خرج من الكوفة.

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 327

]الباب الخامس و الثّلاثون[

 باب النّوادر

 كنز الفوائد للكراجكي ]قال[ حدّثني الشريف أبو الحسن طاهر بن موسى الحسيني عن ميمون بن حمزة الحسيني قال رأيت المعمّر المغربي، و قد أتي به إلى الشّريف أبي عبد اللّه محمد بن إسماعيل سنة عشر و ثلاثمائة و أدخل إلى داره و معه خمسة رجال أغلقت الدار و ازدحم الناس، و حرصت في الوصول إلى الباب فما قدرت لكثرة الزحام فرأيت بعض غلمان الشريف أبي عبد اللّه محمد بن إسماعيل و هما قنبر و فرّخ و عرّفتهما أنّي أشتهي أن أنظره فقالا لي در إلى باب الحمام بحيث لا يدرى بك. فصرت إليه ففتحا لي سرّا و دخلت و أغلقت الباب، و حصلت في مسلخ الحمام فإذا قد فرش له ليدخل الحمام فجلست يسيرا فإذا به قد دخل، و هو رجل نحيف الجسم، ربع من الرجال، خفيف العارضين، آدم اللون، إلى القصر ]أقرب[ ما هو، أسود الشعر يقدّر الإنسان أنّ له نحوا من الأربعين سنة، و في صدغيه أثر كأنّه ]أثر[ بحارالأنوار ج : 34 ص : 328ضربة، فلمّا تمكّن من الجلوس و النفر معه و أراد خلع ثيابه قلت له ما هذه الضربة فقال أردت أن أناول مولاي أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام السوط يوم النهروان فقص الفرس رأسه فضربني باللّجام و كان حديدا فشجّني. فقلت له أدخلت هذه البلدة قديما فقال نعم و كان موضع جامعكم السفلاني مبصلة و فيه بئر. فقلت هؤلاء أصحابك فقال ]هم[ ولدي و ولد ولدي. ثمّ دخل الحمّام فجلست حتّى خرج و لبس ثيابه، فرأيت عنفقته قد ابيضّت، فقلت له ]أ[ كان بها صباغ قال لا و لكن إذا جعت ابيضّت و إذا شبعت اسودّت فقلت قم ]و[ ادخل الدار حتّى تأكل. فدخل الباب.

 1119-  و روى الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد اللّه بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام أنّه حجّ في تلك السنة و فيها حجّ نصر القشوري صاحب المقتدر قال فدخلت مدينة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و أصبت فيها قافلة البصريين و فيها أبو بكر محمد بن علي البادراني، و معه رجل من أهل المغرب يذكر أنّه رأى أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و ازدحم عليه الناس و جعلوا يتمسّحون به و كادوا يقتلونه. قال فأمر عمّي أبو القاسم طاهر بن يحيى فتيانه و غلمانه أن يفرّجوا عنه ففعلوا، و دخلوا به إلى دار ابن سهل اللطفي، و كان طاهر يسكنها، و أذن للناس فدخلوا، و كان معه خمسة رجال ذكر أنّهم أولاده و أولاده، فيهم شيخ له نيّف و ثمانون سنة، فسألناه عنه فقال هذا ابني. و ]كان فيهم[ اثنان ]آخران[ لكلّ واحد منهما ستّون سنة أو خمسون سنة، و آخر له سبعون سنة فقال هذا ابن ابني. و ]فيهم[ آخر له ستّ عشرة سنة فقال هذا ابن ابن ابني، و لم يكن له أصغر منه، و كان إذا رأيته قلت هذا ابن ثلاثين أو أربعين سنة، أسود الرأس و اللحية، شابّ نحيف الجسم، آدم، ربع القامة و خفيف العارضين، هو إلى القصر أقرب، و اسمه علي بن عثمان بن الخطاب. بحارالأنوار ج : 34 ص : 329فممّا سمعت من حديثه الذي حدّث الناس به أنّه قال خرجت من بلدي أنا و أبي و عمّي نريد الوفود على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و كنّا مشاة في قافلة، فانقطعنا عن الناس، و اشتدّ بنا العطش و عدمنا الماء، و زاد بأبي و عمّي الضعف فأقعدتهما إلى جانب شجرة و مضيت ألتمس لهما ماء فوجدت عينا حسنة و فيها ماء صاف في غاية البرد و الطيبة، فشربت حتّى ارتويت، ثمّ نهضت لآتي بأبي و عمي إلى العين فوجدت أحدهما قد مات فتركته بحاله، و أخذت الآخر و مضيت في طلب العين، فاجتهدت إلى أن أراها فلم أرها و لا عرفت موضعها، و زاد العطش به حتّى مات، فحرصت في أمره حتّى واريته، و عدت إلى الآخر فواريته أيضا. و سرت وحدي إلى أن انتهيت إلى الطريق و لحقت بالناس و دخلت المدينة، و كان دخولي إليها في اليوم الذي قبض فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فرأيت الناس منصرفين من دفنه فكانت أعظم الحسرات دخلت بقلبي، و وافى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام فحدّثته حديثي فأخذني و أقمت معه مدّة خلافة أبي بكر و عمر و عثمان، و في أيّام خلافته حتّى قتله عبد الرحمن بن ملجم بالكوفة. قال و لمّا حوصر عثمان بن عفّان في داره، دعاني و دفع إلي كتابا و نجيبا و أمرني بالخروج إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، و كان عليّ عليه السلام غائبا ب »ينبع« في ضياعه و أمواله، فأخذت الكتاب و ركبت النجيب و سرت حتّى إذا كنت بموضع يقال له جنان أبي عباية، سمعت قرآنا فإذا أمير المؤمنين ]عليه السلام[ يقرأ أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ قال فلمّا نظر إليّ قال يا أبا الدنيا ما وراءك قلت هذا كتاب عثمان فقرأه فإذا فيه

فإن كنت مأكولا فكن خير آكل و إلّا فأدركني و لمّا أمزّق

فلمّا قرأه قال سرسر. فدخلنا المدينة ساعة قتل عثمان، فمال أمير المؤمنين عليه السلام إلى حديقة بني النّجار، و علم الناس بمكانه فجاءوا إليه

بحارالأنوار ج : 34 ص : 330

ركضا و قد كانوا عازمين على أن يبايعوا طلحة، فلمّا نظروا إليه ارفضوا من طلحة ارفضاض الغنم يشدّ عليها السبع. فبايعه طلحة و الزبير فتابع المهاجرون و الأنصار يبايعونه، فأقمت معه أخدمه. و حضرت معه صفّين أو قال النّهروان فكنت عن يمينه إذ سقط السّوط من يده، فانكببت لآخذه و أرفعه إليه، و كان لجام دابّته حديدا مدمجا فشجّني هذه الشّجّة فدعاني أمير المؤمنين عليه السلام فتفل فيها و أخذ حفنة من تراب فتركها عليها، فو اللّه ما وجدت ألما و لا وجعا، ثمّ أقمت معه حتّى قتل عليه السلام. و صحبت الحسن ]بن عليّ عليه السلام[ حتّى ضرب بالساباط و حمل إلى المدائن، و لم أزل معه بالمدينة حتّى مات مسموما، سمّته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي )لعنة اللّه عليهما(. ثمّ خرجت مع الحسين عليه السلام بكربلاء، و قتل عليه السلام فهربت بديني، و أنا مقيم بالمغرب أنتظر خروج المهدي، و ظهور عيسى ابن مريم عليهما السلام. قال الشريف أبو محمد حسن بن محمد الحسيني و مما رأيت من هذا الشيخ علي بن عثمان، و هو إذ ذاك في دار عمّي طاهر بن يحيى و يحدّث أحاديثه، و بدء خروجه إذ نظرت إلى عنفقته فرأيتها قد احمرت ثمّ ابيضّت، فجعلت أنظر إلى ذلك لأنّه لم يكن في لحيته و لا رأسه و لا عنفقته بياض، فنظر إليّ ]و أنا[ أنظر إليه فقال ما ترون إنّ هذا يصيبني إذا جعت فإذا شبعت رجعت إلى سوادها، فدعا عمّي بطعام فأخرج من داره ثلاث موائد فوضعت بين يديه، و كنت أنا ممن جلس معه عليها و جلس عمي معه، فكان يأكل و يلقمه فأكل آكل شابّ و عمّي يحلف عليه، و أنا أنظر إلى عنفقته تسودّ حتّى عادت إلى سوادها و شبع.

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 331

1134-  ثم قال ]الكراجكي[ و حدّثني القاضي أسد بن إبراهيم السلمي و الحسين بن محمد الصيرفي، جميعا عن محمد بن محمد المعروف بالمفيد عن علي بن عثمان المعروف بأبي الدنيا الأشجّ المعمّر قال سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول كلمة الحقّ ضالّة المؤمن، حيث وجدها فهو أحقّ بها.

 و بهذا الإسناد قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول أحبب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك يوما ما، و أبغض بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوما ما.

 و بالإسناد قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله طوبى لمن رآني أو رأى من رآني أو رأى من رأى من رآني.

 و بالإسناد إلى أمير المؤمنين قال عهد إلى النّبي الأميّ أنّه لا يحبّك إلّا مؤمن و لا يبغضك إلّا منافق.

 و بالإسناد قال قال علي ]عليه السلام[ في الزّنا ستّ خصال ثلاث في الدنيا و ثلاث في الآخرة. فأمّا اللواتي في الدنيا فيذهب بنور الوجه، و يقطع الرزق، و يسرع الفناء. و أمّا اللّواتي في الآخرة فغضب الربّ عزّ و جلّ، و سوء الحساب، و الدخول في النار.

 و بالإسناد قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من كذب عليّ متعمّدا فليتبوأ مقعده من النار.

 و بالإسناد قال قال عليه السلام لمّا نزلت وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله سألت اللّه عزّ و جلّ أن يجعلها أذنك بحارالأنوار ج : 34 ص : 332يا عليّ.

 و بالإسناد قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا تتّخذوا قبري عيدا، و لا تتّخذوا قبوركم مساجد، و لا بيوتكم قبورا، و صلّوا عليّ حيث كنتم فإنّ صلاتكم تبلغني و تسليمكم يبلغني.

 و بالإسناد عن عليّ عليه السلام قال ما رمدت و لا صدعت منذ يوم دفع إلي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الراية يوم خيبر.

 و بالإسناد عن أمير المؤمنين عليه السلام قال من جلس في مجلسه ينتظر الصّلاة فهو في صلاة، و صلّت عليه الملائكة، و صلاتهم عليه اللّهمّ اغفر له اللهمّ ارحمه.

 و بالإسناد قال كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا يحجبه و لا يحجزه عن قراءة القرآن إلّا الجنابة.

 و بالإسناد قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الحرب خدعة.

 و بالإسناد قال قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الدين قبل الوصيّة، و أنتم تقرءون مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ. و إنّ أعيان بني الأمّ يتوارثون دون بني العلّات، يرث الرجل أخاه لأبيه و أمّه دون أخيه لأبيه.

 قال أبو بكر المعروف بالمفيد رأيت أثر الشجّة في وجهه ]حينما لقيته[ و قال أخبرت أمير المؤمنين عليه السلام بحديثي و قصتي في سفري و موت أبي بحارالأنوار ج : 34 ص : 333و عمي و العين التي شربتها منها وحدي فقال هذه عين لم يشرب منها أحد إلّا عمّر عمرا طويلا، فأبشر، ما كنت لتجدها بعد شربك منها. قال أبو بكر و سألت عن الأشجّ أقواما من أهل بلده فقالوا هو مشهور عندنا بطول العمر، يحدّثنا بذلك عن آبائهم عن أجدادهم.

 فأمّا الأحاديث التي رواها عن الأشجّ أبو محمد الحسن بن محمد الحسيني مما لم يروه أبو بكر محمد بن أحمد الجرجرائيّ فهي قال الشريف أبو محمّد حدّثني علي بن عثمان المعروف بالأشجّ ]قال[ حدّثني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من أحبّ أهل اليمن فقد أحبّني و من أبغضهم فقد أبغضني.

 قال و حدّثني أمير المؤمنين عليه السّلام قال قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنا و أنت يا عليّ أبوا هذا الخلق، فمن عقّنا فعليه لعنة اللّه، أمّن يا عليّ فقلت آمين يا رسول اللّه. و قال يا علي أنا و أنت أجيرا هذا الخلق، فمن منعنا أجرنا فعليه لعنة اللّه، أمّن يا علي. ]فقلت آمين يا رسول اللّه[. ]و قال يا علي[ أنا و أنت موليا هذا الخلق، فمن جحدنا ولاءنا و أنكرنا حقّنا فعليه لعنة اللّه، أمّن يا عليّ. فقلت آمين يا رسول اللّه.

بيان قوله »مدمّجا« أي دخل بعضه في بعض. و في بعض النسخ »مزجّجا«. يقال أزججت الرمح أي جعلت له زجّا. و زجّجت المرأة حاجبيها دقّقته و طوّلته. قوله ]صلّى اللّه عليه و آله[ »لا تتّخذوا قبري عيدا« أي عادة بكثرة الزيارة أو مجمعا للأمور. و في سائر الروايات »مسجدا« و هو الظّاهر. بحارالأنوار ج : 34 ص : 334

1156-  و قال ابن أبي الحديد ففي شرح النهج روى جعفر بن سليمان عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال ذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوما لعلي عليه السلام ما يلقى بعده من العنت فأطال، فقال له علي عليه السلام أنشدك اللّه و الرّحم يا رسول اللّه لمّا دعوت اللّه أن يقبضني إليه قبلك فقال كيف أسأله في أجل مؤجّل. قال يا رسول اللّه فعلام أقاتل من أمرتني بقتاله قال على الحدث في الدّين.

 و روى الأعمش عن عمّار الدّهني عن أبي صالح الحنفي عن علي عليه السلام قال قال لنا يوما لقد رأيت اللّيلة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في المنام فشكوت إليه ما لقيت حتّى بكيت، فقال لي انظر. ]فنظرت[ فإذا جلاميد، و إذا رجلان مصفّدان قال الأعمش هما معاوية و عمرو بن العاص قال فجعلت أرضخ رءوسهما ثمّ تعود، ثمّ أرضخ رءوسهما ثم تعود حتّى انتبهت.

 و روى قيس بن الربيع عن يحيى بن هانئ المراديّ عن رجل من قومه يقال له زياد بن فلان قال كنّا في بيت مع علي عليه السلام و نحن شيعته و خواصّه، فالتفت ]علي[ فلم ينكر منّا أحدا فقال إنّ هؤلاء سيظهرون عليكم فيقطعون أيديكم، و يسملون أعينكم. فقال رجل منّا و أنت حيّ يا أمير المؤمنين قال أعاذني اللّه من ذلك. فالتفت فإذا واحد يبكي فقال له يا ابن الحمقاء أ تريد باللّذات في الدنيا الدّرجات في الآخرة إنّما وعد اللّه الصّابرين.

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 335 و روى زرارة بن أعين عن أبيه عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام قال كان علي عليه السلام إذا صلّى الفجر لم يزل معقّبا إلى أن تطلع الشمس، فإذا طلعت اجتمع إليه الفقراء و المساكين و غيرهم من الناس، فيعلّمهم الفقه و القرآن. و كان له وقت يقوم فيه من مجلسه ذلك، فقام يوما فمرّ برجل فرماه بكلمة هجر قال و لم يسمّه محمد بن علي فرجع عوده على بدئه حتّى صعد المنبر، و أمر فنودي الصلاة جامعة، فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال أيّها الناس إنّه ليس شي‏ء أحبّ إلى اللّه و لا أعمّ نفعا من حلم إمام و فقهه، و لا شي‏ء أبغض إلى اللّه و لا أعمّ ضررا من جهل إمام و خرقه. ألا و إنّه من لم يكن له من نفسه واعظ، لم يكن له من اللّه حافظ. ألا و إنّه من أنصف من نفسه، لم يزده اللّه إلّا عزّا. ألا و إنّ الذلّ في طاعة اللّه أقرب إلى اللّه من التعزّز في معصيته. ثمّ قال أين المتكلّم آنفا. فلم يستطع الإنكار فقال ها أنا ذا يا أمير المؤمنين. فقال أما إنّي لو أشاء لقلت. فقال أو تعفو و تصفح فأنت أهل لذلك. فقال عفوت و صفحت. فقيل لمحمد بن علي عليه السلام ما أراد أن يقول. قال أراد أن ينسبه.

 و روى زرارة أيضا قال قيل لجعفر بن محمد عليه السلام إنّ قوما هاهنا ينتقصون عليا عليه السلام. فقال بم ينتقصونه لا أبا لهم و هل فيه موضع نقيصة و اللّه ما عرض لعلي عليه السلام أمران قطّ كلاهما للّه طاعة إلّا عمل بأشدّهما و أشقّهما عليه و لقد كان يعمل العمل كأنّه قائم بين الجنّة و النار، ينظر إلى ثواب هؤلاء فيعمل له، و ينظر إلى عقاب هؤلاء فينتهي له، و إن كان ليقوم إلى الصلاة فإذا بحارالأنوار ج : 34 ص : 336قال وَجَّهْتُ وَجْهِيَ تغيّر لونه حتّى ]كان[ يعرف ذلك في لونه. و لقد أعتق ألف عبد من كدّ يده، يعرق فيه جبينه و يحفى فيه كفّه. و لقد بشّر بعين نبعت في ماله مثل عنق الجزور فقال بشّر الوارث، ثمّ جعلها صدقة على الفقراء و المساكين و ابن السبيل إلى أن يرث اللّه الأرض و من عليها، ليصرف اللّه النار عن وجهه.

 و روى القنّاد عن أبي مريم الأنصاري عن عليّ عليه السلام قال لا يحبّني كافر و لا ولد زنا.

 قال و روى أبو غسّان النهدي قال دخل قوم من الشيعة على علي في الرّحبة و هو على حصير خلق فقال ]لهم[ ما جاء بكم قالوا حبّك يا أمير المؤمنين. قال أما إنّه من أحبّني رآني حيث يحبّ أن يراني، و من أبغضني رآني حيث يكره أن يراني. ثمّ قال ما عبد اللّه أحد قبلي إلّا نبيّه، و لقد هجم أبو طالب علينا و أنا و هو ساجدان فقال أو فعلتموها ثمّ قال لي و أنا غلام ويحك، انصر ابن عمّك، ويحك لا تخذله. و جعل يحثّني على مؤازرته و مكانفته.

 و روى جابر الجعفي عن علي عليه السلام قال من أحبّنا أهل البيت فليستعدّ عدّة للبلاء.

 و روى أبو الأحوص عن أبي حيّان عن عليّ عليه السلام ]أنّه[ قال يهلك فيّ رجلان محبّ غال، و مبغض قال.

 و روى حمّاد بن صالح، عن أيّوب عن أبي كهمس عن علي عليه السلام قال يهلك فيّ ثلاثة اللّاعن، و المستمع المقرّ، و حامل الوزر، و هو الملك المترف الذي يتقرّب إليه بلعني، و يبرأ عنده من ديني، و ينتقص عنده حسبي، و إنّما بحارالأنوار ج : 34 ص : 337حسبي حسب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ديني دينه. و ينجو فيّ ثلاثة من أحبّني، و من أحبّ محبّي، و من عادى عدويّ. فمن أشرب قلبه بغضي، أو ألّب عليّ، أو تنقّصني، فليعلم أنّ اللّه عدوه و جبرئيل، و أنّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ.

 و روى أبو صادق عن ربيعة بن ناجد عن عليّ عليه السلام قال قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنّ فيك لشبها من عيسى ابن مريم، أحبّته النصارى حتّى أنزلته بالمنزلة التي ليست له، و أبغضته اليهود حتّى بهتت أمّه.

 قال ]ابن أبي الحديد[ و روى شيخنا أبو القاسم البلخي عن سلمة بن كهيل عن المسيّب بن نجبة قال بينا عليّ عليه السلام يخطب إذ قام أعرابي فصاح وا مظلمتاه فاستدناه علي عليه السلام فلمّا دنا ]منه[ قال ]له[ إنّما لك مظلمة واحدة، و أنا قد ظلمت عدد المدر و الوبر

 قال و في رواية عبّاد بن يعقوب أنّه دعاه فقال له ويحك و أنا و اللّه مظلوم، هات فلندع على من ظلمنا.

 و روى سدير الصيرفي عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام قال اشتكى علي شكاية فعاده أبو بكر و عمر، و خرجا من عنده فأتيا النبيّ صلّى بحارالأنوار ج : 34 ص : 338اللّه عليه و آله فسألهما من أين جئتما قالا عدنا عليا. قال كيف رأيتماه قالا رأيناه لما به. فقال كلّا إنّه لن يموت حتّى يوسّع غدرا و بغيا، و ليكوننّ في هذه الأمّة عبرة يعتبر به الناس من بعدي.

 و روى عثمان بن سعيد عن عبد اللّه الغنوي، أنّ عليا عليه السلام خطب بالرحبة فقال أيّها الناس إنّكم قد أبيتم إلّا أن أقولها فو ربّ السماء و الأرض إنّ من عهد النبيّ الأميّ ]إليّ[ »أنّ الأمّة ستغدر بك بعدي«.

 و روى هشيم بن بشير عن إبراهيم بن سالم مثله.

و روى أهل الحديث هذا الخبر بهذا اللفظ أو بقريب منه.

 و روى أبو جعفر الإسكافي أيضا أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله دخل على فاطمة عليها السلام فوجد عليّا نائما فذهبت تنبّهه فقال دعيه فربّ سهر له بعدي طويل، و ربّ جفوة لأهل بيتي من أجله شديدة. فبكت ]فاطمة[ فقال لا تبكي فإنكما معي و في موقف الكرامة عندي.

 و روى الناس كافّة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال له هذا وليّي و أنا وليّه، عاديت من عاداه و سالمت من سالمه، أو نحو هذا اللفظ.

 و روى محمد بن عبد اللّه بن أبي رافع عن زيد بن علي قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لعليّ عليه السلام عدوّك عدوّي، و عدوّي عدوّ اللّه عزّ و جلّ.

 و روى يونس بن خبّاب عن أنس بن مالك قال كنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عليّ بن أبي طالب معنا، فمررنا بحديقة فقال علي يا بحارالأنوار ج : 34 ص : 339رسول اللّه أ لا ترى ما أحسن هذه الحديقة فقال إنّ حديقتك في الجنة أحسن منها. حتّى مررنا بسبع حدائق يقول عليّ عليه السلام ما قاله، و يجيبه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بما أجابه. ثمّ إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وقف فوقفنا ]حوله[، و وضع رأسه على رأس عليّ عليه السلام و بكى. فقال ما يبكيك يا رسول اللّه قال ضغائن في صدور قوم لا يبدونها لك حتّى يفقدوني فقال يا رسول اللّه أ فلا أضع سيفي على عاتقي فأبيد خضراءهم قال بل تصبر. قال فإن صبرت قال تلاقي جهدا. قال أ في سلامة من ديني قال نعم قال فإذا لا أبالي.

 و روى جابر الجعفي عن محمد بن علي عليه السلام قال قال علي عليه السلام ما رأيت مذ بعث اللّه محمّدا رخاء، لقد أخافتني قريش صغيرا، و أنصبتني كبيرا، حتّى قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فكانت الطّامة الكبرى، وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ.

1158-  و من كتاب الغارات قال روى محمّد بن إسماعيل البجلّي عن عمرو بن موسى عن المنهال بن عمرو عن عبد اللّه بن الحارث قال قال عليّ عليه السلام على المنبر ما أحد جرت عليه المواسي إلّا و قد أنزل اللّه فيه قرآنا. فقام إليه رجل بحارالأنوار ج : 34 ص : 340من مبغضيه فقال له فما أنزل اللّه تعالى فيك فقام الناس إليه يضربونه فقال دعوه، أ تقرأ سورة هود قال نعم. فقرأ علي عليه السلام أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ ثمّ قال »الذي كان على بيّنة من ربّه« محمّد صلّى اللّه عليه و آله، الشاهد الذي يتلوه أنا

 و روى عثمان بن سعيد عن عبد اللّه بن بكير عن حكيم بن جبير قال خطب علي عليه السلام فقال في أثناء خطبته أنا عبد اللّه و أخو رسوله، لا يقولها أحد قبلي و لا بعدي إلّا كذّاب. ورثت نبيّ الرحمة، و نكحت سيّدة نساء هذه الأمّة، و أنا خاتم الوصيّين. فقال رجل من عبس من لا يحسن أن يقول مثل هذا فلم يرجع إلى أهله حتّى جنّ و صرع. فسألوهم هل رأيتم به عرضا قبل هذا قالوا و ما رأينا به قبل هذا عرضا.

 و روى عثمان بن سعيد عن شريك بن عبد اللّه قال لمّا بلغ عليا عليه السلام النّاس يتّهمونه فيما يذكره من تقديم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ]إيّاه[ و تفضيله عليه الناس قال بحارالأنوار ج : 34 ص : 341أنشد اللّه من بقي ممن لقي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و سمع مقالته في يوم غدير خمّ إلّا قام فتشهد بما سمع. فقام ستّة ممن عن يمينه من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ]و شهدوا[ أنّهم سمعوه يقول ذلك اليوم و هو رافع بيد علي من كنت مولاه فهذا مولاه اللّهمّ وال من والاه، و عاد من عاداه، و انصر من نصره، و اخذل من خذله، و أحبّ من أحبّه، و أبغض من أبغضه.

 نهج ]و[ قال أمير المؤمنين عليه السلام نحن النمرقة الوسطى، بها يلحق التالي، و إليها يرجع الغالي.

بيان النمرقة وسادة صغيرة، و ربّما سمّوا الطّنفسة التي فوق الرحل نمرقة. قال ابن أبي الحديد و المعنى أنّ آل محمد صلّى اللّه عليه و آله هم الأمر الأوسط بين الطرفين المذمومين، فكلّ من جاوزهم فالواجب أن ]يرجع إليهم، و كلّ من قصّر عنهم فالواجب أن[ يلحق بهم. و استعار لفظ النمرقة لهذا المعنى من قولهم ركب فلان من الأمر منكرا، و قد ارتكب الرأي الفلاني، فكأنّ ما يراه الإنسان مذهبا يرجع إليه، يكون كالرّاكب و الجالس عليه. و يجوز أن يكون لفظ »الوسطى« يراد به الفضلى، يقال هذه هي الطريقة الوسطى، و الخليفة الوسطى أي الفضلى، و منه قوله تعالى قالَ أَوْسَطُهُمْ و منه جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً. بحارالأنوار ج : 34 ص : 342و قال ابن ميثم وجه الاستعارة، أنّ أئمّة الحقّ مستند للخلق في تدبير معاشهم و معادهم. انتهى. و يمكن أن يقال لمّا كان الصدر في النمارق المصفوفة هي الوسطى، فلذا وصفها بها.

1161-  نهج ]و[ قال عليّ عليه السلام ما شككت في الحقّ مذ أريته. و قال عليه السلام ما كذبت و لا كذبت، و لا ضللت و لا ضلّ بي.

 نهج ]و[ قال علي عليه السلام لا يعاب المرء بتأخير حقّه، إنّما يعاب من أخذ ما ليس له.

بيان قال ابن أبي الحديد لعلّ هذه الكلمة قالها في جواب سائل سأله لم أخّرت المطالبة لحقّك من الإمامة فقال عليه السلام لا يعاب المرء بتأخير استيفاء حقّه. و لمّا كان حقّ الإمامة غير مختصّ به لأنّ مصالح المسلمين كانت منوطة بها فلا بدّ من إضمار في الكلام أي إذا كان هناك مانع من طلبه، انتهى. و يمكن حمله على الحقوق الخالصة كالانتقام و نحوه و استرداد فدك و مثله.

 نهج ]و[ سئل عليه السلام عن قريش فقال بحارالأنوار ج : 34 ص : 343أمّا بنو مخزوم فريحانة قريش، تحبّ حديث رجالهم و النكاح في نسائهم، و أمّا بنو عبد شمس فأبعدها رأيا و أمنعها لما وراء ظهورها، و أمّا نحن فأبذل لما في أيدينا، و أسمح عند الموت بنفوسنا، و هم أكثر و أمكر و أنكر، و نحن أفصح و أنصح و أصبح.

بيان قال ابن ميثم فلان بعيد الرأي، إذا كان يرى المصلحة من بعيد لقوّة رأيه. و ]قوله عليه السلام[ و »أمنعها لما وراء ظهورها« كناية عن حميّتهم. و ]قال ابن الأثير[ في النهاية النكر بالضمّ الدهاء و الأمر المنكر. ]قوله عليه السلام[ »و أصبح« أي أحسن وجوها و أجمل، و ألقى للناس بالطلاقة و البشر.

 نهج ]و[ قال عليه السلام و قد رئي عليه إزار خلق مرفوع فقيل له في ذلك فقال يخشع له القلب، و تذلّ به النّفس، و تذلّ به النّفس و يقتدي به المؤمنون.

 ]نهج[ و مدحه قوم في وجهه فقال اللّهمّ إنّك أعلم بي من نفسي، و أنا أعلم بنفسي منهم، اللّهمّ اجعلنا خيرا مما يظنّون، و اغفر لنا ما لا يعلمون.

 و قال ]عليه السلام[ لرجل أفرط في الثّناء عليه و كان له

بحارالأنوار ج : 34 ص : 344

متّهما أنا دون ما تقول و فوق ما في نفسك.

 و قال عليه السلام يهلك فيّ رجلان محبّ مطر، و باهت مفتر.

]قال السيّد الرضي رحمه اللّه[ و هذا مثل قوله عليه السلام يهلك فيّ اثنان محبّ غال، و مبغض قال.

 نهج و قال عليه السلام لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني، و لو صببت الدنيا بجمّاتها على المنافق على أن يحبّني ما أحبّني، و ذلك إنّه قضى فانقضى على لسان النّبيّ الأمّيّ صلّى اللّه عليه و آله إنّه قال لا يبغضك مؤمن و لا يحبّك منافق.

بيان الخيشوم أقصى الأنف. و الجمّة المكان الذي يجتمع فيه الماء.

 دعوات الرّاوندي عن ربيعة بن كعب قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول ستكون بعدي فتنة فإذا كان ذلك فالتزموا عليّ ابن أبي طالب عليه السلام. و منه في كلام أبي جعفر عليه السلام و قد سأله حمران عمّا أصيب به أمير المؤمنين و الحسن و الحسين عليهم السلام من قتل الطواغيت إيّاهم و الظفر بهم

بحارالأنوار ج : 34 ص : 345

حتّى قتلوا و غلبوا و قال عليه السلام و لو أنّهم يا حمران حيث نزل بهم ما نزل من أمر اللّه و إظهار الطواغيت عليهم سألوا اللّه دفع ذلك عنهم لدفع ]اللّه ذلك عنهم[ ثم كان انقضاء مدّة الطواغيت و ذهاب ملكهم أسرع من سلك منظوم انقطع فتبدّد و ما كان الذي أصابهم يا حمران لذنب اقترفوه و لا لعقوبة من معصية خالفوا اللّه فيها و لكن لمنازل و كرامة أراد ]اللّه[ أن يبلغهم إيّاها فلا يذهبنّ بك المذاهب فيهم. و منه قال لمّا نزل أمير المؤمنين النّهروان سأل عن جميل بن بصيهري كاتب ]أ[ نوشيروان فقيل إنّه بعد حيّ يرزق فأمر بإحضاره فلمّا حضر وجد حواسه كلّها سالمة إلّا البصر، و ]وجد[ ذهنه صافيا و قريحته تامّة فسأله كيف ينبغي للإنسان يا جميل أن يكون قال يجب أن يكون قليل الصديق كثير العدوّ. قال أبدعت يا جميل فقد أجمع الناس على أنّ كثرة الأصدقاء أولى. فقال ليس الأمر على ما ظنّوا فإنّ الأصدقاء إذا كلّفوا السعي في حاجة الإنسان لم ينهضوا بها كما يجب و ينبغي و المثل فيه ]هو قولهم[ »من كثرة الملّاحين غرقت السّفينة« فقال أمير المؤمنين قد امتحنت هذا فوجدته صوابا فما منفعة كثرة الأعداء فقال إنّ الأعداء إذا كثروا يكون الإنسان أبدا متحرّزا متحفّظا أن ينطق بما يؤخذ عليه أو تبدر منه زلّة يؤخذ عليها فيكون أبدا على هذه الحالة سليما من الخطايا و الزلل. فاستحسن ذلك ]منه[ أمير المؤمنين عليه السلام.

 نهج ]و[ سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن أشعر الشّعراء فقال إنّ القوم لم يجروا في حلبة تعرف الغاية عن قصبتها فإن كان و لا بدّ فالملك الضلّيل. قال السيّد ]الرّضيّ[ رحمه اللّه يريد ]عليه السلام من قوله »الملك

بحارالأنوار ج : 34 ص : 346

الضليل«[ إمرأ القيس.

 أقول قال ابن أبي الحديد ]قرأت[ في أمالي ابن دريد قال أخبرني الجرموزي عن ابن المهلّبي عن ابن الكلبي عن شدّاد بن إبراهيم عن عبيد اللّه بن الحسن العنبري عن ابن عرادة قال كان علي بن أبي طالب عليه السلام يعشّي الناس في شهر رمضان اللحم و لا يتعشّى معهم فإذا فرغوا خطبهم و وعظهم فأفاضوا ليلة في الشعراء و هم على عشائهم فلمّا فرغوا خطبهم عليه السلام و قال في خطبته اعلموا أنّ ملاك أمركم الدين و عصمتكم التقوى و زينتكم الأدب و حصون أعراضكم الحلم. ثم قال قل يا أبا الأسود فيما كنتم تفيضون فيه أيّ الشعراء أشعر فقال يا أمير المؤمنين ]أشعر الشعراء[ الذي يقول

و لقد أغتدي يدافع ركني أعوجيّ ذو ميعة إضريج‏مخلط مزيل معن مفن منفح مطرح سبوح خروج

يعني أبا دواد الأيادي. فقال عليه السلام ليس به. قالوا فمن يا أمير المؤمنين فقال لو رفعت للقوم غاية فجروا إليها معا علمنا من السّابق منهم و لكن إن يكن فالذي لم يقل عن رغبة و لا رهبة. قيل من هو يا أمير المؤمنين قال هو الملك الضلّيل ذو القروح. قيل إمرؤ القيس يا أمير المؤمنين قال هو. قيل فأخبرنا عن ليلة القدر قال ما أخلو من أن أكون أعلمها فأستر علمها و لست أشكّ أنّ اللّه إنّما يسترها عنكم نظرا لكم لأنّه لو أعلمكموها عملتم فيها و تركتم غيرها و أرجو أن لا تخطئكم إن شاء اللّه انهضوا رحمكم اللّه.

]ثم قال[ و قال ابن دريد لمّا فرغ من الخبر إضريج ينبثق في عدوه. بحارالأنوار ج : 34 ص : 347و قيل واسع الصدر. و منفح يخرج الصيد من مواضعه. و مطرح يطرح ببصره. و خروج سابق. ]و الغاية بالغين المعجمة الراية[ و الميعة أوّل جري الفرس. ]و قيل الجري بعد الجري[ انتهى. أقول الحلبة بالفتح الخيل تجمع للسباق من كلّ أوب و لا تخرج من وجه واحد. و قصبة السبق هي التي تنصب ليحرزها السابق من القوم في الرهان. و الضّليل كقنديل مبالغة في الضلال. و لعلّ المعنى أنّهم لم ينشدوا في أمر واحد و زمان واحد حتّى يعرف أيّهما أسبق و أكمل. أو أنّ الشعر ليس مقصورا على فنّ واحد و لا لطائفة ]و لا[ منحصرة في نوع حتّى يكون للتفضيل حدّ معيّن.

 نهج و قال عليه السلام أنا يعسوب المؤمنين و المال يعسوب الفجّار.

قال السيّد رحمه اللّه و معنى ذلك أنّ المؤمنين يتبعونني و الفجار يتبعون المال كما يتبع النحل يعسوبها و هو رئيسها.

 نهج ]و[ قيل له عليه السلام بأيّ شي‏ء غلبت الأقران فقال ما لقيت أحدا إلّا أعانني على نفسه.

قال السيّد ]الرضيّ[ رحمه اللّه يومئ عليه السلام إلى تمكّن هيبته في القلوب. بحارالأنوار ج : 34 ص : 348

 ]نهج[ و قال عليه السلام لابنه محمد يا بنيّ إنّي أخاف عليك الفقر فاستعذ باللّه منه فإنّ الفقر منقصة للّدين مدهشة للعقل داعية للمقت.

 كتاب الغارات لإبراهيم الثقفي بإسناده عن الضحّاك بن مزاحم عن عليّ عليه السلام قال كان خليلي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا يحبس شيئا لغد، و كان أبو بكر يفعل ]كذلك[، و قد رأى عمر في ذلك أن دوّن الدواوين، و أخّر المال إلى السنة. و أمّا أنا، فأصنع كما صنع خليلي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله. قال و كان عليّ عليه السلام يعطيهم من الجمعة إلى الجمعة، و كان ]عند ما يعطيهم[ يقول

هذا جناي و خياره فيه إذ كلّ جان يده إلى فيه

 و بأسانيد عن مجمع التّيميّ أنّ عليا عليه السلام كان ينزح بيت المال بحارالأنوار ج : 34 ص : 349ثمّ يتنفّل فيه، و يقول اشهد لي يوم القيامة أنّي لم أحبس فيك المال على المسلمين.

 و عن عاصم بن كليب عن أبيه قال أتى عليا عليه السلام مال من أصبهان فقسّمه، فوجد فيه رغيفا، فكسره سبع كسر، ثمّ جعل على كلّ جزء منه كسرة ثمّ دعا أمراء الأسباع فأقرع بينهم أيّهم يعطيه أوّلا. و كانت ]قبائل[ الكوفة يومئذ أسباعا.

 و عن عبد الرحمن بن عجلان، عمن حدّثه قال كان عليّ عليه السلام يقسم فينا الأبزار، يصرّه صررا الحرف و الكمون و كذا و كذا

 و عن جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه أنّ دهقانا بعث إلى عليّ عليه السلام بثوب ديباج منسوج بالذهب، فابتاعه منه عمرو بن حريث بأربعة آلاف درهم إلى العطاء.

 و عن يزيد بن محجن التّيميّ قال أخرج عليّ عليه السلام سيفا له بحارالأنوار ج : 34 ص : 350فقال من يشتري سيفي هذا منّي فو الذي نفسي بيده لو أنّ معي ثمن إزار لما بعته.

 و عن أبي رجاء أنّ عليا عليه السلام أخرج سيفا له إلى السوق فقال من يشتري منّي هذا فلو كان معي ثمن إزار لما بعته. قال أبو رجاء فقلت له يا أمير المؤمنين أنا أبيعك إزارا و أنسئك ثمنه إلى عطائك، فبعته إزارا إلى عطائه، فلمّا قبض عطاءه أعطاني حقّي.

 و عن أبي إسحاق الهمداني أنّ امرأتين أتتا عليا عليه السلام عند القسمة، إحداهما من العرب، و الأخرى من الموالي، فأعطى كلّ واحدة خمسة و عشرين درهما و كرا من الطعام، فقالت العربية يا أمير المؤمنين إنّي امرأة من العرب و هذه امرأة من العجم فقال عليه السلام و اللّه لا أجد لبني إسماعيل في هذا الفي‏ء فضلا عن بني إسحاق.

 و عن يوسف بن كليب عن أبي عبيدة عن عبد اللّه بن مسعود، عن معاوية بن عمّار عن جعفر بن محمد قال ما اعتلج على عليّ عليه السلام أمران بحارالأنوار ج : 34 ص : 351قطّ إلّا أخذ بأشدّهما، و ما زال عندكم يأكل مما عملت يده، يؤتى به ]إليه[ من المدينة، و إن كان ليأخذ السويق فيجعله في الجراب ثم يختم عليه، مخافة أن يزاد فيه من غيره. و من كان في الدنيا أزهد من علي عليه السلام

 و عن أبي سويد بن الحارث قال أمر عليّ عليه السلام عمّالا من عمّاله فصنعوا للناس طعاما في شهر رمضان، فذكروا أنّهم صنعوا خمسا و عشرين جفنة.

 و عن هارون بن مسلم البجلي عن أبيه قال أعطى عليّ الناس في عام واحد ثلاثة أعطية، ثم قدم عليه خراج أصفهان فقال أيّها الناس اغدوا فخذوا، فو اللّه ما أنا لكم بخازن. ثمّ أمر ببيت المال فكنس و نضح، فصلّى فيه ركعتين ثمّ قال يا دنيا غرّي غيري. ثمّ خرج فإذا هو بحبال على باب المسجد فقال ما هذه الحبال فقيل جي‏ء بها من أرض كسرى. فقال اقسموها بين المسلمين. فكأنّهم ازدروها فنقضها بعضهم فإذا هي كتّان يعمل، فتأسفّوا ]فتنافسوا »خ ل«[ فيها فبلغ الحبل من آخر النهار دراهم.

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 352 و عن سفيان بن عيينة عن عمّار الدهني عن سالم بن أبي الجعد قال فرض عليّ عليه السلام لمن قرأ القرآن ألفين ألفين قال و كان أبي ممّن قرأ القرآن.

 و عن إبراهيم بن يحيى الثوري عن أبي إسحاق بن مهران عن سابق البربري قال رأيت عليا عليه السلام أسّس مسجد الكوفة إلى قريب من طاق الزياتين قدر شبر شبر. قال و رأيت المخيّس و هو ]من[ خصّ و كان الناس يفرجونه و يخرجون منه فبناه عليّ عليه السلام بالجصّ و الآجر قال فسمعته و هو يقول

ألا تراني كيّسا مكيّسا بنيت بعد نافع مخلّسا

 و عن الحسين بن هاشم عن أبي عثمان الدوري عن أبي إسحاق السبيعي قال كنت على عنق أبي يوم الجمعة و أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يخطب و هو يتروّح بكمّه فقلت يا أبة أمير المؤمنين يجد الحرّ فقال لا يجد حرا و لا بردا، و لكنّه غسل قميصه و هو رطب و لا له غيره فهو يتروّح به

 و عن إبراهيم بن ميمون عن عليّ بن عابس عن أبي إسحاق قال رفعني أبي فرأيت عليا عليه السلام، أبيض الرأس و اللحية، عريض ما بين المنكبين

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 353 و بإسناده عن عبّاد بن عبد اللّه قال كان عليّ يخطب على منبر من آجر.

 و عن عدي بن ثابت قال أتي علي عليه السلام بفالوذج فأبى أن يأكله

 و عن صالح أنّ جدّته أتت عليا عليه السلام و معه تمر يحمله، فسلّمت ]عليه[ و قالت أعطني هذا التمر أحمله. قال أبو العيال أحقّ بحمله. قالت و قال لي أ لا تأكلين منه قلت لا أريده. قالت فانطلق به إلى منزله، ثمّ رجع و هو مرتد بتلك الملحفة و فيها قشور التمر، فصلّى بالناس فيها الجمعة.

 و عن جعفر بن محمد عليه السلام قال أتى أمير المؤمنين عليه السلام بخبيص فأبى أن يأكله، قالوا ]أ[ تحرّمه قال لا، و لكني أخشى أن تتوق إليه نفسي، ثمّ تلا أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا

 و عن بعض أصحاب عليّ عليه السلام أنّه قيل له كم تصّدّق، أ لا تمسك قال بحارالأنوار ج : 34 ص : 354إي و اللّه، لو أعلم أنّ اللّه قبل منّي فرضا واحدا لأمسكت، و لكنّي و اللّه ما أدري أ قبل اللّه منّي شيئا أم لا

 و عن عبد اللّه بن الحسن قال أعتق عليّ عليه السلام ألف أهل بيت بما مجلت فيه يداه و عرقت ]فيه[ جبينه

 و عن جعفر بن محمد عليه السلام قال أعتق عليّ عليه السلام ألف مملوك مما عملت يداه، و إن كان عندكم إنّما حلواه التمر و اللّبن و ثيابه الكرابيس. و تزوّج عليه السلام ليلى، فجعل له حجلة فهتكها و قال أحبّ أهلي إليّ ما هم فيه.

 و عن قدامة بن عتاب قال كان علي عليه السلام ضخم البطن، ضخم مشاشة المنكبين، ضخم عضلة الذراع، دقيق مستدقّها، ضخم عضلة الساق، دقيق مستدقّها. و رأيته يخطبنا في يوم من أيّام الشتاء، عليه قميص قهز، و إزار، فأتاه آت فقال له يا أمير المؤمنين أدرك بني تميم قد ضربتها بكر بن وائل بالكناسة. فقال ها ثمّ أقبل في خطبته، ثمّ أقبل آخر فقال مثل ذلك. فقال ها ثمّ أتاه الثالث و الرابع، ثم قال أدرك بكر بن وائل قد ضربتها بنو تميم بالكناسة. فقال بحارالأنوار ج : 34 ص : 355الآن صدقتني عن بكرك، يا شداد أدرك بكر بن وائل و بني تميم ]فذهب[ فأفرع بينهم.

بيان قال ]الفيروزآبادي[ في القاموس الجرف يبيس الحماط ]و هو الشجر و العشب[. و قال الكمّون كتنّور حبّ معروف. و قال القهز ]بفتح القاف[ و يكسر ثياب من صوف أحمر كالمرعزّى و ربّما يخالطه الحرير. و قال فرع بين القوم حجز و كفّ و أصلح.

 ثمّ قال الثقفي ]و[ روى جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام قال ابتاع عليّ عليه السلام قميصا سنبلانيا بأربعة دراهم، ثمّ دعا الخيّاط فمدّ كمّ القميص فقطع ما جاوز الأصابع

 و عن عبد اللّه بن أبي الهذيل قال رأيت عليّا و عليه قميص له إذا مدّه بلغ أطراف أصابعه، و إذا تقبض، تقبض حتّى تكون إلى نصف ساعده

 و عن أبي الأشعث العنزي عن أبيه قال رأيت عليا و قد اغتسل في الفرات يوم الجمعة، ثمّ ابتاع قميص كرابيس بثلاثة دراهم، فصلّى بالناس فيه الجمعة و ما حنط جربانه بعد

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 356 و عن بكر بن عيسى قال كان علي عليه السلام يقول يا أهل الكوفة إذا أنا خرجت من عندكم بغير رحلي و راحلتي و غلامي فأنا خائن. و كانت نفقته تأتيه من غلّته بالمدينة من »ينبع«، و كان يطعم الناس الخبز و اللّحم و يأكل من الثريد بالزيت و يكلّلها بالتمر من العجوة، و كان ذلك طعامه. و زعموا أنّه كان يقسم ما في بيت المال، فلا يأتي الجمعة و في بيت المال شي‏ء، و ]كان[ يأمر ببيت المال في كلّ عشيّة خميس فينضح بالماء ثمّ يصلّي فيه ركعتين. و زعموا أنّه كان يقول و يضع يده على بطنه و الذي فلق الحبّة و برأ النسمة، لا تنطوي ثميلتي على قلة من خيانة، و لأخرجنّ منها خميصا.

بيان قال ]الفيروزآبادي[ في القاموس الثميلة كسفينة البقية من الطعام و الشراب في البطن. و الثميلة ما يكون فيه الطعام و الشراب في الجوف. و ]قال ابن الأثير[ في النهاية في حديث الحجّاج »فسر إليها منطوي الثميلة« المعنى سر إليها مخفّفا.

1195-  كتاب الغارات بإسناده عن سعيد بن المسيّب أنّ رجلا بالشام يقال له ابن الخيبري، وجد مع امرأته رجلا فقتله، فرفع ذلك إلى معاوية، بحارالأنوار ج : 34 ص : 357فكتب إلى بعض أصحاب عليّ عليه السلام يسأله ]فسأله[ فقال عليّ عليه السلام إنّ هذا شي‏ء ما كان قبلنا. فأخبره أنّ معاوية كتب إليه. فقال عليه السلام إن لم يجئ بأربعة شهداء يشهدون به أقيد به.

 و عن أبي حمزة قال بينما عليّ ذات يوم إذ أقبل ]إليه[ رجل فقال من أين أقبل الرجل قال من أهل العراق. قال من أيّ العراق قال من البصرة. قال أما إنّها أوّل القرى خرابا، إما غرقا و إمّا حرقا، حتّى يبقى بيت مالها و مسجدها كجؤجؤ سفينة، فأين منزلك منها فقال الرجل مكان كذا. قال عليك بصواحبها عليك بصواحبها.

 و عن شرحبيل عن علي عليه السلام قال كيف بكم و إمارة الصبيان من قريش قوم يكونون في آخر الزمان، يتّخذون المال دولة، و يقتلون الرجال. فقال الأوس بن حجر الثمالي إذا نقاتلهم و كتاب اللّه. قال كذبت و كتاب اللّه

 و عن الحسن بن بكر البجلي عن أبيه قال كنّا عند علي عليه السلام في الرحبة، فأقبل رهط فسلّموا فلمّا رآهم عليّ عليه السلام أنكرهم فقال أ من أهل الشام أنتم، أم من أهل الجزيرة قالوا بل من أهل الشام، مات أبونا و ترك مالا كثيرا و ترك أولادا رجالا و نساء، و ترك فينا خنثى له حياء كحياء المرأة، بحارالأنوار ج : 34 ص : 358و ذكر كذكر الرجل، فأراد الميراث كرجل فأبينا عليه. فقال عليه السلام فأين كنتم عن معاوية فقالوا قد أتيناه فلم يدر ما يقضي بيننا. فنظر علي عليه السلام يمينا و شمالا و قال لعن اللّه قوما يرضون بقضائنا و يطعنون علينا في ديننا، انطلقوا بصاحبه فانظروا إلى مسبل البول، فإن خرج من ذكره فله ميراث الرجل، و إن خرج من غير ذلك فورّثوه مع النساء. ]قال[ فبال من ذكره، فورثه كميراث الرجل منهم

 و عن ابن عبّاس ]عن عليّ عليه السلام[ قال أوّل هلاك أهل الأرض قريش و ربيعة. قالوا و كيف قال أمّا قريش فيهلكها الملك، و أمّا ربيعة فتهلكها الحميّة

 و بحذف الإسناد قال قال عليّ عليه السلام أما و اللّه ما قاتلت إلّا مخافة أن ينزو فيها تيس من بني أميّة فيتلاعب بدين اللّه

 و عن زرّ بن حبيش قال سمعت عليا عليه السلام يقول و الذي فلق الحبّة و برأ النسمة إنّه لعهد إليّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، أنّه لا يحبّك إلّا مؤمن، و لا يبغضك إلّا منافق.

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 359 و عن حبّة العرني عن عليّ عليه السلام قال إنّ اللّه أخذ ميثاق كلّ مؤمن على حبّي، و أخذ ميثاق كلّ منافق على بغضي، فلو ضربت وجه المؤمن بالسيف ما أبغضني، و لو صببت الدنيا على المنافق ما أحبّني

 و عن فرات بن أحنف قال إنّ عليا عليه السلام خطب فقال يا معشر الناس، أنا أنف الهدى و عيناه و أشار إلى وجهه. يا معشر النّاس لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلّة أهله، فإنّ الناس ]قد[ اجتمعوا على مائدة، شبعها قصير، و جوعها طويل، وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ. يا معشر الناس إنّما يجمع الناس الرضا و السخط، ألا و إنّما عقر ناقة ثمود رجل واحد فأصابهم العذاب برضاهم بعقرها قال اللّه تعالى فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ فقال لهم نبيّ اللّه عن قول اللّه ناقَةَ اللَّهِ وَ سُقْياها فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها. يا معشر الناس ألا فمن سئل عن قاتلي فزعم أنّه مؤمن فقد قتلني. يا معشر الناس من سلك الطريق ورد الماء. بحارالأنوار ج : 34 ص : 360يا معشر الناس أ لا أخبركم بحاجبي الضلالة، تبدو مخازيها في آخر الزمان

 و عن أبي عقيل عن علي عليه السلام قال اختلفت النصارى على كذا و كذا، و اختلفت اليهود على كذا و كذا، و لا أراكم أيّتها الأمّة إلّا ستختلفون كما اختلفوا، و تزيدون عليهم فرقة، ألا و إنّ الفرق كلّها ضالة إلّا أنا و من تبعني

 و عن الحسن بن علي عن أبيه عليهما السلام قال سمعت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يقول يرد عليّ أهل بيتي و من أحبّهم من أمّتي هكذا و قرن بين السبابتين ليس بينهما فضل

 و عن أبي الجحّاف عن رجل قد سمّاه قال دخلوا على عليّ عليه السلام و هو في الرحبة و هو على سرير قصير ]ف[ قال ما جاء بكم قالوا حبّك و حديثك يا أمير المؤمنين. قال و اللّه قالوا و اللّه. قال أما إنّه من أحبّني يراني حيث يحبّ أن يراني، و من أبغضني رآني حيث يبغض أن يراني. ثمّ قال ما عبد اللّه أحد قبلي مع نبيّه، إنّ أبا طالب هجم عليّ و على النبي صلّى اللّه عليه و آله و أنا و هو ساجدان ثم قال أ فعملتموها فأخذ يحثّني بحارالأنوار ج : 34 ص : 361على نصرته و على معونته

 و عن حبّة عن عليّ عليه السلام قال لو صمت الدهر كلّه و قمت اللّيل كلّه، و قتلت بين الركن و المقام، بعثك اللّه مع هواك بالغا ما بلغ، إن في جنّة ففي جنّة، و إن في نار ففي نار

 و قال ]عليه السلام[ من أحبّ أهل البيت فليستعدّ عدّة للبلاء.

 و قال ]عليه السلام[ يهلك في محبّ مفرط، و مبغض مفتر.

 و قال ]عليه السلام[ يهلك في ثلاثة و ينجو في ثلاثة يهلك اللاعن، و المستمع المقرّ، و الحامل للوزر، و ]هو[ الملك المترف ]الذي[ يتقرّب إليه بلعني، و يبرأ عنده من ديني، و ينتقص عنده حسبي، و إنّما حسبي حسب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و ديني دينه. و ينجو في ثلاثة المحبّ الموالي، و المعادي من عاداني، و المحبّ من أحبّني، فإذا أحبّني عبد أحبّ محبّي و أبغض مبغضي و شايعني، فليمتحن الرجل قلبه، إنّ اللّه لم يجعل لرجل من قلبين في جوفه فيحبّ بهذا و يبغض بهذا، فمن أشرب قلبه حبّ غيرنا فألب علينا فليعلم أنّ اللّه عدوّه و جبريل و ميكال، فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ

 و عن ربيعة بن ناجد عن عليّ عليه السلام قال دعاني النبيّ صلّى اللّه بحارالأنوار ج : 34 ص : 362عليه و آله فقال لي يا علي إنّ فيك من عيسى مثلا، أبغضته اليهود حتّى بهتوا أمّه، و أحبّته النصارى حتّى أنزلوه بالمنزلة التي ليست له

 و قال علي عليه السلام إنّه يهلك في محبّ مطر يقرّظني بما ليس في، و مبغض مفتر يحمله شنآني على أن يبهتني. ألا و إنّي لست نبيا و لا يوحى إلي، و لكن أعمل بكتاب اللّه ما استطعت، فما أمرتكم به من طاعة فحقّ عليكم طاعتي فيما أحببتم و فيما كرهتم، و ما أمرتكم به أو غيري من معصية اللّه فلا طاعة في المعصية، الطّاعة في المعروف الطاعة في المعروف ]قالها[ ثلاثا

1198-  ما المفيد عن إبراهيم بن الحسن بن الجمهور عن أبي بكر المفيد الجرجرائي عن أبي الدنيا المعمّر المغربي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال عهد إلي مولانا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه لا يحبّني إلّا بحارالأنوار ج : 34 ص : 363مؤمن، و لا يبغضني إلّا منافق زنديق

 و بالإسناد عن أمير المؤمنين عليه السلام قال لمّا نزلت وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سألت ربّي أن يجعلها أذنك يا علي

 و بالإسناد عن أمير المؤمنين عليه السلام قال ما رمدت عيني و لا صدعت منذ سلّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلي راية خيبر.

فائدة مهمّة شافية وافية في دفع شبه الفرقة الطاغية الغاوية

اعلم ]أنّه[ قد اختلف المسلمون في أنّه هل كان يسوغ للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله الاجتهاد فيما لا نص فيه أم لا ثمّ على تقدير الجواز، هل كان مقصورا على أمور الدنيا و ما لا تعلّق لها بالدين أم يتعدّى إلى غيرها و على تقدير التعدّي، هل يخصّ الحروب أم يتجاوزها ثمّ القائلون بالجواز اختلفوا في الوقوع، فأثبته طائفة و منعه آخرون و توقّف قوم. ثمّ القائلون بالوقوع، اختلفوا في أنّه هل كان يجوز عليه الخطأ في بحارالأنوار ج : 34 ص : 364الاجتهاد أم لا و على الجواز، هل يقرّ على خطئه أم يردّ عنه فذهب إلى كلّ فريق إلّا إقراره على الخطإ، فإنّ الظاهر من كلامهم أنّه لم يقل به أحد و جعلوا ردّه عن الخطإ وجه الفرق بينه و بين سائر المجتهدين. و قد ادّعى العلّامة في شرحه لمختصر ابن الحاجب الإجماع على أنّه لا يقرّ على الخطإ، و يظهر من كلام الآمدي و بعض شرّاح صحيح مسلم أيضا ذلك. فاختار الجبّائي و أبو هاشم أنّه ]صلّى اللّه عليه و آله[ لم يتعبّد في الشّرعيّات بالاجتهاد، و لم يقع منه فيها، و كان متعبّدا به في الحروب. و حكي عن الشافعي و أحمد بن حنبل و أبي يوسف تعبّده به مطلقا. و ذهبت طائفة و منهم القاضي عبد الجبّار و أبو الحسين البصري إلى أنّه يجوز ذلك من غير قطع به. و نفاه أصحابنا قاطبة رضوان اللّه عليهم رأسا، و لم يجوّزوه في أمور الدين و الدّنيا أصلا. ثمّ لا يخفى أنّ جواز الاجتهاد و وقوعه منه صلّى اللّه عليه و آله لا يستلزم جواز مخالفته، إذ يجوز أن يكون في أحكامه ما أدّى إليه اجتهاده، و مع ذلك لا يجوز لأحد خلافه لإيجاب اللّه تعالى طاعته مطلقا. و نظير ذلك أنّ الأمّة يجوز أن تجتمع على حكم بالاجتهاد، و مع ذلك لا يسع أحد مخالفتها أصلا عندهم، و المجتهد في فروع الأحكام يحكم باجتهاده و لا يسوغ لمقلّده مخالفته، و إن جاز عليه الخطأ في حكمه. و لمّا كان المعقل الحصين للمخالفين في دفع المطاعن عن أئمّتهم المضلين التّمسّك بجواز مخالفة الرسول الأمين عليه السلام، كما فعلوا ذلك في مخالفتهم له في تجهيز جيش أسامة و غيرها، أردنا أن نختم هذا المجلّد المشتمل على بحارالأنوار ج : 34 ص : 365مطاعنهم بما يدلّ على فساد أحد الأمرين أعني جواز الاجتهاد عليه صلّى اللّه عليه و آله، أو وقوعه منه، و جواز مخالفته في شي‏ء من أحكامه و إن كان عن اجتهاد، لاستلزام كلّ منهما ما هو المقصود، و التوكّل في جميع الأمور على الربّ الودود. فنقول يدلّ على ذلك وجوه الأوّل قوله تعالى وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى نفى سبحانه كون نطقه صلّى اللّه عليه و آله عن الهوى، و حصره في كونه وحيا، و لو كان بعض أقواله عن اجتهاد لما صحّ الحصر. و لو قلنا بكون الهوى متناولا للاجتهاد بقرينة المقابلة، لاقتضائها كون المراد بالهوى ما ليس بوحي و الاجتهاد ليس بوحي لدلّ الجزء الأوّل على المدّعى أيضا. و أورد عليه بأنّ المراد بالآية نفي ما كانوا يقولونه في القرآن أنّه افتراه، فانتفى العموم، و لئن سلّمنا فلا نسلّم أنّه ينفي الاجتهاد لأنّه إذا كان متعبّدا بالاجتهاد بالوحي، لم يكن نطقه عن الهوى، بل كان قولا عن الوحي. و الجواب عن الأوّل أنّ الآية غير معلوم نزولها في ردّ قولهم المذكور، فلا يجوز تخصيص القرآن به، و إنّما يجوز ]التخصيص[ بالمعلوم و ما في حكمه، و لو سلّم فخصوص السّبب لا يخصّص العموم كما هو المشهور، و لا دليل من الخارج على التخصيص. و عن الثاني من وجوه. منها أنّهم يقابلون الوحي بالاجتهاد في كثير من كلامهم. و منها أنّ الوحي هو الكلام الذي يسمع بسرعة، و ليس الاجتهاد كذلك، و إنما يستند حجّيته إلى الوحي، و المستند إلى الوحي في أمر غير الوحي،

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 366و الدليل عليه صحة التقسيم بأن يقال أ هو وحي أم مستنبط من الوحي و مستند إليه و قد قال سبحانه إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى و قد اعترف البيضاوي بما ذكرنا حيث قال بعد نقل الجواب و فيه نظر لأنّ ذلك حينئذ يكون بالوحي لا الوحي. و منها أنّا نخصّص الكلام باجتهاد يجوز فيه الخطأ، و لا ننازع الآن في اجتهاد يؤمن معه الخطأ و لا يجوز مخالفته، و يكون من قبيل القاطع، و لا يتعلّق غرضنا في هذا المقام بأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله هل يقول ما يقوله عن الوحي النازل بخصوص كلّ قول أو يقول من طريق عامّ و يأخذه عن ضابطة كليّة لا يأتيها الباطل من بين يديها و من خلفها فنقول قال اللّه تبارك و تعالى وَ النَّجْمِ إِذا هَوى ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَ ما غَوى وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى و قد اتّفق المفسّرون على أنّ الآية مسوقة لنفي الضلال و إثبات الوحي، إنّما هو لنفي الضلال المذكور في الآية، و الضلال لا يختص بالأصول، بل يكون في الفروع في جميع أقسام الأحكام، و إلّا لم يكن لاستدلال القوم على حجيّة الإجماع في الفروع حتّى الحروب و الولايات بما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من قوله »لا تجتمع أمّتي على الضلالة«. و ما يحذو حذوه معنى. فقد ثبت إذن أنّ الوحي لا يتناول اجتهادا يجوز الخطأ فيه، و إلّا لم يلزم من كونه وحيا نفي الضلال عنه كما هو المقصود، و هذا القدر يكفينا، و يدلّ عليه ما روي أنّه صلّى اللّه عليه و آله نزل منزلا فقيل ]له[ إن كان ذلك عن وحي فالسّمع و الطاعة، و إن كان عن رأي فليس ذلك بمنزل مكيدة، و المشهور أنّ المنزل كان ب »بدر«، و القائل ]هو[ حباب بن المنذر. فدلّ ذلك على أنّ الوحي لا يجوز فيه الخطأ، و قد قرّره النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و لم يسمع بأحد يطعن على قائل هذا القول و يقول تقسيمه هذا باطل. و أيّ ملازمة بين كونه وحيا، و وجوب السمع و الطاعة، لا في زمن بحارالأنوار ج : 34 ص : 367الصحابة و لا في زمن التابعين إلى عصرنا هذا، مع تكرّر ذلك النقل في كتب السير و التواريخ، و في كتب الأصول في مقام الاستدلال على مسائل من الاجتهاد المتعلّقة بالنبي صلّى اللّه عليه و آله و لو لا أنّ الوحي لا يجوز فيه الخطأ و لا يطلق شرعا على ما لا يؤمن معه الغلط، و يجوز مخالفته، لاستحال عادة أن لا ينكر أحد على هذا القول، و لا يقدح فيه، مع توفّر الدواعي على القدح و الردّ عليه، حيث استدلّ به على محلّ النزاع في مسائل كثيرة قد طال الخصام فيها، و ذلك مما يقطع به في عادات الناس، خصوصا الممارسين لمباحث الحجاج و النظر و مسائل الخلاف، و قد رأيناهم يرتكبون تأويلات بعيدة و تكلّفات باردة. فأين كانوا عن القدح المذكور و بالجملة، ما ذكرناه دليل على أنّهم علموا صحّة ذلك التقسيم، إمّا بتقرير النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله، أو بدليل آخر، فلا يتوهّم أنّ ما ذكرناه ثانيا راجع إلى الأول. ]الوجه[ الثاني قوله تعالى وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً. و المراد، قضاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و نسبته إليه تعالى للتنبيه على أنّ قضاءه صلّى اللّه عليه و آله قضاء اللّه كما ذكره المفسّرون، و كلّ ما قاله النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و لو بالاجتهاد، فممّا قضى به، فلا يجوز العدول عنه و مخالفته، و تخصيص الخيرة بما يكون بمجرّد التشهّي لا عن اجتهاد، و كذا المعصية لا وجه له، و إنّما هو مجرّد تشهّي التأويل، و الانصراف عن الظاهر، و معصية لسنّة الأخذ بظواهر الكتاب و السنّة بلا قرينة تقتضيه و شاهد يشهد له. ]الوجه[ الثّالث قوله تعالى فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما بحارالأنوار ج : 34 ص : 368شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً

تقريره أنّ المسألة الخلافية بين الأمّة يصدق عليها أنّها مما شجر بينهم فيجب في كلّ مسألة خلافية أن يحكّموه صلّى اللّه عليه و آله، و يرجع إلى قوله و يسلموا و يركنوا إليه، و مخالفته صلّى اللّه عليه و آله بالاجتهاد ضدّ ذلك. فظهر أنّ المسألة الخلافية، لا يجوز مخالفة ما يظهر من قوله صلّى اللّه عليه و آله فيها، سواء كان بالاجتهاد أو غيره، و المسائل الإجماعية و ما لم يسبق إليه أحد بنفي أو إثبات أولى من ذلك. أمّا الإجماعية فظاهر، و أمّا ما لم يسبق إليه أحد فلأنّ اتّباعه إذا وجب فيما تحقّق قوله طائفة من المسلمين و شبهة شرعية بخلافه، و لم يمنع ذلك من وجوب اتباعه، ففيما لا يتحقّق فيه ذلك الذي يتوهّم مانعا أولى. و أيضا لا قائل بالفصل، فإنّ الأمّة بين قائل بجواز مخالفته في الخلافيّات و غيرها، و بين ناف له فيهما جميعا. و بهذا يندفع توهّم أنّ قوله صلّى اللّه عليه و آله، ربّما كان ممّا أجمع على خلافه على أنّه قبل الإجماع على خلافه، كان مما لم يسبق إليه قول بنفي و لا إثبات، أو كان مما وقع فيه الخلاف. فإن قلت هاهنا احتمال آخر ذهب إليه جماعة، و هو أن يخطئ صلّى اللّه عليه و آله و ينبّه بالوحي على خطئه و ما ذكرت لا ينفيه. قلنا هذا لا ينفع فيما نحن فيه، فإنّ الغرض أنّه صلّى اللّه عليه و آله لا يجوز مخالفته و العدول عن قوله بالاجتهاد، و أمّا أن ينبه بالوحي عليه، فكلام لا يسمن و لا يغني من جوع في جواز إبطال قوله صلّى اللّه عليه و آله، و تخطئة رأيه و تصحيح ما صنعه جماعة من أصحابه خلافا لأمره، و ردّا عليه حكمه فيما لا وحي يدلّ على خطئه، بل قرره اللّه تعالى و أمضاه على رأيه. ]الوجه[ الرابع قوله تعالى قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ بحارالأنوار ج : 34 ص : 369اللَّهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ مفهوم الشرط إن لا تتّبعوني لا يحبكم اللّه و لا يغفر لكم ذنوبكم، و ما كان موجبا لعدم محبّة اللّه و عدم مغفرة الذنوب، كان حراما. فإن قلت كلّ ما هو مستحبّ كان موجبا لمحبّة اللّه، و ربّما كان سببا للمغفرة أيضا، و يصحّ استعمال الشرط فيه و يكون مفهومه حينئذ إن لا تفعلوه تفوت المحبة المترتّبة عليه، و المغفرة المسبّبة منه، فلا يدل على الوجوب. قلنا أوّلا إنّ رجحان الاتّباع كاف لنا، فإنّ من لا يجوز الاجتهاد عليه صلّى اللّه عليه و آله، يجعل أمره واجبا ما دام لم يدلّ دليل آخر على خلافه أقوى منه، و من يجوّزه يجعل تركه و مخالفته واجبا أو مندوبا أو مباحا حسب ما أدّى إليه اجتهاده، و لا يجعل اتّباع أمره مندوبا أيضا في أكثر الأمر. فالقول بأنّ اتّباع أمره مندوب لا محالة، خلاف الإجماع المركّب. و ثانيا إنّ مفهوم الشرط يقتضي انتفاء الجزاء مطلقا، لا الجزاء المقيّد بالشرط المقارن له، و إلّا لم يصحّ الاستدلال بمفهوم الشرط في شي‏ء من المواضع. و لا يتوهّم أنّ الأمر بالاتّباع مطلق لا عام، فيصير حينئذ حاصل المفهوم إن لا تتّبعوني في شي‏ء لا يحبّكم اللّه أصلا، لا ]أنّ المفهوم[ إن لا تتّبعوني و لو في أمر واحد لا يحبّكم اللّه لأنّ الاتّفاق منّا و من الخصم حاصل على أنّ المراد به الأمر بالاتّباع في جميع الأوامر، و لهذا استدلّوا به في مسألة التّأسي. فتدبّر. ]الوجه[ الخامس قوله تعالى وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وجه الدلالة أمور أحدها أمره تعالى بالأخذ بما أمر به الرسول صلّى اللّه عليه و آله.

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 370و ثانيها أمره ]تعالى[ بالانتهاء عمّا نهى عنه، فإن كان نهى عن خلاف ما أمر به فذاك، و إلّا فالأمر بالشي‏ء، نهي عن ضدّه عند أكثر علماء الأصول، و في النهي بعكس الأمر. و ثالثها تعقيبه الكلام بالوعيد الشديد و العقاب العظيم. و أيضا ]في[ أمره بالتقوى بعد ذلك، إشعار بأنّ الأخذ و الانتهاء المذكورين هما التقوى، و أنّ تاركه مسلوب عنه اسم التقوى مع ]أنّ[ النصوص الدّالة على الأمر به و حرمة تركه أدلّة على الوجوب. السادس قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ وجه الدلالة أنّه متى كان قول الرسول صلّى اللّه عليه و آله موجودا، ثمّ قدّمنا اجتهادنا عليه لزم التقدّم بين يدي اللّه و رسوله. و قد دلّت صحاح أخبارهم على أنّ الآية نزلت في مماراة أبي بكر و عمر، في تأمير الأقرع بن حابس و القعقاع بن معبد، و قد كان ما تنازعا فيه من الأمور المتعلّقة بالحروف، و لم يكن سبق من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيه أمر، و إنّما أشار كلّ واحد من الرجلين لما رأى في تأميره من المصلحة بزعمه، و إذا كان مثل ذلك من التقديم المنهي عنه الموجب للتوبيخ الظاهر من سياق الآية، فالأمر في الاجتهاد فيما سبق فيه أمر منه صلّى اللّه عليه و آله، و كان أشدّ تعلّقا بالدين أولى و أظهر. ]الوجه[ السابع قوله تعالى أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ‏ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُولِ و الرّدّ إلى اللّه و رسوله معناه إمّا التوقّف إلى أن يعلم حكمه بنصّ الكتاب و السّنّة على ما هو الحقّ، أو المراد به القياس على الحكم الذي في الكتاب و السنّة. و على التقدير الأوّل يدلّ على بطلان القياس مطلقا، و على الثاني يدلّ بحارالأنوار ج : 34 ص : 371على بطلان القياس فيما وجد فيه نصّ من الكتاب و السنّة على ما شرح في التفاسير. و على التقديرين يبطل القياس في مقابلة النصّ و إذا بطل القياس في مقابلة النصّ و لم يجز العمل به فيما وجد فيه نصّ من الرسول صلّى اللّه عليه و آله، لم يجز الاجتهاد و العمل به مخالفة لقول الرسول صلّى اللّه عليه و آله لأنّ كلّ من قال بعدم جوازه بالقياس، قال بعدم جوازه مطلقا. على أنّ الآية عامّة في كلّ متنازع فيه، سواء كان مما يؤخذ حكم طرفي النزاع، أو أحدهما من الكتاب و السنّة، أو لا. و قد حكم ]فيها[ بأنه يجب أن يرجع فيه إلى قول اللّه و رسوله و لا يحكم بأحد الطرفين، فعند مخالفة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بالاجتهاد و لو بالاستنباط الظنّي من النصّ، يصدق أنّه مما يجب الرجوع فيه إلى النصّ، فلا يجوز الاجتهاد على خلافه. بقي الكلام في أنّه ربّما كانت المسألة إجماعيّة فلا يصدق أنّها متنازع فيها، أو كانت مما لم يسبق إليه قول. و الجواب عنها قد سبق في تقرير الاستدلال بقوله تعالى فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ الآية. الثامن قوله تعالى وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَ إِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً ذمّهم على صدّهم عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله مطلقا، فدلّ على أنّ هذا الفعل ممن كان و بأيّ طريق كان مذموما غير سائغ، فلا يجوز مخالفته في شي‏ء لأنّه نوع من الصدّ. التاسع قوله تعالى وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ قالوا تقريره أنّ إرسال الرسول لمّا لم يكن إلّا ليطاع، كان من لم يطعه و لم يرض بحكمه لم يقبل رسالته، و من كان كذلك كان كافرا مستوجبا للقتل. و هذا الكلام منهم يدلّ على أنّهم فهموا منه عموم الإطاعة في جميع الأوامر، بمعنى أنّ الإرسال للإطاعة في جميع الأوامر و النواهي لا يجوز أن يخالف في

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 372شي‏ء منها لأنّ المقصود من إعلام أنّ الغرض من الإرسال هو الإطاعة، إيجاب الإطاعة على المرسل إليهم، لا مجرّد أنّ الغرض هو الإطاعة. و قال الفخر الرّازي إنّ ظاهر اللفظ يوهم العموم، و لعلّهم إنّما فهموا ذلك لأنّ المضارعة تفيد الاستمرار الزماني، و لا قائل بأنّ إطاعة النّبيّ في كلّ زمان واجب و إن لم يجب في جميع الأوامر، لكن ذلك لا يوجب أن يكون ظاهر اللفظ ذلك، و إنّما يستلزم وجوب الإطاعة على وجه العموم في الواقع. أو يقال نزّل الأوامر الجزئيّة منزله في أجزاء الزمان. فأريد بما يدلّ على عموم الثاني عموم الأوّل، كما أنّه يراد بالدوام و الأبدية عموم الأفراد و بما يدلّ على تبعيض الأوقات تبعيض الأفراد. و فيه أنّ ذلك مجاز غير ظاهر، و دعوى ظهوره بعيد. و التحقيق أنّ الطاعة ضدّ المعصية، و المعصية المضافة إلى الأمر تصدق بمخالفته و لو من وجه، و المضافة إلى الشخص الآمر تصدق بمخالفة أمر واحد من أوامره، فالطاعة للأمر هو عدم مخالفته بوجه من الوجوه، و للشخص الآمر هو عدم مخالفته في شي‏ء من أوامره، و لهذا كانوا يكتفون في إعطاء القيادة للأمراء و التسليم لهم بأنّا سامعون لك مطيعون من غير تعميم لمطلق الطاعة. و قولهم أطعناه في الأمر الفلاني دون غيره، مجاز خلاف الظاهر. و يؤيّده أنّهم استدلّوا بقوله تعالى قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ. و بقوله تعالى فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ على مسألة التأسّي، و لو لا العموم لم يصحّ هذا الاستدلال. العاشر قوله تعالى قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ و تقرير الاستدلال به على نمط الاستدلال بقوله تعالى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى. كما سبق ]في الوجه الأوّل[. بحارالأنوار ج : 34 ص : 373الحادي عشر قوله عزّ و جلّ قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَ ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَ لا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ و تقريره ما علم سابقا. الثاني عشر قوله تعالى وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ دلّ على أنّ طاعة الرسول في أيّ أمر كان سبب للكون مع النبيّين و الصّدّيقين، و لو كان النّبي صلّى اللّه عليه و آله مخطئا في اجتهاده و علم ذلك، لم يكن طاعته في ذلك الأمر سببا لما ذكر، فدلّ على عدم الخطإ في الاجتهاد. الثالث عشر قوله تعالى ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ دلّ على أنّ المأثور عن الأنبياء الأوّلين لا يحتمل الخطأ، و إلّا لم يكن بين إتيانهم بالأثارة و عدمه فرق. و يمكن المناقشة ]فيه[ بوجهين الأوّل أنّا لا نسلم أنّه يدلّ على عدم الخطإ في الأثارة، و إنّما يدلّ على عدم الصدق بدونها يعني أنّهم لا يقدرون على الإتيان بالأثارة الدالّة على الشرك، و ما لم يأتوا بها لا يكونون صادقين في دعواهم لأنّ ذلك ليس مما يعلم بالعقل المحض، فإن علم، فإنّما يعلم بالنقل، و لا نقل هاهنا، و لا ينافي هذا أن لا يكفي النقل المذكور في الشرك. و الثاني أنّ ذلك من الأصول، و نحن لا نخالف في عدم جواز مخالفة النّبي صلّى اللّه عليه و آله فيما قاله في أصول الدين، و إنّما نجوّز مخالفته في الفروع. و كلتاهما خلاف الظاهر فلا ينافي التمسّك بظاهره. الرابع عشر الآيات الدّالة على النهي عن اتّباع الظنّ و الاقتصار على

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 374العلم، و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله معلوم أنّه حكم اللّه و لو ظاهرا، و يجوز اتباعه بل يجب، و اجتهاد الأمّة إذا كان مخالفا له، ليس بمعلوم أنّه يجوز اتّباعه لتحقّق الخلاف في ذلك، فمخالفته ترك للمعلوم الواجب المأمور، باتّباعه بالمظنون المنهي عن اتّباعه. الخامس عشر قوله تعالى مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَ مَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وجه الاستدلال أنّ من عرف اللسان لا يرتاب في أنّ مفاد الآية هو أنّ طاعة الرسول صلّى اللّه عليه و آله ليس إلّا طاعة اللّه عزّ و جلّ، فكما أنّ من خالف نصّ اللّه سبحانه بالاجتهاد ضالّ غاو، فكذلك من خالفه صلّى اللّه عليه و آله بالاجتهاد، و من جوّز مخالفته لأنّه يقول عن اجتهاد لزمه القول باجتهاده تعالى و جواز مخالفته. و قد فسرّ اللّه تعالى ضدّ الطاعة في الآية التالية لهذه الآية بإضمار غير ما يقول صلّى اللّه عليه و آله، قال سبحانه وَ يَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَ اللَّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ تَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَ كَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا و قد استدلّ الفخر الرازي في التفسير بهذه الآية على عصمته صلّى اللّه عليه و آله في جميع أقواله و أفعاله ثم قال ]و[ قال الشافعي في باب فرض طاعة الرسول صلّى اللّه عليه و آله إنّ قوله تعالى مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ يدلّ على أنّ كلّ تكليف كلّف اللّه عباده في باب الوضوء و الصلاة و الزكاة و الصوم و الحجّ و سائر الأبواب في القرآن، و لم يكن ذلك التكليف مبيّنا في القرآن، فحينئذ لا سبيل إلى القيام بتلك التكاليف إلّا ببيان الرسول صلّى اللّه عليه و آله، و إذا كان الأمر كذلك لزم القول بأنّ طاعة الرسول عين طاعة اللّه، هذا كلام الشافعي. انتهى. بحارالأنوار ج : 34 ص : 375و لا يخفى أنّ في هذه الكلمات اعترافا بأنّ الاجتهاد بخلاف أمره صلّى اللّه عليه و آله قطعي البطلان، و اجتهاد بخلاف أمر اللّه عزّ و جلّ، فلو فرضنا تعبّده صلّى اللّه عليه و آله بالاجتهاد، لم يجز مخالفته على حال من الأحوال. السادس عشر قوله تعالى لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ. جعل عامّة المفسّرين الضمير راجعا إلى الرسول صلّى اللّه عليه و آله. و قول أبي بكر الرّازي إنّه راجع إلى اللّه سبحانه، لا عبرة به، على أنّه لو صحّ لكان بناء الكلام على ادّعاء أنّ مخالفة أمره مخالفته سبحانه، حتّى تتلاءم أجزاء الآية، و حينئذ يتمّ المقصود بوجه أتمّ. و إذا كان مخالفة أمره صلّى اللّه عليه و آله موضعا للحذر عن الفتنة و العذاب الأليم، ظهر فساد الاجتهاد في خلافه. أمّا إذا جعل موافقة الأمر عبارة عن الاعتراف بكون ذلك الأمر حقّا واجب القبول على ما زعمه البعض، فظاهر. و أمّا إذا جعل بمعنى الإتيان بما أمر به على وجهه، فلأنّه إذا كان مخالفة أمره بهذا المعنى مظنّة للعذاب و الفتنة، كان الاجتهاد بخلاف ما أمر به باطلا، و هو المدّعى. ]الوجه[ السابع عشر الأوامر المطلقة في إيجاب طاعة الرسول صلّى اللّه عليه و آله مفردة و مقرونة بإيجاب طاعة اللّه سبحانه كقوله تعالى وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ و قوله تعالى قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَ عَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَ إِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَ ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ و هي في الكتاب الكريم أكثر من عشرين موضعا، و الاجتهاد

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 376بخلاف أمره صلّى اللّه عليه و آله تصويب لمخالفة أمر اللّه عزّ و جلّ في إيجاب طاعة رسوله صلّى اللّه عليه و آله، و بطلانه واضح، و إفادة أمثال تلك الأوامر للعموم قد تبيّن في الأدلّة السابقة. الثامن عشر مما يدل على بطلان الاجتهاد على الوجه الذي يجوز مخالفته، أنّ أبا بكر و عمر كانا يقولان بأنّ حكمهما ربّما كان خطأ، و ربّما كان صوابا، و يلتمسان من الصحابة و سائر من حضرهما أن ينبّهوهما على الخطإ، و لا يقرّروا و لا يداهنوا، و لقد كانت المداهنة من القوم في شأنهما و الإغضاء على خطئهما أقلّ بالنسبة إليه صلّى اللّه عليه و آله، و الاحتشام منهم لهما دون الاحتشام له صلّى اللّه عليه و آله، و توهم تحتّم الصواب و وجوب الصحّة في قوله تعالى و فعله صلّى اللّه عليه و آله أكثر، لا سيما بعد ما تقرّر و تكرّر أنّه صلّى اللّه عليه و آله لا يفعل عن شهوة، و لا يقول عن هوى، و إنّما كلامه صلّى اللّه عليه و آله حكم، و نطقه فصل، و قوله عدل، و شهدت له بذلك الآيات المنزلة و السور المتلوّة، و لم يكن التوهّم في شأنهما بهذه المثابة و لا لهما هذه الأسباب و الدواعي، كيف و في حقّه صلّى اللّه عليه و آله نزل وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا و نهى عن معصيته و أوعد على مشاقّته و محاقّته، و لا شي‏ء من ذلك فيهما و لا لهما، فكان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أحقّ و أحرى بأن ينبّه على أنّ قوله ربّما يباين الصواب، و يخطئ من إصابة الحقّ، و كيف أهمل صلّى اللّه عليه و آله طول هذه المدّة المديدة و أضاع في تلك الأزمنة المتطاولة أن يجنّب أمّته اتّباع الباطل، و يحذرهم الاقتداء بغير الحقّ، و يصونهم عن الإصرار على ما لا ينبغي و يخالف حكم اللّه، و قد وفّق له أبو بكر و عمر و اهتديا إليه السبيل. و لو قال قائل إنّ هذا التنبيه و الإيماء كان أولى و لم يكن واجبا، كان الدليل قائما و الحجّة مستقيمة أيضا، لأنّ ترك النبيّ صلّى اللّه عليه و آله هذا الأولى و الأليق و الشفقة على الأمّة و النظر لها، و اختصاصهما بهذه المنزلة بحارالأنوار ج : 34 ص : 377و انفرادهما بهذه الفضيلة و إصرارهما على هذا القول الذي يرويه الناس في معرض مدحهما و يعدّونه من فضائلهما، مما تأباه القريحة السليمة، أ فلا قال صلّى اللّه عليه و آله إنّما أنا مثلكم أخطئ و أصيب، كما آكل و أشرب و أمشي في الأسواق و من علم عادته و تتبّع سيرته صلّى اللّه عليه و آله لم يثنه ريب و لم يختلجه شكّ في أنّه لو كان ما قالوا مما له مساغ في طريق الصدق، لم يهمل النبي صلّى اللّه عليه و آله أمره، و لا أغفل عن أن يهدي الناس إليه، لكنّ الإنصاف ارتحل من البين، و العصبية أرخت سدول الغشاوة على العين. ]الوجه[ التاسع عشر مما يدلّ على ذلك احتجاج أبي بكر على الأنصار يوم السقّيفة كما رووه بقوله »الأئمّة من قريش«. و تسليم الأنصار الأمر إليه، و انكسارهم بذلك عن سورتهم، فما بالهم لم يقابلوا حجّته بأن يقولوا أيّ دليل في هذا لك و قد علمت أنّه صلّى اللّه عليه و آله ربّما يقول القول عن رأي و اجتهاد و طال ما أخطأ و رجع فلا حجّة في ذلك و لا يصلح خصوصا فيما يتعلّق بالولاية و الزعامة، فإنّه قلّما يكون عن وحي سماوي و تنزيل إلهي، مع شدّتهم في أمرهم و وصيّتهم فيما بينهم بأن شدّوا على أيديكم و لا تملّكوا أمركم أحدا. حتّى أنّ حبّابا كان قد قبض على قبيعة سيفه، و كان سعد طول حياته يعترض و يصرّح ببطلان أمرهما و يلمح بالتّغلّب و العدوان إليهما و يتلظّى كبده عليهما، و جميع الأنصار كان شأنهم ذلك و حالهم هذا إلّا قليلا منهم، و ما قالوا في هذا الباب و حفظ عنهم من النظم و النثر مشهور، و في السير و التواريخ مذكور. و كيف غفلوا عن هذا التوهين القويّ لحجّتهم هب أنّهم عن آخرهم أخذتهم الغرّة، و غشيتهم الغفلة في أوّل الوهلة و بادي الأمر، فهلّا استدركوا ثانيا و احتجّوا مرّة أخرى العشرون قول أبي بكر »أقول في الكلالة برأيي، فإن يكن صوابا فمن اللّه، و إن يكن خطأ فمنّي و من الشيطان، و اللّه و رسوله منه بريئان«. فإن

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 378كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أسوة أبي بكر في جواز الخطإ عليه، لم يكن لهذه التبرئة و التنزيه وجه. الحادي و العشرون ما روي عن ابن مسعود أنّه قال في المفوّضة »أقول فيها برأيي، فإن كان صوابا فمن اللّه، و إن كان خطأ فمنّي و من الشيطان«. و هذا التفصيل قاطع للشركة، و هاتان الروايتان مشهورتان، أوردهما العلماء في كتب الأصول و استدلوا بهما على مسائل من أحكام الاجتهاد، و من جملتها كتاب الأحكام للآمدي. الثاني و العشرون قول عمر بن الخطّاب »أيكم يرضى أن يتقدّم قدمين قدّمهما رسول اللّه« أو ما في معناه كما سبق. و قوله ]الآخر[ »رضيك لأمر ديننا أ فلا نرضاك لأمر دنيانا«. و لا يخفى أنّ الصلاة إمّا من الأحكام و الأمور التي يجوز فيها الاجتهاد و يحتمل الخطأ، أو ممّا يكون بوحي إلهيّ لا بدّ منه. فعلى الأوّل لا وجه للاستدلال به لأنّ لهم حينئذ أن يقولوا نحن قد اجتهدنا و رأينا أنّ الصواب في ضدّ ما فعله صلّى اللّه عليه و آله، و أنّ الأوفق بالمصلحة خلاف ما رآه، و لا يمتنع ذلك عليه و لا نرضى بذلك، و أيّ استبعاد في هذا الرضا و إنّما يصحّ هذا الاستبعاد فيما لا يجوز فيه الخطأ و لا يتطرّق إليه البطلان. و لئن قيل إنّ الغالب عليه الصواب و إن جاز الخطأ أحيانا، و ما يغلب عليه الصواب ينبغي أن يحترز و يجتنب تركه، و المركوز في العقول التباعد عن مخالفة مثله لأنّ الخطأ مظنون فيها. قلنا إمّا أن يكون الأنصار نازعت أبا بكر و ادّعت الإمامة لنفسها بدون متمسّك و اجتهاد، أو رأته كذلك و قالت ما قالت عن شبهة تعتقدها دليلا بحارالأنوار ج : 34 ص : 379أو تظنّها حجّة، و الأوّل مما لا يقدم عليه مثل الأنصار الَّذِينَ آوَوْا وَ نَصَرُوا، و هم كبار الصحابة و أعلام المسلمين و خيار الناس و أعيان أهل الدين، ]و[ كيف يقدم مثلهم على هذا الفسق الواضح أ فلا كان في الأمّة من يطعن عليهم بالفسق و العصيان و لو كان، لنقل إلينا و هذا النوع من الاستدلال قد شاع بين القوم التمسّك به. و أيضا أجمعت الأمّة إجماعا مركّبا على أنّ كل من قال في الإمامة بالرأي، و دان فيها بالاجتهاد فاسق، أو أنّهم أتوا بأفضل عبادة و أثيبوا و إن لم يصيبوا. و أما أنّ بعضهم أصاب الحقّ و اليقين و آخرون فسقوا عن الدين، فمنفيّ إجماعا، فتعيّن أن يكون الأنصار و من يحذو حذوها قالت ما قالت عن شبهة، فكان الواجب على عمر أن يتمسك برجحان اجتهاده صلّى اللّه عليه و آله على اجتهادهم بواحد من الوجوه التي تصلح للترجيح من الأمور المقرّرة في الأصول. و على الثاني، كان عليه أن يثبت بدليل أنّه صادر عن الوحي لا عن الاجتهاد، و يأتي بحجّة تعيّن كونه من أحد القسمين دون الآخر. و أيضا لا معنى لقياس ما يجوز فيه الاجتهاد و يسوغ عليه الخطأ، كأمر الإمامة و الرئاسة على ما يجب استناده إلى الوحي و التوقيف، و كيف شبّه أحدهما بالآخر مع هذا الفارق الجلي الواضح. الثالث و العشرون قول عمر حين قال بعض المرتابين في جيش أسامة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله »أ تؤمّر علينا هذا الشابّ الحدث و نحن جلّة مشيخة قريش« دعني يا رسول اللّه أضرب عنقه فقد نافق. و هذا يدلّ على أنّه يلزم بمجرّد مخالفة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله النفاق و الكفر، و لا يجوز مخالفته صلّى اللّه عليه و آله، سواء كان قوله عن اجتهاد أو لا،

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 380و سواء كان في الولايات و الحروب أو غيرهما، و إلّا فمن أين يلزم نفاقه و كفره و يحلّ ضرب عنقه و كيف قرّره صلّى اللّه عليه و آله على هذا الرأي الفاسد و الزعم الباطل و لم ينكر هو عليه و لا أحد من الصحابة و التابعين و أين كان أعداؤه المتتبّعون لعثراته و زلّاته، الطالبون لخطاياه و أغلاطه عن هذا الخطإ الظاهر و كيف لم يطعن الفقهاء عليه طول هذه المدّة و لم يعترض عليه حتّى أنّ الذين كانوا على رأي الروافض في الصدر الأوّل عطشى الأكباد لأدنى هفوة من هفواته، كهشام بن الحكم، و محمد بن النعمان الأحول، و غيرهم ممن عرفوا بهذه الخصلة و عدّوا من أصحاب المقالات و النحل، لم يطعنوا عليه هذا الطعن مع حرصهم على الإزراء به، و ولوعهم على تشهير مساويه و مثالبه و لو لا أنّ هذا كان في الزمن السالف إجماعيا غير مختلف فيه ما أغمضوا عليه و ]لا[ تغافلوا عنه. و إنّ ما ذكرناه أقوى في باب العادات، و المعلوم من أحوال الناس من جميع ما يذكرونه في هذا النمط و يستدلّون عليه بها، و إنّما هذا القول البديع و الإفك المفترى، شهادة زور و أماني غرور اختلقها جماعة من المتأخّرين، ترويجا لبعض ما ينتحلونه، و ترميما لأفعال شيوخهم و أئمّتهم، و هيهات هيهات و أنّى لهم بذلك و قد حِيلَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ ما يَشْتَهُونَ الرابع و العشرون قول عمر أيضا يوم بدر حين قال أبو حذيفة في بعض ما كلّم به النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و قد كان صلّى اللّه عليه و آله يوصي أن لا يقتل أحد من بني هاشم لأنّهم استكرهوا و لم يخرجوا طائعين ]فقال أبو حذيفة[ »أ نقتل آباءنا و إخواننا و نترك بني هاشم فلو أنّي لقيت عمّ النبي صلّى اللّه عليه و آله لأضربنّ خياشمه بالسيف حيث قال ]عمر[ »إنّ أبا حذيفة قد نافق«. و استئماره النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بقوله »دعني أضرب عنق هذا المنافق«. و لم ينكر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله على عمر قوله، و لو كان الأمر على بحارالأنوار ج : 34 ص : 381ما زعموه لكان الحري بالهادي المهدي الراشد المرشد المبعوث للدلالة و الهداية أن يقول له أيّ رابطة زعمت بين إنكار قولي و بين النفاق. بل هو طاعة للّه، فإن كان صوابا فله أجران، و إلّا فأجر واحد، خصوصا في الحروب و تدبير أمر الجيوش و المغازي، سيّما يوم بدر الذي كان المسلمون فيه في غاية القلّة و نهاية الضعف، و لم يشتدّ ساعد الإسلام بعد، و كانت إثارة الإحن مجلبة للمحن، فلو لا أنّ عمر كان مصيبا في ذلك لما تغافل عنه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و لم يعتذر بأنّه يحبّ اللّه و رسوله، و لم يذهب في إصلاح ما بدا منه في الظاهر إلى أمر الباطن، و من المعلوم أنّ الظاهر إذا لم يفسد، لم يجز العدول في جواب قدح القادح فيه إلى أنّ باطنه على خلاف ما يوهمه ظاهره، فإنّ ذلك كلام من يسلّم من خصمه صحة مقدّماته التي ادّعاها، و لكنّ ذلك القدر لا يكفي في المطلوب، بل العمدة أمر الباطن و هو ملاك الأمر. و لو كان الأمر كما زعمه القوم لكان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يقول صادعا بالحقّ أن لا غائلة في قول أبي حذيفة و لا قدح، و إنّما ذلك أسوة سائر الكلمات التي يسوغ لكلّ أحد أن يكلّمني، و لو لم يكن عبادة فلا أقلّ من أن يكون مباحا، و لم يكن يعرض بأمر باطنه و صحة عقيدته، و لا يحيل على أمر غير ظاهر للناس خفيّ عن الأبصار. الخامس و العشرون أنّ الناس اجتمعوا على عثمان زارين عليه طاعنين فيه بمخالفته رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و العدول عن سنّته، و عدّدوا عليه أمورا، فلو جاز لأحد أن يخالفه بالاجتهاد لكان لعثمان أن يجيب خصمه بذلك و يناظرهم عليه، أو يرشدهم إليه، و ما رأيناه فعل ذلك مع كثرة المواقف التي واقفوه فيها كما مرّ بعضها، و لو فعل لنقل إلينا، و لقد كان كثير من الصحابة الذين طعنوا عليه واجهوه بما يسوؤه، و عابوه حين غابوا، و زجروه إذ حضروا عنده، و لم يعتل هو بأنّي اجتهدت و رأيت أنّ الصواب في خلاف ما قاله و فعله، و قد علمتم أنّه كثيرا ما كان يقول شيئا و يخالفه الناس لخطإ في رأيه،

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 382و ]ما قال[ أنا اليوم إمام القوم أولى منهم بذلك، و لو ساغ ما قلتم، استحال أن يتغافل عنه عثمان أو غفل هو و أتباعه و المصحّحون لما فعله في عصره، و لو احتجّ و اعتلّ بذلك، استحال في العادة أن لا ينقل إلينا و لم ينقل. ]الوجه[ السادس و العشرون أنّه لما كلّم عثمان أبا بكر و عمر في ردّ الحكم، أغلظا له القول و زبراه و قال له عمر يخرجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و تأمرني أن أدخله و اللّه لو أدخلته لم آمن أن يقول قائل غيّر عهد رسول اللّه صلّى عليه، و اللّه لئن أشقّ باثنتين كما تشقّ الآبلة و هو خوص المقل أحبّ إليّ من أن أخالف لرسول اللّه صلّى اللّه عليه أمرا، و إيّاك يا ابن عفّان أن تعاودني فيه بعد اليوم. و لو جاز مخالفته صلّى اللّه عليه و آله بالاجتهاد، لم يكن لعمر أن يردّ قول عثمان و يدفعه بأنّه مخالفة الرسول صلّى اللّه عليه و آله، و أنّ شقّه باثنتين أحبّ إليه منها، بل كان ينبغي أن يناظره و يحجّه بطريق الاجتهاد و سنّة النظر و مراعاة المصالح و المفاسد، و يرى عثمان وجه خطئه، و أنّه في أيّ موضع من مقدّمات الاجتهاد وقعت له الغفلة و حصل منه الإهمال، و ما نراه فعل هو ذلك و لا أبو بكر. السابع و العشرون قول عمر بعد ما سمع الخبر في دية الجنين »لو لم نسمع لقضينا فيه بغير هذا«. و روي أنّه قال »نقضي فيه برأينا«. فدلّ على أنّه كان يترك الرأي بخبر الواحد، و لم ينكر على عمر أحد قوله و كان يرى التفاوت في دية الأصابع، فرجع عن رأيه بخبر عمرو بن حزم، أنّ في كلّ إصبع عشرة. الثّامن و العشرون حديث أبي الدّرداء حيث روى نهي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن بيع أواني الذهب و الفضّة بأكثر من وزنها. فقال معاوية لا أرى بذلك بأسا. بحارالأنوار ج : 34 ص : 383فقال أبو الدرداء من يعذرني من معاوية أخبره عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و يخبرني عن رأيه لا أساكنك بأرض أبدا. دلّ كلام ]أبي الدرداء هذا[ على أنّ مقابلة النص بالرأي غير مشروع، و لم يخصّص في إنكاره بالأحكام، بل أطلقه بحيث يتناول الحروب و غيرها، و لو كان هناك فرق بين خبر و خبر و رأي و رأي، لما صحّ له الإطلاق. التاسع و العشرون أنّ عمر كان يرى أنّ الدّية للورثة و لم يملكها الزوج فلا ترث الزوجة منها، فأخبر أنّ الرسول صلّى اللّه عليه و آله أمر بتوريثه منها، و هو خبر الضحّاك بن سفيان بأنّه كتب النّبيّ بتوريثها من الدية. قال الآمدي ترك ]عمر[ اجتهاده في منع ميراث المرأة من دية زوجها بخبر الواحد و قال أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأي فضلّوا و أضلّوا كثيرا. و هذا، و إن كان مورده الميراث إلّا أنّ فحوى الكلام هجر الرأي بخبر الواحد مطلقا، و هذه الأخبار مما استدلّ به العلماء في كتب الأصول على أحكام خبر الواحد. الثلاثون ما روي أنّ عمر جاء رسولا إلى أبي بكر من قبل أعيان الجيش، فاستأذنه في رجوع أسامة متعلّلا بأنّ معه من وجوه الناس، و لا نأمن على خليفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و حرمه و حرم المسلمين أن يتخطّفهم المشركون حول المدينة. فقال أبو بكر لو تخطفني الكلاب و الذئاب لم أردّ قضاء قضى به رسول اللّه صلّى اللّه عليه. و لمّا أدّى إليه ]عمر[ رسالة الأنصار و سؤالهم أن يولّي عليهم أحدا أقدم سنا من أسامة وثب من مكانه و كان جالسا و أخذ بلحية عمر بن الخطاب فجرّها و قال ثكلتك أمّك يا ابن الخطّاب استعمله رسول اللّه و تأمرني أن أنزعه

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 384و قد كان وجه المصلحة فيما رأوه باجتهادهم ظاهرا، فلو لا أنّ مخالفة النّبيّ بالاجتهاد غير سائغ لما ساغ لأبي بكر أن يجيبه بالردّ من عرض الخلافة عليه أوّلا، و أفضى بها إليه أخيرا و أن يزري بقدره و يستخفّ به و يستهزئ ذلك الاستهزاء الذي لا يفعله الجلف الجافي بسوقي ساقط المحلّ. و كيف ساغ له أن يأخذ بلحيته الكثيفة و يخاطبه بالثكل و الويل و هو غير مستحقّ لذلك، سوى أنّه تحمّل رسالة كلّها أجر و ثواب، و جلّها صدق و صواب بزعمهم، و قد صدرت عن اجتهاد جماعة من المسلمين هم ذروة الأمر و سنامه و أساس الإسلام و قوامه و هل يغضب ذو الدين على الحاكي طاعة جماعة من المسلمين و عبادتهم، و يفعل فعل من لا صبر له، و استشاط غيظا و تلهّب غضبا، فلو لا أنّ الأمر بمخالفة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و لو كان عن اجتهاد كان فظيعا شنيعا لما ظهر منه ذلك الصنيع مع اتّفاق كان بينهما في النفاز و اتّحادهما في الإلحام و اجتماعهما على ترويح الباطن و هذا آخر ما أردنا إيراده من الأدلّة في هذا الباب و فيها كفاية لأولي الألباب. و لنشر إلى بعض شبه المخالفين الأولى قوله سبحانه عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ تَعْلَمَ الْكاذِبِينَ قالوا عاتبه على الإذن ]لمن أراد أن يتخلّف عنه[ و العتاب لا يكون إلّا عن خطإ و الخطأ لا يكون في الوحي بل في الاجتهاد و قال عَفَا اللَّهُ عَنْكَ و العفو لا يكون إلّا عن ذنب. و الجواب عنه أمّا أوّلا فبأنّا قد روينا عن أهل بيت العصمة عليهم السلام كما مرّ مرارا أنّ القرآن نزل ب ]طريقة قولهم[ »إيّاك أعني و اسمعي يا بحارالأنوار ج : 34 ص : 385جارة«، و هي مروية في كتبهم أيضا عن ابن عبّاس، ]و[ في معناه عن طرقنا أخبار كثيرة، فلعلّ ذلك كان بإشارة الأصحاب الذين تقول فيهم ما تقول، و نزلت الآية عتابا لهم و ردّا عليهم لقلّة نصحهم و سوء صنيعهم. و قد مرّ في هذا الكتاب أشباهها من قوله تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ و قوله سبحانه مخاطبا لعيسى عليه السلام أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ و للتعريض باب عريض، فلا يستبعد كون المراد بالآية المذكورة تعريضا و توبيخا لمن حمله عليه السلام على الإذن و ألجأه إليه و صنع ما انقلبت معه المصلحة عن وجهها و انعكس أمرها و انحصرت في الإذن إلى غير ذلك. ثمّ نقول لهؤلاء القوم لا يخلو النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في إذنه لهم من جهة الخطإ في الاجتهاد من أن يكون آثما أو تاركا للأولى، أو لا هذا و لا هذا، بل إمّا مثابا مأجورا أو فاعلا مباحا و الأوّل خلاف الإجماع، و لم يظهر قائل بالثاني أيضا بل المشهور هو الثالث. فإن كان استعمل لفظ العفو و المعاتبة معه صلّى اللّه عليه و آله، من جهة أنّه ترك الأولى، فقد خرجنا و هؤلاء الخصوم رأسا برأس، فإنّ المشهور عند أصحابنا الإمامية حمل هذه الآية و أمثالها على ترك الأولى بدون أن يكون خطأ في الاجتهاد، بل يكون تعمّدا لترك الأولى عندهم، كما يحملون خطيئة آدم عليه السلام مع ما وقع عليها من المعاتبات و غيرها على ترك الأولى، فلا ترجيح معهم. و إن كان من جهة الخطإ في الاجتهاد بدون أن يكون هناك ترك للأولى، بل إمّا أن يكون فعل فعلا مباحا أو أتى بنافلة و عمل بمندوب و أطاع اللّه فيما أمره به و أقام وظيفة عبادته، فلينصفوا حينئذ من أنفسهم، و لينظر اللبيب في أنّه هل يكون استعمال لفظ العفو و إيقاع المعاتبة في صورة ترك الأولى عمدا أحسن موقعا أم استعماله في خطإ وقع أثناء الاجتهاد مع أنّه لم يفعل فعلا

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 386مرجوحا بل إمّا مباحا، و لعلّ من له أدنى حظّ من الإدراك لا يرتاب في أنّ تأويل الإمامة أقرب بمراتب و أولى بدرجات كثرة. و مما ينبغي أن يعلم أنّ قوله صلّى اللّه عليه و آله و إذنه لهم من حيث إنّه قول و حكم لا يوصف بأنّه ترك الأولى لأنّ الحكم من حيث إنّه حكم كان أمرا مطابقا للواقع من جملة أحكامه عليه السلام، فكان القعود لهم جائزا بحسب الواقع، و إنّما كان ترك الأولى في إظهاره لهم و عدم منعهم من القعود. و يحتمل أن يقال لم يكن قعودهم جائزا في الواقع، بل كان الواجب عليهم أن يخرجوا إلى الجهاد، لكن كان الأولى له أن يمنعهم و لا يأذن لهم. و لا استبعاد في أنّ يكون قعودهم محرّما و إذنه عليه السلام بحسب ما يظهرونه من الأعذار و يتعلّلون بالعلل جائزا، فربّ أمر كان في الواقع حراما و الإذن فيه من حيث الظاهر جائزا، كما سيأتي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام، سلّم من شهد عليه شاهدان بالسرقة إليهما ليقطعاه فأرسلاه و فرّا، مع أنّ قطعه كان محرّما عليهما، و أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أذن لأهل الذمّة أن يقرّوا على مذهبهم و يستمرّوا على دينهم مع أنّه محرّم عليهم. و أذن لعثمان في عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح، مع أنّه كان على عثمان أن لا يستأذنه صلّى اللّه عليه و آله و أن لا يؤمّنه. و أذن أمير المؤمنين عليه السلام ]ل[ طلحة و الزبير في الخروج إلى العمرة، مع أنّه كان يعلم أنّه محرّم عليهما و كان يتظاهر بذلك. غاية ما في الباب، أن يكون عدم الإذن فيما نحن فيه أولى، و إذنه تركا للأولى، فإذا جاز أن يكون الإذن في المحرّم جائزا مباحا فأولى أن يكون تركا للأولى. ]الشبّهة[ الثانية قوله تعالى ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَ اللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَ اللَّهُ عَزِيزٌ بحارالأنوار ج : 34 ص : 387حَكِيمٌ لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ. قالوا لو لا أنّه أخطأ في أخذ الفدية لما عوتب على ذلك. و قد يقال إنّ مدلول هذه الآية نهي عن الأسر و قد وقع الأسر بلا شبهة. و أيضا قد أمر بالقتل و الأسر ضدّه، و قد روي أنّ عمر بن الخطّاب دخل على رسول اللّه فإذا هو و أبو بكر يبكيان فقال يا رسول اللّه أخبرني فإن أجد بكاء بكيت. فقال أبكي على أصحابك في أخذهم الفداء، و لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة ]و أشار[ بشجرة قريبة منه. و البكاء و نزول العذاب قريبا دليلان على الخطإ. و هذا أقصى ما قالوه في تقرير هذه الشبهة فنقول ]في جواب هذه الشبهة[ أمّا الأسر فلعلّه كان منهيّا عنه و لم يأسر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أحدا، و إنّما أمر بالقتل فخالفوه على ما ذكره السيّد ]المرتضى[ رضي اللّه عنه في كتاب تنزيه الأنبياء. و يرد على ذلك أنّ أمير المؤمنين أسر عمرو بن أبي سفيان أخا معاوية على ما جاءت به الرواية، و أشار عليه السلام إليه في كتابه إلى معاوية، فلو كان الأسر منهيّا عنه لم يفعله علي عليه السلام. و يمكن أن يكون الأسر ]في الواقع كان[ منهيّا عنه بالنسبة إلى كلّ أحد مقيّدا بالغاية المذكورة في الآية، و إذا انتهى الرجل إلى الغاية صحّ منه الأسر، و قد كان عليّ عليه السلام أثخن في الأرض حتّى أنّه قتل ما يقرب من نصف عدد القتلى، و غيره ما كان بلغ معشار ما بلغ صلوات اللّه عليه. أو يقال لعلّ الإثخان كان حاصلا حين أسر علي عليه السلام من أسر و لم يكن حاصلا حين أسر غيره.

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 388و قد قال السيّد ]المرتضى[ قدّس سرّه إنّهم لمّا تباعدوا عن العريش و عن مرائه صلّى اللّه عليه و آله، أسروا من أسروا من المشركين بغير علمه صلّى اللّه عليه و آله و لا يبعد أن يكون هو عليه السلام لم يأسر حتّى في الكفّار و انهزموا و تباعدوا و انتهى الأمر إلى آخره و وضعت الحرب أوزارها، فحينئذ أسر من أسر. و يمكن أن يكون هذا الأسر مستثنى من العام لحكمة تعلّقت به، و قد افتكوا به رجلا من الأنصار، و كان حبسه أبو سفيان بابنه و كان الغرض من الأسر هو هذا، و القرينة على أنّ مثله مخصوص من العام أنّ التوبيخ في الآية تعلّق بإرادة الدنيا و حطامها و أعراضها، و لو لم يكن المقصود من الأسر العرض الأدنى و النصيب الأخسّ و المطلب الأركس لم يكن داخلا في النهي. و اعلم أنّ حديث الأسر و كونه منهيّا عنه ساقط فيما نحن فيه من الاجتهاد و كونه واقعا على وجه الخطإ، و إنّما يتّجه التمسّك به في نفي العصمة، فإنّ القائل بأنّ الاجتهاد وقع خطأ، لا يقول بأنّه وقع مخالفة للنصّ و على وجه المعصية حتّى يكون مما يستحق عليه العذاب العظيم و الذي يتمسّك به في معصية النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لا يقول بأنّه وقع على سبيل الخطإ في الاجتهاد. و يمكن أن يتوجّه بأنّ النهي إنّما حصل بهذه الآية و لم يكن نهي صريح سابقا كيف و الاتّفاق حاصل على أنّه لم يكن هناك نهي و نصّ. و أمّا الأمر بالقتل في قوله تعالى فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَ اضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ فالمراد به الكثرة لا محالة، لا عموم ]ضرب[ أعناق الكفّار بلا خلاف، فالقتل المدلول عليه بالآية لا ينافي الأسر. و مما يدلّ على أنّ المراد به الكثرة، هذه الآية، فإنّها كالمفسّرة لتلك، و كذلك قوله تعالى فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا بحارالأنوار ج : 34 ص : 389أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ. فلعلّه عليه السلام علم المراد قبل نزول هاتين الآيتين أو بواحدة منهما أو بغيرهما، فقد ظهر أنّ القتل المأمور به هو الإثخان فيه و الإكثار منه و هذا غير صريح في النهي عن الأسر. و لمّا دلّ الدليل على عدم صدور المعصية منه عليه السلام، تعيّن الحمل على ذلك. و قد حصل التوبيخ له صلّى اللّه عليه و آله و العتاب في هذه الآية و لا وجه له حينئذ سوى أنّه اجتهد و أخطأ في الاجتهاد. و هذا تقريره على وجه ينطبق على ما نحن فيه. و أنت خبير بأنّ الخطأ في الاجتهاد إمّا أن يكون ناشئا عن تفريط و تقصير يعدّ ذنبا و معصية، أو لا، بل يقع موجبا للثواب و مقتضيا للأجر الجميل، و على الأوّل فقد بطل استدلاله، إذ لو كان ذنب لا محالة لازما فأيّ دلالة في الآية على الاجتهاد و الخطإ فيه. و على الثاني، لم يصحّ ترتّب العقاب على الفعل المندوب لا محالة، الموجب للأجر و الثواب، و لا قائل بأنّ المخطئ في الاجتهاد تارك للأولى غير مستحقّ للثواب، و لا بأنّه مع عدم تفريطه مستحقّ للعقاب إلّا شرذمة قليلة لا يعبأ بهم، و لم يبق أحد منهم على أنّ الكلام معهم هو الكلام على الاحتمال الأوّل. و قول الفخر الرازي إنّ الخطأ في الاجتهاد و إن كان حسنة، إلّا أنّ حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين، فلذلك حسن ترتّب العقاب عليه، فيه نظر لأنّه بعد تسليم صحّة ترتّب العقاب على الحسنة بناء على أنّ هاهنا ما هو أحسن منها، فلم لا يجوز أن لا يكون هاهنا خطأ في الاجتهاد بل أصاب في اجتهاد و علم الحسن و الأحسن، و اختار الحسن على علم منه. أ فترى أنّه يمتنع من النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ترك الأحسن و العمل بالحسن، إذا كان علمهما

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 390و ميّز بينهما و إنّما لا يمتنع إذا لم يعلمهما و حسبهما متساويين، فلا توجب الأصلح و الأحسن على اللّه سبحانه و توجبه على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله. و قد زعمت أنّ ترك الأحسن. و العمل بالحسن مما تكرّر منه صلّى اللّه عليه و آله، فقد رويتم أنّه صلّى اللّه عليه و آله عبس في وجه ابن أمّ مكتوم فعاتبه اللّه على ذلك، كما مرّ، و عندكم أنّه محمول على ترك الأفضل أو الصغيرة. و ]رويتم أيضا أنّه صلّى اللّه عليه و آله[ حرّم مارية ]القبطيّة[ على نفسه، و عند أصحاب هذا القائل أنّه صلّى اللّه عليه و آله أذنب و أنّ قوله تعالى وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ إيماء على العفو عن هذه الزّلّة، و أنّ قوله تعالى لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ و أمره بالاستغفار في قوله وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ و ما روي أنّه صلّى اللّه عليه و آله كان يستغفر في اليوم و الليلة سبعين مرّة، محمول على الذّنب. أو على ترك الأفضل و الأولى. و نظائر ذلك كثيرا، فما الذي كان باعثا على أنّ اللّه تعالى خالف عادته في ترك النكير عليه، و بهذا يعلم أنّ هذا العتاب و الإنكار ليس مبنيّا على ترك الأحسن، سواء أنشئ عن اجتهاد أو غيره. و بما ذكرنا، يعلم جواب عن قولهم إنّه صلّى اللّه عليه و آله كان مأمورا بالقتل و الأسر ضدّه و ليس لأحد أن يقول إنّ الأمر تناول حال الحرب و ما بعده، و لو كان بغير اختيار النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله، فلا ريب في أنّ إبقاءهم بعد الحرب كان باختياره، و هو مناف للأمر بالقتل لأنّا نقول الأمر بالقتل كان مقيّدا بحال المحاربة كما هو المتبادر من قوله ]تعالى[ فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا بحارالأنوار ج : 34 ص : 391فَضَرْبَ الرِّقابِ فإنّ الظاهر من الأمر بضرب الرقاب وقت اللقاء و هو حال الحرب، و لا يسمّى ما بعد الحرب و حصول الأسرى مكتوفين بأيدي الخصوم و تبدّد شملهم و زوال فئتهم عن مراكزهم، لقاء. و أيضا المتبادر من مثل هذه العبارة حدثان ذلك الفعل و فواتحه، لا أواخره، و إن دام على أنّ ضربّ الأطراف الذي فسّر به ضرب البنان غير معهود من صاحب الشرع في الأسير، فإنّه يجري مجرى المثلة، و إنّما يجوز وقت التحام الحرب و حين المسايفة. و ربّما قيل إنّ الأسر أضيف إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله حيث قال عزّ من قائل ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ و لو لا أنّ الأسر وقع بأمره و إذنه، ما كان يضاف إليه صلّى اللّه عليه و آله. و أجاب عنه السيّد ]المرتضى[ رضي اللّه عنه بأنّ الأصحاب إنّما أسروهم ليكونوا في يده صلّى اللّه عليه و آله، فهم أسراؤه صلّى اللّه عليه و آله و مضافون إليه و إن كان لم يأمرهم بأسرهم. انتهى. و نظيره قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ مع أنّ المطلّق لغير العدّة كان عبد اللّه بن عمر، و لم يأمره صلّى اللّه عليه و آله بذلك الطلاق، و قد أضيف إليه الطلاق و خصّ بالخطاب. و ممّا يدلّ على أنّ إبقاء الأسرى لم يكن إثما، ما روى الواقدي عن عليّ عليه السلام أنّه كان يحدّث و يقول أتى جبرئيل النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يوم بدر فخيّره في الأسرى بين أن يضرب أعناقهم، أو يأخذ منهم الفداء و يستشهد من المسلمين في قابل عدّتهم، فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أصحابه و قال هذا جبرئيل يخيّركم في الأسرى بين أن يضرب أعناقهم، أو تؤخذ منهم الفدية و يستشهد منكم قابلا عدّتهم بأحد.

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 392قالوا بل نأخذ الفدية و نستعين بها و يستشهد منّا من يدخل الجنّة، فقبل منهم الفداء، و قتل من المسلمين قابلا عدتهم. و طعن من طعن في هذا الحديث بأنّه ينافي العتاب على أخذ الفداء من باب الطعن بالمجهول على المعلوم. مع أنّ ابن حجر ذكر في شرحه لصحيح البخاري أنّ الترمذي و النسائي و ابن حبّان و الحاكم رووه عن عليّ عليه السلام بإسناد صحيح. و يدلّ عليه أيضا، أنّ إبقاء الأسرى قد كان بإذنه و ما كان يسع المرءوس، إذا أذن الرئيس و أمر أن يخالف و يختار، ]لا[ سيّما في مثل هذا الخطب الجليل و الشأن العظيم، خصوصا بعد ما أبرم مرائر أمر أتباعه و طاعته، و أوعد على معصيته في الكتاب الكريم، فكانت التّبعة على الآذن المطاع و الآمر الواجب الاتباع، و لكان هو المستحقّ لتوجّه العتاب و التقريع و لم يقع الأمر كذلك، بل خصّوا بالعتاب و التهديد دونه صلّى اللّه عليه و آله، و غاية الأمر أن يعمّه صلّى اللّه عليه و آله معهم، و كذلك استشارة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أصحابه في أمر الأسارى و أخذ الفداء منهم، دليل على أنّه لم يكن النصّ تناوله، و لو كان خاصّا أو عامّا تناوله، فكيف غفل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عنه مع طول مدّة المشورة و البحث عن أمرهم حتّى روي أنّ أبا بكر و عمر كلّماه متناوبين متعاقبين مرارا عديدة، و أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله دخل خيمته ثمّ بعد أمّة خرج و استأنف أمر المشورة، و كان الناس يخوضون في كلامهما و يقول قائل القول ما قال أبو بكر. و قائل القول ما قال عمر. و رووا أنّه تمثّل لهما بالملائكة و حالهم و حال عدة من الأنبياء عليه السلام، و تلا عدّة من الآيات أ فلم يخطر بباله تلك الآية النازلة في الواقعة التي هو بصددها. و تذكر الآيات النازلة في شأن الأنبياء عليهم السلام و وقائعهم، حتّى تمثّل بها لأبي بكر و عمر. بحارالأنوار ج : 34 ص : 393و كيف لم يذكر أبو بكر هذه الآية حتّى يتوقّف مما كان فيه و يرتدع من استبقاء الأسارى و ما الذي دهم الخائضين في كلامهما، حتّى ضربوا صفحا عن ذكر الآية التي أهمهم أمر ما نزلت فيه ثمّ هلم إلى عمر و ذهوله عن الآية، مع أنّ له فيها غرضا عظيما و حظّا جسيما لشدّة ولوعه بقتل الأسرى، خصوصا بني هاشم، لا سيّما عبّاسا و عقيلا حتّى صرّح باسمهما و عيّن القاتل لهما. و بعد اللتيّا و التي، لو كان استبقاؤهم باجتهاد غفلة عن النصّ، و ذهولا عن أمر اللّه تعالى، كان المجتهد فيه مثابا و مأجورا، و لم يتوجه العتاب، إلى آخر ما علمت. و أمّا أخذ الفداء، فلا يتمّ الكلام فيه إلّا بأن يثبت أنّ العتاب و التهديد وقع عليه و هو ممنوع، بل إنّما وقع على الأسر الذي فعله المحاربون بدون إذن النبي صلّى اللّه عليه و آله، و كان غرضهم من الأسر عرض الدنيا و كسب المال على ما دلّ عليه القرآن. و أيضا أخذ الفداء، كان للتقوّي على الجهاد. على ما دلّت عليه الرواية و هو ممّا يتعلّق بأمر الآخرة و الذّم و العتاب، إنّما توجه بالآية إلى من كان يريد عرض الدنيا، فظهر أنّه على غير هذا الأخذ وقع، و بما سواه تعلّق كما قلنا أنّ الذمّ وقع على فعل الأصحاب المحاربين، و لعلّ غرضهم كان متعلّقا بالحطام الدنيوي. و ممّا يدلّ على أنّ هذا الوعيد و العتاب لم يكن على أخذ الفداء ثانيا، الرواية التي ذكرنا في دخول عمر على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فإنّ العذاب أضيف فيها إلى الأصحاب، و البكاء كان عليهم، و لم يذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نفسه في البكاء و العذاب، مع أنّه هو الآذن الآمر لهم، و لا خيرة لهم مع أمره فما للعذاب و لهم

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 394نعم لو كان ينزل على أبي بكر خاصّة لكان له وجه لأنّه هو المشير على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بهذا الرأي و المزيّن له. و مفهوم الاستثناء المذكور في روايتهم الأخرى، حيث قال »لو نزل العذاب لما نجا منه إلّا عمر«. يدلّ على أنّه كان يتناوله صلّى اللّه عليه و آله، فبين الروايتين نوع من التنافي. و من ذلك ظهر أنّ الرواية بأن تكون دليلا على نقيض مدّعاهم، أولى منها بأن تكون دليلا لهم، و لو صحّ البكاء، لكان رحمة عليهم لما ذكرنا من الأسر الواقع منهم. و منه هاهنا ظهر أنّ بين ما تضمنته الرواية من تخصيص البكاء في العذاب بهم و جعله بإزاء أخذ الفداء تنافيا. و قول الفخر الرّازي »أنّ بكاءه صلّى اللّه عليه و آله كان لخطإ في الاجتهاد، و حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين« فيه نظر من وجهين. الأوّل أنّه لا معنى للبكاء على فعل الطاعة و ما يوجب الثواب. و الثّاني أنّه لا وجه لبكائه صلّى اللّه عليه و آله على الأصحاب لخطإ نفسه، و هل رأيت أحدا يبكي على غيره لذنب نفسه فهذا في غاية الظرافة. و لا يتوهّم أنّ العذاب علّق في الآية على الأخذ لا على الأسر لأنّ الأخذ يستعمل في كلّ فعل و لا يختصّ بما يؤخذ، إلّا إذا وصل بكلمة »من« الجارّة، و لا صلة في الآية ]الكريمة[. و لنكتف من ردّ شبههم بما تعلّق بهاتين الآيتين الشريفتين، فإنّهما عمدة تمسّكوا به. و أمّا ما تمسّكوا به من الأخبار، فجوابها أظهر من أن يتعرّض له، مع أن أكثرها مما لم يثبت عندنا، و نحن في فسحة من ردها و منع صحّتها.

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 395

]الباب السّادس و الثلاثون[

باب آخر نادر في ذكر ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام من الأشعار المناسبة لهذا المجلد و قد مر بعضها في الأبواب السابقة

 1-  منها في الشكاية ]من أهل الزمان و معاصريه[

تغيّرت المودّة و الإخاء *** و قلّ الصّدق و انقطع الرّجاء

و أسلمني الزّمان إلى صديق *** كثير الغدر ليس له رعاء

سيغنيه الذي أغناه عني *** فلا فقر يدوم و لا ثراء

و ليس بدائم أبدا نعيم *** كذاك البؤس ليس له بقاء

و كلّ مودّة للّه تصفو *** و لا يصفو من الفسق الإخاء

إذا أنكرت عهدا من حميم *** و في النّفس التّكرّم و الحياء

و كلّ جراحة فلها دواء *** و سوء الخلق ليس له دواء

و ربّ أخ وفيت له وفيّ ***  و لكن لا يدوم له الوفاء

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 396

يديمون المودّة ما رأوني *** و يبقى الودّ ما يبقى اللقاء

أخلاء إذا استغنيت عنهم *** و أعداء إذا نزل البلاء

و إن غيّبت عن أحد قلاني *** و عاقبني بما فيه اكتفاء

إذا ما رأس أهل البيت ولىّ *** بدا لهم من النّاس الجفاء

 بيان :

الرعاء الحفظ و الرّعاية. و الثّراء كثرة المال و الولد و غيرهما. و إنكار العهد عدم معرفته أي تغيّره. و الحميم القريب نسبا. و قوله »وفي« بالجرّ صفة لأخ. و القلا البغض. ]و[ قوله »بما فيه اكتفاء« أي في العقوبة. و المراد ب »رأس أهل البيت« نفسه عليه السلام، أو النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

 و منها في بيان شجاعته عليه السلام في غزاة بدر :

ضربنا غواة النّاس عنه تكرّما *** و لمّا رأوا قصد السبيل و لا الهدى‏

و لمّا أتانا بالهدى كان كلّنا *** على طاعة الرحمن و الحقّ و التّقى

‏نصرنا رسول اللّه لمّا تدابروا ***  و ثاب إليه المسلمون ذوو الحجى

 بيان ]لفظة[ »و لمّا« في الأوّل حرف نفي و فيما بعده للشرط. و إضافة »القصد« إلى »السبيل« من قبيل إضافة الصّفة إلى الموصوف، يقال طريق قصد و قاصد إذا أدّاك إلى المطلوب. و ثاب الرّجل رجع و ثاب الناس اجتمعوا و جاءوا. أقول ]ذكر[ في الدّيوان أنّها لغزوة بدر، و لعلّها بغزوة أحد و حنين أنسب كما لا يخفى.

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 397

 و منها يومئ إلى الشّكوى

فلو كانت الدنيا تنال بفطنة *** و فضل و عقل نلت أعلى المراتب‏

و لكنّما الأرزاق حظّ و قسمة *** بفضل مليك لا بحيلة طالب

 و منها في مثله :

ليس البليّة في أيّامنا عجبا *** بل السّلامة فيها أعجب العجب

 و منها في نحوه

ذهب الوفاء ذهاب أمس الذاهب ***  و الناس ابن مخاتل و موارب‏

يفشون بينهم المودّة  والصفا *** و قلوبهم محشوّة بعقارب

 بيان : ختله و خاتله أي خدعه.

و المواربة و قد يهمز المخادعة.

 و منها في شبهه

علمي غزير و أخلاقي مهذّبة *** و من تهذّب يشقى في تهذّبه

‏لو رمت ألف عدوّ كنت واجدهم *** و لو طلبت صديقا ما ظفرت به

 

 بيان : الغزارة الكثرة. و تهذيب الأخلاق تصفيتها و تخليصها عمّا يضيّعها. و ]معنى[ قوله عليه السلام »يشقى« أي يتعب. و الرّوم الطلب.

 و منها في تعبير الوليد بن المغيرة

يهدّدني بالعظيم الوليد فقلت أنا ابن أبي طالب‏أنا ابن المبجّل بالأبطحين و بالبيت من سلفي غالب

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 398

فلا تحسبنّي أخاف الوليد و لا أنّني منه بالهائب‏فيا بن المغيرة إنّي امرؤ سموح الأنامل بالقاضب‏طويل اللّسان على الشّائنين قصير اللّسان على الصّاحب‏خسرتم بتكذيبكم للرسول تعيبون ما ليس بالعائب‏و كذبتموه بوحي السّماء فلعنة اللّه على الكاذب

 بيان الأبطح مسيل واسع فيه حصى صغار. و قيل أريد بالأبطحين أبطح مكّة و أبطح المدينة الذي يقال له وادي العقيق. و وجه تبجيل أبي طالب بالمدينة، أنّ سلمى أمّ عبد المطّلب كانت منها. و إنّما خصّ من أسلافه و أجداده غالبا تفؤّلا بالغلبة. و القاضب السيف القاطع أي تجود أنامله بأعمال السيّوف القاطعة. و الشّائنون المبغضون. ]و قوله[ »ما ليس بالعائب« أي خلقا لا يصير سببا لعيب صاحبه.

 و منها خطابا لأبي لهب

أبا لهب تبّت يداك أبا لهب و صخرة بنت الحرب حمالة الحطب‏خذلت نبيّ اللّه قاطع رحمه فكنت كمن باع السلامة بالعطب‏لخوف أبي جهل فأصبحت تابعا له و كذاك الرأس يتبعه الذّنب‏فأصبح ذاك الأمر عارا يهيله عليك حجيج البيت في موسم العرب‏و لو لان بعض الأعادي محمد لحانى ذووه بالرماح و بالقضب‏و لن تشملوه أو يصرّع حوله رجال ملاء بالحروب ذوو حسب

 بيان التباب خسران يؤدّي إلى الهلاك. و اليدان إمّا بمعناهما أو كناية عن بحارالأنوار ج : 34 ص : 399النفس كقوله تعالى وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ. أو عن النفس و البدن أو عن الدّنيا و الآخرة. و »صخرة«، عطف على »يداك«، و يحتمل العطف على محلّ الضمير أيضا. و »قاطع« حال عن ضمير الخطاب. و العطب بالتحريك الهلاك. و »ذاك« إشارة إلى تبعة لأبي جهل. و يقال هلت الدقيق في الجراب أي صببته من غير كيل، و كلّ شي‏ء أرسلته إرسالا من رمل أو تراب أو طعام أو نحوه. قلت هلته أهيله هيلا فانهال أي جرى و انصبّ. و لعلّه إشارة إلى رمي الحاجّ إليه بالأحجار عند مرورهم عليه، أو قراءتهم هذه السورة في المواسم. و »عن بعض« متعلّق ب »لان« بتضمين معنى الإعراض، أو »عن« للتعليل. و لحوت العصا ألحوها لحوا قشرتها. و كذلك لحيت العصا ألحيها لحيا و لحيت الرجل ألحاه لحيا لمته. و قال الجوهري سيف قاضب و قضيب أي قطّاع و الجمع قواضب و قضب، و كأنّ الضمير في »ذووه« راجع إلى البعض و يحتمل إرجاعه إلى محمد صلّى اللّه عليه و آله. أو »يصرع« أو بمعنى إلّا أن أو إلى أن. و الصرع السقوط على الأرض. و الملاء جمع الملي‏ء و هو الثقة المعتمد عليه في الأمر.

 و منها خطابا لمعاوية

سيكفيني المليك و حدّ سيفي لدى الهيجاء تحسبه شهاباو أسمر من رماح الخطّ لدن شددت غرابه أن لا يعاباأذود به الكتيبة كلّ يوم إذا ما الحرب أضرمت التهاباو حولي معشر كرموا و طابوا يرجون الغنيمة و النّهاباو لا ينحون من حذر المنايا سؤال المال فيها و الإيابافدع عنك التّهدّد و اصل نارا إذا خمدت صليت لها شهابا

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 400بيان الأسمر الرمح. و الخطّ موضع باليمامة تنسب إليه الرماح لأنّها تحمل من بلاد الهند. فتقوّم به. و اللدن اللّين من كلّ شي‏ء، و غراب الفأس بالكسر حدّها. قوله عليه السلام »أن لا يعابا« أي لئلّا يعاب. و النهاب جمع النهب. »و لا ينحون« بالحاء المهملة أي لا يقصدون. و التهدّد التخويف. و صلى الكافر النار قاسى حرّها. و صلى النار دخل فيها. و صليت الرجل نارا إذا أدخلته النار.

 و منها مخاطبا له أيضا

أنا علي و أعلى الناس في النسب بعد النبيّ الهاشميّ المصطفى العربي‏قل للذي غرّه منّي ملاطفة من ذا يخلّص أوراقا من الذهب‏هبّت عليك رياح الموت سافية فاستبقني بعدها للويل و الحرب

 بيان روي أنّه عليه السلام أنشد تلك الأبيات بعد انقضاء المحرّم ]من العام 37] و إرادة الشروع ثانيا في القتال. قوله عليه السلام »قل للذي« أي قل للذي يحبّني للطفي لا تتوقّع من أهل الزمان أن يعرفوا فضلي، فإنّ النّاس لا يميّزون بين أوراق الفضّة و دنانير الذهب. أو المعنى قل لمعاوية الذي غرّه منّي ملاطفة بتأخير الحرب في المحرّم، إنّي لا أترك الحرب حتّى أميّز بين المؤمن و المنافق. و سفت الريح التراب ذرّته. و حربه حربا كطلبه طلبا سلب ماله. بحارالأنوار ج : 34 ص : 401

11-  فيما أجاب به بعض الأعادي في صفّين

إيّاي تدعو في الوغا يا ابن الأرب و في يميني صارم يبدي اللهب‏من يحطه منه الحمام ينسرب لقد علمت و العليم ذو أدب‏أن لست في الحرب العوان بالأدب و عن قليل غير شكّ أنقلب

 بيان الوغا الحرب. و الأرب بالتحريك و بالكسر الحاجة و يستعمل في الاحتيال. و الحطوّ بوزن العلو تحريك الشي‏ء من الأول. و الحمام بالكسر الموت. و الانسراب الجريان. و العوان من الحروب ما قوتل فيها مرّة بعد أخرى. »و عن قليل« أي بعد زمان قليل. و ]قوله[ »غير شكّ« صفة لمقدّر و هو يقينا.

 و منها تهديدا لمعاوية و جنوده

أبى اللّه إلّا أنّ صفّين دارنا و داركم ما لاح في الأفق كوكب‏إلى أن تموتوا أو نموت و ما لنا و ما لكم عن حومة الحرب مهرب

 بيان بالضمّ و السكون أيضا طرف السماء. و ]قال الجوهري[ في الصحاح حومة القتال معظمه.

 و منها في مدح أصحابه في تلك المحاربة

يا أيّها السّائل عن أصحابي إن كنت تبغي خبر الصواب

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 402أنبئك عنهم غير ما تكذاب بأنّهم أوعية الكتاب‏صبر لدى الهيجاء و الضراب فسل بذاك معشر الأحزاب

 بيان »غير ما تكذاب« ]لفظة[ »ما« زائدة و التكذاب بالفتح الكذب.

 و منها في مثله

أ لم تر قومي إذ دعاهم أخوهم أجابوا و إن أغضب على القوم يغضبواهم حفظوا غيبي كما كنت حافظا لقومي أجزي مثلها إن تغيّبوابنو الحرب لم تقعد بهم أمهاتهم و آباؤهم آباء صدق فأنجبوا

 بيان حفظ الغيب للشخص أن لا تفعل في غيبته ما يكرهه. و ضمير »مثلها« راجع إلى المحافظة. قوله عليه السلام »لم تقعد« قال الشارح ]هذا[ دعاء ]لهم[ أي لا تقعد أمهاتهم بمآتمهم. أقول و يحتمل أن يكون من المقاعد من النّساء، و هي التي قعدت عن الولد و الحيض. ذكره الجوهري. و الأظهر أنّه خبر و ليس بدعاء و الباء للتعدية، و المعنى لم تصر أمّهاتهم سببا لقعودهم عن الحرب لدناءتهن، فيناسب المصرع الثاني. و ]أيضا[ قال ]الجوهري[ أنجب ولد نجيبا. و امرأة منجبة و منجاب تلد النّجباء. بحارالأنوار ج : 34 ص : 403

 و منها في مدح قبائل من عسكره

الأزد سيفي على الأعداء كلّهم و سيف أحمد من دانت له العرب‏قوم إذا فاجئوا أوفوا و إن غلبوا لا يجمحون و لا يدرون ما الهرب‏قوم لبؤسهم في كلّ معترك بيض رقاق و داودية سلبواالبيض فوق رءوس تحتها اليلب و في الأنامل سمر الخطّ و القضب‏البيض تضحك و الآجال تنتحب و السمر ترعف و الأرواح تنتهب‏و أي يوم من الأيّام ليس لهم فيه من الفعل ما من دونه العجب‏الأزد أزيد من يمشي على قدم فضلا و أعلاهم قدرا إذا ركبواو الأوس و الخزرج القوم الذين هم آووا فأعطوا فوق ما وهبوايا معشر الأزد أنتم معشر أنف لا تضعفون إذا ما اشتدّت الحقب‏وفيتم و وفاء العهد شيمتكم و لم يخال قديما صدقكم كذب‏إذا غضبتم يهاب الخلق سطوتكم و قد يهون عليكم منكم الغضب‏يا معشر الأزد إنّي من جميعكم راض و أنتم رءوس الأمر لا الذنب‏لن تيأس الأزد من روح و مغفرة و اللّه يكلؤكم من حيث ما ذهبواطبتم حديثا كما قد طاب أوّلكم و الشوك لا يجتنى من فرعه العنب‏و الأزد جرثومة إن سوبقوا سبقوا أو فوخروا فخروا أو غولبوا غلبواأو كوثروا كثروا أو صوبروا صبروا أو سوهموا سهموا أو سولبوا سلبواصفوا فأصفاهم المولى ولايته فلم يشب صفوهم لهو و لا لعب‏هينون لينون خلقا في مجالسهم لا الجهل يعروهم فيها و لا الصخب‏الغيث إمّا رضوا من دون نائلهم و الأسد يرهبهم يوما إذا غضبواأندى الأنام أكفا حين تسألهم و أربط الناس جأشا إن هم ندبواو أيّ جمع كثير لا تفرقه إذا تدانت لهم غسّان و الندب‏و اللّه يجزيهم عمّا أتوا و حبوا به الرسول و ما من صالح كسبوا

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 404بيان الأزد أبو حيّ من اليمن. و الإيفاء الوفاء بالعهد، و الإشراف على الشي‏ء، و إعطاء الحقّ وافيا. و قال الجوهري جمع الفرس اعتزّ فارسه و غلبه. و جمحت المرأة زوجها و هو خروجها من بيته إلى أهلها قبل أن يطلّقها. و جمح أسرع. و المعترك معركة الحرب. و البيض الرقاق السيوف الرقيقة. و الداودية الدروع المنسوبة إليه عليه السلام. قوله »سلبوا« أي أخذوها في الحرب من الأعادي. و قال الجوهري اليلب الدروع اليمانية كانت تتخذ من الجلود بعضها إلى بعض. و يقال اليلب كلّ ما كان من جنن الجلود و لم يكن من الحديد. و قال يقال رماح رواعف لما يقطر منها الدم أو لتقدّمها في الطعن. ]و قوله[ »ما وهبوا« على المجهول كما صحّحه الشارح أو على المعلوم أي أعطوا أزيد مما عهدوا و وعدوا من الإيثار و الإفضال. و ]قال الزمخشري[ في الأساس هو أنف قومه و هم أنف الناس ]أي سادتهم[ قال الحطيئة

قوم هم الأنف و الأذناب غيرهم

و ]قال الجوهري[ في الصحاح روضة أنف بالضم أي لم يرعها أحد، و كأس أنف إذا لم يشرب بها قبل ذلك. و أنف من الشي‏ء يأنف أنفا و أنفة استنكف. يقال ما رأيت أحمى أنفا و لا آنف من فلان. و الحقب جمع الحقبة بالكسر و هي السّنون. و »قديما« مفعول فيه أي زمانا قديما. ]و[ »طبتم حديثا« أي جديدا. و الجرثومة بالضم الأصل. ذكره الجوهري و قال ساهمته قارعته فسهمت أسهمه بالفتح صفوا أي من الغشّ و الباطل. بحارالأنوار ج : 34 ص : 405]قوله[ »فأصفاهم المولى ولايته« أي أعطاهم اللّه محبّته أو أخلص لهم كلّ محبّ محبّته، أو أخلص اللّه لهم محبّته إيّاهم أو محبّتهم له. قال الجوهري أصفيته الودّ أخلصته له و أصفيته بالشي‏ء آثرته به. و قال شي‏ء هيّن على فيعل أي سهل. و »هين« مخفّف، و قوم هينون لينون. و قال عراني هذا الأمر و اعتراني إذا غشيك. و قال الصخب الصياح و الجلبة. و ]لفظة[ »ما« في ]قوله[ »إن ما ]رضوا[« زائدة كما في قوله تعالى فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ. و النائل العطاء، و المعنى أنّهم إن رضوا فجودهم بحيث يعدّ الغيث أدون و أقلّ من عطائهم. و »يوما« مفعول فيه لقوله »غضبوا«. و النّدى الجود و فلان أندى من فلان إذا كان أكثر خيرا منه. و يقال فلان رابط الجأش أي يربط نفسه عن الفرار لشجاعته. و ندبوا على بناء المفعول من قولهم ندبه لأمر فانتدب له أي دعاه له فأجاب. ذكره الجوهري و قال ]أيضا[ الندب بالتحريك الخطر. و تقول رمينا ندبا أي رشقا. و الندب، أيضا الجرح إذا لم يرتفع عن الجلد و قال الفيروزآبادي الندب بالتحريك الرشق و الخطر، و قبيلة منها بشر بن حرب و محمد بن عبد الرحمن. و قال غسّان أبو قبيلة باليمن منهم ملوك غسّان، و ماء بين رمع و زبيدة من نزل من الأزد فشرب منه سمّي غسّان و من لم يشرب فلا انتهى إليه. و قال الشّارح الواو في »و الندب« بمعنى مع. و فيه نظر. و قوله »من صالح« بيان ل »ما« أي و ما كسبوا من صالح و ما عطف على ما.

 و منها مخاطبا لعثمان بحارالأنوار ج : 34 ص : 406

و إن كنت بالشورى ملكت أمورهم فكيف بهذا و المشيرون غيّب‏و إن كنت بالقربى حججت خصيمهم فغيرك أولى بالنّبيّ و أقرب

 بيان قال الشارح قوله عليه السلام »و المشيرون غيّب« إشارة إلى ما قاله الحافظ إسماعيل من أنّ طلحة كان غائبا، و لمّا دفن عمر قعد عثمان و عليّ و الزبير و عبد الرحمن و سعد يتشاورون، فأشار عثمان على عبد الرحمن بالدخول في الأمر فأبى و قال لست بالذي أنافسكم على هذا الأمر، فإن شئتم اخترت لكم منكم واحدا. فجعلوا ذلك إلى عبد الرحمن، فأقبل الناس كلّهم إليه فأخذ يتشاور حتّى جاء في الليلة الثّالثة إلى باب المسور بن مخرمة بعد هوى من اللّيل، فضرب الباب و قال ادع لي الزبير و سعدا. فجاءا و شاورهما، ثمّ أرسل إلى عثمان فدعاه فناجاه حتّى فرّق بينهما المؤذّن، فلمّا صلّوا الصبح اجتمعوا و أرسل عبد الرحمن إلى من حضر من المهاجرين و الأنصار و أمراء الأجناد فبايع عثمان و بايعوه. بحارالأنوار ج : 34 ص : 407و أقول هذا إن ثبت أنّ الخطاب كان لعثمان كما ذكره الشارح، و إلّا فيمكن أن يكون الخطاب لأبي بكر، فالمراد بالمشيرين بنو هاشم و أتباعهم. و قوله »و إن كنت بالقربى« إلخ بهذا أنسب، لما عرفت أنّهم احتجوا على الأنصار بالقرابة و قد مرّ مثل هذا الكلام منه عليه السلام في النثر.

 و منها في تهديد من اجترأ عليه في الوغا

يا جامعا لشمله ساعاته و دنت منيّته و حان وفاته‏ارجع فإنّي عند مختلف القنا ليث يكرّ على العدى جرّاته

 بيان »و دنت« معطوف على »جامعا« كقوله تعالى فالِقُ الْإِصْباحِ وَ جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً.

 و منها في استئذان القتال من النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله

هل يدفع الدرع الحصين منيّة يوما إذا حضرت لوقت مماتي‏إنّي لأعلم أنّ كلّ مجمّع يوما يئول لفرقة و شتات‏يا أيّها الداعي النّذير و من به كشف الإله رواكد الظلمات‏أطلق فديتك لابن عمك أمره و ارم عداتك عنه بالجمرات‏فالموت حقّ و المنيّة شربة تأتي إليه فبادر الزّكوات

 بيان »الرواكد« الثوابت »فبادر الزّكوات« أي بادر ابن عمّك ما يوجب زكاة النفوس و طهارتها من الذنوب و ذمائم الأخلاق.

 و منها خطابا لفاطمة عند توجّهه إلى قتال المشركين بحارالأنوار ج : 34 ص : 408

قرّبي ذا الفقار فاطم منّي فأخي السيف كلّ يوم هياج‏قرّبي الصّارم الحسام فإنّي راكب في الرجال نحو الهياج‏ورد اليوم ناصحا ينذر الناس جيوش كالبحر ذي الأمواج‏و ردوا مسرعين يبغون قتلي و أبيك المحبوّ بالمعراج‏و خراب الأوطان و قتل الناس و كلّ إذا أصبح لاجي‏سوف أرضي المليك بالضرب ما عشت إلى أن أنال ما أنا راج‏من ظهور الإسلام أو يأتي الموت شهيدا من شاخب الأوداج

 بيان يوم الهياج بالكسر يوم القتال. و الصارم بكسر الراء و الحسام بالضم السيف القاطع. و قال الشارح الهياج جمع الهائج، و هو الفحل يشتهي الضراب. و ]قوله[ »ناصحا« مفعول ]لقوله[ »ورد« و الواو في قوله »و أبيك« للقسم أو عطف على ضمير المتكلّم في ]قوله[ »قتلي« على مذهب من جوّزه. و »خراب« معطوف على »قتلي« ]قوله[ »أصبح لاج« أي ملتجئا إليّ. و الشخب السيّلان. و الودجان عرقان في العنق. و »من« بيانيّة أو ابتدائية و لا يخفى توجيهها على اللبيب.

 و منها في الشكوى ]ممن يتظاهر بالخلة و يبطن الخلاف[

كلّ خليل لي خاللته لا ترك اللّه له واضحةفكلّهم أروغ من ثعلب ما أشبه اللّيلة بالبارحة

 بيان الواضحة الأسنان التي تبدو عن الضّحك. بحارالأنوار ج : 34 ص : 409

 و منها ]ما أنشده[ عند بناء مسجد المدينة

لا يستوي من يعمر المساجدا و من يبيت راكعا و ساجدايدأب فيها قائما و قاعدا و من يكرّ هكذا معانداو من يرى عن الغبار حائدا

 و منها في عرض الإيمان على سيّد الأنام

يا شاهد ]اللّه[ عليّ فاشهد إنّي على دين النّبي أحمدمن شكّ في الدين فإنّي مهتدي يا ربّ فاجعل في الجنان موردي

23-  و منها في الاعتذار من قتل من قتلهم من قريش

قريش بدتنا بالعداوة أوّلا و جاءت لتطفئ نور ربّ محمدبأفواههم و البيض بالبيض تلتقي بأيديهم من كلّ عضب مهنّدو خطية قد سقّفت سمهرية أسنّتها قد حودثت بمحدّدفقلنا لهم لا تبعثوا الحرب و اسلموا و فيئوا إلى دين المبارك أحمدفقالوا كفرنا بالذي قال إنّه يوعّدنا بالحكم و الحشر في غدفقتلتهم و اللّه أفضل قربة إلى ربّنا البرّ العظيم الممجد

 بيان »بدت« من البدو، أو من المهموز. و العضب السيف القاطع. و المهنّد السيف المطبوع من حديد الهند. و تثقيف الرماح تسويتها. ذكره الجوهري و قال الاسمهرار الصلابة و الشدّة. و السمهرية القناة الصلبة. و يقال ]هي[ منسوبة إلى سمهر اسم رجل كان يقوم الرماح يقال رمح سمهري و رماح سمهرية. و محادثة السيف جلاؤه. و السلم بالتحريك الخلوص. و الأظهر أنّه من السلامة أو السلام بمعنى الصلح. و الفي‏ء الرجوع. و القتلة بحارالأنوار ج : 34 ص : 410بالكسر القتل.

 و منها خطابا لسعيد بن سلمة المخزومي

إنّ الذي سمك السماء بقدرة حتّى علا في عرشه فتوحّدابعث الذي لا مثله فيما مضى يدعى برأفته النّبيّ محمدافاعلم بأنّك ميّت و محاسب فإلى متى تبغي الضلالة و الردى‏أقبل إلى الإسلام إنّك جاهل و تجنّب العزّى و ربّك فاعبداو اللّات و الهجرات فاهجر إنّني أخشى عليك عذاب يوم سرمدا

 بيان الهجرات الهذيانات. و منها في المفاخرة

أنا أخو المصطفى لا شكّ في نسبي معه ربيت و سبطاه هما ولدي‏جدّي و جدّ رسول اللّه متّحد و فاطم زوجتي لا قول ذي فندصدّقته و جميع الناس في ظلم من الضّلالة و الإشراك و النكدفالحمد للّه فردا لا شريك له البرّ بالعبد و الباقي بلا أمد

 بيان الفند ضعف الرأي من هرم. و النكد بالتحريك أيضا الشدّة.

 و منها ]ما[ قاله عليه السلام عند قربه من البصرة

و إنّي قد حللت بدار قوم هم الأعداء و الأكباد سودهم إن يظفروا بي يقتلوني و إن قتلوا فليس لهم خلود

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 411 و منها مخاطبا لابنه محمد ]ابن الحنفية[ في حرب الجمل

اطعن بها طعن أبيك تحمد لا خير في حرب إذا لم توقدبالمشرفيّ و القنا المسدّد

 بيان الضمير في ]قوله[ »توقد« راجع إلى الحرب قال تعالى كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ و المشرفيّ بالفتح السيف المنسوب إلى مشارف الشام.

 و منها مخاطبا للأشعث ]بن قيس الكندي[ في صفّين

اصبر على تعب الإدلاج و السهر و بالرّواح على الحاجات و البكرلا تضجرن و لا يعجزك مطلبها فالنّجح يتلف بين العجز و الضجرإنّي وجدت و في الأيّام تجربة للصبر عاقبة محمودة الأثرو قلّ من جدّ في أمر يطالبه فاستصحب الصّبر إلّا فاز بالظفر

 بيان روي أنّ الأشعث بن قيس دخل عليه بصفّين و هو قائم يصلّي ظهيرة فقال قلت يا أمير المؤمنين أ دءوب بالليل ]و[ دءوب بالنهار ]قال[ فانسلّ من صلاته و هو يقول هذه الأبيات.

و الإدلاج السيّر بالليل. و البكر جمع البكرة.

 و منها في الشّكاية عن أهل الزّمان

ذهب الرجال المقتدى بفعالهم و المنكرون لكلّ أمر منكرو بقيت في خلف يزيّن بعضهم بعضا ليدفع معور عن معورسلكوا بنيّات الطريق فأصبحوا متنكّبين عن الطّريق الأكبر

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 412بيان الإعوار الريبة. و مكان معور ]أي[ يخاف فيه القطع. و العورة كلّما يستحى منه. و بنيات الطريق الطرق الصغيرة المنشعبة من الجادّة.

 و منها في ]بيان[ حسن خلقه عليه السلام

أريد بذاكم أن يهشّوا لطلعتي و أن يكثروا بعدي الدّعاء على قبري‏و أن يمنحوني في المجالس ودّهم و إن كنت عنهم غائبا أحسنوا ذكري

 بيان بذاكم أي بالمزاح. و الهشاشة الارتياح و الخفّة للمعروف. و الطّلعة الرؤية.

 و منها في ذمّ بعض أهل زمانه عليه السلام

ما فيك خير و لا مير يعدّله قضيت منك لباناتي و أوطاري‏فإن بقيت فلا ترجى لمكرمة و إن هلكت فمذموما إلى النار

 بيان قال الجوهري الميرة الطعام يمتاره الإنسان. و قد مار أهله يميرهم ميرا. و منه قولهم ما عندهم خير و لا مير. و اللبانة و الوطر الحاجة.

 و منها مخاطبا لبعض أزواجه عليه السلام

إلى كم يكون العذل في كلّ ليلة لما لا تملّين القطيعة و الهجرارويدك إنّ الدهر فيه كفاية لتفريق ذات البيت فانتظري الدهرا

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 413بيان العذل الملامة. و قال شارح ]الديوان[ التملية إيقاد النار بلا حطب. و لم أره فيما عندنا من كتب اللغة، و يمكن أن يكون من الإملاء بمعنى الإمهال و التأخير، أو من الملال و الأخير أظهر. و رويدك اسم فعل بمعنى أمهل.

 و منها في ذكر هجرة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و مبيته عليه السّلام على فراشه، رواه أبو جعفر الطوسي و غيره

وقيت بنفسي خير من وطأ الحصا و من طاف بالبيت العتيق و بالحجررسول إليه الخلق إذ مكروا به فنجّاه ذو الطول الكريم من المكرو بتّ أراعيهم متى ينشرونني و قد وطّنت نفسي على القتل و الأسرو بات رسول اللّه في الغار آمنا موقّى و في حفظ الإله و في سترأقام ثلاثا ثمّ ذمّت قلائص قلائص يفرين الحصا أينما تفري‏أردت به نصر الإله تبتلا و أضمرته حتّى أوسّد في قبري

 بيان نشرت الخشبة أنشرها إذا قطعتها بالمنشار. و النشر البسط و التفريق. و القلوص الناقة الشّابة، و جمعه قلص ]على زنة عنق[ و جمعه قلائص. و الفري القطع. و »تفري« يحتمل الخطاب، و الشارح حمله على الغيبة و أرجع الضمير إلى »القلائص«. و التبتّل الانقطاع عن الدنيا إلى اللّه تعالى.

 و روى ]الميبذي[ في ]شرح[ الديوان عن عبد اللّه بن شريك عن أبيه بحارالأنوار ج : 34 ص : 414أنّه قال لأمير المؤمنين عليه السلام إنّ على باب المسجد قوما يزعمون أنّك ربّهم فدعاهم فقال ويلكم إنّما أنا عبد اللّه مثلكم آكل الطعام و أشرب الشراب، فاتّقوا اللّه و ارجعوا. فأتوه في اليوم الثاني و الثالث فقالوا مثل ذلك، فقال لهم و اللّه إن تبتم و إلّا قتلتكم أخبث قتلة. فدعا قنبر و أتى بقدوم فحفر لهم أخدودا بين باب المسجد و القصر، فدعا بالحطب فطرحه و النار فيه و قال إنّي طارحكم فيها أو ترجعوا. فأبوا فقذف بهم فيها حتّى احترقوا. و قال بعض أصحابنا لم يحرقهم و إنّما ادّخن عليهم ثم قال عليه السلام

لمّا رأيت الأمر أمرا منكرا أوقدت ناري و دعوت قنبراثمّ احتفرت حفرا و حفرا و قنبر يحطم حطما منكرا

 و منها في مدح أهل البيت عليهم السلام

قد يعلم الناس أنّا خيرهم نسبا و نحن أفخرهم بيتا إذا فخروارهط النبيّ و هم مأوى كرامته و ناصروا الدين و المنصور من نصرواو الأرض تعلم أنّا خير ساكنها كما به تشهد البطحاء و المدرو البيت ذو الستر لو شاءوا يحدثّهم نادى بذلك ركن البيت و الحجر

 بيان لعلّ ]المراد من[ علم الأرض علمها على تقدير الحياة، أو المراد أهل الأرض. و شهادة البطحاء و أمثالها أيضا بلسان الحال أو أهلها.

 و منها في الفخر و إظهار المكارم

إذا اجتمعت عليا معدّ و مذحج بمعركة يوما فإنّي أميرهامسلّمة أكفال خيلي في الوغا و مكلومة لباتها و نحورها

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 415حرام على أرماحنا طعن مدبر و تندقّ منها في الصدور صدورها

 بيان معد بالفتح أبو العرب. و مذحج بفتح الميم و الذال المعجمة و تقديم الحاء على الجيم أبو قبيلة. و الأكفال جمع الكفل. و الغرض أنّا لا نفرّ في الحرب و لا نتبع المدبر.

 و منه في مثله، و روي أنّه قالها لمّا بويع من قبله بالخلافة

أغمّض عيني عن أمور كثيرة و إنّي على ترك الغموض قديرو ما من عمى أغضي و لكنّ ربّما تعامى و أغضى المرء و هو بصيرو أمسكت عن أشياء لو شئت قلته و ليس علينا في المقال أميرأصبّر نفسي في اجتهادي و طاقتي و إنّي بأخلاق الجميع خبير

 و منه في الشكاية ممّن خانه و خالفه من قريش و غيرهم

تلكم قريش تمنّاني لتقتلني فلا و ربّك ما بزّوا و لا ظفروافإن بقيت فرهن ذمّتي لهم بذات ودقين لا يعفو لها أثرو إن هلكت فإنّي سوف أورثهم ذلّ الحياة فقد خانوا و قد غدرواإمّا بقيت فإنّي لست متّخذا أهلا و لا شيعة في الدين إذ فجرواقد بايعوني و لم يوفوا ببيعتهم و ماكروني في الأعداء إذ مكرواو ناصبوني في حرب مضرّمة ما لم يلاق أبو بكر و لا عمر

 بيان في بعض النسخ رواه أبو عمرو بن العلاء، و ابن درستويه، و قال بعد البيتين الأوّلين »قال أبو عثمان المازني لم يصحّ عندنا ]أنّه[ تكلّم بشي‏ء من بحارالأنوار ج : 34 ص : 416الشّعر إلّا هذين البيتين«. قلت هذا القول منه لا يدلّ على أنّه لم يصحّ أصلا ]حتّى عند غيره[، و قد يصحّ عند غيره أشياء لا تحصى. ]ثمّ قال[ و زاد غيرهما. ثمّ ذكر باقي الأبيات. و »تمنّى« أصله تتمنّى. ]و قوله[ »ما بزّوا« ما غلبوا. و في بعض النسخ ]ذكرت اللفظة[ بالراء المهملة. و الرهن بمعنى المفعول ]أي المرهون[. و الذمّة ما يذمّ الرجل على إضاعته من عهد. و الودق المطر. و في ]كتاب[ الأساس »حرب ذات ودقين« شبّهت بسحابة ذات مطرتين شديدتين. و قال الجوهري ذات ودقين الداهية أي ]الداهية[ ذات وجهتين كأنّها جاءت من وجهين. و أصل »إمّا« إن ما.

 و منه بعد قتل طلحة و الزبير

أشكوا إليك عجري و بجري و معشرا أعشوا علي بصري‏إني قتلت مضري بمضري جدعت أنفي و قتلت معشري

 بيان قال ]ابن الأثير نقلا عن الهروي[ في ]مادّة »بجر« من كتاب[ النهاية في حديث عليّ عليه السلام »أشكوا إلى اللّه عجري و بجري« أي همومي و أحزاني. و أصل العجرة نفخة في الظهر، فإذا كانت في السرّة فهي بجرة. و قيل العجر العروق المتعقّدة في الظهر، و البجر العروق المتعقّدة في البطن، ثمّ نقلا إلى الهموم و الأحزان، أراد أنّه يشكو إلى اللّه أموره كلّها ما ظهر بحارالأنوار ج : 34 ص : 417منها و ما بطن. و الإغشاء الستر. و مضر قبيلة أبوهم مضر بن نزار بن معد بن عدنان. و الجدع بالدال المهملة قطع الأنف.

 و منه خطابا لابن العاص في ]معركة[ صفّين

يا عجبا لقد رأيت منكرا كذبا على اللّه يشيب الشعرايسترق السمع و يغشي البصرا ما كان يرضى أحمد لو خبّراأن تعدلوا وصيّه و الأبترا شاني النبيّ و اللعين الأخزراكلاهما بجنده قد عسكرا قد باع هذا دينه إذ فجّرابملك مصر إن أصابا ظفرا من ذا بدنيا بيعه قد خسرايا ذا الذي يطلب منّي الوترا إن كنت تبغي أن تزور القبراحقّا و تصلى بعد ذاك الجمرا أسعطك اليوم ذعافا صبرالا تحسبني يا ابن عاص عسرا سل بي بدرا ثم سل بي خيبراكانت قريش يوم بدر جزرا إنّي إذا ما الحرب يوما حضراأضرمت ناري و دعوت قنبرا قدّم لوائي لا تؤخّر حذرالن ينفع الحاذر ما قد حذرا و لا أخا الحيلة عمّا قدّراإنّ الحذار لا يردّ القدرا لمّا رأيت الموت موتا أحمرادعوت همدان و ادعوا حميرا لو أنّ عندي يوم حربي جعفراأو حمزة الليث الهمام الأزهرا رأت قريش نجم ليل ظهرا

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 418 أقول روى الأبيات نصر بن مزاحم في كتاب صفّين و زاد بعد قوله »و ادعوا حميرا«

حيّ يمان يعظمون الخطرا قرن إذا ناطح قرنا كسراقل لابن حرب لا تدبّ الخمرا أرود قليلا أبد منك الضجرالا تحسبنّي يا ابن حرب غمرا و سل بنا بدرا معا و خيبراكانت قريش يوم بدر جزرا إذ وردوا الأمر فذمّوا الصدرا

 بيان »الأبتر الشاني« هو عمرو بن العاص. »و اللعين الأخزر« معاوية. و الأخزر الضيّق العين. أو الذي ينظر بمؤخّر العين. و قال الشارح الأبتر معاوية، و الأخزر ]هو[ عمرو. و هو ينافي ما ذكره الخاص و العام أنّ قوله ]تعالى[ إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ. نزل في عمرو. و الوتر الجناية. و الإسعاط صبّ الدواء في الأنف. و الذعاف السمّ. و موت ذعاف أي سريع. و الصبر المرّ. و قال الجوهري جزر السّباع اللحم الذي تأكله يقال تركوهم جزرا بالتحريك إذا قتلوهم. ]قوله عليه السلام[ »أضرمت ناري« أي نار الغضب. و ]قال الجوهري[ في الصحاح موت أحمر يوصف بالشدّة. قوله عليه السلام »رأت قريش« أي يصير عليهم اليوم ليلا لشدّة الأمر.

 و منه في الشكوى بحارالأنوار ج : 34 ص : 419

صبرت على مرّ الأمور كراهة و أبقيت في ذاك الصّباب من الأمر

 الصبابة بالضمّ البقية من الماء و الجمع صباب ]أو صبابات[ و هو كناية عن الخلافة و ما أصابه منها. و في بعض النسخ ]الضباب[ بالضّاد المعجمة و هي سحابة تغشي الأرض كالدّخان، فتكون كناية عمّا لحقه و بقي عليه من الشدائد و المحن.

 و منه خطابا لأصحابه في صفّين

دبّوا دبيب النمل قد آن الظفر لا تنكروا فالحرب ترمي بالشررإنا جميعا أهل صبر لا خور

 بيان الخور بالتحريك الضعف. و منه شكاية عن حيلة ]عمرو[ بن العاص في التحكيم

لقد عجزت عجز من لا يقتدر سوف أكيس بعدها و أستمرّأرفع من ذيلي ما كان يجرّ قد يجمع الأمر الشّتيت المنتشر

 و منه في الشكاية عن قلّة الأنيس الموافق

الحمد للّه حمدا لا شريك له دأبي في صبحه و في غلسه‏لم يبق لي مونس فيؤنسني إلّا أنيس أخاف من أنسه‏فاعتزل الناس ما استطعت و لا تركن إلى من تخاف من دنسه‏فالعبد يرجو ما ليس يدركه و الموت أدنى إليه من نفسه

 بيان الغلس ظلمة آخر الليل. بحارالأنوار ج : 34 ص : 420

 و منه في المفاخرة

أ تحسب أولاد الجهالة أنّنا على الخيل لسنا مثلهم في الفوارس‏فسائل بني بدر إذا ما لقيتهم بقتلي ذوي الأقران يوم التمارس‏و إنّا أناس لا نرى الحرب سبّة و لا ننثني عند الرماح المداعس‏و هذا رسول اللّه كالبدر بيننا به كشف اللّه العدا بالتّناكس‏فما قيل فينا بعدها من مقالة فما غادرت منّا جديدا للابس

 بيان »بنو البدر« من حضرها. و تمارسوا في الحرب تضاربوا. و السبة بالضمّ عار يسبّ به. و المدعاس الرمح الذي لا ينثني. و المدعس الرمح يدعس به. »بالتناكس« أي بانقلاب رايتهم أو بانهزام. قوله عليه السلام »فما غادرت« يحتمل أن يكون المراد عدم رضاه بما ذكره فيه الغالون أي ما ذكروه أبلى ثيابنا و أذهب عزّنا. أو يكون إشارة إلى ما ذكره القالون المبغضون و لعلّه أظهر. و يحتمل أن يكون خبر الموصول محذوفا أي لا حاجة لنا فيها و ]يكون[ ضمير »غادرت« راجعا إلى ما ذكره عليه السلام من المناقب أي لم تترك جديدا لم تأت به إلينا. أو المعنى أنّ بعد تحقّق تلك المناقب لا ينفع غاصبينا و أعداءنا ما قالوا فينا من المثالب لأن يلبسوا بسبّنا ثوبا جديدا من الخلافة.

 و منه في المفاخرة و إظهار الشجاعة

السيف و الخنجر ريحاننا أفّ على النرجس و الآس‏شرابنا من دم أعدائنا و كأسنا جمجمة الراس

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 421 و منه في مثله

إنّي أنا الليث الهزبر الأشوش و الأسد المستأسد المعرّس‏إذ الحروب أقبلت تضرّس و اختلفت عند النزال الأنفس‏ما هاب من وقع الرماح الأشرس

 بيان قال الأصمعي الليث دابّة مثل الحرباء يتعرّض للراكب و ينسب إلى بلدة »عفرّين« بكسر العين و تشديد الراء، و في المثل هو أشجع من ليث عفرّين. و يحتمل أن يكون هو المراد هنا فإنّ التأسيس أولى. و الهزبر الأسد. و الشوش بالتحريك النظر بمؤخّر العين تكبّرا و تغيّظا. ذكره الجوهري و قال استأسد اجترأ عليه. و قال التعريس نزول القوم في السفر من آخر الليل يقفون فيه وقفة للاستراحة ثمّ يرتحلون. و العريس و العريسة مأوى الأسد. و ضرّسته الحرب تضريسا أي جرّبته و أحكمته. و وقع الحديد صوته. و رجل أشرس أي عسر شديد الخلاف أو جري‏ء على القتال. و الأشرس الأسد.

 و منه في بناء سجن بالقصب

أ لا تراني كيّسا مكيّسا بنيت بعد نافع مخيّساحصنا حصينا و أمينا كيّسا

 بيان المكيس ]بكسر الياء[ من يجعل غيره كيّسا. و ]قال الفيروزآبادي[ في القاموس المخيّس كمعظم و محدّث السّجن، و سجن بناه عليّ عليه السلام، و كان أوّلا جعله من قصب و سمّاه نافعا فنقبه اللصوص. ثم ذكر الأبيات و فيه بحارالأنوار ج : 34 ص : 422»بابا حصينا« و ]قال الجوهري[ في الصحاح خيّسه تخييسا أي ذلّله. و منه المخيّس و هو اسم سجن كان بالعراق أي موضع التذليل.

 و منه رسالة إلى ]عمرو[ بن العاص

لأصبحنّ العاصي ابن العاصي سبعين ألفا عاقدي النواصي‏مستحقبين حلق الدلاص قد جنبوا الخيل مع القلاص‏آساد غيل حين لا مناص

 بيان قال نصر بن مزاحم في كتاب صفّين لمّا بلغ عمرو بن العاص مسيره عليه السلام إلى الشام قال

لا تحسبني يا عليّ غافلا لأوردنّ الكوفة القبائلا

بجمعي العام و جمعي قابلا فأجابه ]عليّ عليه السلام[ بهذه الأبيات. و يقال صبّحتهم أي أتيتهم به صباحا. و عقد النواصي كناية عن الاهتمام في الحرب. و استحقبه أي احتمله. و الحلق بالفتح جمع الحلقة. و قال الجوهري الدليص و الدلاص اللّين البراق يقال درع دلاص و أدرع دلاص. و قال الغيل بالكسر الأجمة و موضع الأسد قيل ]هو[ مثل »خيس«. و قال بحارالأنوار ج : 34 ص : 423المناص الملجأ و المفرّ.

 و منه في الاحتجاج على الخصوم

لنا ما تدّعون بغير حقّ إذا ميز الصّحاح من المراض‏عرفتم حقّنا فجحدتموه كما عرف السواد من البياض‏كتاب اللّه شاهدنا عليكم و قاضينا الإله فنعم قاض

 و فيه ]و منه خ ل[ أنّه كتب معاوية إليه عليه السلام

لا تفسدنّ سابق إحسان مضى و اللّه لا تغلب فيما قد قضى

فأجابه ]عليّ[ عليه السلام

إن كنت ذا علم بما اللّه قضى فاثبت أصادفك و سيفي منتضى‏و اللّه لا يرجع شي‏ء قد مضى و اللّه لا يبرم شيئا نقضا

 و منه في المفاخرة

نحن نؤمّ النمط الأوسطا لسنا كمن قصر أو أفرطا

 و منه في الشكوى

مات الوفاء فلا رفد و لا طمع في الناس لم يبق إلّا اليأس و الجزع‏فاصبر على ثقة باللّه و ارض به فاللّه أكرم من يرجى و يتّبع

 و منه في التذلّل ]إلى اللّه تعالى[

ذنوبي إن فكّرت فيها كثيرة و رحمة ربّي من ذنوبي أوسع‏فما طمعي في صالح قد عملته و لكنّني في رحمة اللّه أطمع‏فإن يك غفران فذاك برحمة و إن تكن الأخرى فما كنت أصنع

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 424مليكي و معبودي و ربّي و حافظي و إنّي له عبد أقرّ و أخضع

 و منه في وصف قتل الأغشم

أودى بأغشم دهر كان يأمله فخرّ منجدلا في الأرض مصروعاقد كان يكثر في الكلام تسميعا حتّى سما بحسامه ترويعافعلوته مني بضربة فاتك ما كان يوما في الحروب جزوعامن كان ينكر فضلنا و سناءنا فأنا عليّ للإله مطيعا

 بيان أودى هلك. و الباء للتعدية. و التسميع التشنيع. و الترويع التخويف. و الفاتك الجري‏ء الشجاع. و السّناء الرفعة.

 و منه في إظهار الشوكة و القوّة

هل يقرع الصخر من ماء و من مطر هل يلحق الريح بالآمال و الطمع‏أنا عليّ أبو السبطين مقتدر على العداة غداة الروع و الزمع

 بيان »هل يقرع الصخر« أي لا يؤثّر الماء و المطر في الحجر الصلب. و الغرض النهي عن الطمع فيما لا يتيسّر و لا تقدر عليه. و الريح الغلبة و القوّة. و يحتمل معناه المعروف. و الزمع بالتحريك الدهش.

 و منه في التلهّف عن قتل أنصاره

يا لهف نفسي قتلت ربيعة ربيعة السامعة المطيعةسمعتها كانت بها الوقيعة بين محاني سوقها المبيعة

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 425فما بها نقص و لا وضيعة و لا الأمور الرثة الشنيعةكانت قديما عصبة منيعة ترجو ثواب اللّه بالصنيعةو مرّة أنسابها وليعة قالعة أصواتها رفيعةليست كأصوات بني الخضيعة دعا حكيم دعوة سميعةمن غير ما بطل و لا خديعة نال بها المنزلة الرفيعةفي الشرف العالي من الدّسيعة

 بيان ربيعة أبو قبيلة. و المحاني المعاطف. و سوق الحرب حومة القتال. و المبيعة موضع البيع. و الرّثة بالكسر السقط من متاع البيت. و مرّة أبو قبيلة من قيس. و هو مفعول »دعا«. و الولع الكذب. و القلع بالفتح كون القدم غير ثابت عند المصارعة. و رقعة أي هجاه. و الخضيعة صوت بطن لذاته. و حكيم هو ابن جبلة الذي ]قتل في محاربته طلحة و الزبير[ قتل ب »المربد«. قوله ]عليه السلام[ »سميعة« أي مستمعة. و البطل بالضمّ البطلان. و الدسيعة العطيّة.

 و منه في الرضا

ما لي على فوت فائت أسف و لا تراني عليه ألتهف‏ما قدّر اللّه لي فليس له عنّي إلى من سواي منصرف‏فالحمد للّه لا شريك له ما لي قوت و همتي الشرف‏أنا راض بالعسر و اليسار فما تدخلني ذلة و لا صلف

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 426بيان الصلف مجاوزة قدر الظرف و الادّعاء فوق ذلك تكبّرا.

 و منه في ]قصة[ قتل كعب بن الأشرف و إجلاء بني النضير

عرفت و من يعتدل يعرف و أيقنت حقّا و لم أصدف‏عن الكلم الصدق يأتي بها من اللّه ذي الرأفة الأرأف‏رسائل يدرسن في المؤمنين بهنّ اصطفى أحمد المصطفي‏فأصبح أحمد فينا عزيزا عزيز المقامة و الموقف‏فيا أيّها الموعدوه سفاها و لم يأت جورا و لم يعنف‏ألستم تخافون أدنى العذاب و ما آمن اللّه كالأخوف‏فإن تصرعوا تحت أسيافنا كمصرع كعب أبي الأشرف‏غداة رأى اللّه طغيانه و أعرض كالجمل الأخيف‏فأنزل جبريل في قتله بوحي إلى عبده الملطف‏فدسّ الرسول رسولا له بأبيض ذي ظبة مرهف‏فباتت عيون له معولات متى ينع كعب لها تذرف‏فقالوا لأحمد ذرنا قليلا فإنّا من النوح لم نشتف‏فخلّاهم ثم قال اظعنوا دحورا على رغمة الأنف‏و أجلى النضير إلى غربة و كانوا بدارة ذي زخرف‏إلى أذرعات رادفا هم على كلّ ذي دبر أعجف

 بيان »يأتي بها« أي النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله. و »سفاها« تمييز أو حال. و الجنف الميل أي الجمل الكثير الميل عن القصد. قوله »فإن تصرعوا« جزاء الشرط محذوف أي لانتقمنا منكم و لم يكن بحارالأنوار ج : 34 ص : 427بعيدا. و »غداة« بفتح التاء مضاف إلى الجملة. و قيل ]المراد من[ الوحي ]هو[ قوله تعالى قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَ تُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَ بِئْسَ الْمِهادُ. و الدسّ الإرسال خفية. و الرسول ]هو[ محمد بن مسلمة الذي بعثه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم لقتل كعب غيلة، و قد مرّت القصة في المجلد السادس. »متى ينع« على بناء المجهول من النعي و هو خبر الموت. و ضمير »لها« راجع إلى العيون و الإسناد فيه و في »المعولات« على المجاز و ذرفت عينه سال منها الدمع. و »الأنف« جمع الأنف. و »الأذرعات« بفتح الهمزة و كسر الراء موضع بالشام. و الرداف جمع الرديف. و الدبر جراحة تحدث في ظهر البعير و جنبه. و الأعجف المهزول.

 و منه في هرب غطريف بن جشم

يا لهف نفسي على الغطريف المدّعي البأس و بذل الريف‏أفلت من ضرب له خفيف غير كريم الجدّ أو طريف

 بيان البأس الشدّة في الحرب. و الريف بالكسر أرض فيها زرع و خصب أي كان مدّعيا لغاية الشجاعة و الكرم. و الطريف في النسب الكثير الآباء إلى الجدّ الأكبر. و قال الشارح أي ما جدّه غير كريم أو بينه و بين جدّه الكريم آباء كثيرة.

 و منه في إظهار الشوق إلى الكوفة بحارالأنوار ج : 34 ص : 428

يا حبّذا سيف بأرض الكوفة أرض لنا مألوفة معروفةيطلقها جمالنا المعلوفة عمي صباحا و اسلمي مألوفة

 بيان السيف بالكسر ساحل البحر. و ]قال ابن الأثير[ في ]مادّة »عرف« من كتاب[ النهاية العرف الريح الطيّبة و منه حديث علي عليه السلام »حبّذا أرض الكوفة أرض سواء سهلة معروفة« أي طيّبة العرف. و قولهم »عم صباحا« كلمة تحية كأنّه محذوف ]منه حرف[، من »نعم ينعم« بالكسر كما يقال كل من »أكل يأكل« فحذف النون و الألف تخفيفا.

 و منه في الرضا ]بما قسم اللّه و قدّره له[

رضيت بما قسم اللّه لي و فوّضت أمري إلى خالقي‏لقد أحسن اللّه فيما مضى كذلك يحسن فيما بقي

 و منه في الفخر بالعلم

علمي معي أينما قد كنت يتبعني‏قلبي وعاء له لا جوف صندوق‏إن كنت في البيت كان العلم فيه معي‏أو كنت في السوق كان العلم في السوق

 و منه في الشكاية عن الرفقاء

تغرّبت أسأل من عنّ لي من الناس هل من صديق صدوق

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 429فقالوا عزيزان لا يوجدان صديق صدوق و بيض الأنوق

 بيان الأنوق ]كصبور[ الرخمة و في المثل »أعزّ من بيض الأنوق« لأنّه يحرزها فلا يكاد يظفر بها لأنّ أوكارها في رءوس الجبال و الأماكن الصعبة البعيدة.

 و منه في مثله

تراب على رأس الزمان فإنّه زمان عقوق لا زمان حقوق‏فكلّ رفيق فيه غير موافق و كلّ صديق فيه غير صدوق

 و منه في سبب بغض الأعادي

ما تركت بدر لنا صديقا و لا لنا من خلفنا طريقا

 و منه خطابا لموسى بن حازم العكّي في الحرب

دونكها مترعة دهاقا كأسا زعافا مزجت زعاقاإنّا لقوم ما ترى ما لاقى أقدّ هاما و أقط ساقا

 بيان دونكها أي خذها و الضمير راجع إلى الكأس لأنّه مؤنّث سماعي. و أترعه ملأه. و الدهاق الممتلئة. و زعفه زعفا قتله مكانه و سمّ زعاف بالضم ]أي مهلك من ساعته[. الزعاف بالضم الماء الممزوج بالملح الشديد الملوحة. و القدّ القطع طولا. و القطّ القطع عرضا.

 و منه في إخباره ]عليه السلام[ بالأمر الخفيّ بحارالأنوار ج : 34 ص : 430

أرى حربا مغيّبة و سلما و عهدا ليس بالعهد الوثيق

 بيان قال الشارح أمّر أمير المؤمنين عليه السلام حريث بن راشد قبل ]وقعة[ صفّين على الأهواز و جميع هذه المصادر خال عن تأمير أمير المؤمنين خرّيتا على مدينة الأهواز، فما ذكره شارح الديوان لم يعلم من أين أخذه. و لمّا رجع عليه السلام ]من صفّين[ بغى و تمرّد، فبعث عليه السلام إليه معقل بن قيس، فقتله و أسر جماعة من بني ناجية خرجوا معه، ففداهم مصقلة بن هبيرة بخمس مائة ألف درهم فلمّا عجز ]من أدائه[ هرب إلى معاوية، فأمر ]أمير المؤمنين[ عليه السلام بتخريب بيته فظهرت فيه أسلحة فأنشد عليه السلام هذا البيت.

 و منه في مثله

أرى أمرا تنقّص عروتاه و حبلا ليس بالحبل الوثيق

 و منه ]في[ تعيير معاوية في بناء مسجد بناه بدمشق

سمعتك تبني مسجدا من خيانة و أنت بحمد اللّه غير موفّق

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 431كمطعمة الرمّان مما زنت به جرت مثلا للخائن المتصدّق‏فقال لها أهل البصيرة و التقى لك الويل لا تزني و لا تتصدّقي

 و منه في مدح أصحابه

قومي إذا اشتبك القنا جعلوا الصدور لها مسالك‏اللّابسون دروعهم فوق القلوب لأجل ذلك

 و منه ]في الرضا بما رزقه اللّه من العلم[

رضينا قسمة الجبّار فينا لنا علم و للأعداء مال‏فإنّ المال يفنى عن قريب و إنّ العلم باق لا يزال

 و منه في إظهار الكرم

و داري مناخ لمن قد نزل و زادي مباح لمن قد أكل‏أقدّم ما عندنا حاضر و إن لم يكن غير خبز و خلّ‏فأمّا الكريم فراض به و أمّا اللّئيم فذاك الوبل

 بيان الوبل بالتحريك الوبال و هو أمر يخاف ضرره.

 و منه في إظهار المكارم

إنّي امرؤ باللّه عزّي كلّه ورث المكارم آخري من أوّلي‏فإذا اصطنعت صنيعة أتبعتها بصنيعة أخرى و إن لم أسأل‏و إذا يصاحبني رفيق مرمل آثرته بالزاد حتّى يمتلي‏و إذا دعيت لكربة فرّجتها و إذا دعيت لغدرة لم أفعل

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 432و إذا يصيح بي الصريخ لحادث وافيته مثل الشهاب المشعل‏و أعدّ جاري من عيالي إنّه اختار من بين المنازل منزلي‏و حفظته في أهله و عياله بتعاهد منّي و لمّا أسعل

 بيان أرمل القوم نفد زادهم. و الصريخ المستغيث و المغيث، و أريد به هنا الأوّل. و السّعال هنا كناية عن الكراهة يقال أغصّك السّعال فأخذك السعال.

 و منه في ]بيان[ فضائله عليه السلام مخاطبا للحارث الهمداني

يا حار همدان من يمت يرني من مؤمن أو منافق قبلايعرفني طرفه و أعرفه بنعته و اسمه و ما فعلاو أنت عند الصراط معترضي فلا تخف عثرة و لا زللاأقول للنّار حين توقف للعرض ذريه لا تقربي الرجلاذريه لا تقربيه إنّ له حبلا بحبل الوصيّ متّصلاأسقيك من بارد على ظمإ تخاله في الحلاوة العسلاقول علي لحارث عجب كم ثمّ أعجوبة له جملا

 بيان »حار« مرخّم حارث. و رأيته قبلا بالفتح أو الضمّ أي مقابلة و عيانا. »جملا« أي مجملات أو جملة جملة. بحارالأنوار ج : 34 ص : 433

 و منه في ردّ منجّم أراد إرشاده عليه السلام

خوّفني منجّم أخو خبل تراجع المرّيخ في بيت حمل‏فقلت دعني من أكاذيب الحيل المشتري عندي سواء و زحل‏أرفع عن نفسي أفانين الدول بخالقي و رازقي عزّ و جلّ

 بيان الخبل فساد العقل. و منه في إظهار أنّ الخلافة حقّه مخاطبا لأبي بكر روى أبو الجيش المظفّر البلخي بإسناده قال جاء علي عليه السلام و أبو بكر في المسجد فقال عليه السلام

تعلّم أبا بكر و لا تك جاهلا بأنّ عليا خير حاف و ناعل‏و أنّ رسول اللّه أوصى بحقّه و أكّد فيه قوله بالفضائل‏و لا تبخسنّه حقّه و اردد الورى إليه فإنّ اللّه أصدق قائل

 و منه في إظهار الشجاعة

أنا الصّقر الذي حدّثت عنه عتاق الطير تنجذل انجذالاو قاسيت الحروب أنا ابن سبع فلمّا شبت أفنيت الرجالافلم تدع السيوف لنا عدوّا و لم يدع السخاء لديّ مالا

 بيان قال الجوهري عتاق الطير ]بكسر العين[ الجوارح منها. و الانجذال السقوط من طعنة أو ضربة. و قوله ]عليه السلام[ »عنه« متعلّق ب ]قوله[ »حدّثت« و »الانجذال« بحارالأنوار ج : 34 ص : 434معا أو بأحدهما و يقدّر للآخر. ]و في قوله[ »أنا ابن سبع« الواو مقدّر للحال. و احتمل الشارح أن يكون السبع مصدر ]قولهم[ »سبع الذئب الغنم« ]من باب »منع« و »نصر«[ أي افترسها. و لعلّه لقراءته »شئت« بالهمزة كما صرّح به، و الأظهر أنّه ]»شبت«[ بالباء كما في بعض النسخ من الشبب.

 و منه في مثله

صيد الملوك أرانب و ثعالب و إذا ركبت فصيدي الأبطال‏صيدي الفوارس في اللقاء و إنّني عند الوغا لغضنفر قتّال

 بيان الغضنفر الأسد. و منه في إظهار حبّ النبيّ و نصره و ذمّ أعاديه

إنّ عبدا أطاع ربّا جليلا و قفا الداعي النبيّ الرسولافصلاة الإله تترى عليه في دجى الليل بكرة و أصيلاإنّ ضرب العداة بالسيف يرضي سيّدا قادرا و يشفي غليلاليس من كان قاصدا مستقيما مثل من كان هاويا و ذليلاحسبي اللّه عصمة لأموري و حبيبي محمد لي خليلا

 بيان قوله ]عليه السلام[ »هاويا« أي ساقطا في الآخرة في النار. و في بعض النسخ »هاديا و دليلا« بالمهملة أي ليس الهادي و المكمّل كالمهتدي و المسترشد.

 و منه في مثله بحارالأنوار ج : 34 ص : 435روي أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله آخى بين أصحابه و ترك عليا عليه السلام ]لم يؤاخ بينه و بين أحد[ فقال له في ذلك فقال أنا اخترتك لنفسي، أنت أخي و أنا أخوك في الدنيا و الآخرة. فبكى علي عليه السلام و قال

أقيك بنفسي أيّها المصطفى الذي هدانا به الرحمن من غمّة الجهل‏و تفديك حوبائي و ما قدر مهجتي لمن أنتمي معه إلى الفرع و الأصل‏و من كان لي مذ كنت طفلا و يافعا و أنعشني بالعلّ منه و بالنهل‏و من جدّه جدّي و من عمّه أبي و من نجله نجلي و من بنته أهلي‏و من حين آخى بين من كان حاضرا دعاني و آخاني و بيّن من فضلي‏لك الفضل إنّي ما حييت لشاكر لإحسان ما أوليت يا خاتم الرسل

 بيان الحوباء بالفتح النفس. و الفرع الأولاد و الأحفاد. و الأصل الآباء و الأجداد أي أولادي أولاده و آبائي آباؤه. و أيفع ]الغلام[ ارتفع فهو يافع و العلّ الشرب الثّاني. و النهل الشرب الأوّل فإنّ الإبل تسقى في أوّل الورد فتردّ إلى العطن ثمّ تسقى الثانية فتردّ إلى المرعى. و النجل النسل.

 و منه عند قرب حرب الجمل

قد طال ليلي و الحزين موكّل لحذار يوم عاجل و مؤجّل‏و الناس تعروهم أمور جمّة مرّ مذاقتها كطعم الحنظل‏فتن تحلّ بهم و هنّ سوارع تسقي أواخرها بكأس الأوّل‏فتن إذا نزلت بساحة أمّة حيقت بعدل بينهم متبهّل

 بيان حاق به الأمر نزل. و لم أره متعدّيا. و التّبهّل الإخلاص في الدعاء. بحارالأنوار ج : 34 ص : 436

 و منه في الشكاية عن طلحة و الزبير

إنّ يومي من الزبير و من طلحة فيما يسوءني لطويل‏ظلماني و لم يكن علم اللّه إلى الظلم لي لخلق سبيل

 بيان قال الشارح ]قوله عليه السلام[ »علم اللّه« قسم و التقدير لم يكن لي سبيل إلى الظلم لخلق. أقول و يحتمل أن يكون المعنى أنّه لم يكن حينئذ لأحد ]من الخلق[ سبيل إلى ظلمي ]و[ هما أسّسا للناس ذلك.

 و منه مخاطبا لمعاوية

ألا من ذا يبلّغ ما أقول فإنّ القول يبلغه الرسول‏ألا أبلغ معاوية بن صخر لقد حاولت لو نفع الحويل‏و ناطحت الأكارم من رجال هم الهام الذين لهم أصول‏هم نصروا النبي و هم أجابوا رسول اللّه إذ خذل الرسول‏نبيا جالد الأصحاب عنه و ناب الحرب ليس له فلول‏فدنت له و دان أبوك كرها سبيل الغيّ عندكما سبيل‏مضى فنكصتما لمّا توارى على الأعقاب غيّكما طويل‏إذا ما الحرب أهدب عارضاها و أبرق عارض منها مخيل‏فيوشك أن يجول الخيل يوما عليك و أنت منجدل قتيل

 بيان قال الجوهري حاولت الشي‏ء أي أردته. و الاسم الحويل. و هامة القوم رئيسهم. و الأصل الحسب. و الفلول الكسور. و قال الفيروزآبادي الهيدب السحاب المتدلّي، أو ذيله. و هدب الشجر بحارالأنوار ج : 34 ص : 437كفرح طال أغصانه و تدلّت كأهدبت. و قال العارض السحاب المعترض في الأفق. و أبرق السّحاب ظهر منه البرق. و السّحابة المخيلة بفتح الميم و كسر الخاء التي تحسبها ماطرة. و المنجدل الصريع. ]ثم[ قال ]شارح الديوان[ فأجاب معاوية

لا تحسبنّي يا علي غافلا لأوردنّ الكوفة القنابلاو المشمخرّ و القنا الذوابلا في عامنا هذا و عاما قابلا

 فأجابه ]علي عليه السلام[

أصبحت ذا حمق تمنّى الباطلا لأوردنّ شامك الصواهلاأصبحت أنت يا ابن هند جاهلا لأرمينّ منكم الكواهلاتسعين ألفا رامحا و نابلا يزدحمون الحزن و السواهلابالحقّ و الحقّ يزيح الباطلا هذا لك العام و ذرني قابلا

 بيان القنبلة طائفة من الخيل ما بين الثلاثين إلى الأربعين. و اشمخرّ ]الشي‏ء[ طال، و المشمخرّ الجبل العالي. و »تمنّى« ماض أو مضارع بحذف التاء. و الصاهل الفرس الذي له صهيل. و ]قال الزمخشري[ في ]كتاب[ الأساس هو كافل أهله و كاهلهم ]أي[ هو الذي يعتمدونه، شبّه بالكاهل واحد الكواهل. و النابل من النبل و هو السهم.

 و منه في وصف أصحابه صلوات اللّه عليه

كآساد غيل و أشبال خيس غداة الخميس ببيض صقال‏تحيد الضراب و حزّ الرقاب أمام العقاب غداة النزال‏تكيد الكذوب و تخزي الهيوب و تروي كعوب دماء القذال

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 438بيان الغيل و الخيس بكسرهما موضع الأسد. و الشّبل بالكسر ولده. و الحزّ القطع. و العقاب العلم الضخم. و اسم راية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله. و القذال جماع مؤخّر الرأس.

 و منه في مدح عبد العزيز بن الحارث

شريت بأمر لا يطاق حفيظة حباء و إخوان الحفيظ قليل‏جزاك إله الناس خيرا فقد وفت يداك بفضل ما هناك جزيل

 بيان روي أنّه قالها حين أحاط عسكر الشام بطائفة من أصحابه فنادى ]عليه السلام[ ألا هل من رجل يشري نفسه للّه و يبيع دنياه بآخرته فأجابه عبد العزيز و دخل في غمار الناس و حارب حتّى وصل إلى أصحابه عليه السلام و قال لهم يقول لكم أمير المؤمنين عليه السلام كبّروا و هلّلوا فها نحن قد وافيناكم إن شاء اللّه. و صار ذلك سبب الفتح و الظفر كما مرّ

و الحفيظة الغضب و الحميّة و هي مفعول »شريت« أو المفعول مقدر أي نفسك.

 و منه في الضّجر و الشكوى ]من تحامل الطّغاة على أهل التقوى[ و روي أنّه أنشدهما يوم استشهد عمّار ]بن ياسر[ رضي اللّه عنه

ألا أيّها الموت الذي ليس تاركي أرحني فقد أفنيت كلّ خليل

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 439أراك مصرّا بالذين أحبهم كأنّك تنحو نحوهم بدليل

 و منه في كثرة قتلى أهل الشام

كأين تركنا في دمشق و أهلها من أشمط موتور و شمطاء ثاكل‏و غانية صاد الرماح خليلها و أضحت بعيد اليوم إحدى الأرامل‏تبكّي على بعل لها راح غازيا و ليس إلى يوم الحساب بقافل‏و نحن أناس لا تصيد رماحنا إذا ما طعنّا القوم غير المقاتل

 أقول روى نصر بن مزاحم في كتاب صفّين عن عمرو بن شمر قال لمّا صدر ]عليّ[ عليه السلام من صفّين أنشأ يقول ]...[ و ذكر الأبيات.

بيان الشمط بياض لشعر الرأس يخالط سواده، و الرجل أشمط و المرأة شمطاء. و الموتور الذي قتل له قتيل و لم يدرك بدمه. و الغانية الجارية التي غنيت بزوجها أو التي غنيت بحسنها و جمالها عن الزينة. و القفول الرجوع عن السفر.

 و قال في الديوان و منه في الشكوى عن اندراس معالم الإسلام

لبيك على الإسلام من كان باكيا فقد تركت أركانه و معالمه‏لقد ذهب الإسلام إلّا بقيّة قليل من الناس الذي هو لازمه

 و منه قال جاءت إليه عليه السلام امرأة تشكو زوجها فقالت

زوجي كريم يبغض المحارما يقطع ليلا قاعدا و قائماو يصبح الدهر لدينا صائما و قد خشيت أن يكون آثما

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 440لأنّه يصبح لي مراغما

أجابها زوجها

لا أصبح الدهر بهنّ هائما و لا أكون بالنساء ناعمالا بل أصلّي قاعدا و قائما فقد أكون للذنوب لازمايا ليتني نجوت منها سالما

فأجابهما عليه السلام حاكما بينهما

مهلا فقد أصبحت فيها آثما لك الصلاة قاعدا و قائماثلاثة تصبح فيها صائما و رابع تصبح فيه طاعماو ليلة تخلو لديها ناعما ما لك أن تمسكها مراغما

 توضيح المراغمة المغاصبة. و الهيام كالجنون من العشق. و مهلا أي أمهل.

 و منه في الشكوى

أصبحت بين الهموم و الهمم عموم عجز و همّه الكرم‏طوبى لمن نال قدر همّته أو نال عزّ القنوع بالقسم

 و منه في المفاخرة و إظهار الفضائل قال ]شارح الديوان[ ذكر الإمام علي بن أحمد الواحدي عن أبي بحارالأنوار ج : 34 ص : 441هريرة قال اجتمع عدّة من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، منهم أبو بكر، و عمر، و عثمان، و طلحة، و الزبير، و الفضل بن العبّاس، و عمّار، و عبد الرحمن بن عوف، و أبو ذرّ، و المقداد، و سلمان، و عبد اللّه بن مسعود، فجلسوا و أخذوا في مناقبهم، فدخل عليهم عليّ عليه السلام فسألهم فيم أنتم قالوا نتذاكر مناقبنا ممّا سمعنا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله. فقال عليّ عليه السّلام اسمعوا منّي ثمّ أنشأ يقول هذه الأبيات

لقد علم الأناس بأنّ سهمي من الإسلام يفضل كلّ سهم‏و أحمد النبي أخي و صهري عليه اللّه صلّى و ابن عمّي‏و إنّي قائد للناس طرّا إلى الإسلام من عرب و عجم‏و قاتل كلّ صنديد رئيس و جبّار من الكفّار ضخم‏و في القرآن ألزمهم ولائي و أوجب طاعتي فرضا بعزم‏كما هارون من موسى أخوه كذاك أنا أخوه و ذاك اسمي

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 442لذاك أقامني لهم إماما و أخبرهم به بغدير خمّ‏فمن منكم يعادلني بسهمي و إسلامي و سابقتي و رحمي‏فويل ثمّ ويل ثم ويل لمن يلقى الإله غدا بظلمي‏و ويل ثمّ ويل ثم ويل لجاحد طاعتي و مريد هضمي‏و ويل للذي يشقى سفاها يريد عداوتي من غير جرمي

 و منه في الشكاية

أطلب العذر من قومي و إن جهلوا فرض الكتاب و نالوا كلّ ما حرماحبل الإمامة لي من بعد أحمدنا كالدلو علقت التكريب و الوذمالا في نبوّته كانوا ذوي ورع و لا رعوا بعده إلّا و لا ذممالو كان لي جائزا سرحان أمرهم خلّفت قومي و كانوا أمّة أمما

 بيان قال الفيروزآبادي ]في »مادّة كرب« من القاموس[ الكرب بالتحريك الحبل يشدّ في وسط العراقي ليلي الماء فلا يعفن الحبل الكبير، و قد كرب الدلو و أكربها و كرّبها. و قال ]أيضا[ الوذم محرّكة السيور بين آذان الدلو. و الإلّ بالكسر العهد. و »سرحان« مصدر من ]قولهم[ سرّح الماشية. و هو إرسالها للرعي. و تسريح المرأة تطليقها. و الأمم بالتحريك الشي‏ء اليسير. و أخذت ذلك من أمم أي من قرب و داره أمم داري أي مقابلتها. و قرئ ]أمما[ بضمّ الهمزة أيضا أي فرقا مختلفة.

 و روي أنّه قال غطريف بن جشم

»إنّي غطريف نعم و ابن جشم«

إلى آخر الأبيات فأجابه عليه السلام

أنا على المرتجى دون العلم مرتهن للحين موف بالذمم

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 443أنصر خير الناس مجدا و كرم نبي صدق راحما و قد علم‏إنّي سأشفي صدره و أنتقم فهو بدين اللّه و الحقّ معتصم‏فاثبت لحاك اللّه يا شرّ قدم فسوف تلقى حرّ نار تضطرم‏تحلّ فيها ثم توهى كالحمم

 بيان العلم الأثر الذي يعلم به الشي‏ء كعلم الطريق و علم الجيش. و الحين بالفتح الهلاك. و قال الجوهري قولهم لحاه اللّه أي قبّحه و لعنه. و رجل قدم بكسر الدال أي يتقدّم. و قدم بالتحريك أي شجاع. و كعنب الرجل له مرتبة في الخير. و الحمم بالضم الفحم و كلّ ما احترق من النار.

 و منه مخاطبا للزبير في ]حرب[ الجمل

لا تعجلنّ و اسمعن كلامي إنّي و رب الرّكّع الصيام‏إذ المنايا أقبلت خيامي حملت حمل الأسد الضرغام‏بباتل مؤلّل حسام عوّد قطع اللحم و العظام

 بيان ]قال الجوهري[ في الصحاح ألّلت الشي‏ء تأليلا حدّدت طرفه.

 و منه خطابا لمعاوية

أما و اللّه إنّ الظلم شوم و لا زال المسي‏ء هو الظلوم‏إلى ديّان يوم الدين نمضي و عند اللّه تجتمع الخصوم‏ستعلم في الحساب إذا التقينا غدا عند المليك من الغشوم‏ستنقطع اللذاذة عن أناس من الدنيا و تنقطع الهموم‏لأمر ما تصرّفت الليالي لأمر ما تحرّكت النجوم

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 444سل الأيّام عن أمم تقضّت ستخبرك المعالم و الرسوم‏تروم الخلد في دار المنايا فكم قد رام مثلك ما تروم‏تنام و لم تنم عنك المنايا تنبّه للمنيّة يا نئوم‏لهوت عن الفناء و أنت تفنى فما شي‏ء من الدنيا يدوم‏تموت غدا و أنت قرير عين من العضلات في لجج تعوم

 بيان العضلة بالضمّ الداهية. و العوم السباحة.

 و منه حاكيا قتله بعض المنافقين

ضربته بالسيف وسط الهامة بشفرة ضاربة هدّامةفبتّكت من جسمه عظامه و بينت من أنفه أرغامه‏أنا علي صاحب الصمصامة و صاحب الحوض لدى القيامةأخو نبيّ اللّه ذو العلامة قد قال إذ عمّمني العمامةأنت أخي و معدن الكرامة و من له من بعدي الإمامة

 بيان قال الجوهري الشفرة بالفتح السكّين العظيم. و شفرة السيف أيضا حدّه. و الهضم القطع. و التبتيك التقطيع. و الصمصامة السيف القاطع الذي لا ينثني. و ]المراد من[ العلامة ]هنا[ خاتم النبوّة.

 و منه في مرثية أكارم أصحابه

جزى اللّه خيرا عصبة أيّ عصبة حسان الوجوه صرعوا حول هاشم‏شقيق و عبد اللّه منهم و معبد و نبهان و ابنا هاشم ذي المكارم‏و عروة لا ينأى فقد كان فارسا إذا الحرب هاجت بالقنا و الصوارم

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 445إذا اختلف الأبطال و اشتبك القنا و كان حديث القوم ضرب الجماجم

 بيان هاشم هو ابن عتبة ]الزهري الصحابي[ المرقال. و شقيق ]هو[ ابن ثور العبدي. و عبد اللّه ]هو[ ابن بديل بن ورقاء ]الصحابي[ الخزاعي.

 و منه مرتجزا في صفّين

ما علّتي و أنا جلد حازم و في يميني ذو غرار صارم‏و عن يميني مذحج القماقم و عن يساري وائل الخضارم‏القلب حولي مضر الجماجم و أقبلت همدان و الأكارم‏و الأزد من بعد لنا دعائم و الحقّ في الناس قديم دائم

 بيان قال الجوهري العلّة حدث يشغل صاحبه عن وجهه. و قال ]أيضا[ الغراران شفتا السيف و كلّ شي‏ء له حدّ فحدّه غراره. و القمقام السيّد. و العدد الكثير. و وائل اسم قبيلة. و خضرم الكثير العطاء. و القلب وسط الجيش. و جماجم العرب القبائل التي تجمع البطون فينسب إليها دونهم.

 و منه في ذمّ بعض القبائل

و أبعد من حلم و أقرب من خنا و أخمد نيرانا و أخمل أنجماموالي أياد شرّ من وطأ الحصا موالي قيس لا أنوف و لا فمافما سبقوا قوما بوتر و لا دم و لا نقضوا وترا و لا أدركوا دماو لا قام منهم قائم في جماعة ليحمل ضيما أو ليدفع مغرما

 بيان الخنا الفحش. و قوله عليه السلام »لا أنوف و لا فما« أي ليس فيهم بحارالأنوار ج : 34 ص : 446الرياسة و الفصاحة. و المغرم ما يلزم أداؤه.

 و منه تحسرا على قتل أعيان قبيلة شبام

و صحت على شبام فلم تجبني يعزّ عليّ ما لقيت شبام

 و منه في الشّكاية و التّصبّر

تنكّر لي دهري و لم يدر أنّني أعزّ و روعات الخطوب تهون‏فظلّ يريني الخطب كيف اعتداؤه و بتّ أريه الصبر كيف يكون

 بيان التنكّر التغيّر. و منه في التأدّب عن أحوال الزمان و تحصيل التجارب

الدهر أدّبني و اليأس أغناني و القوت أقنعني و الصبر ربّاني‏و أحكمتني من الأيّام تجربة حتّى نهيت الذي قد كان ينهاني

 و منه في الشكاية عن أهل النفاق

هذا زمان ليس إخوانه يا أيّها المرء بإخوان‏إخوانه كلّهم ظالم لهم لسانان و وجهان‏يلقاك بالبشر و في قلبه داء يواريه بكتمان‏حتّى إذا ما غبت عن عينه رماك بالزور و بهتان‏هذا زمان هكذا أهله بالودّ لا يصدقك اثنان‏يا أيّها المرء كن منفردا دهرك لا تأنس بإنسان

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 447 و منه ]ما[ روي أنّه عزّى ]به[ عمر بن الخطاب بابن له توفّي فقال

إنّا نعزّيك لا أنّا على ثقة من الحياة و لكن سنّة الدين‏فلا المعزّى بباق بعد ميّته و لا المعزّي و لو عاشا إلى حين

 بيان ]قوله[ »لا أنّا« بالفتح أي لا نعزّيك لكوننا على ثقة من حياتنا بعده.

 و منه في الشكاية عن منافقي زمانه صلوات اللّه عليه

لو لا الذين لهم ورد يقومونا و آخرين لهم سرد يصوموناتدكدكت أرضكم من تحتكم سحرا لأنّكم قوم سوء لا تطيعونا

 بيان قال الجوهري سردت الصوم تابعته. و قال تدكدكت الجبال أي صارت دكّاوات و هي رواب من طين.

 و منه في نفي تأثير النجوم

أتاني يهدّدني بالنجوم و ما هو من شرّه كائن‏ذنوبي أخاف فأمّا النجوم فإنّي من شرّها آمن

 و منه في المفاخرة

نحن الكرام بنو الكرام و طفلنا في المهد يكنى‏إنا إذا قعد اللئام على بساط العزّ قمنا

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 448بيان التكنية في المهد علامة الشرف أو بيان لاستحبابها. و المراد بالقيام التهيّؤ للجهاد و سائر العبادات.

 و قال عبد اللّه بن وهب الراسبي ]رئيس الخوارج[ في النهروان

أضربكم و لا أرى أبا الحسن ذاك الذي ضلّ إلى الدنيا ركن

فأجابه ]عليّ[ صلوات اللّه عليه

يا أيّها المشرك يا من افتتن و المتمنّي أن يرى أبا الحسن‏إليّ فانظر أيّنا يلقى الغبن

 بيان الغبن بالفتح ]فسكون الباء المخدوعية[ في البيع ]أو الشراء[. و بالتحريك ]الضعف[ في الرأي.

 و منه خطابا للنبي صلّى اللّه عليه و آله و إظهارا للإخلاص له

يا أكرم الخلق على اللّه و المصطفى بالشرف الباهي‏محمّد المختار مهما أتى من محدث مستفظع ناهي‏فاندب له حيدر لا غيره فليس بالغمر و لا اللاهي‏ترى عماد الكفر من سيفه منكّسا باطله واهي‏هل العدى إلّا ذئاب عوت مع كلّ ناس نفسه ساهي‏سيهزم الجمع على عقبه بحيدر و النصر للّه

 بيان الباهي ]مأخوذ[ من البهاء و هو الحسن. و استفظع الأمر وجده فظيعا. بحارالأنوار ج : 34 ص : 449و الغمر بالضمّ و بضمّتين الذي لم يجرّب الأمور. و العقب بالتسكين لغة في العقب ]بالتحريك[.

 و منه افتخارا بالمناقب و الفضائل

أنا للفخر أليها و بنفسي أتّقيها نعمة من سامك السبع بما قد خصنيهالن ترى في حومة الهيجاء لي فيها شبيها و لي السبقة في الإسلام طفلا و وجيهاو لي القربة إن قام شريف ينتميها زقّني بالعلم زقّا فيه قد صرت فقيهاو لي الفخر على الناس بعرسي و بنيها ثم فخري برسول اللّه إذ زوّجنيهالي مقامات ببدر حين حار الناس فيها و بأحد و حنين لي صولات تليهاو أنا الحامل للراية حقّا أحتويها و أنا القاتل عمرا حين حار الناس تيهاو إذا ضرّم حربا أحمد قدّمنيها و إذا نادى رسول اللّه نحوي قلت إيهاو أنا المسقي كأسا لذّة الأنفس فيها هبة اللّه فمن مثلي في الدنيا شبيها

 بيان ضمير »أليها« مبهم يفسّره »نعمة« و هي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله. ]قوله[ »و بنفسي أتّقيها« أي أجعل نفسي وقاية لتلك النعمة. و »سامك السبع« ]أي[ رافع سبع سماوات. و زقّ الطائر الفرخ يزقّه ]على زنة »مدّ« و بابه[ أي أطعمه بفيه. و »إيها« كلمة استزادة.

 و منه إظهارا للشجاعة

أنا مذ كنت صبيا ثابت القلب جريا أبطل الأبطال قهرا ثمّ لا أفزع شيئايا سباع البرّ ريفي و كلي ذا اللحم نيا

 بيان ]قال الجوهري[ في الصحاح رافت الماشية رعت الريف و هي أرض بحارالأنوار ج : 34 ص : 450فيها زرع و خصب.

 و قال بعض الأعادي خطابا لعسكره عليه السلام

أضربكم و لو أرى عليا ألبسه أبيض مشرفيا

فأجابه صلوات اللّه عليه

يا أيّهذا المبتغي عليا إنّي أراك جاهلا غبياقد كنت عن لقائه غنيا هلمّ فادن هاهنا إليا

 و منه في تخويف بعض الكفّار

سيف رسول اللّه في يميني و في يساري قاطع الوتين‏و كلّ من بارزني يجيني أضربه بالسيف عن قريني‏محمد و عن سبيل الديني هذا قليل عن طلاب عين

 بيان الوتين عرق في القلب إذا انقطع مات صاحبه. و ]قوله[ »يجيني« أمر غائب، قال ]الشيخ[ الرّضيّ رحمه اللّه جاز في النظم حذف لام الأمر في فعل غير الفاعل نحو

»محمّد تفد نفسك كلّ نفس«

و أجاز الفرّاء حذفها في النّثر نحو قل له يفعل قال تعالى قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ و القرين المصاحب. و طلاب بالكسر جمع طالب مثل جياع و جائع. كذا قال الشارح، و المعروف في جمعه ]أي جمع طالب[ طلّاب بالضمّ و التشديد فيمكن أن يكون التخفيف ]هاهنا[ للضرورة أو يكون ]طلاب[ بالكسر مصدر »طالبه مطالبة و طلابا« إذا طالبه بحقّ. و العين بالكسر جمع الأعين أي الواسع العين. بحارالأنوار ج : 34 ص : 451

 و منه في تهديد بعض الأشرار

اليوم أبلو حسبي و ديني بصارم تحمله يميني‏عند اللقا أحمي به عريني

 بيان العرين مأوى الأسد. و كان نقش سيفه عليه السلام

أسد على أسد يطول بصارم عضب يمان في يمين يمان

 بيان قال الشارح ]قوله[ »في يمين يمان« يدلّ على أنّ البيت من غيره عليه السلام، و لعلّ السّيف انتقل إليه عليه السلام من رجل من أهل اليمن و كان هذا البيت مكتوبا عليه. و يحتمل أن يكون عليه السلام نقش هذا البيت على سيفه في عاشر الهجرة، حين بعثه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله إلى اليمن فعل ذلك تودّدا إليهم. أو يقرأ »يمان« بضمّ الياء أي صاحب اليمن كعظام و عقام بمعنى عظيم و عقيم انتهى. و أقول يمكن أن يكون النسبة إلى اليمن باعتبار كمال الإيمان كما ورد في الخبر أنّ الإيمان يمان و الحكمة يمانية. و قال الجزري ]في مادّة »يمن«[ في شرح هذا الخبر ]في كتاب النهاية[ إنّما قال ذلك لأنّ الإيمان بدأ من مكة و هي من تهامة من أرض اليمن و لهذا يقال الكعبة اليمانية انتهى. بحارالأنوار ج : 34 ص : 452]قال المصنّف[ و يظهر منه ]أي من كلام الجزري[ توجيه آخر أيضا كما لا يخفى.

 و منه ]ما أنشده[ في ]وقعة[ الجمل مخاطبا لابن الحنفيّة ]محمد ابنه[ رضي اللّه عنه

اقحم فلن تنالك الأسنّة و إنّ للموت عليك جنّة

 و منه تمنّيا للعدم خوفا من عذاب اللّه تعالى و تذلّلا له

ليت أمّي لم تلدني ليتني متّ صبياليتني كنت حشيا أكلتني البهم نيا

 بيان البهم جمع بهمة و هي أولاد الضأن.

 و منه في الشكوى عن ]أهل[ الزمان

عجبا للزمان في حالتيه و بلاء دفعت منه إليه‏ربّ يوم بكيت منه فلمّا صرت في غيره بكيت عليه

 و منه ترغيبا في التّهجّد

يا نفس قومي فقد قام الورى إن ينم الناس فذو العرش يرى‏و أنت يا عين دعي عنّي الكرى عند الصباح يحمد القوم السرى

 بحارالأنوار ج : 34 ص : 453بيان الكرى النعاس. و السرى بالضمّ السير باللّيل، و المثل معروف. قد وفّق اللّه تعالى للفراغ من هذا المجلد من كتاب بحار الأنوار، الموسوم بكتاب الفتن، على يدي مؤلّفه الفقير الخاسر القاصر ابن محمد تقيّ محمّد باقر ختم اللّه له بالحسنى، في سلخ شهر ذي الحجّة الحرام من شهور سنة إحدى و تسعين بعد الألف الهجرية. و الحمد للّه أوّلا و آخرا و صلّى اللّه على سيّد المرسلين محمد و عترته الأكرمين، و لعنة اللّه على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين