طرف من أخبار عمر بن الخطابو كان عمر بن الخطاب صعبا عظيم الهيبة شديد السياسة لا يحابي أحدا و لا يراقب شريفا و لا مشروفا و كان أكابر الصحابة يتحامون و يتفادون من لقائه كان أبو سفيان بن حرب في مجلس عمر و هناك زياد ابن سمية و كثير من الصحابة فتكلم زياد فأحسن و هو يومئذ غلام فقال علي ع و كان حاضرا لأبي سفيان و هو إلى جانبه لله هذا الغلام لو كان قرشيا لساق العرب بعصاه فقال له أبو سفيان أما و الله لو عرفت أباه لعرفت أنه من خير أهلك قال و من أبوه قال أنا وضعته و الله في رحم أمه فقال علي ع فما يمنعك من استلحاقه قال أخاف هذا العير الجالس أن يخرق علي إهابي [ 174 ] و قيل لابن عباس لما أظهر قوله في العول بعد موت عمر و لم يكن قبل يظهره هلا قلت هذا و عمر حي قال هبته و كان امرأ مهابا . و استدعى عمر امرأة ليسألها عن أمر و كانت حاملا فلشدة هيبته ألقت ما في بطنها فأجهضت به جنينا ميتا فاستفتى عمر أكابر الصحابة في ذلك فقالوا لا شيء عليك إنما أنت مؤدب فقال له علي ع إن كانوا راقبوك فقد غشوك و إن كان هذا جهد رأيهم فقد أخطئوا عليك غرة يعني عتق رقبة فرجع عمر و الصحابة إلى قوله . و عمر هو الذي شد بيعة أبي بكر و وقم المخالفين فيها فكسر سيف الزبير لما جرده و دفع في صدر المقداد و وطئ في السقيفة سعد بن عبادة و قال اقتلوا سعدا قتل الله سعدا و حطم أنف الحباب بن المنذر الذي قال يوم السقيفة أنا جذيلها المحكك و عذيقها المرجب و توعد من لجأ إلى دار فاطمة ع من الهاشميين و أخرجهم منها و لولاه لم يثبت لأبي بكر أمر و لا قامت له قائمة . و هو الذي ساس العمال و أخذ أموالهم في خلافته و ذلك من أحسن السياسات . و روى الزبير بن بكار قال لما قلد عمر عمرو بن العاص مصر بلغه أنه قد صار له مال عظيم من ناطق و صامت فكتب إليه أما بعد فقد ظهر لي من مالك ما لم يكن في رزقك و لا كان لك مال قبل أن أستعملك فأنى لك هذا فو الله لو لم يهمني في ذات الله إلا من اختان في مال الله لكثر همي و انتثر أمري و لقد كان عندي من المهاجرين الأولين من هو خير منك و لكني قلدتك رجاء غنائك فاكتب إلي من أين لك هذا المال و عجل . [ 175 ] فكتب إليه عمرو أما بعد فقد فهمت كتاب أمير المؤمنين فأما ما ظهر لي من مال فأنا قدمنا بلادا رخيصة الأسعار كثيرة الغزو فجعلنا ما أصابنا في الفضول التي اتصل بأمير المؤمنين نبؤها و و الله لو كانت خيانتك حلالا ما خنتك و قد ائتمنتني فإن لنا أحسابا إذا رجعنا إليها أغنتنا عن خيانتك و ذكرت أن عندك من المهاجرين الأولين من هو خير مني فإذا كان ذاك فو الله ما دققت لك يا أمير المؤمنين بابا و لا فتحت لك قفلا فكتب إليه عمر أما بعد فإني لست من تسطيرك الكتاب و تشقيقك الكلام في شيء و لكنكم معشر الأمراء قعدتم على عيون الأموال و لن تعدموا عذرا و إنما تأكلون النار و تتعجلون العار و قد وجهت إليك محمد بن مسلمة فسلم إليه شطر مالك . فلما قدم محمد صنع له عمرو طعاما و دعاه فلم يأكل و قال هذه تقدمة الشر و لو جئتني بطعام الضيف لأكلت فنح عني طعامك و أحضر لي مالك فأحضره فأخذ شطره فلما رأى عمرو كثرة ما أخذ منه قال لعن الله زمانا صرت فيه عاملا لعمر و الله لقد رأيت عمر و أباه على كل واحد منهما عباءة قطوانية لا تجاوز مأبض ركبتيه و على عنقه حزمة حطب و العاص بن وائل في مزررات الديباج فقال محمد إيها عنك يا عمرو فعمر و الله خير منك و أما أبوك و أبوه فإنهما في النار و لو لا الإسلام لألفيت معتلقا شاة يسرك غزرها و يسوؤك بكوؤها قال صدقت فاكتم علي قال أفعل قال الربيع بن زياد الحارثي كنت عاملا لأبي موسى الأشعري على البحرين [ 176 ] فكتب إليه عمر بالقدوم عليه هو و عماله و أن يستخلفوا جميعا فلما قدمنا المدينة أتيت يرفأ حاجب عمر فقلت يا يرفأ مسترشد و ابن سبيل أي الهيئات أحب إلى أمير المؤمنين أن يرى فيها عماله فأومأ إلي بالخشونة فاتخذت خفين مطارقين و لبست جبة صوف و لثت عمامتي على رأسي ثم دخلنا على عمر فصفنا بين يديه فصعد بصره فينا و صوب فلم تأخذ عينه أحدا غيري فدعاني فقال من أنت قلت الربيع بن زياد الحارثي قال و ما تتولى من أعمالنا قلت البحرين قال كم ترزق قلت ألفا قال كثير فما تصنع به قلت أتقوت منه شيئا و أعود بباقيه على أقارب لي فما فضل منهم فعلى فقراء المسلمين قال لا بأس ارجع إلى موضعك فرجعت إلى موضعي من الصف فصعد فينا و صوب فلم تقع عينه إلا علي فدعاني فقال كم سنك قلت خمس و أربعون فقال الآن حيث استحكمت ثم دعا بالطعام و أصحابي حديث عهدهم بلين العيش و قد تجوعت له فأتى بخبز يابس و أكسار بعير فجعل أصحابي يعافون ذلك و جعلت آكل فأجيد و أنا أنظر إليه و هو يلحظني من بينهم ثم سبقت مني كلمة تمنيت لها أني سخت في الأرض فقلت يا أمير المؤمنين إن الناس يحتاجون إلى صلاحك فلو عمدت إلى طعام ألين من هذا فزجرني ثم قال كيف قلت فقلت يا أمير المؤمنين أن تنظر إلى قوتك من الطحين فيخبز قبل إرادتك إياه بيوم و يطبخ لك اللحم كذلك فتؤتى بالخبز لينا و باللحم غريضا فسكن من غربه و قال أ هاهنا غرت قلت نعم فقال يا ربيع إنا لو نشاء لملأنا هذه الرحاب من صلائق و سبائك و صناب و لكني رأيت الله نعى على قوم شهواتهم فقال أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ [ 177 ] فِي حَياتِكُمُ اَلدُّنْيا ثم أمر أبا موسى بإقراري و أن يستبدل بأصحابي . أسلم عمر بعد جماعة من الناس و كان سبب إسلامه أن أخته و بعلها أسلما سرا من عمر فدخل إليهما خباب بن الأرت يعلمهما الدين خفية فوشى بهم واش إلى عمر فجاء دار أخته فتوارى خباب منه داخل البيت فقال عمر ما هذه الهينمة عندكم قالت أخته ما عدا حديثا تحدثناه بيننا قال أراكما قد صبوتما قال ختنه أ رأيت إن كان هو الحق فوثب عليه عمر فوطئه وطئا شديدا فجاءت أخته فدفعته عنه فنفحها بيده فدمي وجهها ثم ندم و رق و جلس واجما فخرج إليه خباب فقال أبشر يا عمر فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله لك الليلة فإنه لم يزل يدعو منذ الليلة اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام . قال فانطلق عمر متقلدا سيفه حتى أتى إلى الدار التي فيها رسول الله ص يومئذ و هي الدار التي في أصل الصفا و على الباب حمزة و طلحة و ناس من المسلمين فوجل القوم من عمر إلا حمزة فإنه قال قد جاءنا عمر فإن يرد الله به خيرا يهده و إن يرد غير ذلك كان قتله علينا هينا و النبي ص داخل الدار يوحى إليه فسمع كلامهم فخرج حتى أتى عمر فأخذ بمجامع ثوبه و حمائل سيفه و قال ما أنت بمنته يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي و النكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة اللهم هذا عمر اللهم أعز الإسلام بعمر فقال عمر أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا رسول الله . مر يوما عمر في بعض شوارع المدينة فناداه إنسان ما أراك إلا تستعمل عمالك و تعهد إليهم العهود و ترى أن ذلك قد أجزأك كلا و الله إنك المأخوذ بهم إن لم تتعهدهم [ 178 ] قال ما ذاك قال عياض بن غنم يلبس اللين و يأكل الطيب و يفعل كذا و كذا قال أ ساع قال بل مؤد ما عليه فقال لمحمد بن مسلمة الحق بعياض بن غنم فأتني به كما تجده فمضى محمد بن مسلمة حتى أتى باب عياض و هو أمير على حمص و إذا عليه بواب فقال له قل لعياض على بابك رجل يريد أن يلقاك قال ما تقول قال قل له ما أقول لك فقام كالمعجب فأخبره فعرف عياض أنه أمر حدث فخرج فإذا محمد بن مسلمة فأدخله فرأى على عياض قميصا رقيقا و رداء لينا فقال إن أمير المؤمنين أمرني ألا أفارقك حتى آتيه بك كما أجدك فأقدمه على عمر و أخبره أنه وجده في عيش ناعم فأمر له بعصا و كساء و قال اذهب بهذه الغنم فأحسن رعيها فقال الموت أهون من ذلك فقال كذبت و لقد كان ترك ما كنت عليه أهون عليك من ذلك فساق الغنم بعصاه و الكساء في عنقه فلما بعد رده و قال أ رأيت إن رددتك إلى عملك أ تصنع خيرا قال نعم و الله يا أمير المؤمنين لا يبلغك مني بعدها ما تكره فرده إلى عمله فلم يبلغه عنه بعدها ما ينقمه عليه . كان الناس بعد وفاة رسول الله ص يأتون الشجرة التي كانت بيعة الرضوان تحتها فيصلون عندها فقال عمر أراكم أيها الناس رجعتم إلى العزى ألا لا أوتي منذ اليوم بأحد عاد لمثلها إلا قتلته بالسيف كما يقتل المرتد ثم أمر بها فقطعت . لما مات رسول الله ص و شاع بين الناس موته طاف عمر على الناس قائلا إنه لم يمت و لكنه غاب عنا كما غاب موسى عن قومه و ليرجعن فليقطعن أيدي رجال و أرجلهم يزعمون أنه مات فجعل لا يمر بأحد يقول إنه مات إلا و يخبطه و يتوعده حتى جاء أبو بكر فقال أيها الناس من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات [ 179 ] و من كان يعبد رب محمد فإنه حي لم يمت ثم تلا قوله تعالى أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ اِنْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ قالوا فو الله لكان الناس ما سمعوا هذه الآية حتى تلاها أبو بكر و قال عمر لما سمعته يتلوها هويت إلى الأرض و علمت أن رسول الله قد مات . لما قتل خالد مالك بن نويرة و نكح امرأته كان في عسكره أبو قتادة الأنصاري فركب فرسه و التحق بأبي بكر و حلف ألا يسير في جيش تحت لواء خالد أبدا فقص على أبي بكر القصة فقال أبو بكر لقد فتنت الغنائم العرب و ترك خالد ما أمر به فقال عمر إن عليك أن تقيده بمالك فسكت أبو بكر و قدم خالد فدخل المسجد و عليه ثياب قد صدئت من الحديد و في عمامته ثلاثة أسهم فلما رآه عمر قال أ رياء يا عدو الله عدوت على رجل من المسلمين فقتلته و نكحت امرأته أما و الله إن أمكنني الله منك لأرجمنك ثم تناول الأسهم من عمامته فكسرها و خالد ساكت لا يرد عليه ظنا أن ذلك عن أمر أبي بكر و رأيه فلما دخل إلى أبي بكر و حدثه صدقه فيما حكاه و قبل عذره فكان عمر يحرض أبا بكر على خالد و يشير عليه أن يقتص منه بدم مالك فقال أبو بكر إيها يا عمر ما هو بأول من أخطأ فارفع لسانك عنه ثم ودى مالكا من بيت مال المسلمين . لما صالح خالد أهل اليمامة و كتب بينه و بينهم كتاب الصلح و تزوج ابنة مجاعة بن مرارة الحنفي وصل إليه كتاب أبي بكر لعمري يا ابن أم خالد إنك لفارغ حتى تزوج النساء و حول حجرتك دماء المسلمين لم تجف بعد في كلام أغلظ له فيه فقال خالد هذا الكتاب ليس من عمل أبي بكر هذا عمل الأعيسر يعني عمر [ 180 ] عزل عمر خالدا عن إمارة حمص في سنة سبع عشرة و إقامة للناس و عقله بعمامته و نزع قلنسوته عن رأسه و قال أعلمني من أين لك هذا المال و ذلك أنه أجاز الأشعث بن قيس بعشرة آلاف درهم فقال من الأنفال و السهمان فقال لا و الله لا تعمل لي عملا بعد اليوم و شاطره ماله و كتب إلى الأمصار بعزله و قال إن الناس فتنوا به فخفت أن يوكلوا إليه و أحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع . لما أسر الهرمزان حمل إلى عمر من تستر إلى المدينة و معه رجال من المسلمين منهم الأحنف بن قيس و أنس بن مالك فأدخلوه المدينة في هيئته و تاجه و كسوته فوجدوا عمر نائما في جانب المسجد فجلسوا عنده ينتظرون انتباهه فقال الهرمزان و أين عمر قالوا ها هو ذا قال أين حرسه قالوا لا حاجب له و لا حارس قال فينبغي أن يكون هذا نبيا قالوا إنه يعمل بعمل الأنبياء و استيقظ عمر فقال الهرمزان فقالوا نعم قال لا أكلمه أو لا يبقى عليه من حليته شيء فرموا ما عليه و ألبسوه ثوبا صفيقا فلما كلمه عمر أمر أبا طلحة أن ينتضي سيفه و يقوم على رأسه ففعل ثم قال له ما عذرك في نقض الصلح و نكث العهد و قد كان الهرمزان صالح أولا ثم نقض و غدر فقال أخبرك قال قل قال و أنا شديد العطش فاسقني ثم أخبرك فأحضر له ماء فلما تناوله جعلت يده ترعد قال ما شأنك قال أخاف أن أمد عنقي و أنا أشرب فيقتلني سيفك قال لا بأس عليك حتى تشرب فألقى الإناء عن يده فقال ما بالك أعيدوا عليه الماء و لا تجمعوا عليه بين القتل و العطش قال إنك قد أمنتني قال كذبت قال لم أكذب قال أنس صدق يا أمير المؤمنين قال ويحك يا أنس أنا أؤمن قاتل مجزأة بن ثور و البراء بن مالك و الله لتأتيني بالمخرج أو لأعاقبنك قال أنت يا أمير المؤمنين قلت لا بأس عليك حتى تشرب و قال له ناس من المسلمين [ 181 ] مثل قول أنس فقال للهرمزان ويحك أ تخدعني و الله لأقتلنك إلا أن تسلم ثم أومأ إلى أبي طلحة فقال الهرمزان أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا رسول الله فأمنه و أنزله المدينة . سأل عمر عمرو بن معديكرب عن السلاح فقال له ما تقول في الرمح قال أخوك و ربما خانك قال فالنبل قال رسل المنايا تخطئ و تصيب قال فالدرع قال مشغلة للفارس متعبة للراجل و إنها مع ذلك لحصن حصين قال فالترس قال هو المجن و عليه تدور الدوائر قال فالسيف قال هناك قارعت أمك الهبل قال بل أمك قال و الحمى أضرعتني لك . و أول من ضرب عمر بالدرة أم فروة بنت أبي قحافة مات أبو بكر فناح النساء عليه و فيهن أخته أم فروة فنهاهن عمر مرارا و هن يعاودن فأخرج أم فروة من بينهن و علاها بالدرة فهربن و تفرقن . كان يقال درة عمر أهيب من سيف الحجاج و في الصحيح أن نسوة كن عند رسول الله ص قد كثر لغطهن فجاء عمر فهربن هيبة له فقال لهن يا عديات أنفسهن أ تهبنني و لا تهبن رسول الله قلن نعم أنت أغلظ و أفظ . و كان عمر يفتي كثيرا بالحكم ثم ينقضه و يفتي بضده و خلافه قضى في الجد مع الإخوة قضايا كثيرة مختلفة ثم خاف من الحكم في هذه المسألة فقال من أراد أن يتقحم جراثيم جهنم فليقل في الجد برأيه . [ 182 ] و قال مرة لا يبلغني أن امرأة تجاوز صداقها صداق نساء النبي إلا ارتجعت ذلك منها فقالت له امرأة ما جعل الله لك ذلك إنه تعالى قال وَ آتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَ تَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً فقال كل النساء أفقه من عمر حتى ربات الحجال أ لا تعجبون من إمام أخطأ و امرأة أصابت فاضلت إمامكم ففضلته . و مر يوما بشاب من فتيان الأنصار و هو ظمآن فاستسقاه فجدح له ماء بعسل فلم يشربه و قال إن الله تعالى يقول أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ اَلدُّنْيا فقال له الفتى يا أمير المؤمنين إنها ليست لك و لا لأحد من هذه القبيلة اقرأ ما قبلها وَ يَوْمَ يُعْرَضُ اَلَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى اَلنَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ اَلدُّنْيا فقال عمر كل الناس أفقه من عمر . و قيل إن عمر كان يعس بالليل فسمع صوت رجل و امرأة في بيت فارتاب فتسور الحائط فوجد امرأة و رجلا و عندهما زق خمر فقال يا عدو الله أ كنت ترى أن الله يسترك و أنت على معصيته قال يا أمير المؤمنين إن كنت أخطأت في واحدة فقد أخطأت في ثلاث قال الله تعالى وَ لا تَجَسَّسُوا و قد تجسست و قال وَ أْتُوا اَلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها و قد تسورت و قال فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا و ما سلمت . و قال متعتان كانتا على عهد رسول الله و أنا محرمهما و معاقب عليهما متعة النساء و متعة الحج و هذا الكلام و إن كان ظاهره منكرا فله عندنا مخرج و تأويل و قد ذكره أصحابنا الفقهاء في كتبهم . [ 183 ] و كان في أخلاق عمر و ألفاظه جفاء و عنجهية ظاهرة يحسبه السامع لها أنه أراد بها ما لم يكن قد أراد و يتوهم من تحكى له أنه قصد بها ظاهرا ما لم يقصده فمنها الكلمة التي قالها في مرض رسول الله ص و معاذ الله أن يقصد بها ظاهرها و لكنه أرسلها على مقتضى خشونة غريزته و لم يتحفظ منها و كان الأحسن أن يقول مغمور أو مغلوب بالمرض و حاشاه أن يعني بها غير ذلك . و لجفاة الأعراب من هذا الفن كثير سمع سليمان بن عبد الملك أعرابيا يقول في سنة قحط
رب العباد ما لنا و ما لكا فقال سليمان أشهد أنه لا أب له و لا صاحبه و لا ولد فأخرجه أحسن مخرج . و على نحو هذا يحتمل كلامه في صلح الحديبية لما قال للنبي ص أ لم تقل لنا ستدخلونها في ألفاظ نكره حكايتها حتى شكاه النبي ص إلى أبي بكر و حتى قال له أبو بكر الزم بغرزه فو الله إنه لرسول الله . و عمر هو الذي أغلظ على جبلة بن الأيهم حتى اضطره إلى مفارقة دار الهجرة بل مفارقة دار الإسلام كلها و عاد مرتدا داخلا في دين النصرانية لأجل لطمة لطمها و قال جبلة بعد ارتداده متندما على ما فعل
تنصرت الأشراف من أجل لطمة
[ 184 ] حَتَّى إِذَا مَضَى لِسَبِيلِهِ جَعَلَهَا فِي سِتَّةٍ جَمَاعَةٍ زَعَمَ أَنِّي أَحَدُهُمْ فَيَا لَلَّهِ وَ لِلشُّورَى مَتَى اِعْتَرَضَ اَلرَّيْبُ فِيَّ مَعَ اَلْأَوَّلِ مِنْهُمْ حَتَّى صِرْتُ أَقْرَنُ إِلَى هَذِهِ اَلنَّظَائِرِ لَكِنِّي أَسْفَفْتُ إِذْ أَسَفُّوا وَ طِرْتُ إِذْ طَارُوا فَصَغَا رَجُلٌ مِنْهُمْ لِضِغْنِهِ وَ مَالَ اَلآْخَرُ لِصِهْرِهِ مَعَ هَنٍ وَ هَنٍ اللام في يا لله مفتوحة و اللام في و للشورى مكسورة لأن الأولى للمدعو و الثانية للمدعو إليه قال
يا للرجال ليوم الأربعاء أما اللام في للرجال مفتوحة و في ليوم مكسورة و أسف الرجل إذا دخل في الأمر الدنيء أصله من أسف الطائر إذا دنا من الأرض في طيرانه و الضغن الحقد . و قوله مع هن و هن أي مع أمور يكنى عنها و لا يصرح بذكرها و أكثر ما يستعمل ذلك في الشر قال على هنوات شرها متتابع يقول ع إن عمر لما طعن جعل الخلافة في ستة هو ع أحدهم ثم تعجب من ذلك فقال متى اعترض الشك في مع أبي بكر حتى أقرن بسعد بن أبي وقاص و عبد الرحمن بن عوف و أمثالهما لكني طلبت الأمر و هو موسوم بالأصاغر منهم كما طلبته أولا و هو موسوم بأكابرهم أي هو حقي فلا أستنكف من طلبه إن كان المنازع فيه جليل القدر أو صغير المنزلة . و صغا الرجل بمعنى مال الصغو الميل بالفتح و الكسر [ 185 ] |