من كلام للحجاج و زياد نسجا فيه على منوال كلام علي

و قوله إن الله داوى هذه الأمة بدواءين كلام شريف و على منواله نسج الحجاج و زياد كلامهما المذكور فيه السوط و السيف فمن ذلك قول الحجاج من أعياه داؤه فعلي دواؤه و من استبطأ أجله فعلي أن أعجله و من استثقل رأسه وضعت عنه ثقله و من استطال ماضي عمره قصرت عليه باقيه إن للشيطان طيفا و إن للسلطان سيفا فمن سقمت سريرته صحت عقوبته و من وضعه ذنبه رفعه صلبه و من لم تسعه العافية لم تضق عنه الهلكة و من سبقته بادرة فمه سبق بدنه سفك دمه إني لأنذر ثم لا أنظر و أحذر ثم لا أعذر و أتوعد ثم لا أغفر إنما أفسدكم ترقيق ولاتكم و من استرخى لببه ساء أدبه إن الحزم و العزم سلباني

[ 279 ]

سوطي و جعلا سوطي سيفي فقائمه في يدي و نجاده في عنقي و ذبابه قلادة لمن عصاني و الله لا آمر أحدا أن يخرج من باب من أبواب المسجد فيخرج من الباب الذي يليه إلا ضربت عنقه . و من ذلك قول زياد إنما هو زجر بالقول ثم ضرب بالسوط ثم الثالثة التي لا شوى لها فلا يكونن لسان أحدكم شفرة تجري على أوداجه و ليعلم إذا خلا بنفسه أني قد حملت سيفي بيده فإن شهره لم أغمده و إن أغمده لم أشهره . و قوله ع كالغراب يعني الحرص و الجشع و الغراب يقع على الجيفة و يقع على التمرة و يقع على الحبة و في الأمثال أجشع من غراب و أحرص من غراب . و قوله ويحه لو قص يريد لو كان قتل أو مات قبل أن يتلبس بالخلافة لكان خيرا له من أن يعيش و يدخل فيها ثم قال لهم أفكروا فيما قد قلت فإن كان منكرا فأنكروه و إن كان حقا فأعينوا عليه . و قوله استتروا في بيوتكم نهي لهم عن العصبية و الاجتماع و التحزب فقد كان قوم بعد قتل عثمان تكلموا في قتله من شيعة بني أمية بالمدينة .

[ 280 ]

و أما قوله قد كانت أمور لم تكونوا عندي فيها محمودين فمراده أمر عثمان و تقديمه في الخلافة عليه و من الناس من يحمل ذلك على خلافة الشيخين أيضا و يبعد عندي أن يكون أراده لأن المدة قد كانت طالت و لم يبق من يعاتبه ليقول قد كانت أمور لم تكونوا عندي فيها محمودين فإن هذا الكلام يشعر بمعاتبة قوم على أمر كان أنكره منهم و أما بيعة عثمان ثم ما جرى بينه و بين عثمان من منازعات طويلة و غضب تارة و صلح أخرى و مراسلات خشنة و لطيفة و كون الناس بالمدينة كانوا حزبين و فئتين إحداهما معه ع و الأخرى مع عثمان فإن صرف الكلام إلى ما قلناه بهذا الاعتبار أليق . و لسنا نمنع من أن يكون في كلامه ع الكثير من التوجد و التألم لصرف الخلافة بعد وفاة الرسول ص عنه و إنما كلامنا الآن في هذه اللفظات التي في هذه الخطبة على أن قوله ع سبق الرجلان و الاقتصار على ذلك فيه كفاية في انحرافه عنهما . و أما قوله حق و باطل إلى آخر الفصل فمعناه كل أمر فهو إما حق و إما باطل و لكل واحد من هذين أهل و ما زال أهل الباطل أكثر من أهل الحق و لئن كان الحق قليلا لربما كثر و لعله ينتصر أهله . ثم قال على سبيل التضجر بنفسه و قلما أدبر شي‏ء فأقبل استبعد ع أن تعود دولة قوم بعد زوالها عنهم و إلى هذا المعنى ذهب الشاعر في قوله

و قالوا يعود الماء في النهر بعد ما
ذوي نبت جنبيه و جف المشارع
فقلت إلى أن يرجع النهر جاريا
و يعشب جنباه تموت الضفادع

[ 281 ]

ثم قال و لئن رجعت عليكم أموركم أي إن ساعدني الوقت و تمكنت من أن أحكم فيكم بحكم الله تعالى و رسوله و عادت إليكم أيام شبيهة بأيام رسول الله ص و سيرة مماثلة لسيرته في أصحابه إنكم لسعداء . ثم قال و إني لأخشى أن تكونوا في فترة الفترة هي الأزمنة التي بين الأنبياء إذا انقطعت الرسل فيها كالفترة التي بين عيسى ع و محمد ص لأنه لم يكن بينهما نبي بخلاف المدة التي كانت بين موسى و عيسى ع لأنه بعث فيها أنبياء كثيرون فيقول ع إني لأخشى ألا أتمكن من الحكم بكتاب الله تعالى فيكم فتكونوا كالأمم الذين في أزمنة الفترة لا يرجعون إلى نبي يشافههم بالشرائع و الأحكام و كأنه ع قد كان يعلم أن الأمر سيضطرب عليه . ثم قال و ما علينا إلا الاجتهاد يقول أنا أعمل ما يجب علي من الاجتهاد في القيام بالشريعة و عزل ولاة السوء و أمراء الفساد عن المسلمين فإن تم ما أريده فذاك و إلا كنت قد أعذرت . و أما التتمة المروية عن جعفر بن محمد ع فواضحة الألفاظ و قوله في آخرها و بنا تختم لا بكم إشارة إلى المهدي الذي يظهر في آخر الزمان و أكثر المحدثين على أنه من ولد فاطمة ع و أصحابنا المعتزلة لا ينكرونه و قد صرحوا بذكره في كتبهم و اعترف به شيوخهم إلا أنه عندنا لم يخلق بعد و سيخلق . و إلى هذا المذهب يذهب أصحاب الحديث أيضا .

و روى قاضي القضاة

[ 282 ]

رحمه الله تعالى عن كافي الكفاة أبي القاسم إسماعيل بن عباد رحمه الله بإسناد متصل بعلي ع أنه ذكر المهدي و قال إنه من ولد الحسين ع و ذكر حليته فقال رجل أجلى الجبين أقنى الأنف ضخم البطن أزيل الفخذين أبلج الثنايا بفخذه اليمنى شامة و ذكر هذا الحديث بعينه عبد الله بن قتيبة في كتاب غريب الحديث

[ 283 ]