فصل في ذم الحاسد و الحسدو اعلم أن مصدر هذا الكلام النهي عن الحسد و هو من أقبح الأخلاق المذمومة و روى ابن مسعود عن النبي ص ألا لا تعادوا نعم الله قيل يا رسول الله و من الذي يعادي نعم الله قال الذين يحسدون الناس . و كان ابن عمر يقول تعوذوا بالله من قدر وافق إرادة حسود . [ 316 ] قيل لأرسطو ما بال الحسود أشد غما من المكروب قال لأنه يأخذ نصيبه من غموم الدنيا و يضاف إلى ذلك غمه بسرور الناس . و قال رسول الله ص استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود . و قال منصور الفقيه
منافسة الفتى فيما يزول
و من الكلام المروي عن أمير المؤمنين ع لله در الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله و من كلام عثمان بن عفان يكفيك من انتقامك من الحاسد أنه يغتم وقت سرورك . و قال مالك بن دينار شهادة القراء مقبولة في كل شيء إلا شهادة بعضهم على بعض فإنهم أشد تحاسدا من السوس في الوبر . و قال أبو تمام
و إذا أراد الله نشر فضيلة و تذاكر قوم من ظرفاء البصرة الحسد فقال رجل منهم إن الناس ربما حسدوا على الصلب فأنكروا ذلك ثم جاءهم بعد ذلك بأيام فقال إن الخليفة قد أمر بصلب [ 317 ] الأحنف بن قيس و مالك بن مسمع و حمدان الحجام فقالوا هذا الخبيث يصلب مع هذين الرئيسين فقال أ لم أقل لكم إن الناس يحسدون على الصلب . و روى أنس بن مالك مرفوعا أن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب و في الكتب القديمة يقول الله عز و جل الحاسد عدو نعمتي متسخط لفعلي غير راض بقسمتي و قال الأصمعي رأيت أعرابيا قد بلغ مائة و عشرين سنة فقلت له ما أطول عمرك فقال تركت الحسد فبقيت . و قال بعضهم ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من حاسد . قال الشاعر
تراه كأن الله يجدع أنفه و قال آخر
قل للحسود إذا تنفس ضغنه و من كلام الحكماء إياك و الحسد فإنه يبين فيك و لا يبين في المحسود . و من كلامهم من دناءة الحاسد أنه يبدأ بالأقرب فالأقرب . و قيل لبعضهم لزمت البادية و تركت قومك و بلدك قال و هل بقي إلا حاسد نعمة أو شامت بمصيبة . بينا عبد الملك بن صالح يسير مع الرشيد في موكبه إذ هتف هاتف يا أمير المؤمنين طأطئ من إشرافه و قصر من عنانه و اشدد من شكاله و كان عبد الملك متهما [ 318 ] عند الرشيد بالطمع في الخلافة فقال الرشيد ما يقول هذا فقال عبد الملك مقال حاسد و دسيس حاقد يا أمير المؤمنين قال قد صدقت نقص القوم و فضلتهم و تخلفوا و سبقتهم حتى برز شأوك و قصر عنك غيرك ففي صدورهم جمرات التخلف و حزازات التبلد قال عبد الملك فأضرمها يا أمير المؤمنين عليهم بالمزيد . و قال شاعر
يا طالب العيش في أمن و في دعة و من كلام عبد الله بن المعتز إذا زال المحسود عليه علمت أن الحاسد كان يحسد على غير شيء . و من كلامه الحاسد مغتاظ على من لا ذنب له بخيل بما لا يملكه . و من كلامه لا راحة لحاسد و لا حياة لحريص . و من كلامه الميت يقل الحسد له و يكثر الكذب عليه و من كلامه ما ذل قوم حتى ضعفوا و ما ضعفوا حتى تفرقوا و ما تفرقوا حتى اختلفوا و ما اختلفوا حتى تباغضوا و ما تباغضوا حتى تحاسدوا و ما تحاسدوا حتى استأثر بعضهم على بعض . و قال الشاعر
إن يحسدوني فإني غير لائمهم
[ 319 ] و من كلامهم ما خلا جسد عن حسد . و حد الحسد هو أن تغتاظ مما رزقه غيرك و تود أنه زال عنه و صار إليك و الغبطة ألا تغتاظ و لا تود زواله عنه و إنما تود أن ترزق مثله و ليست الغبطة بمذمومة . و قال الشاعر
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه |