فصل في مدح الصبر و انتظار الفرج

و اعلم أنه ع بعد أن نهى عن الحسد أمر بالصبر و انتظار الفرج من الله إما بموت مريح أو بظفر بالمطلوب . و الصبر من المقامات الشريفة و قد وردت فيه آثار كثيرة

روى عبد الله بن مسعود عن النبي ص أن الصبر نصف الإيمان و اليقين الإيمان كله و قالت عائشة لو كان الصبر رجلا لكان كريما .

و قال علي ع الصبر إما صبر على المصيبة أو على الطاعة أو عن المعصية و هذا القسم الثالث أعلى درجة من القسمين الأولين

و عنه ع الحياء زينة و التقوى كرم و خير المراكب مركب الصبر

و عنه ع القناعة سيف لا ينبو و الصبر مطية لا تكبو و أفضل العدة الصبر على الشدة

قال الحسن ع جربنا و جرب المجربون فلم نر شيئا أنفع وجدانا و لا أضر فقدانا من الصبر تداوى به الأمور و لا يداوى هو بغيره .

[ 320 ]

و قال سعيد بن حميد الكاتب

لا تعتبن على النوائب
فالدهر يرغم كل عاتب
و اصبر على حدثانه
إن الأمور لها عواقب
كم نعمة مطوية
لك بين أثناء النوائب
و مسرة قد أقبلت
من حيث تنتظر المصائب

و من كلامهم الصبر مر لا يتجرعه إلا حر . قال أعرابي كن حلو الصبر عند مرارة النازلة . و قال كسرى لبزرجمهر ما علامة الظفر بالأمور المطلوبة المستصعبة قال ملازمة الطلب و المحافظة على الصبر و كتمان السر . و قال الأحنف بن قيس لست حليما إنما أنا صبور فأفادني الصبر صفتي بالحلم .

و سئل علي ع أي شي‏ء أقرب إلى الكفر قال ذو فاقة لا صبر له

و من كلامه ع الصبر يناضل الحدثان و الجزع من أعوان الزمان و قال أعشى همدان

إن نلت لم أفرح بشي‏ء نلته
و إذا سبقت به فلا أتلهف
و متى تصبك من الحوادث نكبة
فاصبر فكل غيابة تتكشف

و الأمر يذكر بالأمر و هذا البيت هو الذي قاله له الحجاج يوم قتله ذكر ذلك أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار الأنباري في الأمالي قال لما أتي الحجاج بأعشى همدان أسيرا و قد كان خرج مع ابن الأشعث قال له يا ابن اللخناء أنت القائل لعدو الرحمن يعني عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث .

[ 321 ]

يا ابن الأشج قريع كندة
لا أبالي فيك عتبا
أنت الرئيس ابن الرئيس
و أنت أعلى الناس كعبا
نبئت حجاج بن يوسف
خر من زلق فتبا
فانهض هديت لعله
يجلو بك الرحمن كربا
و ابعث عطية في الحروب
يكبهن عليه كبا

ثم قال عبد الرحمن خر من زلق فتب و خسر و انكب و ما لقي ما أحب و رفع بها صوته و اهتز منكباه و در ودجاه و احمرت عيناه و لم يبق في المجلس إلا من هابه فقال أيها الأمير و أنا القائل

أبى الله إلا أن يتمم نوره
و يطفئ نار الكافرين فتخمدا
و ينزل ذلا بالعراق و أهله
كما نقضوا العهد الوثيق المؤكدا
و ما لبث الحجاج أن سل سيفه
علينا فولى جمعنا و تبددا

فالتفت الحجاج إلى من حضر فقال ما تقولون قالوا لقد أحسن أيها الأمير و محا بآخر قوله أوله فليسعه حلمك فقال لاها الله إنه لم يرد ما ظننتم و إنما أراد تحريض أصحابه ثم قال له ويلك أ لست القائل

إن نلت لم أفرح بشي‏ء نلته
و إذا سبقت به فلا أتلهف
و متى تصبك من الحوادث نكبة
فاصبر فكل غيابة تتكشف

أما و الله لتظلمن عليك غيابة لا تنكشف أبدا أ لست القائل في عبد الرحمن

و إذا سألت المجد أين محله
فالمجد بين محمد و سعيد

[ 322 ]

بين الأشج و بين قيس نازل
بخ بخ لوالده و للمولود

و الله لا يبخبخ بعدها أبدا يا حرسي اضرب عنقه . و مما جاء في الصبر قيل للأحنف إنك شيخ ضعيف و إن الصيام يهدك فقال إني أعده لشر يوم طويل و إن الصبر على طاعة الله أهون من الصبر على عذاب الله . و من كلامه من لم يصبر على كلمة سمع كلمات رب غيظ قد تجرعته مخافة ما هو أشد منه . يونس بن عبيد لو أمرنا بالجزع لصبرنا . ابن السماك المصيبة واحدة فإن جزع صاحبها منها صارت اثنتين يعني فقد المصاب و فقد الثواب . الحارث بن أسد المحاسبي لكل شي‏ء جوهر و جوهر الإنسان العقل و جوهر العقل الصبر .

جابر بن عبد الله سئل رسول الله ص عن الإيمان فقال الصبر و السماحة . و قال العتابي

اصبر إذا بدهتك نائبة
ما عال منقطع إلى الصبر
الصبر أولى ما اعتصمت به
و لنعم حشو جوانح الصدر

و من كلام علي ع الصبر مفتاح الظفر و التوكل على الله رسول الفرج

و من كلامه ع انتظار الفرج بالصبر عبادة . أكثم بن صيفي الصبر على جرع الحمام أعذب من جنا الندم .

[ 323 ]

و من كلام بعض الزهاد و اصبر على عمل لا غناء بك عن ثوابه و اصبر عن عمل لا صبر على عقابك به . و كتب ابن العميد أقرأ في الصبر سورا و لا أقرأ في الجزع آية و أحفظ في التماسك و التجلد قصائد و لا أحفظ في التهافت قافية . و قال الشاعر

و يوم كيوم البعث ما فيه حاكم
و لا عاصم إلا قنا و دروع
حبست به نفسي على موقف الردى
حفاظا و أطراف الرماح شروع
و ما يستوي عند الملمات إن عرت
صبور على مكروهها و جزوع

أبو حية النميري

إني رأيت و في الأيام تجربة
للصبر عاقبة محمودة الأثر
و قل من جد في أمر يحاوله
و استصحب الصبر إلا فاز بالظفر

و وصف الحسن البصري عليا ع فقال كان لا يجهل و إن جهل عليه حلم و لا يظلم و إن ظلم غفر و لا يبخل و إن بخلت الدنيا عليه صبر . عبد العزيز بن زرارة الكلابي

قد عشت في الدهر أطوارا على طرق
شتى فقاسيت منه الحلو و البشعا
كلا بلوت فلا النعماء تبطرني
و لا تخشعت من لأوائها جزعا
لا يملأ الأمر صدري قبل موقعه
و لا يضيق به صدري إذا وقعا

و من كلام بعضهم من تبصر تصبر الصبر يفسح الفرج و يفتح المرتتج المحنة إذا تلقيت بالرضا و الصبر كانت نعمة دائمة و النعمة إذا خلت من الشكر كانت محنة لازمة .

[ 324 ]

قيل لأبي مسلم صاحب الدولة بم أصبت ما أصبت قال ارتديت بالصبر و اتزرت بالكتمان و حالفت الحزم و خالفت الهوى و لم أجعل العدو صديقا و لا الصديق عدوا . منصور النمري في الرشيد

و ليس لأعباء الأمور إذا عرت
بمكترث لكن لهن صبور
يرى ساكن الأطراف باسط وجهه
يريك الهوينى و الأمور تطير

من كلام أمير المؤمنين ع أوصيكم بخمس لو ضربتم إليهن آباط الإبل كانت لذلك أهلا لا يرجون أحدكم إلا ربه و لا يخافن إلا ذنبه و لا يستحين إذا سئل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم و لا يستحيي إذا جهل أمرا أن يتعلمه و عليكم بالصبر فإن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد فكما لا خير في جسد لا رأس له لا خير في إيمان لا صبر معه

و عنه ع لا يعدم الصبور الظفر و إن طال به الزمان . نهشل بن حري

و يوم كأن المصطلين بحرة
و إن لم يكن جمرا قيام على جمر
صبرنا له حتى تجلى و إنما
تفرج أيام الكريهة بالصبر

علي ع اطرح عنك واردات الهموم بعزائم الصبر و حسن اليقين

و عنه ع و إن كنت جازعا على ما تفلت من يديك فاجزع على كل ما لم يصل إليك

و في كتابه ع الذي كتبه إلى عقيل أخيه و لا تحسبن ابن أمك و لو أسلمه الناس متضرعا متخشعا و لا مقرا للضيم واهنا و لا سلس الزمام للقائد و لا وطي‏ء الظهر للراكب و لكنه كما قال أخو بني سليم

[ 325 ]

فإن تسأليني كيف أنت فإنني
صبور على ريب الزمان صليب
يعز علي أن ترى بي كآبة
فيشمت عاد أو يساء حبيب