فصل في مدح الخمول و الجنوح إلى العزلة

و قد صرح أمير المؤمنين ع في مدح الأبرار و هم القسم الخامس بمدح الخمول فقال قد أخملتهم التقية يعني الخوف . و قد ورد في الأخبار و الآثار شي‏ء كثير في مدح الخمول .

قال رسول الله ص رب أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له

[ 183 ]

لو أقسم على الله لأبر قسمه

و في رواية ابن مسعود رب ذي طمرين لا يؤبه له و لو سأل الجنة لأعطيها

و في الحديث أيضا عنه ص أ لا أدلكم على أهل الجنة كل ضعيف مستضعف لو أقسم على الله لأبره أ لا أدلكم على أهل النار كل متكبر جواظ

و عنه ص أن أهل الجنة الشعث الغبر الذين إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذن لهم و إذا خطبوا لم ينكحوا و إذا قالوا لم ينصت لهم حوائج أحدهم تتلجلج في صدره لو قسم نورهم يوم القيامة على الناس لوسعهم

و روي أن عمر دخل المسجد فإذا بمعاذ بن جبل يبكي عند قبر رسول الله ص فقال ما يبكيك قال سمعت رسول الله ص يقول إن اليسير من الرياء لشرك و إن الله يحب الأتقياء الأخفياء الذين إذا غابوا لم يفتقدوا و إذا حضروا لم يعرفوا قلوبهم مصابيح الهدى ينجون من كل غبراء مظلمة

و قال ابن مسعود كونوا ينابيع العلم مصابيح الهدى أحلاس البيوت سرج الليل جدد القلوب خلقان الثياب تعرفون عند أهل السماء و تخفون عند أهل الأرض

و في حديث أبي أمامة يرفعه قال الله تعالى إن أغبط أوليائي لعبد مؤمن خفيف الحاذ ذو حظ من صلاة و قد أحسن عبادة ربه و أطاعه في السر و كان غامضا في الناس لا يشار إليه بالأصابع

و في الحديث السعيد من خمل صيته و قل تراثه و سهلت منيته و قلت بواكيه

[ 184 ]

و قال الفضيل روي لي أن الله تعالى يقول في بعض ما يمن به على عبده أ لم أنعم عليك أ لم أسترك أ لم أخمل ذكرك و كان الخليل بن أحمد يقول في دعائه اللهم اجعلني عندك من أرفع خلقك و اجعلني عند نفسي من أوضع خلقك و اجعلني عند الناس من أوسط خلقك و قال إبراهيم بن أدهم ما قرت عيني ليلة قط في الدنيا إلا مرة بت ليلة في بعض مساجد قرى الشام و كان بي علة البطن فجرني المؤذن برجلي حتى أخرجني من المسجد . و قال الفضيل إن قدرت على ألا تعرف فافعل و ما عليك ألا تعرف و ما عليك ألا يثنى عليك و ما عليك أن تكون مذموما عند الناس إذا كنت محمودا عند الله تعالى . فإن قيل فما قولك في شهرة الأنبياء و الأئمة ع و أكابر الفقهاء المجتهدين قيل إن المذموم طلب الشهرة فأما وجودها من الله تعالى من غير تكلف من العبد و لا طلب فليس بمذموم بل لا بد من وجود إنسان يشتهر أمره فإن بطريقه ينصلح العالم و مثال ذلك الغرقى الذين بينهم غريق ضعيف الأولى به ألا يعرفه أحد منهم لئلا يتعلق به فيهلك و يهلكوا معه فإن كان بينهم سابح قوي مشهور بالقوة فالأولى ألا يكون مجهولا بل ينبغي أن يعرف ليتعلقوا به فينجو هو و يتخلصوا من الغرق بطريقه

[ 185 ]