ذكر ما أورده القاضي عبد الجبار من دفع ما تعلق به الناس على عثمان من الأحداثيجب أن نذكر هاهنا أحداثه و ما يقوله أصحابنا في تأويلاتها و ما تكلم به المرتضى في كتاب الشافي في هذا المعنى فنقول إن قاضي القضاة رحمه الله تعالى قال في المغني قبل الكلام في تفصيل هذه الأحداث كلاما مجملا معناه أن كل من تثبت عدالته و وجب توليه إما على القطع و إما على الظاهر فغير جائز أن يعدل فيه عن هذه الطريقة إلا بأمر متيقن يقتضي العدول عنها يبين ذلك أن من شاهدناه على ما يوجب الظاهر توليه و تعظيمه يجب أن يبقى فيه على هذه الطريقة و إن غاب عنا و قد عرفنا أنه مع الغيبة يجوز أن يكون مستمرا على حالته و يجوز أن يكون منتقلا و لم يقدح هذا التجويز في وجوب ما ذكرناه . ثم قال فالحدث الذي يوجب الانتقال عن التعظيم و التولي إذا كان من باب محتمل لم يجز الانتقال لأجله و الأحوال المتقررة في النفوس بالعادات و الأحوال المعروفة فيمن نتولاه أقوى في باب الإمارة من الأمور المتجددة فإن مثل فرقد السبخي و مالك بن دينار لو شوهدا في دار فيها منكر لقوي في الظن حضورهما للتغيير و الإنكار [ 325 ] أو على وجه الإكراه أو الغلط و لو كان الحاضر هناك من علم من حاله الاختلاط بالمنكر لجوز حضوره للفساد بل كان ذلك هو الظاهر من حاله . ثم قال و اعلم أن الكلام فيما يدعى من الحدث و التغير فيمن ثبت توليه قد يكون من وجهين أحدهما هل علم بذلك أم لا . و الثاني أنه مع يقين حصوله هل هو حدث يؤثر في العدالة أم لا . و لا فرق بين تجويز ألا يكون حدث أصلا و بين أن يعلم حدوثه و يجوز ألا يكون حدثا . ثم قال كل محتمل لو أخبر الفاعل أنه فعله على أحد الوجهين و كان يغلب على الظن صدقه لوجب تصديقه فإذا عرف من حاله المتقررة في النفوس ما يطابق ذلك جرى مجرى الإقرار بل ربما كان أقوى و متى لم نسلك هذه الطريقة في الأمور المشتبهة لم يصح في أكثر من نتولاه و نعظمه أن تسلم حاله عندنا فإنا لو رأينا من يظن به الخير يكلم امرأة حسناء في الطريق لكان ذلك من باب المحتمل فإذا كان لو أخبر أنها أخته أو امرأته لوجب ألا نحول عن توليه فكذلك إذا كان قد تقدم في النفوس ستره و صلاحه فالواجب أن نحمله على هذا الوجه . ثم قال و قول الإمام له مزية في هذا الباب لأنه آكد من غيره و أما ما ينقل عن رسول الله ص فإنه و إن لم يكن مقطوعا به يؤثر في هذا الباب و يكون أقوى مما تقدم . ثم قال و قد طعن الطاعنون فيه بأمور متنوعة مختلفة و نحن نقدم على تلك المطاعن كلاما مجملا يبين بطلانها على الجملة ثم نتكلم عن تفصيلها . [ 326 ] قال و ذلك أن شيخنا أبا علي رحمه الله تعالى قد قال لو كانت هذه الأحداث مما توجب طعنا على الحقيقة لوجب من الوقت الذي ظهر ذلك من حاله أن يطلب المسلمون رجلا ينصب للإمامة و أن يكون ظهور ذلك عن عثمان كموته فإنه لا خلاف أنه متى ظهر من الإمام ما يوجب خلعه أن الواجب على المسلمين إقامة إمام سواه فلما علمنا أن طلبهم لإقامة إمام إنما كان بعد قتله و لم يكن من قبل و التمكن قائم علمنا بطلان ما أضيف إليه من الأحداث . قال و ليس لأحد أن يقول إنهم لم يتمكنوا من ذلك لأن المتعالم من حالهم أنهم حصروه و منعوه من التمكن من نفسه و من التصرف في سلطانه خصوصا و الخصوم يدعون أن الجميع كانوا على قول واحد في خلعه و البراءة منه . قال و معلوم من حال هذه الأحداث أنها لم تحصل أجمع في الأيام التي حوصر فيها و قتل بل كانت تحصل من قبل حالا بعد حال فلو كان ذلك يوجب الخلع و البراءة لما تأخر من المسلمين الإنكار عليه و لكان كبار الصحابة المقيمون بالمدينة أولى بذلك من الواردين من البلاد لأن أهل العلم و الفضل بإنكار ذلك أحق من غيرهم . قال فقد كان يجب على طريقتهم أن تحصل البراءة و الخلع من أول الوقت الذي حصل منه ما أوجب ذلك و ألا ينتظر حصول غيره من الأحداث لأنه لو وجب انتظار ذلك لم ينته إلى حد إلا و ينتظر غيره . ثم ذكر أن إمساكهم عن ذلك إذا تيقنوا الأحداث منه يوجب نسبة الجميع إلى الخطإ و الضلال و لا يمكنهم أن يقولوا إن علمهم بذلك إنما حصل في الوقت الذي حصر و منع لأن من جملة الأحداث التي يذكرونها ما تقدم عن هذه الحال بل كلها أو جلها تقدم هذا الوقت و إنما يمكنهم أن يتعلقوا فيما حدث في هذا الوقت بما يذكرونه من [ 327 ] حديث الكتاب النافذ إلى ابن أبي سرح بالقتل و ما أوجب كون ذلك حدثنا يوجب كون غيره حدثا فكان يجب أن يفعلوا ذلك من قبل و احتمال المتقدم للتأويل كاحتمال المتأخر . ثم قال و بعد فليس يخلو من أن يدعوا أن طلب الخلع وقع من كل الأمة أو من بعضهم فإن ادعوا ذلك في بعض الأمة فقد علمنا أن الإمامة إذا ثبتت بالإجماع لم يجز إبطالها بلا خلاف لأن الخطأ جائز على بعض الأمة و إن ادعوا في ذلك الإجماع لم يصح لأن من جملة أهل الإجماع عثمان و من كان ينصره و لا يمكن إخراجه من الإجماع بأن يقال إنه كان على باطل لأن بالإجماع يتوصل إلى ذلك و لم يثبت . ثم قال على أن الظاهر من حال الصحابة أنها كانت بين فريقين أما من نصره فقد روي عن زيد بن ثابت أنه قال لعثمان و من معه من الأنصار ائذن لنا بنصرك و روي مثل ذلك عن ابن عمر و أبي هريرة و المغيرة بن شعبة و الباقون ممتنعون انتظارا لزوال العارض إلا أنه لو ضيق عليهم الأمر في الدفع ما قعدوا بل المتعالم من حالهم ذلك . ثم ذكر ما روي من إنفاذ أمير المؤمنين ع الحسن و الحسين ع إليه و أنه لما قتل لامهما ع على وصول القوم إليه ظنا منه أنهما قصرا . و ذكر أن أصحاب الحديث يروون عن النبي ص أنه قال ستكون فتنة و اختلاف و أن عثمان و أصحابه يومئذ على الهدى و ما روي عن عائشة من قولها قتل و الله مظلوما . قال و لا يمتنع أن يتعلق بأخبار الأحاديث في ذلك لأنه ليس هناك أمر ظاهر يدفعه نحو دعواهم أن جميع الصحابة كانوا عليه لأن ذلك دعوى منهم و إن كان فيه رواية من جهة الآحاد و إذا تعارضت الروايات سقطت و وجب الرجوع إلى ما ثبت من أحواله السليمة و وجوب توليه . [ 328 ] قال و لا يجوز أن يعدل عن تعظيمه و صحة إمامته بأمور محتملة فلا شيء مما ذكروه إلا و يحتمل الوجه الصحيح . ثم ذكر أن للإمام أن يجتهد برأيه في الأمور المنوطة به و يعمل فيها على غالب ظنه و قد يكون مصيبا و إن أفضت إلى عاقبة مذمومة . فهذه جملة ما ذكره قاضي القضاة رحمه الله تعالى في المغني من الكلام إجمالا في دفع ما يتعلق به على عثمان من الأحداث |