مفارقة جرير بن عبد الله البجلي لعلي

قد أتينا على ما أردنا ذكره من حال أمير المؤمنين ع مذ قدم من حرب البصرة إلى الكوفة و ما جرى بينه و بين معاوية من المراسلات و ما جرى بين معاوية و بين غيره من الصحابة من الاستنجاد و الاستصراخ و ما أجابوه به و نحن نذكر الآن ما جرى لجرير بن عبد الله عند عوده إلى أمير المؤمنين من تهمة الشيعة له بممالأة معاوية عليهم و مفارقته جنبة أمير المؤمنين . قال نصر بن مزاحم حدثنا صالح بن صدقة بإسناده قال قال لما رجع جرير

[ 116 ]

إلى علي ع كثر قول الناس في التهمة لجرير في أمر معاوية فاجتمع جرير و الأشتر عند علي ع فقال الأشتر أما و الله يا أمير المؤمنين أن لو كنت أرسلتني إلى معاوية لكنت خيرا لك من هذا الذي أرخى خناقه و أقام عنده حتى لم يدع بابا يرجو فتحه إلا فتحه و لا بابا يخاف أمره إلا سده . فقال جرير لو كنت و الله أتيتهم لقتلوك و خوفه بعمرو و ذي الكلاع و حوشب و قال إنهم يزعمون أنك من قتلة عثمان . فقال الأشتر و الله لو أتيتهم يا جرير لم يعيني جوابها و لم يثقل علي محملها و لحملت معاوية على خطة أعجله فيها عن الفكر . قال فائتهم إذا قال الآن و قد أفسدتهم و وقع بينهم الشر . و روى نصر عن نمير بن وعلة عن الشعبي قال اجتمع جرير و الأشتر عند علي ع فقال الأشتر أ ليس قد نهيتك يا أمير المؤمنين أن تبعث جريرا و أخبرتك بعداوته و غشه و أقبل الأشتر يشتمه و يقول يا أخا بجيلة إن عثمان اشترى منك دينك بهمدان و الله ما أنت بأهل أن تترك تمشي فوق الأرض إنما أتيتهم لتتخذ عندهم يدا بمسيرك إليهم ثم رجعت إلينا من عندهم تهددنا بهم و أنت و الله منهم و لا أرى سعيك إلا لهم لئن أطاعني فيك أمير المؤمنين ليحبسنك و أشباهك في حبس لا تخرجون منه حتى تستتم هذه الأمور و يهلك الله الظالمين . قال جرير وددت و الله أن لو كنت مكاني بعثت إذن و الله لم ترجع .

[ 117 ]

قال فلما سمع جرير مثل ذلك من قوله فارق عليا ع فلحق بقرقيسياء و لحق به ناس من قسر من قومه فلم يشهد صفين من قسر غير تسعة عشر رجلا و لكن شهدها من أحمس سبعمائة رجل . قال نصر و قال الأشتر فيما كان من تخويف من جرير إياه بعمرو و حوشب و ذي الكلاع

لعمرك يا جرير لقول عمرو   *   و صاحبه معاوي بالشام
و ذي كلع و حوشب ذي ظليم    *   أخف علي من ريش النعام
إذا اجتمعوا علي فخل عنهم    *   و عن باز مخالبه دوامي
و لست بخائف ما خوفوني    *   و كيف أخاف أحلام النيام
و همهم الذي حاموا عليه    *   من الدنيا و همي ما أمامي
فإن أسلم أعمهم بحرب    *   يشيب لهولها رأس الغلام
و إن أهلك فقد قدمت أمرا    *   أفوز بفلجه يوم الخصام
و قد زادوا علي و أوعدوني    *   و من ذا مات من خوف الكلام