أباة الضيم و أخبارهمسيد أهل الإباء الذي علم الناس الحمية و الموت تحت ظلال السيوف اختيارا له على الدنية أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب ع عرض عليه الأمان و أصحابه فأنف من الذل و خاف من ابن زياد أن يناله بنوع من الهوان إن لم يقتله فاختار الموت على ذلك . و سمعت النقيب أبا زيد يحيى بن زيد العلوي البصري يقول كان أبيات أبي تمام في محمد بن حميد الطائي ما قيلت إلا في الحسين ع
و قد كان فوت الموت سهلا فرده لما فر أصحاب مصعب عنه و تخلف في نفر يسير من أصحابه كسر جفن سيفه و أنشد
فإن الألى بالطف من آل هاشم فعلم أصحابه أنه قد استقتل . و من كلام الحسين ع يوم الطف المنقول عنه نقله عنه زين العابدين علي ابنه ع ألا و إن الدعي بن الدعي قد خيرنا بين اثنتين السلة [ 250 ] أو الذلة و هيهات منا الذلة يأبى الله ذلك لنا و رسوله و المؤمنون و حجور طابت و حجز طهرت و أنوف حمية و نفوس أبية . و هذا نحو قول أبيه ع و قد ذكرناه فيما تقدم إن امرأ أمكن عدوا من نفسه يعرق لحمه و يفري جلده و يهشم عظمه لعظيم عجزه ضعيف ما ضمت عليه جوانح صدره فكن أنت ذاك إن شئت فأما أنا فدون أن أعطي ذلك ضرب بالمشرفية تطير منه فراش الهام و تطيح السواعد و الأقدام . و قال العباس بن مرداس السلمي
مقال امرئ يهدي إليك نصيحة
[ 251 ] و له أيضا
فحارب فإن مولاك حارد نصره و قال مالك بن حريم الهمداني
و كنت إذا قوم غزوني غزوتهم و قال رشيد بن رميض العنزي
باتوا نياما و ابن هند لم ينم و قال آخر
و لست بمبتاع الحياة بسبة
[ 252 ] و من أباة الضيم يزيد بن المهلب كان يزيد بن عبد الملك يشنؤه قبل خلافته لأسباب ليس هذا موضع ذكرها فلما أفضت إليه الخلافة خلعه يزيد بن المهلب و نزع يده من طاعته و علم أنه إن ظفر به قتله و ناله من الهوان ما القتل دونه فدخل البصرة و ملكها عنوة و حبس عدي بن أرطاة عامل يزيد بن عبد الملك عليها فسرح إليه يزيد بن عبد الملك جيشا كثيفا و يشتمل على ثمانين ألفا من أهل الشام و الجزيرة و بعث مع الجيش أخاه مسلمة بن عبد الملك و كان أعرف الناس بقيادة الجيوش و تدبيرها و أيمن الناس نقيبه في الحرب و ضم إليه ابن أخيه العباس بن الوليد بن عبد الملك فسار يزيد بن المهلب من البصرة فقدم واسط فأقام بها أياما ثم سار عنها فنزل العقر و اشتملت جريدة جيشه على مائة و عشرين ألفا و قدم مسلمة بجيوش الشام فلما تراءى العسكران و شبت الحرب أمر مسلمة قائدا من قواده أن يحرق الجسور التي كان عقدها يزيد بن المهلب فأحرقها فلما رأى أهل العراق الدخان قد علا انهزموا فقيل ليزيد بن المهلب قد انهزم الناس قال و مم انهزموا هل كان قتال ينهزم الناس من مثله فقيل له إن مسلمة أحرق الجسور فلم يثبتوا فقال قبحهم الله بق دخن عليه فطار ثم وقف و معه أصحابه فقال اضربوا وجوه المنهزمين ففعلوا ذلك حتى كثروا عليه و استقبله منهم أمثال الجبال فقال دعوهم قبحهم الله غنم عدا في نواحيها الذئب و كان يزيد لا يحدث نفسه بالفرار و قد كان أتاه يزيد بن الحكم بن أبي العاص الثقفي بواسط فقال له
فعش ملكا أو مت كريما فإن تمت فقال ما شعرت فقال [ 253 ]
إن بني مروان قد باد ملكهم فقال أما هذا فعسى فلما رأى يزيد انهزام أصحابه نزل عن فرسه و كسر جفن سيفه و استقتل فأتاه آت فقال إن أخاك حبيبا قد قتل فزاده ذلك بصيرة في توطينه نفسه على القتل و قال لا خير في العيش بعد حبيب و الله لقد كنت أبغض الحياة بعد الهزيمة و قد ازددت لها بغضا امضوا قدما فعلم أصحابه أنه مستميت فتسلل عنه من يكره القتال و بقي معه جماعة خشية فهو يتقدم كلما مر بخيل كشفها و هو يقصد مسلمة بن عبد الملك لا يريد غيره فلما دنا منه أدنى مسلمة فرسه ليركب و حالت خيول أهل الشام بينهما و عطفت على يزيد بن المهلب فجالدهم بالسيف مصلتا حتى قتل و حمل رأسه إلى مسلمة و قتل معه أخوه محمد بن المهلب و كان أخوهما المفضل بن المهلب يقاتل أهل الشام في جهة أخرى و لا يعلم بقتل أخويه يزيد و محمد فأتاه أخوه عبد الملك بن المهلب و قال له ما تصنع و قد قتل يزيد و محمد و قبلهما قتل حبيب و قد انهزم الناس . و قد روي أنه لم يأته بالخبر على وجهه و خاف أن يخبره بذلك فيستقتل و يقتل فقال له إن الأمير قد انحدر إلى واسط فاقتص أثره فانحدر المفضل حينئذ فلما علم بقتل إخوته حلف ألا يكلم أخاه عبد الملك أبدا و كانت عين المفضل قد أصيبت من قبل في حرب الخوارج فقال فضحني عبد الملك فضحه الله ما عذري إذا رآني الناس فقالوا شيخ أعور مهزوم ألا صدقني فقتلت ثم قال
و لا خير في طعن الصناديد بالقنا فلما اجتمع من بقي من آل المهلب بالبصرة بعد الكسرة أخرجوا عدي بن أرطاة أمير البصرة من الحبس فقتلوه و حملوا عيالهم في السفن البحرية و لججوا في البحر فبعث إليهم مسلمة بن عبد الملك بعثا عليه قائد من قواده فأدركهم في قندابيل فحاربهم [ 254 ] و حاربوه و تقدم بنو المهلب بأسيافهم فقاتلوا حتى قتلوا عن آخرهم و هم المفضل بن المهلب و زياد بن المهلب و مروان بن المهلب و عبد الملك بن المهلب و معاوية بن يزيد بن المهلب و المنهال بن أبي عيينة بن المهلب و عمرو و المغيرة ابنا قبيصة بن المهلب و حملت رءوسهم إلى مسلمة بن عبد الملك و في أذن كل واحد منهم رقعة فيها اسمه و استؤسر الباقون في الوقعة فحملوا إلى يزيد بن عبد الملك بالشام و هم أحد عشر رجلا فلما دخلوا عليه قام كثير بن أبي جمعة فأنشد
حليم إذا ما نال عاقب مجملا فقال يزيد أطت بك الرحم يا أبا صخر لو لا أنهم قدحوا في الملك لعفوت عنهم ثم أمر بقتلهم فقتلوا و بقي منهم صبي صغير فقال اقتلوني فلست بصغير فقال يزيد بن عبد الملك انظروا هل أنبت فقال أنا أعلم بنفسي قد احتلمت و وطئت النساء فاقتلوني فلا خير في العيش بعد أهلي فأمر به فقتل . قال أبو عبيدة معمر بن المثنى و أسماء الأسارى الذين قتلوا صبرا و هم أحد عشر مهلبيا المعارك و عبد الله و المغيرة و المفضل و المنجاب بنو يزيد بن المهلب و دريد و الحجاج و غسان و شبيب و الفضل بنو المفضل بن المهلب لصلبه و الفضل بن قبيصة بن المهلب قال و لم يبق بعد هذه الوقعة الثانية لأهل المهلب باقية إلا أبو عيينة بن المهلب و عمر بن يزيد بن المهلب و عثمان بن المفضل بن المهلب فإنهم لحقوا برتبيل ثم أومنوا بعد ذلك . [ 255 ] و قال الرضي الموسوي رحمه الله تعالى
ألا لله بادرة الطلاب و قال أيضا
لا يبذ الهموم إلا غلام و قال أيضا رحمه الله تعالى
و لست أضل في طرق المعالي
[ 256 ] و قال حارثة بن بدر الغداني
أهان و أقصى ثم ينتصحونني و قال بعض الخوارج
تعيرني بالحرب عرسي و ما درت و قال الأعشى
أ بالموت خشتني عباد و إنما و قال آخر
فلا أسمعن فيكم بأمر هضيمة و مثله
إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته
[ 257 ] و قال آخر
كرهوا الموت فاستبيح حماهم و قال بشامة بن الغدير
و إن التي سامكم قومكم قال يزيد بن المهلب في حرب جرجان لأخيه أبي عيينة ما أحسن منظر رأيت في هذه الحرب قال سيف بن أبي سبرة و بيضته و كان عبد الله بن أبي سبرة حمل على غلام تركي قد أفرج الناس له و صدوا عنه لبأسه و شجاعته فتضاربا ضربتين فقتله ابن أبي سبرة بعد أن ضربه التركي في رأسه فنشب سيفه في بيضة ابن أبي سبرة فعاد إلى الصف و سيفه مصبوغ بدم التركي و سيف التركي ناشب في بيضته كجزء منها يلمع فقال الناس هذا كوكب الذنب و عجبوا من منظره . و قال هدبة بن خشرم
و إني إذ ما الموت لم يك دونه و قال آخر
إني أنا المرء لا يغضي على ترة [ 258 ]
ألقى المنية خوفا أن يقال فتى و قال آخر
قوض خيامك و التمس بلدا استنصر سبيع بن الخطيم التيمي من بني تيم اللات بن ثعلبة زيد الفوارس الضبي فنصره فقال
نبهت زيدا فلم أفزع إلى وكل و قال أبو طالب بن عبد المطلب
كذبتم و بيت الله نخلي محمدا لما برز علي و حمزة و عبيدة ع يوم بدر إلى عتبة و شيبة و الوليد قتل علي ع الوليد و قتل حمزة شيبة على اختلاف في رواية ذلك هل كان شيبة قرنه أم عتبة و تجالد عبيدة و عتبة بسيفيهما فجرح عبيدة عتبة في رأسه و قطع عتبة ساق عبيدة فكر علي و حمزة ع على صاحبهما فاستنقذاه من عتبة و خبطاه بسيفيهما حتى قتلاه و احتملا صاحبهما فوضعاه بين يدي رسول الله ص في العريش و هو يجود بنفسه و إن مخ ساقه ليسيل فقال يا رسول الله لو كان أبو طالب حيا لعلم أني أولى منه بقوله [ 259 ]
كذبتم و بيت الله نخلي محمدا فبكى رسول الله ص و قال اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض . لما قدم جيش الحرة إلى المدينة و على الجيش مسلم بن عقبة المري أباح المدينة ثلاثا و استعرض أهلها بالسيف جزرا كما يجزر القصاب الغنم حتى ساخت الأقدام في الدم و قتل أبناء المهاجرين و الأنصار و ذرية أهل بدر و أخذ البيعة ليزيد بن معاوية على كل من استبقاه من الصحابة و التابعين على أنه عبد قن لأمير المؤمنين يزيد بن معاوية هكذا كانت صورة المبايعة يوم الحرة إلا علي بن الحسين بن علي ع فإنه أعظمه و أجلسه معه على سريره و أخذ بيعته على أنه أخو أمير المؤمنين يزيد بن معاوية و ابن عمه دفعا له عما بايع عليه غيره و كان ذلك بوصاة من يزيد بن معاوية له فهرب علي بن عبد الله بن العباس رحمه الله تعالى إلى أخواله من كندة فحموه من مسلم بن عقبة و قالوا لا يبايع ابن أختنا إلا على ما بايع عليه ابن عمه علي بن الحسين فأبى مسلم بن عقبة ذلك و قال إني لم أفعل ما فعلت إلا بوصاة أمير المؤمنين و لو لا ذلك لقتلته فإن أهل هذا البيت أجدر بالقتل أو لأخذت بيعته على ما أخذت عليه بيعة غيره و سفر السفراء بينه و بينهم حتى وقع الاتفاق على أن يبايع و يقول أنا أبايع لأمير المؤمنين يزيد بن معاوية و ألتزم طاعته و لا يقول غير ذلك فقال علي بن عبد الله بن العباس
أبي العباس رأس بني قصي [ 260 ]
أراد بي التي لا عز فيها مسرف كناية عن مسلم و أم علي بن عبد الله بن العباس زرعة بنت مشرح بن معديكرب بن وليعة بن شرحبيل بن معاوية بن كندة . قال الحسين بن الحمام
و لست بمبتاع الحياة بسبة ابن سلمى يعني نفسه و سلمى أمه . و قال الطرماح بن حكيم
و ما منعت دار و لا عز أهلها و قال آخر
و إن التي حدثتها في أنوفنا و قال آخر
فإن تكن الأيام فينا تبدلت
[ 261 ] و قال آخر
إذا جانب أعياك فاعمد لجانب و قال أبو النشناش
إذا المرء لم يسرح سواما و لم يرح وفد يحيى بن عروة بن الزبير على عبد الملك فجلس يوما على بابه ينتظر إذنه فجرى ذكر عبد الله بن الزبير فنال منه حاجب عبد الملك فلطم يحيى وجهه حتى أدمى أنفه فدخل على عبد الملك و دمه يجري من أنفه فقال من ضربك قال يحيى بن عروة قال أدخله و كان عبد الملك متكئا فجلس فلما دخل قال ما حملك على ما صنعت بحاجبي قال يا أمير المؤمنين إن عمي عبد الله كان أحسن جوارا لعمتك منك لنا و الله إن كان ليوصي أهل ناحيته ألا يسمعوها قذعا و لا يذكروكم عندها إلا بخير و إن كان ليقول لها من سب أهلك فقد سب أهله فأنا و الله المعم المخول تفرقت العرب بين عمي و خالي فكنت كما قال الأول
يداه أصابت هذه حتف هذه فرجع عبد الملك إلى متكئه و لم يزل يعرف منه الزيادة في إكرام يحيى بعدها . [ 262 ] و أم يحيى هذه ابنة الحكم بن أبي العاص عمة عبد الملك بن مروان . و قال سعيد بن عمر الحرشي أمير خراسان
فلست لعامر إن لم تروني قال عبد الله بن الزبير لما خطب حين أتاه نعي مصعب أما بعد فإنه أتانا من العراق خبر أفرحنا و أحزننا أتانا خبر قتل المصعب فأما الذي أحزننا فلوعة يجدها الحميم عند فراق حميمه ثم يرعوي بعدها ذو اللب إلى حسن الصبر و كرم العزاء . و أما الذي أفرحنا فإن ذلك كان له شهادة و كان لنا و له خيرة إنا و الله ما نموت حبجا كما يموت آل أبي العاص ما نموت إلا قتلا قعصا بالرماح و موتا تحت ظلال السيوف فإن يهلك المصعب فإن في آل الزبير لخلفا . و خطب مرة أخرى فذكره فقال لوددت و الله أن الأرض قاءتني عنده حين لفظ غصته و قضى نحبه شعر
خذيه فجريه ضباع و أبشري
[ 263 ] و قال الشداخ بن يعمر الكناني
قاتلوا القوم يا خزاع و لا و قال يحيى بن منصور الحنفي
و لما نأت عنا العشيرة كلها قيل لرجل شهد يوم الطف مع عمر بن سعد و يحك أ قتلتم ذرية رسول الله ص فقال عضضت بالجندل إنك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا ثارت علينا عصابة أيديها في مقابض سيوفها كالأسود الضارية تحطم الفرسان يمينا و شمالا و تلقي أنفسها على الموت لا تقبل الأمان و لا ترغب في المال و لا يحول حائل بينها و بين الورود على حياض المنية أو الاستيلاء على الملك فلو كففنا عنها رويدا لأتت على نفوس العسكر بحذافيرها فما كنا فاعلين لا أم لك . السخاء من باب الشجاعة و الشجاعة من باب السخاء لأن الشجاعة إنفاق العمر و بذله فكانت سخاء و السخاء إقدام على إتلاف ما هو عديل المهجة فكان شجاعة أبو تمام في تفضيل الشجاعة على السخاء
كم بين قوم إنما نفقاتهم
[ 264 ] قيل لشيخنا أبي عبد الله البصري رحمه الله تعالى أ تجد في النصوص ما يدل على تفضيل علي ع بمعنى كثرة الثواب لا بمعنى كثرة مناقبه فإن ذاك أمر مفروغ منه فذكر حديث الطائر المشوي و أن المحبة من الله تعالى إرادة الثواب فقيل له قد سبقك الشيخ أبو علي رحمه الله تعالى إلى هذا فهل تجد غير ذلك قال نعم قول الله تعالى إِنَّ اَللَّهَ يُحِبُّ اَلَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ فإذا كان أصل المحبة لمن ثبت كثبوت البنيان المرصوص فكل من زاد ثباته زادت المحبة له و معلوم أن عليا ع ما فر في زحف قط و فر غيره في غير موطن . و قال أبو تمام
السيف أصدق أنباء من الكتب و قال أبو الطيب المتنبي
حتى رجعت و أقلامي قوائل لي [ 265 ]
اكتب بنا أبدا بعد الكتاب به قال عطاف بن محمد الألوسي
أ مكابد الزفرات مؤصدة و قال عروة بن الورد
لحا الله صعلوكا إذا جن ليله [ 266 ]
يعد الغنى من نفسه كل ليلة و قال آخر
و لست بمولى سوءة أدعي لها
[ 267 ] نهار بن توسعة في يزيد بن المهلب
و ما كنا نؤمل من أمير كان هدبة اليشكري و هو ابن عم شوذب الخارجي اليشكري شجاعا مقداما و كان ابن عمه بسطام الملقب شوذبا الخارج في خلافة عمر بن عبد العزيز و يزيد بن عبد الملك فأرسل إليه يزيد بن عبد الملك جيشا كثيفا فحاربه فانكشفت الخوارج و ثبت هدبة و أبى الفرار فقاتل حتى قتل فقال أيوب بن خولي يرثيه
فيا هدب للهيجا و يا هدب للندى كانت وصايا إبراهيم الإمام و كتبه ترد إلى أبي مسلم بخراسان إن استطعت ألا تدع بخراسان أحدا يتكلم بالعربية إلا و قتلته فافعل و أيما غلام بلغ خمسة أشبار تتهمه [ 268 ] فاقتله و عليك بمضر فإنهم العدو القريب الدار فأبد خضراءهم و لا تدع على الأرض منهم ديارا . قال المتنبي
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى و له
و من عرف الأيام معرفتي بها و قال المتنبي أيضا
ردي حياض الردى يا نفس و اطرحي و من أباة الضيم قتيبة بن مسلم الباهلي أمير خراسان و ما وراء النهر لم يصنع أحد صنيعه في فتح بلاد الترك و كان الوليد بن عبد الملك أراد أن ينزع أخاه سليمان بن عبد الملك من العهد بعده و يجعله في ابنه عبد العزيز بن الوليد فأجابه إلى ذلك قتيبة بن مسلم و جماعة من الأمراء فلما مات الوليد قبل إتمام ذلك و قام سليمان بالأمر بعده و كان [ 269 ] قتيبة أشد الناس في أمر سليمان و خلعه عن العهد علم أنه سيعزله عن خراسان و يوليها يزيد بن المهلب لود كان بينه و بين سليمان فكتب قتيبة إليه كتابا يهنئه بالخلافة و يذكر بلاءه و طاعته لعبد الملك و للوليد بعده و أنه على مثل ذلك إن لم يعزله عن خراسان و كتب إليه كتابا آخر يذكره فيه بفتوحه و آثاره و نكايته في الترك و عظم قدره عند ملوكهم و هيبة العجم و العرب له و عظم صيته فيهم و يذم آل المهلب و يحلف له بالله لئن استعمل يزيد بن المهلب خراسان ليخلعنه و ليملأنها عليه خيلا و رجلا و كتب كتابا ثالثا فيه خلع سليمان و بعث بالكتب الثلاثة مع رجل من قومه من باهلة يثق به و قال له ادفع الكتاب الأول إليه فإن كان يزيد بن المهلب حاضرا عنده فقرأ الكتاب ثم دفعه إلى يزيد فادفع إليه هذا الثاني فإن قرأه و ألقاه إليه أيضا فادفع إليه الثالث و إن قرأ الكتاب الأول و لم يدفعه إلى يزيد فاحتبس الكتابين الآخرين معك . فقدم الرسول على سليمان و دخل عليه و عنده يزيد بن المهلب فدفع إليه الكتاب الأول فقرأ و ألقاه إلى يزيد فدفع إليه الكتاب الثاني فقرأه و ألقاه إلى يزيد أيضا فدفع إليه الكتاب الثالث فقرأه و تغير لونه و طواه و أمسكه بيده و أمر بإنزال الرسول و إكرامه ثم أحضره ليلا و دفع إليه جائزته و أعطاه عهد قتيبة على خراسان و كان ذلك مكيدة من سليمان يسكنه ليطمئن ثم يعزله و بعث مع رسوله رسولا فلما كان بحلوان بلغه خلع قتيبة سليمان بن عبد الملك فرجع رسول سليمان إليه فلما اختلفت العرب على قتيبة حين أبدى صفحته لسليمان و خلع ربقة الطاعة بايعوا وكيع بن أبي سود التميمي على أمارة خراسان و كانت أمراء القبائل قد تنكرت لقتيبة لإذلاله إياهم و استهانته بهم و استطالته عليهم و كرهوا إمارته فكانت بيعة وكيع في أول الأمر [ 270 ] سرا ثم ظهر لقتيبة أمره فأرسل إليه يدعوه فوجده قد طلا رجله بمغرة و علق في عنقه خرزا و عنده رجلان يرقيان رجله فقال للرسول قد ترى ما برجلي فرجع و أخبر قتيبة فأعاده إليه فقال قل له ليأتيني محمولا قال لا أستطيع فقال قتيبة لصاحب شرطته انطلق إلى وكيع فأتني به فإن أبى فاضرب عنقه و ائتني برأسه و وجه معه خيلا فقال وكيع لصاحب الشرطة البث قليلا تلحق الكتائب و قام فلبس سلاحه و نادى في الناس فأتوه فخرج فتلقاه رجل فقال ممن أنت فقال من بني أسد فقال ما اسمك فقال ضرغام فقال ابن من قال ابن ليث فتيمن به و أعطاه رايته و أتاه الناس إرسالا من كل وجه فتقدم بهم و هو يقول
قرم إذا حمل مكروهة و اجتمع إلى قتيبة أهله و ثقاته و أكثر العرب ألسنتهم له و قلوبهم عليه فأمر قتيبة رجلا فنادى أين بنو عامر و قد كان قتيبة جفاهم في أيام سلطانه فقال له مجفر بن جزء الكلابي نادهم حيث وضعتهم فقال قتيبة أنشدكم الله و الرحم و ذاك لأن باهلة و عامرا من قيس عيلان فقال مجفر أنت قطعتها قال فلكم العتبى فقال مجفر لا أقالنا الله إذا فقال قتيبة
يا نفس صبرا على ما كان من ألم ثم دعا ببرذون له مدرب ليركبه فجعل يمنعه الركوب حتى أعيا فلما رأى ذلك [ 271 ] عاد إلى سريره فجلس و قال دعوه فإن هذا أمر يراد و جاء حيان النبطي و هو يومئذ أمير الموالي و عدتهم سبعة آلاف و كان واجدا على قتيبة فقال له عبد الله بن مسلم أخو قتيبة احمل يا حيان فقال لم يأن بعد فقال له ناولني قوسك فقال حيان ليس هذا بيوم قوس ثم قال حيان لابنه إذ رأيتني قد حولت قلنسوتي و مضيت نحو عسكر وكيع فمل بمن معك من العجم إلي فلما حول حيان قلنسوته و مضى نحو عسكر وكيع مالت الموالي معه بأسرها فبعث قتيبة أخاه صالح بن مسلم إلى الناس فرماه رجل من بني ضبة فأصاب رأسه فحمل إلى قتيبة و رأسه مائل فوضعه على مصلاه و جلس عند رأسه ساعة و تهايج الناس و أقبل عبد الرحمن بن مسلم أخو قتيبة نحوهم فرماه الغوغاء و أهل السوق فقتلوه و أشير على قتيبة بالانصراف فقال الموت أهون من الفرار و أحرق وكيع موضعا كانت فيه إبل قتيبة و دوابه و زحف بمن معه حتى دنا منه فقاتل دونه رجل من أهله قتالا شديدا فقال له قتيبة أنج بنفسك فإن مثلك يضن به عن القتل قال بئسما جزيتك به أيها الأمير إذا و قد أطعمتني الجردق و ألبستني النمرق و تقدم الناس حتى بلغوا فسطاط قتيبة فأشار عليه نصحاؤه بالهرب فقال إذا لست لمسلم بن عمرو ثم خرج إليهم بسيفه يجالدهم فجرح جراحات كثيرة حتى ارتث و سقط فأكبوا عليه فاحتزوا رأسه و قتل معه من إخوته عبد الرحمن و عبد الله و صالح و الحصين و عبد الكريم و مسلم و قتل معه جماعة من أهله و عدة من قتل معه من أهله و إخوته أحد عشر رجلا و صعد وكيع بن أبي سود المنبر و أنشد من ينك العير ينك نياكا
[ 272 ] إن قتيبة أراد قتلي و أنا قتال الأقران ثم أنشد
قد جربوني ثم جربوني ثم قال أنا أبو مطرف يكررها مرارا ثم قال
أنا ابن خندف تنميني قبائلها ثم أخذ بلحيته و قال إني لأقتلن ثم لأقتلن و لأصلبن ثم لأصلبن إن مرزبانكم هذا ابن الزانية قد أغلى أسعاركم و الله لئن لم يصر القفيز بأربعة دراهم لأصلبنه صلوا على نبيكم . ثم نزل و طلب رأس قتيبة و خاتمه فقيل له إن الأزد أخذته فخرج مشهرا و قال و الله الذي لا إله إلا هو لا أبرح حتى أوتي بالرأس أو يذهب رأسي معه فقال له الحصين بن المنذر يا أبا مطرف فإنك تؤتى به ثم ذهب إلى الأزد فأخذ الرأس و أتاه به فسيره إلى سليمان بن عبد الملك فأدخل عليه و معه رءوس إخوته و أهله و عنده الهذيل بن زفر بن الحارث الكلابي فقال أ ساءك هذا يا هذيل قال لو ساءني لساء ناسا كثيرا فقال سليمان ما أردت هذا كله و إنما قال سليمان ذلك للهذيل لأن قيس عيلان تجمع كلابا و باهلة قالوا ما ولي خراسان أحد كقتيبة بن مسلم و لو كانت باهلة في الدناءة و الضعة و اللؤم إلى أقصى غاية لكان لها بقتيبة الفخر على قبائل العرب . [ 273 ] قال رؤساء خراسان من العجم لما قتل قتيبة يا معشر العرب قتلتم قتيبة و الله لو كان منا ثم مات لجعلناه في تابوت فكنا نستفتح به إذا غزونا . و قال الأصبهبذ يا معشر العرب قتلتم قتيبة و يزيد بن المهلب لقد جئتم شيئا إدا فقيل له أيهما كان أعظم عندكم و أهيب قال لو كان قتيبة بأقصى حجرة في المغرب مكبلا بالحديد و القيود و يزيد معنا في بلدنا وال علينا لكان قتيبة أهيب في صدورنا و أعظم . و قال عبد الرحمن بن جماعة الباهلي يرثي قتيبة
كأن أبا حفص قتيبة لم يسر عبهر أم ولد له . و في الحديث الصحيح أن من خير الناس رجلا ممسكا بعنان فرسه في سبيل الله كلما سمع هيعة طار إليها . كتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد و اعلم أن عليك عيونا من الله ترعاك و تراك فإذا لقيت العدو فاحرص على الموت توهب لك الحياة و لا تغسل الشهداء من دمائهم فإن دم الشهيد يكون له نورا يوم القيامة . [ 274 ] عمر لا تزالون أصحاء ما نزعتم و نزوتم يزيد ما نزعتم في القوس و نزوتم على الخيل بعض الخوارج
و من يخش أظفار المنايا فإننا حفص منصور بن عمار في قصصه على الغزو و الجهاد فطرحت في المجلس صرة فيها شيء ففتحت فإذا فيها ضفيرتا امرأة و قد كتبت رأيتك يا ابن عمار تحض على الجهاد و و الله إني لا أملك لنفسي مالا و لا أملك سوى ضفيرتي هاتين و قد ألقيتهما إليك فتالله إلا جعلتهما قيد فرس غاز في سبيل الله فلعل الله أن يرحمني بذلك . فارتج المجلس بالبكاء و الضجيج . لبعض شعراء العجم
وا سوءتا لامرئ شبيبته
[ 275 ] عبد الله بن ثعلبة الأزدي
فلئن عمرت لأشفين مجير الجراد أبو حنبل حارثة بن مر الطائي أجار جرادا نزل به و منع من صيده حتى طار من أرضه فسمي مجير الجراد . و قال هلال بن معاوية الطائي
و بالجبلين لنا معقل و قال يحيى بن منصور الحنفي
و لما نأت عنا العشيرة كلها
[ 276 ] و قال آخر
أرق لأرحام أراها قريبة حاصرت الترك مدينة برذعة من أعمال آذربيجان في أيام هشام بن عبد الملك حصارا شديدا و استضعفتها و كادت تملكها و توجه إليها لمعاونتها سعيد الحرشي من قبل هشام بن عبد الملك في جيوش كثيفة و علم الترك بقربه منهم فخافوا و أرسل سعيد واحدا من أصحابه إلى أهل برذعة سرا يعرفهم وصوله و يأمرهم بالصبر خوفا ألا يدركهم فسار الرجل و لقيه قوم من الترك فأخذوه و سألوه عن حاله فكتمهم فعذبوه فأخبرهم و صدقهم فقالوا إن فعلت ما نأمرك به أطلقناك و إلا قتلناك فقال ما تريدون قالوا أنت عارف بأصحابك ببرذعة و هم يعرفونك فإذا وصلت تحت السور فنادهم إنه ليس خلفي مدد و لا من يكشف ما بكم و إنما بعثت جاسوسا فأجابهم إلى ذلك فلما صار تحت سورها وقف حيث يسمع أهلها كلامه و قال لهم أ تعرفونني قالوا نعم أنت فلان بن فلان قال فإن سعيدا الحرشي قد وصل إلى مكان كذا في مائة ألف سيف و هو يأمركم بالصبر و حفظ البلد و هو مصبحكم أو ممسيكم فرفع أهل برذعة أصواتهم بالتكبير و قتلت الترك ذلك الرجل و رحلوا عنها و وصل سعيد فوجد أبوابها مفتوحة و أهلها سالمين . و قال الراجز
من كان ينوي أهله فلا رجع
[ 277 ] أشرف معاوية يوما فرأى عسكر علي ع بصفين فهاله فقال من طلب عظيما خاطر بعظيمته . و قال الكلحبة
إذا المرء لم يغش المكارة أوشكت و من شعر الحماسة
أقول لها و قد طارت شعاعا و منه أيضا و في الشر نجاة حين لا ينجيك إحسان و منه أيضا
و لم ندر إن جضنا عن الموت جيضة
[ 278 ] و منه أيضا
و لا يكشف الغماء إلا ابن حرة و منه أيضا
فلا تحسبي أني تخشعت بعدكم و منه أيضا
سأغسل عني العار بالسيف جالبا و منه أيضا
هما خطتا إما إسار و منة
[ 279 ] و منه أيضا
و أنا لقوم لا نرى القتل سبة و منه أيضا
لا يركنن أحد إلى الإحجام و منه أيضا
و إني لدى الحرب الضروس موكل كتب عبد الحميد بن يحيى عن مروان بن محمد إلى أبي مسلم كتابا حمل على جمل لعظمه و كثرته و قيل إنه لم يكن في الطول إلى هذه الغاية و قد حمل على جمل تعظيما لأمره و قال لمروان بن محمد إن قرأه خاليا نخب قلبه و إن قرأه في ملإ من [ 280 ] أصحابه ثبطهم و خذلهم فلما وصل إلى أبي مسلم أحرقه بالنار و لم يقرأه و كتب على بياض كان على رأسه و أعاده إلى مروان
محا السيف أسطار البلاغة و انتحت و يقال إن أول الكتاب كان لو أراد الله بالنملة صلاحا لما أنبت لها جناحا و كتب أبو مسلم إلى نصر بن سيار و هو أول كتاب صدر عن أبي مسلم إلى نصر و ذلك حين لبس السواد و أعلن بالدعوة في شهر رمضان من سنة تسع و عشرين و مائة أما بعد فإن الله جل ثناؤه ذكر أقواما فقال وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى اَلْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً اِسْتِكْباراً فِي اَلْأَرْضِ وَ مَكْرَ اَلسَّيِّئِ وَ لا يَحِيقُ اَلْمَكْرُ اَلسَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ اَلْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اَللَّهِ تَبْدِيلاً وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اَللَّهِ تَحْوِيلاً . فلما ورد الكتاب إلى نصر تعاظمه أمره و كسر له إحدى عينيه و قال إن لهذا الكتاب لأخوات و كتب إلى مروان يستصرخه و إلى يزيد بن هبيرة يستنجده فقعدا عنه حتى أفضى ذلك إلى خروج الأمر عن بني عبد شمس . الرضي الموسوي رحمه الله تعالى
سأمضي للتي لا عيب فيها [ 281 ]
و أطلب غاية إن طوحت بي و له
سيقطعك المهند ما تمنى و من أهل الإباء الذين كرهوا الدنية و اختاروا عليها المنية عبد الله بن الزبير تفرق عنه لما حاربه الحجاج بمكة و حصره في الحرم عامة أصحابه و خرج كثير منهم إلى الحجاج في الأمان حتى حمزة و خبيب ابناه فدخل عبد الله على أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق و كانت قد كف بصرها و هي عجوز كبيرة فقال لها خذلني الناس حتى ولدي و أهلي و لم يبق معي إلا من ليس عنده من الدفع أكثر من ساعة و القوم يعطونني من الدنيا ما سألت فما رأيك فقالت أنت يا بني أعلم بنفسك إن كنت تعلم أنك على حق و إليه تدعو فامض له فقد قتل أكثر أصحابك فلا تمكن من رقبتك يتلاعب بها غلمان بني أمية و إن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت أهلكت [ 282 ] نفسك و أهلكت من قتل معك و إن كنت قاتلت على الحق فما وهن أصحابك إلا ضعفت فليس هذا فعل الأحرار و لا أهل الدين و كم خلودك في الدنيا القتل أحسن . فدنا عبد الله منها فقبل رأسها و قال هذا و الله رأيي و الله ما ركنت إلى الدنيا و لا أحببت الحياة فيها و ما دعاني إلى الخروج إلا الغضب لله تعالى عز و جل أن تستحل محارمه و لكنني أحببت أن أعلم رأيك فقد زدتني بصيرة فانظري يا أماه أني مقتول يومي هذا فلا يشتد جزعك و سلمي لأمر الله فإن ابنك لم يتعمد إتيان منكر و لا عملا بفاحشة و لم يجر في حكم الله و لم يظلم مسلما و لا معاهدا و لا بلغني ظلم عن عامل من عمالي فرضيت به بل أنكرته و لم يكن شيء عندي آثر من رضا الله . اللهم إني لا أقول هذا تزكية لنفسي أنت أعلم بي و لكني أقوله تعزية لأمي لتسلو عني فقالت إني لأرجو من الله أن يكون عزائي فيك حسنا إن تقدمتني فاخرج لأنظر إلى ما ذا يصير أمرك فقال جزاك الله خيرا يا أمي فلا تدعي الدعاء لي حيا و ميتا قالت لا أدعه أبدا فمن قتل على باطل فقد قتلت على حق ثم قالت اللهم ارحم طول ذلك القيام في الليل الطويل و ذلك النحيب في الظلماء و ذلك الصوم في هواجر مكة و المدينة و بره بأبيه و بي اللهم إني قد أسلمت لأمرك و رضيت بما قضيت فيه فأثبني عليه ثواب الصابرين . و قد روي في قصة عبد الله مع أمه أسماء رواية أخرى أنه لما دخل عليها و عليه الدرع و المغفر و هي عمياء لا تبصر وقف فسلم ثم دنا فتناول يدها فقبلها قالت هذا وداع فلا تبعد فقال نعم إنما جئت مودعا إني لأرى هذا اليوم آخر أيامي من الدنيا و اعلمي يا أمي أني إذا قتلت فإنما أنا لحم لا يضرني ما صنع بي فقالت صدقت يا بني أقم على بصيرتك و لا تمكن ابن أبي عقيل منك ادن مني لأودعك فدنا منها فقبلته [ 283 ] و عانقته فوجدت مس الدرع فقالت ما هذا صنع من يريد ما تريد فقال إنما لبسته لأشد منك قالت إنه لا يشد مني ثم انصرف عنها و هو يقول
إني إذا أعرف يومي أصبر و أقام أهل الشام على كل باب من أبواب الحرم رجالا و قائدا فكان لأهل حمص الباب الذي يواجه باب الكعبة و لأهل دمشق باب بني شيبة و لأهل الأردن باب الصفا و لأهل فلسطين باب جمع و لأهل قنسرين باب بني سهم و خرج ابن الزبير فمرة يحمل هاهنا و مرة يحمل هاهنا و كأنه أسد لا يقدم عليه الرجال و أرسلت إليه زوجته أ أخرج فأقاتل معك فقال لا و أنشد
كتب القتل و القتال علينا فلما كان الليل قام يصلي إلى قريب السحر ثم أغفى محتبيا بحمائل سيفه ثم قام فتوضأ و صلى و قرأ ن وَ اَلْقَلَمِ وَ ما يَسْطُرُونَ ثم قال بعد انقضاء صلاته من كان عني سائلا فإني في الرعيل الأول ثم أنشد
و لست بمبتاع الحياة بسبة ثم حمل حتى بلغ الحجون فرمي بآجرة فأصابت وجهه فدمي فلما وجد سخونة الدم يسيل على وجهه أنشد
و لسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ثم حمل على أهل الشام فغاص فيهم و اعتوروه بأسيافهم حتى سقط و جاء الحجاج [ 284 ] فوقف عليه و هو ميت و معه طارق بن عمرو فقال ما ولدت النساء أذكر من هذا و بعث برأسه إلى المدينة فنصب بها ثم حمل إلى عبد الملك . أبو الطيب المتنبي
أطاعن خيلا من فوارسها الدهر و قال ابن حيوس
و لست كمن أخنى عليه زمانه [ 285 ]
و ليس الفتى من لم تسم جسمه الظبا و له أيضا
أخفق المترف الجنوح إلى الخفض و ممن تقبل مذاهب الأسلاف في إباء الضيم و كراهية الذل و اختار القتل على ذلك و أن يموت كريما أبو الحسين زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أمه أم ولد و كان السبب في خروجه و خلعه طاعة بني مروان أنه كان يخاصم عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب ع في صدقات علي ع هذا يخاصم عن بني حسين و هذا عن بني حسن فتنازعا يوما عند خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم أمير المدينة فأغلظ كل واحد منهما لصاحبه فسر خالد بن عبد الملك بذلك و أعجبه سبابهما و قال لهما حين سكنا اغدوا علي فلست بابن عبد الملك إن لم أفصل بينكما غدا فباتت المدينة تغلي كالمرجل فمن قائل يقول قال زيد كذا و قائل يقول قال عبد الله كذا فلما كان الغد جلس خالد في المسجد و جمع الناس فمن بين شامت و مغموم و دعا بهما و هو يحب أن يتشاتما فذهب عبد الله يتكلم فقال زيد لا تعجل يا أبا محمد أعتق زيد ما يملك إن خاصمك إلى خالد أبدا ثم أقبل على خالد فقال له أجمعت ذرية رسول الله ص لأمر ما كان يجمعهم عليه أبو بكر و لا عمر فقال خالد أ ما لهذا السفيه أحد يكلمه . فتكلم رجل من الأنصار من آل عمرو بن حزم فقال يا ابن أبي تراب و يا ابن [ 286 ] حسين السفيه أ ما ترى عليك لوال حقا و لا طاعة فقال زيد اسكت أيها القحطاني فإنا لا نجيب مثلك فقال الأنصاري و لم ترغب عني فو الله إني لخير منك و أبي خير من أبيك و أمي خير من أمك فتضاحك زيد و قال يا معشر قريش هذا الدين قد ذهب أ فذهبت الأحساب فتكلم عبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب فقال كذبت أيها القحطاني و الله لهو خير منك نفسا و أبا و أما و محتدا و تناوله بكلام كثير و أخذ كفا من الحصى فضرب به الأرض و قال إنه و الله ما لنا على هذا من صبر و قام . فقام زيد أيضا و شخص من فوره إلى هشام بن عبد الملك فجعل هشام لا يأذن له و زيد يرفع إليه القصص و كلما رفع إليه قصة كتب هشام في أسفلها ارجع إلى أرضك فيقول زيد و الله لا أرجع إلى ابن الحارث أبدا ثم أذن له بعد حبس طويل و هشام في علية له فرقي زيد إليها و قد أمر هشام خادما له أن يتبعه حيث لا يراه زيد و يسمع ما يقول فصعد زيد و كان بادنا فوقف في بعض الدرجة فسمعه الخادم و هو يقول ما أحب الحياة إلا من ذل فأخبر الخادم هشاما بذلك فلما قعد زيد بين يدي هشام و حدثه حلف له على شيء فقال هشام لا أصدقك فقال زيد إن الله لا يرفع أحدا عن أن يرضى بالله و لم يضع أحدا عن أن يرضى بذلك منه قال له هشام إنه بلغني أنك تذكر الخلافة و تتمناها و لست هناك لأنك ابن أمة فقال زيد إن لك جوابا قال تكلم قال إنه ليس أحد أولى بالله و لا أرفع درجة عنده من نبي ابتعثه و هو إسماعيل بن إبراهيم و هو ابن أمة قد اختاره الله لنبوته و أخرج منه خير البشر فقال هشام فما يصنع أخوك البقرة فغضب زيد حتى كاد يخرج من إهابه ثم قال سماه رسول الله ص الباقر و تسميه أنت البقرة لشد ما اختلفتما لتخالفنه في الآخرة كما خالفته في الدنيا فيرد الجنة و ترد النار . [ 287 ] فقال هشام خذوا بيد هذا الأحمق المائق فأخرجوه فأخذ الغلمان بيده فأقاموه فقال هشام احملوا هذا الخائن الأهوج إلى عامله فقال زيد و الله لئن حملتني إليه لا أجتمع أنا و أنت حيين و ليموتن الأعجل منا فأخرج زيد و أشخص إلى المدينة و معه نفر يسيرونه حتى طردوه عن حدود الشام فلما فارقوه عدل إلى العراق و دخل الكوفة و بايع لنفسه فأعطاه البيعة أكثر أهلها و العامل عليها و على العراق يومئذ يوسف بن عمر الثقفي فكان بينهما من الحرب ما هو مذكور في كتب التواريخ و خذل أهل الكوفة زيدا و تخلف معه ممن تابعه نفر يسير و أبلى بنفسه بلاء حسنا و جهادا عظيما حتى أتاه سهم غرب فأصاب جانب جبهته اليسرى فثبت في دماغه فحين نزع منه مات ع . عنف محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب ع زيدا لما خرج و حذره القتل و قال له إن أهل العراق خذلوا أباك عليا و حسنا و حسينا ع و إنك مقتول و إنهم خاذلوك فلم يثن ذلك عزمه و تمثل
بكرت تخوفني الحتوف كأنني
[ 288 ] العلوي البصري صاحب الزنج يقول
و إذا تنازعني أقول لها قري و قال أيضا
إني و قومي في أنساب قومهم بعض الطالبيين
و إنا لتصبح أسيافنا بعض الخوارج يصف أصحابه
و هم الأسود لدى العرين بسالة
و في الحديث المرفوع خلقان يحبهما الله الشجاعة و السخاء . كان بشر بن المعتمر من قدماء شيوخنا رحمه الله تعالى يقول بتفضيل علي ع [ 289 ] و يقول كان أشجعهم و أسخاهم و منه سرى القول بالتفضيل إلى أصحابنا البغداديين قاطبة و في كثير من البصريين . دخل النضر بن راشد العبدي على امرأته في حرب الترك بخراسان في ولاية الجنيد بن عبد الرحمن المري في خلافة هشام بن عبد الملك و الناس يقتتلون فقال لها كيف تكونين إذا أتيت بي في لبد قتيلا مضرجا بالدماء فشقت جيبها و دعت بالويل فقال حسبك لو أعولت علي كل أنثى لعصيتها شوقا إلى الجنة ثم خرج فقاتل حتى قتل و حمل إلى امرأته في لبد و دمه يقطر من خلاله . قال أبو الطيب المتنبي
إذا غامرت في شرف مروم و قال
إذا لم تجد ما يبتر العمر قاعدا و قال
أهم بشيء و الليالي كأنها
[ 290 ] قيل لأبي مسلم في أيام صباه نراك تنظر إلى السماء كثيرا كأنك تسترق السمع أو تنتظر نزول الوحي قال لا و لكن لي همة عالية و نفس تتطلع إلى معالي الأمور مع عيش كعيش الهمج و الرعاع و حال متناهية في الاتضاع قيل فما الذي يشفي علتك و يروي غلتك قال الملك قيل فاطلب الملك قال إن الملك لا يطلب هكذا قيل فما تصنع و أنت تذوب حسرا و تموت كمدا قال سأجعل بعض عقلي جهلا و أطلب به ما لا يطلب إلا بالجهل و أحرس بالباقي ما لا يحرس إلا بالعقل فأعيش بين تدبير ضدين فإن الخمول أخو العدم و الشهرة أخت الكون . قال ابن حيوس
أمواتهم بالذكر كالأحياء و قال
و هي الرئاسة لا تبوح بسرها
[ 291 ] كان ثابت قطنة في خيل عبد الله بن بسطام في فتح شكند من بلاد الترك في أيام هشام بن عبد الملك فاشتدت شوكة الترك و انحاز كثير من المسلمين و استؤسر منهم خلق فقال ثابت و الله لا ينظر إلي بنو أمية غدا مشدودا في الحديد أطلب الفداء اللهم إني كنت ضيف ابن بسطام البارحة فاجعلني ضيفك الليلة ثم حمل و حمل معه جماعة فكسرتهم الترك فرجع أصحابه و ثبت هو فرمي برذونه فشب و ضربه فأقدم فصرع ثابت و ارتث فقال اللهم إنك استجبت دعوتي و أنا الآن ضيفك فاجعل قراي الجنة فنزل تركي فأجهز عليه . قال يزيد بن المهلب لابنه خالد و قد أمره على جيش في حرب جرجان يا بني إن غلبت على الحياة فلا تغلبن علي الموت و إياك أن أراك غدا عندي مهزوما . عن النبي ص الخير في السيف و الخير مع السيف و الخير بالسيف كما يقال المنية و لا الدنية و النار و لا العار و السيف و لا الحيف . قال سيف بن ذي يزن حين أعانه بوهرز الديلمي و من معه لأنوشروان أيها الملك أين تقع ثلاثة آلاف من خمسين ألفا فقال يا أعرابي كثير الحطب يكفيه قليل النار . لما حبس مروان بن محمد إبراهيم الإمام خرج أبو العباس السفاح و أخوه أبو جعفر و عبد الوهاب و محمد ابنا إبراهيم الإمام و عيسى و صالح و إسماعيل و عبد الله و عبد الصمد أبناء علي بن عبد الله بن العباس و عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس و يحيى بن جعفر بن تمام بن العباس من الحميمة من أرض السراة يطلبون الكوفة و قد كان داود بن علي بن عبد الله بن العباس و ابنه موسى بن داود بالعراق فخرجا يطلبان الشام فتلقاهما أبو العباس و أهل بيته بدومة الجندل فسألهم داود عن [ 292 ] خروجهم فأخبروه أنهم يريدون الكوفة ليظهروا بها و يدعوا إلى البيعة لأبي العباس فقال يا أبا العباس يظهر أمرك الآن بالكوفة و مروان بن محمد شيخ بني أمية بحران مطل على العراق في جيوش أهل الشام و الجزيرة و يزيد بن عمر بن هبيرة شيخ العرب بالعراق في فرسان العرب فقال يا عم من أحب الحياة ذل ثم تمثل بقول الأعشى
فما ميتة إن متها غير عاجز فقال داود لابنه موسى صدق ابن عمك ارجع بنا معه فإما أن نهلك أو نموت كراما . و كان عيسى بن موسى يقول بعد ذلك إذا ذكر خروجهم من الحميمة يريدون الكوفة إن ثلاثة عشر رجلا خرجوا من ديارهم و أهليهم يطلبون ما طلبنا لعظيمة هممهم كبيرة نفوسهم شديدة قلوبهم . أبو الطيب المتنبي
و إذا كانت النفوس كبارا و له
إلى أي حين أنت في زي محرم
[ 293 ] و قال آخر
إن تقتلوني فآجال الرجال كما خطب الحجاج فشكا سوء ضاعة أهل العراق فقام إليه جامع المحاربي فقال أيها الأمير دع ما يباعدهم منك إلى ما يقربهم إليك و التمس العافية ممن دونك تعطها ممن فوقك فلو أحبوك لأطاعوك إنهم ما شنئوك بنسبك و لا لبأوك و لكن لإيقاعك بعد وعيدك و وعيدك بعد وعدك . فقال الحجاج ما أراني أرد بني اللكيعة إلى طاعتي إلا بالسيف فقال جامع أيها الأمير إن السيف إذا لاقى السيف ذهب الخيار فقال الحجاج الخيار يومئذ لله فقال أجل و لكنك لا تدري لمن يجعله الله فقال يا هناه إيها فإنك من محارب فقال جامع
و للحرب سمينا فكنا محاربا و من الشعر الجيد في تحسين الإباء و الحمية و التحريض على النهوض و الحرب و طلب الملك و الرئاسة قصيدة عمارة اليمني شاعر المصريين في فخر الدين تورانشاه بن أيوب التي يغريه فيها بالنهوض إلى اليمن و الاستيلاء على ملكها و صادفت هذه القصيدة محلا قابلا و ملك تورانشاه اليمن بما هزت هذه القصيدة من عطفه و حركت من عزمه و أولها [ 294 ]
العلم مذ كان محتاج إلى العلم [ 295 ]
هذا ابن تومرت قد كانت بدايته كذب لم يظهر الدين الحنيف المقدس على الأديان بسعي البشر بل بالتأييد الإلهي و السر الرباني صلوات الله و سلامه على القائم به و المتحمل له
و البدر يبدو هلالا ثم يكشف بالأنوار و من أباة الضيم الذين اختاروا القتل على الأسر و الموت على الدنية مصعب بن الزبير كان أمير العراقين من قبل عبد الله بن الزبير و كان قد كسر جيوش عبد الملك مرارا و أعياه أمره فخرج إليه من الشام بنفسه فليم في ذلك و قيل له إنك تغرر بنفسك و خلافتك فقال إنه لا يقوم لحرب مصعب غيري هذا أمر يحتاج إلى أن يقوم به شجاع ذو رأي و ربما بعثت شجاعا و لا رأي له أو ذا رأي و لا شجاعة عنده و أنا بصير بالحرب شجاع بالسيف فلما أجمع على الخروج إلى حرب مصعب جاءته [ 296 ] امرأته عاتكة بنت يزيد بن معاوية فالتزمته و بكت لفراقه و بكى جواريها حولها فقال عبد الملك قاتل الله ابن أبي جمعة كأنه شاهد هذه الصورة حيث يقول
إذا هم بالأعداء لم يثن عزمه فسار عبد الملك حتى إذا كان بمسكن من أرض العراق و قد دنا منه عسكر مصعب تقاعد بمصعب أصحابه و قواده و خذلوه فقال لابنه عيسى الحق بمكة فانج بنفسك و أخبر عمك عبد الله بما صنع أهل العراق بي و دعني فإني مقتول فقال لا تتحدث نساء قريش أني فررت عنك و لكن أقاتل دونك حتى نقتل فالفرار عار و لا عار في القتل ثم قاتل دونه حتى قتل و خف من يحامي عن مصعب من أهل العراق و أيقن بالقتل فأنفذ عبد الملك إليه أخاه محمد بن مروان فأعطاه الأمان و ولاية العراقين أبدا ما دام حيا و ألفي ألف درهم صلة فأبى و قال إن مثلي لا ينصرف عن هذا المكان إلا غالبا أو مقتولا فشد عليه أهل الشام و رموه بالنبل فأثخنوه و طعنه زائدة بن قيس بن قدامة السعدي و نادى يا لثارات المختار فوقع إلى الأرض فنزل إليه عبد الملك بن زياد بن ظبيان فاحتز رأسه و حمله إلى عبد الملك . لما حمل رأس مصعب إلى عبد الملك بكى و قال لقد كان أحب الناس إلي و أشدهم مودة لي و لكن الملك عقيم . كتب مصعب إلى سكينة بنت الحسين ع و كانت زوجته لما شخص إلى حرب عبد الملك و هي بالكوفة بعد ليال من فراقها
و كان عزيزا إن أبيت و بيننا [ 297 ]
و أبكاهما و الله للعين فاعلمي ثم أرسل إليها و أشخصها فشهدت معه حرب عبد الملك فدخل عليها يوم قتل و قد نزع ثيابه ثم لبس غلالة و توشح بثوب واحد و هو محتضن سيفه فعلمت أنه غير راجع فصاحت وا حزناه عليك يا مصعب فالتفت إليها و قال إن كل هذا في قلبك قالت و ما أخفي أكثر قال لو كنت أعلم هذا لكان لي و لك شأن ثم خرج فلم يرجع . فقال عبد الملك يوما لجلسائه من أشجع الناس فقالوا قطري شبيب فلان و فلان قال عبد الملك بل رجل جمع بين سكينة بنت الحسين و عائشة بنت طلحة و أمة الحميد بنت عبد الله بن عامر بن كريز و قلابة ابنة زبان بن أنيف الكلبي سيد العرب و ولي العراقين خمس سنين فأصاب كذا و كذا ألف درهم و أعطي الأمان على ذلك كله و على ولايته و ماله فأبى و مشى بسيفه إلى الموت حتى قتل ذاك مصعب بن الزبير لا من قطع الجسور مرة هاهنا و مرة هاهنا . سئل سالم بن عبد الله بن عمر أي ابني الزبير أشجع فقال كلاهما جاءه الموت و هو ينظر إليه . لما وضع رأس مصعب بين يدي عبد الملك أنشد
لقد أردى الفوارس يوم حسي
[ 298 ] كان ابن ظبيان يقول ما ندمت على شيء ندمي على ألا أكون لما حملت إلى عبد الملك رأس مصعب فسجد قتلته في سجدته فأكون قد قتلت ملكي العرب في يوم واحد . قال رجل لعبد الله بن ظبيان بما ذا تحتج عند الله عز و جل غدا و قد قتلت مصعبا قال إن تركت أحتج كنت أخطب من صعصعة بن صوحان . كان مصعب لما خرج إلى حرب عبد الملك سأل عن الحسين بن علي ع و كيف كان قتله فجعل عروة بن المغيرة يحدث عن ذلك فقال متمثلا بقول سليمان بن قتة
و إن الألى بالطف من آل هاشم قال عروة فعلمت أن مصعبا لا يفر . لما كان يوم السبخة و عسكر الحجاج بإزاء شبيب قال له الناس أيها الأمير لو تنحيت عن هذه السبخة فإنها منتنة الريح قال ما تنحونني و الله إليه أنتن و هل ترك مصعب لكريم مفرا ثم أنشد قول الكلحبة
إذا المرء لم يغش الكريهة أوشكت و روى أبو الفرج في كتاب الأغاني خطبة عبد الله بن الزبير في قتل مصعب برواية هي أتم مما ذكرناه نحن فيما تقدم قال لما أتي خبر المصعب إلى مكة أضرب عبد الله بن الزبير عن ذكره أياما حتى تحدث به جميع أهل مكة في الطريق ثم صعد المنبر فجلس عليه مليا لا يتكلم فنظر الناس إليه و إن الكآبة على وجهه لبادية و إن [ 299 ] جبينه ليرشح عرفا فقال واحد لآخر ما له لا يتكلم أ تراه يهاب النطق فو الله إنه لخطيب فما تراه يهاب قال أراه يريد أن يذكر قتل المصعب سيد العرب فهو يقطع بذلك فابتدأ فقال الحمد لله الذي له الخلق و الأمر ملك الدنيا و الآخرة يعز من يشاء و يذل من يشاء إلا أنه لا يذل من كان الحق معه و إن كان مفردا ضعيفا و لا يعز من كان الباطل معه و إن كان ذا عدد و كثرة ثم قال أتانا خبر من العراق بلد الغدر و الشقاق فساءنا و سرنا أتانا أن مصعبا قتل رحمه الله فأما الذي أحزننا من ذلك فإن لفراق الحميم لذعة و لوعة يجدها حميمه عند المصيبة ثم يرعوي ذو الرأي و الدين إلى جميل الصبر و أما الذي سرنا منه فإن قتله كان له شهادة و إن الله جاعل لنا و له في ذلك الخيرة ألا إن أهل العراق باعوه بأقل الأثمان و أخسرها و أسلموه إسلام النعم المخطمة فقتل و إن قتل لقد قتل أبوه و عمه و أخوه و كانوا الخيار الصالحين و إنا و الله ما نموت حتف آنافنا ما نموت إلا قتلا قتلا و قعصا قعصا بين قصد الرماح و تحت ظلال السيوف ليس كما تموت بنو مروان و الله ما قتل منهم رجل في جاهلية و لا إسلام و إنما الدنيا عارية من الملك القهار الذي لا يزول سلطانه و لا يبيد ملكه فإن تقبل الدنيا علي لا آخذها أخذ اللئيم البطر و إن تدبر عني لا أبكي عليها بكاء الخرف المهتر ثم نزل . [ 300 ] و قال الطرماح بن حكيم و كان يرى رأي الخوارج
و إني لمقتاد جوادي فقاذف قال ابن شبرمة مررت يوما في بعض شوارع الكوفة فإذا بنعش حوله رجال و عليه مطرف خز أخضر فسألت عنه فقيل الطرماح فعلمت أن الله تعالى لم يستجب له . و قال محمد بن هانئ
و لم أجد الإنسان إلا ابن سعيه الرضي الموسوي رحمه الله تعالى
و من أخرته نفسه مات عاجزا
[ 301 ] و له رحمه الله
ما مقامي على الهوان و عندي أبو الطيب المتنبي
تقولين ما في الناس مثلك عاشق ابن الهبارية الهمم العلية و المهج الأبية تقرب المنية منك أو الأمنية . أبو تمام
فتى النكبات من يأوي إذا ما [ 302 ]
فلب العزم إن حاولت يوما و له أيضا
إن خيرا مما رأيت من الصفح و له أيضا
إن تريني ترى حساما صقيلا أخذ هذا اللفظ أبو عبادة البحتري فقال
يا نديمي بالسواجير من شمس [ 303 ]
اطلبا ثالثا سواي فإني و قال الرضي رحمه الله تعالى
و لم أر كالرجاء اليوم شيئا [ 304 ]
و لا خيل معقدة النواصي قعد سليمان بن عبد الملك يعرض و يفرض فأقبل فتى من بني عبس وسيم فأعجبه فقال ما اسمك قال سليمان قال ابن من قال ابن عبد الملك فأعرض عنه و جعل يفرض لمن دونه فعلم الفتى أنه كره موافقة اسمه و اسم أبيه فقال يا أمير المؤمنين لا عدمت اسمك و لا شقي اسم يوافق اسمك فافرض فإنما أنا سيف بيدك إن ضربت به قطعت و إن أمرتني أطعت و سهم في كنانتك أشتد إن أرسلت و أنفذ حيث وجهت فقال له سليمان و هو يروزه و يختبره ما قولك يا فتى لو لقيت عدوا قال أقول حسبي الله و نعم الوكيل قال سليمان أ كنت مكتفيا بهذا لو لقيت عدوك دون ضرب شديد قال الفتى إنما سألتني يا أمير المؤمنين ما أنت قائل فأخبرتك و لو سألتني ما أنت فاعل لأنبأتك أنه لو كان ذلك لضربت بالسيف حتى يتعقف و لطعنت بالرمح حتى يتقصف و لعلمت إن ألمت فإنهم يألمون و لرجوت من الله ما لا يرجون فأعجب سليمان به و ألحقه في العطاء بالأشراف و تمثل
إذا ما اتقى الله الفتى ثم لم يكن
[ 305 ] السر تحت قوله ثم لم يكن على أهله كلا يقال في المثل لا تكن كلا على أهلك فتهلك . عدي بن زيد
فهل من خالد إما هلكنا الرضي الموسوي رحمه الله تعالى
إذا لم يكن إلا الحمام فإنني [ 306 ]
رأى أن هذا السيف أهون محملا
[ 307 ] و من أباة الضيم و مؤثري الموت على الحياة الذليلة محمد و إبراهيم ابنا عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ع لما أحاطت عساكر عيسى بن موسى بمحمد و هو بالمدينة قيل له أنج بنفسك فإن لك خيلا مضمرة و نجائب سابقة فاقعد عليها و التحق بمكة أو باليمن قال إني إذا لعبد و خرج إلى الحرب يباشرها بنفسه و بمواليه فلما أمسى تلك الليلة و أيقن بالقتل أشير عليه بالاستتار فقال إذن يستعرض عيسى أهل المدينة بالسيف فيكون لهم يوم كيوم الحرة لا و الله لا أحفظ نفسي بهلاك أهل المدينة بل أجعل دمي دون دمائهم فبذل له عيسى الأمان على نفسه و أهله و أمواله فأبى و نهد إلى الناس بسيفه لا يقاربه أحد إلا قتله لا و الله ما يبقي شيئا و إن أشبه خلق الله به فيما ذكر هو حمزة بن عبد المطلب و رمي بالسهام و دهمته الخيل فوقف إلى ناحية جدار و تحاماه الناس فوجد الموت فتحامل على سيفه فكسره فالزيدية تزعم أنه كان سيف رسول الله ص ذا الفقار . و روى أبو الفرج الأصفهاني في كتاب مقال الطالبيين أن محمدا ع قال لأخته ذلك اليوم إني في هذا اليوم على قتال هؤلاء فإن زالت الشمس و أمطرت السماء فإني مقتول و إن زالت الشمس و لم تمطر السماء و هبت الريح فإني أظفر بالقوم فأججي التنانير و هيئي هذه الكتب يعني كتب البيعة الواردة عليه من الآفاق فإن زالت الشمس و مطرت السماء فاطرحي هذه الكتب في التنانير فإن قدرتم على بدني [ 308 ] فخذوه و إن لم تقدروا على رأسي فخذوا سائر بدني فأتوا به ظلة بني بلية على مقدار أربعة أذرع أو خمسة منها فاحفروا لي حفيرة و ادفنوني فيها فمطرت السماء وقت الزوال و قتل محمد ع و كان عندهم مشهورا أن آية قتل النفس الزكية أن يسيل دم بالمدينة حتى يدخل بيت عاتكة فكانوا يعجبون كيف يسيل الدم حتى يدخل ذلك البيت فأمطرت السماء ذلك اليوم و سال الدم بالمطر حتى دخل بيت عاتكة و أخذ جسده فحفر له حفيرة في الموضع الذي حده لهم فوقعوا على صخرة فأخرجوها فإذا فيها مكتوب هذا قبر الحسن بن علي بن أبي طالب ع فقالت زينب أخت محمد ع رحم الله أخي كان أعلم حيث أوصى أن يدفن في هذا الموضع . و روى أبو الفرج قال قدم على المنصور قادم فقال هرب محمد فقال له كذبت إنا أهل البيت لا نفر . و أما إبراهيم ع فروى أبو الفرج عن المفضل بن محمد الضبي قال كان إبراهيم بن عبد الله بن الحسن متواريا عندي بالبصرة و كنت أخرج و أتركه فقال لي إذا خرجت ضاق صدري فأخرج إلي شيئا من كتبك أتفرج به فأخرجت إليه كتبا من الشعر فاختار منها القصائد السبعين التي صدرت بها كتاب المفضليات ثم أتممت عليها باقي الكتاب . فلما خرج خرجت معه فلما صار بالمربد مربد سليمان بن علي وقف عليهم و أمنهم و استسقى ماء فأتي به فشرب فأخرج إليه صبيان من صبيانهم فضمهم إليه [ 309 ] و قال هؤلاء و الله منا و نحن منهم لحمنا و دمنا و لكن آباءهم انتزوا على أمرنا و ابتزوا حقوقنا و سفكوا دماءنا ثم تمثل
مهلا بني عمنا ظلامتنا فقلت له ما أجود هذه الأبيات و أفحلها فلمن هي فقال هذه يقولها ضرار بن الخطاب الفهري يوم عبر الخندق على رسول الله ص و تمثل بها علي بن أبي طالب يوم صفين و الحسين يوم الطف و زيد بن علي يوم السبخة و يحيى بن زيد يوم الجوزجان فتطيرت له من تمثله بأبيات لم يتمثل بها أحد إلا قتل ثم سرنا إلى باخمرى فلما قرب منها أتاه نعي أخيه محمد فتغير لونه و جرض بريقه ثم أجهش باكيا و قال اللهم إن كنت تعلم أن محمدا خرج يطلب مرضاتك و يؤثر أن تكون كلمتك العليا و أمرك المتبع المطاع فاغفر له و ارحمه و ارض عنه و اجعل ما نقلته إليه من الآخرة خيرا مما نقلته عنه من الدنيا ثم انفجر باكيا ثم تمثل
أبا المنازل يا خير الفوارس من قال المفضل فجعلت أعزيه و أعاتبه على ما ظهر من جزعه فقال إني و الله في هذا كما قال دريد بن الصمة [ 310 ]
يقول ألا تبكي أخاك و قد أرى قال المفضل ثم ظهرت لنا جيوش أبي جعفر مثل الجراد فتمثل إبراهيم ع قوله
إن يقتلوني لا تصب أرماحهم فقلت له من يقول هذا الشعر يا ابن رسول الله فقال يقوله خالد بن جعفر بن كلاب يوم شعب جبلة و هذا اليوم الذي لقيت فيه قيس تميما قال و أقبلت عساكر أبي جعفر فطعن رجلا و طعنه آخر فقلت له أ تباشر القتال بنفسك و إنما العسكر منوط بك فقال إليك يا أخا بني ضبة فإني لكما قال عويف القوافي
ألمت سعاد و إلمامها [ 311 ]
و إن لنا أصل جرثومة و التحمت الحرب و اشتدت فقال يا مفضل احكني بشيء فذكرت أبياتا لعويف القوافي لما كان ذكره هو من شعره فأنشدته
ألا أيها الناهي فزارة بعد ما فقال أعد و تبينت من وجهه أنه يستقتل فانتهبت و قلت أو غير ذلك فقال لا بل أعد الأبيات فأعدتها فتمطى في ركابيه فقطعهما و حمل فغاب عني و أتاه سهم عائر فقتله و كان آخر عهدي به ع قلت في هذا الخبر ما يحتاج إلى تفسير أما قوله إن بنا سورة من الغلق فالغلق الضجر و ضيق الصدر و الحدة يقال احتد فلان فنشب في حدته و غلق و السورة الوثوب يقال إن لغضبه لسورة و إنه لسوار أي وثاب معربد و سورة الشراب وثوبه في الرأس و كذلك سورة السم و سورة السلطان سطوته و اعتداؤه . و أما قوله لمثلكم نحمل السيوف فمعناه أن غيركم ليس بكفء لنا لنحمل له السيوف و إنما نحملها لكم لأنكم أكفاؤنا فنحن نحاربكم على الملك و الرئاسة و إن كانت أحسابنا واحدة و هي شريفة لا مغمز فيها . [ 312 ] و الرقق بفتح الراء الضعف و منه قول الشاعر لم تلق في عظمها وهنا و لا رققا و قوله تكحل يوم الهياج بالعلق فالعلق الدم يريد أن عيونهم حمر لشدة الغيظ و الغضب فكأنها كحلت بالدم . و قوله لكن بنيت على الصبر أي خلقت و بنيت بنية تقتضي الصبر و الشرف لأعلى العالي و بنو أبي بكر بن كلاب من قيس عيلان ثم أحد بني عامر بن صعصعة . و أما قوله إن يقتلوني لا تصب أرماحهم فمعناه أنهم إن قتلوني ثم حاولوا أن يصيبوا رجلا آخر مثلي يصلح أن يكون لي نظيرا و أن يجعل دمه بواء لدمي و سعوا في ذلك سعيا جاهدا فإنهم لم يجدوا و لم يقدروا عليه . و قوله أرمي الطريق . . . البيت يقول أسلك الطريق الضيق و لو جعل علي فيه الرصد لقتلي . و الحارد المنفرد في شجاعته الذي لا مثل له |