فصل في ذكر المنحرفين عن عليو ذكر جماعة من شيوخنا البغداديين أن عدة من الصحابة و التابعين و المحدثين كانوا منحرفين عن علي ع قائلين فيه السوء و منهم من كتم مناقبه و أعان أعداءه ميلا مع الدنيا و إيثارا للعاجلة فمنهم أنس بن مالك ناشد علي ع الناس في رحبة القصر أو قال رحبة الجامع بالكوفة أيكم سمع رسول الله ص يقول من كنت مولاه فعلي مولاه فقام اثنا عشر رجلا فشهدوا بها و أنس بن مالك في القوم لم يقم فقال له يا أنس ما يمنعك أن تقوم فتشهد و لقد حضرتها فقال يا أمير المؤمنين كبرت و نسيت فقال اللهم إن كان كاذبا فارمه بها بيضاء لا تواريها الغمامة قال طلحة بن عمير فو الله لقد رأيت الوضح به بعد ذلك أبيض بين عينيه . و روى عثمان بن مطرف أن رجلا سأل أنس بن مالك في آخر عمره عن علي بن أبي طالب فقال إني آليت ألا أكتم حديثا سئلت عنه في علي بعد يوم الرحبة ذاك رأس المتقين يوم القيامة سمعته و الله من نبيكم . و روى أبو إسرائيل عن الحكم عن أبي سليمان المؤذن أن عليا ع نشد الناس من سمع رسول الله ص يقول من كنت مولاه فعلي مولاه فشهد له قوم و أمسك زيد بن أرقم فلم يشهد و كان يعلمها فدعا علي ع عليه بذهاب البصر فعمي فكان يحدث الناس بالحديث بعد ما كف بصره . قالوا و كان الأشعث بن قيس الكندي و جرير بن عبد الله البجلي يبغضانه و هدم علي ع دار جرير بن عبد الله . قال إسماعيل بن جرير هدم علي دارنا مرتين . [ 75 ]
و روى الحارث بن حصين أن رسول الله ص دفع إلى جرير بن عبد الله نعلين نعاله و قال احتفظ بهما فإن ذهابهما ذهاب دينك فلما كان يوم الجمل ذهبت إحداهما فلما أرسله علي ع إلى معاوية ذهبت الأخرى ثم فارق عليا و اعتزل الحرب . و روى أهل السيرة أن الأشعث خطب إلى علي ع ابنته فزبره و قال يا ابن الحائك أ غرك ابن أبي قحافة . و روى أبو بكر الهذلي عن الزهري عن عبيد الله بن عدي بن الخيار بن نوفل بن عبد مناف قال قام الأشعث إلى علي ع فقال إن الناس يزعمون أن رسول الله ص عهد إليك عهدا لم يعهده إلى غيرك فقال إنه عهد إلي ما في قراب سيفي لم يعهد إلي غير ذلك فقال الأشعث هذه إن قلتها فهي عليك لا لك دعها ترحل عنك فقال له و ما علمك بما علي مما لي منافق ابن كافر حائك ابن حائك إني لأجد منك بنة الغزل ثم التفت إلى عبيد الله بن عدي بن الخيار فقال يا عبيد الله إنك لتسمع خلافا و ترى عجبا ثم أنشد
أصبحت هزءا لراعي الضأن أتبعه و قد ذكرنا في بعض الروايات المتقدمات أن سبب قوله هذه عليك لا لك أمر آخر و الروايات تختلف . و روى يحيى بن عيسى الرملي عن الأعمش أن جريرا و الأشعث خرجا إلى جبان الكوفة فمر بهما ضب يعدو و هما في ذم علي ع فنادياه يا أبا حسل هلم [ 76 ] يدك نبايعك بالخلافة فبلغ عليا ع قولهما فقال أما إنهما يحشران يوم القيامة و إمامهما ضب . و كان أبو مسعود الأنصاري منحرفا عنه ع روى شريك عن عثمان بن أبي زرعة عن زيد بن وهب قال تذاكرنا القيام إذا مرت الجنازة عند علي ع فقال أبو مسعود الأنصاري قد كنا نقوم فقال علي ع ذاك و أنتم يومئذ يهود و روى شعبة عن عبيد بن الحسن عن عبد الرحمن بن معقل قال حضرت عليا ع و قد سأله رجل عن امرأة توفي عنها زوجها و هي حامل فقال تتربص أبعد الأجلين فقال رجل فإن أبا مسعود يقول وضعها انقضاء عدتها فقال علي ع إن فروجا لا يعلم فبلغ قوله أبا مسعود فقال بلى و الله إني لأعلم أن الآخر شر . و روى المنهال عن نعيم بن دجاجة قال كنت جالسا عند علي ع إذ جاء أبو مسعود فقال علي ع جاءكم فروج فجاء فجلس فقال له علي ع بلغني أنك تفتي الناس قال نعم و أخبرهم أن الآخر شر قال فهل سمعت من رسول الله ص شيئا قال نعم سمعته يقول لا يأتي على الناس سنة مائة و على الأرض عين تطرف قال أخطأت استك الحفرة و غلطت في أول ظنك إنما عنى من حضره يومئذ و هل الرخاء إلا بعد المائة . [ 77 ]
و روى جماعة من أهل السير أن عليا ع كان يقول عن كعب الأحبار إنه لكذاب و كان كعب منحرفا عن علي ع و كان النعمان بن بشير الأنصاري منحرفا عنه و عدوا له و خاض الدماء مع معاوية خوضا و كان من أمراء يزيد ابنه حتى قتل و هو على حاله . و قد روي أن عمران بن الحصين كان من المنحرفين عنه ع و أن عليا سيره إلى المدائن و ذلك أنه كان يقول إن مات علي فلا أدري ما موته و إن قتل فعسى أني إن قتل رجوت له . و من الناس من يجعل عمران في الشيعة . و كان سمرة بن جندب من شرطة زياد روى عبد الملك بن حكيم عن الحسن قال جاء رجل من أهل خراسان إلى البصرة فترك مالا كان معه في بيت المال و أخذ براءة ثم دخل المسجد فصلى ركعتين فأخذه سمرة بن جندب و اتهمه برأي الخوارج فقدمه فضرب عنقه و هو يومئذ على شرطة زياد فنظروا فيما معه فإذا البراءة بخط بيت المال فقال أبو بكرة يا سمرة أ ما سمعت الله تعالى يقول قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَ ذَكَرَ اِسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى فقال أخوك أمرني بذلك . و روى الأعمش عن أبي صالح قال قيل لنا قد قدم رجل من أصحاب رسول الله ص فأتيناه فإذا هو سمرة بن جندب و إذا عند إحدى رجليه خمر و عند الأخرى ثلج فقلنا ما هذا قالوا به النقرس و إذا قوم قد أتوه فقالوا يا سمرة [ 78 ] ما تقول لربك غدا تؤتى بالرجل فيقال لك هو من الخوارج فتأمر بقتله ثم تؤتى بآخر فيقال لك ليس الذي قتلته بخارجي ذاك فتى وجدناه ماضيا في حاجته فشبه علينا و إنما الخارجي هذا فتأمر بقتل الثاني فقال سمرة و أي بأس في ذلك إن كان من أهل الجنة مضى إلى الجنة و إن كان من أهل النار مضى إلى النار . و روى واصل مولى أبي عيينة عن جعفر بن محمد بن علي ع عن آبائه قال كان لسمرة بن جندب نخل في بستان رجل من الأنصار فكان يؤذيه فشكا الأنصاري ذلك إلى رسول الله ص فبعث إلى سمرة فدعاه فقال له بع نخلك من هذا و خذ ثمنه قال لا أفعل قال فخذ نخلا مكان نخلك قال لا أفعل قال فاشتر منه بستانه قال لا أفعل قال فاترك لي هذا النخل و لك الجنة قال لا أفعل فقال ص للأنصاري اذهب فاقطع نخله فإنه لا حق له فيه . و روى شريك قال أخبرنا عبد الله بن سعد عن حجر بن عدي قال قدمت المدينة فجلست إلى أبي هريرة فقال ممن أنت قلت من أهل البصرة قال ما فعل سمرة بن جندب قلت هو حي قال ما أحد أحب إلي طول حياة منه قلت و لم ذاك قال إن رسول الله ص قال لي و له و لحذيفة بن اليمان آخركم موتا في النار فسبقنا حذيفة و أنا الآن أتمنى أن أسبقه قال فبقي سمرة بن جندب حتى شهد مقتل الحسين . و روى أحمد بن بشير عن مسعر بن كدام قال كان سمرة بن جندب أيام مسير [ 79 ] الحسين ع إلى الكوفة على شرطة عبيد الله بن زياد و كان يحرض الناس على الخروج إلى الحسين ع و قتاله . و من المنحرفين عنه المبغضين له عبد الله بن الزبير و قد ذكرناه آنفا كان علي ع يقول ما زال الزبير منا أهل البيت حتى نشأ ابنه عبد الله فأفسده . و عبد الله هو الذي حمل الزبير على الحرب و هو الذي زين لعائشة مسيرها إلى البصرة و كان سبابا فاحشا يبغض بني هاشم و يلعن و يسب علي بن أبي طالب ع و كان علي ع يقنت في صلاة الفجر و في صلاة المغرب و يلعن معاوية و عمر و المغيرة و الوليد بن عقبة و أبا الأعور و الضحاك بن قيس و بسر بن أرطاة و حبيب بن مسلمة و أبا موسى الأشعري و مروان بن الحكم و كان هؤلاء يقنتون عليه و يلعنونه . و روى شيخنا أبو عبد الله البصري المتكلم رحمه الله تعالى عن نصر بن عاصم الليثي عن أبيه قال أتيت مسجد رسول الله ص و الناس يقولون نعوذ بالله من غضب الله و غضب رسوله فقلت ما هذا قالوا معاوية قام الساعة فأخذ بيد أبي سفيان فخرجا من المسجد فقال رسول الله ص لعن الله التابع و المتبوع رب يوم لأمتي من معاوية ذي الأستاه قالوا يعني الكبير العجز . و قال روى العلاء بن حريز القشيري أن رسول الله ص قال لمعاوية لتتخذن يا معاوية البدعة سنة و القبح حسنا أكلك كثير و ظلمك عظيم قال و روى الحارث بن حصيرة عن أبي صادق عن ربيعة بن ناجذ قال قال [ 80 ] علي ع نحن و آل أبي سفيان قوم تعادوا في الأمر و الأمر يعود كما بدا . قلت و قد ذكرنا نحن في تلخيص نقض السفيانية ما فيه كفاية في هذا الباب . و روى صاحب كتاب الغارات عن أبي صادق عن جندب بن عبد الله قال ذكر المغيرة بن شعبة عند علي ع و جده مع معاوية قال و ما المغيرة إنما كان إسلامه لفجرة و غدرة غدرها بنفر من قومه فتك بهم و ركبها منهم فهرب منهم فأتى النبي ص كالعائذ بالإسلام و الله ما رأى أحد عليه منذ ادعى الإسلام خضوعا و لا خشوعا ألا و إنه يكون من ثقيف فراعنة قبل يوم القيامة يجانبون الحق و يسعرون نيران الحرب و يوازرون الظالمين ألا إن ثقيفا قوم غدر لا يوفون بعهد يبغضون العرب كأنهم ليسوا منهم و لرب صالح قد كان منهم فمنهم عروة بن مسعود و أبو عبيد بن مسعود المستشهد يوم قس الناطف و إن الصالح في ثقيف لغريب . قال شيخنا أبو القاسم البلخي من المعلوم الذي لا ريب فيه لاشتهار الخبر به و إطباق الناس عليه أن الوليد بن عقبة بن أبي معيط كان يبغض عليا و يشتمه و أنه هو الذي لاحاه في حياة رسول الله ص و نابذه و قال له أنا أثبت منك جنانا و أحد سنانا فقال له علي ع اسكت يا فاسق فأنزل الله تعالى فيهما أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ الآيات المتلوة و سمي الوليد بحسب ذلك في حياة رسول الله ص الفاسق فكان لا يعرف إلا بالوليد الفاسق . [ 81 ] و هذه الآية من الآيات التي نزل فيها القرآن بموافقة علي ع كما نزل في مواضع بموافقة عمر و سماه الله تعالى فاسقا في آية أخرى و هو قوله تعالى إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا و سبب نزولها مشهور و هو كذبه على بني المصطلق و ادعاؤه أنهم منعوا الزكاة و شهروا السيف حتى أمر النبي ص بالتجهز للمسير إليهم فأنزل الله تعالى في تكذيبه و براءة ساحة القوم هذه الآية . و كان الوليد مذموما معيبا عند رسول الله ص يشنؤه و يعرض عنه و كان الوليد يبغض رسول الله ص أيضا و يشنؤه و أبوه عقبة بن أبي معيط هو العدو الأزرق بمكة و الذي كان يؤذي رسول الله ص في نفسه و أهله و أخباره في ذلك مشهورة فلما ظفر به يوم بدر ضرب عنقه و ورث ابنه الوليد الشنئان و البغضة لمحمد و أهله فلم يزل عليهما إلى أن مات . قال الشيخ أبو القاسم و هو أحد الصبية الذين قال أبو عقبة فيهم و قد قدم ليضرب عنقه من للصبية يا محمد فقال : النار اضربوا عنقه . قال و للوليد شعر يقصد فيه الرد على رسول الله ص حيث قال إن تولوها عليا تجدوه هاديا مهديا قال و ذلك أن عليا ع لما قتل قصد بنوه أن يخفوا قبره خوفا من بني أمية أن يحدثوا في قبره حدثا فأوهموا الناس في موضع قبره تلك الليلة و هي ليلة دفنه إيهامات مختلفة فشدوا على جمل تابوتا موثقا بالحبال يفوح منه روائح الكافور و أخرجوه من الكوفة في سواد الليل صحبة ثقاتهم يوهمون أنهم يحملونه إلى المدينة فيدفنونه عند فاطمة ع و أخرجوا بغلا و عليه جنازة مغطاة [ 82 ] يوهمون أنهم يدفنونه بالحيرة و حفروا حفائر عدة منها بالمسجد و منها برحبة القصر قصر الإمارة و منها في حجرة من دور آل جعدة بن هبيرة المخزومي و منها في أصل دار عبد الله بن يزيد القسري بحذاء باب الوراقين مما يلي قبلة المسجد و منها في الكناسة و منها في الثوية فعمي على الناس موضع قبره و لم يعلم دفنه على الحقيقة إلا بنوه و الخواص المخلصون من أصحابه فإنهم خرجوا به ع وقت السحر في الليلة الحادية و العشرين من شهر رمضان فدفنوه على النجف بالموضع المعروف بالغري بوصاة منه ع إليهم في ذلك و عهد كان عهد به إليهم و عمي موضع قبره على الناس و اختلفت الأراجيف في صبيحة ذلك اليوم اختلافا شديدا و افترقت الأقوال في موضع قبره الشريف و تشعبت و ادعى قوم أن جماعة من طيئ وقعوا على جمل في تلك الليلة و قد أضله أصحابه ببلادهم و عليه صندوق فظنوا فيه مالا فلما رأوا ما فيه خافوا أن يطلبوا به فدفنوا الصندوق بما فيه و نحروا البعير و أكلوه و شاع ذلك في بني أمية و شيعتهم و اعتقدوه حقا فقال الوليد بن عقبة من أبيات يذكره ع فيها
فإن يك قد ضل البعير بحمله و روى الشيخ أبو القاسم البلخي أيضا عن جرير بن عبد الحميد عن مغيرة الضبي قال مر ناس بالحسن بن علي ع و هم يريدون عيادة الوليد بن عقبة و هو في علة له شديدة فأتاه الحسن ع معهم عائدا فقال للحسن أتوب إلى الله تعالى مما كان بيني و بين جميع الناس إلا ما كان بيني و بين أبيك فإني لا أتوب منه . قال شيخنا أبو القاسم البلخي و أكد بغضه له ضربه إياه الحد في ولاية عثمان و عزله عن الكوفة . [ 83 ] و قد اتفقت الأخبار الصحيحة التي لا ريب فيها عند المحدثين على أن النبي ص قال لا يبغضك إلا منافق و لا يحبك إلا مؤمن قال و روى حبة العرني عن علي ع أنه قال إن الله عز و جل أخذ ميثاق كل مؤمن على حبي و ميثاق كل منافق على بغضي فلو ضربت وجه المؤمن بالسيف ما أبغضني و لو صببت الدنيا على المنافق ما أحبني و روى عبد الكريم بن هلال عن أسلم المكي عن أبي الطفيل قال سمعت عليا ع و هو يقول لو ضربت خياشيم المؤمن بالسيف ما أبغضني و لو نثرت على المنافق ذهبا و فضة ما أحبني إن الله أخذ ميثاق المؤمنين بحبي و ميثاق المنافقين ببغضي فلا يبغضني مؤمن و لا يحبني منافق أبدا . قال الشيخ أبو القاسم البلخي و قد روى كثير من أرباب الحديث عن جماعة من الصحابة قالوا ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله ص إلا ببغض علي بن أبي طالب . ذكر إبراهيم بن هلال صاحب كتاب الغارات فيمن فارق عليا ع و التحق بمعاوية يزيد بن حجية التيمي من بني تيم بن ثعلبة بن بكر بن وائل و كان ع قد استعمله على الري و دستبني فكسر الخوارج و احتجن المال لنفسه فحبسه علي ع و جعل معه سعدا مولاه فقرب يزيد ركائبه و سعد نائم فالتحق بمعاوية و قال [ 84 ]
خادعت سعدا و ارتمت بي ركائبي ثم خرج حتى أتى الرقة و كذلك كان يصنع من يفارق عليا ع يبدأ بالرقة حتى يستأذن معاوية في القدوم عليه و كانت الرقة و الرها و قرقيسيا و حران من حيز معاوية و عليها الضحاك بن قيس و كانت هيت و عانات و نصيبين و دارا و آمد و سنجار من حيز علي ع و عليها الأشتر و كانا يقتتلان في كل شهر . و قال يزيد بن حجية و هو بالرقة يهجو عليا ع
يا طول ليلي بالرقات لم أنم و بعد ذلك ما لا نذكره . قال إبراهيم بن هلال و قد كان زياد بن خصفة التيمي قال لعلي ع يوم هرب يزيد بن حجية ابعثني يا أمير المؤمنين في أثره أرده إليك فبلغ قوله يزيد بن حجية فقال في ذلك
أبلغ زيادا أنني قد كفيته [ 85 ]
فأقسم لو لا أن أمك أمنا قال ابن هلال و كتب إلى العراق شعرا يذم فيه عليا ع و يخبره أنه من أعدائه فدعا عليه و قال لأصحابه عقيب الصلاة ارفعوا أيديكم فادعوا عليه فدعا عليه و أمن أصحابه . قال أبو الصلت التيمي كان دعاؤه عليه اللهم إن يزيد بن حجية هرب بمال المسلمين و لحق بالقوم الفاسقين فاكفنا مكره و كيده و اجزه جزاء الظالمين . قال و رفع القوم أيديهم يؤمنون و كان في المسجد عفاق بن شرحبيل بن أبي رهم التيمي شيخا كبيرا و كان يعد ممن شهد على حجر بن عدي حتى قتله معاوية فقال عفاق على من يدعو القوم قالوا على يزيد بن حجية فقال تربت أيديكم أ على أشرافنا تدعون فقاموا إليه فضربوه حتى كاد يهلك و قام زياد بن خصفة و كان من شيعة علي ع فقال دعوا لي ابن عمي فقال علي ع دعوا للرجل ابن عمه فتركه الناس فأخذ زياد بيده فأخرجه من المسجد و جعل يمشي معه يمسح التراب عن وجهه و عفاق يقول و الله لا أحبكم ما سعيت و مشيت و الله لا أحبكم ما اختلفت الدرة و الجرة و زياد يقول ذلك أضر لك ذلك شر لك . و قال زياد بن خصفة يذكر ضرب الناس عفاقا
دعوت عفاقا للهدى فاستغشني [ 86 ]
أنبئه أن الهدى في اتباعنا فقال له عفاق لو كنت شاعرا لأجبتك و لكني أخبركم عن ثلاث خصال كن منكم و الله ما أرى أن تصيبوا بعدهن شيئا مما يسركم . أما واحدة فإنكم سرتم إلى أهل الشام حتى إذا دخلتم عليهم بلادهم قاتلتموهم فلما ظن القوم أنكم لهم قاهرون رفعوا المصاحف فسخروا بكم فردوكم عنهم فلا و الله لا تدخلونها بمثل ذلك الجد و الحد و العدد الذي دخلتم به أبدا . و أما الثانية فإنكم بعثتم حكما و بعث القوم حكما فأما حكمكم فخلعكم و أما حكمهم فأثبتهم فرجع صاحبهم يدعى أمير المؤمنين و رجعتم متلاعنين متباغضين فو الله لا يزال القوم في علاء و لا تزالون في سفال . و أما الثالثة فإنه خالفكم قراؤكم و فرسانكم فعدوتم عليهم فذبحتموهم بأيديكم فو الله لا تزالون بعدها متضعضعين . قال و كان يمر عليهم بعد فيقول اللهم إني منهم بريء و لابن عفان ولي فيقولون اللهم إنا لعلي أولياء و من ابن عفان برآء و منك يا عفاق . [ 87 ] قال فأخذ لا يقلع فدعوا رجلا منهم له سجاعة كسجاعة الكهان فقالوا ويحك أ ما تكفينا بسجعك و خطبك هذا فقال كفيتكم فمر عفاق عليهم فقال كما كان يقول فلم يمهله أن قال له اللهم اقتل عفاقا فإنه أسر نفاقا و أظهر شقاقا و بين فراقا و تلون أخلاقا . فقال عفاق ويحكم من سلط علي هذا قال الله بعثني إليك و سلطني عليك لأقطع لسانك و أنصل سنامك و أطرد شيطانك . قال فلم يك يمر عليهم بعد إنما يمر على مزينة . و ممن فارقه ع عبد الله بن عبد الرحمن بن مسعود بن أوس بن إدريس بن معتب الثقفي شهد مع علي ع صفين و كان في أول أمره مع معاوية ثم صار إلى علي ع ثم رجع بعد إلى معاوية و كان علي ع يسميه الهجنع و الهجنع الطويل . و منهم القعقاع بن شور استعمله علي ع على كسكر فنقم منه أمورا منها أنه تزوج امرأة فأصدقها مائة ألف درهم فهرب إلى معاوية . و منهم النجاشي الشاعر من بني الحارث بن كعب كان شاعر أهل العراق بصفين و كان علي ع يأمره بمحاربة شعراء أهل الشام مثل كعب بن جعيل و غيره فشرب الخمر بالكوفة فحده علي ع فغضب و لحق بمعاوية و هجا عليا ع . [ 88 ] حدث ابن الكلبي عن عوانة قال خرج النجاشي في أول يوم من شهر رمضان فمر بأبي سمال الأسدي و هو قاعد بفناء داره فقال له أين تريد قال أردت الكناسة فقال هل لك في رءوس و أليات قد وضعت في التنور من أول الليل فأصبحت قد أينعت و قد تهرأت قال ويحك في أول يوم من رمضان قال دعنا مما لا نعرف قال ثم مه قال أسقيك من شراب كالورس يطيب النفس و يجرى في العرق و يزيد في الطرق يهضم الطعام و يسهل للفدم الكلام فنزل فتغديا ثم أتاه بنبيذ فشرباه فلما كان آخر النهار علت أصواتهما و لهما جار من شيعة علي ع فأتاه فأخبره بقصتهما فأرسل إليهما قوما فأحاطوا بالدار فأما أبو سمال فوثب إلى دور بني أسد فأفلت و أخذ النجاشي فأتي ع به فلما أصبح أقامه في سراويل فضربه ثمانين ثم زاده عشرين سوطا فقال يا أمير المؤمنين أما الحد فقد عرفته فما هذه العلاوة قال لجراءتك على الله و إفطارك في شهر رمضان ثم أقامه في سراويله للناس فجعل الصبيان يصيحون به خرئ النجاشي خرئ النجاشي و جعل يقول كلا إنها يمانية وكاؤها شعر . قال و مر به هند بن عاصم السلولي فطرح عليه مطرفا فجعل الناس يمرون به و يطرحون عليه المطارف حتى اجتمعت عليه مطارف كثيرة فمدح بني سلول فقال
إذا الله حيا صالحا من عباده
[ 89 ] ثم لحق معاوية و هجا عليا ع فقال
أ لا من مبلغ عني عليا و روى عبد الملك بن قريب الأصمعي عن ابن أبي الزناد قال دخل النجاشي على معاوية و قد أذن للناس عامة فقال لحاجبه ادع النجاشي و النجاشي بين يديه و لكن اقتحمته عينه فقال ها أنا ذا النجاشي بين يديك يا أمير المؤمنين إن الرجال ليست بأجسامها إنما لك من الرجل أصغراه قلبه و لسانه قال ويحك أنت القائل
و نجا ابن حرب سابح ذو علالة ثم ضرب بيده إلى ثديه فقال ويحك إن مثلي لا تعدو به الخيل فقال يا أمير المؤمنين إني لم أعنك إنما عنيت عتبة . و روى صاحب كتاب الغارات أن عليا ع لما حد النجاشي غضبت اليمانية لذلك و كان أخصهم به طارق بن عبد الله بن كعب النهدي فدخل عليه فقال يا أمير المؤمنين ما كنا نرى أن أهل المعصية و الطاعة و أهل الفرقة و الجماعة عند ولاة العدل و معادن الفضل سيان في الجزاء حتى رأينا ما كان من صنيعك بأخي الحارث [ 90 ] فأوغرت صدورنا و شتت أمورنا و حملتنا على الجادة التي كنا نرى أن سبيل من ركبها النار فقال علي ع وَ إِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى اَلْخاشِعِينَ يا أخا نهد و هل هو إلا رجل من المسلمين انتهك حرمة من حرم الله فأقمنا عليه حدا كان كفارته إن الله تعالى يقول وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاَّ تَعْدِلُوا اِعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى قال فخرج طارق من عنده فلقيه الأشتر فقال يا طارق أنت القائل لأمير المؤمنين أوغرت صدورنا و شتت أمورنا قال طارق نعم أنا قائلها قال و الله ما ذاك كما قلت إن صدورنا له لسامعة و إن أمورنا له لجامعة فغضب طارق و قال ستعلم يا أشتر أنه غير ما قلت فلما جنه الليل همس هو و النجاشي إلى معاوية فلما قدما عليه دخل آذنه فأخبره بقدومهما و عنده وجوه أهل الشام منهم عمرو بن مرة الجهني و عمرو بن صيفي و غيرهما فلما دخلا نظر إلى طارق و قال مرحبا بالمورق غصنه و المعرق أصله المسود غير المسود من رجل كانت منه هفوة و نبوة باتباعه صاحب الفتنة و رأس الضلالة و الشبهة الذي اغترز في ركاب الفتنة حتى استوى على رجلها ثم أوجف في عشوة ظلمتها و تيه ضلالتها و اتبعه رجرجة من الناس و أشبابة من الحثالة لا أفئدة لهم أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ اَلْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها . فقام طارق فقال يا معاوية إني متكلم فلا يسخطك ثم قال و هو متكئ على سيفه إن المحمود على كل حال رب علا فوق عباده فهم منه بمنظر و مسمع بعث فيهم [ 91 ] رسولا منهم يتلو كتابا لم يكن من قبله و لا يخطه بيمينه إِذاً لاَرْتابَ اَلْمُبْطِلُونَ فعليه السلام من رسول كان بالمؤمنين برا رحيما أما بعد فإن ما كنا نوضع فيما أوضعنا فيه بين يدي إمام تقي عادل مع رجال من أصحاب رسول الله ص أتقياء مرشدين ما زالوا منارا للهدى و معالم للدين خلفا عن سلف مهتدين أهل دين لا دنيا كل الخير فيهم و اتبعهم من الناس ملوك و أقيال و أهل بيوتات و شرف ليسوا بناكثين و لا قاسطين فلم يكن رغبة من رغب عنهم و عن صحبتهم إلا لمرارة الحق حيث جرعوها و لوعورته حيث سلكوها و غلبت عليهم دنيا مؤثرة و هو متبع و كان أمر الله قدرا مقدورا و قد فارق الإسلام قبلنا جبلة بن الأيهم فرارا من الضيم و أنفا من الذلة فلا تفخرن يا معاوية إن شددنا نحوك الرحال و أوضعنا إليك الركاب أقول قولي هذا و أستغفر الله العظيم لي و لجميع المسلمين . فعظم على معاوية ما سمعه و غضب لكنه أمسك و قال يا عبد الله إنا لم نرد بما قلناه أن نوردك مشرع ظمأ و لا أن نصدرك عن مكرع ري و لكن القول قد يجري بصاحبه إلى غير ما ينطوي عليه من الفعل ثم أجلسه معه على سريره و دعا له بمقطعات و برود فصبها عليه و أقبل نحوه بوجهه يحدثه حتى قام . و قام معه عمرو بن مرة و عمرو بن صيفي الجهنيان فأقبلا عليه بأشد العتاب و أمضه يلومانه في خطبته و ما واجه به معاوية . فقال طارق و الله ما قمت بما سمعتماه حتى خيل لي أن بطن الأرض خير لي من ظهرها عند سماعي ما أظهر من العيب و النقص لمن هو خير منه في الدنيا و الآخرة و ما زهت به نفسه و ملكه عجبه و عاب أصحاب رسول الله ص و استنقصهم فقمت مقاما أوجب الله علي فيه إلا أقول إلا حقا و أي خير فيمن لا ينظر ما يصير إليه غدا [ 92 ] فبلغ عليا ع قوله فقال لو قتل النهدي يومئذ لقتل شهيدا . و قال معاوية للهيثم بن الأسود أبي العريان و كان عثمانيا و كانت امرأته علوية الرأي تكتب بأخبار معاوية في أعنة الخيل و تدفعها إلى عسكر علي ع بصفين فيدفعونها إليه فقال معاوية بعد التحكيم يا هيثم أهل العراق كانوا أنصح لعلي في صفين أم أهل الشام لي فقال أهل العراق قبل أن يضربوا بالبلاء كانوا أنصح لصاحبهم قال كيف قلت ذلك قال لأن القوم ناصحوه على الدين و ناصحك أهل الشام على الدنيا و أهل الدين أصبر و هم أهل بصيرة و إنما أهل الدنيا أهل طمع ثم و الله ما لبث أهل العراق أن نبذوا الدين وراء ظهورهم و نظروا إلى الدنيا فالتحقوا بك . فقال معاوية فما الذي يمنع الأشعث أن يقدم علينا فيطلب ما قبلنا قال إن الأشعث يكرم نفسه أن يكون رأسا في الحرب و ذنبا في الطمع . و من المفارقين لعلي ع أخوه عقيل بن أبي طالب قدم على أمير المؤمنين بالكوفة يسترفده فعرض عليه عطاءه فقال إنما أريد من بيت المال فقال تقيم إلى يوم الجمعة فلما صلى ع الجمعة قال له ما تقول فيمن خان هؤلاء أجمعين قال بئس الرجل قال فإنك أمرتني أن أخونهم و أعطيك فلما خرج من عنده شخص إلى معاوية فأمر له يوم قدومه بمائة ألف درهم و قال له يا أبا يزيد أنا خير لك أم علي قال وجدت عليا أنظر لنفسه منه لي و وجدتك أنظر لي منك لنفسك . و قال معاوية لعقيل إن فيكم يا بني هاشم لينا قال أجل إن فينا لينا من غير [ 93 ] ضعف و عزا من غير عنف و إن لينكم يا معاوية غدر و سلمكم كفر فقال معاوية و لا كل هذا يا أبا يزيد . و قال الوليد بن عقبة لعقيل في مجلس معاوية غلبك أخوك يا أبا يزيد على الثروة قال نعم و سبقني و إياك إلى الجنة قال أما و الله إن شدقيه لمضمومان من دم عثمان فقال و ما أنت و قريش و الله ما أنت فينا إلا كنطيح التيس فغضب الوليد و قال و الله لو أن أهل الأرض اشتركوا في قتله لأرهقوا صعودا و إن أخاك لأشد هذه الأمة عذابا فقال صه و الله إنا لنرغب بعبد من عبيده عن صحبة أبيك عقبة بن أبي معيط . و قال معاوية يوما و عنده عمرو بن العاص و قد أقبل عقيل لأضحكنك من عقيل فلما سلم قال معاوية مرحبا برجل عمه أبو لهب فقال عقيل و أهلا برجل عمته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد لأن امرأة أبي لهب أم جميل بنت حرب بن أمية . قال معاوية يا أبا يزيد ما ظنك بعمك أبي لهب قال إذا دخلت النار فخذ على يسارك تجده مفترشا عمتك حمالة الحطب أ فناكح في النار خير أم منكوح قال كلاهما شر و الله . و ممن فارقه ع حنظلة الكاتب خرج هو و جرير بن عبد الله البجلي من الكوفة إلى قرقيسيا و قالا لا نقيم ببلدة يعاب فيها عثمان . [ 94 ] و ممن فارقه وائل بن حجر الحضرمي و خبره مذكور في قصة بسر بن أرطاة . و روى صاحب كتاب الغارات عن إسماعيل بن حكيم عن أبي مسعود الجريري قال كان ثلاثة من أهل البصرة يتواصلون على بغض علي ع مطرف بن عبد الله بن الشخير و العلاء بن زياد و عبد الله بن شفيق . قال صاحب كتاب الغارات و كان مطرف عابدا ناسكا و قد روى هشام بن حسان عن ابن سيرين أن عمار بن ياسر دخل على أبي مسعود و عنده ابن الشخير فذكر عليا بما لا يجوز أن يذكر به فقال عمار يا فاسق و إنك لهاهنا فقال أبو مسعود أذكرك الله يا أبا اليقظان في ضيفي . قال و أكثر مبغضيه ع أهل البصرة كانوا عثمانية و كانت في أنفسهم أحقاد يوم الجمل و كان هو ع قليل التألف للناس شديدا في دين الله لا يبالي مع علمه بالدين و اتباعه الحق من سخط و من رضي . قال و قد روى يونس بن أرقم عن يزيد بن أرقم عن أبي ناجية مولى أم هانئ قال كنت عند علي ع فأتاه رجل عليه زي السفر فقال يا أمير المؤمنين إني أتيتك من بلدة ما رأيت لك بها محبا قال من أين أتيت قال من البصرة قال أما إنهم لو يستطيعون أن يحبوني لأحبوني إني و شيعتي في ميثاق الله لا يزاد فينا رجل و لا ينقص إلى يوم القيامة . و روى أبو غسان البصري قال بنى عبيد الله بن زياد أربعة مساجد بالبصرة تقوم على بغض علي بن أبي طالب و الوقيعة فيه مسجد بني عدي و مسجد بني مجاشع [ 95 ] و مسجد كان في العلافين على فرضة البصرة و مسجد في الأزد . و مما قيل عنه إنه يبغض عليا ع و يذمه الحسن بن أبي الحسن البصري أبو سعيد و روى عنه حماد بن سلمة أنه قال لو كان علي يأكل الحشف بالمدينة لكان خيرا له مما دخل فيه و رواه عنه أنه كان من المخذلين عن نصرته . و روي عنه أن عليا ع رآه و هو يتوضأ للصلاة و كان ذا وسوسة فصب على أعضائه ماء كثيرا فقال له أرقت ماء كثيرا يا حسن فقال ما أراق أمير المؤمنين من دماء المسلمين أكثر قال أ و ساءك ذلك قال نعم قال فلا زلت مسوأ . قالوا فما زال الحسن عابسا قاطبا مهموما إلى أن مات . فأما أصحابنا فإنهم يدفعون ذلك عنه و ينكرونه و يقولون إنه كان من محبي علي بن أبي طالب ع و المعظمين له . و روى أبو عمر بن عبد البر المحدث في كتابه المعروف بالاستيعاب في معرفة الصحاب أن إنسانا سأل الحسن عن علي ع فقال كان و الله سهما صائبا من مرامي الله على عدوه و رباني هذه الأمة و ذا فضلها و ذا سابقتها و ذا قرابتها من رسول الله ص لم يكن بالنؤمة عن أمر الله و لا بالملومة في دين الله و لا بالسروقة لمال الله أعطى القرآن عزائمه ففاز منه برياض مونقة ذلك علي بن أبي طالب يا لكع . و روى الواقدي قال : سئل الحسن عن علي ع و كان يظن به الانحراف عنه و لم يكن كما يظن فقال ما أقول فيمن جمع الخصال الأربع ائتمانه على براءة [ 96 ] و ما قال له الرسول في غزاة تبوك فلو كان غير النبوة شيء يفوته لاستثناه و قول النبي ص الثقلان كتاب الله و عترتي و إنه لم يؤمر عليه أمير قط و قد أمرت الأمراء على غيره . و روى أبان بن عياش قال سألت الحسن البصري عن علي ع فقال ما أقول فيه كانت له السابقة و الفضل و العلم و الحكمة و الفقه و الرأي و الصحبة و النجدة و البلاء و الزهد و القضاء و القرابة إن عليا كان في أمره عليا رحم الله عليا و صلى عليه فقلت يا أبا سعيد أ تقول صلى عليه لغير النبي فقال ترحم على المسلمين إذا ذكروا و صل على النبي و آله و علي خير آله فقلت أ هو خير من حمزة و جعفر قال نعم قلت و خير من فاطمة و ابنيها قال نعم و الله إنه خير آل محمد كلهم و من يشك أنه خير منهم و قد قال رسول الله ص و أبوهما خير منهما و لم يجر عليه اسم شرك و لا شرب خمر و قد قال رسول الله ص لفاطمة ع زوجتك خير أمتي فلو كان في أمته خير منه لاستثناه و لقد آخى رسول الله ص بين أصحابه فآخى بين علي و نفسه فرسول الله ص خير الناس نفسا و خيرهم أخا فقلت يا أبا سعيد فما هذا الذي يقال عنك إنك قلته في علي فقال يا ابن أخي احقن دمي من هؤلاء الجبابرة و لو لا ذلك لشالت بي الخشب . قال شيخنا أبو جعفر الإسكافي رحمه الله تعالى و وجدته أيضا في كتاب الغارات لإبراهيم بن هلال الثقفي و قد كان بالكوفة من فقهائها من يعادي عليا و يبغضه مع غلبة التشيع على الكوفة فمنهم مرة الهمداني . [ 97 ] و روى أبو نعيم الفضل بن دكين عن فطر بن خليفة قال سمعت مرة يقول لأن يكون علي جملا يستقى عليه أهله خير له مما كان عليه . و روى إسماعيل بن بهرام عن إسماعيل بن محمد عن عمرو بن مرة قال قيل لمرة الهمداني كيف تخلفت عن علي قال سبقنا بحسناته و ابتلينا بسيئاته . قال إسماعيل بن بهرام و قد روينا عنه أنه قال أشد فحشا من هذا و لكنا نتورع عن ذكره . و روى الفضل بن دكين عن الحسن بن صالح قال لم يصل أبو صادق على مرة الهمداني . قال الفضل بن دكين و سمعت أن أبا صادق قال في أيام حياة مرة و الله لا يظلني و إياه سقف بيت أبدا . قال و لما مات لم يحضره عمرو بن شرحبيل قال لا أحضره لشيء كان في قلبه على علي بن أبي طالب . قال إبراهيم بن هلال فحدثنا المسعودي عن عبد الله بن نمير بهذا الحديث قال ثم كان عبد الله بن نمير يقول و كذلك أنا و الله لو مات رجل في نفسه شيء على علي ع لم أحضره و لم أصل عليه . و منهم الأسود بن يزيد و مسروق بن الأجدع روى سلمة بن كهيل أنهما كانا يمشيان إلى بعض أزواج رسول الله ص فيقعان في علي ع فأما الأسود فمات على ذلك و أما مسروق فلم يمت حتى كان لا يصلى لله تعالى صلاة [ 98 ] إلا صلى بعدها على علي بن أبي طالب ع لحديث سمعه من عائشة في فضله . و روى أبو نعيم الفضل بن دكين عن عبد السلام بن حرب عن ليث بن أبي سليم قال كان مسروق يقول كان علي كحاطب ليل قال فلم يمت مسروق حتى رجع عن رأيه هذا . و روى سلمة بن كهيل قال دخلت أنا و زبيد اليمامي على امرأة مسروق بعد موته فحدثتنا قالت كان مسروق و الأسود بن يزيد يفرطان في سب علي بن أبي طالب ثم ما مات مسروق حتى سمعته يصلي عليه و أما الأسود فمضى لشأنه . قال فسألناها لم ذلك قالت شيء سمعه من عائشة ترويه عن النبي ص فيمن أصاب الخوارج . و روى أبو نعيم عن عمرو بن ثابت عن أبي إسحاق قال ثلاثة لا يؤمنون على علي بن أبي طالب مسروق و مرة و شريح . و روي أن الشعبي رابعهم . و روي عن هيثم عن مجالد عن الشعبي أن مسروقا ندم على إبطائه عن علي بن أبي طالب ع . و روى الأعمش عن إبراهيم التيمي قال قال علي ع لشريح و قد قضى قضية نقم عليه أمرها و الله لأنفينك إلى بانقيا شهرين تقضي بين اليهود قال ثم قتل علي ع و مضى دهر فلما قام المختار بن أبي عبيد قال لشريح ما قال لك أمير المؤمنين ع يوم كذا قال إنه قال لي كذا قال فلا و الله لا تقعد حتى تخرج إلى بانقيا تقضي بين اليهود فسيره إليها فقضى بين اليهود شهرين . [ 99 ] و منهم أبو وائل شقيق بن سلمة كان عثمانيا يقع في علي ع و يقال إنه كان يرى رأي الخوارج و لم يختلف في أنه خرج معهم و أنه عاد إلى علي ع منيبا مقلعا . روى خلف بن خليفة قال قال أبو وائل خرجنا أربعة آلاف فخرج إلينا علي فما زال يكلمنا حتى رجع منا ألفان . و روى صاحب كتاب الغارات عن عثمان بن أبي شيبة عن الفضل بن دكين عن سفيان الثوري قال سمعت أبا وائل يقول شهدت صفين و بئس الصفوف كانت . قال و قد روى أبو بكر بن عياش عن عاصم بن أبي النجود قال كان أبو وائل عثمانيا و كان زر بن حبيش علويا . و من المبغضين القالين أبو بردة بن أبي موسى الأشعري ورث البغضة له لا عن كلالة . و روى عبد الرحمن بن جندب قال قال أبو بردة لزياد أشهد أن حجر بن عدي قد كفر بالله كفرة أصلع قال عبد الرحمن إنما عنى بذلك نسبة الكفر إلى علي بن أبي طالب ع لأنه كان أصلع . قال و قد روى عبد الرحمن المسعودي عن ابن عياش المنتوف قال رأيت أبا بردة قال لأبي العادية الجهني قاتل عمار بن ياسر أ أنت قتلت عمار بن ياسر قال نعم قال ناولني يدك فقبلها و قال لا تمسك النار أبدا . [ 100 ] و روى أبو نعيم عن هشام بن المغيرة عن الغضبان بن يزيد قال رأيت أبا بردة قال لأبي العادية قاتل عمار بن ياسر مرحبا بأخي هاهنا فأجلسه إلى جانبه . و من المنحرفين عنه ع أبو عبد الرحمن السلمي القارئ روى صاحب كتاب الغارات عن عطاء بن السائب قال قال رجل لأبي عبد الرحمن السلمي أنشدك بالله إن سألتك لتخبرني قال نعم فلما أكد عليه قال بالله هل أبغضت عليا إلا يوم قسم المال في الكوفة فلم يصلك و لا أهل بيتك منه بشيء قال أما إذ أنشدتني بالله فلقد كان كذلك . قال و روى أبو عمر الضرير عن أبي عوانة قال كان بين عبد الرحمن بن عطية و بين أبي عبد الرحمن السلمي شيء في أمر علي ع فأقبل أبو عبد الرحمن على حيان فقال هل تدري ما جرأ صاحبك على الدماء يعني عليا قال و ما جرأه لا أبا لغيرك قال حدثنا أن رسول الله ص قال لأهل بدر اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم أو كلاما هذا معناه . و كان عبد الله بن عكيم عثمانيا و كان عبد الرحمن بن أبي ليلى علويا فروى موسى الجهني عن ابنة عبد الله بن عكيم قالت تحدثا يوما فسمعت أبي يقول لعبد الرحمن أما إن صاحبك لو صبر لأتاه الناس . و كان سهم بن طريف عثمانيا و كان علي بن ربيعة علويا فضرب أمير الكوفة على الناس بعثا و ضرب على سهم بن طريف معهم فقال سهم لعلي بن ربيعة اذهب إلى الأمير فكلمه في أمري ليعفيني فأتى علي بن ربيعة الأمير فقال أصلحك الله [ 101 ] إن سهما أعمى فأعفه قال قد أعفيته فلما التقيا قال قد أخبرت الأمير أنك أعمى و إنما عنيت عمى القلب . و كان قيس بن أبي حازم يبغض عليا ع روى وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال أتيت عليا ع ليكلم لي عثمان في حاجة فأبى فأبغضته . قلت و شيوخنا المتكلمون رحمهم الله يسقطون روايته عن النبي ص إنكم لترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر و يقولون إنه كان يبغض عليا ع فكان فاسقا و نقلوا عنه أنه قال سمعت عليا ع يخطب على المنبر و يقول انفروا إلى بقية الأحزاب فدخل بغضه في قلبي . و كان سعيد بن المسيب منحرفا عنه ع و جبهه عمر بن علي ع في وجهه بكلام شديد . روى عبد الرحمن بن الأسود عن أبي داود الهمداني قال شهدت سعيد بن المسيب و أقبل عمر بن علي بن أبي طالب ع فقال له سعيد يا ابن أخي ما أراك تكثر غشيان مسجد رسول الله ص كما يفعل إخوتك و بنو أعمامك فقال عمر يا ابن المسيب أ كلما دخلت المسجد أجيء فأشهدك فقال سعيد ما أحب أن تغضب سمعت أباك يقول إن لي من الله مقاما لهو خير لبني عبد المطلب مما على الأرض من شيء فقال عمر و أنا سمعت أبي يقول ما كلمة حكمة [ 102 ] في قلب منافق فيخرج من الدنيا حتى يتكلم بها فقال سعيد يا ابن أخي جعلتني منافقا قال هو ما أقول لك ثم انصرف . و كان الزهري من المنحرفين عنه ع . و روى جرير بن عبد الحميد عن محمد بن شيبة قال شهدت مسجد المدينة فإذا الزهري و عروة بن الزبير جالسان يذكران عليا ع فنالا منه فبلغ ذلك علي بن الحسين ع فجاء حتى وقف عليهما فقال أما أنت يا عروة فإن أبي حاكم أباك إلى الله فحكم لأبي على أبيك و أما أنت يا زهري فلو كنت بمكة لأريتك كبر أبيك . و قد روي من طرق كثيرة أن عروة بن الزبير كان يقول لم يكن أحد من أصحاب رسول الله ص يزهو إلا علي بن أبي طالب و أسامة بن زيد . و روى عاصم بن أبي عامر البجلي عن يحيى بن عروة قال كان أبي إذا ذكر عليا نال منه . و قال لي مرة يا بني و الله ما أحجم الناس عنه إلا طلبا للدنيا لقد بعث إليه أسامة بن زيد أن ابعث إلي بعطائي فو الله إنك لتعلم أنك لو كنت في فم أسد لدخلت معك فكتب إليه أن هذا المال لمن جاهد عليه و لكن لي مالا بالمدينة فأصب منه ما شئت . قال يحيى فكنت أعجب من وصفه إياه بما وصفه به و من عيبه له و انحرافه عنه . و كان زيد بن ثابت عثمانيا شديدا في ذلك و كان عمرو بن ثابت عثمانيا من أعداء علي ع و مبغضيه و عمرو بن ثابت هو الذي روى عن أبي أيوب الأنصاري حديث ستة أيام من شوال . [ 103 ] روي عن عمرو أنه كان يركب و يدور القرى بالشام و يجمع أهلها و يقول أيها الناس إن عليا كان رجلا منافقا أراد أن ينخس برسول الله ص ليلة العقبة فالعنوه فيلعنه أهل تلك القرية ثم يسير إلى القرية الأخرى فيأمرهم بمثل ذلك و كان في أيام معاوية . و كان مكحول من المبغضين له ع روى زهير بن معاوية عن الحسن بن الحر قال لقيت مكحولا فإذا هو مطبوع يعني مملوءا بغضا لعلي ع فلم أزل به حتى لان و سكن . و روى المحدثون عن حماد بن زيد أنه قال أرى أن أصحاب علي أشد حبا له من أصحاب العجل لعجلهم و هذا كلام شنيع . و روي عن شبابة بن سوار أنه ذكر عنده ولد علي ع و طلبهم الخلافة فقال و الله لا يصلون إليها أبدا و الله ما استقامت لعلي و لا فرح بها يوما فكيف تصير إلى ولده هيهات هيهات لا و الله لا يذوق طعم الخلافة من رضي بقتل عثمان . و قال شيخنا أبو جعفر الإسكافي كان أهل البصرة كلهم يبغضونه و كثير من أهل الكوفة و كثير من أهل المدينة و أما أهل مكة فكلهم كانوا يبغضونه قاطبة و كانت قريش كلها على خلافه و كان جمهور الخلق مع بني أمية عليه . و روى عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال سمعت عليا ع و هو يقول ما لقي أحد من الناس ما لقيت ثم بكى ع و روى الشعبي عن شريح بن هانئ قال قال علي ع اللهم إني أستعديك [ 104 ] على قريش فإنهم قطعوا رحمي و أصغوا إنائي و صغروا عظيم منزلتي و أجمعوا على منازعتي و روى جابر عن أبي الطفيل قال سمعت عليا ع يقول اللهم إني أستعديك على قريش فإنهم قطعوا رحمي و غصبوني حقي و أجمعوا على منازعتي أمرا كنت أولى به ثم قالوا إن من الحق أن نأخذه و من الحق أن تتركه و روى المسيب بن نجبة الفزاري قال قال علي ع من وجدتموه من بني أمية في ماء فغطوا على صماخه حتى يدخل الماء في فيه . و روى عمرو بن دينار عن ابن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة قال لقي عبد الرحمن بن عوف عمر بن الخطاب فقال أ لم نكن نقرأ من جملة القرآن قاتلوهم في آخر الأمر كما قاتلتموهم في أوله قال بلى و لكن ذاك إذا كان الأمراء بني أمية و الوزراء بني مخزوم . و روى أبو عمر النهدي قال سمعت علي بن الحسين يقول ما بمكة و المدينة عشرون رجلا يحبنا و روى سفيان الثوري عن عمرو بن مرة عن أبي البختري قال أثنى رجل على علي بن أبي طالب في وجهه و كان يبغضه فقال علي أنا دون ما تقول و فوق ما في نفسك و روى أبو غسان النهدي قال دخل قوم من الشيعة على علي ع في الرحبة و هو على حصير خلق فقال ما جاء بكم قالوا حبك يا أمير المؤمنين قال أما إنه من أحبني رآني حيث يحب أن يراني و من أبغضني رآني حيث يكره أن يراني ثم قال ما عبد الله أحد قبلي إلا نبيه ع و لقد هجم أبو طالب علينا و أنا و هو ساجدان فقال أ و فعلتموها ثم قال لي و أنا غلام ويحك انصر ابن عمك ويحك لا تخذله [ 105 ] و جعل يحثني على مؤازرته و مكانفته فقال له رسول الله ص أ فلا تصلي أنت معنا يا عم فقال لا أفعل يا ابن أخي لا تعلوني استي ثم انصرف و روى جعفر بن الأحمر عن مسلم الأعور عن حبة العرني قال قال علي ع من أحبني كان معي أما إنك لو صمت الدهر كله و قمت الليل كله ثم قتلت بين الصفا و المروة أو قال بين الركن و المقام لما بعثك الله إلا مع هواك بالغا ما بلغ إن في جنة ففي جنة و إن في نار ففي نار و روى جابر الجعفي عن علي ع أنه قال من أحبنا أهل البيت فليستعد عدة للبلاء و روى أبو الأحوص عن أبي حيان عن علي ع يهلك في رجلان محب غال و مبغض قال و روى حماد بن صالح عن أيوب عن كهمس أن عليا ع قال يهلك في ثلاثة اللاعن و المستمع المقر و حامل الوزر و هو الملك المترف الذي يتقرب إليه بلعنتي و يبرأ عنده من ديني و ينتقص عنده حسبي و إنما حسبي حسب رسول الله ص و ديني دينه و ينجو في ثلاثة من أحبني و من أحب محبي و من عادى عدوي فمن أشرب قلبه بغضي أو ألب على بغضي أو انتقصني فليعلم أن الله عدوه و خصمه و الله عدو للكافرين و روى محمد بن الصلت عن محمد بن الحنفية قال من أحبنا نفعه الله بحبنا و لو كان أسيرا بالديلم و روى أبو صادق عن ربيعة بن ناجد عن علي ع قال قال لي رسول الله ص إن فيك لشبها من عيسى ابن مريم أحبته النصارى حتى أنزلته بالمنزلة التي ليست له و أبغضته اليهود حتى بهتت أمه [ 106 ] و روى صاحب كتاب الغارات حديث البراءة على غير الوجه المذكور في كتاب نهج البلاغة قال أخبرنا يوسف بن كليب المسعودي عن يحيى بن سليمان العبدي عن أبي مريم الأنصاري عن محمد بن علي الباقر ع قال خطب علي ع على منبر الكوفة فقال سيعرض عليكم سبي و ستذبحون عليه فإن عرض عليكم سبي فسبوني و إن عرض عليكم البراءة مني فإني على دين محمد ص و لم يقل فلا تبرءوا مني و قال أيضا حدثني أحمد بن مفضل قال حدثني الحسن بن صالح عن جعفر بن محمد ع قال قال علي ع و الله لتذبحن على سبي و أشار بيده إلى حلقه ثم قال فإن أمروكم بسبي فسبوني و إن أمروكم أن تبرءوا مني فإني على دين محمد ص و لم ينههم عن إظهار البراءة و روى شيخنا أبو القاسم البلخي رحمه الله تعالى عن سلمة بن كهيل عن المسيب بن نجبة قال بينا علي ع يخطب إذ قام أعرابي فصاح وا مظلمتاه فاستدناه علي ع فلما دنا قال له إنما لك مظلمة واحدة و أنا قد ظلمت عدد المدر و الوبر قال و في رواية عباد بن يعقوب إنه دعاه فقال له ويحك و أنا و الله مظلوم أيضا هات فلندع على من ظلمنا و روى سدير الصيرفي عن أبي جعفر محمد بن علي قال اشتكى علي ع شكاة فعاده أبو بكر و عمر و خرجا من عنده فأتيا النبي ص فسألهما من أين جئتما قالا عدنا عليا قال كيف رأيتماه قال رأيناه يخاف عليه مما به فقال كلا إنه لن يموت حتى يوسع غدرا و بغيا و ليكونن في هذه الأمة عبرة يعتبر به الناس من بعده [ 107 ]
و روى عثمان بن سعيد عن عبد الله بن الغنوي أن عليا ع خطب بالرحبة فقال أيها الناس إنكم قد أبيتم إلا أن أقولها و رب السماء و الأرض إن من عهد النبي الأمي إلي أن الأمة ستغدر بك بعدي و روى هيثم بن بشير عن إسماعيل بن سالم : مثله و قد روى أكثر أهل الحديث هذا الخبر بهذا اللفظ أو بقريب منه . و روى أبو جعفر الإسكافي أيضا أن النبي ص دخل على فاطمة ع فوجد عليا نائما فذهبت تنبهه فقال دعيه فرب سهر له بعدي طويل و رب جفوة لأهل بيتي من أجله شديدة فبكت فقال لا تبكي فإنكما معي و في موقف الكرامة عندي و روى الناس كافة أن رسول الله ص قال له هذا وليي و أنا وليه عاديت من عاداه و سالمت من سالمه أو نحو هذا اللفظ . و روى أيضا محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن زيد بن علي بن الحسين ع قال قال رسول الله ص لعلي ع عدوك عدوي و عدوي عدو الله عز و جل و روى يونس بن حباب عن أنس بن مالك قال كنا مع رسول الله ص و علي بن أبي طالب معنا فمررنا بحديقة فقال علي يا رسول الله أ لا ترى ما أحسن هذه الحديقة فقال إن حديقتك في الجنة أحسن منها حتى مررنا بسبع حدائق يقول علي ما قال و يجيبه رسول الله ص بما أجابه ثم إن رسول الله ص وقف فوقفنا فوضع رأسه على رأس علي و بكى فقال علي ما يبكيك يا رسول الله قال ضغائن في صدور قوم لا يبدونها لك حتى يفقدوني [ 108 ] فقال يا رسول الله أ فلا أضع سيفي على عاتقي فأبيد خضراءهم قال بل تصبر قال فإن صبرت قال تلاقي جهدا قال أ في سلامة من ديني قال نعم قال فإذا لا أبالي و روى جابر الجعفي عن محمد بن علي ع قال قال علي ع ما رأيت منذ بعث الله محمدا ص رخاء لقد أخافتني قريش صغيرا و أنصبتني كبيرا حتى قبض الله رسوله فكانت الطامة الكبرى وَ اَللَّهُ اَلْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ و روى صاحب كتاب الغارات عن الأعمش عن أنس بن مالك قال سمعت رسول الله ص يقول سيظهر على الناس رجل من أمتي عظيم السرم واسع البلعوم يأكل و لا يشبع يحمل وزر الثقلين يطلب الإمارة يوما فإذا أدركتموه فابقروا بطنه قال و كان في يد رسول الله ص قضيب قد وضع طرفه في بطن معاوية . قلت هذا الخبر مرفوع مناسب لما قاله علي ع في نهج البلاغة و مؤكد لاختيارنا أن المراد به معاوية دون ما قاله كثير من الناس إنه زياد و المغيرة . و روى جعفر بن سليمان الضبعي عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال ذكر رسول الله ص يوما لعلي ما يلقى بعده من العنت فأطال فقال له ع أنشدك الله و الرحم يا رسول الله لما دعوت الله أن يقبضني إليه قبلك قال كيف أسأله في أجل مؤجل قال يا رسول الله فعلام أقاتل من أمرتني بقتاله قال على الحدث في الدين و روى الأعمش عن عمار الدهني عن أبي صالح الحنفي عن علي ع قال [ 109 ] قال لنا يوما لقد رأيت الليلة رسول الله ص في المنام فشكوت إليه ما لقيت حتى بكيت فقال لي انظر فنظرت فإذا جلاميد و إذا رجلان مصفدان قال الأعمش هما معاوية و عمرو بن العاص قال فجعلت أرضخ رءوسهما ثم تعود ثم أرضخ ثم تعود حتى انتبهت و روى نحو هذا الحديث عمرو بن مرة عن أبي عبد الله بن سلمة عن علي ع قال رأيت الليلة رسول الله ص فشكوت إليه فقال هذه جهنم فانظر من فيها فإذا معاوية و عمرو بن العاص معلقين بأرجلهما منكسين ترضخ رءوسهما بالحجارة أو قال تشدخ و روى قيس بن الربيع عن يحيى بن هانئ المرادي عن رجل من قومه يقال له رياد بن فلان قال كنا في بيت مع علي ع نحن شيعته و خواصه فالتفت فلم ينكر منا أحدا فقال إن هؤلاء القوم سيظهرون عليكم فيقطعون أيديكم و يسملون أعينكم فقال رجل منا و أنت حي يا أمير المؤمنين قال أعاذني الله من ذلك فالتفت فإذا واحد يبكي فقال له يا ابن الحمقاء أ تريد اللذات في الدنيا و الدرجات في الآخرة إنما وعد الله الصابرين و روى زرارة بن أعين عن أبيه عن أبي جعفر محمد بن علي ع قال كان علي ع إذا صلى الفجر لم يزل معقبا إلى أن تطلع الشمس فإذا طلعت اجتمع إليه الفقراء و المساكين و غيرهم من الناس فيعلمهم الفقه و القرآن و كان له وقت يقوم فيه من مجلسه ذلك فقام يوما فمر برجل فرماه بكلمة هجر قال لم يسمه محمد بن علي ع فرجع عوده على بدئه حتى صعد المنبر و أمر فنودي الصلاة جامعة فحمد الله و أثنى عليه و صلى على نبيه ثم قال أيها الناس إنه ليس شيء أحب إلى الله و لا أعم نفعا من [ 110 ] حلم إمام و فقهه و لا شيء أبغض إلى الله و لا أعم ضررا من جهل إمام و خرقه ألا و إنه من لم يكن له من نفسه واعظ لم يكن له من الله حافظ ألا و إنه من أنصف من نفسه لم يزده الله إلا عزا ألا و إن الذل في طاعة الله أقرب إلى الله من التعزز في معصيته ثم قال أين المتكلم آنفا فلم يستطع الإنكار فقال ها أنا ذا يا أمير المؤمنين فقال أما إني لو أشاء لقلت فقال إن تعف و تصفح فأنت أهل ذلك قال قد عفوت و صفحت فقيل لمحمد بن علي ع ما أراد أن يقول قال أراد أن ينسبه و روى زرارة أيضا قال قيل لجعفر بن محمد ع إن قوما هاهنا ينتقصون عليا ع قال بم ينتقصونه لا أبا لهم و هل فيه موضع نقيصة و الله ما عرض لعلي أمران قط كلاهما لله طاعة إلا عمل بأشدهما و أشقهما عليه و لقد كان يعمل العمل كأنه قائم بين الجنة و النار ينظر إلى ثواب هؤلاء فيعمل له و ينظر إلى عقاب هؤلاء فيعمل له و إن كان ليقوم إلى الصلاة فإذا قال وجهت وجهي تغير لونه حتى يعرف ذلك في وجهه و لقد أعتق ألف عبد من كد يده كل منهم يعرق فيه جبينه و تحفى فيه كفه و لقد بشر بعين نبعت في ماله مثل عنق الجزور فقال بشر الوارث بشر ثم جعلها صدقة على الفقراء و المساكين و ابن السبيل إلى أن يرث الله الأرض و من عليها ليصرف الله النار عن وجهه و يصرف وجهه عن النار و روى القناد عن أبي مريم الأنصاري عن علي ع لا يحبني كافر و لا ولد زنا . و روى جعفر بن زياد عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال كنا بنور إيماننا نحب علي بن أبي طالب ع فمن أحبه عرفنا أنه منا [ 111 ] |