ذكر الخبر عن ظهور الغلاة

و أول من جهر بالغلو في أيامه عبد الله بن سبإ قام إليه و هو يخطب فقال له أنت أنت و جعل يكررها فقال له ويلك من أنا فقال أنت الله فأمر بأخذه و أخذ قوم كانوا معه على رأيه .

و روى أبو العباس أحمد بن عبيد الله عن عمار الثقفي عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي عن أبيه و عن غيره من مشيخته أن عليا قال يهلك في رجلان محب مطر يضعني غير موضعي و يمدحني بما ليس في و مبغض مفتر يرميني بما أنا منه بري‏ء . و قال أبو العباس و هذا تأويل الحديث المروي عن النبي ص فيه و هو

قوله إن فيك مثلا من عيسى ابن مريم أحبته النصارى فرفعته فوق قدره و أبغضته اليهود حتى بهتت أمه . قال أبو العباس و قد كان علي عثر على قوم خرجوا من محبته باستحواذ الشيطان عليهم إلى أن كفروا بربهم و جحدوا ما جاء به نبيهم و اتخذوه ربا و إلها و قالوا أنت خالقنا و رازقنا فاستتابهم و توعدهم فأقاموا على قولهم فحفر لهم حفرا دخن عليهم فيها طمعا في رجوعهم فأبوا فحرقهم بالنار

و قال

أ لا ترون قد حفرت حفرا
إني إذا رأيت أمرا منكرا
وقدت ناري و دعوت قنبرا

[ 6 ]

و روى أصحابنا في كتب المقالات أنه لما حرقهم صاحوا إليه الآن ظهر لنا ظهورا بينا أنك أنت الإله لأن ابن عمك الذي أرسلته

قال لا يعذب بالنار إلا رب النار

و روى أبو العباس عن محمد بن سليمان بن حبيب المصيصي عن علي بن محمد النوفلي عن أبيه و مشيخته أن عليا مر بهم و هم يأكلون في شهر رمضان نهارا فقال أ سفر أم مرضى قالوا و لا واحدة منهما قال أ فمن أهل الكتاب أنتم قالوا لا قال فما بال الأكل في شهر رمضان نهارا قالوا أنت أنت لم يزيدوه على ذلك ففهم مرادهم فنزل عن فرسه فألصق خده بالتراب ثم قال ويلكم إنما أنا عبد من عبيد الله فاتقوا الله و ارجعوا إلى الإسلام فأبوا فدعاهم مرارا فأقاموا على أمرهم فنهض عنهم ثم قال شدوهم وثاقا و علي بالفعلة و النار و الحطب ثم أمر بحفر بئرين فحفرتا فجعل إحداهما سربا و الأخرى مكشوفة و ألقى الحطب في المكشوفة و فتح بينهما فتحا و ألقى النار في الحطب فدخن عليهم و جعل يهتف بهم و يناشدهم ارجعوا إلى الإسلام فأبوا فأمر بالحطب و النار و ألقى عليهم فاحترقوا فقال الشاعر

لترم بي المنية حيث شاءت
إذا لم ترم بي في الحفرتين
إذا ما حشتا حطبا بنار
فذاك الموت نقدا غير دين

قال فلم يبرح واقفا عليهم حتى صاروا حمما . قال أبو العباس ثم إن جماعة من أصحاب علي منهم عبد الله بن عباس شفعوا في عبد الله بن سبإ خاصة و قالوا يا أمير المؤمنين إنه قد تاب فاعف عنه فأطلقه بعد أن اشترط عليه ألا يقيم بالكوفة فقال أين أذهب قال المدائن فنفاه إلى المدائن

[ 7 ]

فلما قتل أمير المؤمنين ع أظهر مقالته و صارت له طائفة و فرقة يصدقونه و يتبعونه و قال لما بلغه قتل علي و الله لو جئتمونا بدماغه في سبعين صرة لعلمنا أنه لم يمت و لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه فلما بلغ ابن عباس ذلك قال لو علمنا أنه يرجع لما تزوجنا نساءه و لا قسمنا ميراثه . قال أصحاب المقالات و اجتمع إلى عبد الله بن سبإ بالمدائن جماعة على هذا القول منهم عبد الله بن صبرة الهمداني و عبد الله بن عمرو بن حرب الكندي و آخرون غيرهما و تفاقم أمرهم . و شاع بين الناس قولهم و صار لهم دعوة يدعون إليها و شبهة يرجعون إليها و هي ما ظهر و شاع بين الناس من إخباره بالمغيبات حالا بعد حال فقالوا إن ذلك لا يمكن أن يكون إلا من الله تعالى أو ممن حلت ذات الإله في جسده و لعمري إنه لا يقدر على ذلك إلا بإقدار الله تعالى إياه عليه و لكن لا يلزم من إقداره إياه عليه أن يكون هو الإله أو تكون ذات الإله حالة فيه و تعلق بعضهم بشبهة ضعيفة نحو قول عمر و قد فقأ علي عين إنسان ألحد في الحرم ما أقول في يد الله فقأت عينا في حرم الله و نحو

قول علي و الله ما قلعت باب خيبر بقوة جسدانية بل بقوة إلهية و نحو

قول رسول الله ص لا إله إلا الله وحده صدق وعده و نصر عبده و هزم الأحزاب وحده و الذي هزم الأحزاب هو علي بن أبي طالب لأنه قتل بارعهم و فارسهم عمرا لما اقتحموا الخندق فأصبحوا صبيحة تلك الليلة هاربين مفلولين من غير حرب سوى قتل فارسهم و قد أومأ بعض شعراء الإمامية إلى هذه المقالة فجعلها من فضائله و ذلك قوله

إذا كنتم ممن يروم لحاقه
فهلا برزتم نحو عمرو و مرحب

[ 8 ]

و كيف فررتم يوم أحد و خيبر
و يوم حنين مهربا بعد مهرب
أ لم تشهدوا يوم الإخاء و بيعة
الغدير و كل حضر غير غيب
فكيف غدا صنو النفيلي ويحه
أميرا على صنو النبي المرجب
و كيف علا من لا يطأ ثوب أحمد
على من علا من أحمد فوق منكب
إمام هدى ردت له الشمس جهرة
فصلى أداء عصره بعد مغرب
و من قبله أفنى سليمان خيله
رجاء فلم يبلغ بها نيل مطلب
يجل عن الأفهام كنه صفاته
و يرجع عنها الذهن رجعة أخيب
فليس بيان القول عنه بكاشف
غطاء و لا فصل الخطاب بمعرب
و حق لقبر ضم أعضاء حيدر
و غودر منه في صفيح مغيب

[ 9 ]

يكون ثراه سر قدس ممنع
و حصباؤه من نور وحي محجب
و تغشاه من نور الإله غمامة
تغاديه من قدس الجلال بصيب
و تنقض أسراب النجوم عواكفا
على حجرتيه كوكب بعد كوكب
فلولاك لم ينج ابن متى و لا خبا
سعير لإبراهيم بعد تلهب
و لا فلق البحر ابن عمران
بالعصا و لا فرت الأحزاب عن أهل يثرب
و لا قبلت من عابد صلواته
و لا غفر الرحمن زلة مذنب
و لم يغل فيك المسلمون جهالة
و لكن لسر في علاك مغيب

و قالوا أيضا إن بكريا و شيعيا تجادلا و احتكما إلى بعض أهل الذمة ممن لا هوى له مع أحد الرجلين في التفضيل فأنشدهما

كم بين من شك في عقيدته
و بين من قيل إنه الله