خروج ابن عمرو الخثعمي و أمره مع محمد بن يوسف الطائي

ثم خرج في أيام المتوكل ابن عمرو الخثعمي بالجزيرة فقطع الطريق و أخاف السبيل و تسمى بالخلافة فحاربه أبو سعيد محمد بن يوسف الطائي الثغري الصامتي فقتل كثيرا من أصحابه و أسر كثيرا منهم و نجا بنفسه هاربا فمدحه أبو عبادة البحتري و ذكر ذلك فقال

كنا نكفر من أمية عصبة
طلبوا الخلافة فجرة و فسوقا
و نلوم طلحة و الزبير كليهما
و نعنف الصديق و الفاروقا
و نقول تيم أقربت و عديها
أمرا بعيدا حيث كان سحيقا
و هم قريش الأبطحون إذا انتموا
طابوا أصولا في العلا و عروقا

[ 75 ]

حتى غدت جشم بن بكر تبتغي
إرث النبي و تدعيه حقوقا
جاءوا براعيهم ليتخذوا به
عمدا إلى قطع الطريق طريقا
عقدوا عمامته برأس قناته
و رأوه برا فاستحال عقوقا
و أقام ينفذ في الجزيرة حكمه
و يظن وعد الكاذبين صدوقا
حتى إذا ما الحية الذكر انكفى
من أرزن حربا يمج حريقا
غضبان يلقى الشمس منه بهامة
يعشى العيون تألقا و بروقا
أوفى عليه فظل من دهش
يظن البر بحرا و الفضاء مضيقا
غدرت أمانيه به و تمزقت
عنه غيابة سكره تمزيقا
طلعت جيادك من ربا الجودي قد
حملن من دفع المنون وسوقا
فدعا فريقا من سيوفك حتفهم
و شددت في عقد الحديد فريقا
و مضى ابن عمرو قد أساء بعمره
ظنا ينزق مهره تنزيقا
فاجتاز دجلة خائضا و كأنها
قعب على باب الكحيل أريقا
لو خاضها عمليق أو عوج إذا
ما جوزت عوجا و لا عمليقا
لو لا اضطراب الخوف في أحشائه
رسب العباب به فمات غريقا
لو نفسته الخيل لفتة ناظر
ملأ البلاد زلازلا و فتوقا
لثنى صدور الخيل تكشف كربة
و لوى رماح الخط تفرج ضيقا
و لبكرت بكر و راحت تغلب
في نصر دعوته إليه طروقا
حتى يعود الذئب ليثا ضيغما
و الغصن ساقا و القرارة نيقا

[ 76 ]

هيهات مارس فليقا متيقظا
قلقا إذا سكن البليد رشيقا
مستسلفا جعل الغبوق صبوحه
و مرى صبوح غد فكان غبوقا

و هذه القصيدة من ناصع شعر البحتري و مختاره