يوم السقيفة

و نحن نذكر خبر السقيفة روى أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة قال أخبرني أحمد بن إسحاق قال حدثنا أحمد بن سيار قال حدثنا سعيد بن كثير بن عفير الأنصاري أن النبي ص لما قبض اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة فقالوا إن رسول الله ص قد قبض فقال سعد بن عبادة لابنه قيس أو لبعض بنيه إني لا أستطيع أن أسمع الناس كلامي لمرضي و لكن تلق مني قولي فأسمعهم فكان سعد يتكلم و يستمع ابنه و يرفع به صوته ليسمع قومه فكان من قوله بعد حمد الله و الثناء عليه أن قال إن لكم سابقة إلى الدين و فضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من العرب أن رسول الله ص لبث في قومه بضع عشرة سنة يدعوهم إلى عبادة الرحمن و خلع الأوثان فما آمن به من قومه إلا قليل و الله ما كانوا يقدرون أن يمنعوا رسول الله

[ 6 ]

و لا يعزوا دينه و لا يدفعوا عنه عداه حتى أراد الله بكم خير الفضيلة و ساق إليكم الكرامة و خصكم بدينه و رزقكم الإيمان به و برسوله و الإعزاز لدينه و الجهاد لأعدائه فكنتم أشد الناس على من تخلف عنه منكم و أثقله على عدوه من غيركم حتى استقاموا لأمر الله طوعا و كرها و أعطى البعيد المقادة صاغرا داخرا حتى أنجز الله لنبيكم الوعد و دانت لأسيافكم العرب ثم توفاه الله تعالى و هو عنكم راض و بكم قرير عين فشدوا يديكم بهذا الأمر فإنكم أحق الناس و أولاهم به . فأجابوا جميعا أن وفقت في الرأي و أصبت في القول و لن نعدو ما أمرت نوليك هذا الأمر فأنت لنا مقنع و لصالح المؤمنين رضا . ثم إنهم ترادوا الكلام بينهم فقالوا إن أبت مهاجرة قريش فقالوا نحن المهاجرون و أصحاب رسول الله ص الأولون و نحن عشيرته و أولياؤه فعلام تنازعوننا هذا الأمر من بعده فقالت طائفة منهم إذا نقول منا أمير و منكم أمير لن نرضى بدون هذا منهم أبدا لنا في الإيواء و النصرة ما لهم في الهجرة و لنا في كتاب الله ما لهم فليسوا يعدون شيئا إلا و نعد مثله و ليس من رأينا الاستئثار عليهم فمنا أمير و منهم أمير . فقال سعد بن عبادة هذا أول الوهن . و أتى الخبر عمر فأتى منزل رسول الله ص فوجد أبا بكر في الدار و عليا في جهاز رسول الله ص و كان الذي أتاه بالخبر معن بن عدي فأخذ بيد عمر و قال قم فقال عمر إني عنك مشغول فقال إنه لا بد من قيام فقام معه فقال له إن هذا الحي من الأنصار قد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة معهم سعد بن عبادة يدورون حوله و يقولون أنت المرجى و نجلك المرجى و ثم أناس من

[ 7 ]

أشرافهم و قد خشيت الفتنة فانظر يا عمر ما ذا ترى و اذكر لإخوتك من المهاجرين و اختاروا لأنفسكم فإني انظر إلى باب فتنة قد فتح الساعة إلا أن يغلقه الله ففزع عمر أشد الفزع حتى أتى أبا بكر فأخذ بيده فقال قم فقال أبو بكر إني عنك مشغول فقال عمر لا بد من قيام و سنرجع إن شاء الله . فقام أبو بكر مع عمر فحدثه الحديث ففزع أبو بكر أشد الفزع و خرجا مسرعين إلى سقيفة بني ساعدة و فيها رجال من أشراف الأنصار و معهم سعد بن عبادة و هو مريض بين أظهرهم فأراد عمر أن يتكلم و يمهد لأبي بكر و قال خشيت أن يقصر أبو بكر عن بعض الكلام فلما نبس عمر كفه أبو بكر و قال على رسلك فتلق الكلام ثم تكلم بعد كلامي بما بدا لك فتشهد أبو بكر ثم قال . إن الله جل ثناؤه بعث محمدا بالهدى و دين الحق فدعا إلى الإسلام فأخذ الله بقلوبنا و نواصينا إلى ما دعانا إليه و كنا معاشر المسلمين المهاجرين أول الناس إسلاما و الناس لنا في ذلك تبع و نحن عشيرة رسول الله ص و أوسط العرب أنسابا ليس من قبائل العرب إلا و لقريش فيها ولادة و أنتم أنصار الله و أنتم نصرتم رسول الله ص ثم أنتم وزراء رسول الله ص و إخواننا في كتاب الله و شركاؤنا في الدين و فيما كنا فيه من خير فأنتم أحب الناس إلينا و أكرمهم علينا و أحق الناس بالرضا بقضاء الله و التسليم لما ساق الله إلى إخوانكم من المهاجرين و أحق الناس ألا تحسدوهم فأنتم المؤثرون على أنفسهم حين الخصاصة و أحق الناس ألا يكون انتفاض هذا الدين و اختلاطه على أيديكم و أنا أدعوكم إلى أبي عبيدة و عمر فكلاهما قد رضيت لهذا الأمر و كلاهما أراه له أهلا .

[ 8 ]

فقال عمر و أبو عبيدة ما ينبغي لأحد من الناس أن يكون فوقك أنت صاحب الغار ثاني اثنين و أمرك رسول الله بالصلاة فأنت أحق الناس بهذا الأمر . فقال الأنصار و الله ما نحسدكم على خير ساقه الله إليكم و لا أحد أحب إلينا و لا أرضى عندنا منكم و لكنا نشفق فيما بعد هذا اليوم و نحذر أن يغلب على هذا الأمر من ليس منا و لا منكم فلو جعلتم اليوم رجلا منكم بايعنا و رضينا على أنه إذا هلك اخترنا واحدا من الأنصار فإذا هلك كان آخر من المهاجرين أبدا ما بقيت هذه الأمة كان ذلك أجدر أن نعدل في أمة محمد ص فيشفق الأنصاري أن يزيغ فيقبض عليه القرشي و يشفق القرشي أن يزيغ فيقبض عليه الأنصاري . فقام أبو بكر فقال إن رسول الله ص لما بعث عظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم فخالفوه و شاقوه و خص الله المهاجرين الأولين من قومه بتصديقه و الإيمان به و المواساة له و الصبر معه على شدة أذى قومه و لم يستوحشوا لكثرة عدوهم فهم أول من عبد الله في الأرض و هم أول من آمن برسول الله و هم أولياؤه و عترته و أحق الناس بالأمر بعده لا ينازعهم فيه إلا ظالم و ليس أحد بعد المهاجرين فضلا و قدما في الإسلام مثلكم فنحن الأمراء و أنتم الوزراء لا نمتاز دونكم بمشورة و لا نقضي دونكم الأمور . فقام الحباب بن المنذر بن الجموح فقال يا معشر الأنصار املكوا عليكم أيديكم إنما الناس في فيئكم و ظلكم و لن يجترئ مجترئ على خلافكم و لا يصدر الناس إلا عن أمركم أنتم أهل الإيواء و النصرة و إليكم كانت الهجرة و أنتم أصحاب الدار و الإيمان و الله ما عبد الله علانية إلا عندكم و في بلادكم

[ 9 ]

و لا جمعت الصلاة إلا في مساجدكم و لا عرف الإيمان إلا من أسيافكم فاملكوا عليكم أمركم فإن أبى هؤلاء فمنا أمير و منهم أمير . فقال عمر هيهات لا يجتمع سيفان في غمد إن العرب لا ترضى أن تؤمركم و نبيها من غيركم و ليس تمتنع العرب أن تولى أمرها من كانت النبوة فيهم و أولو الأمر منهم لنا بذلك الحجة الظاهرة على من خالفنا و السلطان المبين على من نازعنا من ذا يخاصمنا في سلطان محمد و ميراثه و نحن أولياؤه و عشيرته إلا مدل بباطل أو متجانف لإثم أو متورط في هلكة . فقام الحباب و قال يا معشر الأنصار لا تسمعوا مقالة هذا و أصحابه فيذهبوا بنصيبكم من الأمر فإن أبوا عليكم ما أعطيتموهم فاجلوهم عن بلادكم و تولوا هذا الأمر عليهم فأنتم أولى الناس بهذا الأمر إنه دان لهذا الأمر بأسيافكم من لم يكن يدين له أنا جذيلها المحكك و عذيقها المرجب إن شئتم لنعيدنها جذعة و الله لا يرد أحد علي ما أقول إلا حطمت أنفه بالسيف . قال فلما رأى بشير بن سعد الخزرجي ما اجتمعت عليه الأنصار من تأمير سعد بن عبادة و كان حاسدا له و كان من سادة الخزرج قام فقال أيها الأنصار إنا و إن كنا ذوي سابقة فإنا لم نرد بجهادنا و إسلامنا إلا رضا ربنا و طاعة نبينا و لا ينبغي لنا أن نستطيل بذلك على الناس و لا نبتغي به عوضا

[ 10 ]

من الدنيا إن محمدا ص رجل من قريش و قومه أحق بميراث أمره و ايم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر فاتقوا الله و لا تنازعوهم و لا تخالفوهم . فقام أبو بكر و قال هذا عمر و أبو عبيدة بايعوا أيهما شئتم فقالا و الله لا نتولى هذا الأمر عليك و أنت أفضل المهاجرين و ثاني اثنين و خليفة رسول الله ص على الصلاة و الصلاة أفضل الدين ابسط يدك نبايعك . فلما بسط يده و ذهبا يبايعانه سبقهما بشير بن سعد فبايعه فناداه الحباب بن المنذر يا بشير عقك عقاق و الله ما اضطرك إلى هذا الأمر إلا الحسد لابن عمك . و لما رأت الأوس أن رئيسا من رؤساء الخزرج قد بايع قام أسيد بن حضير و هو رئيس الأوس فبايع حسدا لسعد أيضا و منافسة له أن يلي الأمر فبايعت الأوس كلها لما بايع أسيد و حمل سعد بن عبادة و هو مريض فأدخل إلى منزله فامتنع من البيعة في ذلك اليوم و فيما بعده و أراد عمر أن يكرهه عليها فأشير عليه ألا يفعل و أنه لا يبايع حتى يقتل و أنه لا يقتل حتى يقتل أهله و لا يقتل أهله حتى يقتل الخزرج و إن حوربت الخزرج كانت الأوس معها . و فسد الأمر فتركوه فكان لا يصلي بصلاتهم و لا يجمع بجماعتهم و لا يقضي بقضائهم و لو وجد أعوانا لضاربهم فلم يزل كذلك حتى مات أبو بكر ثم لقي عمر في خلافته و هو على فرس و عمر على بعير فقال له عمر هيهات يا سعد فقال سعد هيهات يا عمر فقال أنت صاحب من أنت صاحبه قال نعم أنا ذاك ثم قال لعمر و الله ما جاورني أحد هو أبغض إلي جوارا منك قال عمر فإنه من كره جوار رجل انتقل عنه فقال سعد إني لأرجو أن أخليها لك عاجلا إلى جوار من هو أحب إلي

[ 11 ]

جوارا منك و من أصحابك فلم يلبث سعد بعد ذلك إلا قليلا حتى خرج إلى الشام فمات بحوران و لم يبايع لأحد لا لأبي بكر و لا لعمر و لا لغيرهما . قال و كثر الناس على أبي بكر فبايعه معظم المسلمين في ذلك اليوم و اجتمعت بنو هاشم إلى بيت علي بن أبي طالب و معهم الزبير و كان يعد نفسه رجلا من بني هاشم كان علي يقول ما زال الزبير منا أهل البيت حتى نشأ بنوه فصرفوه عنا . و اجتمعت بنو أمية إلى عثمان بن عفان و اجتمعت بنو زهرة إلى سعد و عبد الرحمن فأقبل عمر إليهم و أبو عبيدة فقال ما لي أراكم ملتاثين قوموا فبايعوا أبا بكر فقد بايع له الناس و بايعه الأنصار فقام عثمان و من معه و قام سعد و عبد الرحمن و من معهما فبايعوا أبا بكر . و ذهب عمر و معه عصابة إلى بيت فاطمة منهم أسيد بن حضير و سلمة بن أسلم فقال لهم انطلقوا فبايعوا فأبوا عليه و خرج إليهم الزبير بسيفه فقال عمر عليكم الكلب فوثب عليه سلمة بن أسلم فأخذ السيف من يده فضرب به الجدار ثم انطلقوا به و بعلي و معها بنو هاشم

و علي يقول أنا عبد الله و أخو رسول الله ص حتى انتهوا به إلى أبي بكر فقيل له بايع فقال أنا أحق بهذا الأمر منكم لا أبايعكم و أنتم أولى بالبيعة لي أخذتم هذا الأمر من الأنصار و احتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله فأعطوكم المقادة و سلموا إليكم الإمارة و أنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار فأنصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم و اعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفت الأنصار لكم و إلا فبوءوا بالظلم و أنتم تعلمون . فقال عمر إنك لست متروكا حتى تبايع فقال له علي احلب يا عمر حلبا لك شطره اشدد له اليوم أمره ليرد عليك غدا ألا و الله لا أقبل قولك و لا أبايعه فقال له أبو بكر

[ 12 ]

فإن لم تبايعني لم أكرهك فقال له أبو عبيدة يا أبا الحسن إنك حديث السن و هؤلاء مشيخة قريش قومك ليس لك مثل تجربتهم و معرفتهم بالأمور و لا أرى أبا بكر إلا أقوى على هذا الأمر منك و أشد احتمالا له و اضطلاعا به فسلم له هذا الأمر و ارض به فإنك إن تعش و يطل عمرك فأنت لهذا الأمر خليق و به حقيق في فضلك و قرابتك و سابقتك و جهادك .

فقال علي يا معشر المهاجرين الله الله لا تخرجوا سلطان محمد عن داره و بيته إلى بيوتكم و دوركم و لا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس و حقه فو الله يا معشر المهاجرين لنحن أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم أ ما كان منا القارئ لكتاب الله الفقيه في دين الله العالم بالسنة المضطلع بأمر الرعية و الله إنه لفينا فلا تتبعوا الهوى فتزدادوا من الحق بعدا . فقال بشير بن سعد لو كان هذا الكلام سمعته منك الأنصار يا علي قبل بيعتهم لأبي بكر ما اختلف عليك اثنان و لكنهم قد بايعوا و انصرف علي إلى منزله و لم يبايع و لزم بيته حتى ماتت فاطمة فبايع . قلت هذا الحديث يدل على بطلان ما يدعى من النص على أمير المؤمنين و غيره لأنه لو كان هناك نص صريح لاحتج به و لم يجر للنص ذكر و إنما كان الاحتجاج منه و من أبي بكر و من الأنصار بالسوابق و الفضائل و القرب فلو كان هناك نص على أمير المؤمنين أو على أبي بكر لاحتج به أبو بكر أيضا على الأنصار و لاحتج به أمير المؤمنين على أبي بكر فإن هذا الخبر و غيره من الأخبار المستفيضة يدل على أنه قد كان كاشفهم و هتك القناع بينه و بينهم أ لا تراه كيف نسبهم إلى التعدي عليه و ظلمه و تمنع من طاعتهم

[ 13 ]

و أسمعهم من الكلام أشده و أغلظه فلو كان هناك نص لذكره أو ذكره بعض من كان من شيعته و حزبه لأنه لا عطر بعد عروس . و هذا أيضا يدل على أن الخبر المروي في أبي بكر في صحيحي البخاري و مسلم غير صحيح

و هو ما روي من قوله ع لعائشة في مرضه ادعي لي أباك حتى أكتب لأبي بكر كتابا فإني أخاف أن يقول قائل أو يتمنى متمن و يأبى الله و المؤمنون إلا أبا بكر و هذا هو نص مذهب المعتزلة .

و قال أحمد بن عبد العزيز الجوهري أيضا حدثنا أحمد و قال حدثنا ابن عفير قال حدثنا أبو عوف عبد الله بن عبد الرحمن عن أبي جعفر محمد بن علي رضي الله عنهما أن عليا حمل فاطمة على حمار و سار بها ليلا إلى بيوت الأنصار يسألهم النصرة و تسألهم فاطمة الانتصار له فكانوا يقولون يا بنت رسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل لو كان ابن عمك سبق إلينا أبا بكر ما عدلنا به فقال علي أ كنت أترك رسول الله ميتا في بيته لا أجهزه و أخرج إلى الناس أنازعهم في سلطانه و قالت فاطمة ما صنع أبو حسن إلا ما كان ينبغي له و صنعوا هم ما الله حسبهم عليه

و قال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز و حدثنا أحمد قال حدثني سعيد بن كثير قال حدثني ابن لهيعة أن رسول الله ص لما مات و أبو ذر غائب و قدم و قد ولي أبو بكر فقال أصبتم قناعه و تركتم قرابه لو جعلتم هذا الأمر في أهل بيت نبيكم لما اختلف عليكم اثنان

[ 14 ]

قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد عمر بن شبة قال حدثنا أبو قبيصة محمد بن حرب قال لما توفي النبي ص و جرى في السقيفة ما جرى تمثل علي

و أصبح أقوام يقولون ما اشتهوا
و يطغون لما غال زيدا غوائله