أمر المهاجرين و الأنصار بعد بيعة أبي بكرو روى الزبير بن بكار في الموفقيات قال لما بايع بشير بن سعد أبا بكر و ازدحم الناس على أبي بكر فبايعوه مر أبو سفيان بن حرب بالبيت الذي فيه علي بن أبي طالب ع فوقف و أنشد
بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكم [ 18 ]
أبا حسن فاشدد بها كف حازم
فقال علي لأبي سفيان إنك تريد أمرا لسنا من أصحابه و قد عهد إلي رسول الله ص عهدا فأنا عليه فتركه أبو سفيان و عدل إلى العباس بن عبد المطلب في منزله فقال يا أبا الفضل أنت أحق بميراث ابن أخيك امدد يدك لأبايعك فلا يختلف عليك الناس بعد بيعتي إياك فضحك العباس و قال يا أبا سفيان يدفعها علي و يطلبها العباس فرجع أبو سفيان خائبا . قال الزبير و ذكر محمد بن إسحاق أن الأوس تزعم أن أول من بايع أبا بكر بشير بن سعد و تزعم الخزرج أن أول من بايع أسيد بن حضير . قلت بشير بن سعد خزرجي و أسيد بن حضير أوسي و إنما تدافع الفريقان الروايتين تفاديا عن سعد بن عبادة و كراهية كل حي منهما أن يكون نقض أمره جاء من جهة صاحبه فالخزرج هم أهله و قرابته لا يقرون أن بشير بن سعد هو أول من بايع أبا بكر و أبطل أمر سعد بن عبادة و يحيلون بذلك على أسيد بن حضير لأنه من الأوس أعداء الخزرج و أما الأوس فتكره أيضا أن ينسب أسيد إلى أنه أول من نقض أمر سعد بن عبادة كي لا يرموه بالحسد للخزرج لأن سعد بن عبادة خزرجي فيحيلون بانتقاض أمره على قبيلته و هم الخزرج و يقولون إن أول من بايع أبا بكر و نقض دعوة سعد بن عبادة بشير بن سعد و كان بشير أعور . و الذي ثبت عندي أن أول من بايعه عمر ثم بشير بن سعد ثم أسيد بن حضير ثم أبو عبيدة بن الجراح ثم سالم مولى أبي حذيفة . [ 19 ] قال الزبير و قد كان مالأ أبا بكر و عمر على نقض أمر سعد و إفساد حاله رجلان من الأنصار ممن شهد بدرا و هما عويم بن ساعدة و معن بن عدي . قلت كان هذان الرجلان ذوي حب لأبي بكر في حياة رسول الله ص و اتفق مع ذلك بغض و شحناء كانت بينهما و بين سعد بن عبادة و لها سبب مذكور في كتاب القبائل لأبي عبيدة معمر بن المثنى فليطلب من هناك . و عويم بن ساعدة هو القائل لما نصب الأنصار سعدا يا معشر الخزرج إن كان هذا الأمر فيكم دون قريش فعرفونا ذلك و برهنوا حتى نبايعكم عليه و إن كان لهم دونكم فسلموا إليهم فو الله ما هلك رسول الله ص حتى عرفنا أن أبا بكر خليفة حين أمره أن يصلي بالناس فشتمه الأنصار و أخرجوه فانطلق مسرعا حتى التحق بأبي بكر فشحذ عزمه على طلب الخلافة . ذكر هذا بعينه الزبير بن بكار في الموفقيات . و ذكر المدائني و الواقدي أن معن بن عدي اتفق هو و عويم بن ساعدة على تحريض أبي بكر و عمر على طلب الأمر و صرفه عن الأنصار قالا و كان معن بن عدي يشخصهما إشخاصا و يسوقهما سوقا عنيفا إلى السقيفة مبادرة إلى الأمر قبل فواته . قال الزبير بن بكار فلما بويع أبو بكر أقبلت الجماعة التي بايعته تزفه زفا إلى مسجد رسول الله ص فلما كان آخر النهار افترقوا إلى منازلهم فاجتمع قوم من الأنصار و قوم من المهاجرين فتعاتبوا فيما بينهم فقال عبد الرحمن بن عوف يا معشر الأنصار إنكم و إن كنتم أولي فضل و نصر و سابقة و لكن ليس فيكم مثل أبي بكر و لا عمر و لا علي و لا أبي عبيدة فقال زيد بن أرقم إنا لا ننكر فضل من ذكرت [ 20 ] يا عبد الرحمن و إن منا لسيد الأنصار سعد بن عبادة و من أمر الله رسوله أن يقرئه السلام و أن يأخذ عنه القرآن أبي بن كعب و من يجيء يوم القيامة أمام العلماء معاذ بن جبل و من أمضى رسول الله ص شهادته بشهادة رجلين خزيمة بن ثابت و إنا لنعلم أن ممن سميت من قريش من لو طلب هذا الأمر لم ينازعه فيه أحد علي بن أبي طالب . قال الزبير فلما كان من الغد قام أبو بكر فخطب الناس و قال أيها الناس إني وليت أمركم و لست بخيركم فإذا أحسنت فأعينوني و إن أسأت فقوموني إن لي شيطانا يعتريني فإياكم و إياي إذا غضبت لا أوثر في أشعاركم و أبشاركم الصدق أمانة و الكذب خيانة و الضعيف منكم قوي حتى أرد إليه حقه و القوي ضعيف حتى آخذ الحق منه إنه لا يدع قوم الجهاد إلا ضربهم الله بالذل و لا تشيع في قوم الفاحشة إلا عمهم البلاء أطيعوني ما أطعت الله فإذا عصيت فلا طاعة لي عليكم قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله . قال ابن أبي عبرة القرشي
شكرا لمن هو بالثناء حقيق
[ 21 ] و روى الزبير بن بكار قال روى محمد بن إسحاق أن أبا بكر لما بويع افتخرت تيم بن مرة قال و كان عامة المهاجرين و جل الأنصار لا يشكون أن عليا هو صاحب الأمر بعد رسول الله ص فقال الفضل بن العباس يا معشر قريش و خصوصا يا بني تيم إنكم إنما أخذتم الخلافة بالنبوة و نحن أهلها دونكم و لو طلبنا هذا الأمر الذي نحن أهله لكانت كراهة الناس لنا أعظم من كراهتهم لغيرنا حسدا منهم لنا و حقدا علينا و إنا لنعلم أن عند صاحبنا عهدا هو ينتهي إليه . و قال بعض ولد أبي لهب بن عبد المطلب بن هاشم شعرا
ما كنت أحسب أن الأمر منصرف قال الزبير فبعث إليه علي فنهاه و أمره ألا يعود و قال سلامة الدين أحب إلينا من غيره . [ 22 ] قال الزبير و كان خالد بن الوليد شيعة لأبي بكر و من المنحرفين عن علي فقام خطيبا فقال أيها الناس إنا رمينا في بدء هذا الدين بأمر ثقل علينا و الله محمله و صعب علينا مرتقاه و كنا كأنا فيه على أوتار ثم و الله ما لبثنا أن خف علينا ثقله و ذل لنا صعبه و عجبنا ممن شك فيه بعد عجبنا ممن آمن به حتى أمرنا بما كنا ننهى عنه و نهينا عما كنا نأمر به و لا و الله ما سبقنا إليه بالعقول و لكنه التوفيق ألا و إن الوحي لم ينقطع حتى أحكم و لم يذهب النبي ص فنستبدل بعده نبيا و لا بعد الوحي وحيا و نحن اليوم أكثر منا أمس و نحن أمس خير منا اليوم من دخل في هذا الدين كان ثوابه على حسب عمله و من تركه رددناه إليه و إنه و الله ما صاحب الأمر يعني أبا بكر بالمسئول عنه و لا المختلف فيه و لا الخفي الشخص و لا المغموز القناة . فعجب الناس من كلامه و مدحه حزن بن أبي وهب المخزومي و هو الذي سماه رسول الله ص سهلا و هو جد سعيد بن المسيب الفقيه و قال
و قامت رجال من قريش كثيره [ 23 ]
و كنت لمخزوم بن يقظة جنة قال الزبير و حدثنا محمد بن موسى الأنصاري المعروف بابن مخرمة قال حدثني إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري قال لما بويع أبو بكر و استقر أمره ندم قوم كثير من الأنصار على بيعته و لام بعضهم بعضا و ذكروا علي بن أبي طالب و هتفوا باسمه و إنه في داره لم يخرج إليهم و جزع لذلك المهاجرون و كثر في ذلك الكلام . و كان أشد قريش على الأنصار نفر فيهم و هم سهيل بن عمرو أحد بني عامر بن لؤي و الحارث بن هشام و عكرمة بن أبي جهل المخزوميان و هؤلاء أشراف قريش الذين حاربوا النبي ص ثم دخلوا في الإسلام و كلهم موتور قد وتره الأنصار أما سهيل بن عمرو فأسره مالك بن الدخشم يوم بدر و أما الحارث بن هشام فضربه عروة بن عمرو فجرحه يوم بدر و هو فار عن أخيه و أما عكرمة بن أبي جهل فقتل أباه ابنا عفراء و سلبه درعه يوم بدر زياد بن لبيد و في أنفسهم ذلك . فلما اعتزلت الأنصار تجمع هؤلاء فقام سهيل بن عمرو فقال يا معشر قريش إن هؤلاء القوم قد سماهم الله الأنصار و أثنى عليهم في القرآن فلهم بذلك حظ عظيم و شأن غالب و قد دعوا إلى أنفسهم و إلى علي بن أبي طالب و علي [ 24 ] في بيته لو شاء لردهم فادعوهم إلى صاحبكم و إلى تجديد بيعته فإن أجابوكم و إلا قاتلوهم فو الله إني لأرجو الله أن ينصركم عليهم كما نصرتم بهم . ثم قام الحارث بن هشام فقال إن تكن الأنصار تبوأت الدار و الإيمان من قبل و نقلوا رسول الله ص إلى دورهم من دورنا فآووا و نصروا ثم ما رضوا حتى قاسمونا الأموال و كفونا العمل فإنهم قد لهجوا بأمر إن ثبتوا عليه فإنهم قد خرجوا مما وسموا به و ليس بيننا و بينهم معاتبة إلا السيف و إن نزعوا عنه فقد فعلوا الأولى بهم و المظنون معهم . ثم قام عكرمة بن أبي جهل فقال و الله لو لا قول رسول الله ص الأئمة من قريش ما أنكرنا أمره الأنصار و لكانوا لها أهلا و لكنه قول لا شك فيه و لا خيار و قد عجلت الأنصار علينا و الله ما قبضنا عليهم الأمر و لا أخرجناهم من الشورى و إن الذي هم فيه من فلتات الأمور و نزغات الشيطان و ما لا يبلغه المنى و لا يحمله الأمل أعذروا إلى القوم فإن أبوا فقاتلوهم فو الله لو لم يبق من قريش كلها إلا رجل واحد لصير الله هذا الأمر فيه . قال و حضر أبو سفيان بن حرب فقال يا معشر قريش إنه ليس للأنصار أن يتفضلوا على الناس حتى يقروا بفضلنا عليهم فإن تفضلوا فحسبنا حيث انتهى بها و إلا فحسبهم حيث انتهى بهم و ايم الله لئن بطروا المعيشة و كفروا النعمة لنضربنهم على الإسلام كما ضربوا عليه فأما علي بن أبي طالب فأهل و الله أن يسود على قريش و تطيعه الأنصار . فلما بلغ الأنصار قول هؤلاء الرهط قام خطيبهم ثابت بن قيس بن شماس فقال يا معشر الأنصار إنما يكبر عليكم هذا القول لو قاله أهل الدين من قريش فأما إذا كان من أهل الدنيا لا سيما من أقوام كلهم موتور فلا يكبرن عليكم إنما الرأي [ 25 ] و القول مع الأخيار المهاجرين فإن تكلمت رجال قريش و الذين هم أهل الآخرة مثل كلام هؤلاء فعند ذلك قولوا ما أحببتم و إلا فأمسكوا . و قال حسان بن ثابت يذكر ذلك
تنادي سهيل و ابن حرب و حارث فبلغ شعر حسان قريشا فغضبوا و أمروا ابن أبي عزة شاعرهم أن يجيبه فقال
معشر الأنصار خافوا ربكم [ 26 ]
ليس ما قدر سعد كائنا قال الزبير لما اجتمع جمهور الناس لأبي بكر أكرمت قريش معن بن عدي و عويم بن ساعدة و كان لهما فضل قديم في الإسلام فاجتمعت الأنصار لهما في مجلس و دعوهما فلما أحضرا أقبلت الأنصار عليهما فعيروهما بانطلاقهما إلى المهاجرين و أكبروا فعلهما في ذلك فتكلم معن فقال يا معشر الأنصار إن الذي أراد الله بكم خير مما أردتم بأنفسكم و قد كان منكم أمر عظيم البلاء و صغرته العاقبة فلو كان لكم على قريش ما لقريش عليكم ثم أردتموهم لما أرادوكم به لم آمن عليهم منكم مثل من آمن عليكم منهم فإن تعرفوا الخطأ فقد خرجتم منه و إلا فأنتم فيه . قلت قوله و قد كان منكم أمر عظيم البلاء و صغرته العاقبة يعني عاقبة الكف و الإمساك يقول قد كان منكم أمر عظيم و هو دعوى الخلافة لأنفسكم و إنما جعل البلاء معظما له لأنه لو لم يتعقبه الإمساك لأحدث فتنة عظيمة و إنما صغره سكونهم و رجوعهم إلى بيعة المهاجرين . و قوله و كان لكم على قريش إلى آخر الكلام معناه لو كان لكم الفضل على قريش كفضل قريش عليكم و ادعت قريش الخلافة لها ثم أردتم منهم الرجوع عن دعواهم و جرت بينكم و بينهم من المنازعة مثل هذه المنازعة التي جرت الآن بينكم لم آمن عليهم منكم أن تقتلوهم و تقدموا على سفك دمائهم و لم يحصل لي من سكون النفس إلى [ 27 ] حلمكم عنهم و صبركم عليهم مثل ما أنا آمن عليكم منهم فإنهم صبروا و حلموا و لم يقدموا على استباحة حربكم و الدخول في دمائكم . قال الزبير ثم تكلم عويم بن ساعدة فقال يا معشر الأنصار إن من نعم الله عليكم أنه تعالى لم يرد بكم ما أردتم بأنفسكم فاحمدوا الله على حسن البلاء و طول العافية و صرف هذه البلية عنكم و قد نظرت في أول فتنتكم و آخرها فوجدتها جاءت من الأماني و الحسد و احذروا النقم فوددت أن الله صير إليكم هذا الأمر بحقه فكنا نعيش فيه . فوثبت عليهما الأنصار فاغلظوا لهما و فحشوا عليهما و انبرى لهما فروة بن عمرو فقال أ نسيتما قولكما لقريش إنا قد خلفنا وراءنا قوما قد حلت دماؤهم بفتنتهم هذا و الله ما لا يغفر و لا ينسى قد تصرف الحية عن وجهها و سمها في نابها فقال معن في ذلك
و قالت لي الأنصار إنك لم تصب [ 28 ]
أراكم أخذتم حقكم بأكفكم و قال عويم بن ساعدة في ذلك
و قالت لي الأنصار أضعاف قولهم قال فروة بن عمر و كان ممن تخلف عن بيعة أبي بكر و كان ممن جاهد مع [ 29 ] رسول الله و قاد فرسين في سبيل الله و كان يتصدق من نخله بألف وسق في كل عام و كان سيدا و هو من أصحاب علي و ممن شهد معه يوم الجمل قال فذكر معنا و عويما و عاتبهما على قولهما خلفنا وراءنا قوما قد حلت دماؤهم بفتنتهم
ألا قل لمعن إذا جئته قال الزبير ثم إن الأنصار أصلحوا بين هذين الرجلين و بين أصحابهما ثم اجتمعت جماعة من قريش يوما و فيهم ناس من الأنصار و أخلاط من المهاجرين و ذلك بعد انصراف الأنصار عن رأيها و سكون الفتنة فاتفق ذلك عند قدوم عمرو بن العاص من سفر كان فيه فجاء إليهم فأفاضوا في ذكر يوم السقيفة و سعد و دعواه الأمر فقال عمرو بن العاص و الله لقد دفع الله عنا من الأنصار عظيمة و لما دفع الله عنهم أعظم كادوا و الله أن يحلوا حبل الإسلام كما قاتلوا عليه و يخرجوا منه من أدخلوا فيه و الله لئن كانوا سمعوا قول رسول الله ص الأئمة من قريش ثم ادعوها لقد هلكوا و أهلكوا و إن كانوا لم يسمعوها فما هم كالمهاجرين و لا كأبي بكر و لا المدينة [ 30 ] كمكة و لقد قاتلونا أمس فغلبونا على البدء و لو قاتلناهم اليوم لغلبناهم على العاقبة فلم يجبه أحد و انصرف إلى منزله و قد ظفر فقال
ألا قل لأوس إذا جئتها فلما بلغ الأنصار مقالته و شعره بعثوا إليه لسانهم و شاعرهم النعمان بن العجلان و كان رجلا أحمر قصيرا تزدريه العيون و كان سيدا فخما فأتى عمرا و هو في جماعة من قريش فقال و الله يا عمرو ما كرهتم من حربنا إلا ما كرهنا من حربكم و ما كان الله ليخرجكم من الإسلام بمن أدخلكم فيه إن كان النبي ص قال الأئمة من قريش فقد قال لو سلك الناس شعبا و سلك الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار و الله ما أخرجناكم من الأمر إذ قلنا منا أمير و منكم أمير و أما من ذكرت فأبو بكر لعمري خير من سعد لكن سعدا في الأنصار أطوع من أبي بكر في قريش فأما المهاجرون و الأنصار فلا فرق بينهم أبدا و لكنك يا ابن العاص وترت بني عبد مناف بمسيرك إلى الحبشة لقتل جعفر و أصحابه و وترت بني مخزوم بإهلاك عمارة بن الوليد ثم انصرف فقال [ 31 ]
فقل لقريش نحن أصحاب مكة فلما انتهى شعر النعمان و كلامه إلى قريش غضب كثير منها و ألفى ذلك قدوم خالد بن سعيد بن العاص من اليمن و كان رسول الله استعمله عليها و كان له و لأخيه أثر قديم [ 32 ] عظيم في الإسلام و هما من أول من أسلم من قريش و لهما عبادة و فضل فغضب للأنصار و شتم عمرو بن العاص و قال يا معشر قريش إن عمرا دخل في الإسلام حين لم يجد بدا من الدخول فيه فلما لم يستطع أن يكيده بيده كاده بلسانه و إن من كيده الإسلام تفريقه و قطعه بين المهاجرين و الأنصار و الله ما حاربناهم للدين و لا للدنيا لقد بذلوا دماءهم لله تعالى فينا و ما بذلنا دماءنا لله فيهم و قاسمونا ديارهم و أموالهم و ما فعلنا مثل ذلك بهم و آثرونا على الفقر و حرمناهم على الغنى و لقد وصى رسول الله بهم و عزاهم عن جفوة السلطان فأعوذ بالله أن أكون و إياكم الخلف المضيع و السلطان الجاني . قلت هذا خالد بن سعيد بن العاص هو الذي امتنع من بيعة أبي بكر و قال لا أبايع إلا عليا و قد ذكرنا خبره فيما تقدم . و أما قوله في الأنصار و عزاهم عن جفوة السلطان فإشارة إلى قول النبي ص ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تقدموا علي الحوض و هذا الخبر هو الذي يكفر كثير من أصحابنا معاوية بالاستهزاء به و ذلك أن النعمان بن بشير الأنصاري جاء في جماعة من الأنصار إلى معاوية فشكوا إليه فقرهم و قالوا لقد صدق رسول الله ص في قوله لنا ستلقون بعدي أثرة فقد لقيناها قال معاوية فما ذا قال لكم قالوا قال لنا فاصبروا حتى تردوا علي الحوض قال فافعلوا ما أمركم به عساكم تلاقونه غدا عند الحوض كما أخبركم و حرمهم و لم يعطهم شيئا . قال الزبير و قال خالد بن سعيد بن العاص في ذلك
تفوه عمرو بالذي لا نريده [ 33 ]
فلا تقطعن يا عمرو ما كان بيننا قال الزبير ثم إن رجالا من سفهاء قريش و مثيري الفتن منهم اجتمعوا إلى عمرو بن العاص فقالوا له إنك لسان قريش و رجلها في الجاهلية و الإسلام فلا تدع الأنصار و ما قالت و أكثروا عليه من ذلك فراح إلى المسجد و فيه ناس من قريش و غيرهم فتكلم و قال إن الأنصار ترى لنفسها ما ليس لها و ايم الله لوددت أن الله خلى عنا و عنهم و قضى فيهم و فينا بما أحب و لنحن الذين أفسدنا على أنفسنا أحرزناهم عن كل مكروه و قدمناهم إلى كل محبوب حتى أمنوا المخوف فلما جاز لهم ذلك صغروا حقنا و لم يراعوا ما أعظمنا من حقوقهم . ثم التفت فرأى الفضل بن العباس بن عبد المطلب و ندم على قوله للخئولة التي بين ولد عبد المطلب و بين الأنصار و لأن الأنصار كانت تعظم عليا و تهتف باسمه حينئذ فقال الفضل يا عمرو إنه ليس لنا أن نكتم ما سمعنا منك و ليس لنا أن نجيبك و أبو الحسن شاهد بالمدينة إلا أن يأمرنا فنفعل . ثم رجع الفضل إلى علي فحدثه فغضب و شتم عمرا و قال آذى الله و رسوله ثم قام فأتى المسجد فاجتمع إليه كثير من قريش و تكلم مغضبا فقال يا معشر قريش إن حب الأنصار إيمان و بغضهم نفاق و قد قضوا ما عليهم [ 34 ] و بقي ما عليكم و اذكروا أن الله رغب لنبيكم عن مكة فنقله إلى المدينة و كره له قريشا فنقله إلى الأنصار ثم قدمنا عليهم دارهم فقاسمونا الأموال و كفونا العمل فصرنا منهم بين بذل الغني و إيثار الفقير ثم حاربنا الناس فوقونا بأنفسهم و قد أنزل الله تعالى فيهم آية من القرآن جمع لهم فيها بين خمس نعم فقال وَ اَلَّذِينَ تَبَوَّؤُا اَلدَّارَ وَ اَلْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَ لا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ اَلْمُفْلِحُونَ . ألا و إن عمرو بن العاص قد قام مقاما آذى فيه الميت و الحي ساء به الواتر و سر به الموتور فاستحق من المستمع الجواب و من الغائب المقت و إنه من أحب الله و رسوله أحب الأنصار فليكفف عمرو عنا نفسه . قال الزبير فمشت قريش عند ذلك إلى عمرو بن العاص فقالوا أيها الرجل أما إذا غضب علي فاكفف . و قال خزيمة بن ثابت الأنصاري يخاطب قريشا
أيا ل قريش أصلحوا ذات بيننا
قال الزبير و قال علي للفضل يا فضل انصر الأنصار بلسانك و يدك فإنهم منك و إنك منهم فقال الفضل
قلت يا عمرو مقالا فاحشا [ 35 ]
إنما الأنصار سيف قاطع و دخل الفضل على علي فأسمعه شعره ففرح به و قال وريت بك زنادي يا فضل أنت شاعر قريش و فتاها فأظهر شعرك و ابعث به إلى الأنصار فلما بلغ ذلك الأنصار قالت لا أحد يجيب إلا حسان الحسام فبعثوا إلى حسان بن ثابت فعرضوا عليه شعر الفضل فقال كيف أصنع بجوابه إن لم أتحر قوافيه فضحني فرويدا حتى أقفو أثره في القوافي فقال له خزيمة بن ثابت اذكر عليا و آله يكفك عن كل شيء فقال
جزى الله عنا و الجزاء بكفه
قال الزبير و بعثت الأنصار بهذا الشعر إلى علي بن أبي طالب فخرج إلى المسجد [ 36 ] و قال لمن به من قريش و غيرهم يا معشر قريش إن الله جعل الأنصار أنصارا فأثنى عليهم في الكتاب فلا خير فيكم بعدهم إنه لا يزال سفيه من سفهاء قريش وتره الإسلام و دفعه عن الحق و أطفأ شرفه و فضل غيره عليه يقوم مقاما فاحشا فيذكر الأنصار فاتقوا الله و ارعوا حقهم فو الله لو زالوا لزلت معهم لأن رسول الله قال لهم أزول معكم حيثما زلتم فقال المسلمون جميعا رحمك الله يا أبا الحسن قلت قولا صادقا . قال الزبير و ترك عمرو بن العاص المدينة و خرج عنها حتى رضي عنه علي و المهاجرون قال الزبير ثم إن الوليد بن عقبة بن أبي معيط و كان يبغض الأنصار لأنهم أسروا أباه يوم بدر و ضربوا عنقه بين يدي رسول الله قام يشتم الأنصار و ذكرهم بالهجر فقال إن الأنصار لترى لها من الحق علينا ما لا نراه و الله لئن كانوا آووا لقد عزوا بنا و لئن كانوا آسوا لقد منوا علينا و الله ما نستطيع مودتهم لأنه لا يزال قائل منهم يذكر ذلنا بمكة و عزنا بالمدينة و لا ينفكون يعيرون موتانا و يغيظون أحياءنا فإن أجبناهم قالوا غضبت قريش على غاربها و لكن قد هون علي ذلك منهم حرصهم على الدين أمس و اعتذارهم من الذنب اليوم ثم قال
تباذخت الأنصار في الناس باسمها [ 37 ]
فهذا لنا من كل صاحب خطبة قال ففشا شعره في الناس فغضبت الأنصار و غضب لها من قريش قوم منهم ضرار بن الخطاب الفهري و زيد بن الخطاب و يزيد بن أبي سفيان فبعثوا إلى الوليد فجاء . فتكلم زيد بن الخطاب فقال يا ابن عقبة بن أبي معيط أما و الله لو كنت من الفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم و أموالهم يبتغون فضلا من الله و رضوانا لأحببت الأنصار و لكنك من الجفاة في الإسلام البطاء عنه الذين دخلوا فيه بعد أن ظهر أمر الله و هم كارهون إنا نعلم أنا أتيناهم و نحن فقراء فأغنونا ثم أصبنا الغنى فكفوا عنا و لم يرزءونا شيئا فأما ذكرهم ذلة قريش بمكة و عزها بالمدينة فكذلك كنا و كذلك قال الله تعالى وَ اُذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي اَلْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ اَلنَّاسُ فنصرنا الله تعالى بهم و آوانا إلى مدينتهم . و أما غضبك لقريش فإنا لا ننصر كافرا و لا نواد ملحدا و لا فاسقا و لقد قلت و قالوا فقطعك الخطيب و ألجمك الشاعر . و أما ذكرك الذي كان بالأمس فدع المهاجرين و الأنصار فإنك لست من ألسنتهم في الرضا و لا نحن من أيديهم في الغضب . و تكلم يزيد بن أبي سفيان فقال يا ابن عقبة الأنصار أحق بالغضب لقتلى أحد فاكفف لسانك فإن من قتله الحق لا يغضب له . و تكلم ضرار بن الخطاب فقال أما و الله لو لا أن رسول الله ص قال [ 38 ] الأئمة من قريش لقلنا الأئمة من الأنصار و لكن جاء أمر غلب الرأي فاقمع شرتك أيها الرجل و لا تكن امرأ سوء فإن الله لم يفرق بين الأنصار و المهاجرين في الدنيا و كذلك الله لا يفرق بينهم في الآخرة . و أقبل حسان بن ثابت مغضبا من كلام الوليد بن عقبة و شعره فدخل المسجد و فيه قوم من قريش فقال يا معشر قريش إن أعظم ذنبنا إليكم قتلنا كفاركم و حمايتنا رسول الله ص و إن كنتم تنقمون منا منة كانت بالأمس فقد كفى الله شرها فما لنا و ما لكم و الله ما يمنعنا من قتالكم الجبن و لا من جوابكم العي إنا لحي فعال و مقال و لكنا قلنا إنها حرب أولها عار و آخرها ذل فأغضينا عليها عيوننا و سحبنا ذيولنا حتى نرى و تروا فإن قلتم قلنا و إن سكتم سكتنا . فلم يجبه أحد من قريش ثم سكت كل من الفريقين عن صاحبه و رضي القوم أجمعون و قطعوا الخلاف و العصبية . انتهى ما ذكره الزبير بن بكار في الموفقيات و نعود الآن إلى ذكر ما أورده أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة . قال أبو بكر حدثني أبو يوسف يعقوب بن شيبة عن بحر بن آدم عن رجاله عن سالم بن عبيد قال لما توفي رسول الله و قالت الأنصار منا أمير و منكم أمير أخذ عمر بيد أبي بكر و قال سيفان في غمد واحد إذا لا يصلحان ثم قال من له هذه الثلاث ثانِيَ اِثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي اَلْغارِ من هما إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ من صاحبه إِنَّ اَللَّهَ مَعَنا مع من ثم بسط يده إلى أبي بكر فبايعه فبايعه الناس أحسن بيعة و أجملها . [ 39 ] قال أبو بكر حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي عن أبي بكر بن عياش عن زيد بن عبد الله قال إن الله تعالى نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد ع خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه و ابتعثه برسالته ثم نظر في قلوب الأمم بعد قلبه فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون عن دينه فما رأى المسلمون حسنا فهو عند الله حسن و ما رأى المسلمون سيئا فهو عند الله سيئ . قال أبو بكر بن عياش و قد رأى المسلمون أن يولوا أبا بكر بعد النبي ص فكانت ولايته حسنة . قال أبو بكر و حدثنا يعقوب بن شيبة قال لما قبض رسول الله ص و قال الأنصار منا أمير و منكم أمير قال عمر أيها الناس أيكم يطيب نفسا أن يتقدم قدمين قدمهما رسول الله ص في الصلاة رضيك الله لديننا أ فلا نرضاك لدنيانا قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد عمر بن شبة قال حدثني زيد بن يحيى الأنماطي قال حدثنا صخر بن جويرية عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال أخذ أبو بكر بيد عمر و يد رجل من المهاجرين يرونه أبا عبيدة حتى انطلقوا إلى الأنصار و قد اجتمعوا عند سعد في سقيفة بني ساعدة فقال عمر قلت لأبي بكر دعني أتكلم و خشيت جد أبي بكر و كان ذا جد فقال أبو بكر لا بل أنا أتكلم فما هو و الله إلا أن انتهينا إليهم فما كان في نفسي شيء أريد أن أقوله إلا أتى أبو بكر عليه فقال لهم يا معشر الأنصار ما ينكر حقكم مسلم إنا و الله ما أصبنا خيرا قط إلا شركتمونا [ 40 ] فيه لقد آويتم و نصرتم و آزرتم و واسيتم و لكن قد علمتم أن العرب لا تقر و لا تطيع إلا لامرئ من قريش هم رهط النبي ص أوسط العرب وشيجة رحم و أوسط الناس دارا و أعرب الناس ألسنا و أصبح الناس أوجها و قد عرفتم بلاء ابن الخطاب في الإسلام و قدمه هلم فلنبايعه . قال عمر بل إياك نبايع قال عمر فكنت أول الناس مد يده إلى أبي بكر فبايعه إلا رجلا من الأنصار أدخل يده بين يدي و يد أبي بكر فبايعه قبلي و وطئ الناس فراش سعد فقيل قتلتم سعدا فقال عمر قتل الله سعدا فوثب رجل من الأنصار فقال أنا جذيلها المحكك و عذيقها المرجب فأخذ و وطئ في بطنه و دسوا في فيه التراب . قال أبو بكر و حدثني يعقوب عن محمد بن جعفر عن محمد بن إسماعيل عن مختار اليمان عن عيسى بن زيد قال لما بويع أبو بكر جاء أبو سفيان إلى علي فقال أ غلبكم على هذا الأمر أذل بيت من قريش و أقلها أما و الله لئن شئت لأملأنها على أبي فصيل خيلا و رجلا و لأسدنها عليه من أقطارها فقال علي يا أبا سفيان طالما كدت الإسلام و أهله فما ضرهم شيئا أمسك عليك فإنا رأينا أبا بكر لها أهلا . قال أبو بكر و حدثنا يعقوب عن رجاله قال لما بويع أبو بكر تخلف علي فلم يبايع فقيل لأبي بكر إنه كره إمارتك فبعث إليه أ كرهت إمارتي قال لا و لكن القرآن خشيت أن يزاد فيه فحلفت ألا أرتدي رداء حتى أجمعه اللهم إلا إلى صلاة الجمعة . [ 41 ] فقال أبو بكر لقد أحسنت قال فكتبه ع كما أنزل بناسخه و منسوخه . قال أبو بكر حدثنا يعقوب عن أبي النضر عن محمد بن راشد عن مكحول أن رسول الله ص استعمل خالد بن سعيد بن العاص على عمل فقدم بعد ما قبض رسول الله ص و قد بايع الناس أبا بكر فدعاه إلى البيعة فأبى فقال عمر دعني و إياه فمنعه أبو بكر حتى مضت عليه سنة ثم مر به أبو بكر و هو جالس على بابه فناداه خالد يا أبا بكر هل لك في البيعة قال نعم قال فادن فدنا منه فبايعه خالد و هو قاعد على بابه . قال أبو بكر و حدثنا أبو يوسف يعقوب بن شيبة عن خالد بن مخلد عن يحيى بن عمر قال حدثني أبو جعفر الباقر قال جاء أعرابي إلى أبي بكر على عهد رسول الله ص و قال له أوصني فقال لا تأمر على اثنين ثم إن الأعرابي شخص إلى الربذة فبلغه بعد ذلك وفاة رسول الله ص فسأل عن أمر الناس من وليه فقيل أبو بكر فقدم الأعرابي إلى المدينة فقال لأبي بكر أ لست أمرتني ألا أتأمر على اثنين قال بلى قال فما بالك فقال أبو بكر لم أجد لها أحدا غيري أحق مني قال ثم رفع أبو جعفر الباقر يديه و خفضهما فقال صدق صدق . قال أبو بكر و قد روي هذا الخبر برواية أتم من هذه الرواية حدثنا يعقوب بن شيبة قال حدثنا يحيى بن حماد قال حدثنا أبو عوانة عن سليمان الأعمش عن سليمان بن ميسرة عن طارق بن شهاب عن رافع بن أبي رافع الطائي قال بعث رسول الله ص جيشا فأمر عليهم عمرو بن العاص و فيهم أبو بكر و عمر و أمرهم [ 42 ] أن يستنفروا من مروا به فمروا علينا فاستنفرونا فنفرنا معهم في غزاة ذات السلاسل و هي التي تفخر بها أهل الشام فيقولون استعمل رسول الله ص عمرو بن العاص على جيش فيه أبو بكر و عمر قال فقلت و الله لأختارن في هذه الغزاة لنفسي رجلا من أصحاب رسول الله ص أستهديه فإني لست أستطيع إتيان المدينة فاخترت أبا بكر و لم آل و كان له كساء فدكي يخله عليه إذا ركب و يلبسه إذا نزل و هو الذي عيرته به هوازن بعد النبي ص و قالوا لا نبايع ذا الخلال قال فلما قضينا غزاتنا قلت له يا أبا بكر إني قد صحبتك و إن لي عليك حقا فعلمني شيئا أنتفع به فقال قد كنت أريد ذلك لو لم تقل لي تعبد الله لا تشرك به شيئا و تقيم الصلاة المكتوبة و تؤدي الزكاة المفروضة و تحج البيت و تصوم شهر رمضان و لا تتأمر على رجلين فقلت أما العبادات فقد عرفتها أ رأيت نهيك لي عن الإمارة و هل يصيب الناس الخير و الشر إلا بالإمارة فقال إنك استجهدتني فجهدت لك إن الناس دخلوا في الإسلام طوعا و كرها فأجارهم الله من الظلم فهم جيران الله و عواد الله و في ذمة الله فمن يظلم منكم إنما يحقر ربه و الله إن أحدكم ليأخذ شويهة جاره أو بعيره فيظل عمله بأسا بجاره و الله من وراء جاره قال فلم يلبث إلا قليلا حتى أتتنا وفاة رسول الله ص فسألت من استخلف بعده قيل أبو بكر قلت أ صاحبي الذي كان ينهاني عن الإمارة فشددت على راحلتي فأتيت المدينة فجعلت أطلب خلوته حتى قدرت عليها فقلت أ تعرفني أنا فلان بن فلان أ تعرف وصية أوصيتني بها قال نعم إن رسول الله قبض و الناس حديثو عهد بالجاهلية فخشيت أن يفتتنوا و أن أصحابي حملونيها فما زال يعتذر إلي حتى عذرته و صار من أمري بعد أن صرت عريفا . قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد عمر بن شبة عن رجاله عن الشعبي قال قام الحسن بن علي ع إلى أبي بكر و هو يخطب على المنبر فقال له انزل عن منبر أبي فقال [ 43 ] أبو بكر صدقت و الله إنه لمنبر أبيك لا منبر أبي فبعث علي إلى أبي بكر إنه غلام حدث و إنا لم نأمره فقال أبو بكر صدقت إنا لم نتهمك . قال أبو بكر و روى أبو زيد عن حباب بن يزيد عن جرير عن المغيرة أن سلمان و الزبير و بعض الأنصار كان هواهم أن يبايعوا عليا بعد النبي ص فلما بويع أبو بكر قال سلمان للصحابة أصبتم الخير و لكن أخطأتم المعدن قال و في رواية أخرى أصبتم ذا السن منكم و لكنكم أخطأتم أهل بيت نبيكم أما لو جعلتموها فيهم ما اختلف منكم اثنان و لأكلتموها رغدا . قلت هذا الخبر هو الذي رواه المتكلمون في باب الإمامة عن سلمان أنه قال كرديد و نكرديد تفسره الشيعة فتقول أراد أسلمتم و ما أسلمتم و يفسره أصحابنا فيقولون معناه أخطأتم و أصبتم . قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال حدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا غسان بن عبد الحميد قال لما أكثر في تخلف علي عن البيعة و اشتد أبو بكر و عمر في ذلك خرجت أم مسطح بن أثاثة فوقفت عند قبر النبي ص و نادته يا رسول الله
قد كان بعدك أنباء و هينمة قال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز و سمعت أبا زيد عمر بن شبة يحدث رجلا بحديث لم أحفظ إسناده قال مر المغيرة بن شعبة بأبي بكر و عمر و هما جالسان على باب النبي حين قبض فقال ما يقعدكما قالا ننتظر هذا الرجل يخرج فنبايعه يعنيان عليا فقال أ تريدون أن تنظروا حبل الحبلة من أهل هذا البيت وسعوها في قريش تتسع . [ 44 ] قال فقاما إلى سقيفة بني ساعدة أو كلاما هذا معناه . قال أبو بكر و أخبرنا أبو جعفر محمد بن عبد الملك الواسطي عن يزيد بن هارون عن سفيان بن حسين عن الزهري عن أنس بن مالك قال لما مرض رسول الله مرضه الذي مات فيه أتاه بلال يؤذنه بالصلاة فقال بعد مرتين يا بلال قد أبلغت فمن شاء فليصل بالناس و من شاء فليدع . قال و رفعت الستور عن رسول الله فنظرنا إليه كأنه ورقة بيضاء و عليه خميصة له فرجع إليه بلال فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس قال فما رأيناه بعد ذلك ع . و قال أبو بكر و حدثني أبو الحسن علي بن سليمان النوفلي قال سمعت أبيا يقول ذكر سعد بن عبادة يوما عليا بعد يوم السقيفة فذكر أمرا من أمره نسيه أبو الحسن يوجب ولايته فقال له ابنه قيس بن سعد أنت سمعت رسول الله ص يقول هذا الكلام في علي بن أبي طالب ثم تطلب الخلافة و يقول أصحابك منا أمير و منكم أمير لا كلمتك و الله من رأسي بعد هذا كلمة أبدا . قال أبو بكر و حدثني أبو الحسن علي بن سليمان النوفلي قال حدثني أبي قال حدثني شريك بن عبد الله عن إسماعيل بن خالد عن زيد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده قال قال علي كنت مع الأنصار لرسول الله ص على السمع و الطاعة له في المحبوب و المكروه فلما عز الإسلام و كثر أهله قال يا علي زد فيها على أن تمنعوا رسول الله و أهل بيته مما تمنعون منه أنفسكم و ذراريكم قال فحملها على ظهور القوم فوفى بها من وفى و هلك من هلك . قلت هذا يطابق ما رواه أبو الفرج الأصفهاني في كتاب مقاتل الطالبيين أن [ 45 ] جعفر بن محمد ع وقف مستترا في خفية يشاهد المحامل التي حمل عليها عبد الله بن الحسن و أهله في القيود و الحديد من المدينة إلى العراق فلما مروا به بكى و قال ما وفت الأنصار و لا أبناء الأنصار لرسول الله ص بايعهم على أن يمعنوا محمدا و أبناءه و أهله و ذريته مما يمنعون منه أنفسهم و أبناءهم و أهلهم و ذراريهم فلم يفوا اللهم اشدد وطأتك على الأنصار قال أبو بكر و حدثنا أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد قال حدثنا أحمد بن الحكم قال حدثنا عبد الله بن وهب عن ليث بن سعد قال تخلف علي عن بيعة أبي بكر فأخرج ملببا يمضى به ركضا و هو يقول معاشر المسلمين علام تضرب عنق رجل من المسلمين لم يتخلف لخلاف و إنما تخلف لحاجة فما مر بمجلس من المجالس إلا يقال له انطلق فبايع قال أبو بكر و حدثنا علي بن جرير الطائي قال حدثنا ابن فضل عن الأجلح عن حبيب بن ثعلبة بن يزيد قال سمعت عليا يقول أما و رب السماء و الأرض ثلاثا إنه لعهد النبي الأمي إلي لتغدرن بك الأمة من بعدي . قال أبو بكر و حدثنا أبو زيد عمر بن شبة بإسناد رفعه إلى ابن عباس قال إني لأماشي عمر في سكة من سكك المدينة يده في يدي فقال يا ابن عباس ما أظن صاحبك إلا مظلوما فقلت في نفسي و الله لا يسبقني بها فقلت يا أمير المؤمنين فاردد إليه ظلامته فانتزع يده من يدي ثم مر يهمهم ساعة ثم وقف فلحقته فقال لي يا ابن عباس ما أظن القوم منعهم من صاحبك إلا أنهم استصغروه فقلت في نفسي هذه شر من الأولى فقلت و الله ما استصغره الله حين أمره أن يأخذ سورة براءة من أبي بكر [ 46 ] |