أخبار الجبناء و ذكر نوادرهم

و من أخبار الجبناء ما رواه ابن قتيبة في كتاب عيون الأخبار قال رأى عمرو بن العاص معاوية يوما فضحك و قال مم تضحك يا أمير المؤمنين أضحك الله سنك قال أضحك من حضور ذهنك عند إبدائك سوءتك يوم ابن أبي طالب و الله لقد وجدته منانا كريما و لو شاء أن يقتلك لقتلك فقال عمرو يا أمير المؤمنين أما و الله إني لعن يمينك حين دعاك إلى البراز فأحولت عيناك و انفتح سحرك و بدا منك ما أكره ذكره لك فمن نفسك فاضحك أو فدع قال ابن قتيبة و قدم الحجاج على الوليد بن عبد الملك و عليه درع و عمامة سوداء و قوس عربية و كنانة فبعثت أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان إلى الوليد و هي تحته يومئذ من هذا الأعرابي المستلئم في الصلاح عندك على خلوة و أنت في غلالة

[ 108 ]

فأرسل إليها الوليد أنه الحجاج فأعادت عليه الرسول و الله لأن يخلو بك ملك الموت أحب إلي من أن يخلو بك الحجاج فضحك و أخبر الحجاج بقولها و هو يمازحه فقال الحجاج يا أمير المؤمنين دع عنك مفاكهة النساء بزخرف القول فإنما المرأة ريحانة و ليست بقهرمانة فلا تطلعها على سرك و مكايدة عدوك . فلما انصرف الحجاج و دخل الوليد على امرأته أخبرها بمقالة الحجاج فقالت يا أمير المؤمنين حاجتي إليك اليوم أن تأمره غدا أن يأتيني مستلئما ففعل ذلك و أتاها الحجاج فحجبته ثم أدخلته و لم تأذن له في القعود فلم يزل قائما ثم قالت إيه يا حجاج أنت الممتن على أمير المؤمنين بقتلك ابن الزبير و ابن الأشعث أما و الله لو لا أن الله علم أنك شر خلقه ما ابتلاك برمي الكعبة الحرام و لا بقتل ابن ذات النطاقين أول مولود في الإسلام و أما نهيك أمير المؤمنين عن مفاكهة النساء و بلوغ لذاته و أوطاره فإن كن ينفرجن عن مثلك فما أحقه بالقبول منك و إن كن ينفرجن عن مثله فهو غير قابل لقولك أما و الله لو نفض نساء أمير المؤمنين الطيب من غدائرهن فبعنه في أعطية أهل الشام حين كنت في أضيق من القرن قد أظلتك الرماح و أثخنك الكفاح و حين كان أمير المؤمنين أحب إليهم من آبائهم و أبنائهم فأنجاك الله من عدو أمير المؤمنين بحبهم إياه قاتل الله القائل حين ينظر إليك و سنان غزالة بين كتفيك

أسد علي و في الحروب نعامة
ربداء تنفر من صفير الصافر
هلا برزت إلى غزالة في الوغى
أم كان قلبك في جناحي طائر

ثم قالت لجواريها أخرجنه فاخرج .

[ 109 ]

و من طريف حكايات الجبناء ما ذكره ابن قتيبة أيضا في الكتاب المذكور قال كان بالبصرة شيخ من بني نهشل بن دارم يقال له عروة بن مرثد و يكنى أبا الأعز ينزل في بني أخت له من الأزد في سكة بني مازن فخرج رجالهم إلى ضياعهم في شهر رمضان و خرج النساء يصلين في مسجدهم و لم يبق في الدار إلا إماء فدخل كلب يتعسس فرأى بيتا مفتوحا فدخله و انصفق الباب عليه فسمع بعض الإماء الحركة فظنوا أنه لص دخل الدار فذهبت إحداهن إلى أبي الأعز فأخبرته فقال أبو الأعز إلام يبتغي اللص عندنا و أخذ عصاه و جاء حتى وقف بباب البيت و قال إيه يا فلان أما و الله إني بك لعارف فهل أنت من لصوص بني مازن شربت حامضا خبيثا حتى إذا دارت في رأسك منتك نفسك الأماني و قلت أطرق دور بني عمرو و الرجال خلوف و النساء يصلين في مسجدهن فأسرقهم سوءة لك و الله ما يفعل هذا ولد الأحرار و ايم الله لتخرجن أو لأهتفن هتفة مشئومة يلتقي فيها الحيان عمرو و حنظلة و تجي‏ء سعد عدد الحصى و تسيل عليك الرجال من هنا و هنا و لئن فعلت لتكونن أشأم مولود . فلما رأى أنه لا يجيبه أخذه باللين فقال اخرج بأبي أنت مستورا و الله ما أراك تعرفني و لو عرفتني لقنعت بقولي و اطمأننت إلى ابن أختي البار الوصول أنا فديتك أبو الأعز النهشلي و أنا خال القوم و جلدة بين أعينهم لا يعصونني و لا تضار الليلة و أنت في ذمتي و عندي قوصرتان أهداهما إلى ابن أختي البار الوصول فخذ إحداهما فانبذها حلالا من الله و رسوله . و كان الكلب إذا سمع الكلام أطرق و إذا سكت أبو الأعز وثب يريد المخرج فتهانف أبو الأعز ثم تضاحك و قال يا ألأم الناس و أوضعهم أ لا أراني لك منذ الليلة

[ 110 ]

في واد و أنت لي في واد آخر أقبلت السوداء و البيضاء فتصيح و تطرق فإذا سكت عنك وثبت تريد الخروج و الله لتخرجن أو لألجن عليك البيت . فلما طال وقوفه جاءت إحدى الإماء فقالت أعرابي مجنون و الله ما أرى في البيت شيئا فدفعت الباب فخرج الكلب شاردا و حاد عنه أبو الأعز ساقطا على قفاه شائلة رجلاه و قال تالله ما رأيت كالليلة هذه ما أراه إلا كلبا و لو علمت بحاله لولجت عليه . و نظير هذه الحكاية حكاية أبي حية النميري و كان جبانا قيل كان لأبي حية سيف ليس بينه و بين الخشب فرق كان يسميه لعاب المنية فحكى عنه بعض جيرانه أنه قال أشرفت عليه ليلة و قد انتضاه و هو واقف بباب بيت في داره و قد سمع فيه حسا و هو يقول أيها المغتر بنا المجترئ علينا بئس و الله ما اخترت لنفسك خير قليل و سيف صقيل لعاب المنية الذي سمعت به مشهورة صولته و لا تخاف نبوته اخرج بالعفو عنك لا أدخل بالعقوبة عليك إني و الله إن أدع قيسا تملأ الفضاء عليك خيلا و رجلا سبحان الله ما أكثرها و أطيبها و الله ما أنت ببعيد من تابعها و الرسوب في تيار لجتها . و قال وهبت ريح ففتحت الباب فخرج كلب يشتد فلبط بأبي حية و أربد و شغر برجليه و تبادرت إليه نساء الحي فقلن يا أبا حية لتفرخ روعتك إنما هو كلب فجلس و هو يقول الحمد لله الذي مسخك كلبا و كفاني حربا . و خرج مغيرة بن سعيد العجلي في ثلاثين رجلا ظهر الكوفة فعطعطوا و خالد بن عبد الله القسري أمير العراق يخطب على المنبر فعرق و اضطرب و تحير و جعل يقول أطعموني ماء فهجاه ابن نوفل فقال

[ 111 ]

أ خالد لا جزاك الله خيرا
و أيري في حرامك من أمير
تروم الفخر في أعراب قسر
كأنك من سراة بني جرير
جرير من ذوي يمن أصيل
كريم الأصل ذو خطر كبير
و أمك علجة و أبوك وغد
و ما الأذناب عدل للصدور
و كنت لدى المغيرة عبد سوء
تبول من المخافة للزئير
لأعلاج ثمانية و شيخ
كبير السن ليس بذي ضرير
صرخت من المخافة أطعموني
شرابا ثم بلت على السرير

و قال آخر يعيره بذلك

بل المنابر من خوف و من دهش
و استطعم الماء لما جد في الهرب

و من كلام ابن المقفع في ذم الجبن الجبن مقتلة و الحرص محرمة فانظر فيما رأيت و سمعت من قتل في الحرب مقبلا أكثر أم من قتل مدبرا و انظر من يطلب إليك بالإجمال و التكرم أحق أن تسخو نفسك له بالعطية أم من يطلب ذلك بالشره و الحرص

[ 112 ]