أمر عمرو بن العاص في صفين

و أما خبر عمرو في صفين و اتقائه حملة علي ع بطرحه نفسه على الأرض و إبداء سوأته فقد ذكره كل من صنف في السير كتابا و خصوصا الكتب الموضوعة لصفين .

[ 313 ]

قال نصر بن مزاحم في كتاب صفين قال حدثنا محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي عمرو و عن عبد الرحمن بن حاطب قال كان عمرو بن العاص عدوا للحارث بن نضر الخثعمي و كان من أصحاب علي ع و كان علي ع قد تهيبته فرسان الشام و ملأ قلوبهم بشجاعته و امتنع كل منهم من الإقدام عليه و كان عمرو قلما جلس مجلسا إلا ذكر فيه الحارث بن نضر الخثعمي و عابه فقال الحارث

ليس عمرو بتارك ذكره الحارث
بالسوء أو يلاقي عليا
واضع السيف فوق منكبه الأيمن
لا يحسب الفوارس شيا
ليت عمرا يلقاه في حومة النقع
و قد أمست السيوف عصيا
حيث يدعو للحرب حامية القوم
إذا كان بالبراز مليا
فالقه إن أردت مكرمة الدهر
أو الموت كل ذاك عليا

فشاعت هذه الأبيات حتى بلغت عمرا فأقسم بالله ليلقين عليا و لو مات ألف موتة فلما اختلطت الصفوف لقيه فحمل عليه برمحه فتقدم علي ع و هو مخترط سيفا

[ 314 ]

معتقل رمحا فلما رهقه همز فرسه ليعلو عليه فألقى عمرو نفسه عن فرسه إلى الأرض شاغرا برجليه كاشفا عورته فانصرف عنه لافتا وجهه مستدبرا له فعد الناس ذلك من مكارمه و سؤدده و ضرب بها المثل . قال نصر و حدثني محمد بن إسحاق قال اجتمع عند معاوية في بعض ليالي صفين عمرو بن العاص و عتبة بن أبي سفيان و الوليد بن عقبة و مروان بن الحكم و عبد الله بن عامر و ابن طلحة الطلحات الخزاعي فقال عتبة إن أمرنا و أمر علي بن أبي طالب لعجب ما فينا إلا موتور مجتاح . أما أنا فقتل جدي عتبة بن ربيعة و أخي حنظلة و شرك في دم عمي شيبة يوم بدر . و أما أنت يا وليد فقتل أباك صبرا و أما أنت يا ابن عامر فصرع أباك و سلب عمك . و أما أنت يا ابن طلحة فقتل أباك يوم الجمل و أيتم إخوتك و أما أنت يا مروان فكما قال الشاعر

و أفلتهن علباء جريضا
و لو أدركنه صفر الوطاب

فقال معاوية هذا الإقرار فأين الغير قال مروان و أي غير تريد قال أريد أن تشجروه بالرماح قال و الله يا معاوية ما أراك إلا هاذيا أو هازئا و ما أرانا إلا ثقلنا عليك فقال ابن عقبة

يقول لنا معاوية بن حرب
أ ما فيكم لواتركم طلوب
يشد على أبي حسن علي
بأسمر لا تهجنه الكعوب

[ 315 ]

فيهتك مجمع اللبات منه
و نقع الحرب مطرد يئوب
فقلت له أ تلعب يا ابن هند
كأنك بيننا رجل غريب
أ تغرينا بحية بطن واد
إذا نهشت فليس لها طبيب
و ما ضبع يدب ببطن واد
أتيح له به أسد مهيب
بأضعف حيلة منا إذا ما
لقيناه و لقياه عجيب
سوى عمرو وقته خصيتاه
و كان لقلبه منه وجيب
كان القوم لما عاينوه
خلال النقع ليس لهم قلوب
لعمر أبي معاوية بن حرب
و ما ظني ستلحقه العيوب
لقد ناداه في الهيجا علي
فأسمعه و لكن لا يجيب

فغضب عمرو و قال إن كان الوليد صادقا فليلق عليا أو فليقف حيث يسمع صوته . و قال عمرو

يذكرني الوليد دعا علي
و نطق المرء يملؤه الوعيد
متى تذكر مشاهده قريش
يطر من خوفه القلب الشديد
فأما في اللقاء فأين منه
معاوية بن حرب و الوليد
و عيرني الوليد لقاء ليث
إذا ما شد هابته الأسود
لقيت و لست أجهله عليا
و قد بلت من العلق اللبود
فأطعنه و يطعني خلاسا
و ما ذا بعد طعنته أريد
فرمها منه يا ابن أبي معيط
و أنت الفارس البطل النجيد
و أقسم لو سمعت ندا علي
لطار القلب و انتفخ الوريد

[ 316 ]

و لو لاقيته شقت جيوب
عليك و لطمت فيك الخدود

و ذكر أبو عمر بن عبد البر في كتاب الإستيعاب في باب بسر بن أرطاة قال كان بسر من الأبطال الطغاة و كان مع معاوية بصفين فأمره أن يلقى عليا ع في القتال و قال له إني سمعتك تتمنى لقاءه فلو أظفرك الله به و صرعته حصلت على الدنيا و الآخرة و لم يزل يشجعه و يمنيه حتى رأى عليا في الحرب فقصده و التقيا فصرعه علي ع و عرض له معه مثل ما عرض له مع عمرو بن العاص في كشف السوأة . قال أبو عمر و ذكر ابن الكلبي في كتابه في أخبار صفين أن بسر بن أرطاة بارز عليا يوم صفين فطعنه علي ع فصرعه فانكشف له فكف عنه كما عرض له مثل ذلك مع عمرو بن العاص . قال و للشعراء فيهما أشعار مذكورة في موضعها من ذلك الكتاب منها فيما ذكر ابن الكلبي و المدائني قول الحارث بن نضر الخثعمي و كان عدوا لعمرو بن العاص و بسر بن أرطاة

أ في كل يوم فارس لك ينتهي
و عورته وسط العجاحة باديه
يكف لها عنه علي سنانه
و يضحك منها في الخلاء معاوية

[ 317 ]

بدت أمس من عمرو فقنع رأسه
و عورة بسر مثلها حذو حاذيه
فقولا لعمرو ثم بسر ألا انظرا
لنفسكما لا تلقيا الليث ثانيه
و لا تحمدا إلا الحيا و خصاكما
هما كانتا و الله للنفس واقيه
و لولاهما لم تنجوا من سنانه
و تلك بما فيها إلى العود ناهيه
متى تلقيا الخيل المغيرة صبحة
و فيها علي فاتركا الخيل ناحيه
و كونا بعيدا حيث لا يبلغ القنا
نحوركما إن التجارب كافيه

و روى الواقدي قال قال معاوية يوما بعد استقرار الخلافة له لعمرو بن العاص يا أبا عبد الله لا أراك إلا و يغلبني الضحك قال بما ذا قال أذكر يوم حمل عليك أبو تراب في صفين فأزريت نفسك فرقا من شبا سنانه و كشفت سوأتك له فقال عمرو أنا منك أشد ضحكا إني لأذكر يوم دعاك إلى البراز فانتفخ سحرك و ربا لسانك في فمك و غصصت بريقك و ارتعدت فرائصك و بدا منك ما أكره ذكره لك فقال معاوية لم يكن هذا كله و كيف يكون و دوني عك و الأشعريون قال إنك لتعلم أن الذي وصفت دون ما أصابك و قد نزل ذلك بك و دونك عك و الأشعريون فكيف كانت حالك لو جمعكما مأقط الحرب فقال يا أبا عبد الله خض بنا الهزل إلى الجد إن الجبن و الفرار من علي لا عار على أحد فيهما

[ 318 ]