نبذ من أخبار عقيل بن أبي طالب

و عقيل هو عقيل بن أبي طالب ع بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف أخو أمير المؤمنين ع لأمه و أبيه و كان بنو أبي طالب أربعة طالب و هو أسن من عقيل بعشر سنين و عقيل و هو أسن من جعفر بعشر سنين و جعفر و هو أسن من علي بعشر سنين و علي و هو أصغرهم سنا و أعظمهم قدرا بل و أعظم الناس بعد ابن عمه قدرا . و كان أبو طالب يحب عقيلا أكثر من حبه سائر بنيه فلذلك قال للنبي ص و للعباس حين أتياه ليقتسما بنيه عام المحل فيخففا عنه ثقلهم دعوا لي عقيلا و خذوا من شئتم فأخذ العباس جعفرا و أخذ محمد ص عليا ع . و كان عقيل يكنى أبا يزيد

قال له رسول الله ص يا أبا يزيد إني أحبك حبين حبا لقرابتك مني و حبا لما كنت أعلم من حب عمي إياك . أخرج عقيل إلى بدر مكرها كما أخرج العباس فأسر و فدي و عاد إلى مكة ثم أقبل مسلما مهاجرا قبل الحديبية و شهد غزوة مؤتة مع أخيه جعفر ع و توفي في خلافة معاوية في سنة خمسين و عمره ست و تسعون سنة . و له دار بالمدينة معروفة و خرج إلى العراق ثم إلى الشام ثم عاد إلى المدينة و لم يشهد مع أخيه أمير المؤمنين ع شيئا من حروبه أيام خلافته و عرض نفسه و ولده عليه فأعفاه و لم يكلفه حضور الحرب . و كان أنسب قريش و أعلمهم بأيامها و كان مبغضا إليهم لأنه كان يعد مساوئهم

[ 251 ]

و كانت له طنفسة تطرح في مسجد رسول الله ص فيصلي عليها و يجتمع إليه الناس في علم النسب و أيام العرب و كان حينئذ قد ذهب بصره و كان أسرع الناس جوابا و أشدهم عارضة . كان يقال إن في قريش أربعة يتحاكم إليهم في علم النسب و أيام قريش و يرجع إلى قولهم عقيل بن أبي طالب و مخرمة بن نوفل الزهري و أبو الجهم بن حذيفة العدوي و حويط بن عبد العزى العامري . و اختلف الناس في عقيل هل التحق بمعاوية و أمير المؤمنين حي فقال قوم نعم و رووا أن معاوية قال يوما و عقيل عنده هذا أبو زيد لو لا علمه أني خير له من أخيه لما أقام عندنا و تركه فقال عقيل أخي خير لي في ديني و أنت خير لي في دنياي و قد آثرت دنياي أسأل الله خاتمة خير . و قال قوم إنه لم يعد إلى معاوية إلا بعد وفاة أمير المؤمنين ع و استدلوا على ذلك بالكتاب الذي كتبه إليه في آخر خلافته و الجواب الذي أجابه ع و قد ذكرناه فيما تقدم و سيأتي ذكره أيضا في باب كتبه ع و هذا القول هو الأظهر عندي و روى المدائني قال قال معاوية يوما لعقيل بن أبي طالب هل من حاجة فأقضيها لك قال نعم جارية عرضت علي و أبى أصحابها أن يبيعوها إلا بأربعين ألفا فأحب معاوية أن يمازحه فقال و ما تصنع بجارية قيمتها أربعون ألفا و أنت أعمى تجتزئ بجارية قيمتها خمسون درهما قال أرجو أن أطأها فتلد لي غلاما إذا أغضبته يضرب عنقك بالسيف فضحك معاوية و قال مازحناك يا أبا يزيد و أمر فابتيعت له الجارية

[ 252 ]

التي أولد منها مسلما فلما أتت على مسلم ثماني عشرة سنة و قد مات عقيل أبوه قال لمعاوية يا أمير المؤمنين إن لي أرضا بمكان كذا من المدينة و إني أعطيت بها مائة ألف و قد أحببت أن أبيعك إياها فادفع إلي ثمنها فأمر معاوية بقبض الأرض و دفع الثمن إليه .

فبلغ ذلك الحسين ع فكتب إلى معاوية أما بعد فإنك غررت غلاما من بني هاشم فابتعت منه أرضا لا يملكها فاقبض من الغلام ما دفعته إليه و اردد إلينا أرضنا . فبعث معاوية إلى مسلم فأخبره ذلك و أقرأه كتاب الحسين ع و قال اردد علينا مالنا و خذ أرضك فإنك بعت ما لا تملك فقال مسلم أما دون أن أضرب رأسك بالسيف فلا فاستلقى معاوية ضاحكا يضرب برجليه فقال يا بني هذا و الله كلام قاله لي أبوك حين ابتعت له أمك . ثم كتب إلى الحسين إني قد رددت عليكم الأرض و سوغت مسلما ما أخذ فقال الحسين ع أبيتم يا آل أبي سفيان إلا كرما . و قال معاوية لعقيل يا أبا يزيد أين يكون عمك أبو لهب اليوم قال إذا دخلت جهنم فاطلبه تجده مضاجعا لعمتك أم جميل بنت حرب بن أمية . و قالت له زوجته ابنة عتبة بن ربيعة يا بني هاشم لا يحبكم قلبي أبدا أين عمي أين أخي كان أعناقهم أباريق الفضة ترى آنافهم الماء قبل شفاههم قال إذا دخلت جهنم فخذي على شمالك .

[ 253 ]

سأل معاوية عقيلا عن قصة الحديدة المحماة المذكورة فبكى و قال أنا أحدثك يا معاوية عنه ثم أحدثك عما سألت نزل بالحسين ابنه ضيف فاستسلف درهما اشترى به خبزا و احتاج إلى الإدام فطلب من قنبر خادمهم أن يفتح له زقا من زقاق عسل جاءتهم من اليمن فأخذ منه رطلا فلما طلبها ع ليقسمها قال يا قنبر أظن أنه حدث بهذا الزق حدث فأخبره فغضب ع و قال علي بحسين فرفع عليه الدرة فقال بحق عمي جعفر و كان إذا سئل بحق جعفر سكن فقال له ما حملك أن أخذت منه قبل القسمة قال إن لنا فيه حقا فإذا أعطيناه رددناه قال فداك أبوك و إن كان لك فيه حق فليس لك أن تنتفع بحقك قبل أن ينتفع المسلمون بحقوقهم أما لو لا أني رأيت رسول الله ص يقبل ثنيتك لأوجعتك ضربا ثم دفع إلى قنبر درهما كان مصرورا في ردائه و قال اشتر به خير عسل تقدر عليه قال عقيل و الله لكأني أنظر إلى يدي علي و هي على فم الزق و قنبر يقلب العسل فيه ثم شده و جعل يبكي و يقول اللهم اغفر لحسين فإنه لم يعلم . فقال معاوية ذكرت من لا ينكر فضله رحم الله أبا حسن فلقد سبق من كان قبله و أعجز من يأتي بعده هلم حديث الحديدة .

قال نعم أقويت و أصابتني مخمصة شديدة فسألته فلم تند صفاته فجمعت صبياني و جئته بهم و البؤس و الضر ظاهران عليهم فقال ائتني عشية لأدفع إليك شيئا فجئته يقودني أحد ولدي فأمره بالتنحي ثم قال أ لا فدونك فأهويت حريصا قد غلبني الجشع أظنها صرة فوضعت يدي على حديدة تلتهب نارا فلما قبضتها نبذتها و خرت كما يخور الثور تحت يد جازره فقال لي ثكلتك أمك هذا من حديدة

[ 254 ]

أوقدت لها نار الدنيا فكيف بك و بي غدا إن سلكنا في سلاسل جهنم ثم قرأ إِذِ اَلْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَ اَلسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ . ثم قال ليس لك عندي فوق حقك الذي فرضه الله لك إلا ما ترى فانصرف إلى أهلك . فجعل معاوية يتعجب و يقول هيهات هيهات عقمت النساء أن يلدن مثله

[ 255 ]