فضل بني هاشم على بني عبد شمس

و ينبغي أن نذكر في هذا الموضع فضل هاشم على عبد شمس في الجاهلية و قد يمتزج بذلك بعض ما يمتازون به في الإسلام أيضا فإن استقصاءه في الإسلام كثير لأنه لا يمكن جحد ذلك و كيف و الإسلام كله عبارة عن محمد ص و هو هاشمي و يدخل في ضمن ذلك ما يحتج به الأموية أيضا فنقول إن شيخنا أبا عثمان قال إن أشرف خصال قريش في الجاهلية اللواء و الندوة و السقاية و الرفادة و زمزم و الحجابة و هذه الخصال مقسومة في الجاهلية لبني هاشم و عبد الدار و عبد العزى دون بني عبد شمس . قال على أن معظم ذلك صار شرفه في الإسلام إلى بني هاشم لأن النبي ص لما ملك مكة صار مفتاح الكعبة بيده فدفعه إلى عثمان بن طلحة فالشرف راجع إلى من ملك المفتاح لا إلى من دفع إليه و كذلك دفع ص اللواء إلى مصعب بن عمير فالذي دفع اللواء إليه و أخذه مصعب من يديه أحق بشرفه و أولى بمجده و شرفه راجع إلى رهطه من بني هاشم . قال و كان محمد بن عيسى المخزومي أميرا على اليمن فهجاه أبي بن مدلج فقال

قل لابن عيسى المستغيث
من السهولة بالوعورة
الناطق العوراء في
جل الأمور بلا بصيرة
ولد المغيرة تسعة
كانوا صناديد العشيرة

[ 199 ]

و أبوك عاشرهم كما
نبتت مع النخل الشعيرة
إن النبوة و الخلافة
و السقاية و المشورة
في غيركم فاكفف إليك
يدا مجذمة قصيرة

قال فانبرى له شاعر من ولد كريز بن حبيب بن عبد شمس كان مع محمد بن عيسى باليمن يهجو عنه ابن مدلج في كلمة له طويلة قال فيها

لا لواء يعد يا ابن كريز
لا و لا رفد بيته ذي السناء
لا حجاب و ليس فيكم سوى الكبر
و بغض النبي و الشهداء
بين حاك و مخلج و طريد
و قتيل يلعنه أهل السماء
و لهم زمزم كذاك و جبريل
و مجد السقاية الغراء

قال شيخنا أبو عثمان فالشهداء علي و حمزة و جعفر و الحاكي و المخلج هو الحكم بن أبي العاص كان يحكي مشية رسول الله ص فالتفت يوما فرآه فدعا عليه فلم يزل مخلج المشية عقوبة من الله تعالى و الطريد اثنان الحكم بن أبي العاص و معاوية بن المغيرة بن أبي العاص و هما جدا عبد الملك بن مروان من قبل أمه و أبيه . و كان النبي ص طرد معاوية بن المغيرة هذا من المدينة و أجله ثلاثا فحيره الله و لم يزل يتردد في ضلاله حتى بعث في أثره عليا ع و عمارا فقتلاه فأما القتلى فكثير نحو شيبة و عتبة ابني ربيعة و الوليد بن عتبة و حنظلة بن أبي سفيان و عقبة بن أبي معيط و العاص بن سعيد بن أمية و معاوية بن المغيرة و غيرهم قال أبو عثمان و كان اسم هاشم عمرا و هاشم لقب و كان أيضا يقال له القمر و في ذلك يقول مطرود الخزاعي

[ 200 ]

إلى القمر الساري المنير دعوته
و مطعمهم في الأزل من قمع الجزر

قال ذلك في شي‏ء كان بينه و بين بعض قريش فدعاه مطرود إلى المحاكمة إلى هاشم و قال ابن الزبعرى

كانت قريش بيضة فتفلقت
فالمخ خالصة لعبد مناف
الرائشون و ليس يوجد رائش
و القائلون هلم للأضياف
عمرو العلي هشم الثريد لقومه
و رجال مكة مسنتون عجاف

فعم كما ترى أهل مكة بالأزل و العجف و جعله الذي هشم لهم الخبز ثريدا فغلب هذا اللقب على اسمه حتى صار لا يعرف إلا به و ليس لعبد شمس لقب كريم و لا اشتق له من صالح أعماله اسم شريف و لم يكن لعبد شمس ابن يأخذ بضبعه و يرفع من قدره و يزيد في ذكره و لهاشم عبد المطلب سيد الوادي غير مدافع أجمل الناس جمالا و أظهرهم جودا و أكملهم كمالا و هو صاحب الفيل و الطير الأبابيل و صاحب زمزم و ساقي الحجيج و ولد عبد شمس أمية بن عبد شمس و أمية في نفسه ليس هناك و إنما ذكر بأولاده و لا لقب له و لعبد المطلب لقب شهير و اسم شريف شيبة الحمد قال مطرود الخزاعي في مدحه

يا شيبة الحمد الذي تثني له
أيامه من خير ذخر الذاخر
المجد ما حجت قريش بيته
و دعا هذيل فوق غصن ناضر
و الله لا أنساكم و فعالكم
حتى أغيب في سفاه القابر

و قال حذافة بن غانم العدوي و هو يمدح أبا لهب و يوصي ابنه خارجة بن حذافة بالانتماء إلى بني هاشم

أ خارج إما أهلكن فلا تزل
لهم شاكرا حتى تغيب في القبر

[ 201 ]

بني شيبة الحمد الكريم فعاله
يضي‏ء ظلام الليل كالقمر البدر
لساقي الحجيج ثم للشيخ هاشم
و عبد مناف ذلك السيد الغمر
أبو عتبة الملقى إلي جواره
أغر هجان اللون من نفر غر
أبوكم قصي كان يدعى مجمعا
به جمع الله القبائل من فهر

فأبو عتبة هو أبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم و ابناه عتبة و عتيبة و قال العبدي حين احتفل في الجاهلية فلم يترك

لا ترى في الناس حيا مثلنا
ما خلا أولاد عبد المطلب

و إنما شرف عبد شمس بأبيه عبد مناف بن قصي و بني ابنه أمية بن عبد شمس و هاشم شرف بنفسه و بأبيه عبد مناف و بابنه عبد المطلب و الأمر في هذا بين و هو كما أوضحه الشاعر في قوله

إنما عبد مناف جوهر
زين الجوهر عبد المطلب

قال أبو عثمان و لسنا نقول إن عبد شمس لم يكن شريفا في نفسه و لكن الشرف يتفاضل و قد أعطى الله عبد المطلب في زمانه و أجرى على يديه و أظهر من كرامته ما لا يعرف مثله إلا لنبي مرسل و إن في كلامه لأبرهة صاحب الفيل و توعده إياه برب الكعبة و تحقيق قوله من الله تعالى و نصره وعيده بحبس الفيل و قتل أصحابه بالطير الأبابيل و حجارة السجيل حتى تركوا كالعصف المأكول لأعجب البرهانات و أسنى الكرامات و إنما كان ذلك إرهاصا لنبوة النبي ص و تأسيسا لما يريده الله به من الكرامة و ليجعل ذلك البهاء متقدما له و مردودا عليه و ليكون أشهر في الآفاق و أجل في صدور الفراعنة و الجبابرة و الأكاسرة و أجدر أن يقهر المعاند و يكشف غباوة الجاهل و بعد فمن يناهض و يناضل رجالا ولدوا محمدا ص و لو عزلنا

[ 202 ]

ما أكرمه الله به من النبوة حتى نقتصر على أخلاقه و مذاهبه و شيمه لما وفى به بشر و لا عدله شي‏ء و لو شئنا أن نذكر ما أعطى الله به عبد المطلب من تفجر العيون و ينابيع الماء من تحت كلكل بعيره و أخفافه بالأرض القسي و بما أعطي من المساهمة و عند المقارعة من الأمور العجيبة و الخصال البائنة لقلنا و لكنا أحببنا ألا نحتج عليكم إلا بالموجود في القرآن الحكيم و المشهور في الشعر القديم الظاهر على ألسنة الخاصة و العامة و رواة الأخبار و حمال الآثار . قال و مما هو مذكور في القرآن عدا حديث الفيل قوله تعالى لِإِيلافِ قُرَيْشٍ و قد اجتمعت الرواة على أن أول من أخذ الإيلاف لقريش هاشم بن عبد مناف فلما مات قام أخوه المطلب مقامه فلما مات قام عبد شمس مقامه فلما مات قام نوفل مقامه و كان أصغرهم و الإيلاف هو أن هاشما كان رجلا كثير السفر و التجارة فكان يسافر في الشتاء إلى اليمن و في الصيف إلى الشام و شرك في تجارته رؤساء القبائل من العرب و من ملوك اليمن و الشام نحو العباهلة باليمن و اليكسوم من بلاد الحبشة و نحو ملوك الروم بالشام فجعل لهم معه ربحا فيما يربح و ساق لهم إبلا مع إبله فكفاهم مئونة الأسفار على أن يكفوه مئونة الأعداء في طريقه و منصرفه فكان في ذلك صلاح عام للفريقين و كان المقيم رابحا و المسافر محفوظا فأخصبت قريش بذلك و حملت معه أموالها و أتاها الخير من البلاد السافلة و العالية و حسنت حالها و طاب عيشها قال و قد ذكر حديث الإيلاف الحارث بن الحنش السلمي و هو خال هاشم و المطلب و عبد شمس فقال

إن أخي هاشما
ليس أخا واحد
الآخذ الإيلاف و
القائم للقاعد

قال أبو عثمان و قيل إن تفسير قوله تعالى وَ آمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ هو خوف من كان هؤلاء الإخوة يمرون به من القبائل و الأعداء و هم مغتربون و معهم

[ 203 ]

الأموال و هذا ما فسرنا به الإيلاف آنفا و قد فسره قوم بغير ذلك قالوا إن هاشما جعل على رؤساء القبائل ضرائب يؤدونها إليه ليحمي بها أهل مكة فإن ذؤبان العرب و صعاليك الأحياء و أصحاب الغارات و طلاب الطوائل كانوا لا يؤمنون على الحرم لا سيما و ناس من العرب كانوا لا يرون للحرم حرمة و لا للشهر الحرام قدرا مثل طيئ و خثعم و قضاعة و بعض بلحارث بن كعب و كيفما كان الإيلاف فإن هاشما كان القائم به دون غيره من إخوته . قال أبو عثمان ثم حلف الفضول و جلالته و عظمته و هو أشرف حلف كان في العرب كلها و أكرم عقد عقدته قريش في قديمها و حديثها قبل الإسلام لم يكن لبني عبد شمس فيه نصيب

قال النبي ص و هو يذكر حلف الفضول لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا لو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت و يكفي في جلالته و شرفه أن رسول الله ص شهده و هو غلام و كان عتبة بن ربيعة يقول لو أن رجلا خرج مما عليه قومه لداخلت في حلف الفضول لما أرى من كماله و شرفه و لما أعلم من قدره و فضيلته . قال و لفضل ذلك الحلف و فضيلة أهله سمي حلف الفضول و سميت تلك القبائل الفضول فكان هذا الحلف في بني هاشم و بني المطلب و بني أسد بن عبد العزى و بني زهرة و بني تميم بن مرة تعاقدوا في دار ابن جدعان في شهر حرام قياما يتماسحون بأكفهم صعدا ليكونن مع المظلوم حتى يؤدوا إليه حقه ما بل بحر صوفة و في التأسي في المعاش و التساهم بالمال و كانت النباهة في هذا الحلف للزبير بن عبد المطلب و لعبد الله بن جدعان أما ابن جدعان فلأن الحلف عقد في داره و أما الزبير فلأنه الذي نهض فيه و دعا إليه و حث عليه و هو الذي سماه حلف الفضول و ذلك لأنه لما سمع الزبيدي المظلوم

[ 204 ]

ثمن سلعته قد أوفى على أبي قبيس قبل طلوع الشمس رافعا عقيرته و قريش في أنديتها قائلا

يا للرجال لمظلوم بضاعته
ببطن مكة نائي الحي و النفر
إن الحرام لمن تمت حرامته
و لا حرام لثوبي لابس الغدر

حمي و حلف ليعقدن حلفا بينه و بين بطون من قريش يمنعون القوي من ظلم الضعيف و القاطن من عنف الغريب ثم قال

حلفت لنعقدن حلفا عليهم
و إن كنا جميعا أهل دار
نسميه الفضول إذا عقدنا
يعز به الغريب لدى الجوار
و يعلم من حوالي البيت أنا
أباة الضيم نهجر كل عار

فبنو هاشم هم الذين سموا ذلك الحلف حلف الفضول و هم كانوا سببه و القائمين به دون جميع القبائل العاقدة له و الشاهدة لأمره فما ظنك بمن شهده و لم يقم بأمره . قال أبو عثمان و كان الزبير بن عبد المطلب شجاعا أبيا و جميلا بهيا و كان خطيبا شاعرا و سيدا جوادا و هو الذي يقول

و لو لا الحمس لم يلبس رجال
ثياب أعزة حتى يموتوا
ثيابهم شمال أو عباء
بها دنس كما دنس الحميت
و لكنا خلقنا إذا خلقنا
لنا الحبرات و المسك الفتيت
و كأس لو تبين لهم كلاما
لقالت إنما لهم سبيت
تبين لنا القذى إن كان فيها
رضين الحلم يشربها هبيت

[ 205 ]

و يقطع نخوة المختال عنا
رقيق الحد ضربته صموت
بكف مجرب لا عيب فيه
إذا لقي الكريهة يستميت

قال و الزبير هو الذي يقول

و أسحم من راح العراق مملا
محيط عليه الجيش جلد مرائره
صبحت به طلقا يراح إلى الندى
إذا ما انتشى لم يختصره معاقره
ضعيف بجنب الكأس قبض بنانه
كليل على جلد النديم أظافره

قال و بنو هاشم هم الذين ردوا على الزبيدي ثمن بضاعته و كانت عند العاص بن وائل و أخذوا للبارقي ثمن سلعته من أبي بن خلف الجمحي و في ذلك يقول البارقي

و يأبى لكم حلف الفضول ظلامتي
بني جمح و الحق يؤخذ بالغصب

و هم الذين انتزعوا من نبيه بن الحجاج قتول الحسناء بنت التاجر الخثعمي و كان كابره عليها حين رأى جمالها و في ذلك يقول نبيه بن الحجاج

و خشيت الفضول حين أتوني
قد أراني و لا أخاف الفضولا
إني و الذي يحج له شمط
إياد و هللوا تهليلا
لبراء مني قتيلة يا للناس
هل يتبعون إلا القتولا

و فيها أيضا يقول

لو لا الفضول و أنه
لا أمن من عروائها
لدنوت من أبياتها
و لطفت حول خبائها

[ 206 ]

في كلمته التي يقول فيها

حي النخيلة إذ نأت
منا على عدوائها
لا بالفراق تنيلنا
شيئا و لا بلقائها
حلت بمكة حلة
في مشيها و وطائها

في رجال كثير انتزعوا منهم الظلامات و لم يكن يظلم بمكة إلا رجال أقوياء و لهم العدد و العارضة منهم من ذكرنا قصته . قال أبو عثمان و لهاشم أخرى لا يعد أحد مثلها و لا يأتي بما يتعلق بها و ذلك أن رؤساء قبائل قريش خرجوا إلى حرب بني عامر متساندين فكان حرب بن أمية على بني عبد شمس و كان الزبير بن عبد المطلب على بني هاشم و كان عبد الله بن جدعان على بني تيم و كان هشام بن المغيرة على بني مخزوم و كان على كل قبيلة رئيس منها فهم متكافئون في التساند و لم يحقق واحد منهم الرئاسة على الجميع ثم آب هاشم بما لا تبلغه يد متناول و لا يطمع فيه طامع و ذلك

أن النبي ص قال شهدت الفجار و أنا غلام فكنت أنبل فيه على عمومتي فنفى مقامه ع أن تكون قريش هي التي فجرت فسميت تلك الحرب حرب الفجار و ثبت أن الفجور إنما كان ممن حاربهم و صاروا بيمنه و بركته و لما يريد الله تعالى من إعزاز أمره و إعظامه الغالبين العالين و لم يكن الله ليشهده فجرة و لا غدرة فصار مشهده نصرا و موضعه فيهم حجة و دليلا . قال أبو عثمان و شرف هاشم متصل من حيث عددت كان الشرف معك كابرا عن كابر و ليس بنو عبد شمس كذلك فإن الحكم بن أبي العاص كان عاديا في الأعلام و لم يكن له سناء في الجاهلية .

[ 207 ]

و أما أمية فلم يكن في نفسه هناك و إنما رفعه أبوه و كان مضعوفا و كان صاحب عهار يدل على ذلك قول نفيل بن عدي جد عمر بن الخطاب حين تنافر إليه حرب بن أمية و عبد المطلب بن هاشم فنفر عبد المطلب و تعجب من إقدام حرب عليه و قال له

أبوك معاهر و أبوه عف
و ذاد الفيل عن بلد حرام

و ذلك أن أمية كان تعرض لامرأة من بني زهرة فضربه رجل منهم بالسيف فأراد بنو أمية و من تبعهم إخراج زهرة من مكة فقام دونهم قيس بن عدي السهمي و كانوا أخواله و كان منيع الجانب شديد العارضة حمي الأنفس أبي النفس فقام دونهم و صاح أصبح ليل فذهبت مثلا و نادى الآن الظاعن مقيم و في هذه القصة يقول وهب بن عبد مناف بن زهرة جد رسول الله ص

مهلا أمي فإن البغي مهلكة
لا يكسبنك يوم شره ذكر
تبدو كواكبه و الشمس طالعة
يصب في الكأس منه الصبر و المقر

قال أبو عثمان و صنع أمية في الجاهلية شيئا لم يصنعه أحد من العرب زوج ابنه أبا عمرو امرأته في حياته منه فأولدها أبا معيط بن أبي عمرو بن أمية و المقيتون في الإسلام هم الذين نكحوا نساء آبائهم بعد موتهم فإما أن يتزوجها في حياة الأب و يبني عليها و هو يراه فإنه شي‏ء لم يكن قط . قال أبو عثمان و قد أقر معاوية على نفسه و رهطه لبني هاشم حين قيل له أيهما كان أسود في الجاهلية أنتم أم بنو هاشم فقال كانوا أسود منا واحدا و كنا

[ 208 ]

أكثر منهم سيدا فأقر و ادعى فهو في إقراره بالنقص مخصوم و في ادعائه الفضل خصيم . و قال جحش بن رئاب الأسدي حين نزل مكة بعد موت عبد المطلب و الله لأتزوجن ابنة أكرم أهل هذا الوادي و لأحالفن أعزهم فتزوج أميمة بنت عبد المطلب و حالف أبا سفيان بن حرب و قد يمكن أن يكون أعزهم ليس بأكرمهم و لا يمكن أن يكون أكرمهم ليس بأكرمهم و قد أقر أبو جهل على نفسه و رهطه من بني مخزوم حين قال تحاربنا نحن و هم حتى إذا صرنا كهاتين قالوا منا نبي فأقر بالتقصير ثم ادعى المساواة أ لا تراه كيف أقر أنه لم يزل يطلب شأوهم ثم ادعى أنه لحقهم فهو مخصوم في إقراره خصيم في دعواه و قد حكم لهاشم دغفل بن حنظلة النسابة حين سأله معاوية عن بني هاشم فقال هم أطعم للطعام و أضرب للهام و هاتان خصلتان يجمعان أكثر الشرف . قال أبو عثمان و العجب من منافرة حرب بن أمية عبد المطلب بن هاشم و قد لطم حرب جارا لخلف بن أسعد جد طلحة الطلحات فجاء جاره فشكا ذلك إليه فمشى خلف إلى حرب و هو جالس عند الحجر فلطم وجهه عنوة من غير تحاكم و لا تراض فما انتطح فيه عنزان ثم قام أبو سفيان بن حرب مقام أبيه بعد موته فحالفه أبو الأزيهر الدوسي و كان عظيم الشأن في الأزد و كانت بينه و بين بني الوليد بن المغيرة محاكمة في مصاهرة كانت بين الوليد و بينه فجاءه هشام بن الوليد و أبو الأزيهر قاعد في مقعد أبي سفيان بذي المجاز فضرب عنقه فلم يدرك به أبو سفيان عقلا و لا قودا في بني المغيرة و قال حسان بن ثابت يذكر ذلك

[ 209 ]

غدا أهل حصني ذي المجاز بسحرة
و جار ابن حرب لا يروح و لا يغدو
كساك هشام بن الوليد ثيابه
فأبل و أخلق مثلها جددا بعد

فهذه جملة صالحة مما ذكره شيخنا أبو عثمان . و نحن نورد من كتاب أنساب قريش للزبير بن بكار ما يتضمن شرحا لما أجمله شيخنا أبو عثمان أو لبعضه فإن كلام أبي عثمان لمحة و إشارة و ليس بالمشروح . قال الزبير حدثني عمر بن أبي بكر العدوي من بني عدي بن كعب قال حدثني يزيد بن عبد الملك بن المغيرة بن نوفل عن أبيه قال اصطلحت قريش على أن ولي هاشم بعد موت أبيه عبد مناف السقاية و الرفادة و ذلك أن عبد شمس كان يسافر قل أن يقيم بمكة و كان رجلا معيلا و كان له ولد كثير و كان هاشم رجلا موسرا فكان إذا حضر الحج قام في قريش فقال يا معشر قريش إنكم جيران الله و أهل بيته و إنه يأتيكم في هذا الموسم زوار الله يعظمون حرمة بيته فهم لذلك ضيف الله و أحق ضيف بالكرامة ضيف الله و قد خصكم الله بذلك و أكرمكم به ثم حفظ منكم أفضل ما حفظ جار من جاره فأكرموا ضيفه و زواره فإنهم يأتون شعثا غبرا من كل بلد ضوامر كالقداح و قد أرجفوا و تفلوا و قملوا و أرملوا فأقروهم و أعينوهم قال فكانت قريش تترافد على ذلك حتى إن كل أهل بيت ليرسلون بالشي‏ء اليسير على قدر حالهم و كان هاشم يخرج في كل سنة مالا كثيرا و كان قوم من قريش يترافدون و كانوا أهل يسار فكان كل إنسان ربما أرسل بمائة مثقال ذهب هرقلية

[ 210 ]

و كان هاشم يأمر بحياض من أدم تجعل في مواضع زمزم من قبل أن تحفر يستقي فيها من البئار التي بمكة فيشرب الحاج و كان يطعمهم أول ما يطعم قبل يوم التروية بيوم بمكة و بمنى و بجمع و عرفة و كان يثرد لهم الخبز و اللحم و السمن و السويق و التمر و يحمل لهم الماء فيسقون بمنى و الماء يومئذ قليل إلى أن يصدر الحاج من منى ثم تنقطع الضيافة و تتفرق الناس إلى بلادهم . قال الزبير و إنما سمي هاشما لهشمه الثريد و كان اسمه عمرا ثم قالوا عمرو العلا لمعاليه و كان أول من سن الرحلتين رحلة إلى الحبشة و رحلة إلى الشام ثم خرج في أربعين من قريش فبلغ غزة فمرض بها فمات فدفنوه بها و رجعوا بتركته إلى ولده و يقال إن الذي رجع بتركته إلى ولده أبو رهم عبد العزى بن أبي قيس العامري من بني عامر بن لؤي . قال الزبير و كان يقال لهاشم و المطلب البدران و لعبد شمس و نوفل الأبهران . قال الزبير و قد اختلف في أي ولد عبد مناف أسن و الثبت عندنا أن أسنهم هاشم و قال آدم بن عبد العزيز بن عمر بن عمر بن عبد العزيز بن مروان

يا أمين الله إني قائل
قول ذي دين و بر و حسب
عبد شمس لا تهنها إنما
عبد شمس عم عبد المطلب
عبد شمس كان يتلو هاشما
و هما بعد لأم و لأب

قال الزبير و حدثني محمد بن حسن عن محمد بن طلحة عن عثمان بن عبد الرحمن قال قال عبد الله بن عباس و الله لقد علمت قريش أن أول من أخذ الإيلاف و أجاز لها العيرات لهاشم و الله ما شدت قريش رحالا و لا حبلا بسفر و لا أناخت بعيرا لحضر

[ 211 ]

إلا بهاشم و الله إنه أول من سقى بمكة ماء عذبا و جعل باب الكعبة ذهبا لعبد المطلب . قال الزبير و كانت قريش تجارا لا تعدو تجارتهم مكة إنما تقدم عليهم الأعاجم بالسلع فيشترونها منهم يتبايعون بها بينهم و يبيعون من حولهم من العرب حتى رحل هاشم بن عبد مناف إلى الشام فنزل بقيصر فكان يذبح كل يوم شاة و يصنع جفنة من ثريد و يدعو الناس فيأكلون و كان هاشم من أحسن الناس خلقا و تماما فذكر لقيصر و قيل له هاهنا شاب من قريش يهشم الخبز ثم يصب عليه المرق و يفرغ عليه اللحم و يدعو الناس قال و إنما كانت الأعاجم و الروم تصنع المرق في الصحاف ثم تأتدم عليه بالخبز فدعا به قيصر فلما رآه و كلمه أعجب به و جعل يرسل إليه فيدخل عليه فلما رأى مكانه سأله أن يأذن لقريش في القدوم عليه بالمتاجر و أن يكتب لهم كتب الأمان فيما بينهم و بينه ففعل فبذلك ارتفع هاشم من قريش قال الزبير و كان هاشم يقوم أول نهار اليوم الأول من ذي الحجة فيسند ظهره إلى الكعبة من تلقاء بابها فيخطب قريشا فيقول يا معشر قريش أنتم سادة العرب أحسنها وجوها و أعظمها أحلاما و أوسطها أنسابا و أقربها أرحاما يا معشر قريش أنتم جيران بيت الله أكرمكم بولايته و خصكم بجواره دون بني إسماعيل و حفظ منكم أحسن ما حفظ منكم جار من جاره فأكرموا ضيفه و زوار بيته فإنهم يأتونكم شعثا غبرا من كل بلد فو رب هذه البنية لو كان لي مال يحمل ذلك لكفيتموه ألا و إني مخرج من طيب مالي و حلاله ما لم تقطع فيه رحم و لم يؤخذ بظلم و لم يدخل فيه حرام فواضعه فمن شاء منكم أن يفعل مثل ذلك فعل و أسألكم بحرمة هذا البيت ألا يخرج منكم رجل من ماله لكرامة زوار بيت الله و معونتهم إلا طيبا لم يؤخذ ظلما و لم تقطع فيه رحم و لم يغتصب قال فكانت قريش تخرج من صفو أموالها ما تحتمله أحوالها و تأتي بها إلى هاشم فيضعه في دار الندوة لضيافة الحاج .

[ 212 ]

قال الزبير و مما رثى به مطرود الخزاعي هاشما قوله

مات الندى بالشام لما أن ثوى
أودى بغزة هاشم لا يبعد
فجفانه رذم لمن ينتابه
و النصر أدنى باللسان و باليد

و من مراثيه له

يا عين جودي و أذري الدمع و احتفلي
و ابكي خبيئة نفسي في الملمات
و ابكي على كل فياض أخي حسب
ضخم الدسيعة وهاب الجزيلات
ماضي الصريمة عالي الهم ذي شرف
جلد النحيزة حمال العظيمات
صعب المقادة لا نكس و لا وكل
ماض على الهول متلاف الكريمات
محض توسط من كعب إذا نسبوا
بحبوحة المجد في الشم الرفيعات
فابكي على هاشم في وسط بلقعة
تسقي الرياح عليه وسط غزات
يا عين بكي أبا الشعث الشجيات
يبكينه حسرا مثل البنيات
يبكين عمرو العلا إذ حان مصرعه
سمح السجية بسام العشيات
يبكينه معولات في معاوزها
يا طول ذلك من حزن و عولات
محزمات على أوساطهن لما
جر الزمان من أحداث المصيبات
أبيت أرعى نجوم الليل من ألم
أبكي و تبكي معي شجوا بنياتي

قال الزبير و حدثني إبراهيم بن المنذر عن الواقدي عن عبد الرحمن بن الحارث عن عكرمة عن ابن عباس قال أول من سن دية النفس مائة من الإبل عبد المطلب فجرت في قريش و العرب سنته و أقرها رسول الله ص قال و أم عبد المطلب سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد من بني النجار من الأنصار و كان سبب

[ 213 ]

تزوج هاشم بها أنه قدم في تجارة له المدينة فنزل على عمرو بن زيد فجاءته سلمى بطعام فأعجبت هاشما فخطبها إلى أبيها فأنكحه إياها و شرط عليه أن تلد عند أهلها فبنى عليها بالمدينة و أقام معها سنتين ثم ارتحل بها إلى مكة فحملت و أثقلت فخرج بها إلى المدينة فوضعها عند أهلها و مضى إلى الشام فمات بغزة من وجهه ذلك و ولدت عبد المطلب فسمته شيبة الحمد لشعرة بيضاء كانت في ذوائبه حين ولد فمكث بالمدينة ست سنين أو ثمانيا ثم إن رجلا من تهامة مر بالمدينة فإذا غلمان ينتضلون و غلام منهم يقول كلما أصاب أنا ابن هاشم بن عبد مناف سيد البطحاء فقال له الرجل من أنت يا غلام قال أنا ابن هاشم بن عبد مناف قال ما اسمك قال شيبة الحمد فانصرف الرجل حتى قدم مكة فيجد المطلب بن عبد مناف جالسا في الحجر فقال قم إلي يا أبا الحارث فقام إليه فقال تعلم أني جئت الآن من يثرب فوجدت بها غلمانا ينتضلون . . . و قص عليه ما رأى من عبد المطلب و قال إنه أضرب غلام رأيته قط فقال له المطلب أغفلته و الله أما إني لا أرجع إلى أهلي و مالي حتى آتيه فخرج المطلب حتى أتى المدينة فأتاها عشاء ثم خرج براحلته حتى أتى بني عدي بن النجار فإذا الغلمان بين ظهراني المجلس فلما نظر إلى ابن أخيه قال للقوم هذا ابن هاشم قالوا نعم و عرفه القوم فقالوا هذا ابن أخيك فإن كنت تريد أخذه فالساعة لا نعلم أمه فإنها إن علمت حلنا بينك و بينه فأناخ راحلته ثم دعاه فقال يا ابن أخي أنا عمك و قد أردت الذهاب بك إلى قومك فاركب قال فو الله ما كذب أن جلس على عجز الراحلة و جلس المطلب على الراحلة ثم بعثها فانطلقت فلما علمت أمه قامت تدعو حزنها على ابنها فأخبرت أنه عمه و أنه ذهب به إلى قومه قال فانطلق به المطلب فدخل به مكة ضحوة مردفه خلفه و الناس في أسواقهم و مجالسهم فقاموا يرحبون به و يقولون من هذا الغلام معك فيقول عبد لي ابتعته بيثرب ثم خرج به

[ 214 ]

حتى جاء إلى الحزورة فابتاع له حلة ثم أدخله على امرأته خديجة بنت سعد بن سهم فرجلت شعره ثم ألبسه الحلة عشية فجاء به فأجلسه في مجلس بني عبد مناف و أخبرهم خبره فكان الناس بعد ذلك إذا رأوه يطوف في سكك مكة و هو أحسن الناس يقولون هذا عبد المطلب لقول المطلب هذا عبدي فلج به الاسم و ترك به شيبة . و روى الزبير رواية أخرى أن سلمى أم عبد المطلب حالت بين المطلب و بين ابنها شيبة و كان بينها و بينه في أمره محاورة ثم غلبها عليه و قال

عرفت شيبة و النجار قد حلفت
أبناؤها حوله بالنبل تنتضل

فأما الشعر الذي لحذافة العذري و الذي ذكره شيخنا أبو عثمان فقد ذكره الزبير بن بكار في كتاب النسب و زاد فيه

كهولهم خير الكهول و نسلهم
كنسل الملوك لا يبور و لا يجري
ملوك و أبناء الملوك و سادة
تفلق عنهم بيضة الطائر الصقر
متى تلق منهم طامحا في عنانه
تجده على أجراء والده يجري
هم ملكوا البطحاء مجدا و سؤددا
و هم نكلوا عنها غواة بني بكر
و هم يغفرون الذنب ينقم مثله
و هم تركوا رأي السفاهة و الهجر
أ خارج إما أهلكن فلا تزل
لهم شاكرا حتى تغيب في القبر

قال الزبير و حدثني عن سبب هذا الشعر محمد بن حسن عن محمد بن طلحة عن أبيه قال إن ركبا من جذام خرجوا صادرين عن الحج من مكة ففقدوا رجلا منهم عالية بيوت مكة فيلقون حذافة العذري فربطوه و انطلقوا به فتلقاهم عبد المطلب مقبلا من الطائف و معه ابنه أبو لهب يقود به و عبد المطلب حينئذ قد ذهب بصره فلما نظر إليه حذافة بن غانم هتف به فقال عبد المطلب لابنه

[ 215 ]

ويلك من هذا قال هذا حذافة بن غانم مربوطا مع ركب قال فالحقهم فسلهم ما شأنهم و شأنه فلحقهم أبو لهب فأخبروه الخبر فرجع إلى أبيه فأخبره فقال ويحك ما معك قال لا و الله ما معي شي‏ء قال فالحقهم لا أم لك فأعطهم بيدك و أطلق الرجل فلحقهم أبو لهب فقال قد عرفتم تجارتي و مالي و أنا أحلف لكم لأعطينكم عشرين أوقية ذهبا و عشرا من الإبل و فرسا و هذا ردائي رهن فقبلوا ذلك منه و أطلقوا حذافة فلما أقبل به و قربا من عبد المطلب سمع عبد المطلب صوت أبي لهب و لم يسمع صوت حذافة فصاح به و أبي إنك لعاص ارجع لا أم لك قال يا أبتا هذا الرجل معي فناداه عبد المطلب يا حذافة أسمعني صوتك قال ها أنا ذا بأبي أنت و أمي يا ساقى الحجيج أردفني فأردفه حتى دخل مكة فقال حذافة هذا الشعر . قال الزبير و حدثني عبد الله بن معاذ عن معمر عن ابن شهاب قال أول ما ذكر من عبد المطلب أن قريشا خرجت فارة من الحرم خوفا من أصحاب الفيل و عبد المطلب يومئذ غلام شاب فقال و الله لا أخرج من حرم الله أبغي العز في غيره فجلس في البيت و أجلت قريش عنه فقال عبد المطلب

لا هم إن المرء يمنع
رحله فامنع حلالك
لا يغلبن صليبهم
و محالهم أبدا محالك

فلم يزل ثابتا في الحرم حتى أهلك الله الفيل و أصحابه فرجعت قريش و قد عظم فيهم بصبره و تعظيمه محارم الله عز و جل فبينا هو على ذلك و كان أكبر ولده و هو الحارث بن عبد المطلب قد بلغ الحلم أري عبد المطلب في المنام فقيل له احفر زمزم خبيئة الشيخ الأعظم فاستيقظ فقال اللهم بين لي الشيخ فأري في المنام مرة أخرى

[ 216 ]

احفر تكتم بين الفرث و الدم في مبحث الغراب في قرية النمل مستقبلة الأنصاب الحمر فقام عبد المطلب فمشى حتى جلس في المسجد الحرام ينتظر ما سمي له من الآيات فنحر بقرة في الحزورة فأفلتت من جازرها بحشاشة نفسها حتى غلب عليها الموت في المسجد في موضع زمزم فاحتمل لحمها من مكانها و أقبل غراب يهوي حتى وقع في الفرث فبحث عن قرية النمل فقام عبد المطلب يحفرها فجاءته قريش فقالت له ما هذا الصنع إنا لم نكن نراك بالجهل لم تحفر في مسجدنا فقال عبد المطلب إني لحافر هذا البئر و مجاهد من صدني عنها فطفق يحفر هو و ابنه الحارث و ليس له يومئذ ولد غيره فيسفه عليهما الناس من قريش فينازعونهما و يقاتلونهما و تناهى عنه ناس من قريش لما يعلمون من زعيق نسبه و صدقه و اجتهاده في دينهم يومئذ حتى إذا أتعبه الحفر و اشتد عليه الأذى نذر إن وفى له عشرة من الولدان ينحر أحدهم ثم حفر فأدرك سيوفا دفنت في زمزم حين دفنت فلما رأت قريش أنه قد أدرك السيوف قالت يا عبد المطلب أحذنا مما وجدت فقال عبد المطلب بل هذه السيوف لبيت الله ثم حفر حتى أنبط الماء فحفرها في القرار ثم بحرها حتى لا تنزف ثم بنى عليها حوضا و طفق هو و ابنه ينزعان فيملآن ذلك الحوض فيشرب منه الحاج و يكسره قوم حسدة له من قريش بالليل فيصلحه عبد المطلب حين يصبح فلما أكثروا فساده دعا عبد المطلب ربه فأري فقيل له قل اللهم إني لا أحلها لمغتسل و هي لشارب حل و بل ثم كفيتهم فقام عبد المطلب حين اختلف قريش في المسجد فنادى بالذي أري ثم انصرف فلم يكن يفسد حوضه عليه أحد من قريش إلا رمي في جسده بداء حتى تركوا حوضه ذلك و سقايته ثم تزوج عبد المطلب النساء فولد له عشرة رهط فقال اللهم إني

[ 217 ]

كنت نذرت لك نحر أحدهم و إني أقرع بينهم فأصيب بذلك من شئت فأقرع بينهم فطارت القرعة على عبد الله بن عبد المطلب أبي رسول الله ص و كان أحب ولده إليه فقال عبد المطلب اللهم هو أحب إليك أم مائة من الإبل فنحرها عبد المطلب مكان عبد الله و كان عبد الله أحسن رجل رئي في قريش قط . و روى الزبير أيضا قال حدثني إبراهيم بن المنذر عن عبد العزيز بن عمران عن عبد الله بن عثمان بن سليمان قال سمعت أبي يقول لما حفرت زمزم و أدرك منها عبد المطلب ما أدرك وجدت قريش في أنفسها مما أعطي عبد المطلب فلقيه خويلد بن أسد بن عبد العزى فقال يا ابن سلمى لقد سقيت ماء رغدا و نثلت عادية حسدا فقال يا ابن أسد أما إنك تشرك في فضلها و الله لا يساعدني أحد عليها ببر و لا يقوم معي بارزا إلا بذلت له خير الصهر فقال خويلد بن أسد

أقول و ما قولي عليهم بسبة
إليك ابن سلمى أنت حافر زمزم
حفيرة إبراهيم يوم ابن هاجر
و ركضة جبريل على عهد آدم

فقال عبد المطلب ما وجدت أحدا ورث العلم الأقدم غير خويلد بن أسد . قال الزبير فأما ركضة جبريل فإن سعيد بن المسيب قال إن إبراهيم قدم بإسماعيل و أمه مكة فقال لهما كلا من الشجر و اشربا من الشعاب و فارقهما فلما ضاقت الأرض تقطعت المياه فعطشا فقالت له أمه اصعد و انصب في هذا الوادي فلا أرى موتك و لا ترى موتي ففعل فأنزل الله تعالى ملكا من السماء على أم إسماعيل فأمرها فصرحت به فاستجاب لها و طار الملك فضرب بجناحيه مكان زمزم فقال اشربا فكان سيحا يسيح و لو تركاه ما زال كذلك أبدا لكنها فرقت عليه من العطش فقرت له في السقاء و حفرت في البطحاء فلما نضب الماء طوياه ثم

[ 218 ]

هلك الناس و دفنته السيول ثم أري عبد المطلب في المنام أن احفر زمزم لا تثرب و لا تذم تروي الحجيج الأعظم ثم أري مرة أخرى أن احفر الرواء أعطيتها على رغم الأعداء ثم أري مرة أخرى أن احفر تكتم بين الأنصاب الحمر في قرية النمل فأصبح يحفر حيث أري فطفقت قريش يستهزءون به حتى إذا بدا عن الطي وجد فيها غزالا من ذهب و حلية سيف فضرب عليها بالسهام فخرج سهم البيت فكان أول حلي حلى به الكعبة . قال الزبير و كان حرب بن أمية بن عبد شمس نديم عبد المطلب و كان عبيد بن الأبرص تربه و بلغ عبيد مائة و عشرين سنة و بقي عبد المطلب بعده عشرين سنة . قال و قال بعض أهل العلم توفي عبد المطلب عن خمس و تسعين سنة و يقال كان يعرف في عبد المطلب نور النبوة و هيبة الملك و فيه يقول الشاعر

إنني و اللات و البيت الذي
لز بالهبرز عبد المطلب

قال الزبير حدثني عمي مصعب بن عبد الله قال بينا عبد المطلب يطوف بالبيت بعد ما أسن و ذهب بصره إذ زحمه رجل فقال من هذا فقيل رجل من بني بكر . قال فما منعه أن ينكب عني و قد رآني لا أستطيع لأن أنكب عنه فلما رأى بنيه قد توالوا عشرة قال لا بد لي من العصا فإن اتخذتها طويلة شقت علي و إن اتخذتها قصيرة قويت عليها و لكن ينحدب لها ظهري و الحدبة ذل فقال بنوه أو غير ذلك يوافيك كل يوم منا رجل تتوكأ عليه فتطوف في حوائجك قال و لذلك قال الزبير و مكارم عبد المطلب أكثر من أن يحاط بها كان سيد قريش غير مدافع نفسا و أبا و بيتا و جمالا و بهاء و كمالا و فعالا قال أحد بني كنانة يمدحه

[ 219 ]

إني و ما سترت قريش و الذي
تعزو لآل كلهن ظباء
و و حق من رفع الجبال منيفة
و الأرض مدا فوقهن سماء
مثن و مهد لابن سلمى مدحة
فيها أداء ذمامه و وفاء

قال الزبير فأما أبو طالب بن عبد المطلب و اسمه عبد مناف و هو كافل رسول الله ص و حاميه من قريش و ناصره و الرفيق به الشفيق عليه و وصي عبد المطلب فيه فكان سيد بني هاشم في زمانه و لم يكن أحد من قريش يسود في الجاهلية بمال إلا أبو طالب و عتبة بن ربيعة . قال الزبير أبو طالب أول من سن القسامة في الجاهلية في دم عمرو بن علقمة ثم أثبتتها السنة في الإسلام و كانت السقاية في الجاهلية بيد أبي طالب ثم سلمها إلى أخيه العباس بن عبد المطلب . قال الزبير و كان أبو طالب شاعرا مجيدا و كان نديمه في الجاهلية مسافر بن عمرو بن أمية بن عبد شمس و كان قد حبن فخرج ليتداوى بالحيرة فمات بهبالة فقال أبو طالب يرثيه

ليت شعري مسافر ابن أبي عمرو
و ليث يقولها المحزون
كيف كانت مذاقة الموت إذ مت
و ما ذا بعد الممات يكون
رحل الركب قافلين إلينا
و خليلي في مرمس مدفون
بورك الميت الغريب كما بورك
نضر الريحان و الزيتون

[ 220 ]

رزء ميت على هبالة قد حالت
فياف من دونه و حزون
مدرة يدفع الخصوم بأيد
و بوجه يزينه العرنين
كم خليل و صاحب و ابن عم
و حميم قفت عليه المنون
فتعزيت بالجلادة و الصبر
و إني بصاحبي لضنين

قال الزبير فلما هلك مسافر نادم أبو طالب بعده عمرو بن عبد بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي و لذلك قال عمرو لعلي ع يوم الخندق حين بارزه إن أباك كان لي صديقا . قال الزبير و حدثني محمد بن حسن عن نصر بن مزاحم عن معروف بن خربوذ قال كان أبو طالب يحضر أيام الفجار و يحضر معه النبي ص و هو غلام فإذا جاء أبو طالب هزمت قيس و إذا لم يجي‏ء هزمت كنانة فقالوا لأبي طالب لا أبا لك لا تغب عنا ففعل . قال الزبير فأما الزبير بن عبد المطلب فكان من أشراف قريش و وجوهها و هو الذي استثنته بنو قصي على بني سهم حين هجا عبد الله بن الزبعرى بن قصي فأرسلت بنو قصي عتبة بن ربيعة بن عبد شمس إلى بني سهم فقال لهم إن قومكم قد كرهوا أن يعجلوا عليكم فأرسلوني إليكم في هذا السفيه الذي هجاهم في غير ذنب اجترموا إليه فإن كان ما صنع عن رأيكم فبئس الرأي رأيكم و إن كان عن غير رأيكم فادفعوه إليهم فقال القوم نبرأ إلى الله أن يكون عن رأينا قال فأسلموه إليهم فقال بعض بني سهم إن شئتم فعلنا على أن من هجانا منكم دفعتموه إلينا فقال عتبة ما يمنعني أن أقول ما تقول إلا أن الزبير بن عبد المطلب غائب بالطائف

[ 221 ]

و قد عرفت أنه سيفرغ لهذا الأمر فيقول و لم أكن أجعل الزبير خطرا لابن الزبعرى فقال قائل منهم أيها القوم ادفعوه إليهم فلعمري أن لكم مثل الذي عليكم فكثر في ذلك الكلام و اللغط فلما رأى العاص بن وائل ذلك دعا برمة فأوثق بها عبد الله بن الزبعرى و دفعه إلى عتبة بن ربيعة فأقبل به مربوطا حتى أتى به قومه فأطلقه حمزة بن عبد المطلب و كساه فأغرى ابن الزبعرى أناس من قريش بقومه بني سهم و قالوا له اهجهم كما أسلموك فقال

لعمري ما جاءت بنكر عشيرتي
و إن صالحت إخوانها لا ألومها
فود جناة الشر أن سيوفنا
بأيماننا مسلولة لا نشيمها
فيقطع ذو الصهر القريب و يتركوا
غماغم منها إذ أجد يريمها
فإن قصيا أهل مجد و ثروة
و أهل فعال لا يرام قديمها
هم منعوا يومي عكاظ نساءنا
كما منع الشول الهجان قرومها
و إن كان هيج قدموا فتقدموا
و هل يمنع المخزاة إلا حميمها
محاشيد للمقرى سراع إلى الندى
مرازبة غلب رزان حلومها

قال فقدم الزبير بن عبد المطلب من الطائف فقال قصيدته التي يقول فيها

فلو لا الحمس لم يلبس رجال
ثياب أعزة حتى يموتوا

و قد ذكرنا قطعة منها فيما تقدم . قال الزبير و قال الزبير بن عبد المطلب أيضا في هذا المعنى

[ 222 ]

قومي بنو عبد مناف إذا
أظلم من حولي بالجندل
لا أسد لن يسلموني و لا
تيم و لا زهرة للنيطل
و لا بنو الحارث إن مر بي
يوم من الأيام لا ينجلي
يا أيها الشاتم قومي و لا
حق له عندهم أقبل
إني لهم جار لئن أنت لم
تقصر عن الباطل أو تعدل

قال الزبير و من شعر الزبير بن عبد المطلب

يا ليت شعري إذا ما حمتي وقعت
ما ذا تقول ابنتي في النوح تنعاني
تنعى أبا كان معروف الدفاع عن المولى
المضاف و فكاكا عن العاني
و نعم صاحب عان كان رافده
إذا تضجع عنه العاجز الواني

قال الزبير و كان الزبير بن عبد المطلب ذا نظر و فكر أتى فقيل له مات فلان لرجل من قريش كان ظلوما فقال بأي عقوبة مات قالوا مات حتف أنفه فقال لئن كان ما قلتموه حقا إن للناس معادا يؤخذ فيه للمظلوم من الظالم . قال و كان الزبير يكنى بأبي الطاهر و كانت صفية بنت عبد المطلب كنت ابنها الزبير بن العوام أبا الطاهر دهرا بكنية أخيها و كان للزبير بن عبد المطلب ابن يقال له الطاهر كان من أظرف فتيان مكة مات غلاما و به سمى رسول الله ص ابنه الطاهر و باسم الزبير سمت أخته صفية ابنها الزبير و قالت صفية ترثي أخاها الزبير بن عبد المطلب

بكي زبير الخير إذ مات إن
كنت على ذي كرم باكيه

[ 223 ]

لو لفظته الأرض ما لمتها
أو أصبحت خاشعة عاريه
قد كان في نفسي أن أترك الموتى
و لا أتبعهم قافيه
فلم أطق صبرا على رزئه
وجدته أقرب إخوانيه
لو لم أقل من في قولا له
لقضت العبرة أضلاعيه
فهو الشآمي و اليماني إذا
ما خضروا ذو الشفرة الداميه

و قال ضرار بن الخطاب يبكيه

بكي ضباع على أبيك
بكاء محزون أليم
قد كنت أنشده فلا
رث السلاح و لا سليم
كالكوكب الدري يعلو
ضوءه ضوء النجوم
زخرت به أعراقه
و نماه والده الكريم
بين الأغر و هاشم
فرعين قد فرعا القروم

فأما القتول الخثعمية التي اغتصبها نبيه بن الحجاج السهمي من أبيها فقد ذكر الزبير بن بكار قصتها في كتاب أنساب قريش . قال الزبير إن رجلا من خثعم قدم مكة تاجرا و معه ابنة يقال لها القتول أوضأ نساء العالمين فعلقها نبيه بن الحجاج السهمي فلم يبرح حتى غلب أباها عليها و نقلها إليه فقيل لأبيها عليك بحلف الفضول فأتاهم فشكا إليهم ذلك فأتوا نبيه بن الحجاج فقالوا له أخرج ابنة هذا الرجل و هو يومئذ منتبذ بناحية مكة و هي معه و إلا فإنا من قد عرفت فقال يا قوم متعوني بها الليلة فقالوا قبحك الله

[ 224 ]

ما أجهلك لا و الله و لا شخب لقحة فأخرجها إليهم فأعطوها أباها فقال نبيه بن الحجاج في ذلك قصيدة أولها

راح صحي و لم أحي القتولا
لم أودعهم وداعا جميلا
إذ أجد الفضول أن يمنعوها
قد أراني و لا أخاف الفضولا

في أبيات طويلة و أما قصة البارقي فقد ذكرها الزبير أيضا . قال قدم رجل من ثمالة من الأزد مكة فباع سلعة من أبي بن خلف الجمحي فمطله بالثمن و كان سيئ المخالطة فأتى الثمالي أهل حلف الفضول فأخبرهم فقالوا اذهب فأخبره أنك قد أتيتنا فإن أعطاك حقك و إلا فارجع إلينا فأتاه فأخبره بما قال أهل حلف الفضول فأخرج إليه حقه فأعطاه فقال الثمالي

أ يفجر بي ببطن مكة ظالما
أبي و لا قومي لدي و لا صحبي
و ناديت قومي بارقا لتجيبني
و كم دون قومي من فياف و من سهب
و يأبى لكم حلف الفضول ظلامتي
بني جمح و الحق يؤخذ بالغصب

و أما قصة حلف الفضول و شرفه فقد ذكرها الزبير في كتابه أيضا قال كان بنو سهم و بنو جمح أهل بغي و عدوان فأكثروا من ذلك فأجمع بنو هاشم و بنو المطلب و بنو أسد و بنو زهرة و بنو تيم على أن تحالفوا و تعاقدوا على رد الظلم بمكة و ألا يظلم أحد

[ 225 ]

إلا منعوه و أخذوا له بحقه و كان حلفهم في دار عبد الله بن جدعان

قال رسول الله ص لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم و لو دعيت به اليوم لأجبت لا يزيده الإسلام إلا شدة . قال الزبير كان رجل من بني أسد قد قدم مكة معتمرا ببضاعة فاشتراها منه العاص بن وائل السهمي فآواها إلى بيته ثم تغيب فابتغى الأسدي متاعه فلم يقدر عليه فجاء إلى بني سهم يستعديهم عليه فأغلظوا له فعرف أن لا سبيل له إلى ماله و طوف في قبائل قريش يستنفر بهم فتخاذلت القبائل عنه فلما رأى ذلك أشرف على أبي قبيس حين أخذت قريش مجالسها و نادى بأعلى صوته

يا للرجال لمظلوم بضاعته
ببطن مكة نائي الأهل و النفر
و محرم أشعث لم يقض عمرته
يا آل فهر و بين الحجر و الحجر
هل منصف من بني سهم فمرتجع
ما غيبوا أم حلال مال معتمر

فأعظمت ذلك قريش و تكلموا فيه فقال المطيبون و الله إن قمنا في هذا ليغضبن الأحلاف و قالت الأحلاف و الله إن قمنا في هذا ليغضبن المطيبون فقالت قبائل من قريش هلموا فلنحتلف حلفا جديدا لننصرن المظلوم على الظالم ما بل بحر صوفة فاجتمعت هاشم و المطلب و أسد و تيم و زهرة في دار عبد الله بن جدعان و رسول الله ص يومئذ معهم و هو شاب ابن خمس و عشرين سنة لم يوح إليه بعد فتحالفوا ألا يظلم بمكة غريب و لا قريب و لا حر و لا عبد إلا كانوا معه حتى يأخذوا له بحقه و يردوا إليه مظلمته من أنفسهم و من غيرهم ثم عمدوا إلى ماء زمزم فجعلوه في جفنة ثم بعثوا به إلى البيت فغسلوا به أركانه ثم جمعوه و أتوهم به فشربوه ثم انطلقوا إلى العاص بن وائل

[ 226 ]

فقالوا له أد إلى هذا حقه فأدى إليه حقه فمكثوا كذلك دهرا لا يظلم أحد بمكة إلا أخذوا له حقه فكان عتبة بن ربيعة بن عبد شمس يقول لو أن رجلا وحده خرج من قومه لخرجت من عبد شمس حتى أدخل في حلف الفضول . قال الزبير و حدثني محمد بن حسن عن محمد بن طلحة عن موسى بن محمد عن أبيه أن الحلف كان على ألا يدعوا بمكة كلها و لا في الأحابيش مظلوما يدعوهم إلى نصرته إلا أنجدوه حتى يردوا عليه ماله و مظلمته أو يبلوا في ذلك عذرا و على الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و على التأسي في المعاش . قال الزبير و يقال إنه إنما سمي حلف الفضول لأن رجالا كانوا في وجوههم تحالفوا على رد المظالم يقال لهم فضيل و فضال و فضل و مفضل فسمي هذا الحلف حلف الفضول لأنه أحيا تلك السنة التي كانت ماتت . قال الزبير و قدم محمد بن جبير بن مطعم على عبد الملك بن مروان و كان من علماء قريش فقال له يا أبا سعيد أ لم نكن يعني بني عبد شمس و أنتم في حلف الفضول فقال أمير المؤمنين أعلم قال لتخبرني بالحق قال لا و الله يا أمير المؤمنين لقد خرجنا نحن و أنتم منه و ما كانت يدنا و يدكم إلا جميعا في الجاهلية و الإسلام . قال الزبير و حدثني محمد بن حسن عن إبراهيم بن محمد عن يزيد بن عبد الله بن الهادي الليثي أن محمد بن الحارث أخبره قال كان بين الحسين بن علي ع و بين الوليد بن عتبة بن أبي سفيان كلام في مال كان بينهما بذي المروءة و الوليد يومئذ أمير المدينة في أيام معاوية فقال الحسين ع أ يستطيل الوليد علي بسلطانه

[ 227 ]

أقسم بالله لينصفني من حقي أو لآخذن سيفي ثم أقوم في مسجد الله فأدعو بحلف الفضول فبلغت كلمته عبد الله بن الزبير فقال أحلف بالله لئن دعا به لآخذن سيفي ثم لأقومن معه حتى ينتصف أو نموت جميعا فبلغت المسور بن مخرمة بن نوفل الزهري فقال مثل ذلك فبلغت عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي فقال مثل ذلك فبلغ ذلك الوليد بن عتبة فأنصف الحسين ع من نفسه حتى رضي . قال الزبير و قد كان للحسين ع مع معاوية قصة مثل هذه كان بينهما كلام في أرض للحسين ع فقال له الحسين ع اختر مني ثلاث خصال إما أن تشتري مني حقي و إما أن ترده علي أو تجعل بيني و بينك ابن عمر أو ابن الزبير حكما و إلا فالرابعة و هي الصيلم قال معاوية و ما هي قال أهتف بحلف الفضول ثم قام فخرج و هو مغضب فمر بعبد الله بن الزبير فأخبره فقال و الله لئن هتفت به و أنا مضطجع لأقعدن أو قاعد لأقومن أو قائم لأمشين أو ماش لأسعين ثم لتنفدن روحي مع روحك أو لينصفنك فبلغت معاوية فقال لا حاجة لنا بالصيلم ثم أرسل إليه أن ابعث فانتقد مالك فقد ابتعناه منك . قال الزبير و حدثني بهذه القصة علي بن صالح عن جدي عبد الله بن مصعب عن أبيه قال خرج الحسين ع من عند معاوية و هو مغضب فلقي عبد الله بن الزبير فحدثه بما دار بينهما و قال لأخيرنه في خصال فقال له ابن الزبير ما قال ثم ذهب إلى معاوية فقال لقد لقيني الحسين فخيرك في ثلاث خصال و الرابعة الصيلم قال معاوية فلا حاجة لنا بالصيلم أظنك لقيته مغضبا فهات الثلاث قال أن تجعلني

[ 228 ]

أو ابن عمر بينك و بينه قال قد جعلتك بيني و بينه أو جعلت ابن عمر أو جعلتكما جميعا قال أو تقر له بحقه ثم تسأله إياه قال قد أقررت له بحقه و أنا أسأله إياه قال أو تشريه منه قال قد اشتريته منه فما الصيلم قال يهتف بحلف الفضول و أنا أول من يجيبه قال فلا حاجة لنا في ذلك . و بلغ الكلام عبد الله بن أبي بكر و المسور بن مخرمة فقالا للحسين مثل ما قاله ابن الزبير . فأما تفجر الماء من تحت أخفاف بعير عبد المطلب في الأرض الجرز فقد ذكره محمد بن إسحاق بن يسار في كتاب السيرة قال لما أنبط عبد المطلب الماء في زمزم حسدته قريش فقالت له يا عبد المطلب إنها بئر أبينا إسماعيل و إن لنا فيها حقا فأشركنا معك قال ما أنا بفاعل إن هذا الأمر أمر خصصت به دونكم و أعطيته من بينكم قالوا له فإنا غير تاركيك حتى نخاصمك فيها قال فاجعلوا بيني و بينكم حكما أحاكمكم إليه قالوا كاهنة بني سعد بن هذيم قال نعم و كانت بأشراف الشام فركب عبد المطلب في نفر من بني عبد مناف و خرج من كل قبيلة من قبائل قريش قوم و الأرض إذ ذاك مفاوز حتى إذا كانوا ببعض تلك المفاوز بين الحجاز و الشام نفد ما كان مع عبد المطلب و بني أبيه من الماء فعطشوا عطشا شديدا فاستسقوا قومهم فأبوا أن يسقوهم و قالوا نحن بمفازة و نخشى على أنفسنا مثل الذي أصابكم فلما رأى عبد المطلب ما صنع القوم و خاف على نفسه و أصحابه الهلاك قال لأصحابه ما ترون قالوا ما رأينا إلا تبع لرأيك فمرنا بما أحببت قال فإني أرى أن يحفر كل رجل منا حفرة لنفسه بما معه الآن من القوة فكلما مات رجل دفنه أصحابه في حفرته حتى يكون رجل واحد فضيعة

[ 229 ]

رجل واحد أيسر من ضيعة ركب قالوا نعم ما أشرت فقام كل رجل منهم فحفر حفيرة لنفسه و قعدوا ينتظرون الموت ثم إن عبد المطلب قال لأصحابه و الله إن إلقاءنا بأيدينا كذا للموت لا نضرب في الأرض فنطلب الماء لعجز قوموا فعسى الله أن يرزقنا ماء ببعض الأرض ارتحلوا فارتحلوا و من معهم من قبائل قريش ينظرون إليهم ما هم صانعون فتقدم عبد المطلب إلى راحلته فركبها فلما انبعثت به انفجر من تحت خفها عين من ماء عذب فكبر عبد المطلب و كبر أصحابه ثم نزل فشرب و شرب أصحابه و استقوا حتى ملئوا أسقيتهم ثم دعا القبائل من قريش فقال لهم هلموا إلى الماء فقد أسقانا الله فاشربوا و استقوا فجاءوا فشربوا و استقوا ثم قالوا قد و الله قضى الله لك علينا و الله لا نخاصمك في زمزم أبدا إن الذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاة هو الذي سقاك زمزم فارجع إلى سقايتك راشدا فرجع و رجعوا معه لم يصلوا إلى الكاهنة و خلوا بينه و بين زمزم . و روى صاحب كتاب الواقدي أن عبد الله بن جعفر فاخر يزيد بن معاوية بين يدي معاوية فقال له بأي آبائك تفاخرني أ بحرب الذي أجرناه أم بأمية الذي ملكناه أم بعبد شمس الذي كفلناه فقال معاوية لحرب بن أمية يقال هذا ما كنت أحسب أن أحدا في عصر حرب يزعم أنه أشرف من حرب فقال عبد الله بلى أشرف منه من كفأ عليه إناءه و جلله بردائه فقال معاوية ليزيد رويدا يا بني إن عبد الله يفخر عليك بك لأنك منه و هو منك فاستحيا عبد الله و قال يا أمير المؤمنين يدان انتشطتا و أخوان اصطرعا فلما قام عبد الله قال معاوية ليزيد يا بني إياك و منازعة

[ 230 ]

بني هاشم فإنهم لا يجهلون ما علموا و لا يجد مبغضهم لهم سبا قال أما قوله أ بحرب الذي أجرناه فإن قريشا كانت إذا سافرت فصارت على العقبة لم يتجاوزها أحد حتى تجوز قريش فخرج حرب ليلة فلما صار على العقبة لقيه رجل من بني حاجب بن زرارة تميمي فتنحنح حرب بن أمية و قال أنا حرب بن أمية فتنحنح التميمي و قال أنا ابن حاجب بن زرارة ثم بدر فجاز العقبة فقال حرب لاها الله لا تدخل بعدها مكة و أنا حي فمكث التميمي حينا لا يدخل و كان متجره بمكة فاستشار بها بمن يستجير من حرب فأشير عليه بعبد المطلب أو بابنه الزبير بن عبد المطلب فركب ناقته و صار إلى مكة ليلا فدخلها و أناخ ناقته بباب الزبير بن عبد المطلب فرغت الناقة فخرج إليه الزبير فقال أ مستجير فتجار أم طالب قرى فتقرى فقال

لاقيت حربا بالثنية مقبلا
و الليل أبلج نوره للساري
فعلا بصوت و اكتنى ليروعني
و دعا بدعوة معلن و شعار
فتركته خلفي و جزت أمامه
و كذاك كنت أكون في الأسفار
فمضى يهددني و يمنع مكة
إلا أحل بها بدار قرار
فتركته كالكلب ينبح وحده
و أتيت قرم مكارم و فخار
ليثا هزبرا يستجار بقربه
رحب المباءة مكرما للجار
و حلفت بالبيت العتيق و حجه
و بزمزم و الحجر و الأستار
إن الزبير لمانعي بمهند
صافي الحديدة صارم بتار

فقال الزبير اذهب إلى المنزل فقد أجرتك فلما أصبح نادى الزبير أخاه الغيداق

[ 231 ]

فخرجا متقلدين سيفيهما و خرج التميمي معهما فقالا له إنا إذا أجرنا رجلا لم نمش أمامه فامش أمامنا ترمقك أبصارنا كي لا تختلس من خلفنا فجعل التميمي يشق مكة حتى دخل المسجد فلما بصر به حرب قال و إنك لهاهنا و سبق إليه فلطمه و صاح الزبير ثكلتك أمك أ تلطمه و قد أجرته فثنى عليه حرب فلطمه ثانية فانتضى الزبير سيفه فحمل على حرب بين يديه و سعى الزبير خلفه فلم يرجع عنه حتى هجم حرب على عبد المطلب داره فقال ما شأنك قال الزبير قال اجلس و كفأ عليه إناء كان هاشم يهشم فيه الثريد و اجتمع الناس و انضم بنو عبد المطلب إلى الزبير و وقفوا على باب أبيهم بأيديهم سيوفهم فأزر عبد المطلب حربا بإزار كان له و رداه برداء له طرفان و أخرجه إليهم فعلموا أن أباهم قد أجاره . و أما معنى قوله أم بأمية الذي ملكناه فإن عبد المطلب راهن أمية بن عبد شمس على فرسين و جعل الخطر ممن سبقت فرسه مائة من الإبل و عشرة أعبد و عشر إماء و استعباد سنة و جز الناصية فسبق فرس عبد المطلب فأخذ الخطر فقسمه في قريش و أراد جز ناصيته فقال أو أفتدي منك باستعباد عشر سنين ففعل فكان أمية بعد في حشم عبد المطلب و عضاريطه عشر سنين . و أما قوله أم بعبد شمس الذي كفلناه فإن عبد شمس كان مملقا لا مال له فكان أخوه هاشم يكفله و يمونه إلى أن مات هاشم . و في كتاب الأغاني لأبي الفرج إن معاوية قال لدغفل النسابة أ رأيت عبد المطلب قال نعم قال كيف رأيته قال رأيته رجلا نبيلا جميلا وضيئا كان على

[ 232 ]

وجهه نور النبوة قال أ فرأيت أمية بن عبد شمس قال نعم قال كيف رأيته قال رأيته رجلا ضئيلا منحنيا أعمى يقوده عبده ذكوان فقال معاوية ذلك ابنه أبو عمرو قال أنتم تقولون ذلك فأما قريش فلم تكن تعرف إلا أنه عبده . و نقلت من كتاب هاشم و عبد شمس لابن أبي رؤبة الدباس . قال روى هشام بن الكلبي عن أبيه أن نوفل بن عبد مناف ظلم عبد المطلب ابن هاشم أركاحا له بمكة و هي الساحات و كان بنو نوفل يدا مع عبد شمس و عبد المطلب يدا مع هاشم فاستنصر عبد المطلب قوما من قومه فقصروا عن ذلك فاستنجد أخواله من بني النجار بيثرب فأقبل معه سبعون راكبا فقالوا لنوفل لا و الله يا أبا عدي ما رأينا بهذا الغائط ناشئا أحسن وجها و لا أمد جسما و لا أعف نفسا و لا أبعد من كل سوء من هذا الفتى يعنون عبد المطلب و قد عرفت قرابته منا و قد منعته ساحات له و نحن نحب أن ترد عليه حقه فرده عليه فقال عبد المطلب

تأبى مازن و بنو عدي
و ذبيان بن تيم اللات ضيمي
و زادت مالك حتى تناهت
و نكب بعد نوفل عن حريمي

قال و يقال إن ذلك كان سبب مخالفة خزاعة عبد المطلب . قال و روى أبو اليقظان سحيم بن حفص أن عبد المطلب جمع بنيه عند وفاته و هم عشرة يومئذ فأمرهم و نهاهم و أوصاهم و قال إياكم و البغي فو الله ما خلق الله شيئا

[ 233 ]

أعجل عقوبة من البغي و ما رأيت أحدا بقي على البغي إلا إخوتكم من بني عبد شمس . و روى الوليد بن هشام بن قحذم قال قال عثمان يوما وددت أني رأيت رجلا قد أدرك الملوك يحدثني عما مضى فذكر له رجل بحضرموت فبعث إليه فحدثه حديثا طويلا تركنا ذكره إلى أن قال أ رأيت عبد المطلب بن هاشم قال نعم رأيت رجلا قعدا أبيض طويلا مقرون الحاجبين بين عينيه غرة يقال إن فيها بركة و إن فيه بركة قال أ فرأيت أمية بن عبد شمس قال نعم رأيت رجلا آدم دميما قصيرا أعمى يقال إنه نكد و إن فيه نكدا فقال عثمان يكفيك من شر سماعه و أمر بإخراج الرجل . و روى هشام بن الكلبي أن أمية بن عبد شمس لما كان غلاما كان يسرق الحاج فسمي حارسا . و روى ابن أبي رؤبة في هذا الكتاب أن أول قتيل قتله بنو هاشم من بني عبد شمس عفيف بن أبي العاص بن أمية قتله حمزة بن عبد المطلب و لم أقف على هذا الخبر إلا من كتاب ابن أبي رؤبة . قال و مما يصدق قول من روى أن أمية بن عبد شمس استعبده عبد المطلب شعر أبي طالب بن عبد المطلب حين تظاهرت عبد شمس و نوفل عليه و على رسول الله ص و حصروهما في الشعب فقال أبو طالب

توالى علينا موليانا كلاهما
إذا سئلا قالا إلى غيرنا الأمر
بلى لهما أمر و لكن تراجما
كما ارتجمت من رأس ذي القلع الصخر
أخص خصوصا عبد شمس و نوفلا
هما نبذانا مثل ما تنبذ الخمر
هما أغمضا للقوم في أخويهما
فقد أصبحت أيديهما و هما صفر

[ 234 ]

قديما أبوهم كان عبدا لجدنا
بني أمة شهلاء جاش بها البحر
لقد سفهوا أحلامهم في محمد
فكانوا كجعر بئس ما ضفطت جعر

ثم نرجع إلى حكاية شيخنا أبي عثمان و قد نمزجه بكلام آخر لنا أو لغيرنا ممن تعاطى الموازنة بين هذين البيتين . قال أبو عثمان فإن قالت أمية لنا الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي أربعة خلفاء في نسق قلنا لهم و لبني هاشم هارون الواثق بن محمد المعتصم بن هارون الرشيد بن محمد المهدي بن عبد الله المنصور بن محمد الكامل بن علي السجاد كان يصلي كل يوم و ليلة ألف ركعة فكان يقال له السجاد لعبادته و فضله و كان أجمل قريش على وجه الأرض و أوسمها ولد ليلة قتل علي بن أبي طالب ع فسمي باسمه و كني بكنيته فقال عبد الملك لا و الله لا أحتمل لك الاسم و لا الكنية فغير أحدهما فغير الكنية فصيرها أبا محمد بن عبد الله و هو البحر و هو حبر قريش و هو المفقه في الدين المعلم التأويل ابن العباس ذي الرأي و حليم قريش بن شيبة الحمد و هو عبد المطلب سيد الوادي بن عمرو و هو هاشم هشم الثريد و هو القمر سمي بذلك لجماله و لأنهم كانوا يقتدون و يهتدون برأيه ابن المغيرة و هو عبد مناف بن زيد و هو قصي و هو مجمع فهؤلاء ثلاثة عشر سيدا لم يحرم منهم واحد و لا قصر عن الغاية و ليس منهم واحد إلا و هو ملقب بلقب اشتق له من فعله الكريم و من خلقه الجميل و ليس منهم إلا خليفة أو موضع للخلافة أو سيد في قديم الدهر منيع أو ناسك مقدم أو فقيه بارع أو حليم ظاهر الركانة و ليس هذا لأحد سواهم و منهم خمسة خلفاء في نسق و هم أكثر مما عدته الأموية و لم يكن

[ 235 ]

مروان كالمنصور لأن المنصور ملك البلاد و دوخ الأقطار و ضبط الأطراف اثنتين و عشرين سنة و كانت خلافة مروان على خلاف ذلك كله و إنما بقي في الخلافة تسعة أشهر حتى قتلته امرأته عاتكة بنت يزيد بن معاوية حين قال لابنها خالد من بعلها الأول يا ابن الرطبة و لئن كان مروان مستوجبا لاسم الخلافة مع قلة الأيام و كثرة الاختلاف و اضطراب البلدان فضلا عن الأطراف فابن الزبير أولى بذلك منه فقد كان ملك الأرض إلا بعض الأردن و لكن سلطان عبد الملك و أولاده لما اتصل بسلطان مروان اتصل عند القوم ما انقطع منه و أخفى موضع الوهن عند من لا علم له و سنو المهدي كانت سني سلامة و ما زال عبد الملك في انتقاض و انتكاث و لم يكن ملك يزيد كملك هارون و لا ملك الوليد كملك المعتصم . قلت رحم الله أبا عثمان لو كان اليوم لعد من خلفاء بني هاشم تسعة في نسق المستعصم بن المستنصر بن الطاهر بن المستضي‏ء بن المستنجد بن المقتفي بن المستظهر بن المقتدر و الطالبيون بمصر يعدون عشرة في نسق الآمر بن المستعلي بن المستنصر بن الطاهر بن الحاكم بن العزيز بن المعتز بن المنصور بن القائم بن المهدي . قال أبو عثمان و تفخر عليهم بنو هاشم بأن سني ملكهم أكثر و مدته أطول فإنه قد بلغت مدة ملكهم إلى اليوم أربعا و تسعين سنة و يفخرون أيضا عليهم بأنهم ملكوا بالميراث و بحق العصبة و العمومة و إن ملكهم في مغرس نبوة و إن أسبابهم غير أسباب بني مروان بل ليس لبني مروان فيها سبب و لا بينهم و بينها نسب إلا أن يقولوا إنا من قريش فيساووا في هذا الاسم قريش الظواهر لأن رواية الراوي الأئمة من قريش واقعة على كل قرشي و أسباب الخلافة معروفة و ما يدعيه كل جيل معلوم و إلى كل ذلك قد ذهب الناس فمنهم من ادعاه لعلي ع لاجتماع القرابة و السابقة و الوصية فإن كان الأمر كذلك فليس لآل أبي سفيان و آل مروان فيها دعوى و إن كانت

[ 236 ]

إنما تنال بالوراثة و تستحق بالعمومة و تستوجب بحق العصبة فليس لهم أيضا فيها دعوى و إن كانت لا تنال إلا بالسوابق و الأعمال و الجهاد فليس لهم في ذلك قدم مذكور و لا يوم مشهور بل كانوا إذ لم تكن لهم سابقة و لم يكن فيهم ما يستحقون به الخلافة و لم يكن فيهم ما يمنعهم منها أشد المنع لكان أهون و لكان الأمر عليهم أيسر قد عرفنا كيف كان أبو سفيان في عداوة النبي ص و في محاربته له و إجلابه عليه و غزوة إياه و عرفنا إسلامه حيث أسلم و إخلاصه كيف أخلص و معنى كلمته يوم الفتح حين رأى الجنود و كلامه يوم حنين و قوله يوم صعد بلال على الكعبة فأذن على أنه إنما أسلم على يدي العباس رحمه الله و العباس هو الذي منع الناس من قتله و جاء به رديفا إلى رسول الله ص و سأله فيه أن يشرفه و أن يكرمه و ينوه به و تلك يد بيضاء و نعمة غراء و مقام مشهود و يوم حنين غير مجحود فكان جزاء بني هاشم من بنيه أن حاربوا عليا و سموا الحسن و قتلوا الحسين و حملوا النساء على الأقتاب حواسر و كشفوا عن عورة علي بن الحسين حين أشكل عليهم بلوغه كما يصنع بذراري المشركين إذا دخلت دورهم عنوة و بعث معاوية بسر بن أرطاة إلى اليمن فقتل ابني عبيد الله بن العباس و هما غلامان لم يبلغا الحلم و قتل عبيد الله بن زياد يوم الطف تسعة من صلب علي ع و سبعة من صلب عقيل و لذلك قال ناعيهم

عين جودي بعبرة و عويل
و اندبي إن ندبت آل الرسول
تسعة كلهم لصلب علي
قد أصيبوا و سبعة لعقيل

ثم إن أمية تزعم أن عقيلا أعان معاوية على علي ع فإن كانوا كاذبين فما أولاهم بالكذب و إن كانوا صادقين فما جازوا عقيلا بما صنع و ضرب عنق مسلم

[ 237 ]

بن عقيل صبرا و غدرا بعد الأمان و قتلوا معه هانئ بن عروة لأنه آواه و نصره و لذلك قال الشاعر

فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري
إلى هانئ في السوق و ابن عقيل
تري بطلا قد هشم السيف وجهه
و آخر يهوي من طمار قتيل

و أكلت هند كبد حمزة فمنهم آكلة الأكباد و منهم كهف النفاق و منهم من نقر بين ثنيتي الحسين ع بالقضيب و منهم القاتل يوم الحرة عون بن عبد الله بن جعفر و يوم الطف أبا بكر بن عبد الله بن جعفر و قتل يوم الحرة أيضا من بني هاشم الفضل بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب و العباس بن عتبة بن أبي لهب بن عبد المطلب و عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب . قلت إن أبا عثمان قايس بين مدتي ملكهما و هو حينئذ في أيام الواثق ففضل هؤلاء عليهم لأن ملكهم أطول من ملكهم بعشر سنين فكيف به لو كان اليوم حيا و قد امتد ملكهم خمسمائة و ست عشرة سنة و هذا أكثر من ملك البيت الثالث من ملوك الفرس بنحو ثلاثين سنة و أيضا فإن كان الفخر بطول مدة الملك فبنو هاشم قد كان لهم أيضا ملك بمصر نحو مائتين و سبعين سنة مع ما ملكوه بالمغرب قبل أن ينتقلوا إلى مصر

[ 238 ]

قال أبو عثمان و قالت هاشم لأمية قد علم الناس ما صنعتم بنا من القتل و التشريد لا لذنب أتيناه إليكم ضربتم علي بن عبد الله بن عباس بالسياط مرتين على أن تزوج بنت عمه الجعفرية التي كانت عند عبد الملك و على أن نحلتموه قتل سليط و سممتم أبا هاشم عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب ع و نبشتم زيدا و صلبتموه و ألقيتم رأسه في عرصة الدار توطأ بالأقدام و ينقر دماغه الدجاج حتى قال القائل

اطرد الديك عن ذؤابة زيد
طالما كان لا تطأه الدجاج

و قال شاعركم أيضا

صلبنا لكم زيدا على جذع نخلة
و لم نر مهديا على الجذع يصلب
و قستم بعثمان عليا سفاهة
و عثمان خير من علي و أطيب

فروي أن بعض الصالحين من أهل البيت ع قال اللهم إن كان كاذبا فسلط عليه كلبا من كلابك فخرج يوما بسفر له فعرض له الأسد فافترسه و قتلتم الإمام جعفرا الصادق ع و قتلتم يحيى بن زيد و سميتم قاتله ثائر مروان و ناصر الدين هذا إلى ما صنع سليمان بن حبيب بن المهلب عن أمركم و قولكم بعبد الله أبي جعفر المنصور قبل الخلافة و ما صنع مروان بإبراهيم الإمام أدخل رأسه في جراب نورة حتى مات فإن أنشدتم

أفاض المدامع قتلى كدى
و قتلى بكثوة لم ترمس
و بالزابيين نفوس ثوت
و أخرى بنهر أبي فطرس

أنشدنا نحن

و اذكروا مصرع الحسين و زيدا
و قتيلا بجانب المهراس

[ 239 ]

و القتيل الذي بنجران أمسى
ثاويا بين غربة و تناس

و قد علمتم حال مروان أبيكم و ضعفه و أنه كان رجلا لا فقه له و لا يعرف بالزهد و لا الصلاح و لا برواية الآثار و لا بصحبة و لا ببعد همة و إنما ولي رستاقا من رساتيق درابجرد لابن عامر ثم ولي البحرين لمعاوية و قد كان جمع أصحابه و من تابعه ليبايع ابن الزبير حتى رده عبيد الله بن زياد و قال يوم مرج راهط و الرءوس تندر عن كواهلها في طاعته

و ما ضرهم غير حين النفوس
و أي غلامي قريش غلب

هذا قول من لا يستحق أن يلي ربعا من الأرباع و لا خمسا من الأخماس و هو أحد من قتلته النساء لكلمة كان حتفه فيها . و أما أبوه الحكم بن العاص فهو طريد رسول الله ص و لعينه و المتخلج في مشيته الحاكي لرسول الله ص و المستمع عليه ساعة خلوته ثم صار طريدا لأبي بكر و عمر امتنعا عن إعادته إلى المدينة و لم يقبلا شفاعة عثمان فلما ولي أدخله فكان أعظم الناس شؤما عليه و من أكبر الحجج في قتله و خلعه من الخلافة فعبد الملك أبو هؤلاء الملوك الذين تفتخر الأموية بهم أعرق الناس في الكفر لأن أحد أبويه الحكم هذا و الآخر من قبل أمه معاوية بن المغيرة بن أبي العاص كان النبي ص طرده من المدينة و أجله ثلاثا فحيره الله تعالى حين خرج و بقي مترددا متلددا حولها لا يهتدي لسبيله حتى أرسل في أثره عليا ع و عمارا فقتلاه فأنتم أعرق الناس في الكفر و نحن أعرق الناس في الإيمان و لا يكون أمير المؤمنين إلا أولاهم بالإيمان و أقدمهم فيه . قال أبو عثمان و تفخر هاشم بأن أحدا لم يجد تسعين عاما لا طواعين فيها إلا منذ ملكوا قالوا لو لم يكن من بركة دعوتنا إلا أن تعذيب الأمراء بعمال الخراج

[ 240 ]

بالتعليق و الزهق و التجريد و التسهير و المسالد و النورة و الجورتين و العذراء و الجامعة و التشطيب قد ارتفع لكان ذلك خيرا كثيرا و في الطاعون يقول العماني الراجز يذكر دولتنا

قد رفع الله رماح الجن
و أذهب التعذيب و التجني

و العرب تسمي الطواعين رماح الجن و في ذلك يقول الشاعر

لعمرك ما خشيت على أبي
رماح بني مقيدة الحمار
و لكني خشيت على أبي
رماح الجن أو إياك حار

يقول بعض بني أسد للحارث الغساني الملك . قال أبو عثمان و تفخر هاشم عليهم بأنهم لم يهدموا الكعبة و لم يحولوا القبلة و لم يجعلوا الرسول دون الخليفة و لم يختموا في أعناق الصحابة و لم يغيروا أوقات الصلاة و لم ينقشوا أكف المسلمين و لم يأكلوا الطعام و يشربوا على منبر رسول الله ص و لم ينهبوا الحرم و لم يطئوا المسلمات دار في الإسلام بالسباء . قلت نقلت من كتاب افتراق هاشم و عبد شمس لأبي الحسين محمد بن علي بن نصر المعروف بابن أبي رؤبة الدباس قال كان بنو أمية في ملكهم يؤذنون و يقيمون في العيد و يخطبون بعد الصلاة و كانوا في سائر صلاتهم لا يجهرون بالتكبير في الركوع و السجود و كان لهشام بن عبد الملك خصي إذا سجد هشام و هو يصلي في المقصورة قال لا إله إلا الله فيسمع الناس فيسجدون و كانوا يقعدون في إحدى خطبتي العيد و الجمعة و يقومون في الأخرى قال و رأى كعب مروان بن الحكم يخطب قاعدا فقال انظروا

[ 241 ]

إلى هذا يخطب قاعدا و الله تعالى يقول لرسوله وَ تَرَكُوكَ قائِماً . قال و أول من قعد في الخطب معاوية و أول من أذن و أقام في صلاة العيد بشر بن مروان و كان عمال بني أمية يأخذون الجزية ممن أسلم من أهل الذمة و يقولون هؤلاء فروا من الجزية و يأخذون الصدقة من الخيل و ربما دخلوا دار الرجل قد نفق فرسه أو باعه فإذا أبصروا الآخية قالوا قد كان هاهنا فرس فهات صدقتها و كانوا يؤخرون صلاة الجمعة تشاغلا عنها بالخطبة و يطيلون فيها إلى أن تتجاوز وقت العصر و تكاد الشمس تصفر فعل ذلك الوليد بن عبد الملك و يزيد أخوه و الحجاج عاملهم و وكل بهم الحجاج المسالخ معه و السيوف على رءوسهم فلا يستطيعون أن يصلوا الجمعة في وقتها . و قال الحسن البصري وا عجبا من أخيفش أعيمش جاءنا ففتننا عن ديننا و صعد على منبرنا فيخطب و الناس يلتفتون إلى الشمس فيقول ما بالكم تلتفتون إلى الشمس إنا و الله ما نصلي للشمس إنما نصلي لرب الشمس أ فلا تقولون يا عدو الله إن لله حقا بالليل لا يقبله بالنهار و حقا بالنهار لا يقبله بالليل ثم يقول الحسن و كيف يقولون ذلك و على رأس كل واحد منهم علج قائم بالسيف قال و كانوا يسبون ذراري الخوارج من العرب و غيرهم لما قتل قريب و زحاف الخارجيان سبى زياد ذراريهما فأعطى شقيق بن ثور السدوسي إحدى بناتهما و أعطى عباد بن حصين الأخرى و سبيت بنت لعبيدة بن هلال اليشكري و بنت لقطري بن الفجاءة المازني فصارت هذه إلى العباس بن الوليد بن عبد الملك و اسمها أم سلمة

[ 242 ]

فوطئها بملك اليمين على رأيهم فولدت له المؤمل و محمدا و إبراهيم و أحمد و حصينا بني عباس بن الوليد بن عبد الملك و سبي واصل بن عمرو القنا و استرق و سبي سعيد الصغير الحروري و استرق و أم يزيد بن عمر بن هبيرة و كانت من سبي عمان الذين سباهم مجاعة و كانت بنو أمية تبيع الرجل في الدين يلزمه و ترى أنه يصير بذلك رقيقا . كان معن أبو عمير بن معن الكاتب حرا مولى لبني العنبر فبيع في دين عليه فاشتراه أبو سعيد بن زياد بن عمرو العتكي و باع الحجاج علي بن بشير بن الماحوز لكونه قتل رسول المهلب على رجل من الأزد . فأما الكعبة فإن الحجاج في أيام عبد الملك هدمها و كان الوليد بن يزيد يصلي إذا صلى أوقات إفاقته من السكر إلى غير القبلة فقيل له فقرأ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اَللَّهِ . و خطب الحجاج بالكوفة فذكر الذين يزورون قبر رسول الله ص بالمدينة فقال تبا لهم إنما يطوفون بأعواد و رمة بالية هلا طافوا بقصر أمير المؤمنين عبد الملك أ لا يعلمون أن خليفة المرء خير من رسوله . قال و كانت بنو أمية تختم في أعناق المسلمين كما توسم الخيل علامة لاستعبادهم . و بايع مسلم بن عقبة أهل المدينة كافة و فيها بقايا الصحابة و أولادها و صلحاء التابعين على أن كلا منهم عبد قن لأمير المؤمنين يزيد بن معاوية إلا علي بن الحسين ع فإنه بايعه على أنه أخوه و ابن عمه . قال و نقشوا أكف المسلمين علامة لاسترقاقهم كما يصنع بالعلوج من الروم و الحبشة و كانت خطباء بني أمية تأكل و تشرب على المنبر يوم الجمعة لإطالتهم

[ 243 ]

في الخطبة و كان المسلمون تحت منبر الخطبة يأكلون و يشربون قال أبو عثمان و يفخر بنو العباس على بني مروان و هاشم على عبد شمس بأن الملك كان في أيديهم فانتزعوه منهم و غلبوهم بالبطش الشديد و بالحيلة اللطيفة ثم لم ينزعوه إلا من يد أشجعهم شجاعة و أشدهم تدبيرا و أبعدهم غورا و من نشأ في الحروب و ربي في الثغور و من لا يعرف إلا الفتوح و سياسة الجنود ثم أعطى الوفاء من أصحابه و الصبر من قواده فلم يغدر منهم غادر و لا قصر منهم مقصر كما قد بلغك عن حنظلة بن نباتة و عامر بن ضبارة و يزيد بن عمر بن هبيرة و لا أحد من سائر قواده حتى من أحبابه و كتابه كعبد الحميد الكاتب ثم لم يلقه و لا لقي تلك الحروب في عامة تلك الأيام إلا رجال ولد العباس بأنفسهم و لا قام بأكثر الدولة إلا مشايخهم كعبد الله بن علي و صالح بن علي و داود بن علي و عبد الصمد بن علي و قد لقيهم المنصور نفسه . قال و تفخر هاشم أيضا عليهم

بقول النبي ص و هو الصادق المصدق نقلت من الأصلاب الزاكية إلى الأرحام الطاهرة و ما افترقت فرقتان إلا كنت في خيرهما و

قال أيضا بعثت من خيرة قريش . و معلوم أن بني عبد مناف افترقوا فكانت هاشم و المطلب يدا و عبد شمس و نوفل يدا قال و إن كان الفخر بكثرة العدد فإنه من أعظم مفاخر العرب فولد علي بن عبد الله بن العباس اليوم مثل جميع بني عبد شمس و كذلك ولد الحسين بن علي ع هذا مع قرب ميلادهما و

قد قال النبي ص شوهاء ولود خير من حسناء عقيم و

قال أنا مكاثر بكم الأمم و

قد روى الشعبي عن جابر بن عبد الله أن النبي ص قدم من سفر

[ 244 ]

فأراد الرجال أن يطرقوا النساء ليلا فقال أمهلوا حتى تمتشط الشعثة و تستحد المغيبة فإذا قدمتم فالكيس الكيس قالوا ذهب إلى طلب الولد و كانت العرب تفخر بكثرة الولد و تمدح الفحل القبيس و تذم العاقر و العقيم . و قال عامر بن الطفيل يعني نفسه

لبئس الفتى إن كنت أعور عاقرا
جبانا فما عذري لدى كل محضر

و قال علقمة بن علاثة يفخر على عامر آمنت و كفر و وفيت و غدر و ولدت و عقر . و قال الزبرقان

فاسأل بني سعد و غيرهم
يوم الفخار فعندهم خبري
أي امرئ أنا حين يحضرني
رفد العطاء و طالب النصر
و إذا هلكت تركت وسطهم
ولدي الكرام و نابه الذكر

و قال طرفة بن العبد

فلو شاء ربي كنت قيس بن خالد
و لو شاء ربي كنت عمرو بن مرثد
فأصبحت ذا مال كثير و عادني
بنون كرام سادة لمسود

و مدح النابغة الذبياني ناسا فقال

لم يحرموا طيب النساء و أمهم
طفحت عليك بناتق مذكار

[ 245 ]

و قال نهشل بن حري

على بني يشد الله عظمهم
و النبع ينبت قضبانا فيكتهل

و مكث الفرزدق زمانا لا يولد له فعيرته امرأته فقال

قالت أراه واحدا لا أخا له
يؤمله في الوارثين الأباعد
لعلك يوما أن تريني كأنما
بني حوالي الليوث الحوارد
فإن تميما قبل أن يلد الحصى
أقام زمانا و هو في الناس واحد

و قال الآخر و قد مات إخوته و ملأ حوضه ليسقي فجاء رجل صاحب عشيرة و عترة فأخذ بضبعه فنحاه ثم قال لراعيه اسق إبلك

لو كان حوض حمار ما شربت به
إلا بإذن حمار آخر الأبد
لكنه حوض من أودى بإخوته
ريب المنون فأمسى بيضة البلد
لو كان يشكي إلى الأموات ما لقي
الحياء بعدهم من قلة العدد
ثم اشتكيت لأشكاني و أنجدني
قبر بسنجار أو قبر على فحد

و قال الأعشى و هو يذكر الكثرة

و لست بالأكثر منهم حصى
و إنما العزة للكاثر

قال و قد ولد رجال من العرب كل منهم يلد لصلبه أكثر من مائة فصاروا بذلك مفخرا منهم عبد الله بن عمير الليثي و أنس بن مالك الأنصاري و خليفة بن بر السعدي أتى على عامتهم الموت الجارف و مات جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس عن ثلاثة و أربعين ذكرا و خمس و ثلاثين امرأة كلهم لصلبه فما ظنك بمن مات من ولده في حياته و ليس طبقة من طبقات الأسنان الموت إليها أسرع و فيها أعم

[ 246 ]

و أفشى من سن الطفولية و أمر جعفر بن سليمان قد عاينه عالم من الناس و عامتهم أحياء و ليس خبر جعفر كخبر غيره من الناس . قال الهيثم بن عدي أفضى الملك إلى ولد العباس و جميع ولد العباس يومئذ من الذكور ثلاثة و أربعون رجلا و مات جعفر بن سليمان وحده عن مثل ذلك العدد من الرجال و ممن قرب ميلاده و كثر نسله حتى صار كبعض القبائل و العمائر أبو بكر صاحب رسول الله ص و المهلب بن أبي صفرة و مسلم بن عمرو الباهلي و زياد بن عبيد أمير العراق و مالك بن مسمع و ولد جعفر بن سليمان اليوم أكثر عددا من أهل هذه القبائل و أربعة من قريش ترك كل واحد منهم عشرة بنين مذكورين معروفين و هم عبد المطلب بن هاشم و المطلب بن عبد مناف و أمية بن عبد شمس و المغيرة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم و ليس على ظهر الأرض هاشمي إلا من ولد عبد المطلب و لا يشك أحد أن عدد الهاشميين شبيه بعدد الجميع فهذا ما في الكثرة و القلة . قلت رحم الله أبا عثمان لو كان حيا اليوم لرأى ولد الحسن و الحسين ع أكثر من جميع العرب الذين كانوا في الجاهلية على عصر النبي ص المسلمين منهم و الكافرين لأنهم لو أحصوا لما نقص ديوانهم عن مائتي ألف إنسان . قال أبو عثمان و إن كان الفخر بنبل الرأي و صواب القول فمن مثل عباس بن عبد المطلب و عبد الله بن العباس و إن كان في الحكم و السؤدد و أصالة الرأي و الغناء العظيم فمن مثل عبد المطلب و إن كان إلى الفقه و العلم بالتأويل و معرفة التأويل و إلى القياس السديد و إلى الألسنة الحداد و الخطب الطوال فمن مثل علي بن أبي طالب ع و عبد الله بن عباس .

[ 247 ]

قالوا خطبنا عبد الله بن عباس خطبة بمكة أيام حصار عثمان لو شهدها الترك و الديلم لأسلموا . و في عبد الله بن العباس يقول حسان بن ثابت

إذا قال لم يترك مقالا لقائل
بملتقطات لا ترى بينها فضلا
شفى و كفى ما في النفوس فلم يدع
لذي إربة في القول جدا و لا هزلا

و هو البحر و هو الحبر و كان عمر يقول له في حداثته عند إجالة الرأي غص يا غواص و كان يقدمه على جلة السلف . قلت أبى أبو عثمان إلا إعراضا عن علي ع هلا قال فيه كما قال في عبد الله فلعمري لو أراد لوجد مجالا و لألفى قولا وسيعا و هل تعلم الناس الخطب و العهود و الفصاحة إلا من كلام علي ع و هل أخذ عبد الله رحمه الله الفقه و تفسير القرآن إلا عنه فرحم الله أبا عثمان لقد غلبت البصرة و طينتها على إصابة رأيه . قال أبو عثمان و إن كان الفخر في البسالة و النجدة و قتل الأقران و جزر الفرسان فمن كحمزة بن عبد المطلب و علي بن أبي طالب و كان الأحنف إذا ذكر حمزة قال أكيس و كان لا يرضى أن يقول شجاع لأن العرب كانت تجعل ذلك أربع طبقات فتقول شجاع فإذا كان فوق ذلك قالت بطل فإذا كان فوق ذلك قالت بهمة فإذا كان فوق ذلك قالت أكيس و قال العجاج

أكيس عن حوبائه سخي

و هل أكثر ما يعد الناس من جرحاهما و صرعاهما إلا سادتكم و أعلامكم قتل حمزة و علي ع عتبة و الوليد و قتلا شيبة أيضا شركا عبيدة بن الحارث فيه و قتل علي ع حنظلة بن أبي سفيان فأما آباء ملوككم من بني مروان فإنهم كما قال

[ 248 ]

عبد الله بن الزبير لما أتاه خبر المصعب إنا و الله ما نموت حبجا كما يموت آل أبي العاص و الله ما قتل منهم قتيل في جاهلية و لا إسلام و ما نموت إلا قتلا قعصا بالرماح و موتا تحت ظلال السيوف . قال أبو عثمان كأنه لم يعد قتل معاوية بن المغيرة بن أبي العاص قتلا إذ كان إنما قتل في غير معركة و كذلك قتل عثمان بن عفان إذ كان إنما قتل محاصرا و لا قتل مروان بن الحكم لأنه قتل خنقا خنقته النساء قال و إنما فخر عبد الله بن الزبير بما في بني أسد بن عبد العزى من القتلى لأن من شأن العرب أن يفخروا بذلك كيف كانوا قاتلين أو مقتولين أ لا ترى أنك لا تصيب كثرة القتلى إلا في القوم المعروفين بالبأس و النجدة و بكثرة اللقاء و المحاربة كآل أبي طالب و آل الزبير و آل المهلب . قال و في آل الزبير خاصة سبعة مقتولون في نسق و لم يوجد ذلك في غيرهم قتل عمارة و حمزة ابنا عبد الله بن الزبير يوم قديد في المعركة قتلهما الإباضية و قتل عبد الله بن الزبير في محاربة الحجاج و قتل مصعب بن الزبير بدير الجاثليق في المعركة أكرم قتل و بإزائه عبد الملك بن مروان و قتل الزبير بوادي السباع منصرفه عن وقعة الجمل و قتل العوام بن خويلد في حرب الفجار و قتل خويلد بن أسد بن عبد العزى في حرب خزاعة فهؤلاء سبعة في نسق . قال و في بني أسد بن عبد العزى قتلى كثيرون غير هؤلاء قتل المنذر بن الزبير بمكة قتله أهل الشام في حرب الحجاج و هو على بغل ورد كان نفر به فأصعد به في الجبل

[ 249 ]

و إياه يعني يزيد بن مفرغ الحميري و هو يهجو صاحبكم عبيد الله بن زياد و يعيره بفراره يوم البصرة

لابن الزبير غداة تدمر منذرا
أولى بكل حفيظة و دفاع

و قتل عمرو بن الزبير قتله أخوه عبد الله بن الزبير و كان في جوار أخيه عبيدة بن الزبير فلم يغن عنه فقال الشاعر يحرض عبيدة على قتل أخيه عبد الله بن الزبير و يعيره بإخفاره جوار عمرو أخيهما

أ عبيد لو كان المجير لولولت
بعد الهدو برنة أسماء
أ عبيد إنك قد أجرت و جاركم
تحت الصفيح تنوبه الأصداء
اضرب بسيفك ضربة مذكورة
فيها أداء أمانه و وفاء

و قتل بجير بن العوام أخو الزبير بن العوام قتله سعد بن صفح الدوسي جد أبي هريرة من قبل أمه قتله بناحية اليمامة و قتل معه أصرم و بعلك أخويه ابني العوام بن خويلد و قد قتل منهم في محاربة النبي ص قوم مشهورون منهم زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى كان شريفا قتل يوم بدر و أبوه الأسود كان المثل يضرب بعزته بمكة و فيه قال رسول الله ص و هو يذكر عاقر الناقة كان عزيزا منيعا كأبي زمعة و يكنى زمعة بن الأسود أبا حكيمة و قتل الحارث بن الأسود بن المطلب يوم بدر أيضا و قتل عبد الله بن حميد بن زهير بن الحارث بن الأسود بن المطلب بن أسد يوم بدر أيضا و قتل نوفل بن خويلد يوم بدر أيضا قتله علي بن أبي طالب ع و قتل يوم الحرة يزيد بن عبد الله بن زمعة بن الأسود ضرب عنقه مسرف بن عقبة صبرا قال له بايع لأمير المؤمنين يزيد

[ 250 ]

بن معاوية على أنك عبد قن له قال بل أبايعه على أني أخوه و ابن عمه فضرب عنقه و قتل إسماعيل بن هبار بن الأسود ليلا و كان ادعى حيلة فخرج مصرخا لمن استصرخه فقتل فاتهم به مصعب بن عبد الله بن عبد الرحمن فأحلفه معاوية خمسين يمينا و خلى سبيله فقال الشاعر

و لا أجيب بليل داعيا أبدا
أخشى الغرور كما غر ابن هبار
باتوا يجرونه في الحش منعقرا
بئس الهدية لابن العم و الجار

و قتل عبد الرحمن بن العوام بن خويلد في خلافة عمر بن الخطاب في بعض المغازي و قتل ابنه عبد الرحمن يوم الدار مع عثمان فعبد الله بن عبد الرحمن بن العوام بن خويلد قتيل ابن قتيل ابن قتيل ابن قتيل أربعة و من قتلاهم عيسى بن مصعب بن الزبير قتل بين يدي أبيه بمسكن في حرب عبد الملك و كان مصعب يكنى أبا عيسى و أبا عبد الله و فيه يقول الشاعر

لتبك أبا عيسى و عيسى كلاهما
موالي قريش كهلها و صميمها

و منهم مصعب بن عكاشة بن مصعب بن الزبير قتل يوم قديد في حرب الخوارج و قد ذكره الشاعر فقال

قمن فاندبن رجالا قتلوا
بقديد و لنقصان العدد
ثم لا تعدلن فيها مصعبا
حين يبكى من قتيل بأحد
إنه قد كان فيها باسلا
صارما يقدم إقدام الأسد

و منهم خالد بن عثمان بن خالد بن الزبير خرج مع محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن فقتله أبو جعفر و صلبه و منهم عتيق بن عامر بن عبد الله بن الزبير قتل بقديد أيضا و سمي عتيقا باسم جده أبي بكر الصديق .

[ 251 ]

قلت هذا أيضا من تحامل أبي عثمان هلا ذكر قتلى الطف و هم عشرون سيدا من بيت واحد قتلوا في ساعة واحدة و هذا ما لم يقع مثله في الدنيا لا في العرب و لا في العجم . و لما قتل حذيفة بن بدر يوم الهباءة و قتل معه ثلاثة أو أربعة من أهل بيته ضربت العرب بذلك الأمثال و استعظموه فجاء يوم الطف جرى الوادي فطم على القري . و هلا عدد القتلى من آل أبي طالب فإنهم إذا عدوا إلى أيام أبي عثمان كانوا عددا كثيرا أضعاف ما ذكره من قتلى الأسديين قال أبو عثمان و إن كان الفخر و الفضل في الجود و السماح فمن مثل عبد الله بن جعفر بن أبي طالب و من مثل عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب . و قد اعترضت الأموية هذا الموضع فقالت إنما كان عبد الله بن جعفر يهب ما كان معاوية و يزيد يهبان له فمن فضل جودنا جاد . قالوا و معاوية أول رجل في الأرض وهب ألف ألف درهم و ابنه أول من ضاعف ذلك فإنه كان يجيز الحسن و الحسين ابني علي ع في كل عام لكل واحد منهما بألف ألف درهم و كذلك كان يجيز عبد الله بن العباس و عبد الله بن جعفر فلما مات و قام يزيد وفد عليه عبد الله بن جعفر فقال له إن أمير المؤمنين معاوية كان يصل رحمي في كل سنة بألف ألف درهم قال فلك ألفا ألف درهم فقال بأبي أنت و أمي أما إني ما قلتها لابن أنثى قبلك قال فلك أربعة آلاف ألف درهم . و هذا الاعتراض ساقط لأن ذلك إن صح لم يعد جودا و لا جائزة و لا صلة رحم هؤلاء

[ 252 ]

قوم كان يخافهم على ملكه و يعرف حقهم فيه و موقعهم من قلوب الأمة فكان يدبر في ذلك تدبيرا و يريع أمورا و يصانع عن دولته و ملكه و نحن لم نعد قط ما أعطى خلفاء بني هاشم قوادهم و كتابهم و بني عمهم جودا فقد وهب المأمون للحسن بن سهل غلة عشرة آلاف ألف فما عد ذلك منه مكرمة و كذلك كل ما يكون داخلا في باب التجارة و استمالة القلوب و تدبير الدولة و إنما يكون الجود ما يدفعه الملوك في الوفود و الخطباء و الشعراء و الأشراف و الأدباء و السمار و نحوهم و لو لا ذلك لكان الخليفة إذا وفى الجند أعطياتهم احتسب ذلك في جوده فالعمالات شي‏ء و الإعطاء على دفع المكروه شي‏ء و التفضل و الجود شي‏ء ثم إن الذين أعطاهم معاوية و يزيد هو بعض حقهم و الذي فضل عليهما أكثر مما خرج منهما . و إن أريد الموازنة بين ملوك بني العباس و ملوك بني أمية في العطاء افتضح بنو أمية و ناصروهم فضيحة ظاهرة فإن نساء خلفاء بني عباس أكثر معروفا من رجال بني أمية و لو ذكرت معروف أم جعفر وحدها لأتى ذلك على جميع صنائع بني مروان و ذلك معروف و لو ذكر معروف الخيزران و سلسبيل لملئت الطوامير الكثيرة به و ما نظن خالصة مولاتهم إلا فوق أجواد أجوادهم و إن شئت أن تذكر مواليهم و كتابهم فاذكر عيسى بن ماهان و ابنه عليا و خالد بن برمك و ابنه يحيى و ابنه جعفرا و الفضل و كاتبهم منصور بن زياد و محمد بن منصور و فتى العسكر فإنك تجد لكل واحد من هؤلاء ما يحيط بجميع صنائع بني عبد شمس . فأما ملوك الأموية فليس منهم إلا من كان يبخل على الطعام و كان جعفر بن سليمان كثيرا ما يذكر ذلك و كان معاوية يبغض الرجل النهم على مائدته و كان

[ 253 ]

المنصور إذا ذكرهم يقول كان عبد الملك جبارا لا يبالي ما صنع و كان الوليد مجنونا و كان سليمان همه بطنه و فرجه و كان عمر أعور بين عميان و كان هشام رجل القوم و كان لا يذكر ابن عاتكة و لقد كان هشام مع ما استثناه به يقول هو الأحول السراق ما زال يدخل إعطاء الجند شهرا في شهر و شهرا في شهر حتى أخذ لنفسه مقدار رزق سنة و أنشده أبو النجم العجلي أرجوزته التي أولها

ألحد لله الوهوب المجزل

فما زال يصفق بيديه استحسانا لها حتى صار إلى ذكر الشمس فقال

و الشمس في الأفق كعين الأحول

فأمر بوج‏ء عنقه و إخراجه و هذا ضعف شديد و جهل عظيم . و قال خاله إبراهيم بن هشام المخزومي ما رأيت من هشام خطأ قط إلا مرتين حدا به الحادي مرة فقال

إن عليك أيها البختي
أكرم من تمشي به المطي

فقال صدقت و قال مرة و الله لأشكون سليمان يوم القيامة إلى أمير المؤمنين عبد الملك و هذا ضعف شديد و جهل مفرط . و قال أبو عثمان و كان هشام يقول و الله إني لأستحيي أن أعطي رجلا أكثر من أربعة آلاف درهم ثم أعطى عبد الله بن الحسن أربعة آلاف دينار فاعتدها في جوده و توسعه و إنما اشترى بها ملكه و حصن بها عن نفسه و ما في يديه قال له أخوه مسلمة أ تطمع أن تلي الخلافة و أنت بخيل جبان فقال و لكني حليم عفيف فاعترف بالجبن و البخل و هل تقوم الخلافة مع واحد منهما و إن قامت فلا تقوم إلا مع الخطر العظيم و التغرير الشديد و لو سلمت من الفساد لم تسلم من العيب .

[ 254 ]

و لقد قدم المنصور عليهم عمر بن عبد العزيز بقوله أعور بين عميان و زعمتم أنه كان ناسكا ورعا تقيا فكيف و قد جلد خبيب بن عبد الله بن الزبير مائة جلدة و صب على رأسه جرة من ماء بارد في يوم شات حتى كز فمات فما أقر بدمه و لا خرج إلى وليه من حقه و لا أعطى عقلا و لا قودا و لا كان خبيب ممن أتت عليه حدود الله و أحكامه و قصاصه فيقال كان مطيعا بإقامتها و أنه أزهق الحد نفسه و احتسبوا الضرب كان أدبا و تعزيرا فما عذره في الماء البارد في الشتاء على أثر جلد شديد و لقد بلغه أن سليمان بن عبد الملك يوصي فجاء حتى جلس على طريق من يجلس عنده أو يدخل إليه فقال رجاء بن حيوة في بعض من يدخل و من يخرج نشدتك الله أن تذكرني لهذا الأمر أو تشير بي في هذا الشأن فو الله ما لي عليه من طاقة فقال له رجاء قاتلك الله ما أحرصك عليها . و لما جاء الوليد بن عبد الملك بنعي الحجاج قال له الوليد مات الحجاج يا أبا حفص فقال و هل كان الحجاج إلا رجلا منا أهل البيت و قال في خلافته لو لا بيعة في أعناق الناس ليزيد بن عاتكة لجعلت هذا الأمر شورى بين صاحب الأعوص إسماعيل بن أمية بن عمرو بن سعيد الأشدق و بين أحمس قريش القاسم بن محمد بن أبي بكر و بين سالم بن عبد الله بن عمر فما كان عليه من الضرر و الحرج و ما كان عليه من الوكف و النقص أن لو قال بين علي بن العباس و علي بن الحسين بن علي و على أنه لم يرد التيمي و لا العدوي و إنما دبر الأمر للأموي و لم يكن عنده أحد من هاشم يصلح للشورى ثم دبر الأمر ليبايع لأخيه أبي بكر بن عبد العزيز من بعده حتى عوجل بالسم . و قدم عليه عبد الله بن حسن بن حسن فلما رأى كماله و بيانه و عرف نسبه و مركبه

[ 255 ]

و موضعه و كيف ذلك من قلوب المسلمين و في صدور المؤمنين لم يدعه يبيت بالشام ليلة واحدة و قال له الحق بأهلك فإنك لم تغنهم شيئا هو أنفس منك و لا أرد عليهم من حياتك أخاف عليك طواعين الشام و ستلحقك الحوائج على ما تشتهي و تحب . و إنما كره أن يروه و يسمعوا كلامه فلعله يبذر في قلوبهم بذرا و يغرس في صدورهم غرسا و كان أعظم خلق قولا بالجبر حتى يتجاوز الجهمية و يربي على كل ذي غاية صاحب شنعة و كان يصنع ذلك الكتب مع جهله بالكلام و قلة اختلافه إلى أهل النظر و قال له شوذب الخارجي لم لا تلعن رهطك و تذكر أباك إن كانوا عندك ظلمة فجرة فقال عمر متى عهدك بلعن فرعون قال ما لي به عهد قال أ فيسعك أن تمسك عن لعن فرعون و لا يسعني أن أمسك عن لعن آبائي فرأى أنه قد خصمه و قطع حجته و كذلك يظنه كل من قصر عن مقدار العالم و جاوز مقدار الجاهل و أي شبه لفرعون بآل مروان و آل أبي سفيان هؤلاء قوم لهم حزب و شيعة و ناس كثير يدينون بتفضيلهم و قد اعتورتهم الشبه في أمرهم و فرعون على خلاف ذلك و ضده لا شيعة له و لا حزب و لا نسل و لا موالي و لا صنائع و لا في أمره شبهة ثم إن عمر ظنين في أمر أهله فيحتاج إلى غسل ذلك عنه بالبراءة منهم و شوذب ليس بظنين في أمر فرعون و ليس الإمساك عن لعن فرعون و البراءة منه مما يعرفه الخوارج فكيف استويا عنده . و شكا إليه رجل من رهطه دينا فادحا و عيالا كثيرا فاعتل عليه فقال له فهلا اعتللت على عبد الله بن الحسن قال و متى شاورتك في أمري قال أو مشيرا

[ 256 ]

تراني قال أو هل أعطيته إلا بعض حقه قال و لم قصرت عن كله فأمر بإخراجه و ما زال إلى أن مات محروما منه . و كان عمال أهله على البلاد عماله و أصحابه و الذي حسن أمره و شبه على الأغنياء حاله أنه قام بعقب قوم قد بدلوا عامة شرائع الدين و سنن النبي ص و كان الناس قبله من الظلم و الجور و التهاون بالإسلام في أمر صغر في جنبه عاينوا منه و ألفوه عليه فجعلوه بما نقص من تلك الأمور الفظيعة في عداد الأئمة الراشدين و حسبك من ذلك أنهم كانوا يلعنون عليا ع على منابرهم فلما نهى عمر عن ذلك عد محسنا و يشهد لذلك قول كثير فيه

و ليت فلم تشتم عليا و لم تخف
بريا و لم تتبع مقالة مجرم

و هذا الشعر يدل على أن شتم علي ع قد كان لهم عادة حتى مدح من كف عنه و لما ولي خالد بن عبد الله القسري مكة و كان إذا خطب بها لعن عليا و الحسن و الحسين ع قال عبيد الله بن كثير السهمي

لعن الله من يسب عليا
و حسينا من سوقة و إمام
أ يسب المطهرون جدودا
و الكرام الآباء و الأعمام
يأمن الطير و الحمام و لا يأمن
آل الرسول عند المقام
طبت بيتا و طاب أهلك أهلا
أهل بيت النبي و الإسلام
رحمة الله و السلام عليهم
كلما قام قائم بسلام

و قام عبد الله بن الوليد بن عثمان بن عفان و كان ممن يناله بزعمهم إلى هشام بن عبد الملك و هو يخطب على المنبر بعرفة فقال يا أمير المؤمنين هذا يوم كانت

[ 257 ]

الخلفاء تستحب فيه لعن أبي تراب فقال هشام ليس لهذا جئنا أ لا ترى أن ذلك يدل على أنه قد كان لعنه فيهم فاشيا ظاهرا و كان عبد الله بن الوليد هذا يلعن عليا ع و يقول قتل جدي جميعا الزبير و عثمان . و قال المغيرة و هو عامل معاوية يومئذ لصعصعة بن صوحان قم فالعن عليا فقام فقال إن أميركم هذا أمرني أن ألعن عليا فالعنوه لعنه الله و هو يضمر المغيرة . و أما عبد الملك فحسبك من جهله تبديله شرائع الدين و الإسلام و هو يريد أن يلي أمور أصحابها بذلك الدين بعينه و حسبك من جهله أنه رأى من أبلغ التدبير في منع بنى هاشم الخلافة أن يلعن علي بن أبي طالب ع على منابره و يرمي بالفجور في مجالسه و هذا قرة عين عدوه و عير وليه و حسبك من جهله قيامه على منبر الخلافة قائلا إني و الله ما أنا بالخليفة المستضعف و لا بالخليفة المداهن و لا بالخليفة المأفون و هؤلاء سلفه و أئمته و بشفعتهم قام ذلك المقام و بتقدمهم و تأسيسهم نال تلك الرئاسة و لو لا العادة المتقدمة و الأجناد المجندة و الصنائع القائمة لكان أبعد خلق الله من ذلك المقام و أقربهم إلى المهلكة إن رام ذلك الشرف و عنى بالمستضعف عثمان و بالمداهن معاوية و بالمأفون يزيد بن معاوية و هذا الكلام نقض لسلطانه و عداوة لأهله و إفساد لقلوب شيعته و لو لم يكن من عجز رأيه إلا أنه لم يقدر على إظهار قوته إلا بأن يظهر عجز أئمته لكفاك ذلك منه فهذا ما ذكرته هاشم لأنفسها