عثمان بن حنيف و نسبه

هو عثمان بن حنيف بضم الحاء بن واهب بن العكم بن ثعلبة بن الحارث الأنصاري

[ 206 ]

ثم الأوسي أخو سهل بن حنيف يكنى أبا عمرو و قيل أبا عبد الله عمل لعمر ثم لعلي ع و ولاه عمر مساحة الأرض و جبايتها بالعراق و ضرب الخراج و الجزية على أهلها و ولاه علي ع على البصرة فأخرجه طلحة و الزبير منها حين قدماها و سكن عثمان الكوفة بعد وفاة علي ع و مات بها في زمن معاوية . قوله من فتية البصرة أي من فتيانها أي من شبابها أو من أسخيائها يقال للسخي هذا فتى و الجمع فتية و فتيان و فتو و يروى أن رجلا من قطان البصرة أي سكانها . و المأدبة بضم الدال الطعام يدعى إليه القوم و قد جاءت بفتح الدال أيضا و يقال أدب فلان القوم يأدبهم بالكسر أي دعاهم إلى طعامه و الآدب الداعي إليه قال طرفة

نحن في المشتاة ندعو الجفلى
لا ترى الآدب فينا ينتقر

و يقال أيضا آدبهم إلى طعامه يؤدبهم إيدابا و يروى و كثرت عليك الجفان فكرعت و أكلت أكل ذئب نهم أو ضبع قرم . و روي و ما حسبتك تأكل طعام قوم . ثم ذم أهل البصرة فقال عائلهم مجفو و غنيهم مدعو و العائل الفقير و هذا كقول الشاعر

فإن تملق فأنت لنا عدو
فإن تثر فأنت لنا صديق

[ 207 ]

ثم أمره بأن يترك ما فيه شبهة إلى ما لا شبهة فيه و سمي ذلك قضما و مقضما و إن كان مما لا يقضم لاحتقاره له و ازدرائه إياه و أنه عنده ليس مما يستحق أن يسمى بأسماء المرغوب فيه المتنافس عليه و ذلك لأن القضم يطلق على معنيين أحدهما على أكل الشي‏ء اليابس و الثاني على ما يؤكل ببعض الفم و كلاهما يدلان على أن ذلك المقضم المرغوب عنه لا فيه . ثم ذكر ع حال نفسه فقال إن إمامكم قد قنع من الدنيا بطمريه و الطمر الثوب الخلق البالي و إنما جعلهما اثنين لأنهما إزار و رداء لا بد منهما أي للجسد و الرأس . قال و من طعمه بقرصيه أي قرصان يفطر عليهما لا ثالث لهما و روي قد اكتفى من الدنيا بطمريه و سد فورة جوعه بقرصيه لا يطعم الفلذة في حوليه إلا في يوم أضحية . ثم قال إنكم لن تقدروا على ما أقدر عليه و لكني أسألكم أن تعينوني بالورع و الاجتهاد . ثم أقسم أنه ما كنز ذهبا و لا ادخر مالا و لا أعد ثوبا باليا سملا لبالي ثوبيه فضلا عن أن يعد ثوبا قشيبا كما يفعله الناس في إعداد ثوب جديد ليلبسوه عوض الأسمال التي ينزعونها و لا حاز من أرضها شبرا و الضمير في أرضها يرجع إلى دنياكم و لا أخذ منها إلا كقوت أتان دبرة و هي التي عقر ظهرها فقل أكلها . ثم قال و لهي في عيني أهون من عفصة مقرة أي مرة مقر الشي‏ء بالكسر أي صار مرا و أمقره بالهمز أيضا قال لبيد

ممقر مر على أعدائه
و على الأدنين حلو كالعسل

[ 208 ]

بَلَى كَانَتْ فِي أَيْدِينَا فَدَكٌ مِنْ كُلِّ مَا أَظَلَّتْهُ اَلسَّمَاءُ فَشَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ وَ سَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ آخَرِينَ وَ نِعْمَ اَلْحَكَمُ اَللَّهُ وَ مَا أَصْنَعُ بِفَدَكٍ وَ غَيْرِ فَدَكٍ وَ اَلنَّفْسُ مَظَانُّهَا فِي غَدٍ جَدَثٌ تَنْقَطِعُ فِي ظُلْمَتِهِ آثَارُهَا وَ تَغِيبُ أَخْبَارُهَا وَ حُفْرَةٌ لَوْ زِيدَ فِي فُسْحَتِهَا وَ أَوْسَعَتْ يَدَا حَافِرِهَا لَأَضْغَطَهَا اَلْحَجَرُ وَ اَلْمَدَرُ وَ سَدَّ فُرَجَهَا اَلتُّرَابُ اَلْمُتَرَاكِمُ وَ إِنَّمَا هِيَ نَفْسِي أَرُوضُهَا بِالتَّقْوَى لِتَأْتِيَ آمِنَةً يَوْمَ اَلْخَوْفِ اَلْأَكْبَرِ وَ تَثْبُتَ عَلَى جَوَانِبِ اَلْمَزْلَقِ الجدث القبر و أضغطها الحجر جعلها ضاغطة و الهمزة للتعدية و يروى و ضغطها . و قوله مظانها في غد جدث المظان جمع مظنة و هو موضع الشي‏ء و مألفه الذي يكون فيه قال

فإن يك عامر قد قال جهلا
فإن مظنة الجهل الشباب

يقول لا مال لي و لا اقتنيت فيما مضى مالا و إنما كانت في أيدينا فدك فشحت عليها نفوس قوم أي بخلت و سخت عنها نفوس آخرين سامحت و أغضت و ليس يعني هاهنا بالسخاء إلا هذا لا السخاء الحقيقي لأنه ع و أهله لم يسمحوا بفدك إلا غصبا و قسرا و قد قال هذه الألفاظ في موضع آخر فيما تقدم و هو يعني الخلافة بعد وفاة رسول الله ص .

[ 209 ]

ثم قال و نعم الحكم الله الحكم الحاكم و هذا الكلام كلام شاك متظلم ثم ذكر مال الإنسان و أنه لا ينبغي أن يكترث بالقينات و الأموال فإنه يصير عن قريب إلى دار البلى و منازل الموتى . ثم ذكر أن الحفرة ضيقة و أنه لو وسعها الحافر لألجأها الحجر المتداعي و المدر المتهافت إلى أن تضغط الميت و تزحمه و هذا كلام محمول على ظاهره لأنه خطاب للعامة و إلا فأي فرق بين سعة الحفرة و ضيقها على الميت اللهم إلا أن يقول قائل إن الميت يحس في قبره فإذا قيل ذلك فالجاعل له حساسا بعد عدم الحس هو الذي يوسع الحفرة و إن كان الحافر قد جعلها ضيقة فإذن هذا الكلام جيد لخطاب العرب خاصة و من يحمل الأمور على ظواهرها . ثم قال و إنما هي نفسي أروضها بالتقوى يقول تقللي و اقتصاري من المطعم و الملبس على الجشب و الخشن رياضة لنفسي لأن ذلك إنما أعمله خوفا من الله أن أنغمس في الدنيا فالرياضة بذلك هي رياضة في الحقيقة بالتقوى لا بنفس التقلل و التقشف لتأتي نفسي آمنة يوم الفزع الأكبر و تثبت في مداحض الزلق