فصل في نسب بني مخزوم و طرف من أخبارهمقد تقدم القول في مفاخرة هاشم و عبد شمس فأما بنو مخزوم فإنهم بعد هذين البيتين أفخر قريش و أعظمها شرفا . قال شيخنا أبو عثمان حظيت مخزوم بالأشعار فانتشر لهم صيت عظيم بها و اتفق لهم فيها ما لم يتفق لأحد و ذلك أنه يضرب بهم المثل في العز و المنعة و الجود و الشرف و أوضعوا في كل غاية فمن ذلك قول سيحان الجسري حليف بني أمية في كلمة له و حين يناغي الركب موت هشام فدل ذلك على أن ما تقوله مخزوم في التاريخ حق و ذلك أنهم قالوا كانت قريش و كنانة و من والاهم من الناس يؤرخون بثلاثة أشياء كانوا يقولون كان ذلك زمن [ 286 ] مبنى الكعبة و كان ذلك من مجيء الفيل و كان ذلك عام مات هشام بن المغيرة كما كانت العرب تؤرخ فتقول كان ذلك زمن الفطحل و كان ذلك زمن الحيان و كان ذلك زمن الحجارة و كان ذلك عام الحجاف و الرواة تجعل ضرب المثل من أعظم المفاخر و أظهر الدلائل و الشعر كما علمت كما يرفع يضع كما رفع من بني أنف الناقة قول الحطيئة
قوم هم الأنف و الأذناب غيرهم و كما وضع من بني نمير قول جرير
فعض الطرف إنك من نمير فلقيت نمير من هذا البيت ما لقيت . و جعلهم الشاعر مثلا فيمن وضعه الهجاء و هو يهجو قوما من العرب
و سوف يزيدكم ضعة هجائي و نمير قبيل شريف و قد ثلم في شرفهم هذا البيت . و قال ابن غزالة الكندي و هو يمدح بني شيبان و لم يكن في موضع رغبة إلى بني مخزوم و لا في موضع رهبة
كأني إذ حططت الرحل فيهم فضرب بهشام المثل . و قال رجل من بني حزم أحد بني سلمى و هو يمدح حرب بن معاوية الخفاجي و خفاجة من بني عقيل
إلى حزن الحزون سمت ركابي [ 287 ]
فلما أن أنخت إلى ذراه فضرب المثل ببيتهم في قريش . و قال عبد الرحمن بن حسان لعبد الرحمن بن الحكم
ما رست أكيس من بني قحطان فضرب المثل بآل المغيرة . و أما بنو ذكوان فبنو بدر بن عمرو بن حوية بن ذكوان أحد بني عدي بن فزارة منهم حذيفة و حمل و رهطهما و قال مالك بن نويرة
أ لم ينه عنا فخر بكر بن وائل فجعل قريشا كلها حيا لهشام . و قال عبد الله بن ثور الخفاجي
و أصبح بطن مكة مقشعرا و هذا مثل و فوق المثل . قالوا و قال الخروف الكلبي و قد مر به ناس من تجار قريش يريدون الشام بادين [ 288 ] قشفين ما لكم معاشر قريش هكذا أجدبتم أم مات هشام فجعل موت هشام بإزاء الجدب و المحل و في هذا المعنى قال مسافر بن أبي عمرو
تقول لنا الركبان في كل منزل فجعل موت هشام و فقد الغيث سواء . و قال عبد الله بن سلمة بن قشير
دعيني أصطبح يا بكر إني و قال أبو الطمحان القيني أو أخوه
و كانت قريش لا تخون حريمها و قال أبو بكر بن شعوب لقومه كنانة
يا قومنا لا تهلكوا إخفاتا و قال خداش بن زهير
و قد كنت هجاء لهم ثم كفكفوا و قال علي بن هرمة عم إبراهيم بن هرمة
و من يرتئي مدحي فإن مدائحي و قال الشاعر و هو يهجو رجلا
أ حسبت أن أباك يوم نسبتني
[ 289 ] و قال الأسود بن يعفر النهشلي
إن الأكارم من قريش كلها و قال ثابت قطنة أو كعب الأشقري لمحمد بن الأشعث بن قيس
أ توعدني بالأشعثي و مالك و قال الخزاعي في كلمته التي يذكر فيها أبا أحيحة
له سرة البطحاء و العد و الثرى و سأل معاوية صعصعة بن صوحان العبدي عن قبائل قريش فقال إن قلنا غضبتم و إن سكتنا غضبتم فقال أقسمت عليك قال فيمن يقول شاعركم
و عشرة كلهم سيد و قال عبد الرحمن بن سيحان الجسري حليف بني أمية و هو يهجو عبد الله بن مطيع من بني عدي
حرام كنتي مني بسوء
[ 290 ] و قال أبو طالب بن عبد المطلب و هو يفخر بخاليه هشام و الوليد على أبي سفيان بن حرب
و خالي هشام بن المغيرة ثاقب و قال ابن الزبعرى فيهم
لهم مشية ليست تليق بغيرهم و قال شاعر من بني هوازن أحد بني أنف الناقة حين سقى إبله عبد الله بن أبي أمية المخزومي بعد أن منعه الزبرقان بن بدر
أ تدري من منعت سيال حوض فقال عبد الله بن أبي أمية مجيبا له
لعمري لأنت المرء يحسن باديا قالوا و كان الوليد بن المغيرة يجلس بذي المجاز فيحكم بين العرب أيام عكاظ و قد كان رجل من بني عامر بن لؤي رافق رجلا من بني عبد مناف بن قصي فجرى بينهما كلام في حبل فعلاه بالعصا حتى قتله فكاد دمه يطل فقام دونه أبو طالب [ 291 ] بن عبد المطلب و قدمه إلى الوليد فاستحلفه خمسين يمينا أنه ما قتله ففي ذلك يقول أبو طالب
أ من أجل حبل ذي رمام علوته و قال أبو طالب أيضا في كلمة له
و حكمك يبقي الخير إن عز أمره و قال أبو طالب أيضا يرثي أبا أمية زاد الركب و هو خاله
كأن على رضراض قص و جندل و قال أبو طالب أيضا يرثي خاله هشام بن المغيرة [ 292 ]
فقدنا عميد الحي و الركن خاشع عمرو هذا هو أبو جهل بن هشام و أبو عثمان هو هشام . و قالت ضباعة بنت عامر بن سلمة بن قرط ترثيه
إن أبا عثمان لم أنسه و قال حسان بن ثابت و هو يهجو أبا جهل و كان يكنى أبا الحكم
الناس كنوه أبا حكم فاعترف له بالرئاسة و التقدم . و قال أبو عبيد معمر بن المثنى لما تنافر عامر بن الطفيل و علقمة بن علاثة إلى هرم بن قطبة و توارى عنهما أرسل إليهما عليكما بالفتى الحديث السن الحديد الذهن فصارا إلى أبي جهل فقال له ابن الزبعرى
فلا تحكم فداك أبي و خالي
[ 293 ] فأبى أن يحكم فرجعا إلى هرم . و قال عبد الله بن ثور
هريقا من دموعكما سجاما و قال أيضا في كلمة له
و ما ولدت نساء بني نزار و قال عمارة بن أبي طرفة الهذلي سمعت ابن جريح يقول في كلام له هلك سيد البطحاء بالرعاف قلت و من سيد البطحاء قال هشام بن المغيرة . و قال النبي ص لو دخل أحد من مشركي قريش الجنة لدخلها هشام بن المغيرة كان أبذلهم للمعروف و أحملهم للكل و قال عمر بن الخطاب لا قليل في الله و لا كثير في غير الله و لو بالخلق الجزل و الفعال الدثر تنال المثوبة لنالها هشام بن المغيرة و لكن بتوحيد الله و الجهاد في سبيله . و قال خداش بن زهير في يوم شمطة و هو أحد أيام الفجار و هو عدو قريش و خصمها
و بلغ أن بلغت بنا هشاما
[ 294 ] و قال أيضا و ذكرهما في تلك الحروب
يا شدة ما شددنا غير كاذبة و ذكرهم ابن الزبعرى في تلك الحروب فقال
ألا لله قوم ريطة هي أم ولد المغيرة و هي ريطة بنت سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب و أبو عبد مناف هو أبو أمية بن المغيرة و يعرف بزاد الركب و اسمه حذيفة و إنما قيل له زاد الركب لأنه كان إذا خرج مسافرا لم يتزود معه أحد و كانت [ 295 ] عنده عاتكة بنت عبد المطلب بن هشام و أما ذو الرمحين فهو أبو ربيعة بن المغيرة و اسمه عمرو و كان المغيرة يكنى باسم ابنه الأكبر و هو هاشم و لم يعقب إلا من حنتمة ابنته و هي أم عمر بن الخطاب . و قال ابن الزبعرى يمدح أبا جهل
رب نديم ماجد الأصل و قال الورد بن خلاس السهمي سهم بأهله يمدح الوليد
إذا كنت في حيي جذيمة ثاويا و قال أيضا
إن الوليدين و الأبناء ضاحية و قال
و رهطك يا ابن الغيث أكرم محتد قالوا الغيث لقب المغيرة و جعل الوليد و أخاه هشاما ربي تهامة كما قال لبيد بن ربيعة في حذيفة بن بدر
و أهلكن يوما رب كندة و ابنه فجعله رب معد . [ 296 ] قالوا يدل على قدر مخزوم ما رأينا من تعظيم القرآن لشأنهم دون غيرهم من سائر قريش قال الله تعالى مخبرا عن العرب إنهم قالوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا اَلْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ اَلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ فأحد الرجلين العظيمين بلا شك الوليد بن المغيرة و الآخر مختلف فيه أ هو عروة بن مسعود أم جد المختار بن أبي عبيد . و قال سبحانه في الوليد ذَرْنِي وَ مَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً وَ جَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً وَ بَنِينَ شُهُوداً الآيات . قالوا و في الوليد نزلت أَمَّا مَنِ اِسْتَغْنى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى . و في أبي جهل نزلت ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ اَلْعَزِيزُ اَلْكَرِيمُ . و فيه نزلت فَلْيَدْعُ نادِيَهُ . و في مخزوم وَ ذَرْنِي وَ اَلْمُكَذِّبِينَ أُولِي اَلنَّعْمَةِ . و فيهم نزلت ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ . و زعم اليقطري أبو اليقظان و أبو الحسن أن الحجاج سأل أعشى همدان عن بيوتات قريش في الجاهلية فقال إني قد آليت ألا أنفر أحدا على أحد و لكن أقول و تسمعون قالوا فقل قال من أيهم المحبب في أهله المؤرخ بذكره محلي الكعبة و ضارب القبة و الملقب بالخير و صاحب الخير و المير قالوا من بني مخزوم قال فمن أيهم ضجيع بسباسة و المنحور عنه ألف ناقة و زاد الركب و مبيض البطحاء قالوا من بني مخزوم قال فمن أيهم كان المقنع في حكمه و المنفذ وصيته على تهكمه و عدل الجميع في الرفادة و أول من وضع أساس الكعبة قالوا من بني مخزوم قال فمن [ 297 ] أيهم صاحب الأريكة و مطعم الخزيرة قالوا من بني مخزوم قال فمن أيهم الإخوة العشرة الكرام البررة قالوا من بني مخزوم قال فهو ذاك فقال رجل من بني أمية أيها الأمير لو كان لهم مع قديمهم حديث إسلام فقال الحجاج أ و ما علمت بأن منهم رداد الردة و قاتل مسيلمة و آسر طليحة و المدرك بالطائلة مع الفتوح العظام و الأيادي الجسام فهذا آخر ما ذكره أبو عثمان . و يمكن أن يزاد عليه فيقال قالت مخزوم ما أنصفنا من اقتصر في ذكرنا على أن قال مخزوم ريحانة قريش تحب حديث رجالهم و النكاح في نسائهم و لنا في الجاهلية و الإسلام أثر عظيم و رجال كثيرة و رؤساء شهيرة فمنا المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم كان سيد قريش في الجاهلية و هو الذي منع فزارة من الحج لما عير خشين بن لأي الفزاري ثم الشمخي قوما من قريش إنهم يأخذون ما ينحره العرب من الإبل في الموسم فقال خشين لما منع من الحج
يا رب هل عندك من عقيره منا بنو المغيرة العشرة أمهم ريطة و قد تقدم ذكر نسبها و أمها عاتكة بنت عبد العزى بن قصي و أمها الحظيا بنت كعب بن سعد بن تيم بن مرة أول امرأة من قريش ضربت قباب الأدم بذي المجاز و لها يقول الشاعر
مضى بالصالحات بنو الحظيا فمن هؤلاء أعني الحظيا الوليد بن المغيرة أمه صخرة بنت الحارث بن عبد الله [ 298 ] بن عبد شمس القشيري كان أبو طالب بن عبد المطلب يفتخر بأنه خاله و كفاك من رجل يفتخر أبو طالب بخئولته أ لا ترى إلى قول أبي طالب
و خالي الوليد قد عرفتم مكانه و منهم حفص بن المغيرة و كان شريفا و عثمان بن المغيرة و كان شريفا و منهم السيد المطاع هشام بن المغيرة و كان سيد قريش غير مدافع له يقول أبو بكر بن الأسود بن شعوب يرثيه
ذريني أصطبح يا بكر إني و يقول له الحارث بن أمية الضمري
ألا هلك القناص و الحامل الثقلا
[ 299 ] و قال أيضا يبكيه و يرثيه
و أصبح بطن مكة مقشعرا و ضباعة التي تذكرها الشعراء زوجة هشام و هي من بني قشير . قال الزبير بن بكار فلما قال الحارث ألا لست كالهلكى البيت عظم ذلك على بني عبد مناف فأغروا به حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمي حليف بني عبد شمس و كانت قريش رضيت به و استعملته على سقائها ففر منه الحارث و قال
أفر من الأباطح كل يوم فهدم حكيم داره فأعطاه بنو هشام داره التي بأجياد عوضا منها . و قال عبد الله بن ثور البكائي يرثيه
هريقي من دموعهما سجاما [ 300 ]
فمن للركب إذا مسوا طروقا قال الزبير و كان فارس قريش في الجاهلية هشام بن المغيرة و أبو لبيد بن عبدة بن حجرة بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي و كان يقال لهشام فارس البطحاء فلما هلكا كان فارسي قريش بعدهما عمرو بن عبد العامري المقتول يوم الخندق و ضرار بن الخطاب المحاربي الفهري ثم هبيرة بن أبي وهب و عكرمة بن أبي جهل المخزوميان قالوا و كان عام مات هشام تاريخا كعام الفيل و عام الفجار و عام بنيان الكعبة و كان هشام رئيس بني مخزوم يوم الفجار . قالوا و منا أبو جهل بن هشام و اسمه عمرو و كنيته أبو الحكم و إنما كناه أبا جهل رسول الله ص كان سيدا أدخلته قريش دار الندوة فسودته و أجلسته فوق الجلة من شيوخ قريش و هو غلام لم يطر شاربه و هو أحد من ساد على الصبا و الحارث بن هشام أخو أبي جهل كان شريفا مذكورا و له يقول كعب بن الأشرف اليهودي الطائي
نبئت أن الحارث بن هشام و هو الذي هاجر من مكة إلى الشام بأهله و ماله في خلافة عمر بن الخطاب فتبعه أهل مكة يبكون فرق و بكى و قال إنا لو كنا نستبدل دارا بدار و جارا [ 301 ] بجار ما أردنا بكم بدلا و لكنها النقلة إلى الله عز و جل فلم يزل حابسا نفسه و من معه بالشام مجاهدا حتى مات . قال الزبير جاء الحارث بن هشام و سهيل بن عمرو إلى عمر بن الخطاب فجلسا عنده و هو بينهما فجعل المهاجرون الأولون و الأنصار يأتون عمر فينحيهما و يقول هاهنا يا سهيل هاهنا يا حارث حتى صارا في آخر الناس فقال الحارث لسهيل أ لم تر ما صنع بناء عمر اليوم فقال سهيل أيها الرجل إنه لا لوم عليه ينبغي أن نرجع باللوم على أنفسنا دعي القوم و دعينا فأسرعوا و أبطأنا فلما قاما من عند عمر أتياه في غد فقالا له قد رأينا ما صنعت بالأمس و علمنا أنا أتينا من أنفسنا فهل من شيء نستدرك به فقال لا أعلم إلا هذا الوجه و أشار لهما إلى ثغر الروم فخرجا إلى الشام فجاهدا بها حتى ماتا . قالوا و منا عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أمه فاطمة بنت الوليد بن المغيرة و كان شريفا سيدا و هو الذي قال لمعاوية لما قتل حجر بن عدي و أصحابه أين عزب منك حلم أبي سفيان أ لا حبستهم في السجون و عرضتهم للطاعون فقال حين غاب عني مثلك من قومي و عبد الرحمن بن الحارث بن هشام هو الذي رغب فيه عثمان بن عفان و هو خليفة فزوجه ابنته . قالوا و منا أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام كان سيدا جوادا و فقيها عالما و هو الذي قدم عليه بنو أسد بن خزيمة يسألونه في دماء كانت بينهم فاحتمل عنهم أربعمائة بعير دية أربعة من القتلى و لم يكن بيده مال فقال لابنه عبد الله بن أبي بكر اذهب إلى عمك المغيرة بن عبد الرحمن فاسأله المعونة فذهب عبد الله إلى عمه فذكر له ذلك فقال المغيرة لقد أكبر علينا أبوك فانصرف عنه عبد الله و أقام أياما [ 302 ] لا يذكر لأبيه شيئا و كان يقود أباه إلى المسجد و قد ذهب بصره فقال له أبوه يوما أ ذهبت إلى عمك قال نعم و سكت فعرف حين سكت أنه لن يجد عند عمه ما يحب فقال له يا بني أ لا تخبرني ما قال لك قال أ يفعل أبو هاشم و كانت كنية المغيرة فربما فعل و لكن اغد غدا إلى السوق فخذ لي عينة فغدا عبد الله فتعين عينة من السوق لأبيه و باعها فأقام أيام لا يبيع أحد في السوق طعاما و لا زيتا غير عبد الله بن أبي بكر من تلك العينة فلما فرغ أمره أبوه أن يدفعها إلى الأسديين فدفعها إليهم . و كان أبو بكر خصيصا بعبد الملك بن مروان و قال عبد الملك لابنه الوليد لما حضرته الوفاة إن لي بالمدينة صديقين فاحفظني فيهما عبد الله بن جعفر بن أبي طالب و أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام . و كان يقال ثلاثة أبيات من قريش توالت بالشرف خمسة خمسة و عدوا منها أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة . قالوا و منا المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام كان أجود الناس بالمال و أطعمهم للطعام و كانت عينه أصيبت مع مسلمة بن عبد الملك في غزوة الروم و كان المغيرة ينحر الجزور و يطعم الطعام حيث نزل و لا يرد أحدا فجاء قوم من الأعراب فجلسوا على طعامه فجعل أحدهم يحد النظر إليه فقال له المغيرة ما لك تحد النظر إلي قال إني ليريبني عينك و سماحك بالطعام قال و مم ارتبت قال أظنك الدجال لأنا روينا أنه أعور و أنه أطعم الناس للطعام فقال المغيرة ويحك إن الدجال لا تصاب عينه في سبيل الله و للمغيرة يقول الأقيشر الأسدي لما قدم الكوفة فنحر الجزر و بسط الأنطاع و أطعم الناس و صار صيته في العرب [ 303 ]
أتاك البحر طم على قريش فابن بشر عبد الله بن بشر بن مروان بن الحكم و جدي التيم حماد بن عمران بن موسى بن طلحة بن عبيد الله و أوتار عقبة يعني أولاد عقبة بن أبي معيط و الحاطبي لقمان بن محمد بن حاطب الجمحي و رهط صخر بنو أبي سفيان بن حرب بن أمية و كل هؤلاء كانوا مشهورين بالكوفة فلما قدمها المغيرة أخمل ذكرهم و المغيرة هذا هو الذي بلغه أن سليم بن أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري أراد أن يبيع المنزل الذي نزل فيه رسول الله ص مقدمه المدينة على أبي أيوب بخمسمائة دينار فأرسل إليه ألف دينار و سأله أن يبيعه إياه فباعه فلما ملكه جعله صدقة في يومه . قال الزبير و كان يزيد بن المغيرة بن عبد الرحمن يطاف به بالكوفة على العجل و كان ينحر في كل يوم جزورا و في كل جمعة جزورين و رأى يوما إحدى جفناته مكللة بالسنام تكليلا حسنا فأعجبه فسأل فقال من كللها قيل اليسع ابنك فسر و أعطاه ستين دينارا . و مر إبراهيم بن هشام على بردة المغيرة و قد أشرقت على الجفنة فقال لعبد من عبيد المغيرة يا غلام على أي شيء نصبتم هذا الثريد على العمد قال لا و لكن على أعضاد الإبل فبلغ ذلك المغيرة فأعتق ذلك الغلام . و المغيرة هو الذي مر بحرة الأعراب فقاموا إليه فقالوا يا أبا هاشم قد فاض [ 304 ] معروفك على الناس فما بالنا أشقى الخلق بك قال إنه لا مال معي و لكن خذوا هذا الغلام فهو لكم فأخذوه فبكى الغلام فقال يا مولاي خدمتي و حرمتي فقال أ تبيعوني إياه قالوا نعم فاشتراه منهم بمال ثم أعتقه و قال له و الله لا أعرضك لمثلها أبدا اذهب فأنت حر فلما عاد إلى الكوفة حمل ذلك المال إليهم . و كان المغيرة يأمر بالسكر و الجوز فيدقان و يطعمهما أصحاب الصفة المساكين و يقول إنهم يشتهون كما يشتهي غيرهم و لا يمكنهم فخرج المغيرة في سفر و معه جماعة فوردوا غديرا ليس لهم ماء غيره و كان ملحا فأمر بقرب العسل فشقت في الغدير و خيضت بمائه فما شرب أحد منهم حتى راحوا إلا من قرب المغيرة . و ذكر الزبير أن ابنا لهشام بن عبد الملك كان يسوم المغيرة ماله بالمكان المسمى بديعا فلا يبيعه فغزا ابن هشام أرض الروم و معه المغيرة فأصابت الناس مجاعة في غزاتهم فجاء المغيرة إلى ابن هشام فقال إنك كنت تسومني مالي ببديع فآبى أن أبيعكه فاشتر الآن مني نصفه بعشرين ألف دينار فأطعم المغيرة بها الناس فلما رجع ابن هشام بالناس من غزوته تلك و قد بلغ هشاما الخبر قال لابنه قبح الله رأيك أنت أمير الجيش و ابن أمير المؤمنين يصيب الناس معك مجاعة فلا تطعمهم حتى يبيعك رجل سوقة ماله و يطعم به الناس ويحك أ خشيت أن تفتقر إن أطعمت الناس . قالوا و لنا عكرمة بن أبي جهل الذي قام له رسول الله ص قائما و هو بعد مشرك لم يسلم و لم يقم رسول الله ص لرجل داخل عليه من الناس شريف و لا مشرف إلا عكرمة و عكرمة هو الذي اجتهد في نصرة الإسلام بعد أن كان شديد العداوة و هو الذي سأله أبو بكر أن يقبل منه معونة على الجهاد فأبى [ 305 ] و قال لا آخذ على الجهاد أجرا و لا معونة و هو الشهيد يوم أجنادين و هو الذي قال رسول الله ص لا تسألني اليوم شيئا إلا أعطيتك فقال فإني أسألك أن تستغفر لي و لم يسأل غير ذلك و كل قريش غيره سألوا المال كسهيل بن عمرو و صفوان بن أمية و غيرهما . قالوا و لنا الحارث بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة كان شاعرا مجيدا مكثرا و كان أمير مكة استعمله عليها يزيد بن معاوية و من شعره
من كان يسأل عنا أين منزلنا و أخوه عكرمة بن خالد كان من وجوه قريش و روى الحديث و روى عنه . و من ولد خالد بن العاص بن هاشم بن المغيرة خالد بن إسماعيل بن عبد الرحمن كان جوادا متلافا و فيه قال الشاعر
لعمرك إن المجد ما عاش خالد قالوا و لنا الأوقص و هو محمد بن عبد الرحمن بن هشام بن المغيرة كان قاضي مكة و كان فقيها . قالوا و من قدماء المسلمين عبد الله بن أمية بن المغيرة أخو أم سلمة زوج رسول الله [ 306 ] ص كان شديد الخلاف على المسلمين ثم خرج مهاجرا و شهد فتح مكة و حنين و قتل يوم الطائف شهيدا . و الوليد بن أمية غير رسول الله ص اسمه فسماه المهاجر و كان من صلحاء المسلمين . قالوا و منا زهير بن أبي أمية بن المغيرة و بجير بن أبي ربيعة بن المغيرة غير رسول الله ص اسمه فسماه عبد الله كانا من أشراف قريش و عباس بن أبي ربيعة كان شريفا قالوا و منا الحارث القباع و هو الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة كان أمير البصرة و عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة الشاعر المشهور ذي الغزل و التشبيب . قالوا و من ولد الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة الفقيه المشهور و هو المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث كان فقيه المدينة بعد مالك بن أنس و عرض عليه الرشيد جائزة أربعة آلاف دينار فامتنع و لم يتقلد له القضاء . قالوا و من يعد ما تعده مخزوم و لها خالد بن الوليد بن المغيرة سيف الله كان مباركا ميمون النقيبة شجاعا و كان إليه أعنة الخيل على عهد رسول الله ص و شهد معه فتح مكة و جرح يوم حنين فنفث رسول الله ص على جرحه فبرأ و هو الذي قتل مسيلمة و أسر طليحة و مهد خلافة أبي بكر و قال يوم موته لقد شهدت كذا و كذا زحفا و ما في جسدي موضع إصبع إلا و فيه طعنة أو ضربه و ها أنا ذا أموت على فراشي كما يموت العير فلا نامت أعين الجبناء و مر عمر بن الخطاب على دور بني مخزوم و النساء يندبن خالدا و قد وصل خبره إليهم [ 307 ] و كان مات بحمص فوقف و قال ما على النساء أن يندبن أبا سليمان و هل تقوم حرة عن مثله ثم أنشد
أ تبكي ما وصلت به الندامى و كان عمرو مبغضا لخالد و منحرفا عنه و لم يمنعه ذلك من أن صدق فيه . قالوا و منا الوليد بن الوليد بن المغيرة كان رجل صدق من صلحاء المسلمين . و منا عبد الرحمن بن خالد بن الوليد و كان عظيم القدر في أهل الشام و خاف معاوية منه أن يثب على الخلافة بعدهم فسمه أمر طبيبا له يدعى ابن أثال فسقاه فقتله . و خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد قاتل ابن أثال بعمه عبد الرحمن و المخالف على بني أمية و المنقطع إلى بني هاشم و إسماعيل بن هشام بن الوليد كان أمير المدينة و إبراهيم و محمد ابنا هشام بن عبد الملك و أيوب بن سلمة بن عبد الله بن الوليد بن الوليد و كان من رجال قريش و من ولده هشام بن إسماعيل بن أيوب و سلمة بن عبد الله بن الوليد بن الوليد ولي شرطة المدينة . قالوا و من ولد حفص بن المغيرة عبد الله بن أبي عمر بن حفص بن المغيرة هو أول خلق الله حاج يزيد بن معاوية . قالوا و لنا الأزرق و هو عبد الله بن عبد الرحمن بن الوليد بن عبد شمس بن المغيرة والي اليمن لابن الزبير و كان من أجود العرب و هو ممدوح أبي دهبل الجمحي . [ 308 ] قالوا و لنا شريك رسول الله ص و هو عبد الله بن السائب بن أبي السائب و اسم أبي السائب صيفي بن عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم كان شريك النبي ص في الجاهلية فجاءه يوم الفتح فقال له أ تعرفني قال أ لست شريكي قال بلى قال لقد كنت خير شريك لا تشاري و لا تماري . قالوا و منا الأرقم بن أبي الأرقم الذي استتر رسول الله في داره بمكة في أول الدعوة و اسم أبي الأرقم عبد مناف بن أسد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم . و منا أبو سلمة بن عبد الأسد و اسمه عبد الله و هو زوج أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة قبل رسول الله ص شهد أبو سلمة بدرا و كان من صلحاء المسلمين . قالوا لنا هبيرة بن أبي وهب كان من الفرسان المذكورين و ابنه جعدة بن هبيرة و هو ابن أخت علي بن أبي طالب ع أمه أم هانئ بنت أبي طالب و ابنه عبد الله بن جعدة بن هبيرة هو الذي فتح القهندر و كثيرا من خراسان فقال فيه الشاعر
لو لا ابن جعدة لم تفتح قهندركم قالوا و لنا سعيد بن المسيب الفقيه المشهور و أما الجواد المشهور فهو الحكم بن المطلب بن حنطب بن الحارث بن عبيد بن عمر بن مخزوم . و قد اختصرنا و اقتصرنا على من ذكرنا و تركنا كثيرا من رجال مخزوم خوف الإسهاب . و ينبغي أن يقال في الجواب إن أمير المؤمنين ع لم يقل هذا الكلام احتقارا لهم و لا استصغارا لشأنهم و لكن أمير المؤمنين ع كان أكثر همة يوم المفاخرة أن يفاخر بني عبد شمس لما بينه و بينهم فلما ذكر مخزوما بالعرض قال فيهم ما قال و لو كان يريد مفاخرتهم لما اقتصر لهم على ما ذكره عنهم على أن أكثر هؤلاء الرجال إسلاميون بعد عصر علي ع و علي ع إنما يذكر من قبله لا من يجيء بعده . [ 309 ] فإن قلت إذا كان قد قال في بني عبد شمس إنهم أمنع لما وراء ظهورهم ثم قال في بني هاشم إنهم أسمح عند الموت بنفوسهم فقد تناقض الوصفان . قلت لا مناقضة بينهما لأنه أراد كثرة بني عبد شمس فبالكثرة تمنع ما وراء ظهورها و كان بنو هاشم أقل عددا من بني عبد شمس إلا أن كل واحد منهم على انفراده أشجع و أسمح بنفسه عند الموت من كل واحد على انفراده من بني عبد شمس فقد بان أنه لا مناقضة بين القولين [ 310 ] |