فصل فيما ورد في الطيب من الآثاركان النبي ص كثير التطيب بالمسك و بغيره من أصناف الطيب . و جاء الخبر الصحيح عنه حبب إلي من دنياكم ثلاث الطيب و النساء و قرة عيني في الصلاة . و قد رويت لفظة أمير المؤمنين ع عنه مرفوعة و نحوها لا تردوا الطيب فإنه طيب الريح خفيف المحمل . سرق أعرابي نافجة مسك فقيل له و من يغلل يأت بما غل يوم القيامة قال إذن أحملها طيبة الريح خفيفة المحمل . و في الحديث المرفوع أنه ع بايع قوما كان بيد رجل منهم ردع خلوق فبايعه بأطراف أصابعه و قال خير طيب الرجال ما ظهر ريحه و خفي لونه و خير طيب النساء ما ظهر لونه و خفي ريحه و عنه ع في صفة أهل الجنة و مجامرهم الألوة و هي العود الهندي . [ 342 ] و روى سهل بن سعد عنه ع أن في الجنة لمراغا من مسك مثل مراغ دوابكم هذه و روي عنه ع أيضا في صفة الكوثر جاله المسك أي جانبه و رضراضة التوم و حصباؤه اللؤلؤ و قالت عائشة كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفارق رسول الله ص و هو محرم و كان ابن عمر يستجمر بعود غير مطرى و يجعل معه الكافور و يقول هكذا رأيت رسول الله ص يصنع و روى أنس بن مالك قال دخل علينا رسول الله ص فقال عندنا و الوقت صيف فعرق فجاءت أمي بقارورة فجعلت تسلت عرقه فاستيقظ و قال يا أم سليم ما تصنعين قالت هذا عرقك نجعله في طيبنا فإنه من أطيب الطيب و نرجو به بركة صبياننا فقال أصبت . و من كلام عمر لو كنت تاجرا ما اخترت غير العطر إن فاتني ربحه لم يفتني ريحه . ناول المتوكل أحمد بن أبي فنن فأرة مسك فأنشده
لئن كان هذا طيبنا و هو طيب قالوا سميت الغالية غالية لأن عبد الله بن جعفر أهدى لمعاوية قارورة منها فسأله كم أنفق عليها فذكر مالا فقال هذه غالية فسميت غالية . شم مالك بن أسماء بن خارجة الفزاري من أخته هند بنت أسماء ريح غالية و كانت تحت الحجاج فقال علميني طيبك قالت لا أفعل أ تريد أن تعلمه [ 343 ] جواريك هو لك عندي ما أردته ثم ضحكت و قالت و الله ما تعلمته إلا من شعرك حيث قلت
أطيب الطيب طيب أم أبان و روى أبو قلابة قال كان ابن مسعود إذا خرج من بيته إلى المسجد عرف من في الطريق أنه قد مر من طيب ريحه . و روى الحسن بن زيد عن أبيه قال رأيت ابن عباس حين أحرم و الغالية على صلعته كأنها الرب . أولم المتوكل في طهر بنيه فلما كثر اللعب قال ليحيي بن أكثم انصرف أيها القاضي قال و لم قال لأنهم يريدون أن يخلطوا قال أحوج ما يكونون إلى قاض إذا خلطوا فاستظرفه و أمر أن تغلف لحيته ففعل فقال يحيى إنا لله ضاعت الغالية كانت هذه تكفيني دهرا لو دفعت إلي فأمر له بزورق لطيف من ذهب مملوء من غالية و درج بخور فأخذهما و انصرف . و روى عكرمة أن ابن عباس كان يطلي جسده بالمسك فإذا مر بالطريق قال الناس أ مر ابن عباس أم المسك و قال أبو الضحى رأيت على رأس ابن الزبير من المسك ما لو كان لي لكان رأس مالي . لما بنى عمر بن عبد العزيز على فاطمة بنت عبد الملك أسرج في مسارجه تلك الليلة الغالية إلى أن طلعت الشمس . كانت لابن عمر بندقة من مسك يبوكها بين راحتيه فتفوح رائحتها . كان عمر بن عبد العزيز في إمارته المدينة يجعل المسك بين قدميه و نعله فقال فيه الشاعر يمدحه
له نعل لا تطبي الكلب ريحها
[ 344 ] سمع عمر قول سحيم عبد بني الحسحاس
و هبت شمال آخر الليل قرة فقال له ويحك إنك مقتول فلم تمض عليه أيام حتى قتل . قال الشعبي الرائحة الطيبة تزيد في العقل . كان عبد الله بن زيد يتخلق بالخلوق ثم يجلس في المجلس . و كانوا يستحبون إذا قاموا من الليل أن يمسحوا مقاديم لحاهم بالطيب . و اشترى تميم الداري حلة بثمانمائة درهم و هيأ طيبا فكان إذا قام من الليل تطيب و لبس حلته و قام في المحراب . و قال أنس يا جميلة هيئي لنا طيبا أمسح به يدي فإن ابن أم ثابت إذا جاء قبل يدي يعني ثابتا البناني . و قال سلم بن قتيبة لقد شممت من فلان رائحة أطيب من مشطة العروس الحسناء في أنف العاشق الشبق . و من كلام بعض الصالحين الفاسق رجس و لو تضمخ بالغالية . عرضت مدنية لكثير فقالت له أنت القائل
فما روضة بالحزن طيبة الثرى لو كانت هذه الصفة لزنجية تجتلي الحلة لطابت هلا قلت كما قال سيدك إمرؤ القيس [ 345 ]
أ لم ترياني كلما جئت طارقا و قال الزمخشري إن النوى المنقع بالمدينة ينتاب أشرافها المواضع التي يكون فيها التماسا لطيب ريحه و إذا وجدوا ريحه بالعراق هربوا منها لخبثها قال و من اختلف في طرقات المدينة وجد رائحة طيبة و بنة عجيبة و لذلك سميت طيبة و الزنجية بها تجعل في رأسها شيئا من بلح و ما لا قيمة له فتجد له خمرة لا يعدلها بيت عروس من ذوات الأقدار . قال و لو دخلت كل غالية و عطر قصبة الأهواز و قصبة أنطاكية لوجدتها قد تغيرت و فسدت في مدة يسيرة . أراد الرشيد المقام في أنطاكية فقال له شيخ منها إنها ليست من بلادك فإن الطيب الفاخر يتغير فيها حتى لا ينتفع منه بشيء و السلاح يصدأ فيها . سيراف من بلاد فارس لها فغمة طيبة . فأرة المسك دويبة شبيهة بالخشف تكون في ناحية تبت تصاد لأجل سرتها فإذا صادها الصائد عصب سرتها بعصاب شديد و هي مدلاة فيجتمع فيها دمها ثم يذبحها و ما أكثر من يأكلها ثم يأخذ السرة فيدفنها في الشعر حتى يستحيل الدم المحتقن فيها مسكا ذكيا بعد أن كان لا يرام نتنا و قد يوجد في البيوت جرذان سود يقال لها فأر المسك ليس عندها إلا رائحة لازمة لها . و ذكر شيخنا أبو عثمان الجاحظ قال سألت بعض أصحابنا المعتزلة عن شأن المسك فقال لو لا أن رسول الله ص تطيب بالمسك لما تطيبت به لأنه دم فأما [ 346 ] الزباد فليس مما يقرب ثيابي فقلت له قد يرتضع الجدي من لبن خنزيرة فلا يحرم لحمه لأن ذلك اللبن استحال لحما و خرج من تلك الطبيعة و عن تلك الصورة و عن ذلك الاسم و كذا لحم الجلالة فالمسك غير الدم و الخل غير الخمر و الجوهر لا يحرم لذاته و عينه و إنما يحرم للأعراض و العلل فلا تقزز منه عند ذكرك الدم فليس به بأس . قال الزمخشري و الزبادة هرة و يقال للزيلع و هم الذين يجتلبون الزباد يا زيلع الزبادة ماتت فيغضب . و قال ابن جزلة الطبيب في المنهاج الزباد طيب يؤخذ من حيوان كالسنور يقال إنه وسخ في رحمها . و قال الزمخشري العنبر يأتي طفاوة على الماء لا يدري أحد معدنه يقذفه البحر إلى البر فلا يأكل منه شيء إلا مات و لا ينقره طائر إلا بقي منقاره فيه و لا يقع عليه إلا نصلت أظفاره و البحريون و العطارون ربما وجدوا فيه المنقار و الظفر . قال و البال و هو سمكة طولها خمسون ذراعا يؤكل منه اليسير فيموت . قال و سمعت ناسا من أهل مكة يقولون هو ضفع ثور في بحر الهند و قيل هو من زبد بحر سرنديب و أجوده الأشهب ثم الأزرق و أدونه الأسود . و في حديث ابن عباس ليس في العنبر زكاة إنما هو شيء يدسره البحر أي يدفعه . [ 347 ] فأما صاحب المنهاج في الطب فقال العنبر من عين في البحر و يكون جماجم أكبرها وزنه ألف مثقال و الأسود أردأ أصنافه و كثيرا ما يوجد في أجواف السمك التي تأكله و تموت و توجد فيه سهوكة . و قال في المسك أنه سرة دابة كالظبي له نابان أبيضان معقفان إلى الجانب الإنسي كقرنين . جاء في الحديث المرفوع لا تمنعوا إماء الله مساجد الله و ليخرجن إذا خرجن ثفلات أي غير متطيبات . و في الحديث أيضا إذا شهدت إحداكن العشاء فلا تمس طيبا و المراد من ذلك ألا تهيج عليهن شهوة الرجال . قال الشاعر
و المسك بينا تراه ممتهنا الصنوبري في استهداء المسك
المسك أشبه شيء بالشباب فهب يقال إن رجلا وجد قرطاسا فيه اسم الله تعالى فرفعه و كان عنده دينار فاشترى به مسكا فطيبه فرأى في المنام قائلا يقول له كما طيبت اسمي لأطيبن ذكرك . قال خالد بن صفوان ليزيد بن المهلب ما رأيت صدا المغفر و لا عبق العنبر بأحد أليق منه بك فقال حاجتك قال ابن أخ لي في حبسك فقال يسبقك إلى المنزل . [ 348 ] شاعر
كأن دخان الند ما بين جمره قالوا خير العود المندلي و هو منسوب إلى مندل قرية من قرى الهند و أجوده أصلبه و امتحان رطبة أن ينطبع فيه نقش الخاتم و اليابس تفصح عنه النار و من خاصية المندلي أن رائحته تثبت في الثواب أسبوعا و أنه لا يقمل ما دامت فيه . قال صاحب المنهاج العود عروق أشجار تقلع و تدفن في الأرض حتى تتعفن منها الخشبية و القشرية و يبقى العود الخالص و أجوده المندلي و يجلب من وسط بلاد الهند ثم العود الهندي و هو يفضل على المندلي بأنه لا يولد القمل و هو أعبق بالثياب . قال و أفضل العود أرسبه في الماء و الطافي رديء . قال أبو العباس الأعمى
ليت شعري من أين رائحة المسك المسيب بن علس
تبيت الملوك على عتبها [ 349 ]
و كالمسك ترب مقاماتهم أخذه العباس بن الأحنف فقال
و أنت إذا ما وطئت التراب و هجا بعض الشعراء العمال في أيام عمر و وقع عليهم فقال في بعض شعره
نئوب إذا آبوا و نغزو إذا غزوا فقبض عمر على العمال و صادرهم . قالوا في الكافور إنه ماء في شجر مكفور فيه يغرزونه بالحديد فإذا خرج إلى ظاهر ذلك الشجر ضربه الهواء فانعقد كالصموغ الجامدة على الأشجار . و قال صاحب المنهاج هو أصناف منها الفنصوري و الرباحي و الأزاد و الإسفرك الأزرق و هو المختط بخشبه و قيل إن شجرته عظيمة تظلل أكثر من مائة فارس و هي بحرية و خشب الكافور أبيض إلى الحمرة خفيف و الرباحي يوجد في بدن شجرته قطع كالثلج فإذا شققت الشجرة تناثر منها الكافور الند هو الغالية و هو العود المطري بالمسك و العنبر و دهن البان و من الناس من لا يضيف إليه دهن البان و يجعل عوضه الكافور و منهم من لا يضيف إليه الكافور أيضا و من الناس من يركب الغالية من المسك و العنبر و الكافور و دهن النيلوفر . قال الأصمعي قلت لأبي المهدية الأعرابي كيف تقول ليس الطيب إلا المسك فلم يحفل الأعرابي و ذهب إلى مذهب آخر فقال فأين أنت عن العنبر فقلت كيف تقول ليس الطيب إلا المسك و العنبر قال فأين أنت عن البان قلت فكيف [ 350 ] تقول ليس الطيب إلا المسك و العنبر و البان قال فأين أنت عن ادهان بحجر يعني اليمامة قلت فكيف تقول ليس الطيب إلا المسك و العنبر و البان و ادهان بحجر قال فأين أنت عن فأرة الإبل صادرة فرأيت أني قد أكثرت عليه فتركته قال و فأرة الإبل ريحها حين تصدر عن الماء و قد أكلت العشب الطيب . و في فأرة الإبل يقول الشاعر
كأن فأرة مسك في مباءتها كان لأبي أيوب المرزباني وزير المنصور دهن طيب يدهن به إذا ركب إلى المنصور فلما رأى الناس غلبته على المنصور و طاعته له فيما يريده حتى إنه ربما كان يستحضره ليوقع به فإذا رآه تبسم إليه و طابت نفسه قالوا دهن أبي أيوب من عمل السحرة و ضربوا به المثل فقالوا لمن يغلب على الإنسان معه دهن أبي أيوب . أعرابي فيها مدر كف و مشم أنف . و قال عيينة بن أسماء بن خارجة الفزاري
لو كنت أحمل خمرا حين زرتكم قال الأصمعي ذكر لأبي أيوب هؤلاء الذين يتقشفون فقال ما علمت أن القذر و الذفر من الدين . ريح الكلب مثل في النتن قال الشاعر
ريحها ريح كلاب و قال آخر
يزداد لؤما على المديح كما
[ 351 ] و قالت امرأة إمرئ القيس له و كان مفركا عند النساء إذا عرقت عرقت بريح كلب قال صدقت إن أهلي أرضعوني مرة بلبن كلبة . قال سلمة بن عياش يقول لجعفر بن سليمان
فما شم أنفي ريح كف رأيتها فأمر له بألف دينار و مائة مثقال من المسك و مائة مثقال من العنبر . وجه عمر إلى ملك الروم بريدا فاشترت أم كلثوم امرأة عمر طيبا بدنانير و جعلته في قارورتين و أهدتهما إلى امرأة ملك الروم فرجع البريد إليها و معه ملء القارورتين جواهر فدخل عليها عمر و قد صبت الجواهر في حجرها فقال من أين لك هذا فأخبرته فقبض عليه و قال هذا للمسلمين قالت كيف و هو عوض هديتي قال بيني و بينك أبوك فقال علي ع لك منه بقيمة دينارك و الباقي للمسلمين جملة لأن بريد المسلمين حمله . قيل لخديجة بنت الرشيد رسل العباس بن محمد على الباب معهم زنبيل يحمله رجلان فقالت تراه بعث إلي باقلاء فكشف الزنبيل عن جرة مملوءة غالية فيها مسحاة من ذهب و إذا برقعة هذه جرة أصيبت هي و أختها في خزائن بني أمية فأما أختها فغلب عليها الخلفاء و أما هذه فلم أر أحدا أحق بها منك [ 352 ] |