الإسكافي هو أبو جعفر محمد بن عبد الله. وأصله من سمرقند. وكان عجيب
الشأن في العلم والذكاء والمعرفة وصيانة النفس ونبل الهمة والنزاهة عن الأدناس. بلغ
في مقدار عمره ما لم يبلغه أحد من نظرائه. وكان المعتصم قد أعجب به إعجابا شديدا،
فقدمه ووسع عليه. وبلغني أنه كان إذا تكلم أصغي إليه وسكت [جميع] من [كان] في
المجلس فلم ينطقوا بحرف، حتى إذا فرغ نظر المعتصم إليهم وقال: من يذهب عن هذا
الكلام والبيان؟ وكان يقول له يا محمد: اعرض هذا المذهب على الموالي، فمن أبى منهم
فعرفني خبره لأفعل به وأفعل. ومات الإسكافي سنة أربعين، فلما بلغ محمد بن عيسى
برغوث موته سجد فمات بعده بستة أشهر. وكان الإسكافي أولا خياطا، وكان أبوه وأمه
يمنعانه من الاختلاف في طلب الكلام، ويأمرانه بلزوم الكسب، فضمه جعفر بن حرب إليه،
وكان يبعث إلى أمه في كل شهر عشرين درهما بدلا من كسبه. وله من الكتب: كتاب اللطيف،
كتاب البدل. كتاب [الرد] على النظام، في أن الطبعين المختلفين يفعل بهما فعلا
واحدا. كتاب المقامات في تفضيل علي عليه السلام. كتاب إثبات خلق القرآن، كتاب الرد
على المشبهة. كتاب المخلوق على المجبرة. كتاب بيان المشكل على برغوث. كتاب التمويه
نقض كتاب حفص. كتاب النقض لكتاب [أبي] الحسين النجار. كتاب الرد على من أنكر خلق
القرآن. كتاب الشرح لأقاويل المجبرة. كتاب إبطال قول من قال بتعذيب الأطفال. كتاب
جمل قول أهل الحق. كتاب النعيم. كتاب ما اختلف فيه المتكلمون. كتاب [الرد] على
[أبي] حسين في الاستطاعة. كتاب فضايل علي عليه السلام. كتاب الأشربة. كتاب العطب.
كتاب [الرد] على هشام كتاب نقض كتاب ابن شبيب في الوعيد). وأيضا ذكر ابن النديم في
عنوان ابن الإسكافي من المقالة المشار إليها بعد ترجمة الإسكافي بلا فصل ما نصه:.
(ابن الإسكافي) هو أبو القاسم جعفر بن محمد الإسكافي. وكان كاتبا بليغا. ورد إليه
المعتصئم أحد دواوينه وتجاوز كثيرا من الكتاب. وله من الكتب: كتاب المعيار
والموازنة في الإمامة).
المقدمة في التنويه بشخصية المصنف وتعريف كتاب المعيار والموازنة أما المصنف فهو
أبو جعفر محمد بن عبد الله الإسكافي محامي العظمة العلوية في القرن الثالث ودولة
المبطلين وشوكة المنحرفين على علي وأهل بيته الطاهرين!!! ومحاماة هذا الرجل عن أعظم
شخصية بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ودفاعه عن الإمام علي بن أبي طالب عليه
السلام في عصر اهتضام محبيه وشوكة معانديه من أفخر معاليه وأعلى مفاخره وجهات مجده
وشخصيته، إذ كل عاقل سلمت فطرته عن الانحراف، يدرك أن لجنس البشر وأبناء محامد
ومعالي وأن من أجلها التزامهم بالحق والصواب واستقامتهم عليه، وأنه كلما كان
الالتزام بالحق والاستقامة عليه والدوران معه أصعب يكون شأن الملتزمين به
والمستقيمين عليه أعظم وأشرف وأجل من غيرهم ممن يلازم الحق في دولة الحق أو فيما
إذا كان المحقون في فسحة ورخاء وحرية في سلوك طريق الحق والقيام بلوازمه، ولهذه
الجهة والعلة شرف وفضل المهاجرون الأولون والبدريون من أصحاب رسول الله - الذين
استقاموا على إيمانهم ولوازمه - على غيرهم ممن آمن برسول الله صلى الله عليه وآله
بعدهم حينما حصلت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وللمسلمين قوة وشوكة وعزة
ومنعة وجمع وعتاد وعدة وعدة. ولا ريب أيضا أن التحلي بهذه الكرامة العظيمة من أجل
معرفات الرجال وإليه أشار الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في الكلام المشهور
المنسوب إليه: وأما المحقون فيعرفون الرجال بالحق لا الحق بالرجال. فمن أراد أن
يعرف الخبيث من البشر من طيبه والصحيح منهم من السقيم والجيد من الردئ فليطلبها من
هذا الطريق فإنه من أوضح سبلها وأسد محجتها سواء كان المطلوب معرفته ممن يعاصر
الطالب ويكون من الأحياء المرزوقين، أو كان من السلف الماضين ممن أباده الحدثان
ولكن خلف بنحو القطع واليقين للمتأخرين الطالبين بعرفانه من محامد
السجايا وكرائم الأخلاق - أو أضدادهما - مما اكتسبت يداه أو ضمت عليه جوانحه
وحشاياه أقوالا وأعمالا وعقائدا وأنظارا. وبما تقدم تجلى سهولة معرفة أبي جعفر
الإسكافي ومن كان على شاكلته ممن بقي منه بنحو القطع شيء من نزعاته ومعتقداته
وحصيلة أعماله مما كان يدور عليه ويدافع عنه بتمام القوى والطاقات والإمكانيات فإن
النواصب لأجل تركيز مكابراتهم في قلوب الناس وتسجيل أباطيلهم في نفوس السذج والغفلة
من المسلمين - وهم السواد الأعظم منهم - وإن حالوا بين أبي جعفر الإسكافي وأمثاله
وبين الحرية، وسلبوهم بمعونة أمراء الجور مواد الطاقات والإمكانيات وسدوا عليهم
ساحات الفعالية والكر والفر، وسبل التحرك نحو الأهداف، ومن أجلها لم يتمكن أمثال
أبي جعفر ممن كان عنده لمحات من الحقائق وقبسات من لوامع العقائد أن يبلغوا الناس
ويبثوا فيهم ما عندهم من أنوار الحق والحقيقة، وأن يسعوا في تصفية الرشد من الغي
وإذاعة الحقائق ونشرها بين الناس. ولهذا حرم أكثر الناس عن أكثر الحقائق الموجودة
عند أمثال أبي جعفر مما كان لا يلائم أهداف النواصب وأتباع الشجرة الملعونة في
القرآن. وكما حرم معاصرو أبي جعفر عن نيل الحقائق الموجودة عنده حرم المتأخرون عنهم
أيضا منها، وكان حرمان المتأخرين أكثر من حرمان معاصري المصنف وذلك للحصر الجدي
الذي فرضه النواصب وأعداء أهل البيت وأرباب السلطة على أبي جعفر وأمثاله وعلى صد
الناس عنهم، ولشدة اهتمامهم على إتلاف آثار هؤلاء وتمزيقها وتحريقها ومحوها عن صفحة
الوجود. ولكن الله تعالى لحكمته البالغة وليحق الحق بكلماته ويبطل الباطل، ولإنجازه
تعالى وعده في قوله تبارك وتعالى: إن الله لا يضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى
ما أراد أن تنمحي جميع آثار أبي جعفر وأمثاله عن صفحة الوجود، بل أراد أن تحفظ
بعض آثاره ومعرفاته مكافاة له على ما قام به من الحق. ومن جملة ما أراد الله تعالى
بقاءه من آثار أبي جعفر هو رده على عثمانية ممسوخ آل عثمان الجاحظ، وهذا الرد وإن
لم يصل إلينا بكامله، ولكن هذا القدر الذي رواه ابن أبي الحديد عنه في شرح نهج
البلاغة الذي يعد غرفة من نهر وقبسا من مشعل النور
يكفي لتوجه العقلاء إلى عظمة هذا الرجل واستقامته على ما عرفه من الحق ووصل إليه من
الحقيقة. وإذا لاحظنا عصر المؤلف واستفحال الانحراف عن أهل البيت فيه، وتكالب الناس
على الدنيا وتقربهم إلى أرباب السلطة من ظلمة بني العباس يتجلى لنا سمو مقام المؤلف
وأنه من نوادر الدهر حيث آثر الحق والحقيقة على الدنيا وحظوظها ولم يجنح إلى أهل
الدنيا والزخارف الدنيوية، ولم يركن إلى أرباب السلطة والذين استولوا على العباد
والبلاد ظلما وزورا ونهبوا ثروة الناس وهضموا حقوق الضعفاء والمساكين، وقتلوا
وحبسوا وشردوا المعترفين بالحق والصواب. وإذا تأملنا بالدقة حال أكثر المشايخ
والأدباء وأصناف العلماء في حال عصر المصنف وتلونهم في دينهم وجعلهم الدين والتظاهر
به وسيلة للتقرب إلى الظلمة والطواغيت ينكشف لنا علو نفسية المؤلف. ومن أراد أن
يعرف جليا رفعة شخصية المصنف وجلالته من باب تعرف الأشياء بأضدادها وأشكالها يكفيه
ملاحظة تكالب أكثر معاصري المؤلف على الدنيا وخسة نزعتهم وتوغلهم في اللؤم
والدناءة، واتباعهم خطوات الشياطين. وليلاحظ حال ممسوخ آل عثمان عمرو بن بحر الجاحظ
من معاصري المصنف فإنه لتوغله في إشباع غرائزه الشهوانية وأمنياته الشيطانية،
وتقربه إلى فراعنة عصره وتراكضه في ميادين الضلالة مرة يصنف كتاب العثمانية
ومسائلها، وأخرى يكتب كتابا في إمامة المروانية والشجرة الملعونة في القرآن. وتارة
يؤلف كتابا في إمامة ولد العباس، وهلم جرا حول تأليفه في المتناقضات وانتصارة
للمتباينات (1).
(هامش)
(1) والمحكي عن ابن قتيبة في كتاب تأويل مختلف الحديث ص 59 أنه قال في شأن الجاحظ:
تجده يحتج مرة للعثمانية على الرافضة، ومرة للزيدية على العثمانية وأهل السنة. ومرة
يفضل عليا رضي الله عنه. ومرة يؤخره ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله.
ويتبعه: قال الجماز. وقال إسماعيل بن غزوان: كذا وكذا من الفواحش. ويجل رسول الله
صلى الله عليه وآله عن أن يذكر في كتاب ذكرا فيه فكيف في ورقة أو بعد سطر أو
سطرين!! ويعمل كتابا يذكر فيه حجج النصارى على المسلمين. فإذا صار إلى الرد عليهم
تجوز في الحجة كأنه إنما أراد (*)
ص 8
هذا طريق معرفة المصنف بمقايسته مع أشكاله وأضداده وبملاحظة بعض ما بقي من تأليفاته
وآثاره ومعونة ما علم منه من نزعته واستقامته عليها بلا تزحزح وتردد. وقد قلنا: إن
معرفة الأشخاص من هذا الطريق من أسد أنحاء المعرفة وأتقنها. وأما معرفته من طريق
كتب النسب والتراجم فلا تخلو من إجمال وغموض، وذلك من أجل انقراض المعتزلة وأكثر
آثارها من صفحة الوجود وعدم وجود كتاب كامل منهم في فن النسب والرجال يشرح حال
سلفها ويفصل ترجمة رجالها وأكابرها. وأما ما دونه الأشعريون في فن التراجم والنسب
فغير مقنع ولا واف لمعرفة المصنف وأمثاله، وذلك لتحقق التنافر الشديد والعداوة
الأكيدة بين المعتزلة والأشعرية، ومن الواضحات أنه قلما يوجد عدو يشرح حال عدوه على
ما هو عليه ويذكر محاسنه ومكارمه، على ما ينبغي إذ شأن العداوة والمعتاد من
المتعاديين كراهتهم ذكر عدوهم وأحيانا لو جرى بمناسبة ما ذكره على لسانهم يذكرونه
بما يشوه منظره ويحط من شخصيته، وبشتى الأكاذيب والخزعبلات يدنسون ساحته، فلا ينتظر
من المعتاد من الناس الصدق وحسن القول في عدوهم، غاية ما يتوقع من العدو إذا كان
رزينا ومقدرا للصدق ومبغضا للكذب أن لا يفتري على عدوه شيئا ولا ينسب إليه سوءا
بالبهتان، وأما نشر محاسنه وبث محامده وكريم سجاياه فلا، إلا أن يكون اشتمال عدوه
على المكارم وتحليه بالعظمة والجلال أمرا واضحا لا يشوبه ريب ولا يختلجه شك وشبهة
بحيث إذا أنكره أحد أو تردد فيه شخص يعد تردده مكابرة ويؤول إنكاره إلى ضعفه ونقص
ما يهدفه ويتطلبه كما هو الشأن في مناقب الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المروية من طريق شيعة آل أبي سفيان.!!! وكيفما كان، فبما أن ذكر ما قالوه في ترجمة
المؤلف غير خال عن فوائد فنحن نذكر ها هنا ما ظفرنا عليه مما ذكروه في ترجمته
فنقول:
(هامش)
تنبيههم على ما لا يعرفون وتشكيك الضعفة من المسلمين. وتجده يقصد في كتبه للمضاحيك
والعبث. يريد بذلك استمالة الأحداث وشراب النبيذ. ويستهزئ من الحديث استهزاء لا
يخفى على أهل العلم كذكره كبد الحوت وقرن الشيطان. وذكر الحجر الأسود وأنه كان أبيض
فسوده المشركون. وقد كان يجب أن يبيضه المسلمون حين أسلموا. ويذكر الصحيفة التي كان
فيها المنزل في الرضاع تحت سرير عائشة فأكلتها الشاة.. وهو - مع هذا - من أكذب
الأمة وأوضعهم لحديث وأنصرهم لباطل.. (*)
ص 9
قال الخطيب البغدادي في ترجمة المؤلف تحت الرقم: (2929) من تاريخ بغداد: ج 5 ص 416:
محمد بن عبد الله أبو جعفر المعروف بالإسكافي أحد المتكلمين من معتزلة البغداديين.
له تصانيف معروفة (1) وكان الحسين بن علي [بن يزيد] الكرابيسي [صاحب الشافعي] يتكلم
معه ويناظره. وبلغني أنه مات في سنة أربعين ومائتين. أقول: وقريبا منه ذكره أيضا
السمعاني في مادة: الاسكاف من كتاب الأنساب: ج 1، ص 235 ط الهند. وذكره أيضا
الياقوت الحموي في عنوان: إسكاف من كتاب معجم البلدان: ج 1، ص 181، ط بيروت.
والمحكي عن قاضي القضاة عبد الجبار المعتزلي المترجم في الرسالة المستطرفة ص 120،
وتحت الرقم () من تاريخ بغداد: ج 11، ص 13، أنه قال في شأن المؤلف: كان أبو جعفر
فاضلا عالما وصنف سبعين كتابا في علم الكلام (2). وقال ابن أبي الحديد في شرح
المختار: (57) من نهج البلاغة: ج 4 ص 63 طبع الحديث بمصر، ما محصله: كان شيخنا أبو
جعفر الإسكافي رحمه الله تعالى من المتحققين بموالاة علي عليه السلام والمبالغين في
تفضيله: وإن كان القول بالتفضيل عاما شائعا في البغداديين من أصحابنا كافة إلا أن
أبا جعفر أشدهم في ذلك قولا وأخلصهم فيه اعتقادا... وقريبا منه مع خصوصيات زائدة
ذكره أيضا في شرح المختار: (54) من الباب
(هامش)
(1) المستفاد من هذا التعبير أن كتب المصنف كانت معروفة في عصر الخطيب أي بعد وفاة
المصنف بمأتي وعشرين سنة. (2) صريح هذا الكلام أن السبعين من الكتب كله في علم
الكلام، وهل له تأليف في غير علم الكلام من الفنون الإسلامية أم لا؟ كلام قاضي
القضاة ساكت عنه، كما أنه ساكت عن تسمية الكتب السبعين. (*)
ص 10
الثاني من نهج البلاغة: ج 17، ص 132، طبع الحديث بمصر، قال: وأما أبو جعفر الإسكافي
وهو شيخنا محمد بن عبد الله [فقد] عده قاضي القضاة في الطبقة السابعة من طبقات
المعتزلة مع عباد بن سليمان الصيمري، ومع زرقان، ومع عيسى بن الهيثم الصوفي. وجعل
أول الطبقة ثمامة بن أشرس أبا معن، ثم أبا عثمان الجاحظ ثم أبا موسى عيسى بن صبيح
المردار ثم أبا عمران يونس بن عمران، ثم محمد بن شبيب، ثم محمد ابن إسماعيل ابن
العسكري، ثم عبد الكريم بن نوح العسكري، ثم أبا يعقوب يوسف ابن عبد الله الشحام، ثم
أبا الحسين الصالحي، ثم جعفر بن جرير، وجعفر بن ميسر، ثم أبا عمران بن النقاش، ثم
أبا سعيد أحمد بن سعيد الأسدي، ثم عباد بن سليمان، ثم أبا جعفر الإسكافي هذا. وقال
[قاضي القضاة]: كان أبو جعفر فاضلا عالما وصنف سبعين كتابا في علم الكلام. وهو الذي
نقض كتاب العثمانية على أبي عثمان الجاحظ في حياته، ودخل الجاحظ الوراقين ببغداد
فقال: من هذا الغلام السوادي الذي بلغني أنه تعرض لنقض كتابي؟ وأبو جعفر جالس
فاختفى منه حتى لم يره. وكان أبو جعفر يقول: بالتفضيل على قاعدة معتزلة بغداد
ويبالغ في ذلك، وكان علوي الرأي محققا منصفا قليل العصبية. وقد ذكره أيضا المسعودي
في عنوان: ذكر الدولة العباسية ولمع من أخبار مروان [الحمار] ومقتله من كتاب
مروج الذهب: ج 3 ص 253 ط مصرفي سنة 1384، عند تعرضه لمجون عمرو بن بحر الجاحظ
وتصنيفه في المتناقضات وانتصاره للمتباينات ككتابه في إمامة ولد العباس وكتابه في
إمامة المروانية وكتاب العثمانية ومسائل العثمانية، قال: وقد نقضت عليه [أي على
الجاحظ] ما ذكرنا من كتبه ككتاب العثمانية وغيره. وقد نقضها [أيضا] جماعة من متكلمي
الشيعة كأبي عيسى الوراق والحسن بن
ص 11
موسى النخعي (1) وغيرهما من الشيعة ممن ذكر ذلك في كتبه في الإمامة مجتمعا ومفترقا.
وقد نقض على الجاحظ كتاب العثمانية أيضا رجل من شيوخ البغدادين ورؤسائهم وأهل الزهد
والديانة منهم - ممن يذهب إلى تفضيل علي والقول بإمامة المفضول - وهو أبو جعفر محمد
بن عبد الله الإسكافي، وكانت وفاته سنة أربعين ومائتين، وفيها مات أحمد بن حنبل.
أقول: هذا ما تيسر لي عاجلا حول ترجمة المؤلف وشخصيته وأما كتاب المعيار والموازنة
هذا فإن أول ما فزت بمشاهدته كان في أواسط شهر شوال المكرم من سنة (1399) الهجرية
عندما زرت بعض الأجلة وأنا كليل الفكر حسير البصر وقد وهن العظم مني وفترت الأعصاب،
ولم أكن على عدة وعدة، أرى أبواب المضي في الخيرات مغلقة، وطرق سلوك المعالي
والمكارم مسدودة، أرى نفسي عاجزة عن كل تدبير، ولكن بمجرد ما تصفحت وقرأت أوراقا من
الكتاب كأن الله نفخ الروح في بدني وقوى الفتير في عظامي وأعصابي فاستنسخته في طول
أيام وليالي ثم قابلت مخطوطي مع الأصل المأخوذ منه وأخذته معي إلى لبنان برجاء أن
يفتح الله لنا بابا إلى نشره وطبعه. ومن أجل أني كنت حينئذ على جناح سفر ضروري،
وكنت أرى بحسب الموازين العادية أني غير متمكن من نشر هذا الكتاب في زمن قريب لم
أوفق للبحث الكافي عن خصوصيات النسخة، ثم التفتيش في مظانه من التراجم والكتب
المدونة في أسماء الكتب والفنون حول اسم الكتاب ونسبته إلى المؤلف. والذي أتذكر
قطعيا من النسخة أنها كانت بخط نسخ جميل مشتملة على أغلاط إملائية كثيرة مع بلاغات
مندرجة في هوامشها، وكان في آخر وختامها توقيعات من
(هامش)
(1) كذا. (*)
ص 12
أكابر اليمنيين الذين فازوا بمطالعتها. وأما صحة نسبة الكتاب إلى المؤلف وكونه من
تأليف الإسكافي فإني أراه أمرا واقعيا نعم بيان كتاب نقض العثمانية وعباراته أعذب
من عبارات هذا الكتاب، ولعل هذا الفرق ناشئ من جهة زمان تأليف الكتابين بأن يكون
تأليف هذا الكتاب من أوائل تأليفات المصنف، وكتاب النقض من أواخر تأليفاته، أو من
جهة كون هذا مسودة المؤلف ولم يبيضه وكون كتاب النقض مبيضته؟!!!. ولعل الله أن
يوفقنا في الطبعة الثانية لإقامة شواهد أخر لصحة نسبة الكتاب إلى المؤلف. مع أن
إثبات هذا الأمر وإقامة شواهد قطعية على كون الكتاب من تأليف الإسكافي لا يترتب
عليه كثير فائدة، وعدم إثباته وتعذر الحصول على قرائن مقنعة لصحة نسبة الكتاب إلى
مؤلفه لا يوجب فوات استنتاج كبير، وخسارة متطلبات وفيرة، إذ الكتاب في أكثر ما
يتضمنه مشتمل على حقائق متخذة من القرآن الكريم ونصوص رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم القطعية وسيرة الإمام أمير المؤمنين المتلألئة، ساقها مؤلف الكتاب على أسلوب
رصين وبيان وجيز لإثبات أفضلية الإمام أمير المؤمنين على جميع البشر بعد الأنبياء
والرسل بحيث يستفيد منه العامي بعاميته وصرافة طبيعته وسذاجة فكره كم يستفيد منه
العالم بتعمقه ومقاييسه العلمية، فهو كتاب يتكفل بأسلوبه الحصين لإثبات حقائق
ومزايا متشعشعة لأعظم شخصية بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. واستفادة هذا
المعنى البرهاني لا يتوقف على عرفان صاحب الكتاب، والحكمة والحقائق البرهانية
مقبولة ومأخوذة ولو لم يعرف قائلها وسائقها كما نسب إلى الإمام أمير المؤمنين عليه
السلام أنه قال: أنظر إلى ما قال ولا تنظر إلى من قال. والكتاب يوقظ النائم من
نومته، وينبه الغافل من ذهوله وغفلته، ويرشد الجاهل ويقيه عن متاهته، ويهدي الضال
إلى منجاته، ويعاضد العالم في متطلباته وبغيته، فخذوه بقوة وكونوا من الشاكرين، ولا
يزهدنكم فيه ضعف القرينة القائمة على صحة نسبته إلى مؤلفه، فإن الحكمة ضالة المؤمن
أينما وجدها وحيثما ظفر بها أخذها، والكتاب
ص 13
في أكثر مطالبه حكم وحقائق رصينة فخذوها فإنها للمؤمنين. وفي ختام هذه المقدمة نوصي
رافعي الأعلام العلوية البيضاء وطالبي حقائق الإسلام ومحققي حقوق خليفة رسول الله
وباب علمه وعالم الإسلام علي بن أبي طالب عليه السلام أن يفتشوا عن كتب هذا الرجل
وإحيائها فإنها من أهم المقدمات الموصلة إلى هذه الأهداف العالية. وحيث إن لأسماء
كتب المصنف دخلا وارتباطا للفحص عنها اقتناؤها ثم نشرها فنحن نذكر أسماء ما وصل
إلينا من كتبه عفوا في أثناء فحصي لغيرها من الأهداف فنقول: من مشهورات كتبه كتاب
نقض عثمانية الجاحظ، وبه عرف المتأخرون بطولة الإسكافي وأنه من نوادر ما أنتجه
الدهر، وهذا الكتاب قد أكثر النقل عنه ابن أبي الحديد في تضاعيف شرح نهج البلاغة،
وفي الواقع ونفس الأمر، بواسطته عرف الناس بعده نقض العثمانية ومؤلفه، ولم نعهد من
غيره أن ينقل شيئا عن هذا الكتاب، وهو أيضا لم ينقل عنه المطالب حرفيا ومتتابعا بل
وزع مطالبه في شرح النهج بحسب مناسبتها لشرح كلام أمير المؤمنين عليه السلام وقد
أشبع الكلام بالنقل عنه في شرح المختار: (57) من نهج البلاغة: ج 4 ص 63 وما بعدها
من طبع الحديث بمصر، وكذلك في أواخر شرح الخطبة القاصعة وهو المختار: (238) من نهج
البلاغة: ج 13، ص 219 - 296. واستقصى محمد هارون المصري ما رواه عنه ابن أبي الحديد
وفرقه في شرحه على نهج البلاغة فجمعه وطبعه في آخر كتاب العثمانية ط مصر، فجزاه
الله خيرا بما صنع. ومن جملة كتبه كتاب التفصيل وقد نسب هذا الكتاب إلى المؤلف
ابن أبي الحديد في شرح المختار: (57) من نهج البلاغة: ج 4 ص 73 طبع الجديد بمصر
(1).
(هامش)
(1) واحتمال اتحاد هذا أي كتاب التفضيل مع المعيار والموازنة غير بعيد. (*)
ص 14
ومن جملة كتبه كتاب المقامات في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام، ذكره ونسبه إلى
المؤلف السيد الرضي رفع الله مقامه في صدر المختار: (54) من الباب الثاني من نهج
البلاغة. هذا تمام ما عثرت عليه عاجلا من أسماء كتب المصنف فمن دلني على مظان
وجودها أو غيرها من بقية كتبه فله على مائة تومان. ومن أهدى إلي كتابا من كتب
المؤلف فله علي بإزاء كل صفحة تومان، إضافة إلى إهدائي إليه مجلدا من تأليفاتي أو
تحقيقاتي المنشورة وما عند الله له من الأجر أعظم وأجزل ومن صور لي كتابا من كتب
المؤلف يكون قريبا من مائتي صفحة وأهدى إلي فله علي خمسمائة تومان ودورة كاملة من
كتاب نهج السعادة في ثمان مجلدات ومن صور كتابا من مخطوطات المصنف وأهداه إلي بحيث
يكون قريبا من خمسمائة صحيفة فله علي ألف تومان ودورة كاملة من منشوراتي وهي عشرون
مجلدا من نفائس الكتب. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ص 15
بسم الله الرحمن الرحيم / 2 / وبه ثقتي الحمد لله رب العالمين [الذي] ليس كمثله شيء
وهو السميع البصير، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وعلى جميع المرسلين. وبعد،
فإن الله قد عظم حق أوليائه ووصل محبتهم بمحبته وولايتهم بولايته فمحبتهم علينا
واجبة على قدر تفاضلهم في طاعته إذ جرى حكمه بأن الحب فيه من أفضل ما يتقرب به
إليه، فقد عظم حرمة نبيه وحرمة وصيه وحرمة المؤمن من أعظم الحرم، إذ عظم حرمة ماله
(1) ودمه ونفسه، وأمر [با] لاستغفار له والقيام بنصرته. فمن وصل ذلك من الله بمعرفة
أوليائه و[البراءة] من أعدائه، كملت معرفته ووجب له العصمة بإصابة الولاية من الله.
ومن قطع ذلك من الله أقعدته جهالته ولم تتم معرفته وثوته قلة (2) عمله عن استكمال
(هامش)
(1) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: من أعظم الحرمة إذ عظم حرم ماله... (2) كذا في
ظاهر رسم الخط. فإن صح فمعناه أقامته أو عوقته قلة عمله عن استكمال طاعة الله.
وكلام المصنف هذا مقتبس من آثار كثيره من محكمات الشريعة، ألصقها بالمقام ما رواه
السيد الرضي رحمه الله في المختار: (164) من نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه
السلام قال: وفضل [الله] حرمة المسلم على الحرم كلها وشد بالإخلاص والتوحيد حقوق
المسلمين في معاقدها، فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده إلا بالحق.. . (*)
ص 16
الطاعة، ودخل في حزب أهل الضلالة، وفي ذلك يقول الله: *(قل من كان عدوا لله
وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين)* [98 / البقرة: 2]. وقال:
*(الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين)* [67 / الزخرف: 43]. وقال: *(إنما
المؤمنون إخوة)* [10 / الحجرات: 49]. وقال: *(لا تتولوا قوما غضب الله عليهم ما هم
منكم ولا منهم)* [13 / المجادلة 58] فرزقنا الله وإياكم الاعتصام بحبله والقيام
بحقه في ولاية أوليائه ومعاداة أعدائه فإنه يقول: *(لا تجد قوما يؤمنون بالله
واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله)* الآية 22 المجادلة: 58]. ونحن بعد الثناء
على ربنا والصلاة على نبينا مبتدؤن فيما سألتم عنه من الجواب فيما وقع فيه الناس من
الاختلاف في الصحابة وإبانة الحق وكشف [الصواب في] ما ذهبوا إليه بما فيه الشفاء
والسلامة والقوة بالله.
ص 17
[كان سبب انحراف الناس عن على هو الحقد والضغينة، والعداوة الطائفية، والحمية
الجاهلية]

. ثم اعلموا - سلمكم الله من الهلكة وأيدكم بالاستقامة والصواب في المقالة
- إن هذا باب قد كثر قول القائلين فيه وطال اختلافهم وتشعبت أهواؤهم وتوغرت من أجله
صدورهم واختلفت فيه ائتلافهم (1) وذلك لأن أوله كان على الضغن والعداوة والعصبية
والحمية، ولم يكن القول فيه على طريق الخطأ من أجل شبهة دخلت أو لبس حدث فاتصلت
أسبابه على ذلك وانشعبت فروعه على حسب ما ذكرنا [ه] من حدوث أصوله فزرعت في القلوب
الهوى والميل، فتكلم كل إنسان على قدر هواه وميله وما سبق إلى قلبه فنصر رأيه وناظر
في تقوية قوله، فتاهوا على طول الأيام وألفوا الخطأ والضلال وتعدى ذلك إلى العوام
من النساء والرجال فعظم فيه الخطب وكثر القيل والقال وتوارثوا تلك الأضغان والأحقاد
حتى ظل الراجع عن خطائه المبين لرشده منهم (2) مشتوما قد نبذوه بالألقاب ورموه
بالبدعة والضلال! وحتى أن الجماعة قد [كانت] تجتمع فيتناظرون في أبواب الاختلاف
وفنون من الكلام فيصغى المستمعون ويتكلم المتكلمون على سبيل إنصاف وطريق حسن حتى
إذا شرعوا في الكلام في هذا الباب كثر شغبهم وتكلم ساكتهم وارتفعت أصواتهم وعظم
لغطهم، وانقلبوا عن طبعهم وتجبروا في مقالهم، وأحالوا في أنفسهم مقالهم، لشدة ما
دخلهم من الغصب والتعصب. [و] هذا قد يكون [يقع] من أهل الأدب منهم والمتقدمين في
الكلام والنظر. وقد [كان] يجري ما وصفنا بين قوم ليس لهم أول يدعو إلى العصبية ولا
لهم تقدم يوجب الحمية. هذا مع قولهم: إن هذا الباب ليس الخلاف فيه بعظيم ولا الخطأ
فيه بكبير ولا
(هامش)
(1) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: اعتلافهم.. . (2) الظاهر أن هذا هو الصواب، وفي
الأصل: حتى ضل الراجع عن خطأته المبين لرشده منهم.. (*)
ص 18
القول فيه كالقول في العدل والتوحيد. [وإنما مهدنا ذلك] لتعلموا أن آفة القوم فيه
واحدة، وأن العلة فيه قائمة. فأما أهل الحشو / 2 / من أصحاب الحديث (1) وسائر
العوام فعندهم من التعسف في هذا الباب، والعناية به والانكماش فيه على قدر جهلهم
بأوله وآخره وعلى حسب ما عندهم من قلة المعرفة بالنظر والتمييز [بين] السنة
والفريضة والشرع إلى التقليد والقول بما دعت إليه ملوك بني أمية. وإن ملوك بني أمية
وإن كانت قد بادت فإن عامتها وشيعتها فينا اليوم ظاهرة متعلقة بما ورثوه من ملوكهم
الطاغية وأسلافهم الباغية (2).
(هامش)
(1) قال في مادة: حشى من كتاب تاج العروس: ج 10 ص 90: الحشوية طائفة من
المبتدعة. (2) وهم بعد باقون إلى عصرنا هذا وهو العام (1400) من الهجرة النبوية،
وهم يشكلون السواد الأعظم من المسلمين!!! ومما يدل على قول أبي جعفر ويشهد بما
قلناه شهادة قطعية أنه لما قال م مفخر ذرية رسول الله والعبقري من علماء علوم أهل
البيت السيد الخميني أطال الله بركاته ليحق الحق ويبطل الباطل ويزهق تخطيطات
الطواغيت في الأجواء الإسلامية وبلاد المسلمين، التقى بعض المتعلقين من طواغيت شيعة
بني أمية بآخرين منهم - كما التقى أخوالهم المشركون في عصر النبي وتجمعوا في دار
الندوة ليمكروا برسول الله صلى الله عليه وآله - فتشاوروا وتفاوضوا حول معارضة ابن
رسول الله وإبادة أنصاره وأعوانه والقضاء على نظامه ودعوته إلى الله ورسوله وأنه لا
قانون إلا قانون القرآن، ولا دين إلا دين الإسلام. فاتفق المتعفلقون والمتأمركون من
طواغيت بني أمية وتعاضدوا وتآزروا على محاربة الداعي إلى الله ورسوله والقائم بالحق
من ذرية رسول الله السيد الخميني أعلى الله كلمته. وبعدما فرغ المجرمون من عهودهم
ومواثيقهم على التعاون على الإثم والعدوان والكفر والطغيان، تحرك ابن أخت أبي جهل
إلى مواطن أبطال الإسلام وأبناء أبي ذر وعمار وسلمان، فهجم عليه بخيله ورجله وهم
غافلون برا وبحرا وجوا وقتلوا كثيرا من عجزة المؤمنين الأطفال والنساء والشيبة
ودمروا كثيرا من بيوتهم بالقنابل والصواريخ والقذائف والمسلمون - إلا من عصمه الله
- بين معاضد لهم وساكت!؟!! وعمل هؤلاء وصنيعهم هذا من القرائن الملموسة على أن شيعة
بني أمية ومن على نزعتهم في كل عصر يسعون في إطفاء الحق واستئصال المحقين وإحياء
الباطل وتعزيز المبطلين، وأن معارضتهم للحق والحقيقة ممتدة من عصر النبي صلى الله
عليه وآله وسلم إلى عصرنا هذا. (*)
ص 19
فبلغ من عنايتهم بخطئهم في هذا الباب أن أخذوا معلميهم (1) بتعليم الصبيان في
الكتاتيب لينشئوا عليه صغيرهم ولا يخرج من قلب كبيرهم وجعلوا لذلك رسالة يتدارسونها
بينهم ويكتب لهم مبتدأ الأئمة أبو بكر بن أبي قحافة (2) وعمر بن الخطاب وعثمان ابن
عفان ومعاوية بن أبي سفيان، حتى أن أكثر العامة منهم ما يعرف علي بن أبي طالب ولا
نسبه، ولا يجري على لسان أحد منهم ذكره. ومما يؤكد هذا ما يؤثر عن محمد بن الحنفية
[عن] يوم الجمل، قال: حملت على رجل فلما غشيته برمحي، قال: أنا على دين عمر بن أبي
طالب!!! قال: فعلمت أنه يريد عليا؟!!! فأمسكت عنه (3).
(هامش)
(1) هذا هو الظاهر. وفي الأصل: الذي أخذوا.. (2) هذا هو الظاهر. وفي الأصل: أبي
بكر بن أبي قحافة.. (3) فمثل شيعة آل أبي سفيان في عرفان نسب علي عليه السلام في
أكثر الأزمنة مثل شخص كان شهد بالكفر ونسب الزندقة إلى رجل عند جعفر بن سليمان.
فقيل له بأي سبب تحكم بكفره وتشهد بالزندقة عليه؟ فقال: إنه خارجي معتزلي ناصي
حروري جبري رافضي يشتم علي بن الخطاب وعمر بن أبي قحافة. وعثمان بن أبي طالب، وأبا
بكر بن عفان؟! ويشتم الحجاج الذي كان والي الكوفة لأبي سفيان، وحارب الحسين بن
معاوية يوم القطائف!!! فقال له جعفر بن سليمان: قاتلك الله ما أدري على أي شيء
أحسدك؟! أعلى علمك بالأنساب؟ أم بالأديان؟ أم بالمقالات؟!. (*)
ص 20
[أرجحية القول بتفضيل علي اتباعا لروايات أكابر الصحابة
، على القول بمفضولية علي
تقليدا لابن عمر، ثم نقض رواية المنحرفين عن علي بعلة تكلم نذر يسير من ضعفاء
الصحابة فيه، بمردودية قولهم بتقريض جم غفير من عظماء الصحابة إياه. ثم معارضتهم
بأن من تكلم من أعاظم الصحابة في عثمان كان أكثر ممن تكلم في علي عليه السلام من
أصاغر الصحابة فما بال المنحرفين لم يتأثروا بكلام أشراف الصحافة في عثمان، وتأثروا
بكلام الأنذال في علي عليه السلام؟!!!]. ومما يدلك [على] أن العامة مخدوعة متحيرة
بفقد العلم والمعروفة، مغرورة في هذا الباب. أنهم جميعا يشهدون أن أبا بكر أفضل من
عمر ويسندون تفضيل أبي بكر على علي إلى [حديث] عبد الله بن عمر (4) فيقلدونه الخبر.
وقد جاءهم الإسناد في تفضيل علي وتقديمه [على كافة الناس] عن محمد بن أبي بكر
وسلمان وعمار بن ياسر، وما كان من شهرة قيامهم مع علي بن أبي طالب. فلم يلتفتوا إلى
ذلك. فإن كانوا مالوا إلى تصديق عبد الله بن عمر لأنه أفضل وأعبد وأخير - وإن لم
يكن عندنا على ذلك - فتقليد علي بن أبي طالب ومن ذكرناه [ه] أولى لأنه خير من عبد
الله بن عمر وأفضل لا يشكون في ذلك ولا يمترون.
(هامش)
(1) وهو قوله: كنا نقول على عهد رسول الله: خير الناس رسول الله ثم أبو بكر ثم
عمر.. وانظر الحديث ونقده تحت الرقم: (283) وتواليه من ترجمة أمير المؤمنين عليه
السلام من تاريخ دمشق: ج 1. ص 243 ط 2. (*)
ص 21
وإن كانوا مالوا إلى عبد الله بن عمر لأن أباه كان إماما فاضلا، فالميل إلى محمد
ابن أبي بكر أوجب لتقديمهم لأبي بكر على عمر وتفضيلهم إياه [عليه] ولا أجد لهم في
ذلك علة يوجبها التميز والنظر غير ما ذكرنا [ه] من الخديعة وتقليد الخبر. وأبين من
هذا في جهل الأنعام الضالة والحمر المستنفرة أن عائشة عندهم في أزواج النبي صلى
الله عليه أشهر وهي عندهم أفضل من بنت أبي سفيان، وأكثر في الشهرة والمعرفة، فإذا
ذكر [أحد] معاوية بسوء غضبوا وأنكروا ولعنوا [من ذكره بسوء] وعلتهم أنه خال
المؤمنين!! وإذا ذكر محمد بن أبي بكر بسوء رضوا وأمسكوا ومالوا مع ذاكره، وخؤولته
ظاهرة بائنة. وقد نفرت قلوبهم من علي بن أبي طالب لأنه حارب معاوية وقاتله، وسكنت
قلوبهم عند قتل عمار ومحمد بن أبي بكر وله حرمة الخؤلة، وهو أفضل من معاوية وأبوه
خير من أبي معاوية. [فتدبروا فيما ذكرناه] لتعلموا أن علة القوم الخديعة والجهالة
وإلا فما بالهم لا يستنكرون قتل محمد بن أبي بكر، ولا يذكرون خؤولته للمؤمنين؟
قاتلهم الله أنى يؤفكون. وقد مالوا عن إمامة علي بن أبي طالب وضعفوها، وبعضهم نفاها
بما كان من خلاف عائشة وطلحة والزبير، وقعود ابن عمر ومحمد بن مسلمة وأسامة بن زيد،
وهؤلاء النفر الذين أوجبوا الشك في علي عندهم وضعفوا إمامته بقولهم [هم]، الذين
طعنوا على عثمان وألبوا عليه وذكروه بالتبديل والاستيثار، [و] أولهم [بادرة عليه
كانت] عائشة [كانت] تخرج إليه قميص رسول الله وهو على المنبر وتقول: يا عثمان هذا
قميص رسول الله صلى الله عليه لم يبل وقد أبليت سنته (1). فوالله ما قدح الشك في
قلوبهم في عثمان بقولهم ولا قصروا عن تفصيله / 4 / وتقديمه
(هامش)
(1) تجد جمرات متوقدة من صياح أم المؤمنين عائشة على عثمان في الغدير: ج 9 ص 78
وتواليها.. (*)
ص 22
بطعنهم ولا أثر ذلك في صدورهم!! وعللهم في استنكارهم على عثمان مأثورة مذكورة
مشهورة. فلما قعدوا عن علي جعلتهم قعودهم حجة وطعنهم علة [ظ] في الشك والتنقيص وصرف
الإمامة عنه، من غير أن يذكروا علة تبديل ولا استيثار ولا تغيير أكثر من نكثهم
وطعنهم. وقد رويتم أن عثمان نفى أبا ذر، وقد عرفتم تقدم أبي ذر (1) وسابقته،
و[أقررتم] ما صنع [عثمان] بابن مسعود وغيره من أكابر أصحاب رسول الله صلى الله عليه
(2). ولا تجدون أحدا مد علي بن أبي طالب إليه يده قبل أن يبدأه بالبغي والخلاف، ولا
ذكر عنه استيثار ولا خيانة ولا خطأ وجدوه عليه. على أنا نوجدكم لكل من ذكرتم
معارضين في دعواهم مخطئين لهم في خلافهم وقعودهم. أما عائشة فقد عارضتها أم سلمة
بالخلاف عليها والتخطئة لها بحجج أوردتها لم تستطع إنكارها. وأما عبد الله بن عمر
فقد عارضه عبد الله بن عباس وهو أكبر منه علما وفضلا. وأما طلحة والزبير فقد أقرا
بالبيعة، ونكثا وهما أول من بايع [عليا عليه السلام]. وأما محمد بن مسلمة فأكبر منه
سلمان. وأما أسامة بن زيد فأفضل منه عمار بن ياسر. فلم ملتم مع من ذكرنا وقد عارضهم
من وصفنا؟
(هامش)
(1) والقصة من ضروريات فن التاريخ، وانظر الغدير: ج 8 ص 292 وتواليها من ط 3. (2)
أنظر بعض ما جرى بين عثمان وعبد الله بن مسعود وغيره من أكابر الصحابة من كتاب
الغدير: ج 9 ص 3 وتواليها. (*)
ص 23
وزاد عليهم سبعون بدريا وسبع مائة من المهاجرين والأنصار (1) منهم المقداد بن
الأسود، وأبو أيوب الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو الهيثم ابن
التيهان، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وغيرهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وكيف تمت بيعة أبي بكر عندكم بأبي عبيدة بن الجراح وعمر بن الخطاب مع خلاف سعد
وامتناعه من البيعة، وخلاف الأنصار، وأبو بكر [هو] الساعي إليها والداعي لها؟! ولم
تتم بيعة علي بن أبي طالب بالمهاجرين والأنصار والسابقين إلى الإيمان وهم الطالبون
له والمجتمعون عليه وليس له نظير في زمانه يشاكله ويعادله. أف لهذا من مقال ما أبين
تناقضه وأقل حياء الداين به!! فخلاف من لم يبايع [أبا بكر] حتى مات أكثر في تضعيف
الإمامة من خلاف من نكث البيعة وادعى بعد الاقرار. فإن قلتم: إن الأنصار اتفقت بعد
خلافها، لا يمكنكم ادعاء ذلك في سعد بن عبادة وما تروونه من قول سلمان (2). و[لا
يمكنكم إنكار] إقرار طلحة والزبير [بالبيعة لأمير المؤمنين عليه السلام ثم نكثهما
بيعته بلا عذر مقبول في الدين بل ولا عند العقلاء المستقيمين ممن لا يتدين بدين]
وإن كان رجوعهما [عن بيعتهما] يدل [بزعمكم] على خطائهما في بدء الأمر (3).
(هامش)
(1) كذا في الأصل وقال الحاكم في أواخر ترجمة عثمان من المستدرك: ج 3 ص 104. حدثنا
أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا الخضر بن أبان الهاشمي، حدثنا علي بن قادم، حدثنا
أبو إسرائيل، عن الحكم، قال: شهد مع علي صفين ثمانون بدريا وخمسون ومائتان ممن بايع
تحت الشجرة. وقال في ترجمة من الإستيعاب: ج 2 ص 413. قال عبد الرحمان بن أبزي شهدنا
مع علي صفين في ثمان مائة ممن بايع بيعة الرضوان، قتل منهم ثلاثة وستون منهم عمار
بن ياسر. ورواه أيضا ابن حجر في الإصابة: ج 4 ص 149، قال: وأسند ابن السكن من طريق
جعفر بن أبي المغيرة، عن عبد الله بن عبد الرحمان الأبزي. قال: شهدنا مع علي عليه
السلام ممن بايع بيعة الرضوان تحت الشجرة، ثمان مائة نفس صفين فقتل منا ثلاث مائة
وستون. (*)
ص 24
وأكبر منه بكاء عائشة وندامتها (1) وتلهف ابن عمر على ذلك، حتى دعا ابن عمر ما
استبان [له] من تقصيره إلى الغلو والإفراط في مبايعة الحجاج بن يوسف واعتل بأنه سمع
النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من مات ولا إمام مات ميتة جاهلية (2) فهذا يدل
على أنه قد اعتقد إمامة علي بن أبي طالب لأن من اعتقد إمامة الحجاج لم يذهب عن
إمامة علي بن أبي طالب رضي الله عنه. فما رأيت خطأ أعظم ولا تقصيرا أبين من فعل ابن
عمر المغفل مع روايتكم عنه أنه قال: ما آسي إلا على ثلاث: منها إني لم أكن قاتلت
هذه الفئة الباغية (3).
(هامش)
(1) ستعلم قريبا أن ندامتها كانت من أجل الفشل والمغلوبية لا من جهة ارتكاب
المعصية. (2) الحديث من الحقائق الثابتة بين الشيعة وأهل السنة. كذا في الأصل، غير
أن لفظتا: آسي - و- إلا كانتا في الأصل مصحفتان، ولم أجد الحديث بهذا السياق إلا
في هذا المورد، نعم إن الفقرة الأخيرة منه قد وردت عن مصادر.. وقد رواها في أواخر
ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب الإستيعاب بهامش الإصابة: ج 3 ص 53 قال:
ويروى من وجوه عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر أنه قال: ما آسي على شيء إلا أني لم
أقاتل مع علي الفئة الباغية.. ثم رواه بسند آخر. ورواه أيضا البلاذري في الحديث:
(209) من ترجمة أمير المؤمنين من أنساب الأشراف: ج 2 ص 179. قال: حدثنا عمرو بن
محمد، والحسين بن الأسود، حدثنا عبيد الله بن موسى، أنبأنا كامل أبو العلاء: عن
حبيب بن أبي ثابت، قال: قال ابن عمر: ما أجدني آسي على شيء من الدنيا إلا قتالي مع
الفئة الباغية. وقريبا منه رواه الحاكم في باب مناقب أمير المؤمنين عليه السلام من
المستدرك: ج 3 ص 115. ورواه أيضا ابن الأثير في ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من
كتاب أسد الغابة: ج 4 ص 33 ط 1، وقد علقنا الأخيرين أيضا على الحديث: (1210) من
ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 3 ص 174. ط 1. (*)
ص 25
[المقايسة بين ما صنعه أمير المؤمنين من الصفح والرجاحة، وما أتى به من تقدمه من
الخفة والشراسة]

. وقد رويتم من توخي أمير المؤمنين للحق وتركه لأعمال الهوى وصبره
على كظم الغيظ ما لا خفاء به عن [كل] ذي عقل. بلغ عثمان أن أبا ذر يتكلم في الشام
فسيره إلى المدينة، وتكلم بالمدينة فنفاه إلى الربذة. وتكلم عمار فصنع به ما بلغكم،
و[فعل] بابن مسعود ما رويتم، وتكلم سعد ابن عبادة، فقال عمر: اقتلوا سعدا قتله
الله، حتى عارضه قيس بمثل ما تكلم فأمسك.
[ما دار بين أمير المؤمنين عليه السلام
وبين من خالفه بعد مبايعتهم إياه، وما جرى بين أم المؤمنين أم سلمة وعائشة]

. وتكلم
طلحة والزبير بعد البيعة فبلغ ذلك عليا فدعا بهما فأنكرا فلم يعجل عليهما واستأذناه
إلى مكة فلم يحبسهما [وكان] يعمل المراقبة في أمرهما ولا يمضي على التهمة حتى ينكشف
الغطاء، فلما خرجا جعلا لا يلقيان أحدا إلا قالا له: ما له علينا طاعة ولا بايعناه
/ 5 / إلا مكرهين. وانتهى الخبر إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فتلا هذه الآية:
إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله، يد الله فوق، أيديهم فمن نكث فإنما ينكث
على نفسه