الصفحة السابقة الصفحة التالية

المعيار والموازنة

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

 

ص 76

والثالثة: أردت أن أحاشيكم إلى مثل هذه الطريقة الواسطة / 21 / المثلى لنكون نحن وأنتم عليها في النظر فيما اختلفنا فلا نتعدى في المقال، ولا نتعسف الكلام بالدعوى دون الحجة والبيان وترك الإنصاف. وبالله لقد صدقتكم عن نفسي ومحضت لكم نصحي، ولم أبق لكم علة في مبلغ اجتهادي، وبالله عصمتي وتوفيقي. ومتى جعلتم الدعوى حجة وسلحتم بالتعسف والمكابرة، تركناكم والرافضة، فقد يقصر دعواكم عند دعواها، وتقلون عن مناظرتها، وتضطركم إلينا فأعينونا على نصحكم بالإنصاف وحسن التفهم، وسأزيدكم في فضيلة السبق شرحا يزيد في إيضاح الحق تبيانا فأحضرونا أفهامكم. قد تعلمون أن الله امتحن عباده بالشدة والرخاء والنعمة والبلاء ليبلوهم أيهم أحسن عملا. فمما امتحن به عباده الفقر والغنى فمنزلة علي الفقر، في إسلامه، ومنزلة أبي بكر الغنى في إيمانه. فالغنى نعمة قد أوجب الله الشكر عليها، وفي الشكر عليها منازل: منها أداء الفرض، ومنها التطوع بأبواب البر، فالفرض على الغني الزكاة في ماله، والتطوع في الغنى فالنفقة في أبواب البر، وسد الخلة، ومواساة أهل الحاجة. والفقر بلية امتحن الله بها الفقير [و] قد أوجب الله الصبر عليها، وللصبر (1) منازل: منها فرض، ومنها تطوع. قلنا: فأبو بكر قد جاز في منزلة الشكر حد الفرض، وصار إلى التنفل بماله، والتطوع بإنفاقه (2).

(هامش)

(1) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: فالصبر منازل.. . (2) قد تقدم في التعليق السالف إنه دعي إلى إنفاق دانق ليناجي أفضل مخلوق وينال أكرم مطلوب فبخل وأمسك، فمن بخل من إنفاق ما يطلق عليه الصدقة ولو أقل من دانق ليفوز بمناجاة أكرم خلق الله، ويستأنس به ويستنتج منه أغلى مواهب الله، كيف ينفق في غيره؟ فالصواب أنه بخل واستغنى. (*)

ص 77

وكذلك علي بن أبي طالب صلوات الله عليه قد جاز بالصبر حد الفرض وبلغ من صبره بأن احتمل ما لم يحتمله غيره، وبذل من نفسه ما لم يكلفه، وستذكر تفسيره في موضعه إن شاء الله. قلنا: فأسلم أبو بكر غنيا شكورا، وأسلم علي بن أبي طالب رحمه الله فقيرا صبورا، فأنى يكون أبو بكر في إنفاقه المال مقدما؟!. على أن بينهما فرقا لطيفا يوجب للصابر ما للشاكر، ولا يوجب للشاكر ما للصابر لأنه قد يقال للصابر على البلاء: أحمد الله واشكره على ما ابتلاك به، ولا يقال لصاحب العافية: أحمد الله والصبر على الغنى والعافية. وبمثل هذا قد يفرق بين الأنصاري والمهاجري، إن معنى الأنصاري قد دخل في فعل المهاجري بالنصرة لله والرسول صلى الله عليه وسلم، فالنصرة لله ورسوله داخل (1) في فعل المهاجري، والهجرة لا تدخل في فعل الأنصاري، [و] لذلك فإن المهاجرين أفضل من الأنصار وارفع منزلة. ففضل إسلام علي مع فقره على أبي بكر مع غناه كفضل المهاجرين على الأنصار لأن محنة الفقراء أعظم من محنة الأغنياء، كما أن محنة الهجرة أعظم من غيرها، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر ممتحنا. فأسلم علي بن أبي طالب مع فقره، ونابذ قومه مع فاقته، وخلع الدنيا [عن نفسه] مع حداثته وحاجته، وكثرة دواعيه ونوازعه، فقمع الشهوة بصحة العزيمة، وأزال الوحشة بالانقطاع إلى الله، واعتصم بالتقوى، وتقوى بالتوكل (2) وفارق القرابة، واستبدل بها الأنس بالله، وكابد المشقة بحسن الفكرة، واستعمل الصبر بيقين القلب. قلنا: فالفقر محنة عظيمة قد افتتن بها الخلق عامة، وهتكت ستر أكثر الخاصة،

(هامش)

(1) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: وفي فعل المهاجري داخل... . (2) هذا هو الظاهر من السياق، وفي الأصل: وتعرى بالتوكل... . (*)

ص 78

وبخاصة فقر من خرج من السعة إلى الضيق، ومن الجماعة إلى الوحدة، ومن الكفاية إلى من هو في مثل حاله في فقره، وقلة ذات يده. نعم ثم [كان] ينتقص بالفقر، ويعير به في وقت قد عم تمكن الإسلام واعتدل بأهله، وقوي بظهوره حين خطب النبي صلى الله عليه وسلم لعلي فاطمة عليهما السلام، عيرته قريش بالفقر، وقلة المال، وألقوا ذلك إلى فاطمة عليها السلام، حتى شكت / 22 / إلى أبيها، وقالت: زوجتني أحدثهم سنا، وأقلهم مالا (1) فقال لها: إن الله زوجك [منه] (2) من السماء، ولو علم خيرا منه لزوجك منه. فهيهات هيهات، من يصبر على محنة الفقر أيام حياته، ويقاسي عدم الكفاية أيام بقائه؟ إلا من قلت الدنيا في عينه، وباشر من حقائق الصبر ما سره، وقوى من قمع [هوى] النفس وزمها، وحسن تأديبها على ما قوي عليه، رضي الله عنه وبيض وجهه. فلذلك أجرى الله على لسانه ينابيع الحكمة، وعرفه داء الدنيا ودواءها، وما يحل بأهلها من أجل طلبها. فتدبروا كلامه، وتفهموا صفاته لتعلموا أن المعرفة الثابتة أدته إلى هذه المنزلة [و] هو القائل في صبر العلماء، وما يلقون من مصائب الدنيا في بعض كلامه لكميل بن زياد.

(هامش)

(1) كذا في الأصل، وانظر الحديث: (307) وما علقناه عليه من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 1، ص 264 ط 2. (2) هذا هو الظاهر وفي الأصل: إن الله زوجه.. . وما بين المعقوفين زيادة منا. (*)

ص 79

باب [في بعض] ما [ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام من ينابيع الحكم]

ذكر عن كميل بن زياد رحمه الله أنه قال: أخذ بيدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فأخرجني إلى الصحراء، فلما أصحرنا، تنفس الصعداء، ثم قال: يا كميل بن زياد، إن أول من أسس بنيان العمى وأدام توثب الجهل (1) تعسفا فظن أنه ظفر، وجاز عن دليل إحكام الحق، فتداكت عليه الأمور، وتقحم في المهالك، [و] يحسب أنه قد أحسن صنعا، فتداولته الشبهات، وتعاورته الجهالات، فهو في ظلما [ت] إذا أخرج يده لم يكد يراها، ومن لم يجعل الله له نورا، فما له من نور، فرام إبطال حق تولى الله إثباته، وقامت العلماء [با] لله بحججه وبراهينه، يمنعون عنه الظلم، وزحاريف أهل الهوى، وأباطيل أهل الخطاء، فأخر ما قدم الله، وقدم ما أخر الله، ونقض الميثاق، وفرق الجماعات فأرعد وأبرق. ثم قال [عليه السلام] (2): يا كميل إن هذه القلوب أوعية، وخيرها أوعاها، فاحفظ عني ما أوصيك به، ولا تبغ بوصيتي بدلا:

(هامش)

(1) كذا في الأصل، غير أن كلمة: توثب كانت فيه مهملة والمعنى غير واضح. وخبر إن أيضا غير مذكور في الكلام، ولم نظفر بعد من القرائن المنفصلة على ما يعين به خبر إن . (2) والكلام التالي هو المختار: (147) من الباب: الثالث من نهج البلاغة، وهو متواتر عن كميل بن زياد رحمه الله، وله مصادر وأسانيد جمة. (*)

ص 80

الناس ثلاثة: فعالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق. يا كميل العلم خير لك من المال، العلم حاكم والمال محكوم عليه، والعلم يحرسك وأنت تحرس المال، والعلم يزكو على الإنفاق، والمال تنقصه النفقة. يا كميل محبة العلم دين يدان به، العلم يكسب به الطاعة في حياته، وجميل الأحدوثة بعد وفاته. يا كميل هلك خزان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، عيونهم مفقودة، وأمثالهم في الناس موجودة، ثابتة راسخة (1) قال: ثم قال: أوه أوه وأومأ بيده إلى صدره [ثم قال:] إن ها هنا لعلما جما لو أجد له حملة؟! بلى قد أجد لقنا غير مأمون عليه، مستعملا آلة الدين للدنيا، أو مستظهرا بنعم الله على أوليائه، وبحججه على كتابه، أو منقادا لأهل الحق لا بصيرة له في أحنائه. يقدح الشك في قلبه لأول عارض من شبهة (2) - فلا ذا، ولا ذا، ولا ذا - ومنهم من هو منهوم باللذة، سلس القياد للشهوة (3) أو منهوم بالجمع والادخار، ليسوا من رعاة الدين والعلم في شيء، أقرب شبها بهم الأنعام السائمة (4) كذلك يموت العلم بموت حامله، وموت حامله الترك لاستعماله،

(هامش)

(1) وفي نهج البلاغة: هلك خزان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة، ها إن ها هنا لعلما جما.. . (2) هذا هو الصواب الموافق لنهج البلاغة وأكثر المصادر، وفي الأصل: أو منقادا لأهل الحق لا بصيرة معه في حياته، يقدح الشك في قلبه لأول عرض عرض أو شبهة . (3) هذا هو الظاهر الموافق لجميع ما رأيناه من المصادر، وفي الأصل: الشبهة . (4) هذا هو الظاهر الموافق للمختار: (148) من نهج السعادة، وفي الأصل: ليس هو من رعاة الدين والعلم في شيء أقرب شبههم بالأنعام السائمة.. . (*)

ص 81

لأن من عصى الله أموات غير أحياء، وما يشعرون (1). [اللهم] بلى لا تخلو الأرض من قائم لك بحجة يقوم بالحق والصدق إما ظاهرا معلوما، وإما خائفا مقهورا، لئلا تبطل حجج الله وبيناته، وكم وعسى؟ وأين؟ أولئك الأقلون عددا، والأعظمون عند الله قدرا، بهم يحفظ الله حججه وبيناته حتى يؤدوها إلى نظرائهم، ويزرعوها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة (2) فباشروا روح اليقين، واستلانوا ما استوعر منه المترفون / 23 / واستأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، وصحبوا الدنيا أيام حياتهم، وقلوبهم معلقة بالمحل الأعلى (3). ثم قال: يا كميل اطلبهم. قلت: يا أمير المؤمنين وأين أطلبهم؟! قال: اطلبهم في أطراف الأرض [تجدهم] قد اتخذوا الأرض بساطا، والماء طيبا، واليقين زادا، والقرآن شعارا. [تجدهم] رمص العيون، دنس الثياب، يقرضون الدنيا قرضا قرضا. إن غابوا لم يتفقدوا (4) وإن حضروا لم يعرفوا، وإن خطبوا لم يزوجوا، وإن قالوا استهدف بكلامهم.

(هامش)

(1) هذا هو الظاهر بحسب التركيب اللفظي، وفي الأصل: وموت حامله التارك لاستعماله.. . والظاهر أن جملتي: وموت حامله الترك لاستعماله لأن من عصى الله أموات غير أحياء وما يشعرون من زيادات الرواة، أو المصنف أو بعض الكتاب، إذ هذه الزيادة لا توجد في أي مصدر من المصادر التي رأيناها، والتأليف اللفظي أيضا فيها ضعيف ليس بقوة ما قبلها وما بعدها. وفي المصادر التي رأيناها كلها: كذلك يموت العلم بموت حامليه . (2) هذا هو الظاهر الموافق لنهج البلاغة، وفي الأصل: على حقيقة الصبر.. . (3) كذا في الأصل، والظاهر أن المصنف كتب الكلام من حفظه ومن شأنه أن يتطرق فيه الزيادة والنقصان، والتقديم والتأخير، والسهو والنسيان، والتبديل والتغيير. وفي نهج البلاغة وأكثر المصادر: وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى . وفي العقد الفريد: وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالرفيق الأعلى... (4) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: لم يفقدوا... . (*)

ص 82

أولئك عباد الله حقا حقا [و] خلفاء الله في أرضه، والدعاة إلى دينه (1). ثم قال (2): قد أصبحتم في عمياء مظلمة سوداء مزبدة، تقلبكم [من] فينة إلى فينة (3) قد تعلقت عليكم أبوابها، وذهبت ألباؤها، وليس لكم فيها سبيل هدى، ولا تعرفون فيها سبيل نجاة، فأعلام دينكم طامسة، وآثار نبيكم دارسة، والمنكرات فيكم فاشية، زالت عنكم النعم، بترككم الطاعة، والميل مع أهل الضلالة، والركون إلى العاجلة. فلو شكرتم الله على ما استخلفكم عليه من نصر دينه، والذب عن كتابه، لوفاكم نعيم الدنيا، وثواب الآخرة. ثم قال (4): سلوني قبل أن تفقدوني. فقام إليه رجل وهو صعصعة بن صوحان، فقال له: يا صعصعة (5) اعقد أصابعك إذا أضاع الناس الأمانة، وأكلوا الربا، وشيدوا البناء، وسفكوا الدماء، واستعملوا السفهاء على الأحكام، وكان الحليم ضعيفا، والظالم مقتدرا، والأمراء فجرة، والقراء فسقة، وظهر الجورة، وكثر الطلاق، وقول البهتان، وحليت المصاحف، وزخرفت

(هامش)

(1) لم أجد هذا الكلام مرويا عن أمير المؤمنين عليه السلام برواية كميل إلا في هذا الكتاب، نعم هذا المتن قد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام بمغايرة جزئية برواية نوف البكالي كما في المختار: (135 - 138) من نهج السعادة: ج 1، ص 436 - 449 ط 1، وله أيضا مصادر أخر. (2) ظاهر سياق المصنف يفيد أن الكلام متصل بما قبله وليس الأمر كذلك، وهكذا الأمر في التوالي، وكان عليه أن يقول: وقال أيضا. (3) أي تقلبكم من حال إلى حال أي من الصغر إلى الكبر، ومن الضعف إلى القوة ومن الصحة إلى المرض وهكذا. والفينة - بفتح الفاء - الحين والساعة. (4) سياق كلام المصنف يفيد أن هذا الكلام تكلم به أمير المؤمنين عليه السلام بعد الكلام السابق بلا مهملة وتراخ وفصل، وليس الأمر كذلك بل الكلامان منفصلان. (5) كذا في الأصل، وقد سقط هاهنا من الأصل سؤال صعصعة، وهذا نصه أخذا من المختار (117) من نهج السعادة: ج 3 ص 438، قال: فقام إليه صعصعة فقال له: يا أمير المؤمنين متى خرج الدجال؟ فقال:.. (*)

ص 83

المساجد، وحربت القلوب، وتقطعت العهود، وعملت المعازف، وشربت الخمور، وركبت [ذات] الفروج السروج، واكتفى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، وكان السلام للمعرفة والشهادة من غير أن يستشهد [و] لبسوا جلود الضأن على قلوب الذئاب، [و] قلوبهم أمر من الصبر، وأنتن من الجيفة، والتمس طمع الدنيا، بعمل الآخرة، وتفقه (1) لغير الدين، فالنجا النجا [و] الجد الجد هربا من الناس، نعم المسكن يومئذ عبادان (2) النائم فيها كالمجاهد في سبيل الله، من رابط فيها أربعين يوما وليلة فقد أدى ما يجب عليه، ومن أشركني في رباط أربعين يوما وليلة، أشركته في صحبتي محمدا صلى الله عليه وسلم، وعلى الأخيار من آله. ثم قال: لما رأينا التدبير (3) متصلا والتقدير معتدلا، علمنا أن للأشياء صانعا حكيما، وأستغفر الله لي ولك إذا شئت يا كميل [فانصرف]. فعلى هذه الجملة كان رضي الله عنه. وذكر عنه أيضا، رضي الله عنه أنه قال: إن لله خالصة من عباده، ونجباء من خلقه، وصفوة من بريته، صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالملكوت الأعلى، أولئك أشباه الروحانيين في الدنيا أمثالهم فينا قليل. أولئك نجباء الله من عباده وأمناؤه في بلاده، والدعاة إلى معرفته، والوسيلة إلى دينه، هيهات هيهات بعدوا وفاتوا، ووارتهم بطون الأرض وفجاجها. على أنه لم يخل الأرض من حجة لله على خلقه، لأن لا تبطل حجج الله وبيناته. هيهات هيهات أولئك قوم اصطفاهم الله لمعرفته، فحجبهم عن عيون خلقه،

(هامش)

(1) هذا هو الظاهر الموافق لما في المختار: (116) من نهج السعادة: ج 3 ص 436 ط 1، وفي الأصل: والتفقه لغير الدين . (2) كذا ها هنا، وفي المختار: (117) من نهج السعادة: ج 3 ص 440: نعم المسكن يومئذ بيت المقدس... . (3) هذا هو الظاهر، وفي الأصل لما رأينا البدر متصلا.. . ولم أر هذا الكلام مرويا عن أمير المؤمنين برواية كميل إلا هاهنا. (*)

ص 84

وقطع بهم عن امتحان الصبر، وحاد بهم عن آفات الدنيا وفتنتها، ألا وهم الذين قطعوا أودية الشكوك باليقين، وجازوا ظلم الاشتباه بنور البصائر (1) واستعانوا على أعمال الفرائض بالعلم، واستدلوا على فساد العمل بالمعرفة (2) فهربوا عن وحشة الغفلة عما خلقوا له بالتنقل، وتسربلوا العلم باتقاء الجهل، واحتجزوا عن غرة الاضطراب بخوف الوعيد، وجدوا في صدق الأعمال لإدراك الثواب، وخلو عن الطمع / 24 / الكاذب مع معانقة الهوى، وقطعوا منها الارتياب بروح اليقين، واستضاؤا بنور الآخرة في ظلم الدنيا [ظ] وأدحضوا حجج المبتدعين باتباع السنن، وبادروا بالانتقال عن المكروه قبل فوات الإمكان، وسارعوا في الاحسان تعرضا للعفو عن الإساءة، وتلقوا النعم بالشكر استجلابا للمزيد، وصيروه نصب أعينهم عند خواطر الهمم، وحركات الجوارح. عملوا [ظ] فأخلصوا فادخروا ما عملوا ليوم الجزاء، ولم يبدلوه بالثمن الوكس في الدنيا، والطمع الكاذب، فلجأوا بهذه الأدوات إلى معاقل الإيمان، وتحصنوا من مكائد الشيطان، ومردة الإنس بحصن التوحيد، وتجردوا من سوء ضمائر الأنفس بأعمال الإخلاص، واحتجبوا من تقلب الهوى بلزوم الحق، فوسمهم ذلك بسيماء المتقين، وشواهد الصالحين. أولئك قوم قطعوا الدنيا بالقوت من الحلال، ودافعوها بالراح، للتجربة والبلاغ لنفاد المدة وانقطاع الأكل، وأحسنوا صحبتها بحسن السيرة منهم في الأخلاق والآداب واصطفوا نور بهجتها، وتلألي زينتها، بحسن وصف الآخرة. أولئك قوم اتخذوا الأرض بساطا، والماء طيبا، وبقاع الأرض مساجد، ومساجدها بيوتا، وبيوتها كمنازل الأضياف.

(هامش)

(1) لعل هذا هو الصواب، وفي الأصل: وحازوا ظلم الاشتباه.. . (2) رسم الخط في قوله: واستدلوا غير واضح في الأصل المخطوط. (*)

ص 85

أولئك قوم نزع الله ما في قلوبهم من غل وطهرهم تطهيرا، وسلم قبولهم من الريب والشك فأنقاها، فأصبحوا وبطونهم خميصة من أموال الناس، وأيديهم نقية، وظهورهم خفيفة يمشون على الأرض هونا، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا: سلاما، وإذا مروا باللغو مروا كراما (1). أولئك قوم عرفوا الناس ولم يعرفوهم، بل عرفهم الله منه برضوان، فجعلهم مصابيح الهدى، وجلا بهم كل فتنة مضلة (2). أولئك قوم عرفوا الدنيا بأبصار عيونهم، وصحبوها بأبدانهم، وعرفوا الآخرة بأبصار قلوبهم، وصحبوها بأرواحهم، فعاينوا بأبصار قلوبهم من ملك الآخرة، كبهجة ما عاينوا بأبصار عيونهم من زينة الدنيا، فزهدوا في الدنيا عيانا، ورغبوا فيما عاينوا بأبصار قلوبهم من ملك الآخرة، فأكلوا قصدا، وقدموا فضلا، وأحرزوا ذخرا، وشمروا في طلب البغية، بالسير الحثيث، والأعمال الزكية، وهم يظنون - بل لا يشكون - أنهم مقصرون! وذلك لأنهم عقلوا حتى آمنوا، ثم آمنوا حتى أيقنوا، ثم أيقنوا حتى تعلموا، ثم تعلموا حتى علموا، ثم علموا حتى غنموا، ثم أشفقوا حتى تفكروا ثم تفكروا حتى أبصروا، فلما أبصروا تسورت عليهم طوارق أحزان الآخرة، وقطع بهم الحزن عن حركات الألسن للكلام، وكلت ألسنتهم من غير عي من محاسن الوصف بالحكمة خوف التزين به فيسقطوا عند الله فأمسكوا، وإن حاجة أحدهم لتتلجلج في صدره، ما يأذن لنفسه في إظهارها خوفا من شر نفسه، فأصبحوا - والله يا أخي مع حسن هذا الوصف - في الدنيا مقهورين، وأمسوا فيها محزونين، مع عقول صحيحة، ويقين ثابت، وقلوب شاكرة، وألسن ذاكرة، وأنفس ذليلة، وأبدان صابرة، وأنفس مقهورة، وجوارح مطيعة، وأهواء معلقة بالملكوت الأعلى، معلقة أمرا عظيما.

(هامش)

(1) ما بين القوسين مقتبس من الآية: (63) وما بعدها من سورة الفرقان: 25. (2) أي كشف بهم كل فتنة توقع الناس في الضلالة. وفي الحديث: (1263) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 3 ص 207: أولئك مصابيح الهدى يخلى عنهم كل فتنة مظلمة.. . (*)

ص 86

تراهم إلى ذلك أهل دين، وشكر وسلامة، وتوكل ورضى، وإيمان، ويقين. عقلوا عن الله مواعظه، فشغلوا الأدوات منهم فيما أمروا به وخلقوا له، وقطعوا الدنيا بالصبر على لزوم الحق، وهجروا الهوى به لآلات عقولهم، وتمسكوا بحصن التنزيل، وشريعة السنة، فصارت الدنيا لهم سجنا، وذلك إن المسجون مصيره إلى راحة (1). ثم خرجوا من الدنيا مغبوطين مغتبطين، فواها لوصفهم، بل واها لرؤيتهم / 25 / بل واها للمنية معهم، فما شيء على الله العزيز بأكرم منهم. رجع الكلام إلى حديث كميل بن زياد بينه وبين أمير المؤمنين، فقال كميل: كان والله أمير المؤمنين رأس أهل هذه الصفات الجميلة، فلذلك استلان عنده كل شديدة في جنب الله، فآنس عند كل وحشة ثقة منه بالله، ولذلك حفظ الله به بيناته وحججه حتى زرعها في قلوب أتباعه وأوليائه، وباشر روح اليقين بما من الله عليه.

(هامش)

(1) لعل هذا هو الصواب، وفي الأصل: إلى ناحة . (*)

ص 87

[تقسيم مخالفي أمير المؤمنين عليه السلام على طبقات ثلاث خاسرة هالكة].

 وأما صفة من خالفه فعلى طبقات ثلاث: من منقاد للشهوة - وهم الذين بايعوه، فلما أملوا أن ينيلهم من الدنيا شيئا فلم يفعل، رجعوا إلى نكث البيعة، وطلب الدنيا، وتشتت الكلمة - أو منقاد لأهل الحق لا بصيرة له وهم الذين تخلفوا عن بيعته رضي الله عنه (1) قدح الشك في قلوبهم لأول عارض من شبهة، فلا هم نصروا الحق وكانوا مع أهله (2) ولا هم تعمدوا الخطأ بالمعاندة، فهم في منزلة الوقف، أقعدهم الشك لأول عارض من شبهة. [أو منهوم وحريص بالجمع والادخار] وأتباعهم كالأنعام السائمة [التابعة] لكل ناعق، أتباع لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق. فارجعوا وفقكم الله إلى تفهم ما قلنا [ه] فقد بان القول في منزلة المتقدم في الإسلام ووضحت فضيلته، وأن محنة الفقراء أعظم من محنة الأغنياء، لذلك يروون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بأربعين عاما. ورويتم عن عمر بن الخطاب أنه قال: لو شئت أن أكفر الناس لكفرتهم؟! قالوا: وكيف ذلك؟ قال: أمنعهم حقوقهم، فيكفرون، لأن الصبر على الفقير شديد.

(هامش)

(1) هذا سهو عظيم من المصنف، إذ لا يعقل أن يكون المتخلفون عن أمير المؤمنين من المنقادين لأهل الحق، إذ لو كانوا منقادين لأهل الحق لما تخلفوا عن أمير المؤمنين الذي كان بنص من رسول الله يدور معه الحق حيثما دار. فإذن لا بد أن يكونوا داخلين في القسم الأول من هذا التقسيم أي أنهم جميعا كانوا من المنقادين للشهوات المتمردين عن قبول الحق. (2) هذا تناقض بين من المصنف بعد أن عد هؤلاء من مخالفي أمير المؤمنين عليه السلام، وكيف يمكن مع تخلف هؤلاء عن بيعة أمير المؤمنين ونصرته أن يكونوا معدودين فيمن كان مع أهل الحق؟!. اللهم إلا أن يريد المصنف أنهم كانوا مع أهل الحق في المدينة كما كان أبو جهل وأبو لهب مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مكة!!. (*)

ص 88

[فضيلة علي خاصة وبني هاشم عامة على سائر المؤمنين بما ابتلوا وتحملوا في أيام حصر النبي في شعب أبي طالب من الضنك الشديد والحرج البالغ أقصى حده]

 وله في بدء إسلامه فضيلة شريفة اكتسبها، ومحن عظام اختص بها [وكان] أبو بكر منها بمعزل، فتدبروا رحمكم الله ما نحن واصفون، وارفضوا الميل والتعصب، واستعملوا الإنصاف بحسن التقهم، فقد بان تنقيصكم وتقصيركم فيما يجب من حقه ومعرفة فضله، وبان ذلك في قولكم إذ دان بعضكم بالوقف في حروبه وإمامته. وبعضكم زعم أن تولية أبي بكر كانت لتفضيل منه عليه، لذلك كان أولى بالإمامة منه. ثم فكروا فيما امتحن به علي بن أبي طالب من حصار الشعب مع النبي صلى الله عليه وسلم، وما رأى من الذل في نفسه وقرابته، فبان صبره، وخرج حميدا محمودا رضي الله عنه، وأبو بكر مع أهله في أمن وسعة. فهذه فضيلة في بدء إسلامهم، ليس لأبي بكر مثلها، وهي من أعظم المصائب كانت على بني هاشم، لأن العرب تعاقدت وتحالفت أن لا يبايعوهم، ولا يأمنوا فيهم حتى يدفعوا إليهم النبي صلى الله عليه وسلم ليقتلوه. وكان علي رضي الله عنه يحمل إليهم الطعام مسارقة [كانوا] يمنعون من المبايعة. فقد بان [فضله] في فضيلة السبق إلى الإسلام على جميع السابقين. (*)

ص 89

[أفضلية علي عليه السلام على كافة المؤمنين في منازل الجهاد وميادين بذل النفس والتفادي في سبيل الله]

 ونحن ذاكرون بعد السبق إلى الإسلام منازل الجهاد: قلنا: وفضيلة الجهاد تكون بآلات مجتمعة وأسباب معروفة، منها: الشدة في البدن، والشجاعة في النفس، والعلم بالثقافة، والحذر والفروسية. فالشرف في منزلة الجهاد يكون باستعمال الآلة، ولقاء الأبطال، وضرب الأقران، والتغرير بالنفس، وإلقائها بين الأسنة، والأهوال والمخاطرة وفاءا لله بعهده، واستئناسا ببيعته (1). فالمذكور من أهل الشجاعة والنجدة علي بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطلب والزبير بن العوام، وأبو دجانة الأنصاري، وخالد بن الوليد، ليس / 26 / أحد يعد أبا بكر ولا عمر مع المذكورين بالحرب والشجاعة، والطعن بالأسنة (2) فنظرنا في أحواله، وأموره في حروبه، فإذا هو بائن ممن ذكرنا [ه] جامع لأسباب الجهاد، متقدم في الآلة والفعل، فاجتمع الفضل فيه على حسب اجتماع أسبابه وآلاته. وحمزة بن (3) عبد المطلب وإن كان رجلا شجاعا مقداما حمولا، فقد كان للحذر

(هامش)

(1) لعل هذا هو الصواب، وفي الأصل: واسئيسانا ببيعته.. (2) بل المتعمق في غزوات النبي صلى الله عليه وآله يرى كونهما من الجبناء أمرا ملموسا لأنهما في جل الغزوات كانا إما من النظارة أو من الفرارة، ولنعم ما قال ابن أبي الحديد في شأن عمر. وليس بنكر في حنين فراراه * وفي أحد قد فر قبل وخيبر. (3) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: وذكر أن حمزة بن عبد المطلب.. (*)

ص 90

مضيعا، ولم يكن بالثقافة موصوفا. وكان أبو دجانة رجلا يقاتل بالسيف دون الرمح، ولم يكن بالفروسية مذكورا. وكان الزبير فارسا، ولم يكن كذلك راجلا. وكان أبو الحسن لهذه الأمور جامعا، وكان بالسيف ضروبا، وبالرمح طعانا، وبالفراسة والشجاعة موصوفا، وبالشدة معروفا، وللحذر مستعملا ويدلك على ذلك [ما و] صفه [به] وحشي [حيث] إنه قال: لما وقفت نفسي بعير (1) قريبا من أحد أردت النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو لا تناله الأيدي. ثم أقبل علي بيده سيف يفري، وخيل إلي أن في كل جارحة من جوارحه عينا تنظر إلي، فلما نظرت إلى من هذه حاله قلت: تراكها تراكها، لست من هذا ولا هذا مني. ثم أقبل حمزة كأنه فحل يهشم بليسا (2) يقاتل بسيفين وهو يقول: أنا أسد الله وأسد رسوله. فاهتبلتها فدفعت حربة كانت في يدي فوقعت في ثنته وقضى، فوالله ما أغسل عنى عارها. ثم كانت نكايته في أكثر الحروب، وبأسه أشد ممن ذكرنا [ه] من أهل النجدة. فهذه فعله مشهور يوم بدر، كان عدد القتلى [فيه] نيفا وأربعين كان له عشرون [خاصا] وشاركهم في البقية. وهذا يوم الخندق خرج عمرو بن عبد ود [و] دعا إلى البراز فأحجم الناس عنه في كل ذلك يقوم إليه علي رضي الله عنه فيكفه النبي صلى الله عليه.

(هامش)

(1) عير - بفتح العين المهملة وسكون المثناة التحتانية - جبل بالمدينة كما ذكره في مادة ثور - وعير) من النهاية وفي مادة: عير من معجم البلدان وغيرهما. (2) كذا في الأصل. (*)

ص 91

وما كان ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم إلا دلالة على علي ليظهر ويكشف فضيلته على غيره للناس إذ لم يقدم عليه غيره، والدليل على ذلك كفه له ثم إذنه له بعد أن أحجم الناس. ومما يحقق ذلك أيضا من فعل الرسول صلى الله عليه قوله يوم بدر: قوموا يا بني هاشم فقاتلوا عن دينكم. وكان يقدمهم قبل الناس في الحروب. فلما كان يوم الخندق فعل بعلي ما رأيتم بكفه عن المبادرة إلى عمرو، فلما بان إمساك الناس عنه، وتخلفهم عن الإقدام عليه، قام علي بن أبي طالب صلوات الله عليه في المرة الثالثة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا علي إنه عمرو بن عبد ود - تأكيدا لما قلنا [ه] وتنبيها لمن كان له قلب أنه أراد بذلك الدلالة على تقدم علي وتفضيله - فقال له علي: وأنا علي بن أبي طالب يا رسول الله. فعممه بيده، وقلده سيفه ذا الفقار، فخرج إليه والمسلمون مشفقون، قد اقشعرت جلودهم، وزاغت أبصارهم، وبلغت الحناجر قلوبهم، وظن قوم بالله الظنون (1) والنبي صلى الله عليه وسلم يدعو له بالنصر، ملح في ذلك، مستغيث بربه ففرج الله به تلك الكرب، وأزال الظنون، وثبت اليقين بعلي بن أبي طالب، وقتل عمرو بن عبد ود، وقبل ذلك ما زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر، وظن بالله الظنون، وزلزل المؤمنون زلزالا شديدا، وقال المنافقون: ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا. وفي ذلك يؤثر عن حذيفة بن اليمان أنه قال: لقد أيد الله تبارك وتعالى رسوله والمؤمنين بعلي بن أبي طالب في موقفين، لو جمع جميع أعمال المؤمنين لما عدل بهما يوم بدر ويوم الخندق (2) ثم قص قصته فيهما

(هامش)

(1) وانظر الآية: (9) وتواليها من سورة الأحزاب حتى يتبين لك أنه لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار. (2) كذا في الأصل، ورواه الحاكم الحسكاني بطريقين في الحديث: (634 و636) من شواهد التنزيل: ج 2 ص 6 و9 وقال في الأول: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله بشر يا علي فلو وزن اليوم عملك بعمل أمة محمد لرجح عملك بعملهم... (*)

ص 92

فهذه أحواله مكشوفة، ومناقبه في الحروب معروفة، وفي الآثار مأثورة، وفي السير مذكورة، وفي العامة ظاهرة مشهورة. شهد [مع] النبي صلى الله عليه وسلم في جميع حروبه ومغازيه، فمرة يأخذ الراية قدامه، ومرة يتمشى بسيفه بين يديه، ينفس الكرب عن وجه نبيه صلى الله عليه [وسلم] وينصر الله في قتل أعدائه / 27 /. فكم من مبارز قد قتله [وقد] أعي المبارزين قتله، وكم من قرن قد أكثر المسلمون مقامه، وضاقت أنفسهم عنده، كفاهم ابن أبي طالب مؤنته، وسقاه الموت بيده. وتقدمه على المذكورين في الجهاد بين وفضله على المشاركين له في حروب النبي صلى الله عليه وسلم قائم. وقال بعض المكابرين مقالة يعجب لها (1) من كانت فيه [أدنى] معرفة. زعم أن فضيلة أبي بكر في الحروب أكثر، وفعله في الجهاد أعلا وأكبر!!! قلنا وما هو؟ قال: تدبيره في الحروب ووقوفه مع النبي صلى الله عليه وسلم. قلنا: أما وقوفه فلم يدفع أن يكون وقوف ناظر. فإن قلتم: كان وقوفه وقوف محارب مقدم عند دنو المشركين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإحاطتهم به فأرونا فيه أثرا في تلك الحال، يجوز لقائل يقول: قد كان في موضع الكن والحمل (2) فلذلك أصيب يده، أو شج رأسه، أو أصيب بدنه أو جوارحه، أو [هاتوا] رواية في أنه أصاب

(هامش)

= وقال في الحديث الثاني: لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود يوم الخندق أفضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة. وراجع ما علقناه عليه، وأيضا راجع الباب: (49) وما علقناه عليه من فرائد السمطين ج 1 ص 255 ط 1 وراجع أيضا ترجمة لؤلؤ القيصري من تاريخ بغداد: ج 13، ص 18، وكذا ترجمة الرجل من تاريخ دمشق. وكتاب المغازي من المستدرك: ج 3 ص 32. (1) كذا في الأصل، غير أن فيه: فقال بعض المكابرين.. . (2) كذا. (*)

ص 93

أحدا من قرب أو بعد فيكون علة للدعوى، وسببا لمن لم يتحر الحق يبصره أهل الهدى (1) هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أدمي ساقه وكسرت رباعيته، وطاعن بيده، وكان أبو بكر في هذه الحال معه يصنع ماذا؟ فإن قلتم [كان] واقفا يتمنى بقلبه عز الإسلام، ويدعو ربه بالنصرة، ويفرح بظهور الدين والظفر بالعدو، فتلك منزلة لا ندفعها بل نوجبها ونحققها لأبي بكر وهذه منزلة حسان بن ثابت [المعروف بالجبن]. فإن قالوا: إن ما قلتم فيه يوجب التنقص لأبي بكر، وهذا مذهب الرافضة في عيبه. قلنا لهم: ليس ما ذكرنا من ضعفه على الإقدام تنقصا له ولا عيبا لأنه قد كان من صحة العزيمة والمحبة لعلو الدين وعز الإيمان ما لا يكون ضعفه عن الشجاعة والإقدام عيبا ولا تنقصا. وقد رويتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن وليتموها أبا بكر تجدوه ضعيفا في بدنه قويا في أمر الله (2) فلم يكن ضعف بدنه عما قوي عليه قلب علي تنقيصا ولا عيبا. وأما ما ذكرتم من تدبيره ورأيه الذي لا أجد له علة في دعواكم، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قائما بحروبه متوليا لتدبيره بفضل رأيه ورجاحة علمه، فبعض التدبير [كان] يتلقاه عن وحي الله، وبعض يستشير فيه أصحابه تألفا واستعطافا، ثم يرجع بعد ذلك إلى رأيه وعزمه، فأرونا لأبي بكر تدبيرا أو رأيا تروونه أنتم دون غيركم وتعلمونه في روايتكم دون رواية من خالفكم، قد يروى أنه صلى الله عليه وسلم نزل منزلا في بعض حروبه، فقالت له الأنصار: أبرأي منك يا رسول الله أم وحي؟ فقال: برأي، فأشاروا عليه بغيره فقبله، فأرونا لأبي بكر مثل هذا الرأي وحده فنقبله ثم نعارضه بما هو أكبر منه!! ثم العجب من عظم الغفلة وإعمال الهوى كيف يعمي صاحبه؟ وقد زعمتم أن

(هامش)

(1) كذا. (2) ومن أراد أن يعرف ضعف الرواية، ويرى ضعفه ملموسا، فعليه بما علقناه على الحديث: (208) في الباب: (52) من فرائد السمطين: ج 1، ص 266 ط 1. (*)

ص 94

النبي صلى الله عليه وسلم ولي عمرو بن العاص على أبي بكر وعمر ليس لفضله عليهما في الدين ولكن لفضله عليهما في الرأي والتدبير، فكيف يفضل على علي بن أبي طالب من فضله عمرو في تدبيره ورأيه؟ [وكيف] يكون معينا للنبي صلى الله عليه وسلم في الرأي والتدبير من هو المولى عليه لنقصان تدبيره (1) ولو كانت كذلك لم يجعل عليه أمير. ثم أنتم وغيركم تروون أن الردة لما حدثت في عهد أبي بكر أراد الخروج بنفسه، فقال له علي: إنك إن خرجت إلى القوم لم يكن للمسلمين فئة يلجأون إليها (2) فتخلف أنت ووجه إليهم لتكون لهم فئة من ورائهم، فعلم صواب رأيه، ورجاحة ما دبره [ظ] فتخلف وقبل رأيه فحمد عاقبته.

(هامش)

(1) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: ويكون النبي صلى الله عليه وسلم معينا في الرأي والتدبير وهو المولى عليه.. (2) فئة أي مأوى ومادة وجماعة. يفزعون إليها: ويركنون إليها. (*)

ص 95

[بيان أشعات من أنوار الآراء العلويه الصائبة، وإيراد قبسات من الأقوال والتدابير المرتضوية الشامخة].

فإن قالوا: فدلونا على فضل علي في الرأي والتدبير كما دللتم في فضله في الشجاعة والجهاد، وقد تعلمون أن قريشا طعنت عليه في رأيه، وضعفته / 28 / في تدبيره!! قلنا لهم: أما تضعيف قريش له في تدبيره ورأيه، فبالعداوة والعصبية، لا بحق طعنوا، ولا حجة [على دعواهم أقاموا] وإلا فليوقفونا من رأيه على غلط أو خطأ. والدليل على فضل رأيه ورجاحة تدبيره أنه لم يولى عليه [قط] أحد في جيش في حروب النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان من ضعف التدبير على ما ادعيتم ومن الشجاعة على ما أقررتم كان في الرأي وصلاح الحروب أن يكون مأمورا في الحروب ولا يكون أميرا فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم في أمره وتوليته دليل واضح على ما قلنا ونفي ما قلتم. وقد بلغه ما قالت قريش فكذبه وتعجب من قولها، وقال: لله أبوهم، وهل أحد كان أشد مراسا لها مني؟ والله لقد نهضت فيها وأنا ابن عشرين، وها أنا ذا قد نيفت على الستين، ولكن لا رأي لمن لا يطاع (1). ولذلك تمثل عند تركهم لرأيه بقول دريد بن الصمة (2):

(هامش)

(1) وانظر تمام الخطبة في المختار: (27) من نهج البلاغة والمختار (318) من نهج السعادة: ج 2 ص 559. (2) وانظر الخطبة: (35) من نهج البلاغة، والمختار: (259) من نهج السعادة: ج 2 ص 356. (*)

ص 96

أمرتهم أمري بمنعرج اللوى * فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد وقد كان رحمة الله عليه يترك الشيء من الرأي والتدبير عن معرفة، يمنعه من ذلك الخوف من الله لأنه محرم في الدين، ويستعمله من خالفه كالغدر والخديعة والكذب ونقض العهد والغارة والبيات وما أشبه ذلك فيظن الجاهل أن ذلك منه قلة معرفة به، وأن من خالفه إنما صار إلى ذلك بفضل رأيه وقد ذكر ذلك في بعض كلامه فمدح الوفاء، وعاب الغدر وانتهاز الفرصة بما لا يحل فقال رحمة الله عليه وذكر الوفاء: ذاك والله توأم الصدق، وما أعلم جنة أوقى منها، وما غدر من علم كيف العواقب، وأيم الله لقد أصبحنا في زمن اتخذه أكثر أهله كيسا ونسبهم أهله إلى حسن الحيلة ما لهم خيبهم الله قد يرى الحول القلب وجه الحيلة ودونها حاجز من أمر الله ونهيه فيدعها رأي عين وبعد قدرة عليها، وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين (1). نعم، ويجد على ذلك أعوانا غير مستبصرين، وما يرتاب في مثل هذا إلا الجاهلون. ولعمري أن عمرو بن العاص ومعاوية الغادر قد كان [كل واحد منهما] يعمل رأيه إذا شرعت له الفرصة لا يحجزه عن ذلك خوف من الله وأمره فيحنث ويكذب ويغير ويغدر. فارتاب بمثل هذا من فعلهم من لا بصيرة له. وما ظنك بقوم لما انتبهوا عند قتل عمار بن ياسر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية (2) قال لهم معاوية: إنما قتله من أخرجه. فوجد قوما طغاما لا علم لهم بكفر من إيمان ولا هدى من ضلال، أصحاب جفاء وجهل وارتياب فجاز عندهم هذا الكلام، وظنوا أنه قد خرج من هذا السؤال، وأن قاتل عمار بن ياسر هو علي دون معاوية.

(هامش)

(1) ورواه السيد الرضي رحمه الله بمغايرة لفظية في المختار: (41) من نهج البلاغة. (2) والحديث من أعلام النبوة ومتواترات فن الحديث، وقد أخرجه الحافظ ابن عساكر في ترجمة عمار من تاريخ دمشق على وجه بديع. (*)

ص 97

فلما بلغ هذا من قوله علي بن أبي طالب قال للجفاة الطغام وأشباه الأنعام: لو كنت أنا قتلت عمارا لأني أخرجته لكان رسول الله قتل حمزة وجميع من قتل في حربه لأنه هو المخرج لهم. فتؤازر معاوية وعمرو واستعانوا على علي بالمكيدة والغدر، واستعان عليه آخرون بالتمويه والشبه وكلهم يعتل بطلب الدم، وإن كان بعضهم أجرى من بعض، وأقدم على الفجور والإثم. ولقد ذكر أمير المؤمنين بيض الله وجهه بعد رجوعه من البصرة من قعد عنه [وأنبهم] فقام إليه صاحب شرطته مالك بن حبيب اليربوعي، فقال: إن التأنيب والهجر [لهم] لقليل، فمرنا بقتلهم، فوالله لئن أمرتنا لنقتلنهم. فقال علي: سبحان الله يا مالك جزت المدى وعدوت الحكم، وأغرقت في النزع. فقال: يا أمير المؤمنين لبعض الغشم أبلغ في أمور تنوبك من مداهنة الأعادي. فقال علي: ليس هذا قضاء الله يا مالك، إنما النفس بالنفس، فما بال ذكرك الغشم وقد قال الله / 29 / تبارك وتعالى: ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا [33 / الإسراء: 17] والإسراف في القتل أن تقتل غير قاتلك، فقد نهى الله عن ذلك، وذلك هو الغشم الذي نهى الله عنه فتدبروا سيرته، وتصفحوا سياسته لتعلموا فضله في رأيه وتدبيره وفضله في شجاعته وإسلامه وفضله عند الشدائد في صبره ويقينه. وسنتكلف لكم جمع ذلك لتخف المؤنة عليكم، ونأتي من بيان ذلك بما فيه الشفاء لكم. ومما يؤثر عنه في صواب رأيه وتحقيق ما ذكرنا [ه] من توقيه وإيثاره الصواب في اختياره [ما رواه أهل النقل]: قالوا: لما بلغه قول الزبير وطلحة وتعريضهما [له] بالنكث، دعا بعبد الله بن عباس وقال له: يا أبا العباس أما بلغك قول هذين الرجلين؟ قال: بلى. قال: فما ترى؟ قال: أرى أن ينصفا حتى يذاقا، ولن يذاقا حتى يعملا، فول طلحة

ص 98

البصرة، والزبير الكوفة فإنهما متى يليا ويبسطا أيديهما وألسنتهما استحقا العزل واستوجبا البغض. فضحك علي وقال: يا أبا العباس إن العراق بها الرجال والأموال، ومتى يملكان رقاب الناس، يستميلا السفيه بالطمع، ويضربا الضعيف بالبلاء ويقويا (1) على البغي بالسلطان!! ولو كنت مستعملا أحدا لنفعه أو لضره في يومه أو غده، استعملت معاوية على الشام! ولولا ما ظهر لي من حرصهما كان لي فيهما رأي. فأي الرأيين عندكم أبلغ وأولى بالصواب وأوفق وأجمعهما للدنيا والدين؟ وقد تعلمون فضل ابن عباس في رأيه، وأن عمر قد كان يستعين به على أمره. فلم يؤت [علي] رضي الله عنه في أموره لسوء تدبير كان منه أو لغلط (2) في رأي، غير أنه كان يؤثر الصواب عند الله في مخالفة الرأي ولا يؤثر الرأي في مخالفة رضا ربه. وقد كانت له خاصة من أهل البصائر واليقين من المهاجرين والأنصار، مثل ابن عباس وعمار والمقداد وأبي أيوب الأنصاري وخزيمة بن ثابت وأبي الهيثم بن التيهان وقيس بن سعد [بن عبادة الأنصاري] ومن أشبه هؤلاء من أهل البصيرة والمعرفة، فأفنتهم الحروب واخترمهم الموت. وحصل معه من العامة قوم لم يتمكن العلم من قلوبهم، تبعوه مع ضعف البصيرة واليقين، ليس لهم صبر المهاجرين، ولا يقين الأنصار، فطالت بهم تلك الحروب واتصلت بعضها ببعض، وفني أهل البصيرة واليقين، وبقي من أهل الضعف في النية؟ وقصر المعرفة من قد سئموا الحرب، وضجروا من القتل، فدخلهم الفشل، وطلبوا الراحة، وتعلقوا بالأعاليل، فعندها قام فيهم خطيبا فقال: [أيها الناس المجتمعة أبدانهم، المختلفة أهواؤهم، كلامكم يوهي الصم الصلاب،

(هامش)

(1) كذا. (2) هذا هو الظاهر، وفي الأصل: أو لغط في رأي.. . (*)

ص 99

وفعلكم يطمع فيكم الأعداء، تقولون في المجالس كيت وكيت، فإذا جاء القتال قلتم: حيدي حياد (1) ما عزت دعوة من دعاكم، ولا استراح قلب من قاساكم، أعاليل بأضاليل، وسألتموني التطويل دفاع ذي الدين المطول]. [وقال:] ليتني لم أعرفكم معرفة جرت ندما [وأعقبت سدما] (2). [وقال:] و[لقد] ملأتم قلبي غيظا (3) وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان [حتى لقد قالت قريش: إن ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب]. وقد كانت هذه الأحوال مع النبي صلى الله عليه وسلم - وقد ظهرت أسباب العزة (4) وقد جاءهم من الله اليقين - من ارتياب قوم وشك آخرين، وضعف قوم، وتخلف قوم وانهزام قوم خلوا مراكزهم وولوا العدو أدبارهم، وفيهم يقول الله تبارك وتعالى: إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم [153 / آل عمران: 3]. وفي المتخلفين يقول الله: فاقعدوا مع الخالفين [46 / التوبة: 9]. وقال: وإن منكم لمن ليبطأن فإن أصابتكم مصيبة قال: قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا الآية: [72 / النساء: 4] فهذه الأحوال التي يذكرونها في حروب علي عليه السلام، قد كانت في حروب النبي صلى الله عليه وسلم، فلم جعلتموها علة للنقص، والخطأ في الرأي لولا الحيرة؟! والنبي صلى الله عليه وسلم [كان] ينزل عليه الوحي ويعينه الله بالملائكة [ومع

(هامش)

(1) هذا هو الظاهر الموافق لما في المختار: (29) من نهج البلاغة، وفي أصلي المخطوط: تدافعوني دفاع ذي الدين المطول حيادي حيادي... وإنما وضعنا جميع هذا الكلام بين المعقوفين - مع أن قطعة منه كانت مذكورة في أصلي دلالة على أن ما في الأصل كأنه لم يكن موجودا، لخروجه عن مجراه الحقيقي. (2) ما بين المعقوفات فيه وما بعده مأخوذ من المختار: (27) من نهج البلاغة، وفيه: لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم معرفة - والله - جرت ندما . (3) وفي نهج البلاغة: قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحا وشحنتم صدري غيظا وجرعتموني نغب التهمام أنفاسا . (4) لعل هذا هو الصواب، وفي الأصل: وقد ظهرت أسباب العرب. . (*)

ص 100

ذلك] فقد زاغت الأبصار من قوم / 30 / عند محنة كانت وضاقت صدورهم وظنوا بالله الظنون فإن كنتم صادقين - ولا أخالكم إلا متعمدين - فاذكروا لنا رأيا من رأيه، وغلظة من غلطاته، ضعفتم أمير المؤمنين رضي الله عنه في رأيه لولا المعاندة. [و] قد تعلمون شدة مقاساته للحروب (1) واضطلاعه بها، وما مني به من تراكم المحن عليه، واجتماع أهل النكث والبغي على حرية [و] هو المتولي للاصطلاء بحرها والقائم بلم شعثها، والداعي إلى الاجماع عليها منفردا بذلك ليس له نظير يعينه - كما تعرفون لمن كان قبله - يكتب الكتائب، ويجند الجنود، ويبعث البعوث، ويعبي العساكر، ويؤمر الأمراء، ويقوم بالخطب تحريضا وبيانا وتأنيبا، ويوضح السنة ويتولى محاجة من حاجه. فكم من شبهة قد أوضحها، وكربة قد كشفها، وضلالة قد محقها، وضال قد هداه، ونفس قد أحياها: فهل يقوى قلب أحد على ما ذكرنا [ه] إلا من نور اليقين قلبه، وعرف ما له عند ربه، وعلم أن بمثل ما فعل ينال رضاه، ويباعد من سخطه. ففضيلته في الجهاد قد بانت أيام النبي صلى الله عليه وسلم على من كان بحضرته، ومن قدمتموه عليه بدلالة القرآن. وتقدمه في الإسلام قد وضح بما خص به من المحن الشداد، ومحن الحروب قد خصته بالمكاره (2) وما يشيب عند مثلها الذوائب، والعلم بسببها في قتال الكافرين

(هامش)

(1) هذا هو الظاهر، والمقدسات: تحمل المشاق. وفي الأصل: شدة مقاماته . (2) لعل هذا هو الصواب، وفي أصلي: قد حصلت.. . (*)

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

المعيار والموازنة

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب